8 مارس 2018

حب الوطن والدفاع عنه



الحَمْدُ للهِ الكَرِيمِ المَنَّانِ، الذِي مَنَّ عَلَينَا بِنِعْمَةِ الإِيمَانِ، وَالأَمْنِ فِي الأَوطَانِ، وَالعَافِيَةِ فِي الأَبْدَانِ .. فقال تعالي }فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ(3){  ]قريش[
وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، فطر الناس علي حب الأوطان واستخلفه في الأرض لتعمير الكون فقال تعالي }هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا(61)] {هود[
وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، سَأَلَ رَبَّهُ الأَمْنَ فِي الوَطَنِ، وَدَفْعَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، علمنا حب الوطن فقال عند هجرته من بلده }مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُـونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ{ ]رواه الترمذي[.
اللهم صلى علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين .
 أمَّا بَعْـدُ: فَيَا عِبَادَ اللهِ  
إِنَّ حُبَّ المَرْءِ لِوَطَنِهِ وَشُعَورَهُ بِالانْتِمَاءِ إِلَيْهِ أَمْرٌ فِطْرِيٌّ وَعَاطِفَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ أَصِيلَةٌ، يَشْتَرِكُ فِيهَا جَمِيعُ النَّاسِ عَلَى تَنَوُّعِ أَعْرَاقِهِمْ واختِلاَفِ مَشَارِبِهِمْ، وَالإِسلاَمُ الذِي هُوَ دِينُ الفِطْرَةِ وَالإِنْسَانِيَّةِ لَمْ يَقِفْ فِي وَجْهِ هَذَا المَيْلِ الطَبِيعِيِّ، بَلْ أَقرَّ ذَلِكَ وَعَزَّزَهُ، وَجَعَلَ مِنْهُ سَبِيلاً لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالفِعْـلِ الخَيِّرِ، كَيْفَ لاَ؟
وَقَدْ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللهِ (ﷺ) حُبَّهُ لِوَطَنِهِ فِي مَوقِفٍ بَالِغِ التَّأْثِيرِ وَالرَّوعَةِ، عِنْدَمَا وَقَفَ لَيْـلَةَ الهِجْرَةِ عَلَى مَشَارِفِ مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، والتَفَتَ تِلْقَاءَهَا لِيَبُثَّهَا كَلِمَاتِ الوَدَاعِ الحَارَّةِ قَائلاً:}مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُـونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ{
لَقَدْ كَانَتْ تِلْكَ الكَلِمَاتُ الرَّقِيقَةُ تَعْبِيرًا صَادِقًا عَنْ حُبِّهِ لِوَطَنِهِ الذِي نَشَأَ فِيهِ، وَتَرَعْرَعَ فِي أَكْنَافِهِ، وَتَنَعَّمَ مِنْ خَيْرَاتِهِ، وَأَمْضَى فِيهِ سَنَواتِ شَبَابِهِ وَكُهُولَتِهِ.
وعن حب الوطن ومفهوم الوطنية اختلف الناس بين مؤيد وعارض ، لذلك كان حديثنا عن }حب الوطن والدفاع عنه{ من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية
1ـ مفهوم الوطنية وحقيقة الانتماء للوطن.
2ـ حب الوطن في الإسلام .
3ـ قيمة وفضل مصر في الإسلام.
4ـ حق الوطن في الإسلام.
5ـ فضل الشهادة عند الله تعالي.
 العنصر الأول :ـ مفهوم الوطنية وحقيقة الانتماء للوطن: 
 الوطن : في اللغة كما جاء في لسان العرب لابن منظور هو"المنزل الذي يمثل  موطن الإنسان ومحله .. ووَطَنَ بالمكان ، وأوطن : أقام ، متخذاً إياه محلاً وسكناً يقيم فيه .. "
والوطن الأصلي هو مولد الرجل , والبلد الذي هو فيه.
الوطنية:
هي المشاعر والروابط الفطرية والتي تنمو بالاكتساب لتشد الإنسان إلى الوطن الذي استوطنه وعاش فيه ..
حدود الوطن :
إن حدود الوطن التي تلزم التضحية في سبيل حريته وخيره، لا تقتصر على حدود قطعة الأرض التي يولد عليها المرء؛ بل إن الوطن يشمل القطر الخاص أولاً، ثم يمتد إلى الأقطار الإسلامية الأخرى ومرتبطة بالعقيدة .
حقيقة الانتماء للوطن :
ولأن الإسلام منهاج شامل لمملكة السماء وعالم الغيب وللعمران البشري ، فإن إقامته كدين لا تتأتى إلا في واقع ووطن ومكان وجغرافيا .. 
وهذا الواقع والوطن والمكان والجغرافيا لن يكون إسلامياً إلا إذا أصبح الانتماء الوطني فيه بعداً من أبعاد الانتماء الإسلامي العام ، فعبقرية المكان في المحيط الإسلامي هي واحدة من تجليات الإسلام الذي لا تكتمل إقامته بغير الوطن والمكان والجغرافيا !
فالوطنية لم تخرج عن أنها جزء من تعاليم الإسلام .
العنصر الثاني : حب الوطن في الإسلام :
 أ ـ حب الوطن غزيرة فطرية :
قال أهل الأدب : " إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف تحننه إلى أوطانه ، وتشوقه إلى إخوانه ، وبكاؤه على ما مضى من زمانه "
والمحبة للأوطان والانتماء للأمة والبلدان أمرٌ غريزيٌ ، وطبيعةٌ طبعَ اللهُ النفوس عليها ، وحينَ يولدُ الإنسانُ في أرضٍ وينشأُ فيها فيشربُ ماءَها ، ويتنفسُ هواءَها ، ويحيا بين أهلها ؛ فإن فطرته تربطه بها ، فيحبُّها ويواليها ، ويكفي لجَرْح مشاعر الإنسان أن تشير بأنه لا وطن له .
وحب الوطن فطرة رفع من شأنها الإسلام ، لذلك اتفق الفقهاء على أن العدو إذا دخل دار الإسلام يكون قتاله فرض عين على كل مسلم
ومحبة الوطن طبيعة طبع الله النفوس عليها ولا يخرج الإنسان من وطنه إلا إذا اضطرته أمور للخروج منه وهذه بعض الأدلة علي ذلك :
1ـ مثل خروج سيدنا إبراهيم ولوط عليها السلام قال سبحانه وتعالى}قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓاْ ءَالِهَتَكُمۡ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ (68) قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ (69) وَأَرَادُواْ بِهِۦ كَيۡدٗا فَجَعَلۡنَٰهُمُ ٱلۡأَخۡسَرِينَ (70) وَنَجَّيۡنَٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا لِلۡعَٰلَمِينَ (71){  ]الأنبياء[.
2ـ مثل خروج موسى عليه السلام قال تعالى }وَجَآءَ رَجُلٞ مِّنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ ٱلۡمَلَأَ يَأۡتَمِرُونَ بِكَ لِيَقۡتُلُوكَ فَٱخۡرُجۡ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّٰصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنۡهَا خَآئِفٗا يَتَرَقَّبُۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ (21){ ]القصص[
3ـ مثل خروج يعقوب عليه السلام وأولاده من فلسطين إلى مصر للانضمام إلى يوسف عليه السلام قال تعالى } فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَبَوَيۡهِ وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ (99){ ]يوسف .[
ولما كان الخروج من الوطن قاسيا على النفس صعبا عليها فقد كان فضائل المهاجرين من الصحابة إنهم ضحوا بأوطانهم في سبيل الله، فللمهاجرين على الأنصار أفضلية ترك الوطن مما يدل على إن ترك الوطن ليس بالأمر السهل على النفس وقد مدحهم الله سبحانه على ذلك فقال تعالى:} لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ (8) {  ]الحشر[
* دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام لوطنه بالأمن والبركة :
لقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن نبيِّه إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام أنه دعا لمكة المكرمة بهذا الدعاء، قال الله تعالى }وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(126){ ]البقرة[
ودعاء إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام يُظهِر ما يفيض به قلبُه، مِن حبٍّ لمستقر عبادته، وموطن أهله ، ولقد دعا لمكة بالأمن والرِّزق، وهما أهم عوامل البقاء، وإذا فُقِد أحدُهما أو كلاهما فُقِدت مقوماتُ السعادة، فتُهجَر الأوطانُ، وتَعُود الديارُ خاليةً من مظاهر الحياة.
ولهذا نرى أن الله سبحانه وتعالى شدَّد في عقوبة مَن يُفسِد على الديارِ أمنَها؛ بل جعل عقوبتَه أشدَّ عقوبةً على الإطلاق؛ قال تعالى:}إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(33){  ]المائدة[ فهل بعد هذه العقوبة من عقوبة؟!
وقد دعا الإسلامُ إلى فِعل كلِّ ما يُقوِّي الروابطَ والصلات بين أبناء الوطن الواحد، ثم بين أبناء الأُمَّة، ثم بين بني الإنسان.
* حنين النبي (ﷺ) وأصحابه إلي الوطن :
 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله (ﷺ) لمكة }ما أطيبك من بلد وما أحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك { فهو (ﷺ) في مكة يحبها ويكره الخروج منها وعندما هاجر إلى المدينة واستوطنها ألفها ثم لما فتح مكة , وخاف الأنصار أن يقيم فيها قال لهم }المحيا محياكم والممات مماتكم{، بل كان يدعو الله إن يرزقه حبها }اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد { رواه البخاري.
فما الذي تغير في الأمر انه (ﷺ) عند خروجه من مكة يصرح بحبها وعندما سكن المدينة صرح بحبها أيضا ودعا إن يحبها أكثر من مكة ، وقد صح عنه (ﷺ) في محبه المدينة مالم يرد مثله في مكة.
وقد تكرر دعاؤه (ﷺ) بتحبيب المدينة إليه  ومثلما دعا بحبها فقد دعا لها}اللهم اجعل المدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة{ ]رواه البخاري ومسلم[
وقال (ﷺ) }اللهم بارك لنا في تمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة , وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعا لمكة ومثله معه { ]رواه مسلم .[
وقال تعالي }إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ (85){  ]القصص[
قال ابن العباس رضي الله تعالى عنهما: إلى مكة  ]رواه الإمام البخاري
قال القرطبي رحمه الله تعالى : قال مقاتل :خرج النبي (ﷺ) من الغار ليلا مهاجرا إلى المدينة في غير الطريف مخافة الطلب فلما رجع إلى الطريق ونزل الجحفة وعرف الطريق الى مكة فاشتاق اليها فقال جبريل عليه السلام إن الله يقول }إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ { أي إلى مكة ظاهرا عليها.
ـ وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت :لما أقدم رسول الله (ﷺ) وعك أبو بكر وبلال ، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول :"كل امرئ مصبح في اهله والموت أدنى من شراك نعله".
وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته يقول:
" أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بوَادٍ وحَوْلِي إذْخِرٌ وجَلِيلُ
وَهلْ أرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ ... وهلْ يَبْدُوَنْ لي شَامَةٌ وطَفِيلُ

ـ حب الوطن مقترن بحب النفس والدين :
فقد اقترن حب الديار مع محبة النفس وأن كلا منهما أمر متأصل في النفوس عزيز عليها قال تعالى:}وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ(66 ) { ]النساء[
واقترن في موضع أخر بالدين فقال تعالي:} لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ (8) { ]الممتحنة[
والتي اقترن حب الوطن مع الدين , فالبر والعدل مأمور بهما لمن لم يقاتل المسلم على دينه ولم يخرجه من وطنه والجمع بيتهما دليل على تقارب مكانه كل منهما في الإسلام وفي النفوس .هذا يدل على تأثير الأرض , وعلى أن طبيعة الإنسان التي طبعه الله عليها حب الوطن , والديار ولكن لهذا الحب حدودا يجب ألا يتجاوزها لأن فوق هذا الحب حب آخر أولى منه وأهم وهو حب العقيدة والدين فإذا ما تعارض حب الوطن مع الدين وجب حينئذ تقديم الأعلى وهو الدين وقد يهاجر المسلم من أرضه فرارا بدينه حين لا يستطيع إظهاره , والمحافظة عليه.
قال تعالى }قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24){ ]التوبة [
ج ـ مفاهيم في حب الوطن :
حب الوطن في الإسلام
هو محبة الفرد لوطنه وبلده، وتقوية الرابطة بين أبناء الوطن الواحد، وقيامه بحقوق وطنه المشروعة في الإسلام، ووفاؤه بها.
ـ حب الوطن في الإسلام: لا يعني: العصبيةَ، التي يُراد بها تقسيمُ الأمة إلى طوائفَ متناحرةٍ، متباغضة، متنافرة، يَكِيد بعضها لبعض، وفي الحديث عن أنس، أن رسول الله (ﷺ) قال: }مَن قُتل تحت راية عُمِّيَّة، ينصر العصبية، ويغضب للعصبية، فقتلتُه جاهليةٌ{ ] رواه الطبراني وأبو يعلى[
ـ حب الوطن في الإسلام لا يعني اتِّباعَ القومِ أنَّى ساروا، ونصرَهم على كل حال؛ بل يعني: العدلَ والإنصاف، وعن عبَّاد بن كثير الشامي، عن امرأةٍ منهم يقال لها: فسيلة، قالت سمعت أبي يقول: سألت النبي (ﷺ) فقلت:} يا رسول الله، أمِنَ العصبيةِ أن يحب الرجلُ قومَه؟ قال لا، ولكن من العصبية أن يُعِينَ الرجلُ قومَه على الظلم{ ]رواه أحمد وابن ماجه.[.
ـ حب الوطن في الإسلام: لا يعني الانفصال عن جسد الأمة الإسلامية، أو نسيان مبدأ الإنسانية، فلا ننصر مظلومًا، ولا نغيث ملهوفًا، ولا نعين مكروبًا، ما دام أنه ليس في حدود الوطن، والنبي (ﷺ) يقول} مَثَلُ المؤمنين في تراحمهم وتوادِّهم وتعاطفهم مثلُ الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعَى له سائر الجسد بالسهر والحمى{ ]متفق عليه[.
العنصر الثالث : قيمة وفضل مصر في الإسلام:
وإذا ذكرنا حب وفضل الوطن فلا ننسي أن نذكر فضل مصر، مصر وما أدراكم ما مصر ؟
ـ مصر كنانة الله في أرضه ،بلد أمَّنها الله، فقال سبحانه على لسان يوسفادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99){ ]يوسف[
ـ مصر التي جعلها الله تعالى بلد الخير والعطاء، فذكر سبحانه وتعالىاهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ(61){   ]البقرة[
ووصفها ربنا بقوله تعالىكَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ(27{( ]الدخان[
وقال سعيد ابن هلال : "إن مصر أم البلاد وغوث العباد , إن مصر مصورة في كتب الأوائل وقد مدت إليها سائر المدن يدها تستطعمها وذلك لأن خيراتها كانت تفيض على تلك البلدان"
قال الجاحظ  "إن أهل مصر يستغنون بما فيها من خيرات عن كل بلد حتى لو ضرب بينها وبين بلاد الدنيا بسور ما ضرهم"
ـ مصر التي وصى بها حبيبنا المصطفي (ﷺ) أصحابَه، فقال لهم }إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمَّى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأَحسِنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذمةً ورحمًا{.]رواه مسلم[.
ـ هي أم البلاد وهي أم المجاهدين والعباد قهرت قاهرتها الأمم ووصلت بركاتها إلى العرب والعجم , وطئ أقدامها الأنبياء و المرسلون والصحابة المجاهدون .
ـ إن مصر فيها خزائن الأرض بشهادة ربنا جل وعلا لما قال عن سيدنا يوسف عليه السلام } قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ(55)] { يوسف[
وخزائن الأرض هنا وزارة مالية مصر والتي تعد خزائن الأرض كما ذكر ربنا فقيمة مصر في ذلك الوقت تعادل الكوكب الأرضي بأسره.
ـ فمصر هي سلة الغذاء للأمم كلها نذكر يوم أن حدثت مجاعة في عهد سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أكلت الأخضر واليابس (عام الرمادة) وقال سيدنا عمر والله لا آكل سمناً ولا سميناً حتى يكشف الله الغمة عن المسلمين وبقى مهموماً هماً يتأوه منه ليلاً ونهارا نزل الأعراب حوله في العاصمة الإسلامية المدينة المنورة بخيامهم، كان يبكي على المنبر عام الرمادة، وينظر إلى الأطفال وهم يتضورون جوعاً أمامه، وود أن جسمه خبزاً يقدمه للأطفال
وأخذ يقول: يا ليت أم عمر لم تلد عمر .. يا ليتني ما عرفت الحياة.. آه يا عمر كم قتلت من أطفال المسلمين ،لأنه يرى أنه هو المسئول الأول عن الأكباد الحرَّى، والبطون الجائعة .
وفي الأخير تذكر عمر أن له في مصر إخواناً في الله، وأن مصر بلداً معطاءً، سوف يدفع الغالي والرخيص لإنقاذ العاصمة الإسلامية ، وكان والي مصر عمرو بن العاص الداهية العملاق، كتب له عمر رسالة، وهذا نصها: بسم الله الرحمن الرحيم، من عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، إلى عمرو بن العاص أمَّا بَعْـد: فوا
 غوثاه… وا غوثاه… والسلام وأخذها عمرو بن العاص ، وجمع المصريين ليقرأ الرسالة المحترقة الملتهبة الباكية المؤثرة أمامهم ،ولما قرأها عمرو ؛ أجاب عمر على الهواء مباشرة، وقال: لا جرم! والله لأرسلن لك قافلة من الطعام أولها عندك في المدينة وآخرها عندي في مصر
وجاد المصريون بأموالهم كما يجود الصادقون مع ربهم، وبذلوا الطعام، وحملوا الجمال وذهبت القافلة تزحف كالسيل، وتسير كالليل تحمل النماء والحياة والخير والزرق والعطاء لعاصمة الإسلام. ودعا لهم عمر ، وحفظها التاريخ لهم حفظاً لا ينساه أبد الدهر
*مصر بلد المروءة والشهامة والنجدة ونصرة المظلوم والوقوف بجوار الحق. 
وقد ضرب الله تعالى مثلا بمؤمن آل فرعون البطل الثابت على الحق الذي قال الله جل وعلا عنه }وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ(28){  ]غافر[ وهو مصري وذكر ذلك الرجل المؤمن الذي حذر موسى عليه السلام }وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ(20)  [ ]القصص[
ـ مصر قاهرة الصليبيين في حطين..
ولا ننسى جهاد أهل مصر ضد الصليبيين بقيادة صلاح الدين الأيوبي في موقعة حطين في شهر رمضان.
مصر قاهرة التتار في عين جالوت :ـ
وأيضا لا ننسي يوم أن دخل التتار العالم الإسلامي فدمروه.. 
هدموا المساجد، ومزقوا المصاحف، وذبحوا الشيوخ، وقتلوا الأطفال، وعبثوا بالأعراض، بل دمروا عاصمة الدنيا بغداد ،وزحفوا إلى مصر ليحتلوها، وخرج المصريون وراء الملك المسلم قطز الذي يحمل لافتة: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وكانت عين جالوت والذي حث الناس على الجهاد هو العالم سلطان العلماء العز بن عبد السلام ،والتقى التتار الأمة البربرية البشعة، التي لم يعلم في تاريخ الإنسان أمة أشرس ولا أقوى ولا أشجع منها، التقوا بالمسلمين المصريين؛ بجيل محمد عليه الصلاة والسلام ولما حضرت المعركة والتقى الجمعان، قام قطز فألقى لأمته من على رأسه، وأخذ يهتف في المعركة: وا إسلاماه… وا إسلاماه… وا إسلاماه
فقدموا المهج رخيصة، وسكبوا الدماء هادرة معطاءة طاهرة، وانتصر الإسلام وسحق التتار، ومنيوا بهزيمة لم يسمع بمثلها في التاريخ .
ولا ننسي العدوان الثلاثي علي مصر( بريطانيا وفرنسا واسرائيل ) يوم أتى العدوان الثلاثي الغاشم يريد اجتياح مصرفي عام 1956م ، وخرج المؤمنون بعقيدتهم وتوحيدهم يدافعون الدول الثلاث، خرجوا يهتفون مع صباح مصر:
أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدا
أنتركهم يغصبون العروبة أرض الأبوة والسؤددا
فجرد حسامك من غمده فليس له اليوم أن يغمدا

وسحقوا العدوان الثلاثي، واندحر العميل الغادر الغاشم بنصر الله ثم بضربات المؤمنين، وكلكم يعلم أن العالم الإسلامي حارب إسرائيل ما يقارب أربعين سنة، فكانت مصر أكثر الأمة جراحاً، وأعظمها تضحيةً، وأكبرها إنفاقاً، وأجلها مصيبةً.. قدمت آلاف وملايين الأبناء البررة المؤمنين، والدماء، والآراء.
ولـمصر في قلب الزمان رسالة مكتوبة يصغي لها الأحياء من مصر تبدأ قصة في طيها تروي الحوادث والعلا سيناء ولـمصر آيات الوفاء ندية أبناؤها الأصداء والأنداء هي مصر إن أنشدتها متشوقاً طرب الزمان وغنت الورقاء ما مصر إلا الفجر والدمع السخي وإنها سر المحبة حاؤها والباء.
هذا الوطن محل عبادتنا لربنا , فيه مساجدنا , ومدارسنا وجامعتنا ،وأهلنا ،وعلماؤنا , وأموالنا ،حيث تعلمنا أمور ديننا ودنيانا ، فكان لزاما علينا أن نؤدي واجبنا نحوه ونعرف أن أداؤنا للواجب ليس منة ولا تفضلا وإنما واجب ودين في رقبتنا نسأل عنه أمام الله تعالي ، نؤجر إن وفينا ونعاقب إن قصرنا .
فمن حق الوطن علينا :
1ـ المحافظة على تديُّن الوطن وصَلاحه، ونشْر الخير بين أبنائه، ومقارعة الفساد، وتجفيف منابعه قدْر الإمكان:
فبلدنا قام على الإسلام، ويُحكَم فيه بالإسلام ، وأنظار الملايين من المسلمين تتَّجه نحو دِين وتديُّنِ بلادنا، فالحرص على صَفاء الإسلام ونقائه مسؤوليَّة مشتركة بين الجميع؛ حكَّامًا ومحكومين، عُلَماء ومعلِّمين، دُعاة ومربِّين
ولا بد أن نعلم أن إشاعة الفكر المنحرِف، والمناهج المستوردة بين أبناء وطننا خيانةٌ عظمي لهذا الوطن .و يعد من أكبر الخيانة للوطنية حينما تتحوَّل بعض وسائل الإعلام إلى وسيلة هدْم للقِيَمِ والأخلاق، والتشتُّت والافتراق، بعيدة عن هُموم مُواطِنيها، ومشاريع الإصلاح في بلدها.ولن يتم ذلك إلا بالإصلاح الشامل في وطننا ، وفرقٌ كبير بين الصلاح والإصلاح؛ فالصلاح يكون مقدِّمة للإصلاح، فالصالح هو مَن أصلح نفسه، وأقامها على شرع الله عز وجل واكتفى بذلك، أما المُصلِح، فهو الذي تتحقَّق فيه صفة الصلاح، ويؤمن بأن عليه واجبًا لا يقل أهمية عن إصلاح نفسه، ألا وهو إصلاح غيره ، ويعتبر الإصلاح واجب على كل فرد في الوطن ولا اعفاء لأحد، لأن كل فرد مطالب بالإصلاح على الأقل داخل محيط أسرته؛ فقد جعل رسولنا الكريم (ﷺ) كلَّ فرد مسؤولاً، والمقصود من المسؤولية هي الإصلاح؛ فيقول النبي (ﷺ) }كلُّكم راعٍ، وكل مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده، ومسؤول عن رعيته{ ]رواه البخاري ومسلم[  
بل أخذ النبي (ﷺ) العهدَ على أصحابه عند دخولهم في الإسلام بأن يكونوا مُصلِحين، وذلك بالنصح لكل المسلمين، فشرط على كل واحد منهم أن يكون مصلحًا، وذلك بأن يكون ناصحًا، ومن ذلك حديث جَرِير بن عبدالله رضي الله عنه في الصحيحين يقول: "أتيت النبي (ﷺ) قلتُ أبايعك على الإسلام، فشرط عليَّ، (والنصح لكل مسلم)، فبايعتُه على هذا"
وإذا أردنا النجاة لأوطاننا فعلينا بالإصلاح؛ فإن الله سبحانه جعل النجاة فيه؛ قال تعالىوَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ(117) ]هود[
فقال سبحانه مصلحون، ولم يقل: صالحون؛ لأن مجرد الصلاح لا ينجِّي الأمم؛ لأن النبي (ﷺ) سئل؛ كما في الصحيحين: "أَنَهْلِك وفينا الصالحون، قال:}نعم، إذا كثر الخبث{
وها هم أصحاب السبت، حرَّم الله عليهم الصيد يوم السبت، فكانوا يتحايلون على شرع الله. ونجد الصالحين في هذا المكان انقسموا إلى فريقين:
ـ ـ فريق نقل نفسه إلى درجة الإصلاح، وأنكروا عليهم ما يفعلونه من مخالفتهم لشرع ربهم.
ـ وفريق صالح سكت، بل عاتب مَن أراد الإصلاح، فقالوا لهملِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(164) ]الأعراف]؛
فانظروا إلى عاقبة ذلك، أن نجَّى الله المصلحين؛ فقال سبحانه فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ (165) ]الأعراف]؛ أي المصلحين، وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(165){  ]الأعراف]، واختلف المفسرون في الصالحين الذين سكتوا، وفريق منهم على أنهم هلكوا مع من هلك.
• فتعالَوا معًا نرجع للأمة الإسلامية خيريتها وللأوطان مكانتها، وذلك بأن نكون مُصلِحين، فما استحق المسلمون الخيرية إلا بالإصلاح؛ قال تعالى}كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110){ ]آل عمران[
فقدَّم الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو أساس وركن الإصلاح على الإيمان به؛ لأهميته؛ فكل إنسان خاسر إلا المؤمنَ الصالح المصلح، اقرؤوا معي سورة العصر؛ ففيها بيان الفوز ولكن لمن؟ }وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3) ]العصر[
1ـ ترسيخُ القِيَم الاجتماعيَّة:
حتى يعيشَ ذلكم الوطن لحمةً واحدةً، مُتعاوِنين مُتَآلِفين، يُعطَف فيه على الصغير، ويُوقَّر فيه ذو الشَّيبة، وتُسَدُّ فيه الفاقة، يُواسَى فيه المكلوم، ويُناصَح المُخطِئ، ويسعى لقَضاء حاجات المحتاجين؛ حتى يكونَ المجتمع بعد بذلك كالبُنيان يَشُدُّ بعضه بعضًا. ولما هاجر الرسول (ﷺ) الى المدينة كان من أول أعماله (ﷺ) لقيام الكيان المؤمن الأمن و نشر الدعوة وصلاح أحوال المجتمع واستقراره والمؤاخاة بين المهاجرين والانصار وهي تعني أداء مسؤوليه التكاتف والتعاون بين أبناء المجتمع والتآزر لصلاح الدين والوطن
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى " ثم آخي رسول الله (ﷺ) بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وكانوا تسعين رجلا , نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار وآخي بينهم بالمواساة … "
ومع أن المؤاخاة كانت على المواساة فإن الأنصار رضوان الله تعالى عليهم لم يكتفوا بها فقد قاموا بالمساواة فكان الأنصاري يقسم ماله نصفين يأخذ نصفها له ويعرض على المهاجري النصف الآخر كما في قصه سعد بن الربيع مع عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما , وقد قابل عبدالرحمن رضي الله تعالى عنه هذا العرض السخي بالتعفف.وهذه صفات المجتمع المسلم التآزر والتعاون فيما بينهم ولم يجد العدو حينئذ ثغره ينفذ منها في ايقاع الشحناء , والفرقة والنزاع بينهم. ولن نجد أنكى في العدو من التلاحم , والتكاتف ووعي أبناء الوطن لتربص العدو وترقبه في إضعاف جانب التكاتف فيما بينهم .
3ـ الحفاظ علي أمن الوطن:
الأمن والأمان مَطلَبٌ تَصغُر دُونه كثيرٌ من المطالب، وتهون لأجله كثيرٌ من المتاعب، الأمن في الأوطان لا يُشتَرى بالأموال، ولا يُبتاع بالأثمان، ولا تفرضه القوَّة، ولا يُدرِكه الدهاء؛ وإنما هو منَّة ومنحَة من الملك الديَّان رب العالمين ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (1) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ(3) ]قريش[
بالأمن والأمان تعمر المساجد وتصفو العبادة، ويُنشَر الخير وتُحقَن الدماء، وتُصان الأعراض وتُحفَظ الأموال، وتتقدَّم المجتمعات وتتطوَّر الصناعات.
الأمن في البلاد مع العافية والرِّزق هو الملك الحقيقي، والسعادة المنشودة؛ قال (ﷺ) }مَن أصبح منكُم آمنًا في سِربِه، مُعافًى في بدنه، عنده قُوتُ يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بِحَذافِيرها .{  ] أخرجه الترمذي[
إذا خلَتِ البلاد من الأمن، فلا تسَلْ عن الهرج والمرج، إذا ضاعَ الأمن حلَّ الخوف وتَبِعَه الفقر، وهما قرينان لا ينفكَّان؛ قال سبحانه عن القرية التي كفَرتْ بأنعُم الله فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(112) ]النحل[
فالأمن والاستقرار إذَا من أهمِّ مُقوِّمات العيش ومطالب الحياة، والواقع والتاريخ يُؤكِّد هذا كلَّه، فالبلاد الآمنة يُرحَل إليها، وتزدهر معيشتها، وتهنأ النُّفوس بالمكث فيها. ولذا كان من النعيم المستلذِّ به عند أهل الجنَّة نعيمُ الأمن والأمان ؛  }وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ (37){   ]سبأ [
وفي المقابل حينما تخلو الدِّيار من الأمن والأمان، تُصبِح أرضًا موحشةً، وإنْ كان فيها ما فيها من النعيم والخيرات، بل إنَّ التشريد بين الأنام، واللجوء إلى الخيام، ليُصبِح أهنأ وأهون من هذا المقام. قال تعالي } أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67){العنكبوت[
4ـ العمل الجاد:
كل مواطن في البلد هو في الحقيقة جندي من جنوده والاسلام يخاطب المؤمنين في الدعوة والجهاد والسعي الى العمل الصالح دون تفريق بين الفرد واخر فليس هناك جنود مسؤولون عن الوطن وآخرون ينعمون بخيراته ولا يتحملون مسؤوليه اتجاهه
والعمل الصالح من الإيمان كما هو في كثير من الآيات في الكتاب الكريم قال تعالى }مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(62){ ]البقرة[
وقال تعالى }من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون(69{ ( ]المائدة[
وقال تعلىمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً (97) ]{ النحل[
وغيرها من الآيات الكثيرة التي ربطت بين الايمان والعمل الصالح فلابد من الانتماء الذي اشرنا اليه من الالتزام بالسلوك والعمل وهاذ العمل لا يحد بنوع معين وإنما هو متروك الامكانيات الشخص وقدراته ومؤهلاته وهو تنوع يتيح تكاملا في العطاء ويتطلب ابتداء استشعار الواجب اتجاه الوطن وأن القادر غير معذور إطلاقا عن الاسهام في الواجب وفق اللبنة التي يتمكن من وضعها في بناء وطنه
وإن من خير الأعمال ما عم نفعه وأدني الأعمال ما اقتصر عمل صاحبه علي نفسه.
5ـ الدفاع عن الوطن ضد أي عدوان:
يقول الله تعالى في قصة طالوت وجالوت } أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّٖ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكٗا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ قَالَ هَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَٰتِلُواْۖ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَٰتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِيَٰرِنَا وَأَبۡنَآئِنَاۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡاْ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ (246){ ] البقرة [
فدلالات هذه الآية تشير الى أهميه القتال من اجل الديار والأبناء فيما لا يتعارض مع الإسلام وان هذا جهاد في سبيل الله . وعن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن الرسول الله (ﷺ) قال :}من قتل دون ماله فهو شهيد {ومن أغلى الأموال الأرض التي نسكنها ونحيا عليها ولا يصح أن نفرط في أوطننا وأراضينا بل الحفاظ عليها أمر واجب شرعا .
العنصر الخامس : فضل الشهادة عند الله تعالي :
إن الشهادة في سبيل الله درجة عالية لا يهبها الله إلا لمن يستحقها، فهي اختيار من الله تعالي للصفوة من البشر ليعيشوا مع الملأ الأعلى، }وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء(140){ [آل عمران[
إنها اصطفاء وانتقاء للأفذاذ من البشر ليكونوا في صحبة الأنبياء، قال تعالى: وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ ٱلنَّبِيّينَ وَٱلصّدّيقِينَ وَٱلشُّهَدَاء وَٱلصَّـٰلِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا(69){  ]النساء[
وما أعظم البيعة مع الله تعالي اسمعوا قول الله تعالى }إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111) ]التوبة[
فعقدوا البيع مع الله، السلعة أرواحهم ودماؤهم، والثمن الموعود عند الله هو الجنة، ومن أوفى بعهده من الله؟
فيا لله ما أعظمه من بيع، وما أعظمه من ربح، لله درهم ما أشجعهم، غادروا أوطانهم، وهجروا نساءهم، وفارقوا أولادهم وخلانهم؛ يطلبون ما عند الله، تركوا لذيذ الفراش ورغد العيش، وخاطروا بأنفسهم في سبيل الله؛ يطلبون الموت مظانه، لله درهم ما أقوى قلوبهم، لله درهم ما أقوى إيمانهم حين يعرضون رقابهم للحتوف ويريقون دماءهم تقربًا إلى الله ربهم طمعًا فيما عند الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ﷺ) قال:}انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أوغنيمة أوأدخله الجنة، ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل{ ]البخاري[
ولو لم يكن للقتل والشهادة في سبيل الله من الأجر الكبير لما تمنى النبي (ﷺ)  أن يقتل في سبيل الله ثلاث مرات، وها هو النبي (ﷺ) يقول:}والذي نفسي بيده، لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله. والذي نفسي بيده، لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل{ ]رواه البخاري[
هذه الفضائل التي يحوزها الشهيد، فقد قال رسول الله (ﷺ) }للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه{ ]أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب[
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ﷺ) }ما يجد الشهيد من مسّ القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة{ ]أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب[
وإذا قتل الشهيد لم ينقطع عمله الصالح بل يزيد ويتضاعف، فعند الترمذي عن رسول الله (ﷺ)  أنه قال: }كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطًا في سبيل الله، فإنه يُنَمّى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن من فتنة القبر{ ] أبو داود [
وإن الغبار الذي يصيب المجاهد في سبيل الله فيتسلل إلى جوفه يكون مانعًا من دخان جهنم التي وقودها الناس والحجارة، أخرج النسائي أن رسول الله (ﷺ)  قال: }لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدًا.{ ] النسائي[
والشهيد الذي غادر هذه الدنيا ليس بميت يحسب في عداد الأموات، بل هو حي يعيش حياة برزخية يعلمها الله تعالى:قال تعالي }وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ (170) ۞يَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (171){ ]آل عمران[
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين  ، اللهم انصر المجاهدين في غزة وفلسطين ، اللهم الطف بأهل مصر خيرا ، اللهم احفظهم بحفظك واكلأهم برعايتك واحفظ بلاد المسلمين يا رب العالمين اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان ، نسألك اللهم أن تعصم دماء المسلمين وأموالهم ، وأن تجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن تصرف عنهم شرارهم وجميع بلاد المسلمين ، 

اللهم اكفنا شر الأشرار وكيد الفجار وطوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن.اللهم آمين والحمد لله رب العالمين .

رابط pdf

https://www.raed.net/file?id=603480

 

ليست هناك تعليقات: