23 مايو 2018

رمضان شهر الانتصارات




تحميل word

تحميل pdf




الحمد لله رب العالمين .. كتب النصر لعباده المؤمنين فقال تعالي } وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173){ الصافات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... وعد عباده المؤمنين بالنصر والتمكين فقال تعالي } وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55){ النور .
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ... ربي أصحابة علي التضحية والجهاد ، ورغبهم في الأجر والثواب ... فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (انتدب الله لمن خرج في سبيله -لا يخرجه إلا إيمان بي، وتصديق برسلي- أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنَّة، ولولا أن أشقَّ على أمَّتي، ما قعدت خلف سريَّة، ولوددت أنِّي أُقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أُقتل ثم أحيا، ثم أُقتل)   ( رواه البخاري، ومسلم)
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..
أما بعد ... فيا أيها المؤمنون ...
المتأمل في أحداث شهر رمضان عبر التاريخ الإسلامي سيجد أمورًا عجيبة، هذه الأمور ليست مصادفة، وكل شيء عند الله عز وجل بمقدار، سيجد أن المسلمين ينتقلون كثيرًا من مرحلة إلى مرحلة أخرى في شهر رمضان، من ضعف إلى قوة، ومن ذلٍّ إلى عزَّة.
ارتبط شهر رمضان بالجهاد بشكل لافت للنظر، حتى آيات الصيام في سورة البقرة -بدايةً من قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] إلى آخر الآيات- تنتهي في ربع من القرآن، ثم يبتدئ ربع جديد، وثاني آية فيه تتحدَّث عن الجهاد والقتال، وهي آيات كثيرة تحضُّ على الجهاد، يقول ربنا عز وجل: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (192) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (193) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة].
 آيات تحضُّ على الجهاد والقتال بشدَّة، والعلاقة واضحة بينها وبين آيات الصيام؛ فالإعداد للجهاد هو إعداد للنفس، إعداد للجسد، إعداد للأمة كلها.. العلاقة بين الصيام والجهاد وثيقة جدًّا
فرمضان شهر الجهاد والإنتصارات ، لذلك كان حديثنا عن رمضان شهر الجهاد والإنتصارات وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ...
1ـ العلاقة بين الصيام والجهاد.
2ـ فضل الجهاد في سبيل الله تعالي .
3ـ رمضان شهر الإنتصارات.
4ـ أسباب النصر والقوة .
ثمرات الجهاد في حياة الأمة.
6ـ الخاتمة .
العنصر الأول : العلاقة بين الصيام والجهاد:ـ
إن ارتباط الجهاد عمومًا بشهر رمضان هو ارتباط بين رفيقين ارتباط تآلف وموافقة لا ارتباط تنافر أو مصادمة، ويعتبر الصيام من أقوى الوسائل لتربية النفس البشرية على الجهاد  ففى الصيام جهاد للنفس بمخالفة المألوف والخروج عن المعتاد وترك الشهوات كلية ، كما أنه يربى المسلم على الصبر والجلد وقوة الاحتمال والتضحية ، وهذه كلها من سمات المجاهد في سبيل الله لجعل كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا السفلى .
وهناك أوجه تماثل وتشابه بين الصائم إبتغاء مرضات الله وبين المجاهد في سبيل الله نذكر منها على سبيل المثال ما يلى :
1ـ طاعة الله غاية الصائم والمجاهد :
يصوم المســلم طاعة لله وامتثالاً لأمره ، مصداقاً لقوله عز وجل } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183){ ( البقرة )
 فيرجو المسلم من الله أن يغفر له ما تقدم من ذنبه ، آملاً العتق من النار والفوز بالجنة ، ولقد وعد الله عز وجل بذلك رسول الله صلى الله عليه سلم  " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه "(رواه النسائى) ، وفى الحديث القدسى " كل عمل إبن ادم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به " ( رواه البخارى ومسلم ) .
كذلك المجاهد في سبيل الله عز وجل لبى نداء الله بالجهاد آملا النصر أو الشهادة ، وجزاء الشهداء الجنة ، كما إنه يُرزق عند الله عز وجل ، مصداقاً لقوله تبارك وتعالى }وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169){آل عمران 
 فغاية الصائم والمجاهد هى إرضاء الله عز وجل والفوز بالجنة  .
1ـ الإخلاص من خصال الصائم والمجاهد :
يتسم الصائم بالإخلاص لله عز وجل في صيامه ، بدون الإخلاص لا جدوى من صيامه ، مصداقاً لقول الرسول  صلى الله عليه سلم  : " رب قائم حظه من قيامه السهر أو رب صائم حظه من الصيام  الجوع والعطش " (رواه أحمد )
 وكذلك المجاهد في سبيل الله يبتغى من هذا الجهاد إرضاء الله عز وجل وليس ليقال عنه أنه شجاع ... ولذلك  يجب أن يتوفر لدى كل من الصائم والمجاهد درجة عالية من الإيمان والورع حتى يكون مخلصاً في صيامه وجهاده ليس في ذلك أى شئ لهوى النفس أو للمظهرية والمباهاة ، قال رجل : يارسول الله أحدنا يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياء أى ذلك فى سبيل الله ؟ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله " ( رواه الشيخان ) .
 فالإخلاص ركن أساس من عمل الصائم ومن عمل المجاهد وبدونه لا يقبل الصوم ولا يقبل الجهاد .
3ـ الصبر من خصال الصائم والمجاهد :
الصيام يعود النفس البشرية الصبر على الجوع العطش وكف الشهوات حتى تحصن هذه النفس ضد الضعف وتقوى ضد الضغوط فقد قال رسول الله صلى الله عليه سلم  :  " صم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شـــــهر يذهبن وحَرَ الصدر " ( رواه البزار الطبرانى ) ...
وكذلك نجد المجاهد في ســــبيل الله يصبر ساعات طويلة وهو في مواجهة العدو بدون طعام أو شراب ، وكأن الصيام يدرب المسلم على كيفية الصبر وقوة التحمل ، حتى إذا كانت ساعة الجهاد يكون قد أعد نفسه إعداداً قوياً .
فالصبر هو سلاح الصائم والمجاهد وينطبق عليهما قول الله تبارك وتعالى } إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) { (الزمر) .
4ـ التضحية من خصال الصائم والمجاهد :
يضحى الصائم بالطعام والشراب وغرائز النفس وكذلك بالمال متمثلاً في صدقة الفطر والصدقات التطوعية من أجل الثواب من الله عز وجل ، ولقد ورد في هذا الشأن الأحاديث الكثيرة منها قول الرسول صلى الله عليه سلم  : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أى رب منعته الطعام والشهوة فشفعنى فيه ، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعنى فيه، قال :  فيشفعان " (رواه الإمام أحمد والطبرانى)
ففى الصيام تضحية بأشياء محببة لدى النفس من اجل التقرب إلى الله عز وجل وكذلك المجاهد : يضحى بنفسه وبماله لله عز وجل ، مصداقاً لقوله تبارك وتعالى :}  إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111){ " ( التوبة ) .
 كما أن المجاهد كذلك يضحى بالطعام والشراب والمال والبنين من اجل الجهاد في سبيل الله ولقد حذرنا الرسول صلى الله عليه سلم  فقال : " من لم يغز ، أو يجهز غازياً ، أو يخلف غازياً في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة " (رواه أبو داود ) ، وقال أيضاً : " وجاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " ( رواه أبو داود ) .
فالتضحية بالنفس والمال والمأكل والمشرب والشهوات من خصال الصائم والمجاهد في سبيل الله وهى أساس النصر على هوى النفس وعلى أعداء الإسلام ، ومن لم يستطع أن ينتصر على هوى نفسه لا يستطيع أن ينتصر على عدوه . …
العنصر الثاني : فضل الجهاد في سبيل الله تعالي
إن للجهاد فضل عظيم عند الله تعالي ، فمن فضائل الجهاد في سبيل الله تعالي ..
1- منزلة الجهاد في الإسلام بمنزلة السنام من الجمل، والسنام هو أعلى وأرفع جزء من الجمل:ـ
فعن معاذ بن جبل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد" رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني .
 والجهاد في سبيل الله لا يعدله شيء؛ فعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: "لا أجده" قال: "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر"؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟! رواه البخاري ومسلم.
وقال تعالى}وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا(96){النساء .
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، أُراه فوق عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة" رواه البخاري
2ـ الرباط أفضل من الدنيا ومافيها:
عن سهل بن سعد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها))رواه البخاري ومسلم والترمذي
3ـ عمل المرابط لاينقطع إلى يوم القيامة:
عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتنة القبر))رواه أبو داود والترمذي وصححه الشيخ الالبانى
4ـ الجهاد من أفضل معايش الناس:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من خير معاش الناس لهم رجل يمسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار على متنه يبتغي القتل أو الموت مظانه ورجل في غنيمة في شعفة من هذه الشعفاء وبطن واد من هذه الأودية يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين ليس من الناس إلا في خير) رواه مسلم والنسائي
متن الفرس ظهره والهيعة كل ما أفزع من جانب العدو من صوت أو خبر والشعفة هي رأس الجبل
5ـ المجاهد من خير الناس:
روي البيهقي مختصرا من حديث أم مبشر تبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم ((قال خير الناس منزلة رجل على متن فرسه يخيف العدو ويخيفونه))وصححه الالبانى
6ـ ضمن الله للمجاهد بالجنة إن مات:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة والذي نفس محمد بيده ما كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم لونه لون دم وريحه ريح مسك والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل) رواه مسلم
7ـ المجاهدون يثابون على حركاتهم كلها :
قال تعالى:}مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121){ التوبة
8ـ الجهاد تجارة رابحة:
قال تعالى:}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13){الصف
9ـ من أفضل أعمال:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال (الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله) الحديث رواه البخاري
10ـ الجهادأفضل من 70سنة صلاة فى بيت:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال مر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعب فيه عيينة من ماء عذبة فأعجبته فقال لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب ولن أفعل حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله تعالى أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة اغزوا في سبيل الله من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة))رواه الترمذي وصححه الشيخ الالبانى
11ـ الجهاد أفضل من عبادة 60 سنة:
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (مقام الرجل في الصف في سبيل الله أفضل عند الله من عبادة الرجل ستين سنة) رواه الحاكم وصححه الشيخ الالبانى
12ـ الجهاد من أعظم الطاعات:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا قال قيل يا رسول الله ما يعدل الجهاد في سبيل الله قال (لا تستطيعونه ) فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول (لا تستطيعونه) ثم قال (مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله) رواه البخاري ومسلم
13-الجهاد باب من أبواب الجنة:
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (جاهدوا في سبيل الله فإن الجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنة ينجي الله تبارك وتعالى به من الهم والغم) رواه أحمد وصححه الشيخ الالبانى
14ـ حرمة الجسد علي النار :ـ
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يجتمعان في النار اجتماعا يضر أحدهما الآخر مسلم قتل كافرا ثم سدد المسلم وقارب ولا يجتمعان في جوف عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم ولا يجتمعان في قلب عبد الإيمان والشح) رواه النسائي وصححه الالبانى
وعن عبد الرحمن بن جبر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار) رواه البخاري
15ـ  فضل الرمى فى سبيل الله:
 عن أبي نجيح عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من بلغ بسهم فهو له درجة في الجنة فبلغت يومئذ ستة عشر سهما) رواه النسائي وصححه الالبانى
وعن أبي نجيح عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة ومن رمى بسهم في سبيل الله فبلغ به العدو أو لم يبلغ كان له كعتق رقبة ومن أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار عضوا بعضو) رواه النسائي وصححه الالبانى.
ولقد  حذر النبي صلي الله عليه وسلم من ترك الجهاد
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من نفاق) (رواه مسلم ).
وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من لم يغز، أو يجهز غازيًا، أو يخلف غازيًا في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة)( رواه أبو داود).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد، سلّط الله عليكم ذلاًّ لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) (رواه أبو داود).
وللحثّ على الاستعداد للجهاد في سبيل الله تعالى ثبت من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم:(من علم الرمي ثم تركه فليس منا، أو قد عصى)(رواه مسلم ).
وهذه رسالة لكل من يجلس متفرغا للعبادة ويترك الجهادفي سبيل الله ويدع الأولويات
 فاسمع إلي ما كتبه عبدالله ابن المبارك إلي الفضيل ابن عياض يدعوه فيها إلي الجهاد وكان الفضيل يلقب بعابد الحرمين ..
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا                       لعملت أنك في العبادة تلعبُ  
      من كان يخضب جيدَه بدموعه                  فنحورنا بدمائنا تتخضب 
أو كان يُتْعِبُ خيله في باطل                  فخيولنا يوم الكريهة تتعبُ 
  ريح العبير لكم ونحن عبيرنا                 رهجع السنابك والغبار الأطيب 
 ولقد أتانا عن مقال نبينا                           قول صحيح صادق لا يكذب 
لا يستوي وغبار خيل الله في                      أنف امرئ ودخان نار تلهب
 هذا كتاب الله ينطق بَيننا                       ليس الشهيد بميت لا يكذب.
العنصر الثالث : رمضان شهر الإنتصارات :ـ
لقد خلق الله الإنسان وزوده بدوافع الخير والهداية مع دواعي الشر والغواية بعوامل الاستقامة ونزعات الانحراف. وأمره تعالى بمجاهدة نفسه ومقاومة غرائزه }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(69){) (العنكبوت) وقال تعالي: }وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10){البلد
وقال تعالي }وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10){الشمس.
يقول سيدنا قتادة رضي الله عنه: “خلق الله للملائكة عقولاً بلا شهوة، وخلق للبهائم شهوة بلا عقول ، وخلق الإنسان بعقل وشهوة فمن غلب عقله شهوته فهو مع الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو مع البهائم. وقد شرع الله للمسلم من العبادات ما يزكى نفسه، ويطهر قلبه، ويسمو بروحه، وينمى فيه دوافع الهداية والخير، ويحميه من دواعي الغواية والشر. وشهر رمضان من أعظم الروافد الإيمانية التي تسمو بروح المسلم وعقله وقلبه، حتى تجعله في مصافِّ الملائكة. ومن هنا كان شهر رمضان هو شهر الجهاد والانتصارات.
فالجهاد في أسمى معانيه هو جهاد للنفس الأمَّارة بالسوء، وجهاد للشيطان الرجيم لدفع وساوسه، وجهاد للهوى والغواية والزيغ في النفس البشرية، وجهاد لما ألفه من عادات ولو كانت حلالاً، فإذا سمت النفس البشرية بالإيمان، وأشرقت الروح بالتقوى، وانشرح الصدر بالقرآن والذكر، ورقّت القلوب وتهذَّبت الطباع بالصيام تضاءلت أمام الإنسان كل متعة فانية، وتراجعت عنه كل فتنة آثمة. وأصبح همُّ المسلم أن يعيش لله وأن يموت لله قال تعالى:}قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162){ (الأنعام)
وهانت عليه نفسه في سبيل الله ورخصت روحه في سبيل إعلاء كلمة الله والتمكين لدينه فى أرضه ..
وهذا هو سر الانتصارات المشهودة فى شهر رمضان المبارك.
 فحيثما انتصر المسلم على هواه وشهواته وما ألفه من عادات وكلما اتصل بربه وخالقه كلما كان النصر حليفه والتوفيق رفيقه .. والأمثلة أكثر من الحصر.
انتصارات رمضانية
أولاً: انتصارات داخلية ونعني بها انتصارات داخل النفس البشرية.
فمن آثار الصيام الطيبة أن تقوي في النفس البشرية معاني الخير، فتنتصر على قوى الشر الداخلية، فتغلب الفضيلةُ الرذيلةَ، والاستقامةُ الانحرافَ، والحلمُ الغضبَ، والحياءُ الفجورَ، والصدقُ الكذبَ، والأمانةُ الخيانةَ، والصبرُ الجذعَ، ويغلب حب الآخرة وما فيها حبَ الدنيا وزينتها وإيثار ما عند الله في الآجلة عما في الدنيا الفانية العاجلة. وهكذا تنتصر القيم والمبادئ الإيمانية على نزوات النفس ونزعات الشيطان .. وكفى بهذا نصرًا.
ثانيًا: انتصارات خارجية ونعنى بها الانتصارات فى ميادين الجهاد والقتال.
ومما لاشك فيه أن النصر الداخلى سبيل أكيد ومقدمة حتمية للنصر الخارجي ، قال تعالي }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ(7){(محمد)
وقال تعالي:}وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(55){ (النور)،
وقال تعالي:}إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) 12){ (لأنفال).
 ولقد كان شهر رمضان عبر التاريخ شهر الانتصارات والتمكين.
وهذه بعض المعارك والفتوحات التي حدثت في رمضان ......
1ـ غزوة بدر الكبري :ـ
17 رمضان سنة 2هـ، وقد انتهت بالنصر الباهر للمسلمين، وهي أول صدام حقيقي بين المسلمين وبين مشركي قريش، وكانت قريش تحمل لواء الكفر في الجزيرة العربية.
وكل شيء في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم محسوب؛ فليس فيه أمر صدفة، ليس فيه قولنا: من الممكن أن يكون هذا الحدث في رمضان، ومن الممكن في غير رمضان. فإن الأمر مقصود، فمقصود أن يكون أول لقاء حقيقي مع المشركين في بدر، مقصود ومحسوب، والحِكَم كثيرة جدًّا؛ قد نعلم بعضها وقد نجهل بعضها! ولكن في النهاية هذا شيء محسوب.
لماذا تكون أول غزوة في رمضان؟
لماذا أول صدام حقيقي مع المشركين يكون في رمضان؟
 لماذا هذا الانتصار الباهر الهائل يكون في رمضان؟
 لماذا لا يكون في أي شهر؟!
أعتبر هذا رسمًا لسياسة الأمة وتخطيطًا لمستقبلها، فأُمَّة لديها شهر تستطيع أن تُغَيِّر فيه نفسها تمامًا، أن تبني نفسها، أن تنتقل من مرحلة إلى مرحلة؛ يقول ربنا سبحانه: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ (123)} [آل عمران].
 لقد تغير المسلمون تمامًا بعد موقعة بدر، فبعد بدر أصبحت للمسلمين دولة معترف بها، أصبحت لهم شوكة قوية ومكانة ووضع مستقر؛ انتقل المسلمون إلى مرحلة جديدة، العالم كله سمع عن هذه الدولة، اليهود رعبوا، والمشركون انهزموا، والمنافقون ظهروا.
تغير هائل بدأ يحدث في الأرض في كل شيء؛ بدر ليست كأي غزوة، فهي غيَّرت مجرى التاريخ؛ لذلك سماها ربنا عز وجل يوم الفرقان، وربطها بشهر رمضان من أجل أن نتفكر دائمًا في هذا الشهر، فمَنْ مِنَ المسلمين لا يعرف أنها كانت فيه؟!
حُفِرَت في وجدان كل صغير وكبير، وفي وجدان كل رجل وامرأة، يجب أن نتذكر علاقتها برمضان دائمًا.
ولكن لماذا غزوة بدر خاصة؟ لماذا يطغى ذكر غزوة بدر على ذكر أي غزوة أخرى من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم ؟!
لأن في بدر وُضِعَتْ كل قواعد بناء الأمة الإسلامية؛ في غزوة بدر عرف المسلمون أن النصر من عند الله وليس بالعدد ولا العدة، فلا يصلح لأمة بعيدة عن ربها، وبعيدة عن دينها أن تنتصر؛ واقرءوا سورة الأنفال التي تتحدث عن غزوة بدر: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 10].
 كيف يمكن لعدد مثل 313 أو 314 أن يغلبوا ألفًا؛ هذا العدد القليل معه 70 جملاً، والعدد الكبير معه 700 جمل، هذا العدد القليل معه فرسان، والعدد الكبير معه مائة فرس، العدد القليل خارج بسلاح المسافر، والعدد الكبير خارج بسلاح الجيوش. كيف؟!
كيف يمكن لهذا العدد القليل في كل المقاييس المادية أن يغلب هذا العدد الكبير؟!
هذا ليس له إلا أمر واحد، ألا وهو أن الله عز وجل هو الذي نصر المؤمنين، نصر الضعفاء القلَّة الأذلة؛ كما عبَّر سبحانه في كتابه الكريم، انتصروا بأسلحة غير تقليدية تمامًا،انتصروا بالمطر والنعاس، وبالرعب في قلوب الكافرين، وبالتوفيق في الرأي، وبضعف الرأي عند الأعداء، وانتصروا بالملائكة؛ الملائكة نزلت تحارب مع المؤمنين في بدر، أفضل الملائكة، وجبريل -عليه السلام- على رأس الملائكة: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ(10)} [الأنفال]، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى(17)} [الأنفال].
2ـ فتح مكة :ـ
حيث نقضت قريش عهدها الذي قطعته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديبية وأمدت بنى بكر بالمال والسلاح واشتركت معها فى الغارة على خزاعة –حليفة المسلمين- وقتلوا منهم عشرين رجلاً. فتهيأ رسول الله للفتح الأعظم، وطلب من أصحابه أن يجهزوا أنفسهم للخروج دون أن يخبرهم عن وجهتهم. واستطاعوا إحباط محاولة كانت تجرى لإبلاغ قريش، وكان هدفه صلى الله عليه وسلم أن يفاجئ القوم، فلا يستطيعون مقاومة، ويستسلمون دون إراقة الدماء. وانطلقوا للجهاد في العاشر من رمضان من العام الثامن للهجرة. وانضم الكثير من القبائل المسلمة للجيش الإسلامي، حتى بلغ عدد المسلمين عشرة آلاف مقاتل، وقريش مازالت تتشاور فى الأمر ولم تعلم بقدومهم، وأسلم أبو سفيان ودخلت الجيوش مكة فاتحين. وعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قريش بقوله المشهور “اذهبوا فأنتم الطلقاء ” ودخل البيت الحرام فطهره من الأصنام، وأمر بلالاً فأذّن فوقه وصلى بالناس فيه.
3ـ موقعة البويب:
في عهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفى العام الثالث عشر للهجرة كانت موقعة الجسر التي استشهد فيها القائد أبو عبيد في العراق مع قرابة أربعة آلاف مقاتل مسلم في قتالهم ضد الفرس، أمام جيش كبير مزود بالفيلة الضخمة. فأرسل عمر المثنّى بن حارثة على رأس جيش آخر وكان هذا فى شهر رمضان من العام نفسه. والتقى الجيشان عند مكان يسمى البويب قرب الكوفة وكان يفصل الجيشين نهر، فشدد المثنّى على جنوده ليفطروا فافطروا؛ حيث يرخص للمقاتل فى ذلك. وطلب من الفرس أن يعبروا النهر فعبروا واحتدم القتال وحمل بنفسه على قائد الفرس مهران؛ حتى أزاله عن موضعه، وعندها بدأ الفرس فى الهروب، ولحقهم المسلمون فأعملوا فيهم السيوف حتى مات منهم قرابة المائة ألف ما بين قتيل وغريق، وغنم المسلمون أموالاً كثيرة، وبعث المثنّى بالبشارة لعمر بن الخطاب. وأذلّت هذه الواقعة رقاب الفرس وتمكّن المسلمون بعدها من الغارات والغزوات ما بين نهري دجلة والفرات.
4ـ فتح الأندلس:
فى عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، عبر طارق بن زياد إلى الأندلس، ودارت معركة، وسيطر طارق على جبل هناك اتخذه جسرًا للتوغل فى قلب أِسبانيا.
ولما شعر ملك أِسبانيا بخطورة الموقف، حشد جنوده وقام بالزحف بجيش ضخم يصل عدده إلى مائة ألف مقاتل لملاقاة المسلمين. فاستغاث طارق بموسى بن نصير الذي أرسل له خمسة آلاف مقاتل من مسلمين بالمؤن والعتاد.
والتقى الجيشان فى موقعة كبرى فى آخر رمضان سنة ثمان وتسعين. واستمرت المعركة ثمانية أيام متواصلة وكان جيش الأسبان أكثر من ثمانية أضعاف جيش المسلمين، وكان الصوم بركة على المسلمين فصبروا على القتال حتى هزموا عدوهم هزيمة ساحقة، وامتلأت ساحة المعركة بقتلاهم، ولاذ الناجون بالفرار ليبلِّغوا بقية ملوك وأمراء الأسبان بأن عصرهم قد انتهى. واستمر الحكم الإسلامي بالأندلس قرابة ثمانية قرون.
5ـ معركة حطين
معركة حطين بقيادة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي ،فصلاح الدين الأيوبي رحمه الله كانت حياته كلها جهاد فلم يكن يُفَرِّق بين رمضان وبين أي شهر من شهور السنة، كل الشهور عنده جهاد، ليست هناك راحة، فما أن انتهى من حطين وفتح بيت المقدس اتجه مباشرة إلى حصار صور في 9 رمضان سنة 583هـ.
معارك متصلة في كل شهر إلى أن حرَّر رحمه الله صفد في رمضان سنة 584هـ، بعد سنة من حطين، وعندما كان بعض الوزراء يعرضون عليه تأجيل القتال بعد شهر الصوم، كان رحمه الله يرفض ويصر على الجهاد.
6ـ عين جالوت:
إن من أعظم ما نزل بالأمة من بلاء ومحنة ما كان على أيدي التتار الذين صبّوا البلاء صبًا على أهل العراق والشام من قتل وتشريد وإحراق للمكتبات والمساجد. ثم أرسل قائدهم الظالم هولاكو رسالة شديدة اللهجة لسيف الدين قطز بمصر مذكَّرًا له بما فعل بأهل العراق، طالباً منه التسليم بلا قيد ولا شرط، وذلك فى زمن المستعصم بالله. فرفض قطز رحمه الله وبدأ بتكوين جيش قوي وحان وقت اللقاء فى الخامس والعشرين من رمضان سنة 658 هـ والتقى الجمعان واستمات المسلمون فى الدفاع عن أرضهم ودينهم، واستحضروا روح آبائهم الشهداء الخالدين وصرخ قطز “وا إسلامــاه” فأوقعوا بالتتار شر هزيمة لأول مرة فى التاريخ، وطاردهم قطز ومعه الظاهر بيبرس وكتب الله النصر للمسلمين .
7ـ معركة العاشر من رمضان:ـ
 معركة العاشر من رمضان سنة 1393 هـ والتي حطَّم فيها جنود المسلمين أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وحطموا خط بارليف، ولقّـنوا اليهود درساً لا ينسى، وساهمت قوة الصوم الروحية فى رفع الروح المعنوية للمقاتلين الذين لم يتركوا ذكر الله في قتالهم. وهكذا تتوالى الانتصارات في شهر الصبر والنصر. بما يؤذن بنصر قريب إذا ما عادت الأمة إلى ربها واحتكمت إليه واصطلحت معه وأفنت عمرها وجهدها فى مرضاته. قال تعالي }وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (126){(آل عمران).
العنصر الرابع : أسباب النصر والقوة :ـ
السبب الأول : الإيمان الصادق والعمل الصالح:
ويعتبر من أهم أسباب النصر والتمكين لأمة الإسلام ، يقول الله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فإذن لابد من إيمان صادق وعمل صالح : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} وهنا شرط مهم : {...يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا...[55]}[ النور]. ثم قال في الآية التي بعدها مباشرة:{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[56]}[ النور].
فإذن: لابد من إيمان صادق، ومن عمل صالح. 
 ومن أهم ما يتمثل فيه هذا الإيمان:
‌أ- عبادة الله سبحانه وتعالى عبادة خالصة ليس فيها شرك
 ‌ب- وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به، وفي كل ما نهى عنه، فما أمر به يفعل، وما نهى عنه يجتنب .
ج- الصبر والثبات: سواء كان ذلك في المعركة، أو قبل المعركة: صبر على الابتلاء، صبر على المحن، فلا يمكن أن يمكن لهذا الدين إلا بعد ابتلاءات ومحن، ثم إذا صُفي ونُقي جاء التمكين، وجاء النصر، فلابد من صبر وثبات كما قال جل وعلا:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا...(45)}[ الأنفال].
وكما قال سبحانه:{ فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ(66)}[ الأنفال].
 وقال صلي الله عليه وسلم: (أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم قال: اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأهزاب؛ اهزمهم وانصرنا عليهم) رواه البخاري ومسلم
 د- ذكر الله كثيراً ... من أعظم وأقوى عوامل النصر الاستغاثة بالله  تبارك وتعالى ، وكثرة ذكره، لأنه القوي القادر على هزيمة أعدائه، ونصر أوليائه قال  تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(186)} البقرة،
وقال  تعالى{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(60)} غافر ، وقال الله  جل وعلا  {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ(9)}الأنفال
وقال الله  جل وعلا{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ}
وقال تعالي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ (45)} [الأنفال] .
 لأنه سبحانه النصير والمعين فنعم المولى ونعم النصير قال تعالى{وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(10)}الأنفال، ولهذا كان النبي  صلى الله عليه وسلم  يدعو ويستغيث ربه  تبارك وتعالى  في معاركه؛ فينصره ويمده بجنوده، ومن ذلك ما ثبت من حديث عمر بن الخطاب  رضي الله عنه  قال: "نظر نبي الله - صلى الله عليه وسلم  إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي الله  صلى الله عليه وسلم - القبلة، ثم مد يديه وجعل يهتف بربه (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض)، فما زال يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه من منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رادءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه فقال: "يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، إنه سينجز لك ما وعدك!! فأنزل الله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ(9)} الأنفال . (رواه الترمذي) فأمده الله بالملائكة،
فلابد من إعداد الجندي المؤمن الذي يذكر الله كثيراً، والذي يحافظ على طاعة ربه، ويجتنب ما نهاه الله عنه، والذي نصب عينيه أن يموت شهيداً ليدخل الجنة بفضل الله. كما قال عمير بن الحمام لما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ] وكان بيده تمرات بَخٍ بَخٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ] قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ: [فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا] فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ- ربما لا تتجاوز خمس تمرات - إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ قَالَ فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. رواه مسلم . 
إذن إذا وجد مثل هذا النموذج الذي يقدم على الموت، فإنه سيوهب لنا النصر، وستوهب لنا الحياة، وسنحصل على الحسنيين .  
السبب الثاني: وحدة الصف وجمع الكلمة :
لا يخفى على أحد من الناس أهمية جمع كلمة المسلمين، وأن ذلك سبب في النصر على عدوهم، وقد أمر الله  تعالى  بالاجتماع في آيات كثيرة محذراً منه، وداعياً لهم بالاعتصام بحبله المتين، وأخبر أن التفرق والتنازع سبب في حصول الفشل والهزيمة فقال سبحانه: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(46)}الأنفال.
 قال الإمام الشنقيطي رحمه الله " نهى الله  جل وعلا  المؤمنين في هذه الآية الكريمة عن التنازع، مبيناً أنه سبب الفشل، وذهاب القوة، ونهى عن الفرقة أيضاً في مواضع أخر كقوله: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ (103)} آل عمران.
 ونحوها من الآيات، وقوله في هذه الآية: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} أي: قوتكم".
أما إذا كانت مفرقة ومشتتة، فإن النصر لن يكون حليفها، ولذلك صلاح الدين الأيوبي رحمه الله لما أراد أن يستخلص بيت المقدس من أيدي الصليبيين أول أمر فعله أن قام بتوحيد أقوى بلدان المسلمين في ذلك الوقت، وهي: مصر والشام، فلما وحدها نهض لقتال الصليبيين، فوحدة الصف المسلم سبب من أسباب النصر والتمكين، وأما إذا كان المسلمون مفرقين فإن النصر منهم بعيد.     
  السبب الثالث: عدم العجب والاغترار بالقوة والكثرة:
فإن العجب والاغترار بالنفس والقوة والعدة والعتاد سبب في وقوع الهزيمة وحلولها بمن هذا حاله قال الله تبارك وتعالى{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ(25)} التوبة.
فالنصر ليس بكثرة العدة والعتاد فقد قال الله  تبارك وتعالى{كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ(249)} البقرة.
 قال الحافظ ابن كثير  رحمه الله  في تفسيره: "ذكر  تعالى للمؤمنين فضله عليهم، وإحسانه لديهم؛ في نصره إياهم في مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن ذلك من عنده تعالى ، وبتأييده وتقديره، لا بعَددهم ولا بعُددهم، ونبههم على أن النصر من عنده سواء قلَّ الجمع أو كثر، فإن يوم حنين أعجبتهم كثرتهم، ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم شيئاً، فولوا مدبرين إلا القليل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أنزل الله نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين معه" 
السبب الرابع : التوكل على الله والأخذ بالأسباب:
التوكل على الله  تبارك وتعالى مع إعداد القوة من أعظم عوامل النصر، وذلك لقوله تبارك وتعالى { إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)}آل عمران  
وقال سبحانه{ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) }آل عمران.
 قال القرطبي  رحمه الله  في تفسير الآية: "أي عليه توكلوا فإنه إن يعنكم ويمنعكم من عدوكم لن تغبلوا {وَإِن يَخْذُلْكُمْ} يترككم من معونته"،
وقال العلامة ابن سعدي  رحمه الله  "أي: إن يمددكم الله بنصره ومعونته {فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} فلو اجتمع عليكم من في أقطارها وما عندهم من العدد والعدد، لأن الله لا مغالب له، وقد قهر العباد، وأخذ بنواصيهم، فلا تتحرك دابة إلا بإذنه، ولا تسكن إلا بإذنه، {وَإِن يَخْذُلْكُمْ} ويكلكم إلى أنفسكم {فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ}، فلا بد أن تنخذلوا ولو أعانكم جميع الخلق"
وقال تعالى { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}آل عمران.
 وقال سبحانه { وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا (3)}الأحزاب.
وقال تعالي:{ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)}الفرقان.
وعن عمر بن الخطاب  رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله؛ لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خماصاً، وتروح بطاناً) رواه الترمذي
ولا بد مع التوكل من الأخذ بالأسباب، لأن التوكل يقوم على ركنين عظيمين:
1- الاعتماد على الله  تبارك وتعالى ، والثقة بوعده ونصره  تعالى ، فما خاب من توكل عليه.
2- الأخذ بالأسباب المشروعة.
وإذا لم توجد الأسباب فهو توكل كاذب بل هو تواكل، ولهذا قال الله  تبارك وتعالى  حاثاً على العمل بالأسباب: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ(60)}الأنفال
وعن أنس رضي الله عنه  "أن رجلاً قال: يا رسول الله أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال: (اعقلها وتوكل) رواه الترمذي.   
السبب السادس : نصر دين الله تعالى:ــ
ومن أعظم أسباب النصر نصر دين الله  تبارك وتعالى ، والقيام به قولاً، واعتقاداً، وعملاً، ودعوةً قال الله  تبارك وتعالى { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)}الحج.
فالعاقبة للمتقين، وبمجرد أن يلتزم المؤمن بدين الله  تبارك وتعالى  ظاهراً وباطناً، وينصر دين الله  تعالى  يأتي النصر بإذنه  تبارك وتعالى  قال الله  تبارك وتعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)}محمد.
 قال العلامة ابن سعدي رحمه الله  "هذا أمر منه  تعالى  للمؤمنين أن ينصروا الله بالقيام بدينه، والدعوة إليه، وجهاد أعدائه، والقصد بذلك وجه الله، فإنهم إذا فعلوا ذلك نصرهم الله، وثبت أقدامهم أي: يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات، ويصبر أجسامهم على ذلك، ويعينهم على أعدائهم، فهذا وعد من كريم صادق الوعد أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه، وييسر له أسباب النصر من الثبات وغيره؛ وأما الذين كفروا بربهم، ونصروا الباطل فإنهم في تعس، أي: انتكاس من أمرهم وخذلان"، وقال  تعالى { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)} الصافات.
ثمرات الجهاد في حياة الأمة :ـ
1- كشف المنافقين, فإنهم في حال الرخاء لا يتميزون عن غيرهم فإذا جاءت الشدة والبأساء تبينوا للمؤمنين وانكشفوا. قال تعالى: }مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ(179){ [آل عمران].
وقال سبحانه وتعالي} أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ(142){ [آل عمران].
 وقال عنهم في بدر: }إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ (49){[الأنفال].
وقال عنهم في غزوة الأحزاب} إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا(12){[الأحزاب], وقال سبحانه} فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ (20){ [محمد].
2- تمحيص المؤمنين من ذنوبهم. قال تعالى:}وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141){[آل عمران].
3ـ محق الكافرين كما في الآية الكريمة
4  ـ تربية المؤمنين على الصبر والثبات والطاعة وبذل النفس والإيثار. وقال تعالى} أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142){ [آل عمران].
5- حفظ هيبة الدولة الإسلامية ودخول الناس في دين الله تعالى فإن كثيراً من الناس لا ينقادون للحق الذي لا تحميه قوة ولا يكون له بأس, وعامة الخلق ينفرون من الضعيف والضعف ولذلك قال تعالى} لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25){ [الحديد].
 قال ابن كثير: [وجعلنا الحديد رادعا لمن أبى الحق وعانده من بعد قيام الحجة عليه, ولهذا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة ثلاث عشره سنة .
وكلها جدال مع المشركين وبيان وإيضاح للتوحيد وتبيان ودلائل, فلما قامت الحجة على من خالف, شرع الله الهجرة, وأمرهم بالقتال بالسيوف وضرب الرقاب والهام لمن خالف القرآن وكذب به وعانده] (ابن كثير/ تفسير سورة الحديد)
ودعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر شاهد على هذا إذ لما تكونت للمؤمنين في المدينة قوة يضربون بها في الأرض وفتحوا مكة جاءت العرب مسلمة مذعنة.
6ـ محو الفساد من الأرض, لأنه إن لم يجاهد المسلمون المفسدين ارتفع منار الفساد وقويت شوكة المفسدين, وتلك سنة جارية قال الله عنها} وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251){ [البقرة] .
وقال سبحانه:} وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40){ [الحج].
 قال ابن زيد: [ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض: لولا القتال والجهاد] (الطبري).
وقال مقاتل: [لولا دفع الله المشركين بالمسلمين لغلب المشركون على الأرض فقتلوا المسلمين وخربوا المساجد] (زاد المسير)
وقال سبحانه:} كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً(8){ [التوبة] .
وقال تعالى} وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ (120){ [البقرة].
الخاتمة :ـ
فهيا بنا أيها المؤمنون علي طريق السلف الصالح نسير وعلي دربهم نمضي في سبيل الله من أجل الدفاع عن الدين والوطن ولن نصل إلي هذه الدرجة العظيمة إلا بالانتصار علي النفس والشهوات لأنهما الميدان الأول لو انتصرنا عليهما كنا علي ما سواهما أقدر وإن فشلنا في الانتصار عليها كنا علي ما سواهما أعجز، فيكتب الله لنا الحياة الحياة العزيزة في الدنيا والآخرة إذا تركنا الوهن خلف ظهورنا ، فاحرصوا على الموت توهب لكم الحياة واعلموا أن الموت لابدَّ منه، وأنه لا يكون إلا مرةً واحدةً، فإن جعلتموها في سبيل الله كان ذلك ربحَ الدنيا وثوابَ الآخرة. وما يصيبكم إلا ماكتب الله لكم ، فاعملوا للموتة الكريمة تظفروا بالسيادة الكاملة ، رزقنا الله وإياكم كرامة الإستشهاد في سبيله ....
إنه نعم المولي ونعم النصير




ليست هناك تعليقات: