سمات القراءة الجيدة
🔹أولاً: الانتظام في الوقت وفي المقدار
والمقصود بالوقت : هو طول مدة القراءة ، فيقرأ ساعة أو نصف ساعة ونحو ذلك ، وكذلك يقصد بالوقت الموعد ، أي الوقت الذي سيقرأ فيه إما صباحاً أو ليلاً في الساعة الفلانية وفي الوقت الفلاني ، ولا شك أنّ هذا من أجلى صفات الإنسان الجاد وليس القارئ الجاد فقط ، بل الإنسان الجاد الذي يضع لكل عمل وقته ، ويفرّغ أعماله ويمايز بينها لئلا تتضارب ، وما ضيّع كثير من الشباب برامجهم إلا حين تهاونوا في قضية الوقت ، تنظيماً وتقسيماً وحفظاً.
وأما المقدار فهو ضابط مكمّل للوقت ، ويحتاج كل منهما إلى الآخر ، فإذا فضل شيء من الوقت مع انتهاء المقدار يتوقف عن القراءة ، وإذا انتهى الوقت ولم ينته المقدار يتوقف كذلك ، وهذا متروك للإنسان ونفسه ، وهل العبرة بالمقدار أم بالوقت؟ ، فهذا يحدده القارئ مع نفسه ولكن المهم أن يكون هناك انضباطٌ وانتظامٌ ، لئلا تتحول العملية إلى رغبات نفسية فمتى رغبت النفس قرأ ومتى نفرت لم يقرأ ، فمثل هذه لا تكون قراءة جادة.
🔹ثانياً: الاستمرار لمدة طويلة بانتظام
🔹
فالاستمرار حسب الخطة المرسومة ، من أقوى دلائل القراءة الجادة ، وكم من مبادر إلى القراءة تنطفئ شرارته بعد زمن قصير.
ولا يعني وصف الاستمرار الديمومةَ ، إذ لا يلزم من القارئ لكي تكون قراءته جادّة أن تكون بشكل يومي ، مع أنّ كونها يومياً أفضل ، ولكنه ليس شرطاً في الجدية.
فالاستمرار حسب الخطة المرسومة ، من أقوى دلائل القراءة الجادة ، وكم من مبادر إلى القراءة تنطفئ شرارته بعد زمن قصير.
ولا يعني وصف الاستمرار الديمومةَ ، إذ لا يلزم من القارئ لكي تكون قراءته جادّة أن تكون بشكل يومي ، مع أنّ كونها يومياً أفضل ، ولكنه ليس شرطاً في الجدية.
🔹ثالثاً: القراءة الهادفة
التي تقوم على اختيار كتاب يعرف صاحبه أنه سيفيد منه ، وهذه المعرفة لها عدة سبل ، من أبرزها :
١- إشارة خبير ، سواء وجد هذه الإشارة في كتاب ، أو كانت مشافهة أو غير ذلك.
٢- ملاءمة الميول والتخصص ، فالقارئ الجاد يهتم في قراءته بكل ما يقارب تخصصه أو يدخل فيه. ٣- البحث الموضوعي ، فقد تنزل بالإنسان قضية يحتاج في معالجتها إلى قراءة بعض الكتاب فيتلمس مظان وجود قضيته من الكتب.
🔹رابعاً: الإنجاز
بمعنى تحقيق المقصود من القراءة ، سواء كان متحققاً بختم الكتاب أو بعضه ، فلا يلزم من تحقيق المقصود الختم ، بل قد يتم المقصود من القراءة بقراءة مبحث واحد أو فصل واحد أو أقل أو أكثر ، فالمدار على تحقّق الثمرة والمقصود. وأمّا من يتنقّل بين الكتب ، فهذا غالب حاله أنه يدافع الملل ، فمثل هذا لا ينتج ولا ينتفع لأنّ خلاصة مقروءاته إنما هي أجزاء كتب ، فينقضي عمره وهو لم يختم كتاباً واحداً ولم يفقه مسألةً فقها تاماً . وهذا الشرط مهم مع الشرط الثاني وهو شرط الاستمرار ، لأنّ القارئ قد يستمر في القراءة ولكن دون إنجاز ، إما لكثرة الانقطاع أو لقلة المقدار أو لقصر الوقت. والإنجاز يختلف من كتاب إلى آخر ، فلا يُقبل إنجاز كتاب صغير في مدة إنجاز كتاب كبير ، فهذا يدل على عدم الجدية.
🔹خامساً: التدوين والتلخيص
وهذه سمة عليّة، فهي روح القراءة وعنوان الإفادة ، ونعني بها استصحاب القلم أثناء القراءة ، واقتناص الفوائد وجمعها إما في طرة الكتاب أو غلافه أو في كراسة خارجية ، وكذا تدوين الملاحظات والتعقيب ، فالقارئ الجاد الذي أفاد من قراءته هو الذي استطاع أن يحاور الكتاب ، ويعترض ويضيف ، وأمّا من شأنه مع الكتاب إمرار العين وتندية البنان لتقليب الصفحات فلا أفلح ولا أنجع ، وإذا سمح لك الزمان فاطلعت على من جمع الكتب فوضعها في غرفة استقبال الضيوف فسمّاه الناس قارئاً ؛ فلتكشف حقيقته بالنظر في كتبه ، فإن رأيته سوّدها بالتعليق فهو ، وإلا ؛ فلا تكن من المخدوعين.
والتلخيص من أنفع ما يكون للقارئ ، فهو خلاصة الكتاب في نظر القارئ ، ولا يمكن أن يتم التلخيص إلا بنظر ثاقب ، فيمحو ما يراه فضولاً ويثبت ما يراه أصلاً. ومن أجلّ فوائد التلخيص سهولة ضبط الكتاب ، وتصوّر مسائله ومباحثه وفصوله ، فإدراك الكليات أنفع في ضبط الجزئيات ، وكلما كثر التفريع احتاج القارئ إلى الجمع والتلخيص ليسهل عليه الضبط ، لأن الفروع تبع لأصولها ، فمن ضبط الأصل سهل عليه ضبط الفرع.
🔹سادساً: تكرار المقروء
ويا لله هذه الصفة النادرة ، التي لطالما تغنّى بذكرها العلماء -تحفيزاً للهمم- وعجز عنها الجهلاء ، ونعني قراءة الكتاب مرةً واثنتين وثلاثاً ، كما قيل : لأن تقرأ كتاباً واحداً ثلاث مرات خير من أن تقرأ ثلاثة كتب ،
ويقول شيخ البلاغة محمد محمد أبو موسى: لا تسألني كم كتاباً في البلاغة قرأت ، ولكن اسألني: كم مرة قرأت دلائل الإعجاز للجرجاني ..!
ولا عجب فهذا دأب العلماء مع الكتب ، فلم يكن دأبهم الإكثار من المقروءات وإنما ضبط المقروءات ، بل لا يتصوّر أنّ قارئاً يفهم كتاباً ويدرك مقاصده حتى يقرأه مراراً ، والتكرار هنا لا يراد منه التكرار المباشر بأن ينتهي من الخاتمة ثم يعود إلى المقدمة ، وإنما مطلق التكرار بأي صورة كان.
وينبّه أيضاً إلى أنّ التكرار لا يصلح في كل كتاب ، بل إنّ بعض الكتب قد يكون تكرارها لغواً وتبذيراً ، فالضابط هو تحقيق الإفادة وإدراك مقاصد الكتاب ، فإن كان من المرة الأولى وإلا فالتكرار مطلوب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق