2 مارس 2018

امرأة تحيي أمة



اسمها ميسون..
المكان:دمشق..
الزمان:يوم من أيام سنة:607 ..
والمحنة:هجوم الصليبيين كالطوفان المدمر.. 
ومحنتها:استشهاد إخوتها الأربعة في جهادهم المقدس..
ماذا يمكن أن تفعل امرأة عزلاء في مواجهة هذه الجحافل..؟
نعم...امرأة وحدها..لكنها امرأة صاغها الإيمان خلقا آخر..فقلبت الموازين،وأدارت دفة الأمور..وغيرت مجرى الأحداث..وحركت الحياة،وصنعت التاريخ..!
جمعت النساء اللاتي حضرن يواسينها ويعزينها وقالت لهم:إننا لم نخلق رجالا نحمل السيوف..ولكن إذا جبن الرجال وأخلدوا إلى الأرض..وتمرغوا في الوحل والطين..هذا والله شعري،أثمن ما أملك،أنزل عنه أجعله قيدا لفرس تقاتل في سبيل الله،لعلي أحرك به هؤلاء الأموات..!
وأخذت المقص فجزت شعرها..وصنع النساء صنيعها..ثم جلسن يضفرنه لجما وقيودا لخيل المعركة الفاصلة،لا يضفرنه ليوم زفاف أو ليلة عرس..!..وأرسلن هذه القيود واللجم إلى خطيب الجامع الأموي سبط ابن الجوزي،فحمله إلى الجامع يوم الجمعة..وقعد في المقصورة..وحبس هذه اللجم والقيود بين يديه،والدمع يترقرق من عينيه..ووجهه ممتقع شاحب،..ثم قام وخطب خطبة حروفها من نار..تلذع أكباد من يسمعها..وكلماتها سجر..فكانت إحدى المعجزات البلاغية الساحرة الباهرة التي يهدر بها كل عصر مرة لسان محدث،أو يمشي بها قلم ملهم..كرامة من الكرامات وواحدة من خوارق العادات،وإنما حفظ الرواة جملا منها نقلوها إلى لسان الأرض..وكان مما حفظوا:
يا ويحكم..أما يؤلمكم ويشجي نفوسكم مرأى عدو الله وعدوكم..يخطو على أرضكم التي سقيت بالدماء الزكية الطاهرة..يذلكم ويتعبدكم..وأنتم كنتم السادة والقادة..؟!
أما يهز قلوبكم وينمي حماستكم،أن إخوانا لكم قد أحاط بهم العدو،وسامهم ألوان الخسف..؟
أفتأكلون وتشربون وتنعمون وإخوانكم هناك يتسربلون باللهب ويخوضون النار..وينامون على الجمر..؟!
يا أيها الناس:إنها قد دارت رحى الحرب،ونادى منادي الجهاد..وتفتحت أبواب السماء،فإن لم تكونوا من فرسان الحرب فأفسحوا الطريق للنساء يدرن رحاها،واذهبوا فخذوا المجامر والمكاحل.. أولا... فإلى الخيول،وهاكم لجمها وقيودها..أتدرون مم صنعت..؟
لقد صنعنها النساء من شعورهن..لأنهن لا يملكن غيرها يساعدن به فلسطين..
هذه والله ضفائر المخدرات التي لم تكن تبصرها عين الشمس صيانة وحياء وحفظا..قطعنها..لأن تاريخ الحب قد انتهى...وابتدأ تاريخ الجهاد المقدس..فإذا لم تقدروا على الخيول تقيدونها بها،فخذوها فاجعلوها لكم ذوائب وضفائر..إنها من شعور النساء..ألم يبق في نفوسكم شعور..؟! وألقاها من فوق المنبر على رؤوس الناس وصرخ:
تصدعي يا قبة النسر..وميدي يا عمد المسجد..وانقضي يا رجوم..لقد أضاع الرجال رجولتهم..!
فصاح الناس صيحة ما سمعوا مثلها..ووثبوا يطلبون الموت ويصنعون الشهادة..
فجاء النصر والفتح على يد امرأة واحدة أيقضت أمة نائمة..بل خامدة هامدة جامدة..ونفخت فيها الروح والحياة..!

ليست هناك تعليقات: