11 يونيو 2018

عيد الفطر جوائز وبشائر







تحميل word

تحميل pdf

الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله بنعمته تتم الصالحات ، وبعفوه تغفر الذنوب والسيئات ، وبكرمه تقبل العطايا والقربات ،وبلطفه تستر العيوب والزلات ، الحمد الله الذي أمات واحيا ، و منع وأعطي ، وأرشد وهدي ، و أضحك وابكي }وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111){ الإسراء.
الله أكبر، الله أكبر ، الله أكبر، لا إله إلا الله إلا الله ، الله أكبر ولله الحمد ..  
الله أكبر ما صام صائم وأفطر ،الله أكبر ما قام قائم وكبر ، الله أكبر ما أشرق صبح وأسفر، 
 الله أكبر تسبيحة العابد المطهر ، الله أكبر صيحة الفاتح المظفر، 
الله أكبرفي مطلع الفجرفي المساء، الله أكبر في الظهر,في العصر,في العشاء
الله أكبر بها فتحنا حصون خيبر ، الله أكبر بها هزمنا جحافل كسري وقيصر . 
الله أكبر ما وفق الله المسلمين لصيام رمضان ، الله أكبر ما انتصروا علي شهواتهم ورغباتهم طمعا في الرحمة والرضوان .
الله أكبر ما وفق الله المسلمين لقيام رمضان ، الله أكبر ما أدي كل مسلم زكاة فطره وعلي مقاومة النفس والشيطان صبر وانتصر.
 الله أكبر ما تجلي عليهم ربهم في رمضان بالرحمات ، الله أكبر ما تجلي رب الكائنات علي كل واحد من الصائمين فطهرهم من ذنوبه وكفر عنهم سيئاته ومنحهم بفضله الأجرالعظيم والثواب الأكبر . 
 سبحانك يا من جمعت القلوب علي الحق بحكمتك ووسعت كل شيئ بعلمك وقدرتك ورحمتك ، سبحانك تخلق ما تشاء وتختار سبحانك أنت الواحد القهار ، سبحانك آناء الليل وأطراف النهار .
اللهم لولا الله ما اهتدينا   و لا تصَدَّقنا و لا صلينا
فأنزلَن سكينة علينا        وثبتِ الأقدامَ إن لا قينا
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. وفق من شاء للفوز بجنته قال تعالي } وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) {.النور.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ،و صفيه من خلقه وحبيبه ، القائل "اللهم إني أسألك الفوز عند اللقاء، اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء".
بلغ الرسالة ،وأدي الأمانة ، ونصح للأمة وكشف الله به الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده حتي أتاه الله اليقين . 
 فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه الذين بشرهم ربهم بالفوز العظيم وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
 أما بعد: فيا أيها المؤمنون ...

إن العيد من شعائر الإسلام العظيمة الظاهرة، والعيد يتضمن معاني سامية جليلة، ومقاصد عظيمة فضيلة، وحِكماً بديعة، إنه عيد الفائزين لا الخاسرين، عيد الأمناء لا الخائنين، عيد المصلحين لا المفسدين، إنّه عيد الفائزين الذين استطاعوا بفضل من الله ورحمة أن يصوموا أحسن الصيام، وأن يقوموا أفضل القيام، ففازوا بثواب الله ونعيمه الذي أعدّه للصائمين، فهنيئًا لمن صام وقام وتصدق وأحسن البرّ والصّلة بالنّاس.
 العيد في الإسلام كلمة رقيقة عذبة تملأ النفس أنسا وبهجة، وتملأ القلب صفاء و نشوة ، وتملأ الوجه نضارة وفرحة ،كلمة تذكر الوحيد لأسرته ، والمريض بصحته ،والفقير بحاجته ،  والضعيف بقوته ، والبعيد وطنه وعشيرته  ،واليتيم بأبيه، والمسكين بأقدس ضرورات الحياة
، وتذكر كل هؤلاء بالله ، فالمؤذن  يؤذن كل يوم خمس مرات  معلنا الله اكبر، ليتعلم الناس أن الله أقوي من كل قوي، قال تعالي } كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ(21) (المجادلة) ،
وأغني من كل غني قال تعالي } يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ  (15){ فاطر. 
وأعز من كل عزيز " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " (آل عمران:26)
 نعم الله أكبر .. فكل متكبر بعد الله فهو صغير ، وكل متعاظم بعد الله فهو حقير ،وكل غني أمام الله فهو فقير، وكل قوي  سوى الله فهو عسير ... عيد بطعم الفرحة .. فرحة الطاعة  وفرحة العبادة الله  قال تعالي }قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58){ (يونس)
إنّه يوم التهنئة والتعزية؛ فتهنئة لمن صلى وصام، وتصدق وقام، ووصل رحمه وأطاع ربه، فهنئيًا له والفرحة كلها له، وتقبل الله منا ومنكم جميعًا صالح الأعمال... وتعزية لمن قصّر وفرّط في رمضان، وخرج منه ولم يغفر له، تعزية لمن فرّط في نصرة الحق وأهل الحق، إنه يوم يرفع قدر أناس ويخفض قدر آخرين.  
هنيئاً للمقبولين، وجبر الله كسر المحرومين، وخفف مصاب المغبونين، كان سيدنا علي رضي الله عنه يقول:  " يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه ؟"
وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول عند رحيل الشهر : "من هذا المقبول منا فنهنيه ، و من هذا المحروم منا فنعزيه ، أيها المقبول هنيئا لك ، أيها المردود جبر الله مصيبتك " .
إنّه عيد ميلاد القلوب التائبة العائدة لربها، قلوب ماتت أو كادت؛ فبعد رمضان تيقّظت قلوب، وتلذذت بطاعة الله تعالى.
ليس يومٌ أحب إلى العبد الطائع من يوم يرى فيه أثر طاعته وعبادته، وقد قَبِلها الله  عز وجل  وضاعف له فيها الأجر، الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، ولا شكَّ أن شهر رمضان شهر تتضاعَف فيه الأجور كمًّا وكيفًا، فيَفرح المؤمن حين يرى عظيم ما قدَّم.
 إن الجوائز الإلهية والمنح الربانية التي توزع اليوم ما هي إلا جزء من الجوائز العظيمة والمنح الكريمة والعطايا الجليلة التي يخص الله بها عباده الصائمين يوم القيامة .....
 روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الله : للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح ، وإذا لقي ربه فرح بصومه ) .
قال ابن رجب : (وأما فرحه عند لقاء ربه، ففيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخرا ) .
 إن الصائمين حينما يخرجون من صلاة العيد سوف يقبضون جوائزهم، فقد نجحوا في هذا الامتحان وتخرجوا من مدرسة رمضان قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطريق فنادوا: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم، يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلّوا نادى مناد: ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة) رواه الطبراني في الكبير.
أيها المسلمون:ـ   كثيرا ما تطرق أسماعنا كلمة فاز، فوز، فيقال فاز فلان بجائزة وفاز فلان بسيارة وفاز فريق بكأس وأخر بميدالية وفاز فلان بالمركز الأول وفاز فريق على فريق بهدف أو أكثر وهكذا تطرق أسماعنا هذه الكلمة كثيرا فيما يتعلق بجوائز الدنيا وحظوظها وقليل من الناس من ينظر بعين بصيرته ويسافر بهمته إلى الفوز الأكبر الذي ليس بعده خسارة أبدا، قال تعالي ﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16).الأنعام
إن الفوز بالدنيا وحظوظها فوز محفوف بالمكاره ومعرض للنقص والزوال والنسيان فالغنى يعقبه الفقر والقوة يتبعها الضعف والصحة يتبعها المرض والشباب يعقبه العجز والهرم بل الحياة نفسها لا تدوم فأي فوز هذا الذي يكون في الدنيا؟ لقد جاءت لفظة (الفوز) وما اشتق منها في الكتاب العزيز في واحدٍ وثلاثين موضعًا، وجاءت كلمة (الفائزون) في أربعة مواضع، فلنتأمل هذه الآيات لنستخلص منها حقيقة الفوز ومعناه ومن هم الفائزون على الحقيقة.
حقيقة الفوز :ـ
إن الفوز الحقيقي هو الفوز في الآخرة بدءاً بالموت وما يكون في القبر وسؤال الملكين وفي عرصات القيامة وعند الحشر والنشر والصراط وعند تطاير الصحف وأخذ الكتب بالإيمان, وتأملوا في حال ذلك الفائز حينما يأخذ الكتاب باليمين فيطير فرحاً مسروراً ينادي في الموقف ﴿ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20)﴾
اقرءوا هذا الكتاب وهذه علامة فوزي وسعادتي فلقد كنت على يقين من مجيء هذا اليوم فعملت له وهذا هو الجزاء ﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)﴾ الحاقة .
وتأمل حالهم يوم يقول المولي عز وجل }وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ(38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39){ عبس.
وعلى الجانب الآخر يقف الخاسرون النادمون الذين غفلوا عن الفوز الحقيقي متحسرين على تفريطهم نادمين على تضيعهم ﴿ قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) ﴾الأنعام.
وتأمل قول الله عز وجل (ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئكهم الكفرة الفجرة ) عبس .
 إنَّ الفوز حقاً في النجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)﴾آل عمران .
وما أعظم الفرق بين أهل الجنة وأهل النار؟
ما أعظم الفرق بين أهل العذاب والجحيم وأهل النعيم المقيم؟
ما أعظم الفرق بين الناجين والهالكين؟ وما أعظم الفرق الفائزين والخاسرين؟
فأهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ويلعبون ويمرحون ويتلذذون ويتمتعون } فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ
جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17){ السجدة.
 وأهل النار فيها يعذبون ويحرقون ويهانون ويضربون ويصرخون ويجأرون ،قال تعالي } وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20){السجدة.
 فهل يستويان؟ والجواب كلا } لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20){الحشر.
فمن هم الفائزون حقا؟
 (الفائزون) في أربع مواضع في القرآن الكريم ..
1ـ الموضع الأول في سورة التوبة...
 قال تعالي (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)التوبة.
 فهؤلاء قدموا النفس والنفيس وبذلوا الغالي والرخيص ابتغاء مرضاة الله، إنهم من أعظم الفائزين في هذه الدنيا.
حين تسمو النفوس إلى هذا المعنى ندرك حقيقة ما قاله حرام بن ملحان حين طعن من خلفه يوم بئر معونة فأخذ ينضح الدم على وجهه ورأسه ويقول: (فزت ورب الكعبة، فزت ورب الكعبة).
هذه النفوس العالية تزهد في حطام الدنيا فتقدمه لله وهو أحب شيء إليها، لما نزل قول الله تعالي :} مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ (11){) [الحديد]
 قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله، وإن الله عز وجل ليريد منا القرض؟!
قال:(نعم يا أبا الدحداح) ، قال: أرني يدك يا رسول الله، فناوله يده فقال: فإني قد أقرضت ربي عز و جل حائطي  قال ابن مسعود: وله حائط فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه و عياله، قال: فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: اخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل. الله أكبر، ما أعظم هذه النفوس وما أكبرها عن أن تكون أسيرة حطام الدنيا ومتاعها.
2ـ الموضع الثاني في سورة المؤمنون .....
قال تعالي :}إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ(111){ [المؤمنون].
 فما أعظم عاقبة الصبر الذي يبلغ بالإنسان أسمى المراتب وأعلاها، وفي الجنة يسمع أهلها الملائكة وهم يقولون: }سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24){[الرعد]،
 صبرتم على الطاعة فنعم الصبر، قمتم بها وراغمتم النفوس لأجلها فنعم الصبر، صبرتم عن معصية الله وغالبتم النفوس لتركها مع شدة حبكم لها وتعلق قلوبكم بها فنعم الصبر، صبرتم على ما يحل بكم من أقدار الله وما ينزل بكم من مصائب هذه الحياة، نهيتم النفس عن تسخطها وجزعها، أيقنتم أن ما أخطأكم لم يكن ليصيبكم وما أصابكم لم يكن ليخطئكم فنعم الصبر. ولما كانت القلوب على هذا المستوى من الإيمان والصبر واليقين كان أولئك الصنف من الناس هم الفائزون،
}إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(90){ [يوسف].
3ـ أما الموضع الثالث في سورة النور ...
فهو قوله تبارك وتعالى: }إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ (52){[النور].
وهذه الآيات جاء قبلها في السياق الحديث عن المنافقين في قوله تعالى: }وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ(48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ(49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ(50) {[النور].
إنها صفاتٌ أربعة إذا اجتمعت في العبد كان من الفائزين : طاعة الله ، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وخشية الله والوقوف بين يديه سبحانه وتعالى ، وتقوى الله جلّ وعلا بالبعد عن المعاصي والآثام ؛ فمن كان بهذا الوصف وعلى هذه الحال فإنه يكون من الفائزين كما أخبر الله بذلك .
فما أعظم الفرق بين هؤلاء وهؤلاء: المستجيبون لله ولرسوله الذين لا يبغون دينا سوى كتاب الله وسنة رسوله، وأولئك الذين في قلوبهم مرض النفاق يظنون أن حكم الله ظلم وحيف، فيستبدلون به أحكام البشر وقوانينهم التي هي مظنة الظلم والحيف، أولئك البشر الذين لا يملكون أنفسهم وهم يشرعون ويحكمون أن يميلوا إلى مصالحهم وأهوائهم، ولكنَّ العدالة المطلقة هي في حكم الله فلا تجدها في تشريع غير تشريعه ولا يحققها حكم غير حكمه،  قال تعالي }أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ(50){ [المائدة]،
ولذا قال تعالي: }وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ(52){ [النور]، أولئك هم الناجون في دنياهم وأخراهم، هم للفوز أهل، ولديهم أسبابه من واقع حياتهم، فالطاعة لله ولرسوله تقتضي السير على النهج القويم، وهو بطبيعته يؤدي إلى الفوز في الدنيا والآخرة،قال تعالي } فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ(126){ [طه].
أما الموضع الرابع في سورة الحشر ...
قال تعالي:( لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ(20) [الحشر]،
نعم لعمرو الله، وأيُّ فوز أعظم من ذاك؟! فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185].
 نعم، إنها الجنة التي يُحل عليهم فيها رضوانه فلا يسخط عليهم أبدًا، قال تعالي }وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72){[التوبة]،
إنها الجنة التي يخلدون فيها فلا يموتون، (خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(13){ [النساء]،
خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
نعم، إنها الجنة هي محض فضل وامتنان من الكريم المنان، قال تعالي }فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57){[الدخان]،
 وفي صحيح مسلم أن رسول الله قال عن الجنة:(ينادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تَشِبُّوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا).
 إنها الجنة بناؤها لبنة من ذهب ولبنة من فضة، ملاطها المسك الأذفر، حصباؤها الدر والياقوت، تربتها الزعفران، فهي كما قال تعالى: }وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(12){ [الصف].
 إنها الجنة التي فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنها من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى، فهي كما قال الله تعالي : }جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ(11) [البروج]، إي وربي إنه الفوز الكبير.
ثم تذكر عبد الله حال المؤمنين الفائزين ماذا لهم بعد نجاتهم من النار وفكاكهم من عذابها ونجاتهم من الدخول فيها ؟
ماذا أمام هؤلاء الفائزين ؟
 يقول الله تعالى: } إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا(36){[النبأ]
ما أعظمها من حال وما أطيبه من مآل !!
فكّهم الله عز وجل وأجارهم من النار فجازوا الصراط وتعدَّوه ، ثم أمامهم الجنة فيها هذا النعيم المقيم ، فتفكر في هذا المقام وأهل الجنة يدخلون الجنة مع بابها فائزين أعظم فوز نائلين أعظم غنيمة ، وتفكر في حالك ومآلك في هذا المقام العظيم قال تعالي} يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ( 12){ [الحديد] ،
وقال تعالي } إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ(11){ [البروج]  .
تأمل هذه المعاني ولا تشغلك  رعاك الله مُتَع الدنيا عن الفوز الحقيقي عندما تلقى الله جلّ وعلا.
إن الفوز عباد الله  نجاةٌ من مرهوب وتحصيل لمرغوب , وهذان يجتمعان للمؤمنين أهل الجنة ؛ ينجِّيهم الله تبارك وتعالى من النار ويمنّ عليهم بالفوز بدخول الجنة .
وهذا هو حقيقة الفوز عباد الله نجاةٌ من مرهوب وتحصيل لمرغوب ، وأي مرهوبٍ أعظم من النار !!
وأي مرغوبٍ فيه أعظم من الجنة !! ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ ؛ هذا هو ميدان الفوز حقاً وصدقا ، نجاةٌ من نار الله وعذابه ، وفوزٌ بجنته ونعيمه .
ولهذا ينبغي لكلِّ واحدٍ منا أن يتذكر هذا الموقف العظيم وكلنا صائر إليه , جاء في صحيح مسلم و قِفْ متأملاً رعاك الله من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ أي يوم القيامة  وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ ؟ قَالَ : دَحْضٌ مَزِلَّةٌ فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ  أي يمرون من على هذا الصراط  كَطَرْفِ الْعَيْنِ ، وَكَالْبَرْقِ ، وَكَالرِّيحِ ، وَكَالطَّيْرِ ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ ، وَالرِّكَابِ ؛ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) .
أيها المؤمنون ....
هؤلاء هم أصحاب الجنة، هؤلاء هم أصحاب الحسنى وزيادة، هل تريد أن تكون منهم؟
 فاعرف أوصافهم واتصف بها، قال تعالي }كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ(19){ [الذاريات].
يصومون وغيرهم يأكل، وينفقون وغيرهم يبخل، يقاتلون وغيرهم يتقاعس ويجبن، هم عباد الله حفظوا وصية الله ورعوا عهده، هم بربهم يؤمنون، وهم بربهم لا يشركون، هم من خشيته مشفقون، استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة، يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون، في صلاتهم خاشعون، عن اللغو معرضون، للزكاة فاعلون، لفروجهم حافظون، لأماناتهم وعهدهم راعون، طالما تعبت أجسادهم من الجوع والسهر، استعدوا من الزاد بما يكفي لطويل السفر، كثر استغفارهم فحطت خطاياهم وكل ما طلبوا من ربهم أعطاهم، فسبحان من اختارهم واصطفاهم.
 إنهم عباد الله المخلَصون، فيهم الشهيد المحتسب والعفيف المتعفف والضعيف المتواضع ذو الطمرين مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره، أقوام يقطرون نزاهة، أفئدتهم مثل أفئدة الطير، فيهم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، متحابون في جلال الله، فيهم صاحب القرآن يقرأ ويرتل ويرتقي، وفيهم تارك المراء ولو كان محقًا وتارك الكذب ولو كان مازحًا، فيهم من أطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، هي لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب، ينال نعيمها عيون تبكي من خشية الله وعيون تحرس في سبيل الله.
فالرابح في رمضان هو الذي ثبت على طاعته لله، واستقام في طريقه لله، فما بدل ولا غيَّر؛ قال عز وجل  لنبيه صلى الله عليه وسلم:  " وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ  " الحجر.
وقال  سبحانه  وتعالي عن عيسى عليه السلام: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ) مريم
وذُكر لبعض السلف أناس يجتهدون في رمضان، ثم يتركون ذلك بعده، فقال: بئس القوم لا يعرفون الله -تعالى- إلا في رمضان.
تراحموا و تزاحموا،  ابشروا وافرحوا،  تسامحوا وتصالحوا،  و تعاونوا علي البر والتقوى…
اللهم كما سلمتنا رمضان فتسلمه منا متقبلا..
اللهم فرحنا بيوم فطرنا كما وعدتنا وفرحنا يوم ان نلقاك…
تقبل الله منا ومنكم وكل عام وانتم بخير.


ليست هناك تعليقات: