الحمد لله العزيز
الغفار مكور الليل والنهار تبصرة لذوي العقول وتذكرة لأولي البصار، فقال تعالي {يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار (44)}
]النور[.
وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير ..حذر
من الفتن والشهوات فقال تعالي }يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِن
أَزوَاجِكُم وَأَولادِكُم عَدُوّاً لَكُم فَاحذَرُوهُم وَإِن تَعفُوا وَتَصفَحُوا
وَتَغفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَموَالُكُم
وَأَولادُكُم فِتنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ (15){ [التغابن]
وأشهد أن سيدنا محمد
رسول الله صلي الله عليه وسلم ، حذر من الفتن ، وأوصى أتباعه بتحصين من الفتن بالتمسك بالكتاب
والسنة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه
وسلم قَالَ: }بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنا كَقِطَعِ اللَّيْلِ
الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً،أَوْ يُمْسِي
مُؤْمِناً وَيُصْبِحُ كَافِراً، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا{. ]أخرجه مسلم[
فاللهم صلي علي سيدنا
محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..
أما بعــد .. فيا
أيها المؤمنــــون .
ما أحوجنا إلى التعرف على السنن الإلهية في القرآن
الكريم وطبيعتها وكيفية التعامل معها ، وتدبرها واستيعابها والاستفادة منها، لقوله
تعالى:{ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ
سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
(26)} [النساء[. وقال تعالي }سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي
أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (53){ ]فصلت[
والسنن في القرآن
الكريم متعددة وكثيرة مثل سنة الابتلاء والفتن ، وهذه نستطيع أن نجمله في سورة
أمرنا أن نقرأها كل يوم جمعة لما لها من أثر تربوي في حياة المسلم وهي سورة الكهف
، لذلك كان موضوعنا عن (السنن الإلهية في سورة الكهف) وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ....
1ـ طبيعة
السنن الإلهية .
2ـ
فضل سورة الكهف .
3ـ التحذير من الفتن.
4ـ صورالفتن
في سورة الكهف.
5ـ العاصم
من الفتن .
6ـ
الخاتمة .
---------------------
العنصر
الأول : طبيعة السنن الإلهية:ـ
للسنن الإلهية طبيعة
لا تنفك عنها وهي:ـ
أ ـ الثبات :لا تتخلف ولا تتبدل،ولا تتغير قال تعالى }فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ
ۚ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا
(43){فاطر.
ب ـ العموم: تشمل كل البشر والخلائق
دون استثناء وبلا محاباة، قال تعالى}
لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَنْ
يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا
نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا(124){ ]النساء[.
فالسنن الإلهية في
الحياة البشرية دقيقة كل الدقة، صارمة منتظمة أشد الانتظام، لا تحيد ولا تميل، ولا
تحابي ولا تجامل، ولا تتأثر بالأماني وإنما بالأعمال، وهي في دقتها وانتظامها وجديتها
كالسنن الكونية سواء بسواء،
فهي حاكمة على جميع
الأفراد، والأمم والمجتمعات.
ج ـ التكرار:ـ تتكرر السنن الإلهية أينما وجدت الظروف المناسبة مكانا وزمانا وأشخاصا وأفكاراَ
قال تعالي } قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)هَٰذَا بَيَانٌ
لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138){ ]آل عمران[.
فالسنن : عبارة عن
قوانين وقواعد أشبه ما تكون بالمعادلات الرياضية، قد خلقها الحق سبحانه لتنظم وتحكم
حركة الكون والحياة والأحياء، وتحكم حركة التاريخ، وتنظم ناموسية التغيير، وتتحكم بالدورات
الحضارية، موضحة عوامل السقوط وعوامل النهوض الحضاري. فلله في الأفراد سنن، وفي الأمم
سنن، وفي المسلمين سنن ، وفي الكافرين سنن.
العنصر
الثاني : فضل سورة الكهف :
لقد ورد عن النبي
عليه السلام الكثير من الأحاديث التي تبين فضل قراءتها، فعن أبي سعيد الخدري عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن قرأَ سورةَ الكهف ليلةَ
الجمعةِ، أضاءَ له منَ النور فيما بينه وبينَ البَيتِ العَتيقِ".. صحيح
الجامع.
"ومن
قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين".. رواه الحاكم والبيهقي حديث حسن وقال، هو من أقوى ما ورد في
قراءة سورة الكهف، وصححه الألباني.
وقد ورد عن رسول الله
محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: }من حفظ عشر آياتٍ من أول سورة الكهف عصم من الدجال{، كما أن لقراءة
سورة الكهف في كل جمعة من الفضل العظيم ما يذهل العقول ويسعد النفوس، فهي نور لقارئها
من الجمعة للجمعة المقبلة وهكذا، فبذلك يعيش طيلة حياته في نورٍ من ربه، كما أنها حرز
من الشيطان الرجيم .
العنصر
الثالث : التحذير من الفتن :ـ
الفتن: ما يقع بين الناس في حياتهم كما قال صلى الله عليه وسلم
: ( أرى الفتن خلال بيوتكم ) بأن يكون القتل والحروب
والاختلاف الذي يكون بين المسلمين.
ويكون بما يبلون به
من زينة الدنيا وشهواتها فيفتنون بذلك عن الآخرة والعمل لها .
لذلك حذرنا الله
تعالي من الفتن أن تصيبنا في الدنيا، قال تعالى: } وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25){ [الأنفال].
وعن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم "ستكون
فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي،
من تشرف لها تستشرفة، فمن وجد منها ملجأ أو معاذا فليعذ به".
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه
قال: اشرف رسول الله صلى الله عليه
وسلم على أطم من آطام المدينة، فقال : " هل ترون
ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم، كمواقع القطر". متفق عليه.
وعن
حذيفة رضي الله عنه قال: سمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:}تُعْرَضُ الفتن على القلوب؛ كالحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَ
فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على أبيض
مثل الصفا، فلا تضره فتنةٌ ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مُرْبَادًّا؛كالكوز
مُجَخِّيًا، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشْرِبَ من هواه { ]رواه مسلم وأحمد[
ولذلك حرص سيدنا عمر
رضي الله عنه على معرفة أخبار الفتن حتى يتوقاها، وأخبرهم أنه لا يريد معرفة فتنة الرجل
الخاصة في أهله؛ وإنما يريد معرفة الفتنة العامة.
وكان حذيفة بن
اليمان رضي الله عنه يقول } كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم- عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ
يُدْرِكَنِي{ .
ولذلك يقال:
عرفت الشَّرَّ لا للشَّر لكن لتوقِّيهِ ،ومن لا يعرف الشَّرَّ من النَّاس يقع فيهِ!{
وصح عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه كان يستعيذ من الفتنة دبرَ كل صلاة؛ فعن أم المؤمنين عائشةَ رضي
الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: }اللهم
إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا
وفتنة الممات{
العنصر
الرابع: صورالفتن في سورة الكهف:ـ
كل الكهوف مظلمة إلا
كهف القرآن.. فيه نور يضيء بين الجمعتين:
لذلك حثنا الرسول
صلى الله عليه وسلم على قراءة سورة الكهف يوم الجمعة لما لها من تأثير إيجابي على نفس
المسلم، فنجد أن سورة الكهف تحتوي على أربع قصص، وأربع فتن، وأربع عواصم من الفتن ،
لكي لا يقع الإنسان في الفتن ويحذر منها ، ويعرف العاصم من الفتن :}لِيَهْلِكَ مَنْ
هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ
عَلِيمٌ (42){ [الأنفال].
وهذه الفتن كما
يلي ..
1ـ فتنة الديـن:
وفي ذلك اصحاب
الكهف فُتنوا في دينهم على يد ملك كافر أمرهم أن يتركوا دينهم وأن يرجعوا إلى دين
آبائهم وأجدادهم فلم تخيفهم تهديداته ولم تغريهم إغرائته ولم تنفع معهم ضغوطاته
ففروا بدينهم إلى الكهف
قال تعالى }
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا
بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ
قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ
دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14){ وقال تعالي} وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا
يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ
مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16){الكهف.
إنهم الفتيةُ أيُّها
السادة، إنَّهم الشباب الطامحون للمستقبل المتحرر من العبودية لغير الله، إنهم الشباب
المتحررون من علائق الجاهلية، المنفكون عن قيود التجارب الفاشلة السابقة، إنَّهم صُنَّاع
التغيير ومطورو الأمم، إنَّهم الشباب؛ وصانعوا التاريخ ومغيِّروه، (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) …
إنَّها فتنة الدين
التي لا ينجو منها إلَّا من أخلص لله فثبته الله، وكم فُتنَ أناس في دينهم في ثورة
الشام هذه وكم سقط فيها ساقطون؟!!
فلابد من تربية
النفوس بالبلاء , ومن امتحان التصميم على معركة الحق بالمخاوف والشدائد , وبالجوع
ونقص الأموال والأنفس والثمرات . .
فلا بد من هذا
البلاء ليؤدي المؤمنون تكاليف العقيدة , كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في
سبيلها من تكاليف .
والعقائد الرخيصة
التي لا يؤدي أصحابها تكاليفها لا يعزعليهم التخلي عنها عند الصدمة الأولى ،
فالتكاليف هنا هي الثمن النفسي الذي تعز به العقيدة في نفوس أهلها قبل أن تعز في
نفوس الآخرين .
وكلما تألموا في
سبيلها , وكلما بذلوا من أجلها ، كانت أعز عليهم وكانوا أضن
بها،كذلك لن يدرك
الآخرون قيمتها إلا حين يرون ابتلاء أهلها بها وصبرهم على بلائها .
إنهم عندئذ
سيقولون في أنفسهم لو لم يكن ما عند هؤلاء من العقيدة خيرا مما يبتلون به وأكبر ما
قبلوا هذا البلاء , ولا صبروا عليه ،مثل ما حدث مع أصحاب الأخدود.. قال تعالي}
وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ
(8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ
شَيْءٍ شَهِيدٌ (9){ ]البروج[.
وعندئذ ينقلب
المعارضون للعقيدة باحثين عنها , مقدرين لها , مندفعين إليها، وعندئذ يجيء نصر
الله والفتح ويدخل الناس في دين الله أفواجا .
ولا بد من البلاء
كذلك ليصلب عود أصحاب العقيدة ويقوى، فالشدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة ،
وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا تحت مطارق الشدائد
، والقيم والموازين والتصورات ما كانت لتصح وتدق وتستقيم إلا في جو المحنة التي
تزيل الغبش عن العيون , والران عن القلوب .
ولقد عانى
الصحابة مع نبيهم صلي الله عليه وسلم أشد أنواع الابتلاء ،فقُتِّلوا ،وشُرِّدوا
،وحوصروا ، وأخرجوا من ديارهم ، حتى قال رسول الله }ما أوذي أحد ما أوذيت في الله {
[ رواه أبو نعيم
في الحلية ورواه بنحوه الترمذي و حسّنه وهو كما قال ، وابن ماجة و أحمد ] .
واختص الله تعالى
المجاهدين والمرابطين في سبيله بأصناف البلاء ، ولم يذكرغيرهم على سبيل التخصيص
رغم عموم سنة الابتلاء لعموم البشر .
جاء في كتاب
"الفوائد" للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى ما نصه :«سأل رجل الشافعي فقال : يا أبا عبد
الله ، أيما أفضل للرجل أن يُمكن أو يُبتلى ؟
فقال الشافعي :
لا يمكن حتى يُبتلى ، فإن الله ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات
الله وسلامه عليهم أجمعين ، فلما صبروا مكنهم ، فلا يظن أحد أن يخلص من الألم
البتة» ...
و قال سبحانه : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمَّا يَعْلَمِ
اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا
رَسُولِهِ وَ لا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
(16)} [ التوبة ] .
و قال وهو أصدق
القائلين : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ
خَلَوْا
مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى
يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ
آمَنُوا
مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) } [ البقرة ] .
وليس هذا خاصاً
بهذه الأمة ، ولكنها سنّة مضت و تمضي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، قال تعالي
{ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ
وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (62)} [ الأحزاب ]
وعن خبّاب بن
الأرتّ رضي الله عنه قال : شكونا إلى رسول الله و هو متوسد بُردةً له في ظل الكعبة
، فقلنا : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو لنا ؟ فقال : } قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في
الأرض فيجعل فيها ، ثم يجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، و يمشط بأمشاط
الحديد من دون لحمه و عَظمِه ، فما يصده ذلك عن دينه .. و الله ليتمن هذا الأمر
حتى يسير الراكب من صنعاء حتى حضر موت لا يخاف إلا الله و الذئب على غنمه ، و
لكنكم تستعجلون { [ رواه البخاري ] .
وأيضا من سنة
الله في عباده المؤمنين الداعين إليه المجاهدين في سبيله أن يبتلوا بغربة في الدين
حين ينظر المؤمن فيرى كل ما حوله وكل من حوله غارقا في تيار المعاصي والفتن ;
وهو وحده موحش غريب طريد .
إنه إحساس
بالوحشة لقلة السالكين، إحساسٌ بالوحدة لقلة المطبقين لتعاليم هذا الدين من أوامر
ونواهي، من سنن ومكروهات..
إنه الدين أغلى
ما يملك الإنسان في كل زمانٍ ومكان، إنه الروح للجسد والغذاء للروح.
وقد قال الذي لا
ينطق عن الهوى بأبي هو وأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام ُغريبا ً ثم يعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء،
قيل: يا رسول الله ومن الغرباء؟ قال:
الذين يُصلِحون إذا فسد الناس» [رواه أحمد وصححه الألباني].
فقد رغب رسول
الله في أجر الغريب في زمانه وجعله كالقابض على الجمر في قوله عليه الصلاة
والسلام: «إن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على
الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله، قيل: يا رسول الله أجر خمسين
منهم؟ قال: أجر خمسين منكم» [صححه الألباني].
فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الصابر
على أحكام الكتاب والسنة يقاسي كثيرا ً بما يناله من الشدة والمشقة مثل ما يقاسيه
من يأخذ بيده النار، فالمؤمن باتَ يشعر بحر الجمر في قلبه فضلاً عن يده.
إذا
المخرج من هذه الفتنة : الصبر على هذا الأذى والالتزام بالتقوى والإيمان ،والقرآن
الكريم ،وصحبة الصالحين، واجتناب الهوى ، فهذا مما يجب أن يعزم عليه المؤمنون من
الأمور التي تزهق الباطل وتنصر الحق وأهله .
قال تعالى : }لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى
كَثِيرًا ۚ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
(186){آل عمران.
وقال تعالي : }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ
الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ(157){ البقرة.
و قال تعالي } وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ
وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ
تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ
ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28){ الكهف .
2-
فتنة الدنيا والمـال:
قال تعالى }وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ
مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا(32)
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ
وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ
وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ
جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَٰذِهِ
أَبَدًا (35){ الكهف .
لقد أعمى المال
بصيرته فلم يميز بين الحقيقة والخيال ولا بين الواقع والمثال وما علم المسكين أن
المال بلاءٌ وفتنة وأن الدنيا امتحان ومحنة ثم قال كلاماً أعظم وأخطر من قوله تعالي
﴿ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ﴾ فماذا
قال هذا الأحمق ؟ قال ﴿ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ
إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ نعوذ بالله من
الغرور والخيلاء .
وكانت النتيجة : }وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِۦ فَأَصۡبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيۡهِ عَلَىٰ مَآ أَنفَقَ
فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُشۡرِكۡ بِرَبِّيٓ
أَحَدٗا (42) وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ فِئَةٞ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ
مُنتَصِرًا (43){ ] الكهف[
ربما يستطيع
الإنسان أن يصبر علي محنة الشدة والمرض ، ولكن سرعان ما ينهار أمام فتنة الدنيا والمال ، يقول الله سبحانه وتعالى: }وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ
آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ
(76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا
أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ
يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ
عَلَّامُ الْغُيُوبِ(78){ التوبة .
هذه فتنة المال
التي وقع فيها كثير من الناس ، فإن الإنسان صاحب المال إذا لم يثبته الله عز وجل
زلت قدمه، وهوى في مراتع الفساد والمعاصي، وأشغله ماله عن ذكر الله تعالى، فلم يعد
يجد وقتاً لعبادة الله عز وجل، وبذلك يكون المال وبالاً عليه، لذلك نهى الله نبيه
صلى الله عليه وسلم عن التطلع إلى الدنيا وفتنتها، قال تعالى: }وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (28){ [الكهف]،
وقال
تعالى:} وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا
مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131){ [طـه].
وبيّن تعالى أن
ما يعطيه الكفار من نعم الدنيا، إنما ذلك لهوان الدنيا عنده وحقارتها، وابتلاء لهم
وفتنةً، قال تعالى:} فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا
أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55){ [التوبة].
وكما وضح النبي
صلي الله عليه وسلم :"فتنةُ أمتي في المال". رواه
الترمذي.
وقد بين النبي
صلي الله عليه وسلم أن أهل الرجل فتنةٌ له، وفتنته في أهله وماله وولده على ضروب عدة:
من فرط محبته لهم، وشحه عليهم، وشغله بهم عن كثير من الخير،
، وفي الحديث الصحيح
وقد ورد التحذير من فتنة المال والزوجة والولد
في أكثر من آية من كتاب الله عز
وجل ومن ذلك قوله تعالى : }يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِن أَزوَاجِكُم وَأَولادِكُم
عَدُوّاً لَكُم فَاحذَرُوهُم وَإِن تَعفُوا وَتَصفَحُوا وَتَغفِرُوا فَإِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولادُكُم فِتنَةٌ
وَاللَّهُ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ
(15){ [التغابن]
وقوله تعالى }وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم
وَأَولادُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ (28){ [الأنفال]
وقال النبي عليه الصلاة
والسلام: (الولد مبخلة مجبنة)؛ أخرجه أحمد.
فهذا وجه من الفِتْنَة
بهم.
وقال صلي الله
عليه وسلم: }والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم
الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم) [رواه البخاري ومسلم].
وعن أسامة بن
زيدٍ رضي الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما
تركتُ بعدي فتنةً أضر على الرجال من النِّساء)[البخاري ومسلم].
وعن أبي سعيدٍ
الخُدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن
الدُّنيا حُلوةٌ خضرةٌ، وإن الله مُستخلفُكم فيها فينظُرُ كيف تعملون، فاتقوا
الدنيا
واتقوا النساء؛ فإنَّ أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)[رواه مسلم].
ومن فتنته: جمعُه سواءٌ من حِلٍّ أم من حرام، قال -عليه الصلاة والسلام
)يأتي على الناس زمانٌ لا يُبالي المرءُ ما أخذَ منه أمِن
الحلال أم من الحرام( . رواه البخاري.
ومن فتنته: البخلُ به أو احتقار المساكين أو جعله سببًا للعصيان أو
الاستكبار به على الخلق، ونسيانُ أن الله هو المُنعِم عليه أو بيع الدين للحصول عليه،
كما قال عليه الصلاة والسلام-: "يبيعُ دينَه بعَرَضٍ
من الدنيا". رواه مسلم.
والسعيدُ من قنعَ
بعطاء الله له وجمعه من حلالٍ وأيقنَ بأن الله هو المُنعِمُ عليه وحده، فشكر ربَّه
وتواضَع للخلق وبذَلَ مالَه ابتغاء مرضات الله.
والمخرج من هذه
الفتنه هو الزهد ومعرفة قدر الدنيا.
3-
فتنة العـلم :
قال تعالى .} وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ
الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا
نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا(61) فَلَمَّا
جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا
هَٰذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي
نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ
وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ
ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا(64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا
آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)
قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ
رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ
تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ
اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69){ الكهف.
وذلك عندما سئل
نبي الله موسي عليه السلام هل هناك من هو أعلم منك يا موسي فأجاب بالنفي ونسي أن
ينسب العلم لله تعالي فأختبره الله تعالي ورده إلي الأصل.
وقد حكي القرآن
الكريم عن رجل اسمه بلعام ابن باعوراء آتاه الله علما حتي أنه كان يعرف اسم الله
الأعظم، ولكنه افتتن ونكص علي عقيبه، فقال تعالي : }وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي
آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ
الْغَاوِينَ(175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى
الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ
عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176){ الأعراف.
ويلحق بفتنة
العلم فتنة الشهرة والظهور علي الشاشات والأضواء،
فالبحث عن الشُّهرة خلَلٌ في عقيدة التَّوحيد، وانقلابٌ في مفاهيم الغاية
البشريَّة في الوجود، ونَكْسة في ترتيب الاهتمامات؛ فهو الصُّورة التطبيقيَّة
للرِّياء المُحْبِط للأعمال في ميزان الشَّريعة.
وإذا كان قولُ
النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (من لَبِس ثوب شُهرة ألبسَه الله يوم القيامة ثَوْب مَذَلَّة)؛
يعني به: لباس الشُّهرة المادِّي المصنوع من القماش؛ كما أن اللباس المعنويَّ للشُّهرة يمكن أن يشمله الحديثُ
من باب أولى، ومن أيِّ نوع كان؛ سواء لباس التَّقوى، أو لباس العلم أو لباس
الزُّهد، أو لباس الورَع، وأي لباس معنوي يتدثَّر به الإنسان بين الناس يسبِّب له
الشهرة وهو يقصدها، ويتعمَّد أن يراه الناس بها، فقد قالَ البَيْهَقِيُّ: "كلُّ شيء صيَّر صاحبه شهرة، فحقُّه أن يُجْتَنَب"
لذا؛ حذَّر صلَّى
الله عليه وسلَّم من السعي وراء الشهرة
فذكر أفضل الأعمال التي يقوم بها المسلم ولكن الهدف من ورائها الشهرة والثناء من
الناس ، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم }إنَّ أوَّل النَّاس يُقضَى يوم القيامة عليه:
رجلٌ استُشهِد، فأُتِي به، فعرَّفه نِعَمه فعرَفها، قال: فما عَمِلتَ فيها؟ قال:
قاتلتُ فيك حتَّى استُشهدت، قال: كذبتَ ولكنَّك قاتلتَ لأنْ يُقال: جريءٌ، فقد
قيل، ثُمَّ أُمِر به فسُحِب على وجهه حتَّى أُلقِيَ في النَّار، ورجلٌ تعلَّم
العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأُتِي به فعرَّفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملتَ
فيها؟ قال: تعلَّمت العلم وعلَّمتُه، وقرأتُ فيك القرآن، قال: كذبتَ، ولكنَّك
تعلَّمت العلم؛ لِيُقال: عالِمٌ، وقرأتَ القرآن ليقال: هو قارئٌ، فقد قيل، ثمَّ
أمر به، فسُحِب على وجهه حتَّى ألقي في النَّار، ورجلٌ وسَّع الله عليه، وأعطاه من
أصناف المال كلِّه، فأُتِي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: ما
تركتُ من سبيلٍ تحبُّ أن ينفق فيها إلاَّ أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنَّك فعلتَ
لِيُقال: هو جوَادٌ، فقد قيل، ثُمَّ أُمِر به، فسُحب على وجهه، ثمَّ ألقي في
النَّار{[رواه مسلم والترمذي والنسائي].
وقد حذَّر
سلَفُنا الصالِحُ من حُبِّ الظُّهور والشهرة بين الناس لِمَن يسعى إليها
، ويجعلها هدفَه،
وتضافرَتْ أقوالُهم المحذِّرة من هذا الخلُق الذَّميم، فهذا سفيانُ الثوريُّ يقول:
"إيَّاك والشُّهرة؛ فما أتيتُ أحدًا إلاَّ وقد نَهى عن الشُّهرة".
أمَّا من اشتهر
بالعلم والزُّهد والورع، ونيَّتُه صالحة وعمَلُه خالصٌ لوجه الله، فإنه خارجٌ عن
هذه الدائرة، ولكن الواجب عليه أن يتفقَّد حال قلبه بين الفينة والأخرى.
4-
فتنة السلطـان:
بين المولي تعالي
أن الملك والسلطان فتنة عظيمه يثبت أمامها أهل الإيمان من
أمثال ذي القرنين
قال تعالى :} وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ
قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي
الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ
سَبَبًا (85){ الكهف.
وقال تعالي }
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ.... (95)......... قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ۖ
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا
(98){ تواضع لله وعلم أن هذا ابتلاء
من الله تعالي .
وأيضا قال تعالي
في قصة نبي الله سليمان عليه السلام نجده فهم أن الملك والتمكين ابتلاء عظيم من
الله تعالي وليس شرف ووجاهة فقال تعالي } قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ
يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ
مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ۖ وَإِنِّي
عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ
أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ
مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَٰذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ
أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40){ النمل .
العنصر
الخامس : العاصم من الفتن :ـ
لا عاصمَ من الفتن
إلا ما عصمَ الله، قال سبحانه: }وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ
لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا(41){ [المائدة].
ولكن هناك أساب
من أخذ بها وفقه الله وهداه وعصمه من الفتن ، منها ....
1ـ التمسك
بالكتاب والسنة :ـ
اعتبر المولي
تعالي مخالفة أمر النبي صلي الله عليه وسلم سبب الوقوع في الفتنة فقال تعالي: } فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو
يصيبهم عذاب أليم (63){ النور .
لذلك كان من
العواصم من الفتن التمسك بالكتاب والسنة ..
أخرج الدارمي عن علي
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ستكون فِتَنٌ
قلت: وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم،
هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره
أضله الله. فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي
لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة
الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا (إنا سمعنا قرآنا
عجبا). هو الذي من قال به صدَق، ومن حكم به عدل، ومن عمِل به أجِر، ومن دعا إليه هُديَ
إلى صراط مستقيم” .
ففي هذا الحديث توجيه
من رسول الله صلى الله عليه وسلم للشاب علي
بن أبي طالب رضي الله عنه بالتمسك في هذا الكتاب العظيم ببيان شئ من خصائصه.
ومن توجيهاته صلى
الله عليه وسلم في التمسك بالكتاب والسنة للسلامة من الضلال، والنجاة من الفتن، "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنة
نبيه".
وعن العرباض بن ساريه
رضي الله عنه: قال: وعظنا رسول يوماً بعد صلاة
الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل: إن هذه موعظة مودع،
فبماذا تعد إلينا يا رسول الله؟ قال "أوصيكم بتقوى الله
والسمع والطاعة، وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، وإياكم ومحدثات
الأمور، فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين،
عضوا عليها بالنواجذ".
2ـ استشعار عظمة الله:ـ
كما قال بعض السلف: }لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر
عظمة من عصيت، فإن حدثتك نفسك بالمعصية فقل لنفسك أتدرين من تعصين ؟
إنه الله جل في علاه.. إنه الله الذي لا يخفى
عليه شيء في الأرض ولا في السماء.. إنه الله الذي له ملك السماوات والأرض.. إنه الله
الذي بيده مقاليد الأمور.. إنه الله الذي تسبح له الكائنات وتخضع له السماوات.تذكر
اسم الرقيب }وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا
(52) {[الأحزاب]
فالله يراقبك ويعلم بحالك ويراقب تحركاتك ونظراتك
وسمعك وقلبك }وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
فِي قُلُوبِكُمْ (51) {[الأحزاب]
فإذا دفعتك نفسك للذنوب فقل لنفسك: "
إن الله يراني ".
واحذر من أن تكون من هؤلاء: قال صلى الله عليه
وسلم}ليأتين أقوام من أمتي بحسنات
أمثال جبال تهامة يجعلها الله هباء منثوراً، قال الصحابة: منهم يا رسول الله ؟ قال:
أما نهم مثلكم يصلون كما تصلون ويصومون كما تصومون ولهم من الليل مثل مالكم ولكنهم
إذا خلو بمحارم الله انتهكوها {. صحيح الترغيب والترهيب .
3ـ المجاهدة:ـ
لا تظن أن ترك المعصية يكون بين يوم وليلة..
إن ذلك يحتاج إلى مجاهدة
وصبر ومصابرة، وأن تكون صاحب إرادة قوية لكي
تقوى على ترك الذنوب والشهوات، ولكن اعلم أن المجاهدة دليل على صدقك في ترك الذنوب
وربنا تبارك وتعالى يقول}وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ
اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69){
[العنكبوت].
4ـ الحذر من رفيق السوء:ـ
فإن بعض الشباب يريد ترك المعصية ولكن صديقه
يدفعه، فعلينا أن نتذكر
تحذير
النبي صلى الله عليه وسلم من أصدقاء السوء قال:} مثل الجليس الصالح وجليس السوء
كحامل المسك ونافخ الكير{. رواه البخاري ومسلم.
وفي حديث آخر. رواه أحمد وغيره أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم
من يخالل".
ومع ما يمكن أن يجلب أصدقاء السوء لمن يصحبهم،
فإنهم يتبرؤون يوم القيامة ممن يصادقهم ويعادونه، قال تعالى: }الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67){ {الزخرف}.
فوصيتي لك: " ابتعد عن صديق السوء
" قبل أن تكون ممن قال الله فيهم }وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي
اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ
فُلانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ
الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا (29){[الفرقان] .
5ـ معايشة حقيقة الموت:ـ
قال تعالي }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ
الْمَوْتِ (185){[آل عمران]
فهل تخيلت أن الموت قد يأتيك وأنت تنظر إلى
القنوات؟
لو جاءك الموت وأنت تكلم تلك الفتاة؟
يا ترى لو فاجأك الموت وأنت نائم عن الصلاة؟
حينها ماذا تتمنى؟
قال تعالي} حَتَّى
إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا
فِيمَا تَرَكْتُ (100){
]المؤمنون[.
إنه يتمنى الرجوع إلى الحياة لا ليستمتع بها
ولا ليسهر على القنوات بل ليعمل صالحاً.. نعم ليتوب.. ليصلي.. ليترك المحرمات.
وتذكر عندما توضع على مغسلة الأموات عندما
لكي يغسلونك وأنت جثة هامدة لا تتحرك وهم يحركونك، هناك لن تنفعك الذنوب ولا السيئات.
وتذكر عندما تحمل على الأكتاف سوف يحملونك
وأنت جنازة، فيا سبحان الله أين قوتك ؟ أين
شبابك ؟ أين كبرياءك ؟ أين أصدقاءك ؟؟
لن ينفعك هناك إلا عمل صالح قدمته.
و تذكر عندما توضع في القبر هناك يتركك الأهل
والأصحاب ولكن أعمالك ستدخل معك في قبرك.. فيا ترى ما هي الأعمال التي ستكون معك في
قبرك.. هل هي القنوات؟ والملهيات؟ والمواقع ؟ والدردشات؟.. وغير ذلك.
6- معايشة يوم القيامة :ـ
قال تعالي } وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ
{[البقرة:281] سوف تقف بين يدي
الله يا من يسهر على القنوات.. نعم والله ستقف يا من ينام عن الصلوات.. يا من يسافر
إلى بلاد الآثام.. } يَوْمَئِذٍ
تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) { [الحاقة].
أهناك من ينفعك؟ أهناك من ينصرك؟ أنسيت ذلك
الموقف؟
قال تعالي }وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
(223) { [البقرة].
وتذكر المرور على الصراط.. ذلك الجسر الذي
يوضع على متن جهنم..
" أحد من السيف وأدق من الشعرة
" قال تعالى: } وَإِنْ
مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا(71) {[مريم].
قال العلماء: هذه الآية دليل على المرور على
النار؛ هناك تضع قدمك لكي تعبر عليه والنار من تحتك والمكان مظلم.. والناس يتساقطون
ويصيحون ويبكون.
ومن الناس من يثبته الله على الصراط لأنه
" كان ممن يراقب الله ويخاف من الله ويعمل بطاعة الله ويبتعد عن معصية الله قال تعالى: } يُثَبِّتُ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الآخِرَةِ (27) {[إبراهيم].
هناك تعرف قيمة الصلاة وقيمة الحسنات, في ذلك
المكان تندم على كل نظرة وعلى كل كلمة لا ترضي الله هناك تبكي ولكن لا ينفع البكاء.
و تذكر الميزان الذي يوضع يوم القيامة، وتوزن
فيه الحسنات والسيئات.. إنه ميزان دقيق } وَنَضَعُ
الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ
كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47){[الأنبياء].
يا ترى هل تفكرت في هذا الميزان أخي الشاب؟
وأنت يا أختاه هل حاسبت نفسك على ذنوبك التي
ستوضع في ذلك الميزان قال تعالي } فَمَنْ
ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102){[المؤمنون].
إنهم الذين حافظوا على طاعة الله.. إنهم الذين
ابتعدوا عن الذنوب والعصيان...قال تعالي } وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ
فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) {[المؤمنون]
إن الذي خف ميزانه هو الذي أساء في تعامله
مع ربه.. هو الذي أعرض عن ربه.. هو الذي كثرت سيئاته وقلت حسناته.
و تذكر الحوض الذي يكون لنبينا صلى الله عليه
وسلم؛ طوله شهر وعرضه شهر, أحلى من العسل وأبيض من اللبن، وأطيب من المسك، من شرب منه
شربة لم يظمأ بعدها أبداً، إن ذنوبك قد تمنعك من الشرب من ذلك الحوض، فاترك الذنوب
الآن.
وتذكر شهادة الجوارح عليك.. تذكر يا أخي قبل
أن تفعل أي معصية أن الجوارح التي سوف تعمل المعصية بها أنها ستشهد عليك وستفضحك ليس
هنا بل في أرض المحشر}الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ
وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
{ [يس].
يا سبحان الله.. من أنطق اليدان؟ من أنطق القدمان؟
إنه
الله جل في علاه.. وقال تعالى} حَتَّى
إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ(20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا
أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ (21){[فصلت].
فلا إله إلا الله ما أعظم الله!!
وتذكر كتابة الملائكة لأعمالك، فالملائكة تكتب
أعمالك وأقوالك كما قال تعالى} وَإِنَّ
عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ
(12) { [الانفطار] .
ولا يخفى عليهم شيء، وتستمر الملائكة في كتابة
أعمالك حتى تخرج روحك من الحياة، وبعدما تموت.. ينتهي كتابك ولكن لك موعد معه في أرض
المحشر عندما تُعطى ذلك الكتاب ويقول الله لك} اقْرَأْ
كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا(14){ [الإسراء].
وتذكر لو كنت من أهل النار يوم تقلب في النار,
قال تعالى} يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ
فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (66){[الأحزاب].
يا سبحان الله أين مكانهم؟! في النار، يتقلبون على النار، أين وجوههم؟ على النار. نعم:
تلك الوجوه التي كانت تنظر إلى الحرام، تلك الأجساد التي لم تتقرب إلى الله سوف تتقلب
في النار وبئس المصير.
وتذكر حقارة الدنيا }وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ(185){آل عمران .
فكيف تؤثر الدنيا الحقيرة على الآخرة الباقية
التي لانهاية لها، كيف تعمل معصية قد تحرمك من جنة عرضها السماوات والأرض .
فاللهم حرم أجسادنا علي النار. وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن .
اللهم آمين
===================
رابط pdf
https://top4top.io/downloadf-26947o68m1-pdf.html
رابط doc
https://top4top.io/downloadf-2694job8f2-docx.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق