3 يونيو 2019

إشراقات تربوية في عيد الفطر







الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وبعفوه تغفر الذنوب والسيئات ، وبكرمه تقبل العطايا والقربات ،وبلطفه تستر العيوب والزلات ، الحمد الله الذي أضحك وأبكي وأمات وأحيا ، ومنع وأعطي ، وأرشد وهدي .
{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111)}[الإسراء].
الله أكبر، الله أكبر ، الله أكبر، لا إله إلا الله إلا الله ، الله أكبر ولله الحمد ..  
الله أكبر ما صام صائم وأفطر ،الله أكبر ما قام قائم وكبر ، الله أكبر ما أشرق صبح وأسفر.
الله أكبر تسبيحة العابد المطهر ، الله أكبر صيحة الفاتح المظفر.
الله اكبر,الله اكبرفي مطلع الفجرفي المساء، الله أكبر في الظهر,في العصر,في العشاء.
الله أكبر ما وفق الله المسلمين لصيام رمضان ، الله أكبر ما انتصروا علي شهواتهم ورغباتهم طمعا في الرحمة والرضوان .
الله أكبر ما وفق الله المسلمين لقيام رمضان ، الله أكبر ما أدي كل مسلم زكاة فطره وعلي مقاومة النفس والشيطان صبر وانتصر.
 الله أكبر ما تجلي عليهم ربهم في رمضان بالرحمات ، الله أكبر ما تجلي رب الكائنات علي كل واحد من الصائمين فطهرهم من ذنوبه وكفر عنهم سيئاته ومنحهم بفضله الأجرالعظيم والثواب الأكبر .
سبحانك يا من جمعت القلوب علي الحق بحكمتك ووسعت كل شيئ بعلمك وقدرتك ورحمتك ، سبحانك تخلق ما تشاء وتختار سبحانك أنت الواحد القهار ، سبحانك آناء الليل وأطراف النهار .
اللهم لولا الله ما اهتدينا   و لا تصَدَّقنا و لا صلينا
فأنزلَن سكينة علينا        وثبتِ الأقدامَ إن لا قينا
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. وفق من شاء للفوز بجنته قال تعالي {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) }.[النور].
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ،و صفيه من خلقه وحبيبه ، القائل "اللهم إني أسألك الفوز عند اللقاء، اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء".
بلغ الرسالة ،وأدي الأمانة ، ونصح للأمة وكشف الله به الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده حتي أتاه الله اليقين .
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه الذين بشرهم ربهم بالفوز العظيم وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون ..
إن ليوم عيد الفطر في إسلامنا العظيم إشراقات جليلة، لا بد لنا أنْ نتفهمها، وأنْ نستشعرها ونحياها، وأنْ نعيشها ونطبقها حتى نجعل من عيدنا عيداً إسلامياً حقاً، فما هي هذه الإشراقات؟
الإشراقة الأولي : عيد الفطر يوم التمايز:ـ
نعم إن هذا اليوم  يوم التمايز لهذه الأمة المحمدية، ففي الحديث الصحيح عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ()الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: "مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ"؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  ()"إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ".
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ:
"قَدِمَ رَسُول اللَّه ()الْمَدِينَة": أَيْ مِنْ مَكَّة بَعْد الْهِجْرَة، "وَلَهُمْ": أَيْ لأهْلِ الْمَدِينَة "يَوْمَانِ": وَهُمَا يَوْم النَّيْرُوز وَيَوْم الْمِهْرَجَان. "فِي الْجَاهِلِيَّة": أَيْ فِي زَمَن الْجَاهِلِيَّة قَبْل أَيَّام الإسْلام، "أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا": أَيْ جَعَلَ لَكُمْ بَدَلاً عَنْهُمَا خَيْرًا "مِنْهُمَا": أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالأخْرَى وَ"خَيْرًا" لَيْسَتْ أَفْعَل تَفْضِيل؛ إِذْ لا خَيْرِيَّة فِي يَوْمَيْهِمَا "يَوْم الْأَضْحَى وَيَوْم الْفِطْر".
وبذلك يكون يوم عيد الفطر يوما تتميز فيه الأمة عن غيرها من الأمم، فلا توجد أمة اليوم على وجه الأرض كلها عيدها هو تشريع من عند الله إلا هذه الأمة المحمدية، فهكذا أرادها ربها سبحانه وتعالى أنْ تكون، أمة متميزة في عقيدتها، وفي أنظمتها، وفي عباداتها، وفي شريعتها، وفي شعائرها، وفي أعيادها.
نعم أراد لها ربها أن تكون لها خصوصية ربانية في أعيادها، فتأمّلوا معي قول النبي () "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا" ، فالعيد تشريع من الحكيم سبحانه لهذه الأمة المسلمة؛ لتكون متميزة.
أيّ أمم الأرض اليوم عيدها هو تشريع من الله؟
بل قولوا لي: أيّ أمّة من أمم الأرض اليوم، عيدُها قربةٌ إلى الله، عيدها يأتي بعد عبادة عظيمة لله تعالى، بل عيدها يُفتتح بذكر الله، ويُسجد فيه لله بصلاة خاصة!!
فأعيادنا خير وبركة، وسلام من الرحمن، وذلك ما أراده الله تعالي لأمة الإسلام.
بل نجد الأمم الغير مسلمة أعيادها كلها إما محرفة، وإما تشريع وضعي من وضع طواغيت الأرض وعاداتهم، ولذلك تمتلئ أعيادهم بالشر وبالمنكر، وبالضلالات وبالبدع، واغراق في عالم الشهوات.
لذلك يحذرنا النبي () من الانغماس بها وتقليدها وتعظيمها، فلا أعياد إلا ما شرعه نبي الهدى ().
الإشراقة الثانية : يوم التكبير :ـ
إنّ عيد الفطر هو يوم التكبير. قال الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(185)}[البقرة].
قال السعدي في معنى هذه الآية: "هي أمر بتكميل عدته، وبشكر الله تعالى عند إتمامه على توفيقه وتسهيله وتبيينه لعباده، وبالتكبير عند انقضائه، ويدخل في ذلك التكبير عند رؤية هلال شوال إلى فراغ خطبة العيد".
{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ}، حقاً إنه ليوم جليل، يوم يكبّر فيه المسلمون، يوم يستفتحه الموحّدون في مشارق الأرض ومغاربها بتكبيرات صادقة، ترتج لها السموات والأرض والجبال، تقشعر منها الأبدان لحظة أن تسمع تكبيرات الكهول والشيوخ والشباب والأطفال، تكبيرات تدوّي في أفق السماء: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر، ومن قال: "الله أكبر" صادقاً كان الله أكبر عنده من كل العادات والتقاليد، فلا يجعل من يوم عيد الفطر يوماً كأيام الجاهلية؛ حيث الرقص والغناء والاختلاط  والسفور والتبرج.
إن تكبير الله ليس كلمات ترددها الألسنة؛ وإنما اعتقاد ويقين تصدقه التصرفات والأعمال.
فكم من مكبر لله بلسانه يكبر ويعظم غير ربه بأعماله وتصرفاته ...   
أيها المؤمنون وأيتها المؤمنات، هل سألنا أنفسنا ونحن نرفع أصواتنا بالتكبير؛ لماذا طالبنا الإسلام في العيدين أن يكون شعارنا " الله أكبر" وان نرددها بأصوات مرتفعة في مصلانا وطرقاتنا وأسواقنا ومساجدنا وبيوتنا ...؟
وهل سألنا أنفسنا؛ لماذا في كل عبادات الإسلام وتشريعاته لابد من تكبير الله بألسنتنا وقلوبنا؟
1 ـ في دعوتنا للوقوف بين يدي الله في الصلاة، ينادي علينا " الله أكبر" ويبدأ الأذان وينتهي بإعلان تكبير الله وحده دون سواه
ويتكرر النداء ويجب تريده بصيغة واحدة خمس مرات في اليوم والليلة، ألم نسأل أنفسنا؛ لماذا التكرار لتوحيد التكبير للكبير الواحد المتعال؟
2 ـ وعند إرادة الصلاة لا يمكن أن ينال أحدنا شرف الوقوف بين يدي الله إلا بعد أن يعلن بقلبه
ولسانه أنَّ " الله أكبر" ولا نستطيع أن ننتقل من ركن إلى ركن داخل الصلاة إلا بعد أن نعلن أنَّ "
الله أكبر"
ويتكرر إعلاننا أن " الله أكبر" يوميا في صلاة الفريضة وحدها تسعين مرة.
أليس في هذا التكرار تربية على تكبير الله وتأكيد على أننا ننسى ونكبر غير الله حتى داخل الصلاة، فتدخل علينا في صلاتنا الدنيا بزينتها : الأموال ، الزوجة ، الأولاد ، الآلهة الأنداد الذين اتخذهم بعض الناس آلهة من دون الله يحبونهم كحب الله ، ...؟ 
3 ـ وفي دعوتنا للصيام يعلمنا الله أن تكبير الله وشكره سبحانه على توفيقه لنا على ألا نكبر غيره هو هدف الصوم الأكبر {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)}[البقرة].
"وكذلك في ممارسة عبادة الصوم تبدأ ب " الله أكبر " فجراً وتنتهي ب " الله أكبر" مغرباً.
4 ـ وفي الزكاة تربية على تكبير الله والانتصار على شح النفس وحب المال الذي قد يصل إلى حد تكبيره كإله يُعبَد " تعس عبد الدينار "
5 ـ وفي الحج تربية على تكبير الله على الديار والأموال والأولاد وقد أكد الله في ممارسة شعائر الفريضة على أن الهدف الأكبر هو تكبير الله؛ فقال سبحانه في سورة الحج:{لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)}[الحج].
يتضح مما سبق أن تكبير الله هو مقصد وغاية العبادات ومَن كبَّر غير الله أو جمع بين تكبير الله وتكبير غير الله في عمل من الأعمال أو عبادة من العبادات حبط عمله و بطلت عبادته واختل إيمانه.
وفي ذلك تعظيم لشعائر الله تعالي  قال تعالي {ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)}[الحج] بإعلان التكبير والتهليل . 
الإشراقة الثالثة : يوم الفوز والفرحة:ـ
إنه عيد الفائزين لا الخاسرين، عيد الأمناء لا الخائنين، عيد المصلحين لا المفسدين، إنّه عيد الفائزين الذين استطاعوا بفضل من الله ورحمة أن يصوموا أحسن الصيام، وأن يقوموا أفضل القيام، ففازوا بثواب الله ونعيمه الذي أعدّه للصائمين، فهنيئًا لمن صام وقام وتصدق وأحسن البرّ والصّلة بالنّاس.
إنّه يوم التهنئة والتعزية؛ فتهنئة لمن صلى وصام، وتصدق وقام، ووصل رحمه وأطاع ربه، فهنئيًا له والفرحة كلها له، وتقبل الله منا ومنكم جميعًا صالح الأعمال... وتعزية لمن قصّر وفرّط في رمضان، وخرج منه ولم يغفر له، تعزية لمن فرّط في نصرة الحق وأهل الحق، إنه يوم يرفع قدر أناس ويخفض قدر آخرين.  
هنيئاً للمقبولين، وجبر الله كسر المحرومين، وخفف مصاب المغبونين، كان سيدنا علي رضي الله عنه يقول:  " يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه ؟"
وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول عند رحيل الشهر : "من هذا المقبول منا فنهنيه،           ومن هذا المحروم منا فنعزيه ، أيها المقبول هنيئا لك ، أيها المردود جبر الله مصيبتك " .
إنّه عيد ميلاد القلوب التائبة العائدة لربها، قلوب ماتت أو كادت تموت؛ فبعد رمضان تيقّظت قلوب، وتلذذت بطاعة الله تعالى.
ليس يومٌ أحب إلى العبد الطائع من يوم يرى فيه أثر طاعته وعبادته، وقد قَبِلها الله  عز وجل  وضاعف له فيها الأجر، الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، ولا شكَّ أن شهر رمضان شهر تتضاعَف فيه الأجور كمًّا وكيفًا، فيَفرح المؤمن حين يرى عظيم ما قدَّم.
 إن الجوائز الإلهية والمنح الربانية التي توزع اليوم ما هي إلا جزء من الجوائز العظيمة والمنح الكريمة والعطايا الجليلة التي يخص الله بها عباده الصائمين يوم القيامة .....
 روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ():
( قال الله : للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح ، وإذا لقي ربه فرح بصومه ) .
قال ابن رجب : (وأما فرحه عند لقاء ربه، ففيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخرا ) .
إن الصائمين حينما يخرجون من صلاة العيد سوف يقبضون جوائزهم، فقد نجحوا في هذا الامتحان وتخرجوا من مدرسة رمضان قال رسول الله (): (إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطريق فنادوا: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم، يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلّوا نادى مناد: ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة) رواه الطبراني في الكبير.
الإشراقة الرابعة : يوم الحب والصلة:ـ
يوم تلتقي فيه الأسرة مع بعضها لقاءً له طعمه الخاص ومذاقه الطيب، يشعر فيه أفراد الأسرة كأنهم لأول مرة يلتقون، لقاء يختلف عن كل اللقاءات، وليس ذلك إلا رحمة من الله وكرامة وجزاء وبركة من بركات طاعتهم لله تعالى في أيام وليالي رمضان.
يوم عيد الفطر، يوم يتواصل فيه الأقارب والأرحام، ويتزاور فيه الأحباب والأصدقاء والجيران. وأعظم الصلة في هذا اليوم: صلة الوالدين والبر بهما ومجالستهما، ويكفيك في ذلك حديث واحد قاله لنا رسول الله () ، ففي صحيح مسلم، عن عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيّ اللَّهِ () ، فَقَالَ: "أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللَّهِ". قَالَ: "فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ"؟. قَالَ: "نَعَمْ، بَلْ كِلاَهُمَا". قَالَ: "فَتَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللَّهِ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا".
ولعِظَم صلة الأرحام ثبت عنه  () أنه قال: "إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه قامت الرَّحِمُ فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟" قالت: بلى يا رب، قال: "فذاك لك".
ويقول الله تعالى:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ(23)}[محمد].
وبقول النبي () كما في صحيح مسلم: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ".
وبقول النبي () "ليس شيء أُطِيعَ اللهُ فيه أعجل ثواباً من صلة الرَّحِم، وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم" [صححه الألباني].
ويقول النبي () "لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ".
يوم عيد الفطر يوم تكثر فيه الزيارات، فكن أيها المسلم ممن يبادر بزيارة إخوانه وأحبابه وجيرانه وأقاربه ابتغاء وجه الله تعالى؛ لتنشر مسك المحبة بين المسلمين، ولتنال الأجر العظيم، ففي الحديث الحسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله () "من عاد مريضاً أو زار أخاً في الله ناداه مناد: أنْ طبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً".
فالعيد فرصةٌ لتجاوز الانفعالات النفسية ، ووصل ما انقطع من أواصر القربى والصداقة ، فكم هو جميل أن يكون في يوم العيد نبذُ التهاجر والحرص على التواصل ، وخاصةً صلة الرحم ، والإنسان الحصيف هو من يعمل بالصلة ويقابل بالإحسان .
ففي الحديث أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني ، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ ، فقال : " لئن كنتَ كما قلتَ فكأنما تُسِفُّهم المَلَّ ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك" رواه مسلم .
فليكن العيد نقطة تحول في طيبة النفس وسلامة الصدر والتعالي على أوضار النفوس وشُحِّها .
الإشراقة الخامسة : يوم العفو والتصافي
يوم عيد الفطر هو يوم العفو والتصافي، نعم، هو يوم كريم طيب عزيز علينا، لا بد لنا فيه من أن نتسامح مع بعضنا، وأن نسامح ونعفو عن بعضنا، وأن تتصافى قلوبنا وتزكو أنفسنا، فقلب المؤمن ليس بالقلب الحاقد، ونفسه ليست بالنفس الخبيثة، بل المؤمن صاحب قلب تقي نقي لا غلّ فيه ولا حسد، وصاحب نفس طيبة صافية، تغفر وتتجاوز، وتتكرم وتسامح.
وقد أمرنا الله تعالي أن نتخلق بخلق العفو فقال تعالي {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)}[فصلت].
أن تعفو عمن ظلمك، وأن تُعطي من حرمك، وأن تصل من قطعك، هذه أخلاق المؤمنين .
الحقيقة أنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يأمرنا أن نعفو عن المسيء فحسب بل أمرنا أن نُحسن إليه، فقد قال تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)}[آل عمران].
وقال تعالى :{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)}[الشوري].
الأشراقة السادسة : يوم التوسعة :ـ
أنّ يوم عيد الفطر هو يوم التوسعة والسرور، نعم يا عباد الله، في يوم العيد يُستحب التوسعة على الأهل بالطعام والشراب، وباللعب المباح، والمرح المشروع.
وقد ذكر ابن حجر: "أن من السنة مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كَلَف العبادة، وأن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين".
تشرع التوسعة على الأهل والعيال في أيام العيد بأنواع ما يحصل لهم به بسط النفس وترويح البدن بما أحل الله ، وهذا من هديه () ومحاسن شريعته .
ومما يدلُّ على هذا ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : دخل عليَّ رسول الله  () وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث ، فاضطجع على الفراش ، وحوَّل وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني ، وقال : مِزمارةُ الشيطان عند النبي () ؟!
فأقبل عليه رسول الله  () فقال : " دعهما " ، فلما غفل غمزتهما فخرجتا . [رواه البخاري ومسلم] . جاء في رواية : " يا أبا بكر ، إن لكل قومٍ عيداً ، وهذا عيدنا ".
وفي رواية في " المسند " أن عائشة قالت: قال رسول الله  () يومئذ : " لِتَعْلَمَ اليهود أنَّ في ديننا فسحة ، إني أُرسلت بحنيفية سمحة " .
فالعيد إذاً من الدِّين … والعيد عبادة وقُربة … والعيد شِرْعةٌ ونُسُك ، ألا ترون أنه لو أن أحداً من الناس أصبح اليوم صائماً لكان عاصياً لله ، ولأصبح مأزوراً غير مأجور .
فكن أيها الوالد وأيها الابن، وكوني أيتها الأم وأيتها الزوجة، ممن يُدْخِل السرور على بيته، وممن يسهم في إبساط أهله وممازحتهم، وإطعامهم، وتغيير أجوائهم، لا تكن في اليوم متجهماً عبوساً قمطريراً، لا تكنْ في هذا اليوم شحيحاً ماسِكاً ونكداً قاسياً. فخيرنا خيرنا لأهله، وأحبّ الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم.
وأوجّه رسالة للأبناء، أنْ أكرموا والديكم يوم العيد وارفعوا من مقامهم، وأشعروهم بالفرح والسرور وانسوا المشاكل بينكم، زوروهم واجلسوا معهم، واسهروا معهم، وغيّروا أجواءهم.
وتذكروا وأنتم تجتمعون مع أسركم، أنّ هناك أطفالاً يعودون إلى بيوتهم دون صحبة آبائهم، يعودون إلى بيوتهم فلا يجدون والداً بانتظارهم، ولا أُمّاً تحتضنهم، فهم قد فقدوا الأب أو الأم أو كلاهما.
تراحموا و تزاحموا،  ابشروا وافرحوا،  تسامحوا وتصالحوا،  و تعاونوا علي البر والتقوى…
اللهم كما سلمتنا رمضان فتسلمه منا متقبلا..
اللهم فرحنا بيوم فطرنا كما وعدتنا وفرحنا يوم أن نلقاك…
تقبل الله منا ومنكم وكل عام وانتم بخير.


رابط pdf
رابط doc

ليست هناك تعليقات: