11 يونيو 2018

الثبات بعد رمضان






تحميل word


 تحميل pdf
الحمد لله رب العالمين … يقبل العمل من عبادة الصالحين فقال تعالي ({إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ} (المائدة: 27). 
فنحمده تعالي علي نعمة الإسلام العظيم وكفي بها نعمه ونشكره أن هدانا للقرآن العظيم ولولاه ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا ونتوب إليه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . 
وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير .. وصف عباده المؤمنين بالوجل الشديد بعد إتيانهم العمل الصالح مخافة عدم القبول فقال تعالي (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [المؤمنون: 60] .
 وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم كان مداوما حريصا علي قبول الأعمال ( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل). متفق عليه.
 فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .. 
أما بعــــد:فيا أيها المؤمنون …..
هاهو رمضان قد فارقنا بعد أن حل ضيفا عزيزا غاليا علينا لمدة شهر كامل ، ولكن هل تركنا رمضان وهو راض عنا، أم رحل وهو يبكي حسرة علينا وعلى أحوالنا،
فحتى لا يضيع منا رمضان مثل كل عام ويكون مجرد لحظات جميلة نقضيها على مدى شهر ثمَّ بعدها ينتهي الأمر،
أيها المسلمون : إن شهر رمضان قد قوض خيامه وفك أطنابه وقد أودعناه ما شاء الله أن نودع من الأعمال والأفعال والأقوال حسنِها وسيئِها صالِحها وطالِحها والأيامُ خزائنُ حافظةٌ لأعمالكم، تُدعَون بها يوم القيامة (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا) [آل عمران:30]، 
ينادي ربكم: ” يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفِّيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه ” رواه مسلم.                         وجب علينا أن نقف وقفة محاسبة ومُعاتبة مع النفس، ونضع خطة إيمانية لكي نستمر على الطاعات بعد رمضان، ونري حالنا بعد رمضان ويكون هذا حديثنا اليوم بمشيئة الله تعالي وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ أحوال الناس بعد رمضان .
2ـ هل قبل منا رمضان أم لا ؟
3ـ علامات القبول .
4ـ وسائل تعين علي الثبات علي الطاعة .
5ـ ثمرات الثبات علي الطاعة .
6ـ الخاتمة .

العنصر الأول: أحوال الناس بعد رمضان:ـ 
لقد انقضى رمضان ، وانقسم الناس بعده إلى ثلاثة أحوال:ـ
الحال الأول :ـ 
قوم كانوا على خير وطاعة ، فلما جاء رمضان شمروا عن سواعدهم ، وضاعفوا من جهدهم ، وجعلوا رمضان غنيمة ربانية ، و منحة إلاهية ، استكثروا من الخيرات ، و تعرضوا للرحمات ، وتداركوا ما فات ، فما انقضى رمضان إلا و قد علت رتبهم عند الرحمن ، وارتفعت درجاتهم في الجنات، وابتعدت ذواتهم عن النيران .نسأل الله تعالي أن يجعلنا منهم. 
الحال الثاني : 
قوم كانوا قبل رمضان في إعراض وغفلة، فلما أقبل رمضان أقبلوا على الطاعة والعبادة ، صاموا و قاموا ، قرأوا القران و تصدقوا ، ودَمَعت عيونهم و خشعت قلوبهم ، ولكن ، ما إن ولى رمضان حتى عادوا إلى ما كانوا عليه ،عادوا إلى غفلتهم ، عادوا إلى ذنوبهم .
فلهؤلاء نقول: من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد مات ، و من كان يعبد الله فان الله حي لا يموت .
أخي المسلم الحبيب … يا من عدت إلى ذنوبك و معاصيك ، اعلم أن الذي أمرك بالعبادة في رمضان هو الذي أمرك بها في غير رمضان .. 
كيف تعود إلى المعاصي و قد محاها الله من صحيفتك؟
أيُعتِقُك الله من النار فتعودُ إليها ؟ 
أيبيضُ الله صحيفتك من الأوزار و أنت تسوِّدُها ؟ 

ويا من صام لسانه في رمضان عن الغيبة والنميمة والكذب ، واصل مسيرتك وجدّ في الطلب.. يا من صامت عينه في رمضان عن النظر المحرم.. غضَّ طرفك ما بقيت.. يورثِ الله قلبَك حلاوة الإيمان ما حييت .
يامن كنت تصوم مع الصائمين ، وتقوم مع القائمين ، إياك أن تكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا .. 
وتذكر أخي المسلمقول الله تعالي ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) فغيِّر من حالك ، وتب من ذنوبك ، وأقبل على ربك ، فإنك والله لا تدري متى تموت ، لا تدري متى تغادر هذه الدنيا . فما أقبح القطيعة بعد الوصال ! وما أقبح الهجر بعد الود!
الحال الثالث :
قوم دخل رمضان و خرج رمضان ، وحالهم كحالهم ، لم يتغير منهم شيء ، ولم يتبدل فيهم أمر ، بل ربما زادت آثامهم ، وعظمت ذنوبهم ، واسودت صحائفهم .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (ورَغِمَ أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له) رواه الترمذي وصححه الألباني .
أولئك هم الخاسرون حقا . وليس أمامهم إلا التوبةُ إلى ربهم ، و تداركُ ما بقي من أعمارهم . 
قال الحسن البصري رحمه الله : ( إن الله جعل رمضان مِضماراً لخلقه ؛ يتسابقون فيه بطاعته ، فسبق قوم ففازوا ، وتخلف آخرون فخابوا . فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون و يخسر المبطلون ) .
العنصر الثاني: هل قبل منا رمضان أم لا ؟
نحمد الله تعالي أن وفقنا لبلوغ رمضان وصيامه وقيامه، ولكن لا نغتر بعبادتنا .. فمن المقبول منا فنهنئه ، و من المحروم منا فنعزيه ، أيها المقبول هنيئاً لك ، أيها المردود جبر الله مصيبتك .
كان حال الصالحين عند وداع رمضان في خوف ودعاء ، خوف من رد العمل ، ودعاء بالقبول من ذي الجود والكرم ، يقول المولى عز وجل 🙁 وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) أي يعملون الأعمال الصالحة وقلوبهم خائفة ألا تقبل منهم تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : (( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ )) ، قَالَتْ عَائِشَةُ : أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ ؟ قَالَ : (( لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُمْ ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ )) .
وكان سلف هذه الأمة عند خروج رمضان يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان ، خوفاً من رده .
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله : ” كونوا لقبول العمل أشد اهتماماًَ منكم بالعمل ” ، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول : (( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )) “.
ويقول الحافظ ابن رجب رحمه الله في ذلك : “السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل و إكماله و إتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ، و يخافون من رده ، و هؤلاء الذين قال الله عنهم : (( يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ )) “.
وقال ابن دينار : “الخوف على العمل أن لا يتقبل أشد من العمل” .
و قال عبد العزيز بن أبي رواد : ” أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا ؟ “.
فهذا حال سلفنا في وداع هذا الشهر ، ولنتفكر عند رحيله سرعة مرور الأيام ، وانقضاء الأعوام ، ودنو الآجال ، فإن في مرورها وسرعتها عبرة للمعتبرين ، وعظة للمتعظين .
روي عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان : “يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ، و من هذا المحروم فنعزيه “.
وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول عند رحيل الشهر : “من هذا المقبول منا فنهنيه ، و من هذا المحروم منا فنعزيه ، أيها المقبول هنيئا لك ، أيها المردود جبر الله مصيبتك ” .
العنصر الثالث: علامات القبول :ـ
أيها المسلم .. لكل شيء علامة .. فما علامات قبول العمل ؟
1ـ تحقق هدق الصيام :ـ 
قال الله تعالى{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } البقرة 183،
فالهدف من الصوم هو التقوى، فإذا تحققت فيك التقوى مع نهاية الشهر وراقبت الله في السر والعلانية واستيقظ الضمير في نفسك ، فهذا علامة القبول بإذن الله تعالى 
2ـ المداومة علي العمل :ـ
أن يكون حالُ العبد بعد العمل خيراً منه قبل العمل ، فاحكم أنت على صيامك.. هل هو مقبولٌ أم مردود؟ ولئن انقضى رمضان ، فإن عمل المؤمن لا ينقضي حتى الموت ، قال تعالى : (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) ها هو سيد العابدين وإمام المتقين صلى الله عليه وسلم ، كان كما تقول عائشة رضي الله عنها: (إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا ، وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ) رواه مسلم .
وكان يقول كما في حديث عائشة المتفق عليه:(سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ ، وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ) .
وانظر إلى الصحابة رضي الله عنهم كيف تلقوا هذا الهدي النبوي ، وداوموا عليه ، وطبقوه في شؤون حياتهم .
ففي الصحيحين عن عَلِي رضي الله عنه أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنْ الرَّحَى وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ . فَلَمْ تُصَادِفْهُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ ، قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا ، فَذَهَبْنَا نَقُومُ فَقَالَ عَلَى مَكَانِكُمَا ، فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي ، فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ .
وفي زيادة عند أبي داود: قَالَ عَلِيٌّ : فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا لَيْلَةَ صِفِّينَ فَإِنِّي ذَكَرْتُهَا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَقُلْتُهَا .
هكذا كانت محافظتهم على الأعمال الصالحة ، حتى في أحلك الظروف ، وأشد الأزمات .
وانظر إلى هذا الشابِ الأعزبِ من شباب الصحابة ، كيف كان ثباته ومداومته على العمل الصالح ، ففي الصحيحين عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكُنْتُ غُلَامًا شَابًّا أَعْزَبَ ، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيْ الْبِئْرِ ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ النَّارِ ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ النَّارِ ، فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ . قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَنَامُ مِنْ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا . 
وتمضي السنون .. ولا يزال في الأمة نماذج رائعة .. فها هو السلطان العثماني محمد الفاتح يفتح القسطنطينية في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله . وقد روي أنهم أرادوا أن يصلوا ركعتين لله شكرا على هذا الفتح المبين ، فأمر الخليفة محمد الفاتح أن لا يؤم الناسَ الا رجلٌ ما فاتته صلاُة الفجر في جماعة منذ أن عقل .
بحثوا في الجيش ، فلم يجدوا أحداً ينطبق عليه الشرط ، لا من القضاةِ، ولا الوزراءِ ولا القادةِ ، ولا بقيةِ الجيش . فتقدم السلطان محمد الفاتح فصلى بهم صلاة الشكر ، ثم قال بعد الصلاة: أما وجدتم من فيه هذا الشرط من المسلمين؟ قالوا:لا ، فقال:والله لولا خوفي أن لا تقام الصلاة في يوم أعز الله فيه الإسلامَ وأهلَه لما أخبرتكم ، فقد أحببت أن أُبقي هذا سراًً بيني وبين خالقي ، ووالله ما فاتتني صلاة الفجرِ في جماعة منذ أن عقلت . 
الله أكبر .. هكذا والله تعلو الهمم ، وتنتصر الأمم .. وإذا خضع سلطان الأرض ، نصر جبار السماوات والأرض .
العنصر الرابع : وسائل تعين علي الثبات علي الطاعة :ـ
أولاً: العزيمة الصادقة، والثبات عليها: 

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله فيقول: “كمال العبد بالعزيمة والثبات، فمن لم يكن له عزيمة فهو ناقص، ومن كانت له عزيمة ولكن لا ثبات له عليها فهو ناقص، فإذا انضم الثبات إلى العزيمة أثمر كل مقام شريف، وحال كامل”، وقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم:(اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد) ؛ يقول ابن القيم رحمه الله: “وهاتان الكلمتان هما جماع الفلاح، وما أتي العبد إلا من تضييعهما، أو تضييع أحدهما، فما أُتي أحد إلا من باب العجلة والطيش، واستفزاز البداءآت له، أو من باب التهاون والتماوت، وتضييع الفرصة بعد مواتاتها، فإذا حصل الثبات أولاً، والعزيمة ثانياً؛ أفلح كل الفلاح”
ثانياً:الاقتصاد في العبادة:ـ
عدم الإثقال على النفس بأعمال تؤدي إلى المشقة، وتفضي إلى السآمة والملل من العبادة فقد جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: “أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ((أدومها وإن قلَّ))، وقال: ((أكلَفوا من الأعمال ما تطيقون)) رواه البخاري .
وحذَّر صلى الله عليه وسلم من الغلوِّ والتشدُّد فجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة)) رواه البخاري
فعلى المرء المسلم أن تكون عبادته قصداً لا إفراط ولا تفريط، بل تكون على وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما:(لكل عمل شرة، ثم فترة، فمن كانت فترته إلى بدعة فقد ضلَّ، ومن كانت فترته إلى سنَّة فقد اهتدى).
يقول ابن القيم رحمه الله معلقاً على هذا الحديث: “قال له ذلك حين أمره بالاقتصاد في العمل، فكل الخير في اجتهاد باقتصاد، وإخلاص مقرون بالاتباع كما قال بعض الصحابة: “اقتصاد في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة”، فاحرصوا أن تكون أعمالكم على منهاج الأنبياء عليهم السلام وسنتهم”.
و لما دخل صلى الله عليه وسلم المسجد رأى حبلاً ممدوداً بين ساريتين، فقال: ((ما هذا الحبل؟)) قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلَّقت به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا.. حلُّوه، ليصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد) رواه البخاري ومسلم .
انظر إلى التشريع: (ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد) لأنه لابد للنفس من فترات للترويح، وليس ذلك بالمعصية كما يظن كثير من الناس فيقول: ساعة وساعة. أي: ساعة لقلبك وساعة لربك، وإذا قلت له: ماذا تقصد بساعة لقلبك؟ يقول: ألهو وأسمر وأقضي الوقت أمام المسلسلات المسلية وإن كانت في المعاصي!!لا طبعا! 
وإنما ساعة وساعة تفهم من حديث حنظلة رضي الله عنه : ( لما قابل الصديق رضي الله عنه، وقال له: نافق حنظلة ، قال: ومم ذاك؟ قال: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكرنا بالجنة والنار حتى كأنها رأي عين، فإذا عدنا إلى الأولاد أو إلى البيوت عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ونسينا كثيراً، فقال أبو بكر : والله إني لأجد ما تجد، فانطلقا إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم، وقال حنظلة : نافق حنظلة يا رسول الله! قال: مم ذاك؟ فأخبره بما قال لـأبي بكر رضي الله عنه، فقال المصطفى: يا حنظلة ! والذي نفسي بيده لو تدومون على الحالة التي تكونون بها عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي الطرقات، ولكن ساعة وساعة!) أي: ساعة تبكي فيها العيون، وتخضل فيها اللحى، وساعة عودوا فيها إلى الأزواج فداعبوا الزوجات وداعبوا الأولاد والبنين والبنات، واهتموا بالضيعات -أي: بالتجارة والأعمال- ولا مانع من ذلك على الإطلاق.هذا هو معنى الحديث: (ساعة وساعة) أي: ساعة للرب جل وعلا .. للآخرة، وساعة للدنيا، أما أن يقال: ساعة لقلبك وساعة لربك، وأن تقضي ساعة القلب في معصية الله فهذا لا يرضي الله جل وعلا
ثالثاً: قراءة القرآن بتدبر وتعقل:ـ
فإن القرآن يهدي للتي هي أقوم، وهو وسيلة من وسائل الثبات والتثبيت على المداومة على العمل الصالح، وهو الذي ربى الأمة وأدبها، وزكى منها النفوس، وصفى القرائح، وأعلى الهمم، وغرس الإيمان في الأفئدة، وفي قراءته تثبيت لقلب القارئ المتدبر لما يقرأ؛ لأنه يقرأ آيات الترغيب في العمل الصالح، والترهيب من تركه كقوله تعالى: {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(المنافقون:10-11).
رابعاً: الإكثار من تذكر الموتِ: ـ 
فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإكثار من ذكر الموت فقال:(أكثروا من ذكرَ هاذمِ اللذات) أي الموت، فمن أكثر من ذكر الموت نَشَط في عمله، ولم يغتر بطول أمله؛ بل يبادر بالأعمال قبل نزول أجله، ويحذر من الركون إلى الدنيا. 
فإنك إذا علمت أن أقرب غائب تنتظره هو الموت حرصت على أن تستغل كل ساعة من عمرك في طاعة الملك جل وعلا،
 فذكر نفسك أيها الحبيب بهذا الغائب القريب، وقل لنفسك: 

يا نفس قد أزف الرحيل         وأظلك الخطب الجليل
 فتأهبي يا نفس لا             يلعب بك الأمل الطويل 
 فلتنزلن بمنزل ينسى            الخليل به الخليل 
  وليركبن عليك فيه              من الثرى حمل ثقيل 
قرن الفناء بنا فما         يبقى العزيز ولا الذلي

 وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19] ذلك ما كنت منه تهرب.(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) والحق أنك تموت والله حي لا يموت.(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) والحق أن ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب.(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) والحق أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران.(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) ذلك ما كنت منه تهرب،
لقي الفضيل بن عياض رجلاً فسأله الفضيل عن عمره: كم عمرك؟ قال: ستون سنة، قال الفضيل : إذاً أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله توشك أن تصل، فقال له الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال الفضيل يا أخي! هل عرفت معناها؟ قال: نعم. عرفت أني لله عبد وأني إلى الله راجع.فقال الفضيل : يا أخي! فمن عرف أنه لله عبد وأنه إلى الله راجع عرف أنه موقوف بين يديه، ومن عرف أنه موقوف عرف أنه مسئول، ومن عرف أنه مسئول فليعد للسؤال جواباً، فبكى الرجل وقال: يا فضيل ! وما الحيلة؟ قال الفضيل : يسيرة، قال: ما هي يرحمك الله؟ قال: أن تتقي الله فيما بقى يغفر الله لك ما قد مضى وما قد بقي.
خامساً: الدعاء وسؤال الله الثبات، والاستمرار على العمل الصالح:ـ
إن من أعظم الأسباب التي تعينك على المداومة على العمل الصالح: أن تستعين بالملك جل وعلا، فإن من أعانه الله فهو المعان، ومن خذله الله فهو المخذول، فاطلب العون من الله أن يسددك وأن يؤيدك ويوفقك للعمل الصالح الذي يرضيه
فإن الله سبحانه قد أثنى على الراسخين في العلم أنهم يسألون ربهم الثبات على الهداية: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}(آل عمران:8).
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر في دعاءه أن يقول:(يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) .
وأوصى عليه الصلاة والسلام معاذ بن جبل رضي الله عنه بأن يدعو بعد كل صلاة أن يعينه ربه على ذكره وشكره فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال:(يا معاذ والله إني لأحبك، والله إني لأحبك))، فقال:(أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعنِّي على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك) وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: (رب أعنِّي ولا تعن عليَّ، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكر لي ولا تمكر عليَّ..).
فالتوفيق والعون من الله وحده، وقد أحسن من قال:
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
فاطلب العون من الله، وقل له: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واطرح قلبك – أيها الحبيب بين يدي الله، واعترف له بفقرك وضعفك وعجزك وتقصيرك، وقل: يا رب! لو تخليت عني بفضلك ورحمتك طرفة عين لهلكت وضللت، لا حول لي ولا قوة لي إلا بحولك وقوتك وصولك ومددك. عبد الله! من أعانه الله فهو المعان، ومن خذله الله فهو المخذول، فاطلب من الله أن يعينك على العمل الصالح الذي يرضيه.
سادساً: البعد عن المعاصي:ـ
فإن المعصية تجر إلى أختها، ومن عقوباتها أنها: تحرم العبد لذة العبادة، فتكون مدعاة لترك العمل.
العنصر الخامس : ثمرات المداومة على العمل الصالح:ـ
من المحفزات التي تدفع المسلم إلي المداومة والثبات علي الطاعة مايلي :ـ

1ـ أنها سبب لدخول الجنة وحسن الخاتمة:ـ 
ها هو بلال رضي الله عنه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة . 
جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ: يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ [أي تحريك نعليك] بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ . قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ.
وفي رواية صحيحة للترمذي : أن بلالاً قال: ما أذنت قط إلا صليت ركعتين ، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها ورأيت أن لله علي ركعتين .
وقد أفاد الحديث أن الله تعالى يحب المداومة على العمل الصالح وإن كان قليلاً ، وأنه يجزي عامله بدخول الجنة . فإن المؤمن متى ما اشتدت عزيمته على فعل الخيرات، والانكفاف عن السيئات ، وفقه الله لحسن الخاتمة ، كما قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27] 
و يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالخواتيم).
يقول الحافظ ابن كثير : لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه؛ فإن عشت على طاعة وعلى عمل صالح اقتضى عدل الله أن يتوفاك على ذات الطاعة ونفس العمل الصالح، فإن مت على هذه الطاعة بعثت على ذات الطاعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث جابر : (يبعث كل عبد على ما مات عليه).ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم، والحديث رواه الترمذي وأحمد وهو حديث صحيح: (إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله، قيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه).اللهم استعملنا لطاعتك يا رب العالمين!هذا هو الاستعمال: إذا وفقت للعمل الصالح وداومت عليه، قبضت على هذا العمل الصالح وعلى نفس الطاعة، وبعثت على نفس الطاعة.
2ـ سبب لمحبة الله تعالى للعبد ، وكفى بها ثمرةً وكرامة :ـ
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ . رواه البخاري .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ) دليل على أن المداومة والاستمرار على العمل الصالح ، سببٌ لمحبة الله تعالى للعبد . 
3ـ أنها سبب لتكفير الخطايا والآثام :ـ 
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ [أي وسخِهِ] شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ . قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: (من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة ، حُطّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) متفق عليه .
4ـ أنها سبب للنجاة من الكرب والشدائد في الدنيا والآخرة .
ثبت عند أحمد والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ ، يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ … الحديث .
وفي زيادة صحيحة عند أحمد : (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة. 
ومعنى هذا أن العبد المؤمن بمداومته على العمل الصالح في حال الرخاء تكون بينه وبين الله تعالى صلة ومعرفة ، تنفعه وتنجيه متى ما وقع في شيء من الشدائد .
ها هو يونس عليه السلام ، يخرج من بين قومه بعد أن يئس منهم ، ويركب البحر ، فتضطرب الأمواج ، ويستهم القوم ليلقوا أحدهم في البحر ، فكلما أجروا القرعة خرجت على يونس ، فألقوه في البحر ، فيرسل الله الحوت فيلتقمه ، ويتلفت يونس فإذا هو وحيداً في بطن الحوت ، (فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين). 
نقل ابن كثير في تفسيره من طريق ابن أبي حاتم عن أنس رضي الله عنه أن يونس لما قال: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) ، أقبلت هذه الدعوة تَحُفُّ بالعرش ، فقالت الملائكة: يا رب ، صوت ضعيف معروف ، من بلاد غريبة؟ فقال: أما تعرفون ذاك؟ قالوا: لا يا ربنا ، ومن هو؟ قال: عبدي يونس . قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يَرفعُ له عملاً متقبلاً ، ودعوةً مجابة؟ قال: نعم ، قالوا: يا رب أفلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء ، فتنجيَه في البلاء؟ قال: بلى، فأَمَرَ الحوتَ فطرحه في العراء . 
قال تعالى: (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون). والمعنى: لولا ما تقدم له من العمل في الرخاء ، كما اختاره ابن جرير .
عبد الله .. وأنت الآن في الرخاء ، تذكر أن الدنيا غير مأمونة ، وسكراتِ الموت ليست بمضمونة ، والقيامةَ فيها النفوس مغبونة .. فاعمل في الرخاء ما ينجيك من الشدّةِ ويكفيك المؤنة .. بعد رحمة الله تعالى .
5ـ الأمن من الحسرة عند المرض أو السفر:ـ 
أن العبد إذا كان يداوم على العمل الصالح ، ثم عرض له عذر من مرضٍ أو سفر ، كُتِب له ما كان يعمل حال صحته وإقامته .
فقد روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كُتِب له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً) .
قال ابن حجر: هذا في حق من كان يعمل طاعةً فمُنِع منها ، وكانت نيَّتُه لولا المانع أن يدوم عليها . اهـ
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من امريء تكون له صلاةٌ بليل ، فغَلَبَه عليها نوم ، إلا كَتَبَ الله له أجر صلاته ، وكان نومه صدقةً عليه) رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني .
وهذا الفضل من الله تعالى ، إنما يكون هذا أيها الأحبة ، فيمن كان له وردٌ يحافظ عليه ، وعملٌ يداوم عليه .أي الموت 
أخي المسلم …
عد إلى الله! وداوم على العمل الصالح. يا من عرفت الطريق الصحيح في رمضان ،فلا تتنكب الطريق ،.. عرفت فالزم، ذقت الحلاوة فالزم، من ذاق عرف، ومن عرف اغترف، فاقترب من الخير واقترب من الفضل. فالعمر قصير والموت قريب .
و لئن كنا ودعنا موسماً عظيماً من مواسم الطاعة والعبادة ، فإن الله تعالى شرع لنا من النوافل والقربات ما تهنأ به نفوسنا ، وتقر به عيوننا ، ويزيد في أجورنا وقربنا من ربنا . كصيام الست من شوال ، وقيام الليل وصلاة الوتر، والمداومة على السنن الرواتب قبل الصلاة وبعدها ، وقراءة القرآن الكريم ، والمحافظة على الأوراد والأذكار .
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي أيوبَ الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر).
أعاننا الله وإياكم على الطاعات، وختم أعمارنا بالباقيات الصالحات ، وجمعنا في أعالي الجنات ، إنه جواد كريم .

ليست هناك تعليقات: