الحمد لله رب العالمين ....حذر من النفاق وخطر المنافقين فبين صفاتهم فقال تعالى }وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ (8) يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخۡدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ (10){ [البقرة].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير ..حذرنا من المنافقين فقال تعالي }هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ(4){ [المنافقون].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) أخبرنا عن علامات النفاق فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ) : }آيةُ المنافِقِ ثلاث: إذا حدَّثَ كذَب، وإذا وَعَدَ أخْلف، وإذا اؤتمن خان{ ]رواه مسلم[
فاللهم صل علي سينا محمد وعلي أله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ....
أما بعـد : فيا أيها المؤمنون ..
إن الله تعالي حذرنا من أمراض القلوب , لأنَّ أخطرَ الأمراض في عالم الطِب هي الأمراضُ التي لا أعراضَ لها .
وهُناكَ أمراضٌ لها آلامٌ لا تُحتمل ، ليست خطيرة , لأنها في وقتٍ مُبكر تكشِفُها ، ولكنَّ أخطرَ الأمراض هي الأمراض التي لا يُصاحِبُها ارتفاع حرارةٍ ولا آلامُ مُبرّحةٌ , إنما هيَ أمراضٌ تتسلل تسلُلاً بطيئاً إلى أن تستفحلَ فجأةً , وعندئذٍ يستحيلُ الدواء .
فمن أمراض القلوب مرض النفاق فهو مرض خطير وشر مستطير إذا استولى على القلب أماته، وصار صاحبه حياً كميت، وصحيح البدن مريض الروح، قال الله تعالى } فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ (10){ [البقرة].
لذلك كان حديثنا عن }النفاق وخطره على الأمـة{ من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ....
1ـ تعريف النفاق .
2ـ أنواع النفاق وصفات المنافقين .
3ـ أسباب النفاق .
4ـ خطر النفاق والمنافقين.
5ـ عقوبة المنافقين .
6ـ خوف السلف من النفاق .
7 ـ السبيل إلى الخلاص من النفاق.
العنصر الأول : تعريف النفاق :
النفاق: كلمة قبيحة بلا شك ،ولقبحها هرب الناس منها كلفظ، واستبدلوها بكلمات جذابة مثل :المجاملة ، والتعامل الدبلوماسي ، والمرونة ، وغير ذلك من الكلمات التي نسمعها كل يوم ، وهي في الحقيقة ليست سوى أغلفة براقة للنفاق تستر عورته، وتبرر للناس التعامل به، لكنها في الوقت ذاته تحمل دلالات عدة عن مدى استشراء النفاق في تعاملاتنا، وتغلغله في مجتمعاتنا.
والنفاق: هو إظهارُ الإسلام والخير، وإبطانُ الكفر والشر، سمي بذلك لأنه يدخل في الشرع من باب ، ويخرج منه من باب آخر، وعلى ذلك نبه الله تعالى بقوله تعالي }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67){ ]التوبة[. أي الخارجون من الشرع .
العنصر الثاني : أنواع النفاق:
النفاق نوعان :
النوع الأول : الاعتقادي:
وهو النفاق الأكبر الذي يُظهر صاحبه الإسلام ، ويُبطن الكفر، وهذا النوع مخرج من الدين بالكلية ، و يوجب لصاحبه الخلود في النار، بل في الدرك الأسفل من النار. ولهذا النوع من المنافقين صفات خاصة بهم ،بيَّنها الله جلَّ وعلا في كتابه الكريم، وبينها نبيُّه (ﷺ) في سُنَّته.
وقد جعَل الله جلَّ وعلا هذه الصفات دليلاً على نِفاق المرء، فمَن اتَّصف بها كان منافقًا خالصًا، لا تنفعه شفاعةُ الشافعين، وفي نار جهنم من المخلَّدين.
وصعوبة أمْر المنافِق تكمُنُ في سَريرته التي لا يعلمها إلاَّ الله وحْده لا شريك له، وقد أعْلَم نبيَّه (ﷺ) ببعضهم، حيث قال جلَّ وعلا}وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30){ [محمد].
فلَّما كان شرُّ المنافقين مستطيرًا، فسنأتي على بعضِ صِفاتهم، والتي منها:
1ـ تركُ الاهتداء بالوحي:
المنافقون جميعاً متفقون على هذا الأمر وهو عدم الاهتداء بالوحي، أنت إنسان تحتاج إلى منهج، تحتاج إلى دستور، تحتاج إلى قانون، ما المنهج الذي تسيرُ عليه؟
ما القانون الذي يُقننُ تصرفاتك؟
ما الدستور الذي تهتدي به ؟
المنافقون جميعاً أنكروا الوحي ورفضوه, فالمسلم إذا رفض حكم الله في أي قضية من القضايا ، واعتبر القران الكريم كتاب يُقرأ للبركة وليس منهج حياة ودستور وقانون لإصلاح الدنيا بالدين فقد وقع في خندق المنافقين شاء أم أبى ،والدليل قول الله تعالي: }أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا(61){ ]النساء]
المنافق لا يقبل حُكمَ اللهِ عزّ وجل, لأنَّ شهواتِهِ تغلِبُهُ.
وقال تعالي }وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ(47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ(48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ(49){[النور].
المنافق يكرهُ حُكمَ الله, قال تعالي:}ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ(9){ [محمد]
وهذه العَيِّنة من المنافقين ما أكثرَها اليوم! فهي في أحضان الغرْب تربَّت، وفي منابتِ الزندقة أنبتَت، فأنتجت أقوامًا أضلَّ من الأنعام، ينادون بإلْغاء شرْعِ الله، وعلى أرضه يمشون!
يُنادون بإلْغاء القرآن وسنة النبي (ﷺ) ومِن نعم الله يأكلون، فسبحان الله الحليم !
ما أحلمه علي هؤلاء ؟
2ـ يدور مع مصالحه :
المنافق إذا كانت قضيته تُحل مع الشرع صار مع الشرع، تُحل مع القانون صار مع القانون. قال تعالي }وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ(14){ ]البقرة[.
وقال تعالي }الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141){ [النساء].
3ـ الإفساد في الأرْض:
قال تعالى }وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ (12){ [البقرة].
وقال تعالي }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206){ ]البقرة[
4ـ الاستهزاء بالمؤمنين والطعن فيهم وتجريحهم :
دائما يسخر بالمؤمنين ويصفهم بكل نقيصة ويعيب أعمالهم لا يري لهم حسنة قط وإن رأي فعلا صالحا شكك فيه وفي نية المؤمنين ،قال تعالي }يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65){ ]التوبة[ .
وقال تعالى:} وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ(58){[التوبة].
وقال أيضًا: }الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79){ [التوبة].
وأيضا يصف المؤمنين أصحاب الرسالات الحقة بأنهم مخدوعين ومضحوك عليهم ومغيبين قال تعالي:}إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاَءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49){ [الأنفال].
5ـ الحَلِف كذبًا سترًا لجرائمهم:
قال تعالي }اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(2){ [المنافقون].
وقال تعالى }أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ (14) أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدًاۖ إِنَّهُمۡ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (15) ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ (16){ ]المجادلة[
وهذه الآيات ترسم صورةً واضحةً ومتكاملة لأخلاقهم الدَّنيئة؛ حيث قال تعالى } إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ(5){ [المنافقون].
6ـ الفَرَح والشماتة في مصائب المؤمنين :
قال تعالى: }إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُمْ فَرِحُونَ(50){ [التوبة].
وقال تعالى:}إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ(120){[آل عمران].
إذا حصل للمسلمين شيء في المعارك من قتل وجراح وإدانة للمشركين عليهم فرحوا وقالوا الحمد لله }قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ{، ويظهرون الشماتة وإذا حصل نصر للمسلمين تمنوا أن لو كانوا معهم }وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا(72){ [النساء]،
}وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا(73){[النساء].
هكذا المنافقون من أخلاقهم الشماتة بالمسلمين فالشماتة صفة أعداء الرسل، صفة أعداء الله، صفة أعداء الإسلام والمسلمين ولهذا استعاذ النبي (ﷺ) من شماتة الأعداء كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: "كان النبي (ﷺ) يستعيذ بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء"
شماتة الأعداء لأنها تتكئ القلب وتجرحه وتحدث في النفس ما الله به عليم ولهذا قال سيدنا هارون لسيدنا موسى عليهما السلام }فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء(150){ [الأعراف].
7ـ الأمرُ بالمنكر، والنهي عن المعروف:
قال تعالى }الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(67){ [التوبة] فهُم يأمرون بالإباحية، وينهَوْن عن الحِجاب، ويأمرون بالفُجور، وينهَوْن عن التقوى ، يأمرون بالرِّبا، وينهَوْن عمَّا أحلَّ الله مِن البيوع، يأمرون بالخُمور، وينهون عمَّا أحلَّ الله مِن الطيبات، فعليهم لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين.
8ـ التغرير بالآخرين:
قال تعالى }أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لاَ يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنْصَرُونَ (12){ [الحشر].
كعبد الله بن أُبي، وعبد الله بن نبتل، وأوس بن قيظي ورفاعة بن تابوت، وأمثال هؤلاء من أهل النفاق.
يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، يعني عندما كان المنافقون كفارًا في الباطن صارت بينهم هذه الأخوّة لإخوانهم من أهل الكتاب، والمقصود اليهود (يهود النضير)، فإن عبد الله بن أُبي هو الذي قال لهم: اثبتوا ولا تخرجوا من دياركم، وسنقف معكم، ونعينكم وننصركم، ومصيرنا واحد، كما أخبر الله تبارك وتعالى.
قال الله تعالى: }وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{ أي: لكاذبون فيما وعدوهم به، وفي النهاية خذلوهم وتخلوا عنهم.
النوع الثاني: النفاق العملي (النفاق الأصغر):
وهو عمل شيء من أعمال المنافقين مع بقاء الإيمان في القلب وهذا لا يُخرج من الملة لكنه وسيلة إلى ذلك وصاحبه يكونُ فيه إيمان ونفاق وإذا كثر صارَ بسببه منافقًا خالصًا ،والنِّفاق الأصغر خطَرُه جسيم؛ لأنَّه وسيلةٌ للأكبر، حتى إذا استمرأه الإنسان استدرجَه إلى الأكبر.. ومِن أهمِّ صفات هؤلاء:
1ـ خيانة الأمانة، والكذِب والغدر، والفُجور عند المخاصمة:
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما :أنَّ النبي (ﷺ) قال:}أربعٌ مَن كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومَن كانت فيه خَصْلةٌ منهنَّ كانت فيه خَصْلة مِن النفاق حتى يدعَها: إذا اؤتُمِن خان، وإذا حدَّث كذَب، وإذا عاهَد غَدَر، وإذا خاصَم فَجَر{. ]أخرجه البخاري ومسلم[
2ـ التخلُّف عنِ الصلاة، وخصوصًا صلاة الفجْر والعشاء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ﷺ) قال }ليس صلاةٌ أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأَتَوْهما ولو حبوًا{ ]أخرجه البخاري[ . 3ـ التكاسل في أداء الصلاة والرياء في الأعمال:
قال تعالي }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) { ]النساء[
4ـ متلون بأكثر من لون :
ظاهره يختلف عن باطنه ، ربما يعطي الله تعالي له هيئة، طول، فخامة، لون، عيون واسعة، جبهة عريضة مثلاً، طليق اللسان، أنيق جداً, ما قيمةُ هذا؟ قال تعالي }وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ(4){ [المنافقون].
يعني: }وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ(171){ [البقرة].
ومن شواهده قول الشاعر
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثّعلب
وقال تعالي}فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55){ ]التوبة[
ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قال تعالى: }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ(8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ(9){[البقرة].
وقال تعالي عنهم }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206){ ]البقرة[.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسولِ الله (ﷺ) قال: }تَجِدون الناسَ معادن، خيارُهم في الجاهلية خيارُهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خيرَ الناس في هذا الشأن أشدَّ له كراهية، وتجدون شرَّ الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، ويأتي هؤلاء بوجه{
وقال تعالي }مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143){ ]النساء[
5ـ نَقْر الصلاة وإخراجها عن وقتِها:
من حديث العلاء بن عبدالرحمن: أنه دخَل على أنس بن مالك في دارٍ بالبصرة، حين انصرَف مِنَ الظهر، وداره بجَنْب المسجِد، فلمَّا دخلْنا عليه، قال: أصليتُم العصر؟ فقلنا له: إنما انصرفْنا الساعة من الظُّهر، قال: فصلوا العصر، فقمنا فصلَّيْنا، فلمَّا انصرفْنا قال: سمعتُ رسول الله (ﷺ) يقول:}تلك صلاة المنافِق، يجلس يرقُب الشمس، حتى إذا كانتْ بيْن قَرْنَي الشيطان، قام فنَقَرها أربعًا، لا يذكر الله فيها إلاَّ قليلاً{. ]رواه مسلم[ .
فالمنافق إمّا إنسان مؤمن بالله, لكن إيمانهُ ضعيف, وغَلبتهُ نفسهُ, فانساقَ مع شهواتهِ, فهذا النِفاق الأصغر, الذي نرجو لصاحبهِ أن يؤمن, وأن يهتدي, وأن يتوب.
قال تعالي }أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ(19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ
وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(20){ ]البقرة[
لكنهُ لم يذهب بسمعهم وأبصارهم, لأنهُ ينتظر أن يهتدوا وأن يؤمنوا.
وأمّا النِفاق الأكبر: فهو أن يتنكر لكل ما جاء بالكتاب والسنة , ولكنه يفعل أفعال المُسلمين تمشيّاً مع مصالِحه الخاصة. قال تعالي }مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ(18){ ]البقرة [
العنصر الثالث :أسباب النفاق :
النفاق مرض خطير وشر مستطير وكل مرض له أسباب تؤدي إليه فمِن أهمِّ أسباب النِّفاق:
1ـ ضَعْف الإيمان واليقين في الله عزَّ وجلَّ وما عندَه:
آثَر المنافِقُ الدنيا العاجلة؛ لأنَّها ملموسةٌ، وترَك الآخرة، فصار قلبُه خربًا خاليًا من الإيمان بالله، وأصبح بيئةً خصبة للنفاق .
2ـ الحقد الشديد على الإسلام والمسلمين:
ولأن الإسلام حرمهم من الامتيازات التي كان يحصل عليها بطريق غير مشروع وبغير وجه حق ، ولأن الإسلام ساوى بيْنه وبين الجميع وحَفِظ حقوقَ البشر كلهم ، وأنه ليس في موقف القوة فإنَّه آثرَ العمل في الخَفاء، كعبدِالله بن أُبيِّ بن سلول الذي كان يحلم بالزعامة في المدينة، ولكن جاء الإسلام حال بينه وبين ذلك .
3ـ حب الشهوات والجاه والرياسة والزعامة والخوف من ضياعها :
قد يكون لبعض المنافقين جاه ورياسة يخاف إن أظهر كفره أن يتفرق عنه أتباعه وأعوانه فيخفيه ويظهر الإسلام ، كما فعل عبد الله ابن أبي ابن سلول فإنه كان قاب قوسين أو أدنى من الرياسة في قومه ، ثم تفاجأ بقدوم النبي (ﷺ) إلى المدينة سيدًا فيها وحاكمًا لها ، فكان هذا ما حمله على النفاق في مبدأ الأمر ، فكان لا يجلس إلا بين رسول الله (ﷺ) وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
4- حب الدنيا رأس كل خطيئة :
قال تعالى (في قلوبهم مرضٌ) هذا المرض حُبُ الدنيا، فحُبُ الدُنيا هوَ الذي يحمِلُ على معصية الله, هو الذي يحملُ على أن تأخذَ ما ليسَ لك, هوَ الذي يحمِلُ على أن تطغى وعلى أن تبغي, لذلك قال تعالي }فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ(10){ [البقرة].
﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ فلمّا أصرّوا على هذه الشهوات وتشبثوا بِها:﴿فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضًا ﴾ أطلقهم إليها لعلّهم يتخلصونَ منها, ولهم عذابٌ أليمٌ بما كانوا يكذبون على اللهِ عزّ وجل.
إذاً: أساس النِفاق حُبُ الدُنيا، وحُبُ الدنيا عبّرَ الله عنه بكلمة: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضًا﴾.
من المنافقين من يكون سبب نفاقه حب الدنيا والطمع في الغنائم ، ولهذا نراهم يخرجون مع رسول الله (ﷺ) ثم لا يقاتلون ، ومنهم من لا يخرج وإذا رجع رسول الله (ﷺ) جاء معتذرًا طمعًا في عطاء رسول الله (ﷺ) ورضاه عنه .
فهم لحبهم للدنيا يؤملون الغنائم وقد ذكر الله سبحانه صفتهم هذه في قوله تعالى :}لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42){ ]التوبة[ .
وقد كان هذا في غزوة تبوك لما رأى المنافقون شدة الحر وبُعد المسافة تخلفوا عن رسول الله (ﷺ) فأنزل الله هذه الآية موبخًا لهم ، مبينًا أن السفر لو كان قريبًا سهلاً ، والغنيمة قريبة المتناول حاضرة ، لخرجوا معك أما قولهم لما جاءوا يعتذرون إلى رسول الله (ﷺ) فهو مجرد كذب لأنهم كانوا مستطيعين .
5ـ الابتلاءات والمحن:
سنة الله في عباده أن يمتحنهم ليعرف الصادق من الكاذب ، فإذا جاءت الفتنة كانت سببًا في نفاق من كان إيمانه ضعيفًا ، ومن أمثلة ذلك حادثة تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة ، فقد كانت اختبارًا وابتلاء من الله ومحنة امتحن الله بها الناس ، وبعدها ارتد طائفة عن الإيمان قال تعالى }وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ(143){ ]البقرة[
ومن هذه الفتن ما حدث للمسلمين يوم أحد فإنه لما حصل ذلك ارتدت طائفة ونافقوا قال تعالى }وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ(167){ ]آل عمران[.
قال ابن تيمية : " قوله :(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ظاهر فيمن أحدث نفاقًا ، وهو يتناول من لم ينافق من قبل ، ومن نافق ثم جدّد نفاقًا ثانيًا ).
ثم ذكر أن الذين انخذلوا يوم أحد مع عبد الله بن أبي رأس المنافقين كانوا ثلاثمائة لم يكونوا قبل ذلك كلهم منافقين .
وهذا حال الناس اليوم ، إذا ابتلوا بالمحنة ينقص إيمانهم كثيرًا، وينافق كثير منهم ، وإذا انتصر الأعداء على المسلمين ارتدوا عن الإسلام والعياذ بالله.
العنصر الرابع : خطورة النفاق والمنافقين:
لخطورة النفاق والمنافقين جعل الله ثلاثة عشر أية في صدر سورة البقرة بينما ذكر المؤمنين في أربع آيات والكافرين في آيتين.
لذلك يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله يقول عن زمنه (لو كان للمنافقين أذناب لضاقت بكم الطرق)، فكيف لو رأى زماننا؟!
فكم من معقلٍ للإسلام قد هدموه ،وكم حصنٍ للإسلام قد خربوه، وكم من علمٍ للإسلام قد وضعوه ،وكم من لواءٍ للإسلام قد طمسوه ،فما أخطرهم ؟؟
والكافرين اقل منهم خطورة ، لأن الكافر تعرفه الأمة وتستعد له على قدر خطورته ، أمّا المنافق فهو مُندّس بين الصفوف يصلى مع المصلين ويذكر الله مع الذاكرين ويرفع الراية مع الرافعين، وهو سائر على الدرب مع السائرين ولا يظهر إلا عند التمحيص بالمحن والابتلاءات يقول تعالى }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11){ ]الحج[ .
لا عدو كيده أشد علي أمة الاسلام من المنافقين، لذا كان التحذير من المنافقين في القرآن الكريم في سوره سُميت باسمهم سورة المنافقون ،يقول تعالي } هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ(4){ ]المنافقون[.
فحصر العداوة فيهم كأن لا عدو غيرهم لأنهم شر الأعداء.
فلا شك إذا أن الله تعالى قد أكثر من ذكر النفاق لنكون على بينة منه ، قال تعالى: }وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ(55){.]الأنعام[
ولمَّا كان خطرُهم عظيمًا، فقدْ حذَّرَنا نبيُّنا (ﷺ) قائلاً:}أخوف ما أخاف على أمَّتي كلّ منافِق عليم اللِّسان{ [ رواه أحمد].
ورُوي عن عمر رضي الله عنه : أنَّه قال على المِنبر: "إنَّ أخوفَ ما أخاف عليكم المنافِق العليم"، قالوا: كيف يكون المنافِق عليمًا؟ قال: يتكلَّم بالحِكمة، ويعمل بالجَوْر، أو قال: المنكَر"[ جامع العلوم والحكم].
فالمنافق عليم اللسان يقبح الحق ويجمل الباطل ببيانه...وقد يستدل في مسعاه الخبيث هذا بقال الله وقال رسوله (ﷺ) حاملا النصوص على غير محملها.
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: }إنَّ المنافقين اليوم شرٌّ منهم على عهْد النبي (ﷺ) كانوا يومئذٍ يسرون، واليوم يجهرون{. ]رواه البخاري[
ومِن أخطارهم:
1ـ موالاتهم للكافرين، وغَدْرهم بالمؤمنين:
قال تعالى } بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139){ [النساء].
2ــ شقّ صفوف المؤمنين وتخذيلهم والسعي إلي فرقة الأمة:
كما حدث في غزوة الأحزاب كانوا يقولون محمد يعدنا بكنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى العائط ، فقال تعالى:}وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا(12){ ] الأحزاب[
وقال تعالى : }قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً(18){[الأحزاب]. إن المخاطب بذلك هم المنافقون الذين خاطبهم بقوله قبله: }قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلۡفِرَارُ إِن فَرَرۡتُم مِّنَ ٱلۡمَوۡتِ أَوِ ٱلۡقَتۡلِ وَإِذٗا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلٗا (16) قُلۡ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعۡصِمُكُم مِّنَ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ سُوٓءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةٗۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا (17){ [الأحزاب]
ويتجلَّى خطرُهم في كونهم يتزيون بزيِّ الإسلام وهم أعتَا أعدائِه، ويتدثَّرون بدِثار الإسلام وهم معقل الكفر، فيحسبهم العوامُّ مسلمين، فيتبعون كلامَهم وما هم إلاَّ زنادقة يَقذِفون مَن أجابهم في النار، وما مسجد الضرار الذي بنوه في المدينة عنا ببعيد فكان الهدف منه تفريق كلمة الأمة .
لما خرج النبي (ﷺ) إلى تبوك، ومرت الأيام، وعاد (ﷺ) إلى المدينة المنورة، فأسرع إليه المنافقون ليقوموا بدعوته إلى الصلاة في المسجد الذي بنوه، ولكن نزل جبريل في ذلك الوقت بالتحذير الإلهي من ذلك المسجد الضار بالمسلمين، وذلك بمجموعة من آيات سورة التوبة {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ(108)} [التوبة].
3ـ افساد عقيدة العامة :
ليس لديهم مشروع عقائدي لإحلاله مكان الإسلام فيقول الله تعالي }وإِن نَكَثُوا إيمَانِهِم مِن بَعدِ عَهدِهِم و طَعَنُوا في دِينِكُم(12){ [التوبة] .
فالطعن في الدين وشعائره هي سمة أهل النفاق والهدم لتشكيك الناس في المسلمات الشرعية والسخرية من أصحاب رسول الله (ﷺ) بحجه حرية الفكر .
فقد أفسدوا عقائد كثير من الناس ، والمتتبع لجذور الانحراف العقدي في تاريخ المسلمين يجد المنافقين وراءه ، ومن أبرز الأمثلة في ذلك فرقة السبئيّة التي وضع أسسها المنافق اليهودي عبد الله بن سبأ ، الذي أظهر الإسلام في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأخذ يطوف البلاد الإسلامية ينشر معتقده ، وقد لبَّس على العامة في زمن كان فيه كثير من الصحابة ، حتى إن بعض أتباعه هددهم علي رضي الله عنه بالموت حرقًا إن لم يرجعوا عن هذه العقيدة الضالة ، فأصروا وفضلوا الموت على الرجوع عن ضلالهم ، وقد كان من نتيجة فتنة عبد الله بن سبأ مقتل الخليفة الثالث الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وما زالوا إلي الآن بيثون سمومهم وأفكارهم الضالة عن طريق وسائلهم المخربة للعقول.
4ـ التعاون مع أعداء الأمة :
كان سقوط بغداد مركز الخلافة الإسلامية العباسية عام ( 656 هـ ) على يد المنافق الخبيث ابن العلقمي الرافضي الذي تعاون مع التتار الذين قتلوا جميع من يقدرون عليه من الرجال والنساء والولدان ،والمشايخ والشبان حتى بلغوا مليون قتيل .
وقد كان ابن العلقمي وزيرًا عند الخليفة المستعصم يظهر الولاء والنصرة ، له فضل في الإنشاء والأدب، لكنه كان منافقًا يضمر الحقد على الإسلام وأهله ، كاتب التتار وزين لهم اجتياح بغداد ، وكان ذلك بعد أن سرح الجند وصرف الجيوش عن بغداد حتى لم يبق منهم إلا عشرة آلاف، ثم أرسل إلى التتار يسهل عليهم أمر اجتياح المدينة فقدموا وحدث ما حدث .
وما استطاع أعداء الإسلام أن يدخلوا بلاد الإسلام في أي عهد من العهود إلا عن طريق المنافقين فهم يسمون في التاريخ بالطابور الخامس ، نعوذ بالله منهم . ولخطورتهم أمرنا الله تعالى أن نتخذ منهم موقفا واضحا حازما..
فلم يرضى من المؤمنين أن ينقسموا في شأنهم فئتين.. فَتَلين فئة في شأنهم قال تعالى }فَمَا لَكُمۡ فِي ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِئَتَيۡنِ وَٱللَّهُ أَرۡكَسَهُم بِمَا كَسَبُوٓاْۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهۡدُواْ مَنۡ أَضَلَّ ٱللَّهُۖ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا (88){ ]النساء[
وإنما أحب للمؤمنين أن يجتمعوا على جهاد المنافقين والغلظة عليهم }يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ (73){ ]التوبة[
ونهى الله تعالى نبيه والمسلمين عن طاعة المنافقين:}يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا (1){ ]الأحزاب[
5ـ يغيرون الحقائق ويدلسون على العامة والخاصة :
المنافق من أجل الحصول على الدنيا، يبيع دينه وكرامته بعرض من الدنيا قليل، فتجده يغير الحقائق في لحظة ، ويدلس على الناس ، يحكى أن الأمير بشير الشهابي (أحد أشهر الأمراء في لبنان و بلاد الشام عموما من آل شهاب ، الذين حكموا المنطقة منذ عام ١٦٩٧ م و حتي عام ١٨٤٢م )
قال لخادمه يوما : نفسي تشتهي أكل الباذنجان .
فقال خادمه له : بارك الله في الباذنجان فهو سيد المأكولات وحجمه كبيراً ، لحم بلا شحم ، سمك بلا حسك ، يؤكل مقلياً ومشوياً ومحشياً ولا يحدث جزعاً ولا مرضاً ، وراح خادمه يعدد فوائد الباذنجان ،حتي اندهش الأمير من براعة الوصف !!!
وكانت المفاجأة التي لم يحسب لها الخادم الباذنجاني أي حساب هي أن قال الأميربشير الشهابي : ولكني أكلت باذنجان قبل أيام ، فنالني منه ألم في معدتي ..
فقال خادمه : لعنة الله علي الباذنجان ، أنه ثقيل ، غليظ ، أسود الوجه .
وهنا قال له الأمير بشير الشهابي : ويحك أن تمدح الشيء وتذمه في نفس الوقت ..؟ فقال الخادم : يا مولاي أنا خادم للأمير ولست خادم للباذنجان ، وإذا قال الأمير نعم قلت" نعم " ، وإذا قال لا قلت " لا " .. !!
وللأسف هؤلاء الناس موجودين بكثره في حياتنا من قديم الازل ..
ويُروى أن الخليفة العباسي ( ابن المتوكل ) يوما رمي طائر بسهم فلم يصبه فقال له الوزير : أحسنت يا أمير المؤمنين ، فنظر له المتوكل شرراً وقال : أتستهزأ بي .
فارتعد الوزير خوفا وقال : فقد أحسنت إلي الطائر يا مولاي حين تركت فرصه له للحياة !!
إن هؤلاء الباذنجانيون الذين لا يعرفون إلا الغش والتدليس هم أكثر خطراً علي المجتمع .
كلهم يلوون عنق النصوص ليغيروا الحقائق ويقنعوا الناس بها ، كما أنهم يحجبون الحقائق عن المسئولين ويجعلون بينهم وبين المجتمع سداًّ .
هذه هي ثقافتهم ، أن يتم التصفيق والتطبيل للفعل وضده في دقيقه واحده ، إنها ثقافه نجدها في كل مكان وفي كل زمان، إنها ثقافة تدمر الاوطان .
فهم لم ينفعوا أي وطن ، ولم يفيدو أي مسئول، فهم لا يبنون أي وطن لا يهمهم إلا مصلحتهم وفقط ، بل هم أول من يهرب من السفينة عند غرقها .
العنصر الخامس : عقوبة المنافقين :
جعَل الله عقابَهم مِن جنس فِعْلهم فهذه بعض ما توعدهم الله به القرآن الكريم:
1ـ لن يغفر الله لهم ذنوبهم ولهم عذاب أليم :
قال الله تعالى }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا(139){ ]النساء [
2 ـ يجمعهم الله تعالى ومن علي شاكلتهم في جهنم :
قال الله تعالى }وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا(140){ ] النساء[
وقال الله تعالى }وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا(6){ ]الفتح[
3ـ في الدرك الأسفل من النار :
قال الله تعالى }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا(145){ ]النساء[
4ـ يستغيثون بالمؤمنين يوم القيامة فيستهزئ بهم المؤمنون:
فكما دلَّسوا على المؤمنين، فهُم يومَ القيامة تائهون ليس لهم نورٌ يهديهم سبيلَ النجاة؛ قال تعالى } يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ
بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15){ [الحديد].
5ـ اللعن في الدنيا وحبط الأعمال والخلود في جهنم:
قال تعالي }الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69){ ]التوبة[ .
العنصر السادس :خوف السلف من النفاق :
كان الصحابة رضوان عليهم يتخوفون من الوقوع النفاق ، قال ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله (ﷺ) كُلُّهم يخاف النفاق على نفسه"
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "والصحابة الذين أدركهم ابن أبي مليكة من أجلِّهم: عائشة، وأختها أسماء، وأم سلمة، والعبادلة الأربعة، وأبو هريرة، وعقبة بن الحارث، والمسور بن مخرمة, فهؤلاء ممن سمع منهم , وقد أدرك بالسن جماعة أجل من هؤلاء : كعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص , وقد جزم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال , ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك فكأنه إجماع ؛ وذلك لأن المؤمن قد يعرض عليه في عمله ما يشوبه مما يخالف الإخلاص، ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعه منهم, بل ذلك على سبيل المبالغة منهم في الورع والتقوى رضي الله عنهم" .
وقال ابن علية :"أدركت سبعين من أصحاب الرسول (ﷺ) كل يخاف النفاق على نفسه".
ولقد أودعَ النبي (ﷺ) سِراً لسيدنا حُذيفة بن اليمان, وأعطاهُ أسماءَ سبعةَ عشرة مُنافقاً أمرهُ إذا توفاهُ اللهُ عزّ وجل ألا يُصلّى عليهم، أمّا أن يأتي عمر بن الخطاب عِملاق الإسلام، الخليفة الراشد، الذي كان فذّاً عبقريّاً, يسألُ حذيفةَ بن اليمان, ويقول له:
أُنشِدكَ الله: هل ذكرَ النبي (ﷺ) اسمي مع المنافقين؟ هذا لِعِظَمِ حقِّ اللهِ عليه.
قال إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ :" مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا".
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله :"وممن كان يتعوذ من النفاق من الصحابة : حذيفة، وأبو الدرداء، وأبو أيوب الأنصاري.
وأما التابعون : فكثير، قال ابن سيرين : ما علي شيء أخوف من هذه الآية }وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ (8){ ]البقرة[
وقال أيوب: كل آية في القرآن فيها ذكر النفاق أخافها على نفسي.
وقال معاوية بن قرة : كان عمر يخشاه وآمنه أنا ؟، وكلام الحسن في هذا المعنى كثير جدّاً، وكذلك كلام أئمة الإسلام بعدهم ، أن هؤلاء الكبار كانوا أبر الناس قلوباً، وأشدهم تعظيماً لحرمات الله تعالى، وأبعدهم عن انتهاك حدوده، لكن الواحد منهم لكمال علمه بربه، وخوفه من مقامه، يرى الذنب الصغير إن وقع فيه كبيراً، بل كان بعضهم يخاف من الرياء، وآخر يخاف أن يكون مقصراً في العمل فيكون قوله مخالفاً لفعله، وآخرون ظنوا أن اشتغالهم بالمباح في بيوتهم مع زوجاتهم، وأولادهم مع وجود الخشوع والرقة في مجالس الذكر ظنوا ذلك من النفاق .
فعَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): «وَمَا ذَاكَ ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ):}وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ{ ]رواه مسلم [
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه قيل له: "إنا نَدخُلُ على سُلطاننا، فنقول لهم بخِلاف ما نتكلَّمُ إذا خرجْنا من عندهم، قال: كُنَّا نعدُّ هذا نِفاقًا". ]رواه البخاري[
وسَمِعَ رجلٌ أبا الدرداء يتعوَّذُ من النِّفاق في صلاته، فلمَّا سلَّم، قال له: ما شأنك وشأن النِّفاق؟ فقال: اللهمَّ غُفرًا ثلاثًا لا تأمَنِ البلاءَ، واللهِ إنَّ الرجل ليُفتَنُ في ساعةٍ واحدة، فينقلِبُ عن دِينه.
العنصر السابع : السبيل إلى الخلاص من النفاق:
اعلم أخي المسلم الكريم :أن الإيمان يزيد وينقص، وإذا نقص الإيمان زاد النفاق، وإذا زاد النفاق ضعف القلب وصار قاسيا والعياذ بالله. فعلينا أن نسلك السبيل للتخلص من النفاق وعلاج زيادة الإيمان ومنها :
1- التوبة ومحاسبة النفس والنظر في يوم القيامة .
2- الاستعانة بالله تعالي أن يجنبنا النفاق والرياء وسوء الأخلاق .
3- الإيمان بالقضاء والقدر ،والنظر إلى الدنيا بعَيْن الزوال، وأنَّها فانيةٌ لا محالة، فيذوب الجليدُ القاسي الذي تجمَّع فوق القلْب.
4ـ الخوف من الموت وسوء الخاتمة ، وعاقبة المنافقين فقد جاء في الأثر عن أبي علية قال: "من خاف النفاق أمنه ،وما أمنه أحد إلا وقع فيه" .
وقال الحسن البصري عن النفاق :" مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ" ؟
حبُّ المؤمنين الصالحين ومخالطتهم، فمَن أحبَّ قومًا صار منهم.
5- النظر في سير الصالحين المؤمنين .
6ـ معرفة صفات المنافقين والتحلي بضدها من أخلاق الإسلام .
نسأل الله العظيم أن يجنبنا النفاق وشر المنافقين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
============================
رابط pdf
https://www.raed.net/file?id=920347
رابط doc
https://www.raed.net/file?id=920348
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق