7 أبريل 2018

صاحب الحق يكفيه دليل واحد وصاحب الهوي لا يكفيه ألف دليل



صاحب الحق يكفيه دليل واحد وصاحب الهوي لا يكفيه ألف دليل
من دروس الإسراء والمعراج

*الحمد لله رب العالمين .. أبان معالم الحق وأوضحه وأنار مناهج الدين القويم وبينه وحذر من اتباع الهوي فقال تعالي (فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى(16)} طـه.

*وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك والحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير .. حذر من عبادة الهوي فقال تعالي (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا (44){ الفرقان.

*وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم حذر من الهوي فقال صلي الله عليه وسلم (ثلاث مهلكات : شح مطاع ، وهوي متبع ، وإعجاب المرء برأيه ).

 فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . أما بعـــــــــــــد

:ـ فيا أيها المؤمنــــــــــــــــون .

 لقد كانت معجزة الإسراء والمعراج بمثابة إقامة الحجة علي المشركين الذين قالوا للنبي صلي الله عليه وسلم {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) } (الإسراء)

اقترح المشركون على النبي أن يرقى في السماء، فجاء الجواب من عند الله: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا}

فلما رقي في السماء بعد، لم يذكر قط أن ذلك رد على التحدي أو إجابة على الاقتراح السابق. وهذا الصديق صاحب الحق لقد سعى رجال من قريش إلىه رضي الله عنه يخبرونه, بخبر الإسراء والمعراج, فقال كلمة الإيمان: لئن كان قد قال لقد صدق, فقالوا له: أتصدقه على ذلك؟ قال: إني لأصدقه على أبعد من هذا, أصدقه على خبر السماء) يريد رضي الله عنه مجيء جبريل عليه السلام بالوحي من السماء في زمن وجيز من ليل أو نهار.
فعند المحن والفتن والشدائد يتبين صاحب الحق وصاحب الهوي ، فصاحب الحق يتحري الدقة في اتباع الحق ويستفتي قلبه كما علمنا النبي صلي الله عليه وسلم ، 

عن وابصة بن معبد حينما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك). حديث حسن.
أما صاحب الهوي يظل يجادل ويماري رغم وضوح الحق جليا كل ذلك بسبب الهوي الذي يتبعه لذلك كان حديثنا عن
(آفـــــة اتباع الهـــــــــــــوي وخطرها علي الفرد والمجتمع) من خلال قصة الإسراء والمعراج وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية …..
1ـ حقيقة الهوي.
2ـ حقيقة صاحب الهوي.
3ـ أسباب اتباع الهوي .
4ـ خطر اتباع الهوي
5ـ علاج اتباع الهوي
6ـ أثر مخالفة الهوي .
العنصر الأول : حقيقة الهــــــــــوي :ـ 
*الهوى :ـ هو ميل النفس إلى الشىء يقال:هذا هوى فلان وفلانة هواه رأى مهويته ومحبوبته وأكثر ما يستعمل فى الحب المذموم كما قال تعالي {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ (41)}النازعات .
ويقال إنما سمى هوى لأنه يهوى بصاحبه.
فالهوى إذاً ميل الطبع إلى ما يلائمه كما قال ابن الجوزى وابن القيم , وهو أيضاً ميل النفس إلى الشهوة.
وقيل اتباع الهوى هو اتباع شهوة النفس دون حكم الشرع .

 والهوى : كل ما خالف الحق، وللنفس فيه حظ ورغبة من الأقوال والأفعال والمقاصد، فالهوى ميل النفس إلى الشهوة، ثم يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، وفي الآخرة إلى الهاوية !!
فميل النفس إلى الثناء ومدح الناس وتعظيمهم إياه وطلب الرفعة عليهم في رئاسة أو صفة هو الهوى.

العنصر الثاني : حقيقة صاحب الهوي :ـ 
صاحب الهوى لا حكَمَةَ له ولا زمام، ولا قائد له ولا إمام، إلهه هواه، حيثما تولت مراكبه تولى، وأينما سارت ركائبه سار، فآراؤه العلمية، وفتاواه الفقهية، ومواقفه العملية، تبع لهواه، فدخل تحت قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ(23)} الجاثـية.
وقال تعالي { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا(43)}الفرقان
وقال عبد الله بن عون البصري :“إذا غلب الهوى على القلب استحسن الرجل ما كان يستقبحه”.

 ــ وصاحب الهوى ليس له معايير ضابطة، ولا مقاييس ثابتة، يردُّ الدليل إذا خالف هواه لأدنى احتمال، ويستدل به على ما فيه من إشكال أو إجمال، وإذا لم يستطع ردَّ الدليل لقوته، حمله على غير وجهه، وصرفه عن ظاهره إلى احتمال مرجوح بغير دليل.
ـ وصاحب الهوى تسهل استمالته من قبل أعداء الأمة، والمتربصين بها الدوائر، فسرعان ما يرتد خنجراً في خاصرة الأمة، وسوطاً يلهبُ ظهرَها، وعيناً يكشف سرها، ويبدي سوأتها، ويهتك سترها، داعيةً لتثبيط العزائم، إماماً لكل متهتك وخائن 

ـ وصاحب الهوى مفرق لجماعة المسلمين، مبتغٍ لهم العنت والمشقة، والطعن في الصالحين ديدنه، والهمز واللمز دأبه، والحسد طبعه.

 ـ تراه معتزلاً كل من يخالف هواه، وإن كان أهدى سبيلا، مقرباً لكل من هو على شاكلته وإن كان للشيطان قبيلا.

العنصر الثالث : أسباب اتباع الهوي :ــ

1-عدم التعويد على ضبط الهوى منذ الصغر .
2- مجالسة أهل الأهواء ومصاحبتهم ، فعن أبي قلابة رضي الله عنه قال { لا تجالسوا أهل الأهواء ، ولا تجادلوهم ، فإني لا آمن أن يغمسوكم في صلاتكم أو يلبسوا عليكم ماكنتم تعرفون} أخرجه الدارمي .
وعن الحسن وابن سيرين أنهما قالا {لا تجالسوا أهل الأهواء ، ولا تجادلوهم ، ولا تسمعوا منهم } أخرجه الدارمي .
3- ضعف المعرفة الحقة بالله والدار الآخرة ، قال الله تعالى { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ …(91)} الأنعام .
4- تقصير الآخرين في القيام بواجبهم نحو صاحب الهوى ، قال تعالى{ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا(63)} النساء .
ويقول سبحانه أيضاً { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) } آل عمران .
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت {اعْتَلَّ بَعِيرٌ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ وَعِنْدَ زَيْنَبَ فَضْلُ ظَهْرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْنَبَ : [ أَعْطِيهَا بَعِيرًا ] ، فَقَالَتْ : أَنَا أُعْطِي تِلْكَ الْيَهُودِيَّةَ ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَهَجَرَهَا ذَا الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ وَبَعْضَ صَفَرٍ} أخرجه أبو داود وأحمد .
5- حب الدنيا والركون إليها مع نسيان الآخرة ، قال الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ ءَايَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)8) } سورة يونس .
6- الجهل بالعواقب المترتبة على اتباع الهوى .

العنصر الرابع : خطورة اتباع الهوى:ـ
الهوى مرض خطير؛ ماخالط شيئا إلا أفسده، فإن وقع في العلم أخرجه إلى الكبر، والغرور، والضلالة، وإن وقع في الزهد أدى به إلى الرياء والسمعة، وإن وقع في الحكم قاد إلى البغي والظلم، وإن وقع في العبادة أسقط في البدعة ومخالفة السنة…
وفي القرآن الكريم آيات كثيرة يحذرنا فيها ربنا سبحانه وتعالى من اتباع الهوى وطاعة أصحاب الأهواء.
وقد قال ابن عباس رضي الله عنه: ما ذكرَ الله هوىً في القرآن إلا ذمّه.
قال تعالى{ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا(135) }[النساء].
وقال عز وجل{وَأن احْكُمْ بَيْنَهُمْ بمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أنْ يَفتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ (49) } [المائدة].
وقال سبحانه:{ أَرَأيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ﴾} [الفرقان:43].
وقال عز وجل:{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَـٰوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ(23)} [الجاثية].
﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ ﴾؟! 
عجيب أمر هذا الإنسان الذي يعبد هواه من دون الله، فلا يهوى شيئًا إلا رَكِبه، ولا يتمنّى شيئا إلا فعله، فلا يُحرّم ما حرّم الله سبحانه، ولا يحلّ ما أحلّ، بل واقف مع شهواته ولذاته ولو كان فيها سخط ربه سبحانه وغضبه، فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته رضي ربه سبحانه أم سخط، لا يفعل إلا ما يمليه عليه هواه، إن أحبّ أحب لهواه، وإن أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه، فهواه آثر عنده وأحبُّ إليه من رضا مولاه.
قال قتادة رحمه الله تعالى: إن الرجل إذا كان كلما هوي شيئا ركبه، وكلما اشتهى شيئا أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى، فقد اتخذ إلهه هواه.
في محراب الهوى أضاع كثير من المسلمين الصلوات، وارتكبوا المنكرات، واتبعوا الشهوات، واقترفوا الموبقات؛ خمور ومخدرات، حوادث ومغامرات، سهر في الليل على المنكرات، ودوران في النهار بين المحرمات…

من هذه المخاطر ما يلي ……..

1ـ اتباع الهوى سبب في حلول الفتن ونزول المحن:
روى مسلم في صحيحه عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تُعرَض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأيّ قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخَرُ أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه ».
2ـ اتباع الهوى سبب الهلاك والدمار والخراب:
كم أوقع الهوَى في رذائل، وكم فوّت من فضائل، كم من أناس أوقعهم الهوى في غفلة يتيهون، فأملهم بعيد، وتسويفهم طويل، لا يعرفون للتوبة بابًا، ولا للعودة طريقًا، ساهون غافلون، مشغولون بالدنيا وزخارفها، يبيع أحدهم دينه بعَرَض حقير من الدنيا، غافلون عن الله وذِكره وعبادته، وعن الموت وسكرته، وعن القبر وظلمته، وعن الحساب وشدته.
عَن أَنَس رضي الله عنه أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء برأيه». أخرجه الطبراني في الأوسط، والبيهقي في الشعب، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
قال تعالي{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ (71)} المؤمنون

3ـ اتباع الهوى يَمنع مِن حُسن الفهم والإدراك لما ينفع:
قال تعالى{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ ءانِفًا أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ(16)} [محمد].
وقال سبحانه: { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)} [محمد].
وقال تعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ(175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(176)} [الأعراف].
4ـ اتباع الهوى سبب في الزيغ والانحراف والضلال:
فقد أخبر سبحانه وتعالى أن اتباع الهوى يضل عن سبيله، فقال الله تعالى{ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾) ثم ذكر مآل الضالين عن سبيله ومصيرهم فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)} [ص].
فاتباع الهوى يَطمِسُ نورَ العقل، ويُعمي بصيرة القلب، ويصد عن اتباع الحق، ويُضلّ عن الطريق المستقيم، والعبد إذا اتبع هواه فسد رأيه ونظره، فيرى الحَسَن في صورة القبيح، والقبيحَ في صورة الحسَن، فأنى له الانتفاع بالتذكر والتفكر والعِظة، فكلما ضعف نور الإيمان في القلب كلما كانت الغلبة للهوى.
قال تعالى{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77)} (المائدة).
وقال سبحانه{ قلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ(56)} (الأنعام).
وقال عز وجل{ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)} (الأنعام).
5ـ اتباع الهوى مانع من اتباع الحق والاستجابة لأهل الحق:
اتباع الهوى مهلك لصاحبه؛ لأن جميع المعاصي والبدع إنما تنشأ من اتباع الهوى؛ كما يقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله “فجميع المعاصي إنما تنشأ من تقديم هوى النفوس على محبة الله ورسوله، وقد وصف الله المشركين باتباع الهوى في مواضع من كتابه، فقال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ(50)}القصص.
وقال سبحانه: { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَءاتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَـٰتِ وَأَيَّدْنَـٰهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُم ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ(87)} [البقرة].
وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع، ولهذا يسمي أهلها أهل الأهواء، وكذلك المعاصي إنما تقع من تقديم الهوى على محبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه، وكذلك حب الأشخاص الواجب فيه أن يكون تبعاً لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم، فيجب على المؤمن محبة الله، ومحبة من يحبه الله من الملائكة والرسل والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين عموماً” وبما أن اتباع الهوى منشأ لجميع المعاصي والبدع، فقد خشيه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته؛
فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال{إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم، ومضلات الهوى }.

 قال علي رضي الله عنه “إنَّ أخوف ما أتخوف عليكم اثنتان: طول الأمل، واتباع الهوى، فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق” ، 
وقال الشافعي: “لئن يلقى الله العبدُ بكل ذنب ما خلا الشرك خيرٌ له من أن يلقاه بشيءٍ من الأهواء”
6ـ اتباع الهوى سبب في حُبّ التسيب وعدم الانضباط:
فالمتبع لهواه يريد أن يعيش كما يريد، ويعمل ما يريد، لا يحب أن يسمع من أحد ما يقيده أو يُلزمه بشيء، ويريد حمل الناس على ما يشتهيه ويهواه، زعما منه أن التقدم والتحضر لا يكون إلا بهذا التسيب وهذه الحرية المطلقة التي لا تحُدّها قيم ولا أخلاق ولا أحكام ولا أعراف. والله تعالى يقول{ ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون(71)} [المؤمنون].
يقول ابن كثير رحمه الله: (قال مجاهد وأبو صالح والسدي: الحق هو الله عز وجل، والمراد لو أجابهم الله إلى ما في أنفسهم من الهوى وشرع الأمور على وفق ذلك لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن، أي لفساد أهوائهم واختلافها).
7ـ الاستهانة بالذنوب والآثام:ـ
، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ فِي أَصْلِ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ وَقَعَ عَلَى أَنْفِهِ قَالَ بِهِ هَكَذَا فَطَارَ } أخرجه البخاري ومسلم والترمذي .
8ـ إضلال الآخرين وإبعادهم عن الطريق :
قال تعالى :{ …وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) { الأنعام .

 9ـ الصيرورة إلى الجحيم وبئس المصير : قال تعالى } فَأَمَّا مَنْ طَغَىٰ (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ(39)} النازعات .
10ــ إن اتباع الهوى فخ يرصده الشيطان لبني آدم:ـ 
قال النعمان بن بشير: “إن للشيطان مصالي وفخوخاً، وإن مصالي الشيطان وفخوخه البطر بأنعم الله، والفخر بعطاء الله، والكبرياء على عباد الله، واتباع الهوى في غير ذات الله”.
11ــ اتباع الهوى يجلب الشر والفساد:ـ 
قال ابن القيم رحمه الله “وهذان هما أصل كل شر وفتنة وبلاء، وبهما كذبت الرسل، وعصي الرب، ودخلت النار، وحلت العقوبات”
ولهذا كان السلف يقولون: “احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى فتنه هواه، وصاحب دنيا أعجبته دنياه”. ولذلك فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء)
إن المرء بسبب هواه قد يخسر دنياه وآخرته؛ فيمنعه حب الدنيا وزينتها من التزام الحق واتباعه وهو يراه واضحاً جلياً أمام عينيه.
هذا الأعشى بن قيس، كان شيخاً كبيراً شاعراً، خرج من اليمامة، من نجد، يريد النبي عليه الصلاة والسلام؛ راغباً في دخول الإسلام، مضى على راحلته مشتاقاً للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان يسير وهو يردِّد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم،فخافوا أن يُسلم هذا الشاعر فيقوى شأن النبي صلى الله عليه وسلم، فشاعر واحد وهو حسان بن ثابت قد فعل بهم الأفاعيل، فكيف لو أسلم شاعر العرب الأعشى بن قيس؟
فقالوا له: يا أعشى! دينك ودين آبائك خير لك. قال: بل دينه خير وأقوم. قالوا: يا أعشى! إنه يُحَرِّم الزنا!
قال: أنا شيخ كبيرٌ وما لي في النساء حاجة. فقالوا: إنه يحرِّم الخمر. فقال: إنها مذهبة للعقل، مذلة للرجل، ولا حاجة لي بها. فلما رأوا أنه عازم على الإسلام قالوا: نعطيك مائةَ بعير وترجع إلى أهلك وتترك الإسلام (لا إله إلا الله! من أجل قليل من المال يرتكب أعظم معصية وأكبر ذنب؟ وهكذا هُم كثير من الناس)، قال: أما المال فنعَم. فجمعوها له، فارتد على عقبيه وكرَّ راجعاً إلى قومه بكفره، واستاق الإبل أمامه فرحاً بها مستبشراً، فلما كاد أن يبلغ دياره سقط مِن على ناقته فانكسرت رقبتُه ومات!     {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107)} [النحل].

العنصر الخامس : علاج إتباع الهوى :ــ
1- التفكّر في عواقب الهوي :ـ
قال ابن الجوزي في فصل البعد عن أسباب الفتنة: “من نازعته نفسه إلى لذة محرمة فشغله نظره إليها عن تأمّل عواقبها وعقابها وسمع هتاف العقل يناديه: ويحك لا تفعل فلم يلتفت إلى ما قيل له كان مثله في سوء اختياره كالمثل المضروب .. أن الكلب قال للأسد: يا سيد السباع، غيّر اسمي فإنه قبيح، فقال له: أنت خائن لا يصلح لك غير هذا الاسم، قال: فجربني، فأعطاه شِقَّة لحم، وقال: احفظ لي هذه إلى غد وأنا أغيّر اسمك، فجاع وجعل ينظر إلى اللحم ويصبر، فلما غلبته نفسه قال: وأيّ شيء باسمي؟ وما كلب إلا اسم حسَن، فأكل. وهكذا الخسيس الهمة القنوع بأقلّ المنازل المختار عاجل الهوى على آجل الفضائل”.
والعلم اليقيني بأن السعادة والراحة والطمأنينة في مخالفة الهوي واتباع المشروع قال تعالي{… فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123)} طه.
وقال تعالي{ فَمَـنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَـوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)} البقرة .
والله ما صعد يوسف عليه السلام ولا سعد إلا في مثل ذلك المقام..
فبالله عليكم يا إخواني تأملوا حاله لو كان وافق هواه من كان يكون؟!
ومن تأمل ذل إخوة يوسف يوم قالوا: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا) 88)} [يوسف] عرف شؤم الزلل.

2-الانقطاع عن مجالسة ومصاحبة أهل الأهواء ، واصطحاب أهل الصلاح .
قال تعالي{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا(28)} الكهف
3- الوقوف على سِيَر من عُرِفوا بمجاهدة نفوسهم وأهوائهم . 
بعث النبي عليه الصلاة والسلام عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر ليأخذ ثمارهم وزروعهم بحسب اتفاق سابق بين النبي وبين أهل خيبر ، أرادوا أن يرشوه ليرفق بهم ، فقال : والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليّ ، ولأنتم أبغض إليّ من القردة والخنازير ، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على ألا أعدل معكم ، فقالوا : بهذا قامت السموات والأرض . لا تكبر عند الله إلا إذا كنت مع الحق ، لا تكبر عند الله إلا إذا اتبعت العدل ، لا تكبر عند الله إلا إذا استقمت في أقوالك وأحوالك وأفعالك .
4- معرفة قدر الآخرة وقدر الدنيا:ـ
روى عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله مر بشاة ميتة قد ألقاها أهلها فقال: (والذي نفسي بيده، للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها).
وكان بعضهم يقول في صفة الدنيا: “أولها عَناء، وآخرها فناء، حلالها حساب، وحرامها عقاب”. فلْيُتَّعَظْ ولْيصبِر عن المشتَهى، فالأيام قلائل.
يا نفس ما هي إلا صبر أيام كأنّ مدتها أضغاث أحلام
الدنيا فخ والناس كالعصافير، والعصفور يريد الحبّة وينسى الفخّ.
هذا وإن الدنيا لو صفَت للعبد من أوّل عمره إلى آخره لكانت كسحابة صيف تتقشّع عن قليل، قال الله تعالى:{ أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَـٰهُمْ سِنِينَ(205) ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ(206) مَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ(207)} [الشعراء].
ومن فسح لنفسه في اتباع الهوى ضُيِّقَ عليها في قبره ويوم معاده، ومن ضيق عليها بمخالفة الهوى وُسِّعَ عليها في قبره ومعاده، وقد أشار الله تعالى إلى هذا في قوله تعالى:{ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيرًا(12)} [الإنسان]، فلما كان في الصبر الذي هو حبس النفس عن الهوى خشونة وتضييق جازاهم على ذلك نعومة الحرير وسعة الجنة. ولو تفكرت النفوس
فيما بين يديها وتذكرت حسابها فيما لها وما عليها لهان عليها مخالفة هواها.
فيا عبد الله، احذر النار، وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال: (ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء واحد من سبعين جزءًا من حر جهنم)، 
وروى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي أنه قال:(يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، يجرونها) رواه مسلم.
وفي الحديث: (ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغلظ جدله مسيرة ثلاث)
وروى الزُّهري عن أبي هريرة عن النبي قال:(إن الحميم ليصبّ على رؤوسهم، فينفذ الحميم حتى يخلص إلى جوفه، فيلهب ما في جوفه حتى يمرق من قدميه، وهو الصهر، ثم يعاد كما كان).
وقال أبو موسى: “أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع، ثم يبكون الدماء حتى لو أرسلت فيها السفن لجرت”.
5-الاستعانة الكاملة بالله تعالى ، ففي الحديث القدسي {يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ } أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة من حديث أبي ذر.

5ـ قصر الأمل:ـ
قال الله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ ٱلأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ(3)}[الحجر].
وكان الحسن يقول: “ابن آدم، السكين تُشحذ والتنور تُسجّر والكبش يُعتلف”، يريد: لعلك في غفلتك كهذا الكبش الذي يُعتلف وقد حان وقت ذبحه وسلخه وهو لا يشعر، فالسكين تشحَذ، والتنور تسجر، والكبش يعتلف.
العاقل من جعل ساعة موته نصب عينيه، فكان كالأسير لها، كما روي عن حبيب العجمي أنه كان إذا أصبح يقول لامرأته: “إذا متّ اليوم ففلان يغسّلني، وفلان يحملني”.
وقال معروف لرجل: صلِّ بنا الظهر، فقال: إن صليت بكم الظهر لم أصلِّ بكم العصر؟! فقال: وكأنك تؤمّل أن تعيش إلى العصر، نعوذ بالله من طول الأمل.

6ـ ذكر الموت:ـ
فالموت لا يفرّق بين كبير وصغير، ولا غني وفقير، ولا عبد وأمير. هارون الرشيد ذاك الذي ملك الأرض وملأها جنودًا، ذاك الذي كان يرفع رأسه فيقول للسّحابة: أمطري في الهند أو في الصين أو حيث شئت، فوالله ما تمطرين في أرض إلا وهي تحت ملكي، هارون الرشيد خرج يومًا في رحلة صيدٍ فمرّ برجل يقال له: بُهلول، فقال هارون: عظني يا بُهلول، قال: يا أمير المؤمنين، أين آباؤك وأجدادك؟!

 قال هارون: ماتوا، قال: فأين قصورهم؟! قال: تلك قصورهم، قال: وأين قبورهم؟! قال: هذه قبورهم، فقال بُهلول: تلك قصورهم وهذه قبورهم، فما نفعتهم قصورهم في قبورهم؟!
فلما مات هارون أُخذ هذا الخليفة الذي ملك الدنيا وأودع حفرة ضيقة، لم يصاحبْه فيها وزراؤه، ولم يساكنْه ندماؤه، لم يدفنوا معه طعامًا، ولم يفرشوا له فراشًا، ما أغنى عنه ملكه وماله.
العنصر السادس : أثر مخالفة الهوي :ـ
1ـ مخالفة الهوى تورث العبد قوةً في بدنه و لسانه :
مخالفة الهوى تورث العبد قوةً في بدنه ، قوةً في لسانه ، إن أشدّ الناس مروءةً أشدهم مخالفة لأهوائهم ، وإن الله جعل الخطأ واتباع الهوى قرينين ، وجعل الصواب ومخالفة الهوى قرينين .
فلا نجاة من اتباع الهوى إلا بمخالفته، وسؤال الله الإعانة على ذلك، قال بعض العارفين: “إن شئت أخبرتك بدائك وإن شئت أخبرتك بدوائك؟! داؤك هواك، ودواؤك ترك هواك ومخالفته”.
وقال بشر الحافي رحمه الله تعالى “البلاء كله في هواك، والشفاء كله في مخالفتك إياه”، يقول الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى(40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى(41)} النازعات .
قال بعض السلف: الغالب لهواه أشد من الذي يفتح المدينة وحده”.
وفي الحديث الصحيح المرفوع: (ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) وكلما تمرن على مخالفة هواه اكتسب قوة إلى قوته”. كما “أن أغزر الناس مروءة أشدهم مخالفة لهوا.
قال معاوية: “المروءة ترك الشهوات، وعصيان الهوى، فاتباع الهوى يزمن المروءة، ومخالفته تنعشها”
2ـ الانخلاع من رق العبودية لغير الله تعالي:ـ
الهوى رق في القلب من العبودية ، وظل في العنق ، وقيد في الرجل ومتابعة للأسر ، فمن خالفه عُتق من رقِّه ، وصار حراً ، وخلع الغل من عنقه ، والقيد من رجله ، واستطاع مسايرة الصالحين : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم {تعس عبد الدرهم والدينار، تعس عبد البطن، تعس عبد الفرج ،تعس عبد الخميصة} [أخرجه البخاري في كتاب الرقائق] 
3ـ الفوز بالجنة والنجاة من النار:ـ
نحن أمام خيارين لا ثالث لهما ، الحق لا يتعدد ، إن لم تكن متبعاً للحق فأنت متبع للهوى ، اتباع الحق يفضي إلى الجنة الأبدية ، اتباع الهوى يفضي إلى النار الأبدية ، إذا كان في الدنيا مكان بين مكانين : ( فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار )
4ـ مخالفة الهوى “مطردة للداء عن القلب والبدن:ـ
مخالفة الهوى “مطردة للداء عن القلب والبدن ، ومتابعته مجلبة لداء القلب والبدن، فأمراض القلب كلها من متابعة الهوى، ولو فتشت على أمراض البدن لرأيت غالبها من إيثار الهوى على ما ينبغي تركه”.
5ـ الفوز بأعلي المقامات :ـ
مخالفة الهوى: “تقيم العبد في مقام من لو أقسم على الله لأبره، فيقضي له من الحوائج أضعاف أضعاف ما فاته من هواه، فهو كمن رغب عن بعرة فأعطي عوضها درة، ومتبع الهوى يفوته من مصالحه العاجلة والآجلة والعيش الهنيء ما لا نسبة لما ظفر به من هواه البتة، فتأمل انبساط يد يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام ولسانه وقدمه ونفسه بعد خروجه من السجن لما قبض نفسه عن الحرام!”.

6ـ مخالفة الهوى توجب شرف الدنيا وشرف الآخرة:ـ
مخالفة الهوى “توجب شرف الدنيا وشرف الآخرة ، وعز الظاهر وعز الباطن، ومتابعته تضع العبد في الدنيا والآخرة، وتذله في الظاهر وفي الباطن، وإذا جمع الله الناس في صعيد واحد نادى مناد: ليعلمنّ أهل الجمع من أهل الكرم اليوم ألا ليقم المتقون، فيقومون إلى محل الكرامة، وأتباع الهوى ناكسو رؤوسهم في الموقف في حر الهوى وعرقه وألمه، وأولئك في ظل العرش.

 أيها المسلم....

 إنك إذا خالفت هواك فإنك بإذن الله من السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله: “فإن الإمام المسلط القادر لا يتمكن من العدل إلا بمخالفة هواه، والشاب المؤثر لعبادة الله على داعي شبابه لولا مخالفة هواه لم يقدر على ذلك، والرجل الذي قلبه معلق بالمساجد إنما حمله على ذلك مخالفة الهوى الداعي له إلى أماكن اللذات، والمتصدق المخفي لصدقته عن شماله لولا قهره لهواه لم يقدر على ذلك، والذي دعته المرأة الجميلة الشريفة فخاف الله -عز وجل وخالف هواه، والذي ذكر الله عز وجل خاليا ففاضت عيناه من خشيته إنما أوصله إلى ذلك مخالفة هواه. فلم يكن لحر الموقف وعرقه وشدته سبيل عليهم يوم القيامة، وأصحاب الهوى قد بلغ منهم الحر والعرق كل مبلغ، وهم ينتظرون بعد هذا دخول سجن الهوى”.


وفي الختام …أيها المؤمنون....

 ينبغي أن نقف مع أنفسنا ، قبل أن تقول كلمة ، قبل أن تخطوَ خطوة ، قبل أن تبتسم ، قبل أن تغضب ، قبل أن تزور ، قبل أن توافق ، قبل أن ترفض ، قبل أن تعطي ، قبل أن تمنع ، قبل أن تصل ، قبل أن تقطع ، قبل أن تأخذ موقفاً ، قبل أن ترد على مؤثر ، من أين أنطلق ؟ 

من غرائزي ؟

 من مصلحتي ؟ 

من شهواتي ؟ 

من أهوائي ؟

 أم من الحق و الشرع و مما يرضي الله ؟


فاللهم احفظنا وجنبنا الخطأ والزلل ووفقنا لما فيه الصواب والسداد والرشاد إنك علي كل شيئ قدير …
آمين يا رب العالمين.

انتهت بفضل الله

ليست هناك تعليقات: