20 نوفمبر 2019

المعايشة الإيمانية لاسم الله الجبار وعبادة جبر الخواطر






الحمد لله رب العالمين .. جَعَلَ الخَيْرَ فِي التَّحَلِّي بِالفَضَائلِ والتَّخَلِّي عَنِ الرَّذَائلِ، والبُعْدِ عَنْ سَفَاسِفِ الأُمُورِ، وَرَصَدَ لِذَلِكَ أَجْزَلَ الثَّوابِ وأَعْظَمَ الأُجُورِ فقال تعالي {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}[الزلزلة].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير ... يجبر كسر الضعفاء والمحتاجين فمن أسمائه الحسني الجبار فقال تعالي {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)}[الحشر].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله () كان دائما وأبدا يدعو الله تعالي بجبر النفوس ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي () كان يقول بين السجدتين: "اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني". سنن الترمذي.
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليكا كثيرا إلي يوم الدين .
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون ..
إن العلمَ بالله أحَدُ أركانِ الإيمان، بل هو أصلُها وما بعدَها تبَعٌ لها، ومعرِفَةُ أسماء الله وصفاتِه أفضلُ وأوجَب ما اكتسبَته القلوب وحصَّلته النفوسُ وأدركته العقول.
قال ابن القيّم رحمه الله:أطيَبُ ما في الدنيا معرفتُه سبحانه ومحبَّته.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي () قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ » رواه البخاري ومسلم
قال أهل العلم: أحصاها يعني: علمها وآمن بها وعمل بمدلولها.
وأسماء الله سبحانَه أحسَنُ الأسماء، وصفاته أكمَلُ الصفاتِ، قال تعالي{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(11)}[الشورى].
وحقيقٌ بكلِّ مسلمٍ معرفتُها وفهم معانيها، والعمل وفقها، والدعاء بها
فمن أسماء الله تعالي الجبار، فهو أرق إسم في أسماء الله الحسنى، وأحن إسم، فالجبار هو الذي يجبر عباده المنكسرين والمحرومين..
لذلك كان من الواجب أن نقف مع اسم الله الجبار ، ونتعايش معه إيمانيا، وكيف تعبدنا سبحانه وتعالي بجبر خواطر المنكسرين ، ومن هذا المنطلق كان موضوعنا [المعايشة الإيمانية لاسم الله الجبار وعبادة جبر الخواطر] وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ...
1ـ حقيقة اسم الله الجبار .
2ـ منزلة جبر الخواطر في الإسلام .
3ـ جبر الخواطر في القرآن الكريم .
4ـ جبر الخواطر في السنة النبوية المطهرة .
5ـ جبر الخواطر في حياة السلف الصالح .
6ـ جبر الخواطر في الواقع المعاصر.
7ـ الآثار الإيمانية للمعايشة مع اسم الله الجبار.
8ـ الخاتمة .
===========
العنصر الأول : حقيقة اسم الله الجبار :ـ
ورد اسم الله "الجبار" في القرآن مرة واحدة فقط في {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ(23)}[الحشر].
وقد ورد في السنة ، ففي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ()
وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : " يَأْخُذُ الْجَبَّارُ سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضَهُ بِيَدِهِ ، وَقَبَضَ بِيَدِهِ ، فَجَعَلَ يَقْبِضُهَا
وَيَبْسُطُهَا ، ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا الْجَبَّارُ ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ؟... )) .
واسم الله الجبار له ثلاثة معان:
1ـ  جبر القوة:  و( الجبار ) هو الجبروت ، كمالك الملك والملكوت ، يقول عليه الصلاة والسلام : " سبحان ذي الجبروت والملكوت ، والكبرياء ، والعظمة " [أخرجه أبو داود والنسائي] .
فهو سبحانه وتعالى الجبار الذي يقهر الجبابرة ويغلبهم بجبروته وعظمته، فكل جبار وإن عظم فهو تحت قهر الله عز وجل وجبروته وفي يده وقبضته.
2ـ جبر العلو :ـ  الجبار الذي تنفذ مشيئته في خلقه ، الله عز وجل لا غالب لأمره .
قال تعالي {لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ (41)} [الرعد] .
فإنه سبحانه فوق خلقه عال عليهم، وهو مع علوه عليهم قريب منهم يسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، ويعلم ما توسوس به نفوسهم، حيث قال النبي ({ما شاءَ اللهُ كانَ ،وما لم يشأْ لم يكن} [أخرجه أبو داود] .
إذا كنت مع الجبار فأنت مع الذي إرادته نافذة ، أنت مع الغالب على أمره .
قال تعالي{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ (21)} [يوسف] .
وقال تعالي  {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)}[هود] .
3 ـ جبر الرحمة:ـ   الجبار: صيغة مبالغة مِن جابر ، جابر جبّار، والجبر من جبر يجبر ، والجبر إصلاح الشيء بالقهر .
فإنه سبحانه وتعالي يجبر الضعيف بالغنى والقوة، ويجبر الكسير بالسلامة، ويجبر المنكسرة قلوبهم بإزالة كسرها، وإحلال الفرج والطمأنينة فيها، وما يحصل لهم من الثواب والعاقبة الحميدة إذا صبروا على ذلك من أجله.
الجبار: هو الذي يجبرك عندما تلجأ إليه بكسرِك فهو الذي يُجبِر المنكسرين.
وهذا الاسم بمعناه الرائع يُطمئنُ القلبَ ويريحُ النفس فهو سُبْحَانَهُ "الذِي يَجْبُرُ الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِحَّةِ، والخَيبَةَ والفَشَلَ بالتَّوْفِيقِ والأَمَلِ، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنَانِ، فَهُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ بِكَثْرَةِ جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ". (تفسير أسماء الله للزجاج)
وأصل كلمة "الجبار" هو كلمة "جبيرة" وهي التي يستخدمها من كُسِرَت يداه لتصليح الكسر.
هناك نوعان من الكسر: كسر للأبدان وكسر للقلوب.
وإذا كان الأطباء يُجبرون كسر الأبدان فإن الله سبحانه وتعالى يُجبر كسر القلوب.
بل حتى إن كسر الأبدان يُجبره "الجبار"! إذا كسِرت يداك، فما على الطبيب إلا إنه يعيد العظم المكسور إلى مكانه ثم يضع الجبيرة ولكن يلتئم العظم "بالجبار" حيث يأمر الخلايا العظمية بالنشاط بعد أن كانت قد سكنت حتى يلتئم الكسر ثم يأمرها الله بالسكون مجدداً.
هذا مثل "الجبار" في الأبدان، فما بالك "بالجبار" في القلوب؟
وقال ابن القيم في النونية في معنى الجبار:
وكذلك الجبار من أوصافه       والجبر في أوصافه قسمان
جبر الضعيف وكل قلب قد غدا    ذا كسرة فالجبر منه دان
والثانِ جبر القهر بالعز الذي     لا ينبغي لسواه من إنسان
وله مسمى ثالث وهو العلو       فليس يدنو منه من إنسان
والمعني الذي نعيش معه ، وهو المعني الثاني وهو جبر الرحمة .
"الجبار" هو الذي يجبر المنكسرين.
"جابر" أم "جبار"؟
والفرق بينهما هو أن "الجابر" قد يُجبرك مرة أو مرتان ولكن "الجبار" يُجبرك كلما لجأت إليه. وقد يسمى شخص بـ "جابر" ولكن لا أحد يسمى بـ "الجبار" إلا الله سبحانه وتعالى.
الفرق بين "الجبار" و"المنتقم":
"المنتقم" علاقة بالظالمين فقط ولكن "الجبار" الأصل فيها للمظلومين.
لكي يجبرك، يأخذ الحق ممن ظلمك:
يقصم الله من ظلمك، ليُجبرك ، فهو جبار للمظلومين، جبار على الظالمين. إذا كنت منكسراً، ومن كسرك لم يتب ومُصِراً على ما فعله بك، فسيجبرك الله ويأخذ لك الحق ممن كسرك.
نلاحظ أن كلمة "جبار" في حياة الناس هي كلمة مذمومة، ويتجلى ذلك في العديد من الآيات القرآنية ، ومنها قوله تعالى: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ(59)}[هود].
وقوله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ(15)}[ابراهيم]. 
فنفى الجبر هنا هو نفي للطغيان وللقهر والتحكم في مخلوقات الله عز وجل لمنافع وأهواء شخصية.
لكن "الجبار" سبحانه وتعالى هي كلمة كلها خير ومصلحة لأنه يرد للظالمين حقوقهم، فهو جبار للمنكسرين، جبار على الكاسرين.
لابد أن يقصم الله من ظلمك، وكأن اسم الله "الجبار" له شقان: شق إذا كان ظالم وشق إذا كان مظلوم.
العنصر الثاني : منزلة جبر الخواطر في الإسلام:ـ
من أعظم العبادات ..
عندما يطرق آذننا مصطلح "عبادة" فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا الصلاة والصيام وبر الوالدين وصلة الأرحام وغيرها من العبادات التي تتبادر إلى الذهن عادة، ورغم عظم شأن هذه العبادات وكبير فضلها إلى أن هناك عبادات أصبحت خفية ربما لزهد الناس بها وغفلتهم عنها وأجر هذه العبادات في وقتها المناسب يفوق كثيراً من أجور العبادات والطاعات، ومن هذه العبادات عبادة "جبر الخواطر".
تطييب النفوس المنكسرة وجبر الخواطر من أعظم أسباب الألفة والمحبة بين المؤمنين، وهو أدب إسلامي رفيع، وخلق عظيم لا يتخلق به إلا أصحاب النفوس النبيلة، فما أجمل هذه العبادة وما أعظم أثرها، يقول الإمام سفيان الثوري :"ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم".
ومما يعطي هذا المصطلح جمالاً أن الجبر كلمة مأخوذة من أسماء الله الحسني وهو "الجبار".
لذا أوصى الله تعالى رسوله () بعدمِ كسرِ الخواطرِ، فقالَ تعالي :{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ(9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ(10)}[الضحى].
من أجمل صور تطييب الخاطر وأرقى صور التعامل ما قاله ابن قدامه رحمه الله: "وكان من توجيهات ربنا سبحانه وتعالى لنبيه ()، فكما كنت يتيماً يا محمد () ،فآواك الله، فلا تقهر اليتيم، ولا تذله، بل: طيب خاطره، وأحسن إليه، وتلطف به، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك، فنهى الله عن نهر السائل وتقريعه، بل: أمر بالتلطف معه، وتطييب خاطره، حتى لا يذوق ذل النهر مع ذل السؤال". (تفسير ابن كثير).
وها هو عزَّ وجلَّ يجبرُ خاطرَ الرَّحمِ لمَّا عاذتْ به من القَطيعةِ، قَالَ ("إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ".
وقد وضع الله تعالي عقاب من يهملها بعد التكذيب بيوم الدين  فقال تعالي {رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ(5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)}[الماعون].
العنصر الثالث : جبر الخواطر في القرآن الكريم :ـ
لو تأملنا القرآن الكريم لوجدنا أن الله تعالي يؤسس لجبر الخواطر ، ففي قصة سيدنا يوسف عليه السلام قال تعالي :{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ(15)}[يوسف].
فكان هذا الوحي من الله سبحانه وتعالى لتثبيت قلب يوسف عليه السلام- ولجبر خاطره؛ لأنه ظلم وأوذي من أخوته والمظلوم يحتاج إلى جبر خاطر، لذلك شرع لنا جبر الخواطر المنكسرة.
ومثله قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ(85)}[القصص].
فرسول الله () الذي أحب مكة التي ولد فيها ونشأ أُخرج منها ظلما، فاحتاج في هذا الموقف الصعب وهذا الفراق الأليم إلى شيء من المواساة والصبر، فأنزل الله تعالى له قرآن مؤكد بقسم؛ أن الذي فرض عليك القرآن وأرسلك رسولا وأمرك بتبليغ شرعه سيردك إلى موطنك مكة عزيزا منتصرا وهذا ما حصل.
ومثله قوله تعالى :{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ (5)}[الضحى].
وانظر لروعة العطاء المستمر في هذه الآية حتى يصل بالمسلم لحالة الرضا، فهذه الآية رسالة إلى كل مهموم ومغموم، وتسلية لصاحب الحاجة، وفرج لكل من وقع ببلاء وفتنة؛ أن الله يجبر كل قلب  لجأ إليه بصدق.
وقد ورد في صحيح مسلم أنَّ النبيَّ () تلا قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ في إبراهيمَ : {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(36)}[إبراهيم].
وقال عيسى عليه السلام : {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم (118)}[المائدة].
(فرفعَ يديهِ وقال اللهمَّ ! أُمَّتي أُمَّتي وبكى . فقال اللهُ عزَّ وجلَّ : يا جبريلُ ! اذهب إلى محمدٍ، وربُّكَ أعلمُ ، فسَلهُ ما يُبكيكَ ؟ فأتاهُ جبريلُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فسَألهُ. فأخبرهُ رسولُ اللهِ () بما قالَ . وهو أعلمُ . فقال اللهُ : يا جبريلُ ! اذهبْ إلى محمدٍ فقلْ : إنَّا سنُرضيكَ في أُمَّتكَ ولا نَسُوءُكَ .
وقد شرع الله عز وجل نصيبا في التركة لليتامي والمساكين وذوي القربي جبرا لخاطرهم ، وتطيبا لنفوسهم ، حتى لا يبقى في نفوسهم شيء، قال تعالى: { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا(8)}[النساء].
وكذلك يطيب خاطر المطلقة بالتمتيع، وهو حق على المحسنين، متاعاً بالمعروف، فإذا لم يفرض لها مهر كان المتاع والتمتيع واجباً على المطلق، وإذا كان لها مهر أخذته، فإن تمتيعها بشيء تأخذه معها وهي ترتحل من مال غير المهر، أو ثياب، أو حلي، ونحو ذلك؛ جبراً لخاطرها، وتطييباً للقلب المنكسر بالطلاق، قال تعالي {مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ (236)}[البقرة].
وقال تعالي {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)}[الأحزاب].
وذلك لأن القلب قد حصل فيه انشعاب، والنفس قد كُسرت وكسرها طلاقها، فجبر الكسر بالمتاع من محاسن دين الإسلام .
كما أُقر القرآن الكريم الدية في قتل الخطأ؛ لجبر نفوس أهل المجني عليه، وتطييباً لخواطرهم.
وقد عاتب الله نبيه محمد() لأنه أعرض عن ابن أم مكتوم وكان أعمى عندما جاءه سائلا مستفسرا قائلا: علمني مما علمك الله، وكان النبي () منشغلاً بدعوة بعض صناديد قريش، فأعرض عنه، فأنزل الله تعالي :{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَىٰ (4)}[عبس].
قال القرطبي في التفسير: "فعاتبه الله على ذلك؛ لكي لا تنكسر قلوب أهل الإيمان".

أم سيدنا موسى  عليه السلام . فقد كان فرعون يقتل الذكور من المواليد، وقد وضعت أم موسى سيدنا موسى وأوحى الله لها: "...أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ..."
وبعدها قال الله تعالى: "...وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ(7)" [القصص ].
ثم يقول الله تعالى، {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ...(13)}[القصص].
يا مكسورين ، يا ضعفاء، يا يتامى، يا أُمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، "إذا كنا مكسورين، فليس لنا إلا "الجبار". {...وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ(3)}[القصص].

"لن يُرجعك الجبار أبداً"..
أكثر الناس جبراً لخواطرهم من الله:
هم الوالدين، فإياك أن تكسِر بخاطر أبيك أو أمك أو تدمع أعينهم أو تحمر وجوههم أو تنكسِر قلوبهم!
ولذلك وردت كلمة "جبار" مرتين في القرآن على الوالدين على الحذر من أن تكون جباراً عليهم؛ مرة على لسان سيدنا يحيى في قوله تعالي :{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا) (12)}[مريم].
ومرة على لسان سيدنا عيسى في قوله تعالي :{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ
 يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا(30)}[مريم].
العنصر الرابع : جبر الخواطر في السنة النبوية :ـ
لجوء النبي (صلى الله عليه وسلم) للجبار:
في رحلة الطائف التي قام بها النبي () حيث واجهه أهلها بالحجارة ، وقد كان يبلغ من العمر خمسون عاماً، وكان يبحث عن مكان يأوي إليه مع زيد بن حارثة، فدعى النبي () شاكياً إلى الله دون أن يطلب منه شيئاً قائلاً، "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت رب
العالمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي. إلى من تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهمني؟
أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي".
ثم يأتي غلام يسمى عدَّاس يقدم قطف عنب للنبي () ويجري حوار معه يعرف منه أنه رسول الله، فينزل عدَّاس مُقبِلاً قدما النبي () لابد أن يجبُرك!
قد يجبُرك الله تدريجياً لحكمةٍ يعلمها، ولكن لابد وأن يُجبر خاطرك ولو بإشارة.
ثم يأتي الجبر الكامل وهي رحلة الإسراء والمعراج.
لذلك كان رسول الله () لم  يرد سائلا قط بل كان يرشد الصحابة للحل ويدلهم على الطريق ويطيب خاطرهم فقد دخل () ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال :”يا أبا أمامة، مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني، وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله -عز وجل- همك، وقضى عنك دينك، قلت: بلى يا رسول الله؟ قال:قل إذا أصبحت، وإذا أمسيت: {اللهم إني أعوذ بك من الهم، والحزن، وأعوذ بك من العجز، والكسل، وأعوذ بك من الجبن، والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين، وقهر الرجال، قال أبو أمامة: ففعلت ذلك، فأذهب الله -عز وجل- همي وقضى عني ديني}. [رواه أبو داود]
وعندما جاء فقراء المهاجرين مكسوري الخاطر وقالوا : يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: “أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟
إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: {أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ}[رواه مسلم].
وحتى الأطفال كان لهم من جبر الخاطر مع رسول الله () نصيب فعن أنس رضي الله عنه قال: {كان رسول الله () أحسن الناس خلقاً ، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير أحسبه قال: كان فطيما ، قال: فكان إذا جاء رسول الله () فرآه قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير طائر صغير كالعصفور؟ قال: فكان يلعب به }[رواه مسلم] .
ويُجبر بخاطر من يُجبر بخاطر اليتامى ويقول النبي (): {أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة}.
يجبر بخاطر العبيد ويجعل كل شخص يخطىء يُحَرِر عبد حتى يتحرر العبيد، يُجبر بخاطر الخدم فيقول النبي ():{أطعموهم مما تطعمون ولا تكلفوهم ما لا يطيقون}.
قال أحمد بن عبد الحميد الحارثي: "ما رأيت أحسن خلقاً من الحسين اللؤلؤي، كان يكسو ممالكيه كما يكسو نفسه".
ويجبر بخاطر المرآة: فيقول ({رفقاً بالقوارير} ويجعل الشرع الحنيف لهن نصيب في الميراث لم يكن لهن إياه قبل الإسلام.
بل إنه عليه الصلاة والسلام جبر بخواطرنا نحن الذين نحبه ونشتاق إليه ونتمنى لو كنا إلى جانبه نذود عنه وننافح عن دعوته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ () أَتَى الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ:{السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ووَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا ” قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ” بَلْ أَنْتُمْ أَصْحابِي، وَإِخْوَانُنَا لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ “، فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ” أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ ” فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ” فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ }.[رواه مسلم].
ومَن تأمل وتدبر بعض مواقف رسول الله () في حياته، يرى أن مراعاة الخواطر كان مِن أولوياته () مع الصحابة، فإذا تأملنا حال أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها، نرى أنها أسلمتْ قديمًا، وكانت متزوجة مِن ابن عمها: السكران بن عمرو، وأسلم هو أيضًا، ثم هاجرا إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، فلما قدما مكة مات زوجها، وقيل: مات بالحبشة، وهنا تزوجها () وتعدُّ السيدة سودة أوَّل امرأة تزوجها الرسول  () بعد خديجة، وكانت قد بلغت مِن العمر حينئذٍ الخامسة والخمسين، بينما كان رسول الله () في الخمسين مِن عمره، ولما سمع الناس في مكة بأمر هذا الزواج عجبوا؛ لأن السيدة سودة لم تكن بذات جمالٍ ولا حسبٍ، ولا مطمع فيها للرجال، وقد أيقنوا أنه إنما تزوجها رفقًا بحالها، وشفقة عليها، وحفظًا لإسلامها، وجبرًا لخاطرها بعد وفاة زوجها.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يُقال لَهُ: زَاهِرُ بْنُ حَرَامٍ كَانَ يُهدِي إِلَى النَّبِيِّ () الْهَدِيَّةَ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللَّهِ () إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ():(إِنَّ زاهِرًا بَادِيَنا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ) قَالَ: فَأَتَاهُ النَّبِيُّ () وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ -وَالرَّجُلُ لَا يُبصره-؛ فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَن هَذَا؟! فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ () جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ () (مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ؟)، فَقَالَ زَاهِرٌ: تجدُني يَا رَسُولَ اللَّهِ كاسِدًا، قَالَ: (لَكِنَّكَ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ)، وفي لفظ: (بَلْ أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ) (رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني).
فتأمل كيف تعامل رسول الله مع زاهر، وكان رجلًا دميمًا؟!
لذا قال: "تجدُني يَا رَسُولَ اللَّهِ كاسِدًا"، ولكن جبر رسول الله ()خاطره، وأخبره أنه عند الله له قدر ومنزلة.
وعن جابر رضي الله عنه- قال: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ () فَقَالَ لِي:{يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتُشْهِدَ أَبِي، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا، قَالَ: (أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ} قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا، فَقَالَ يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ، قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً، قَالَ الرَّبُّ -عَزَّ وَجَلَّ-: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ)، قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا(169)}[آل عمران]. [رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني].
فانظر كيف جبر الرسول خاطره، وأزاح عنه الهم بهذه الكلمات؟!
وأيضا موقف آخر مع سيدنا جابر رضي الله عنه ، أنه كان ليهودي دَيْن عند جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، فجاءه يطلب وفاء الدَّيْن ، فقال له جابر : انظر إلى الشّجر ما فيه إلّا الحشف
(الثمر الرّديء) ، فقال اليهودي : والله لأشكيك إلى رسول الله () ، فجاء إلى الرسول ()  وشكا له ذلك ، فقال له الرسول (): ارجع إلى بيتك وسترى خيراً إن شاء الله ، ثم ذهب الرسول () إلى حائط جابر ودار حوله وسأل جابر قائلاً: أين عريشك يا جابر ؟ ( أي الخُصّ الذي يجلس فيه ) ، فقال جابر : هذا هو يا رسول الله، فدخل الرسول إليه وصلّى فيه ثم سلّم وقام ، ثم قال : يا جابر ، قال : لبّيك يا رسول الله ، قال : جُزَّ واجمع ( أي اجمع التّمر ) .
فقال جابر : فجمعتُ رُطَباً وتمراً ما جمعته من قبل ، ووفّيتُ دَيْني لليهوديّ ، وحملتُ إلى بيتي منه ما لا يعلمه إلّا الله ، فقال رسول الله (): ( أشهدُ أنّي رسولُ الله ) .
وعندما جاء عكرمة بن أبي جهل مسلما وجاء إلى النبي ()، نبه النبي عليه الصلاة والسلام الصحابة الكرام رضي الله عنهم ألا يسبوا أباه أمامه، وأن لا يعيروه بأبيه ، وذلك جبرا لخاطره.
وكان () يجبر خاطر كل من تكلم معه ، فكان إذا تكلم معه إنسان نظر في عينيه، هذا من جبر الخواطر، وكان إذا صافحه أحد لا يفلت يده حتى يفلت الطرف الآخر، وهذا جبر للخواطر، وكان إذا ناداه أحد لا يلتفت إليه بجنبه بل يلتفت إليه بكله () جبرا لخاطره.
واستُحبت النبي () تعزية أهل الميت وذلك لتسليتهم ومواساتهم، وتطييب خاطرهم، عند فقد ميّتهم.
فالناس بحاجة إليها عند فقد الأحبة، والنبي () كان حريصا علي ذلك  .
العنصر الخامس : جبر الخواطر في حياة السلف الصالح :ـ
هذه عائشةُ رضيَ اللهُ عنها كلما حدَّثتْ بحديثِ الإفكِ، تذكرُ موقفَ امرأةً من الأنصارِ، قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، حَتَّى إِنِّي لَأَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، فَبَيْنَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي؛ فهل رأيتُم كيفَ أنَّ المشاركةَ في البُكاءِ، أصبحَ مثالاً من أمثلةِ الوفاءِ؛ فها هي الدَّمعاتُ كانَ لها أعظمُ الأثرِ والمواساةِ.
نحتاجُ أن نقولَ للمكلومِ: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعونَ، إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى؛ فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ.
 ولَمَّا صُلِبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، دَخَلَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا الْمَسْجِدَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ -وهي أمُّ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ، فَمَالَ إِلَيْهَا فَعَزَّاهَا، وَقَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الْجُثَثَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا الْأَرْوَاحُ عِنْدَ اللهِ تعالى؛ فَاتَّقِي اللهَ، وَعَلَيْكِ بِالصَّبْرِ".
أراد حسان بن سعيد المخزومي أن يبني جامعاً، فأتته امرأة بثوب لتبيعه، وتنفق ثمنه في بناء ذلك الجامع، وكان الثوب لا يساوي أكثر من نصف دينار، فطيب خاطرها، واشتراه منها بألف دينار، وخبأ الثوب كفناً له.
وجبر الخواطر ليس في المصائب فقط ولكن  في السُّرورِ والأفراحِ قد يكونُ جبرُ الخواطرِ للمحبةِ مفتاحٌ؛ فها هو كعبُ بنُ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه لمَّا تاب اللهُ تعالى عليه وعلى صاحبيه الذينَ تخلَّفوا عن غزوةِ تبوكَ، يقولُ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ () جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ رضيَ اللهُ عنه يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ .. وكيفَ ينسى كعبُ هذه اللحظاتِ، وقد شاركَهُ طلحةُ الفرحةَ والتبريكاتِ ..
العنصر السادس : جبر الخواطر في الواقع  المعاصر:ـ
سأل أحد الأطباء المشهورين أحد الدعاة ما أفضل عبادة تقربني من ربنا سُبحانه وتعالي، خصوصًا في أواخر عُمري؟
 قال له: خَمن أنت يا دكتور ايه أفضل عبادة ؟!
فقال: الصلاة؟
قال: لا؛ فقال: الصيام؟
قال: لا؛ فقال: العُمرة؟
قال: لا؛ ثم تابع الداعية قائلاً: أفضل عبادة هي جبر الخاطر
فسأله الدكتور: إزاي ده يامولانا؟
فرد عليه الداعية  قائلاً : من ألعن من الذي يكذب بالدين ؟
يعني من ألعن من شخص بيقول مفيش ربنا و لا في رسول و العياذ بالله ؟
فرد الدكتور: فعلا يامولانا مافيش اصعب من كدا !!
رد الشيخ  قائلاً : ربنا بيقول : أرأيت الذي يُكذب بالدين؟!
شايف اللي بيكذب بالدين بيعمل ايه؟
{فذلك الذي يدُع اليتيم} يعني بيكسر خاطر اليتيم؛ {و لا يحُض على طعام المسكين} ” يعني بيطرد المساكين و يمنع عنهم الطعام ولا يجبر خاطرهم !!!
ثالث حاجه ايه ؟
قال: {فويل للمصلين} إذا ثالث حاجة قالها الصلاة !!
يعني أول حاجتين ربنا ذكرهم هما: جبر الخاطر ، والثالثة الصلاة،
جبر الخاطر والتالتة الصلاة ! ..
قال الدكتور أخذت النصيحة من الشيخ في بالي و توكلت على الله وذهبت إلي المنزل  ...
ثاني يوم كان أجازتي ، وفي هذا اليوم أنا متعود أنزل يوم اجازتي اشتري بعض متطلبات البيت
وبيته في ٦ أكتوبر وهو كان بيشتري الحاجات من وسط البلد....
وهو ذاهب إلي البيت افتكر مكالمة تليفون كانت  من جاره بيقوله: "جبر خاطر يا دكتور ابقى عدي علي حماتي راقده عندك في المستشفي مريضة .. اطمن عليها وطمنا"
قال افتكرت نصيحة الشيخ "اجبر خاطرًا " !
وجاري قالي جبر خاطر....
فحسيت انها رسالة من ربنا لي!
بالفعل قررت أذهب إلي المستشفي قبل المنزل علشان أجبر خاطر جاري وذهبت إلي حماته في المستشفي...
فجأة جالي وجع شديد في صدري و أنا في المُستشفى وأخذت الدواء  بعدها بدقيقتن لأني عرفت إن جالي جلطة في شُريان القلب، فناديت علي الدكتور قلت له أعطني دوا كذا .. وفورًا أعطاني الدواء ..
الجلطة دي لو كانت جاتلي و أنا بعيد عن المُستشفي أو ذهبت إلي البيت ولم أهتم بوصية جاري  كنت موت فورًا لأن أقوى إنسان في الدُنيا لو جاتله جلطة في الشريان التاجي سيموت بعدها ب ٥ دقايق إذا لم يأخذ الدُعامة!
فسُبحان الله وكأن ربنا بيقولي جبرت بخاطر جارك وخدت بالنصيحة .. جبرت انا بخاطرك وانقذت حياتك ! :))
- العبادات عامله زي الابواب " الصلاه باب .. الصيام باب .. جبر الخواطر باب ..
خلي باب مفتوح بينك وبين ربنا .. أنت لا تعرف ستدخل الجنة من أي باب ..
فلا تقفل كُل الأبواب...
فجَبْرُ الخواطر من أفضل العبادات إلى الله وإياكم وكسر الخواطر فهي ليست عظاماً تجبر، بل هي أرواحاً تُقهر،
" من سار بين الناس جابرا للخواطر أدركه الله فى جوف المخاطر! "
العنصر السابع : الآثار الإيمانية للمعايشة مع اسم الله الجبار:ـ
1- إدراك عظمة الخالق وجبروته :
 فكلما كان العبد أعلم بالله تعالى وصفاته وأسمائه كان أعظم افتقاراً إليه وتذللاً بين يديه.
فاسم الله الجبار من أسماء التعظيم .
ورد في الحديث القدسي {الكبْرِياءُ ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدا منهما قذَفْتُهُ في النار } [مسلم] .
2- إدراك ضعف المخلوق وعجزه :
فمن عرف قدر نفسه ، وأنَّه مهما بلغ في الجاه والسلطان والمال ؛ فهو عاجز ضعيف لا يملك لنفسه صرفاً ولا عدلاً ؛ تصاغرت نفسه ، وذهب كبرياؤه ، وذلَّت جوارحه ، وعظم افتقاره لمولاه ، والتجاؤه إليه ، وتضرعه بين يديه.
3ـ الإنكسار والذل لله تعالي:ـ
إذا ما استحضر العبد معني اسم الله الجبار؛ انكسر لله بأنواع الانكسار كلها، وشهد حاجته وفاقته الشديدة إلى ربوبية الله عز وجل وألوهيته، فالعبد فقير إلى ربه في الهواء الذي يتنفسه، وفي شرابه الذي يشربه، وفي طعامه الذي يأكله، بل في كل نفس من أنفاس حياته، والله وحده هو الذي يجبر هذه الحاجة وهذا الضعف والعجز بفضله ومنِّه سبحانه وتعالى.
وهو يحتاج إلى الله عز وجل خالقًا رازقًا، فيحتاج أن يحب الله، ففي القلب حاجة وفاقة لا يسدها إلا التعبد والتأله لله عز وجل وحده لا شريك له.
فإذا ما استحضر العبد ذلك واستحضر أنه فقير إلى الهداية والتوفيق والإعانة على العبادة من الله؛ انكسر ولم يتعزز بطاعة أو بمنزلة أو حال، ولم ير لنفسه فضلاً على غيره، فضلاً عن أن يرى لنفسه فضلاً على الله عز وجل تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، ففي فاقته إلى الربوبية والألوهية،
إلى الرب والإله، إلى الرزق والعبادة انكساره وتذللـه لله، فيجبر الله كسره.
وقد حكي عن بعض العارفين: "دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام، فلم أتمكن من الدخول، حتى جئت باب الذل، والافتقار، فإذا هو أقرب باب إليه، وأوسعه، ولا مزاحم فيه، ولا معوق، فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته: فإذا هو -سبحانه- قد أخد بيدي، وأدخلني".
وقد ورد في الحديث القدسي الجليل ...
"يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم  وآخرَكم وإنْسَكم وجِنَّكم  كانوا على أتْقَى قلب رجل واحدِ منكم  ما زاد ذلك في مُلْكي شيئاً ، يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أفجرِ قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً ، يا عبادي لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم  وإنسَكم وجِنَّكم  قاموا في صعيد واحد ، فسألوني فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَهُ  ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ ، يا عبادي إنما هي أعمالُكم أُحصيها لكم  ثم أُوفّيكم إيَّاها  فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله  ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ " [مسلم] .
4ـ الإنكسار عند ارتكاب الذنب :ـ
وإذا ما استحضر العبد المؤمن أنه يخطئ بالليل والنهار كما جاء في الحديث القدسي: {يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ}[رواه مسلم]، ورأى معاصيه ورأى نعم الله عليه؛ فذلك يكسره انكسارًا ناشئًا عن شهود كثرة الذنوب والمعاصي، واستحضار نعم الله المنهمرة المتتابعة.
ذكر الامام ابن القيم رحمه الله تعالي ...
عندما عصى سيدنا آدم ربنا سبحانه وتعالى ناداه الله ،أصبح يجري في الجنة لا يعرف أين يذهب، فقال له تبارك وتعالى: أفرارآ مني يا آدم!!، قال: لا يارب ... ولكن حياء منك ) .
فناداه ربنا سبحانه وتعالى بلسان الحال: يا آدم ، لا تجزع : أي لا تحزن من قولي لك أخرج منها فلك خلقتها..
ولكن إنزل إلى الأرض، "وذل نفسك من أجلي ، وانكسـر في حبي" حتى إذا زاد شوقك إلي وإليها تعال لأدخلك إياها مرة ثانية
يا آدم ، كنت تتمنى أن أعصمك - أي من الموت ، فقال : نعم يارب، فقال تبارك وتعالى:
يا آدم إذا عصمتك وعصمت بنيك فعلـى من أجـود برحمتـي، وعلى من أتفضل بكرمي، وعلى من أتودد، وعلى من أغفر.........يا الله!!
يا آدم، ذنب تزل به إلينا، أحب إلينا من طاعة تراء بها علينا..
يا آدم، أنين المذنبين أحب إلينا من تسبيح المرائي ..
انكسار ناشئ عن الحاجة والفقر:
يجبر الله عز وجل انكسار العبد إذا ما قال العبد: "رب اغفر لي وتب علي" فيقيل الله عثرته، ويقبل اعتذاره وتوبته.
وبهذا يتحقق كمال العبودية، ومَن لا يرى فاقته وحاجته، ولا يشعر بالذل والانكسار لله سبحانه وتعالى، ولا يرى ذنوبه، أو لا يستشعر حبه لربه؛ فهو في خطر عظيم، فإن لم يكن هلك؛ فهو على شفا الهلكة.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله فوائد غزوة "أحد". "[زاد المعاد]
ففي غزوة أحد تعزز المسلمون بما وقع يوم بدر، وظنوا أنهم منصورون في كل معركة، فكسرهم الله عز وجل بالهزيمة؛ ليتوبوا إليه خضوعًا وذلاًّ، فيجبرهم الله عز وجل، فكذلك المصائب تكسر الإنسان، فإذا استشعر العبد أنها مِن عند الله -عز وجل- فصبر واحتسب؛ جبر الله مصيبته، وأصلح عيبه، وأعطاه خيرًا مما فقد منه".
وكذلك ما حدث في غزوة "حنين"، فإن نفوسًا ضعيفة تعاظمت بالفتح وشعرت بالقوة، وخرج مَن يقول: "لن نغلب اليوم من قلة"! فقال الله عز وجل:{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25)} [التوبة]
فحصل الانكسار في أول المعركة، وفي آخرها جبر الله المؤمنين، وهذا فضله ورحمته بعباده عز وجل ؛ إذ يبتليهم بالمصائب فيكسرهم، ثم يجبر كل كسير.
5ـ استشعار لذة الانكسار بين يدي الله تعالي :
ومن الأمور التي تجدد الإيمان استشعار لذة المناجاة والانكسار بين يدي الله عز وجل، فلماذا يقول الرسول () أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ؟
لأن حال السجود فيه ذلة ليست في بقية الأحوال، وفيه انكسار وخضوع ليست في بقية الأحوال، ولذلك أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد، لما ألصق جبهته بالأرض، وهي أعلى شيء فيه لمن
وضعها؟ لله، صار أقرب شيء لله.
قال ابن القيم رحمه الله : "فإن تمام العبودية هو: بتكميل مقام الذل والانقياد، وأكمل الخلق عبودية: أكملهم ذلاً لله، وانقيادًا، وطاعة، والعبد ذليل لمولاه الحق بكل وجه من وجوه الذل، فهو ذليل لعزه، وذليل لقهره، وذليل لربوبيته فيه وتصرفه، وذليل لإحسانه إليه، وإنعامه عليه؛ فإن من أحسن إليك: فقد استعبدك، وصار قلبك معبدًا له، وذليلاً، تعبد له لحاجته إليه على مدى الأنفاس، في جلب كل ما ينفعه، ودفع كل ما يضره".
6ـ الدعاء باسم الله تعالى الجبار:
من دعاء الطلب والمسألة بهذا الاسم، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي كان يقول: «اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني» (الترمذي)، يقولها بين السجدتين، فالجبر هو جبر للكسر ونحو ذلك، من جبر الله مصيبته أي رد عليه ما ذهب منه.
وعن عوف بن مالك أن النبي يقول في ركوعه: «سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة» (سنن أبي داود)، والمقام واضح لماذا يستخدم هذا في هذا المقام لا شك هذا مقام الذل والافتقار لله سبحانه وتعالى.
وقال ابن القيم:" فللـه ما أحلى قوله هذه الحال أي حال الانكسار بين يدي الله والخضوع له سبحانه:
- أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني، أسألك بقوتك وضعفي، وبغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس لي سيدٌ سواك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضريع، سؤال من خضعت لك رقبته، ورغم لك أنفه، وفاضت لك عيناه، وذل لك قلبه .
الخاتمة ...
أيها المؤمنون ...
هيا بنا نتعبد إلى الله بهذه العبادة، فاجبروا الخواطرَ، وشاركوا المشاعرَ، واعلموا أنَّها عبادةً لا ينساها اللهُ القويُّ القاهرُ.
وتطييب الخاطر بكلمة: ذكر، دعاء، موعظة، مال، مساعدة، جاه، قضاء حاجة، الكلمة الطيبة صدقة.
وقبول الاعتذار من تطييب الخواطر، إهداء الهدية من تطييب .
يقول أحدهم: "يا رب، عَجِبت لمن يعرفك، كيف يخاف من عبادك وأنت الجبار؟!
 ويا رب، عَجِبت لمن يعرفك، كيف يُخيف عبادك وأنت الجبار؟!
" لو كُسِرت، اسجد بين يديه وقل له: "يا جبار، أجبر بخاطري".
ولو ظَلِمت، اطلب السماح ممن ظلمته واطلب منه ألا يدعو عليك واجبر بخاطره.
فإذا شعرت بانكسار قلبك وشدة حزنك إسأل الله الجبار أن يجبرك وكلما كان انكسارك لله أعظم كلما كان جبر الله لك أعظم..
 ===================
رابط doc

رابط pdf

ليست هناك تعليقات: