9 أبريل 2018

من دروس الإسراء والمعراج






من دروس الإسراء والمعراج

الحمد لله رب العالمين.أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى  .فقال تعالي (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) (الإسراء).                                  
  فنحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله العظيم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا.

 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.  له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير .جعل الشرف كله في العبودية له سبحانه وتعالي فقال تعالي ( فأوحي إلي عبده ما أوحي ) النجم (10) .

وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه  يقول النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "كلكم يدخل الجنة إلا من أبى قالوا ومَن يأبى يا رسول الله قال مَن أطاعني دخل الجنة ومَن عصاني فقد أبى"،                         
اللهم صلِّ وبارك على هذا النبي وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا ...... 

 أما بعــــــــد :ـــ فيا أيها المسلمون: 

 كانت الأحداث التي أحاطت بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم  مقدمةً لمعجزة الإسراء والمعراج فكانت هذه المعجزة تسرية وتسلية لرسول الله واحتفاء به في ملكوت السموات بعدما لاقى من عنت القوم ووفاة زوجته وعمه ولجوئه إلى الله مناجيًا لما يلقاه من أهل الأرض فيقول له ربه: ﴿وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) (النحل)، 

  وهذه إشارة لرسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أنَّ ربَّه الذي كلَّفه بهذه الرسالة السامية بلا شك سينصره رغم هذه الشدائد فهل تعلمت الأمة من رسولها أيها المسلمون أن الحديث عن الإسراء لا نريد به القصة بقدر ما نريد منه الدروس والعبر فالأحداث العظيمة تتم وتقع لنتعلم منها ونخرج منها بالدروس والعبر التي نسير عليها 

 أولاً:ــ  جعل الله لهذه الحادثة العظيمة والمعجزة الكبرى سورة في القرآن ا لكريم تسمى سورة الإسراء.  

  ذكر الله :ــ

ثانيًا:ـ  تبدأ السورة بكلمة سبحان فيها التنزيه والتعظيم والإجلال لصاحب هذه المعجزة من ألفها إلى يائها فكانت المعجزة كلها بقدر الله وبقدرة الله عز وجل ولكن الأمةَ تتعلم درس التسبيح والتعظيم والتمجيد لله عز وجل أن تعيش الأمة مسبحه لله أن تعيش الأمة ذاكرة لله أن تعيش الأمة لسان كل فرد فيها رطب بذكر الله أن تعيش الأمة موصولة بذكرها وتسبيحها لله عز وجل لما لا تعيش الأمة مسبحة لربها والكون كله مسبح لله يقول تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ (الإسراء: من الآية 44) .     

 فالكون كله مسبح لله عز وجل ذكرًا لله تبارك وتعالى فكل عبادة في هذا الدين الحنيف لها حد ووقت إلا الذكر ليس له حد ولا وقت ولا حال يقول تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) فينبغي أن تعيش الأمة مسبحة لله وذاكرة لله، فهذا الرجل الذي سأل النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- عن عباده يسهل يطبقها وترفع درجته عند ربه فقال له المعصوم- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "ولا يزال لسانك رطب بذكر الله". 

  أيها المسلمون:   

أن تعيش الأمة مسبحة فهذه كانت وصية خليل الله إبراهيم للمعصوم- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- في هذه الرحلة المباركة فعندما صعد النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- إلى السماء السابقة وجد خليل الله إبراهيم ساندًا ظهره إلى البيت المعمور فقال: له يا محمد أقرأ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنةَ طيبة التربة وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله".. فهل تعلَّمت الأمة كيف تغرس لنفسها في جنة الله؟ 

 أيها المسلمون:ـ 

 إن الأمة الذاكرة لربها أمة منصورة لأنها أمة موصولة بالله، وأما الأمة الناسية لربها المعرضة عن هديه ومنهاجه فهي أمة كمال قال القرآن فيها: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) (طه).  

هذا نبي الله سليمان الذي آتاه الله ملك لم يعطه لأحد قبله ولم يعطه لأحد بعده يعلم الرجل الذي تعجب من ملك آل داود فقال سبحان الله لقد آتى الله آل داود ملكًا عظيمًا فقال له يا رجل أن قولك سبحان الله هي أعظم عند الله من ملك آل داود.

 أيها المسلمون:  
من هنا نقول إن الدرس الأول هو التسبيح والذكر لله عز وجل، بمعنى أن يكون للمرء ورد ذكر في يومه وليلته، فما ترك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أمرًا إلا وعلمنا فيه ذكرًا ودعاءً، ذكر الاستيقاظ من النوم، دخول الخلاء والخروج من الخلاء، لبس الثياب، الطعام، الخروج من المنزل، ركوب الدابة.. كل شيء حتى تعود إلى نومك.. فهل شغلنا أنفسنا بذلك وكانت ألسنتنا رطبةً بذكر الله عبيدًا وعبادًا؟ 

 مقام العبودية هي العز والشرف

 الدرس الثاني من هذه الرحلة المباركة هو قول الحق﴿أسرى بعيده﴾ ولم يقل برسوله أو نبيه أو حبيبه أو خليله، فلله عز وجل في كونه عبيد وعباد، فكلنا عبيد الله الطائع فينا والعاصي والمؤمن فينا والكافر والعياذ بالله، ولكن عباد الله هم الذين أخلصوا له فاتحد اختيارهم مع منهج الله سبحانه وتعالى ما قال لهم افعلوه فعلوه وما نهاهم عنه انتهوا؛ ولذلك عندما يتحدث القرآن عن المخلصين بين خلق الله لا يسميهم عبيد ولكن يسميهم عبادًا يقول تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا (63) (الفرقان)، والحق قد استخدم كلمة عبده ليلفتنا إلى حقيقتين هامتين؛ الأولى أن الإسراء بالروح والجسد ولم يكن منامًا، والثانية والأهم أن الله جل جلاله يريد أن يثبت لنا أن العبوديةَ له هي أسمى المراتب التي يصل إليها الإنسان، فالعبودية لله عزة ما بعدها عزة وعطاء ما بعده عطاء فهي سورة الكهف يقول الحق: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65). 

 شرف العبودية                                    
 أيها المسلمون:ـ 
  لقد مثَّل الإسراءُ والمعراجُ نصرًا ورفعةً للداعية الأول- صلى الله عليه وسلم- حين تكاتفت من حوله أسباب اليأس وعوامل الإحباط، وقلَّ الناصر، وطغَى العدوُّ، وتضايقت الأرضُ الرحيبةُ، فجاءت رحمةُ الله بالتسرية عنه، والنقلة إلى موطن الأنبياء، وإمامة المرسلين، ثم انفتحت أبوابُ السماء لتسعدَ بمن ضيَّقت عليه الأرض التي تحكَّم فيها الطغاةًُ والمجرمون.
ونبَّه الله تعالى إلى أن المدخل الحقيقي لهذه الرفعة وذلك الإعزاز إنما هو التحقُّق المطلق بالعبودية له سبحانه.. ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ (الإسراء: 1) ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ (النجم:10)، ولا سبيلَ أمام المؤمنين لتحقيق النصر واستحقاق التمكين إلا باستكمال عبوديتهم لله وحده، والتحرر الكامل من العبودية لغيره.. 
و اعلموا أن التمكين والنصر والتأييد والأمن والأديان لا يكون إلا لعباد الله عز وجل المخلصين . 
 فقال تعالي :﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء:105) ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (الصافات:171-173)، 

 و قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ (النور: من الآية 55). فالعبودية لله وحدَه اصطفاءٌ ورحمةٌ.. ﴿قُلِ الْحَمْدُ للهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (النمل:59).
 والوصف بالعبودية لله تعالى وسامُ صدقٍ من الله لأنبيائه ورسله.. ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾ (القمر:9) ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ﴾ (ص: 45) ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ (يوسف: 24)  ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ﴾ (ص: 41) ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ (ص: 17) ﴿ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾ (مريم:2) ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ (مريم:30)،
 وكذلك الأمر في وصف الله تعالى لرسوله محمد- صلى الله عليه وسلم-: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ (الفرقان: 1) ﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾ (الكهف: 1). ولا ريب أن جميعَ أسقامِنا الفردية والجماعية، وأن تشتُّتَ نفوسِنا، وقسوةَ قلوبِنا، وخَوَرَ عزائمِنا، وضعفَ قوانا، وأن إحساسَنا بالقهر والخوف والعجز، وأن تبددَ وحدتِنا، وضياعَ هيبتِنا، وغثائيةَ كثرتِنا، وشدةَ بأسِنا فيما بيننا، وهوانَنا على أعدائِنا، واستخزاءَنا أمامهم.. كلُّ ذلك راجعٌ إلى وَهَن العبودية الحقَّة لله فينا، وعاقبة العبودية لغيره بجهالة، ولا صلاحَ لذلك إلا بالإيمان بالله وحده، وتركِ غيره من الأنداد، والانعتاق من العبودية لهم والخوف منهم والرجاء فيهم والتوكل عليهم.. ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا﴾ (البقرة: 256).

 إن العبودية لله شرف والعبودية للبشرية نقيصة وذلة؛ لأن السيدَ يريد أن يأخذ خير عبده وأن يجرده من كل حقوقه وماله، ولكن العبودية لله عطاءٌ ولله در القائل: ـ
سب نفسي عزًا بأني عبد      يحتفي بي بلا مواعيد رب
هو في قدسه الأعز ولكن         أنا ألقى متى وأين أحب
فكفى بالمرء عزًا أن يكون عبدًا وكفى به فخرًا أن يكون الله له ربًا، ويقول الحق في حقِّ نبيه نوح: ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) (الإسراء)، 

 ويقول أيضًا في حق الفئة الغالبة: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً (5) (الإسراء: من الآية 5)؛                                                      

 بل خُيِّر رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- بين أن يكون نبيَّا ملكًا أو عبدًا رسولاً فاختار أن يكون عبدًا رسولاً.. وبهذه العبودية وصل رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- إلى مكانٍ لم يصل إليه ملكٌ مقربٌ ولا نبي مرسل، بل كان رسول الله يجتهد أن يصل إلى هذه العبودية الحقة بقيامِ الليل حتى تورمت أقدامه فلما أشفقت عليه زوجه عائشة- رضي الله عنها- وقالت: يا رسول الله هون على نفسك فأنت الذي غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.. فقال المعصوم- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "يا عائشة، أفلا أكون عبدًا شكورًا"، بل طلبَ من أمته ذلك؛ فقال- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، ولكن قولوا عبد الله ورسوله".
العز في كنف العزيز فمن عبد العبيد أذله الله
مكانة الليل

أيها المسلمون:   الدرس الرابع لماذا كانت الرحلة والمعجزة ليلاً؟.. أراد الله أن يُلفت الأمة إلى قيمة الليل ومكانته حين يقسم بالليل في أكثر من موضع، والله لا يقسم إلا على عظيم، وعلى هذه الأمة التي رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نبيًا ورسولاً وبالقرآن حكمًا ومنهاجًا وشريعةً ودستورًا أن تُعظِّم ما عظَّم الله تعالى فتدرك خير الليل وتستفيد من بركات الليل؛ لأن الليل له رجاله إذا نامت العيون وهدأت النفوس وخلا كل حبيب بحبيبه.. فكان رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- يكره السهر بعد العشاء إلا لضرورةٍ، وكان أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فرسانًا بالنهار رهبانًا بالليل إذا جنَّ الليل سمعت لهم دويًّا كدوى النحل.

أيها المسلمون: 
 لا بد أن تدرك قيمة الليل وتعرض نفسه لرحمات الله وبركات الله وخاصةً عندما تنزل الحق تبارك وتعالى في الثلث الأخير من الليل ويقول: ألا من سائل فأعطيه إلا من داعي فأجبه ألا من كذا ألا من كذا حتى يؤذن الفجر.. أحباب رسول الله الليل له رجاله يقل الحق فيهم ﴿كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)﴾ (الذاريات)، ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) (السجدة)،
ولقد فطن أعداء هذه الأمة لهذا فحاربوا الأمة في ليلها فاسهروها الليل فيما لا يفيد وأناموها بالنهار فضاعت البركة من الأمة في بكورها وضاع منها دعوة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الذي قال: "بارك الله لأمتي في بكورها".

مكانة المسجد
أيها المسلمون:  
 درس آخر وهو ربط الرحلة في بدايتها ونهايتها بالمسجد، فالخروج من مسجد وإلى مسجد لتعلم الأمة قيمة المساجد ومكانتها في الإسلام، فهو بيت الأمة الذي اهتمَّ به رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- في بداية بناء دولة الإسلام، فالمسجد له مكانته وله دوره في الإسلام الذي لا بد أن يعود دور المسجد ورسالة المسجد حتى يتخرج من الرجال الذين يحملون دعوة الله ويبلغون رسالة الله الذين قال الحق فيهم: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)﴾..
 والنبي يقول في الحديث القدسي الذي يرويه عن رب العزة: "بيوتي في الأرض المساجد، وزوارها عُمَّارها، فطوبى لعبدٍ تطَّهر في بيته ثم زارني في بيتي فكان حق على المزور أن يُكرم زائره".

الإسراء إلى الأقصى.. لماذا؟!

يقول الله عز وجل في محكم آياته: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1)﴾ (الإسراء)، لقد كان من الممكن أن يكون المعراج من المسجد الحرام إلى السماء مباشرةً، ولكن أُسري بالنبي- صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عُرج به إلى السموات العلى، وهذا الربط بين المسجدَين يدل على أهميتهما بالنسبة للمسلمين، وطالما بقِيَ هذان المسجدان في حوزة المسلمين عاش المسلمون في عزة، وإن فُقد أحدُهما أو كلاهما عاش المسلمون في ذُلٍّ وهوان وضعف، وأصبح الخطر يهدد حياةَ المسلمين في كل مكان، وهذا ما نراه اليوم من أحوال المسلمين؛ حيث المسجد الأقصى أسيرٌ في أيدي اليهود أبناء القردة والخنازير، والمسلمون لا حولَ لهم ولا قوة، ولكن لا بد أن نعلم علم اليقين أنه لن تعود عزتُنا إلا إذا عاد هذا المسجد إلى حظيرة المسلمين وتم تطهيره من رجس اليهود.   
   
من فضائل المسجد الأقصى

كما أن للمسجد الأقصى فضائلَ كثيرةً جعلت له أهميةً كبرى عند المسلمين، فهو أولى القبلتين؛ حيث كان المسلمون الأوائل يتجهون في صلاتهم ناحية المسجد الأقصى، كما أنه ثالث الحرمين، وإليه تُشد الرحال للصلاة فيه؛ حيث إن الصلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة، وقد بارك الله عز وجل حوله؛ حيث قال تعالى: ﴿الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ كل هذه الفضائل التي جُمعت للمسجد الأقصى تجعلنا نُدرك أهميته، ولماذا كان الإسراء إليه ولم يكن لغيره؟! كما أنه يقع على عاتق كل مسلم فكّ أسْر هذا المسجد وإرجاعه إلى حوزة المسلمين، ولا عذرَ لمسلمٍ- مهما كان حاكمًا أو محكومًا- أن يتقاعس عن نصرة هذا المسجد وتحريره من أيدي المحتلين.

إعلان وراثة الرسول لمقدسات الرسل قبله

لفتة أخرى نأخذها من الربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهي إعلان وراثة الرسول صلى الله عليه وسلم لمقدسات الرسل قبله، واشتمال رسالته على هذه المقدسات، وفي هذا يقول صاحب الظلال: "والرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلة مختارة من اللطيف الخبير، تربط بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، إلى محمد خاتم النبيين (ص) وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعًا، وكأنما أُريد بهذه الرحلة العجيبة إعلان وراثة الرسول الأخير لمقدسات الرسل قبله، واشتمال رسالته على هذه المقدسات، وارتباط رسالته بها جميعًا، فهي رحلة ترمز إلى أبعد من حدود الزمان والمكان، وتشمل آمادًا وآفاقًا أوسع من الزمان والمكان، وتتضمن معاني أكبر من المعاني القريبة التي تتكشف عنها للنظرة الأولى".

عقيدة لا شك فيها

لقد كان حدث الإسراء في جزءٍ من الليل، حيث يقول سبحانه: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾، وفراش الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبرد حتى عاد إليه، وهذا الحدث يدل دلالةً قاطعةً لا شكَّ فيها على قدرة الله عز وجل الخارقة، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وإذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون، وهذه عقيدة راسخة عند كل مسلم رسوخ الجبال لا تزعزعها الشبهات ولا تتنازعها الأهواء، وما دام هذا الأمر مُسلَّمًا به عند كل مُسلِم فلا بد أن يركن المسلم إلى هذه القوة الخارقة ويستندَ إليها ويحتميَ بها، وإن وقفَ العالمُ كله أمامه فهو قويٌ باعتصامه بالله.
وفي ظل هذه الأيام الراهنة التي تجبَّرت فيها أمريكا- ومعها إسرائيل- وطغت وظلمت وقتلت الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ المسلمين، وعاثت في الأرض كلها فسادًا لا حدود له، ولا أحد يقف أمامها رغبًا ورهبًا، في ظل هذه الظروف لا بد أن يركن المسلمون إلى ركن شديد، وإلى قوة أكبر وأعظم من قوة أمريكا، ومَن أعظم من الله قوة؟!!

ومع وجود هذه العقيدة عند المسلمين، إلا أننا ما زلنا نرى عند البعض خللاً في عقيدته، فيقول نحن لا نستطيع الوقوف أمام أمريكا فهي أقوى منا، وعندها من الأسلحة أكثر مما عندها، ونسي هؤلاء المساكين أن المسلمَ قوي بالله ضعيفٌ بغيره، عزيزٌ به سبحانه ذليلٌ بغيره.. قال تعالى: ﴿أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ (النساء: من الآية 139).. ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (آل عمران: من الآية 101).

وحديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "المسجد بيت كل تقي"..

  فهذه بعض دروس من الإسراء والمعراج لعلها تكون لنا نبراسا لنا في حياتنا ونورا ينير طريقنا نسأل الله أن ينفعنا بها،
 فاللهم أعز الإسلام والمسلمين . ، واخذل الشرك والمشركين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين . نسأل الله عز وجل أن يردَّ المسلمين إلى إسلامهم مردًا جميلاً.
اللهم فرِّج هم المهمومين من المسلمين ، ونفِّس كرب المكروبين ، واقضِ الدين عن المدينين ، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين .


ليست هناك تعليقات: