9 يوليو 2024

معية الله لعباده المؤمنين

 


الحمد لله رب العالمين .. وعد عبادة المؤمنين بمعيته فقال تعالى }  إِن تَسۡتَفۡتِحُواْ فَقَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡفَتۡحُۖ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدۡ وَلَن تُغۡنِيَ عَنكُمۡ فِئَتُكُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَوۡ كَثُرَتۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (19)} [الأنفال].
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ..عصم نبيه (ﷺ) من بطش الكفار فقال تعالى } يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ (67)} [المائدة].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ).. علمنا الثقة في معية الله تعالى في كل الأوقات والأحوال فقال لصاحبه وهما في الغار والكفار محيطين بهم من كل جانب }لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا {
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ..
أما بعـد .. فيا أيها المؤمنون ...
من الدروس المستفادة من الهجرة المباركة عناية الله تعالى بأنبيائه وأوليائه حيث انقذ رسوله (ﷺ) من المُشركين بعد أن أحاطوا ببيته ليقتلوه، فخرج النبيّ (ﷺ) وهو يقرأ عليهم }وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9){ ] يس[ ويضع حفنةً من التُراب على رؤوسهم وهم لا يشعُرون.
وفي الغار يقول سيدنا أبو بكر رضي الله عنه: "يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه" وهنا تتفجر أنوار اليقين، ويقول الرسول(ﷺ) (يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟) وفي الغار تتجلى معية الله تعالى إيمانًا ويقينًا.
وحول هذا المعنى الإيماني نعيش مع موضوع  معية الله تعالى لعباده المؤمنين وذلك من حلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ أنواع المعية .
2ـ أسباب معية الله تعالى.
3ـ مظاهر حفظ الله تعالى لعباده المؤمنين .
4ـ الخاتمة.
العنصر الأول : أنواع المعية :
من المعلوم أن لله مع خلقه معية عامة ومعية خاصة ..
أما المعية العامة شاملة لجميع الخلق، المؤمن والكافر:
تتجلى في رؤيته تعالى لعباده حيثما كانوا، قال سبحانه: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا(7)} [المجادلة]..
وكذلك قوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ(108)} [النساء].
وهذه المعية تعني الإحاطة، أي أن الله مع خلقه بعلمه وبإحاطته ومشيئته وبنفوذ أمره في خلقه وبقهره وبقدرته سبحانه فلا يغيب عنه شيء قال تعالى }عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلْأَرْضِ وَلَآ أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ(3) { ] سبأ[
فهذه المعية تقتضي علمَه واطِّلاعه ومراقبته لأعمالهم، فهي مقتضيةٌ لتخويف العباد منه، فعلينا أن نراقبه في السر وعلانية ، ونستعد ليوم الحساب.
وأما المعية الخاصة: وهي معية الله لرسله وأوليائه وأحبابه المؤمنين الحافظين لحدوده  بالنصر والتأييد والمحبة والتوفيق والإلهام، ، فتراها في رد ربنا عز وجل على مخاوف نبيه موسى عليه السلام من بطش فرعون {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى(46)} [طه].
لذا لما فر من فرعون وجنوده {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61)} [الشعراء ] ذلك لأن البحر أمامهم وفرعون وجنوده من خلفهم، فرد عليهم العبد الواثق من معية الله له {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ(62)} [الشعراء]..
ولقد رأينا هذه المعية تسيطر على نبينا (ﷺ) وهو في الغار ليلة الهجرة، فيرد على صاحبه الجليل الذي يخاف على الدعوة وإمامها فيقول: والله يا رسول الله لو نظر
أحدهم موضع قدمه لرآنا.. فيقول (ﷺ): }ما ظنك باثنين الله ثالثهما{
ويخلد الله هذه العبارة في كتابه الكريم فيقول: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا(40)} [التوبة].
} لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا { إنها الرعاية والعناية، إنها أرقى مقامات العبودية لو عملت الأمة بمقتضاه وجعلته عنوانًا، لارتقت ، وتقدمت وسادت ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ هذا هو الشعار الذي يجب على كل واحد منا أن يلتزم به، وأن يعيش بمقتضاه، إن نحن أردنا السكينة في دنيا الضوضاء ، والأمن في عالم القلق.
- لقد نزلت هذه الكلمات في لحظة طُوِّق فيها المعصوم وصاحبه في الغار، وأُغلق الباب، وأحاط الأعداء بهما من كل جانب، فسلُّوا سيوف الموت، يريدون أطهر روح خُلقت، وأزكى نفس وُجدت، فما الحيلة؟..
الحيلة هي رفع الأمر إلى من على العرش استوى؛ ليقضي فيه بما شاء؛ ﴿ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ﴾، فانقلب الحزن سرورًا، والهم فرحًا، والكرب فرجًا، والهزيمة نصرًا } فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) { ] التوبة[
هذا الموقف حمل درسًا لكافة أجيال الأمة مفاده أنه لا تقلق ما دام أن الله معك، لكن يجب عليك قبل ذلك أن تحققَ أسباب المعيَّة.
العنصر الثاني: أسباب معية الله تعالى:
كن مع الله يكن الله معك ، لأننا إذا كنا في حياتنا مع الله ، معظمين لأوامره متبعين لرسوله ؛ كان الله معنا ؛ فلا نحزن ولا نقلق ولا نكتئب ، ولا نضل ولا نضيع، ولا نيئس ولا نقنط.
من أسباب معية الله تعالى :
1ـ حسن الظن بالله تعالى:
 أنَّ الله مع الإنسان المسلم المؤمن إذا حسن ظنه بالله وصلحت سريرته، نجد أن السيدة هاجر عليها السلام استشعرت معية الله عز وجل حين تركها خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام في أحد أودية مكة في قلب الصحراء آنذاك فقالت له عندما هم بالانصراف: « آللَّهُ أَمركَ بِهذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَت: إِذًا لاَ يُضَيِّعُنا».
وأم موسى عليها السلام أيقنت بربها تعالى عندما أمرها بأن تلقي بولدها في اليم فاستجابت لأمره وسلمت به فجعله الله نبيًا رسولًا من الرسل الخمسة أولي العزم، حيث قال تعالى: }وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) { ] القصص[
وجاء في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني».
ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: }والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئا خيرا من حسن الظن بالله تعالى، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنه، ذلك بأن الخير في يده { ]رواه ابن ابي الدنيا[
ما أروع حسن الظن بالله حين يوقن المؤمن أن بعد الكسر جبرا، وأن بعد العسر يسرا، وأن بعد التعب راحة، وبعد الدمع بسمة، وبعد المرض شفاء، وبعد الدنيا جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
قل للذي ملأ التشــاؤم قلــبه .. ومضى يضيق حولنا الآفاقا
سر السعادة حسن ظنك بالذي .. خلق الحياة وقسم الأرزاقا
وقال تعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام: {فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (87)} ] الصافات[
ما ظنك برب رحمته وسعت كل شيء..
ما ظنك برب يتودد إلى خلقه وهو غني عنهم ..
ما ظنك برب رحمته سبقت غضبه ..
ما ظنك برب غفر لرجل قتل مائة فتاب عليه و أدخله الجنة!
ما ظنك برب غفر لامرأة من البغايا ؛ لأنها سقت كلبا...
ما ظنك برب يجزي للرجل نزع عود الشجرة من طريق الناس؟!
ما ظنك برب أدخل امرأة إلى الجنة  بتمرة أطعمتها بنتيها ؟!
ما ظنك برب يجزيك بالحسنة عشرة أمثالها ثم إلى سبعمائة ضعف؟!
ما ظنك برب يفرح بتوبتك ويضحك من أجل طاعتك ، ويجيب دعوتك ويفرج كربتك!
ما ظنك برب يتنزل إلى السماء الدنيا ويناديك ؛ ليغفر لك ويتوب عليك ويحقق أملك وذلك كل ليلة ؟!
ما ظنك برب؟!{ جميل ، لطيف ، حليم ، رحيم ، كريم ، غفور ، شكور ودود  ... سبحانه وتعالى}
2ـ حفظ الله تعالى :
إن المسلم متى ما حفظ أوامر الله بالامتثال، ونواهيه بالانتهاء ،وحدوده بالوقوف عليها، حفظه الله في الدنيا والآخرة ، وحفظه في دينه وأهله وماله .
وأن تحفظ أمر الله وأن تتقه، فلا يراك حيث نهاك، وأن تحفظ حدود الله ومراسمه التي أوجبها عليك، فلا تُضيع منها شيئًا.
ولقد علمنا نبينا (ﷺ) ذلك فاسمع إلى وصيته (ﷺ) لابن عباس فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي (ﷺ) فقال:}يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك. وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف{ ]رواه الترمذي وقال: حسن صحيح[.
وفي رواية غير الترمذي: }احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك{.
هذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة وقواعد كلية من أهم أمور الدين، حتى قال بعض العلماء عنه: تدبرتُ هذا الحديث فأدهشني؛ وكدت أطيش.
وقال بعضهم: إذا أردت أن توصي صاحبك أو أخاك أو أبنك فقل له: احفظ الله يحفظك.
وقال سليمان بن داود عليهما السلام: تعلمنا مما تعلم الناس ومما لم يُتعلم الناس فما وجدنا كحفظ الله في السر والعلن.
وكان الإمام ابن الجوزي يسميه: الحديث المُدهش.
إن العبد الصالح الذي يسعى إلى رضوان الله تعالى يقف عند حدوده حيثما كان، فهو لا يتقدم ولا يتأخر إلا بأمر من رب الأرض والسماء، فالحلال ما أحله الله ورضيه لنا، والحرام ما كرهه الله ويأباه لنا، وهذه هي العبودية الحقيقية التي تحكم سلوك الصالحين.
فمن صفاتهم الطيبة أنهم يقفون عند حدود الله ويحفظون أوامره ونواهيه ويعظمون حقوقه عليهم.
وصفة الحفظ لحدود الله هي أعظم صفات الصادقين في عبادة ربهم، لذا تكرر لفظ الحفظ وما وافق معناه في كتاب الله تعالى كثيرًا، فمن مثل ذلك قول الكريم: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ(238)} [البقرة].
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ(9)} [المؤمنون]. 
وقال تعالي }وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35){ [الأحزاب].
ويأمرنا عز وجل {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ(89)} [المائدة]، ولا ريب أن حفظ اللسان والفرج والبطن والسمع والبصر، كل ذلك من عوامل النجاة {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)} [الإسراء].
وقال (ﷺ) }مَنْ ضَمِنَ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ضَمِنْتُ لَهُ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةَ { ]البخاري[
وبين أن هناك حدود فلا يجوز التعدي ولا القرب فقال تعالي }تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا(229){ [البقرة] وقال تعالي }تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا(187){ [البقرة]
مظاهر حفظ العبد لله تعالي :
من الأشياء التي يجب حفظها؛ بل أعظم ما يجب حفظه:
1 - حفظ الله في أسمائه وصفاته:
فأنت أيها العبد مطالب أن تحفظ الله في كل شيء، فيما توجه إليك من أوامره، وفيما توجه إليك من نواهيه، ومما يجب له عليك أن تحفظه من أن تنسب إليه ما لا يليق بجلاله، فحفظ العبد لربه في ذات الله بأن يصف الله بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله (ﷺ).
كلما عظمت معرفة العبد بربه عز وجل ازداد اليقين بالله والثقة بوعده سبحانه وتعالى.
2ـ حفظ الله في العبادات:
 المحافظة على الصلاة: اعلم أن الأمر بالمحافظة على الصلاة أمر بالمحافظة على جميع شرائطها، أعني طهارة البدن، والثوب، والمكان، والمحافظة على ستر العورة، واستقبال القبلة، والمحافظة على جميع أركان الصلاة، والمحافظة على الاحتراز عن جميع مبطلات الصلاة سواء كان ذلك من أعمال القلوب أو من أعمال اللسان، أو من أعمال الجوارح، وأهم الأمور في الصلاة، رعاية النية فإنها هي المقصود الأصلي من الصلاة.
فإنها الفيصل بين الإسلام والكفر وأداؤها علامة الهداية وتركها علامة الغواية
والضلالة فهي الصلة بين العبد وربه فإذا تركت انقطعت الصلة ولا يبالي الله في أي واد هلك تاركها .
أمرنا الله بحفظها والمحافظة عليها }حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ (238)  { ]البقرة[ .
وقال تعالى }وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمۡ يُحَافِظُونَ (9) { ]المؤمنون[.
وعن ابن عمرو رضي الله عنهما قال رسول الله (ﷺ):}من حافظ عليهن كَن له نورا ونجاة يوم القيامة{ ] أخرجه أحمد وابن حبان والطبراني[.
أخي المسلم ستكون من الحافظين للصلاة بثلاث :
1ـ أن تؤديها في وقتها .2ـ  تكون في جماعة. 3ـ تؤديها بخشوع وسكينة .
قال تعالى: }حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ (238)  { ]البقرة[ .
وَمَدَحَ الْمُحَافِظِينَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: }وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ(34){ [المعارج]
واعلم أن حفظ الصلاة للمصلي على ثلاثة أوجه:ـ
الأول: أن الصلاة تحفظه عن المعاصي، قال تعالى:} إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ(45){ [العنكبوت]
 فمن حفظ الصلاة حفظته الصلاة عن الفحشاء. 
والثاني: أن الصلاة تحفظه من البلايا والمحن، قال تعالى: }يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ (153){ [ البقرة ]
وقال تعالى }وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمۡۖ لَئِنۡ أَقَمۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيۡتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ(12){ [ المائدة ] ومعناه: إني معكم بالنصرة والحفظ إن كنتم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة. 
والثالث: أن الصلاة تحفظ صاحبها وتشفع لمصليها، قال تعالى: } وَأَقِيمُواْ الصلاة وَءَاتُواْ الزكاة وَمَا تُقَدّمُواْ لأَنْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ الله(110){[البقرة]
ولأن الصلاة فيها القراءة، والقرآن يشفع لقارئه، وهو شافع مشفع وفي الخبر:
 " إنه تجىء البقرة وآل عمران كأنهما عمامتان فيشهدان ويشفعان " .
و احفظ الله في طهارتك فإن الوضوء أمانة والغسل أمانة .
قال (ﷺ):}لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن{
فيا عبد الله كن متطهرا طاهرا يحفظك الله من شياطين الأنس والجن .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسولُ اللهِ (ﷺ) لِبلالٍ عندَ صلاةِ الفجرِ:}يا بلالُ حدِّثْني بأرجى عمَلٍ عمِلْتَه عندَكَ في الإسلامِ فإنِّي سمِعْتُ اللَّيلةَ خَشْفةَ نَعليكَ بَيْنَ يدَيَّ في الجنَّةِ ) فقال : ما عمَلٌ عمِلْتُه أرجى عندي أنِّي لَمْ أتطهَّرْ طُهورًا تامًّا في ساعةٍ مِن ليلٍ أو نهارٍ إلَّا صلَّيْتُ لربِّي ما قُدِّر لي أنْ أُصلِّيَ فأقَرَّ به أبو أسامةَ وقال : نَعم{ ] صحيح ابن حبان[
3 - حفظ الله في اللسان:  
فإنه صغير الحجم عظيم الجرم وقد أوكل الله بك من يسجل كل كلمة .
قال تعالى }مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ (18){ ] ق[
 فاللسان من نعم الله العظيمة، ولطائف صنعه الغريبة، فهو صغير الحجم عظيم
الطاعة والجرم، له في الخير مجال رحب، وله في الشر ذيل سحب، ولقد تساهل كثيراً من الناس في حفظ ألسنتهم فأطلقوا لها العنان، وتساهلوا في الاحتراز من آفاته وغوائله، والحذر من مصائده وحباله، فإن لهذا اللسان آفات عظيمة انتشرت بين جميع فئات المجتمع.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي (ﷺ) قال: }إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا{ ] أخرجه الترمذي[
 فيا عبد الله لا تتكلم بالغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء ولا تطعن في مسلم ولا تلعن مؤمن فالمؤمن ليس بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش البذيء .
واحفظ لسانك عن الخوض في أعراض الناس ، فعن حذيفة أن النبي (ﷺ) قال :}إن قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة { . ]رواه الطبراني والبزار ، وفيه ليث بن أبي سليم ، وهو ضعيف ، وقد يحسن حديثه ، وبقية رجاله رجال الصحيح[ .
والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده .  وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم .
فما تلفظ يا عبد الله من قول، ولا تعمل من عمل، إلا كتب لك أو عليك، في كتابٍ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، قال تعالى: }وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49){ [الكهف].
5ـ احفظ الله في الأيمانُ:
احفظ الله في أيمانك فلا تكثر الحلف وعظَم الله : قال الشافعي ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا تعظيما لله عز وجل .
احفظ الله في أيمانك فلا تحلف بغير الله لا تحلف بالأمانة فعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ) }من حلف بالأمانة فليس منا { ] رواه أبو داود[
ولا تحلف بالطلاق فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال (ﷺ) :} من كان حالفا فليحلف بالله أوليصمت{ ] صحيح البخاري[
قال الله تعالى:}وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)[المائدة]
فإنَّ الأيمان يقع الناس فيها كثيراً، ويُهْمِل كثيرٌ منهم ما يجب بها، فلا يحفظه، ولا يلتزمه.
فلا تحلف إلا لأمر ذي بال، وقد استحلفت، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
(ﷺ): }الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ والْبَرَكَةَ{ [ البخاري، مسلم، النسائي، أبو داود، أحمد ] 
6 - حفظُ الله في الرأس والبطن والجوارج :
فعن ابن مسعود رضي الله عنه ،قال رسول الله (ﷺ):} استحيوا من اللهِ تعالى حقَّ الحياءِ ، من اسْتحيا من اللهِ حقَّ الحياءِ فلْيحفظِ الرأسَ وما وعى ، ولْيحفظِ البطنَ وما حوى ، ولْيذكرِ الموتَ والبِلى ، ومن أراد الآخرةَ ترك زينةَ الحياةِ الدنيا ، فمن فعل ذلك فقد استحيا من اللهِ حق الحياءِ{ ] أخرجه الترمذي وأحمد[
وحفظ الرأس وما وعى يدخل فيه حفظُ السَّمع والبصر وجميع الجوارح من المحرمات ، وحفظُ البطن وما حوى يتضمن حفظ القلب عَنِ الإصرار على محرم. قال الله عز وجل }وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ (235){  ]البقرة[
وقد جمع الله ذلك كُلَّه في قوله: }إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36){  ]الإسراء[
فاحفظ الله في بصرك فلا تقلب البصر فيما حرم الله ولا تتبع به عورة مسلم فإنه من تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في عقر داره . احفظ الله في بصرك فلا تنظر إلى امرأة لا تحل لك من أولئك النساء المتبرجات اللائي نزعن من الحياء وكشفن الغطاء وعرين أجسادهن وأصبحن مطمعا لكل فاجر مبتذلات لكل ناظر فهن كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها  .
فيا عبد الله لا تتبع النضرة النظرة فإن الأولى لك والثانية عليك .
قال تعالي :}قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30){ ]النور[ .
واحفظ الله في سمعك فلا تسمع به ما حرم الله ، نزه سمعك عن كل ساقط من القول وقبيح من الحديث فإنه عارية مستردة ونعمة مستوفاه وأنت مسئول عنها يوم القيامة.  واحفظ الله في فرجك فلا تقضي وطرك في فرج لا يحل لك قال تعالي }وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (32){ ]الإسراء[ 
عبد الله كن من الحافظين لفروجهم }وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5){ ]المؤمنون[
واحفظ الله في عقلك ،فلا تغطه بالمسكرات ولا تحجبه بالمخدارت ولا تتلفه بالخمور قال تعالى }إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(90){ ] المائدة[
 وغن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال (ﷺ): }لا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر{ ] صحيح ابن ماجة[
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال (ﷺ)} مَن شَرِبَ الخَمْرَ في الدُّنْيا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْها؛ حُرِمَها في الآخِرَةِ. { ] صحيح البخاري[
وشارب الخمر إن لم يتب يسقى من ردغة الخبال وهي عصارة أهل النار.
ويتضمن أيضاً حفظُ البطنِ من إدخال الحرام إليه من المآكل والمشارب، ولا تغذيه إلا بطريق الحلال والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وأمرنا أن نأكل من الطيبات . احفظ الله في بطنك فلا تأكل مال اليتم ،ولا تأكل أموال الناس بالباطل ،ولا تأخذ مالك عن طريق الرشوة فقد قال النبي (ﷺ): } لعنةُ اللهِ على الرّاشِي والمُرْتَشِي{
 ]أخرجه أبو داود والترمذي[
ومالك ستسأل عنه يوم القيامة من أين اكتسبته وفيما أنفقته .
العنصر الثالث : مظاهر حفظ الله تعالى لعباده المؤمنين:
يقول (ﷺ) } احفظ الله يحفظك{ يحفظك جواب فعل الأمر يعني: أنَّ من حفظَ حدود الله، وراعى حقوقَه، حفظه الله، فإنَّ الجزاء من جنس العمل.
وحفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان:
أحدهما: حفظه له في مصالح دنياه، كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله، قال الله عز وجل }لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ (11){ ]الرعد[
قال ابن عباس: هم الملائكة يحفظونَهُ بأمرِ الله، فإذا جاء القدر خَلُّوْا عنه . والحافظون لحدود الله يتمتعون بثمرة عملهم في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فالمنعم سبحانه وتعالى يحفظ عليهم نعمه من عافية البدن، وبركة في الولد، وسداد في الحواس ، وغير ذلك، فاسمع في سورة النساء إلى حديث القرآن الكريم عن الأيتام وضرورة أن يتكفلهم المجتمع وأن يحافظ عليهم، ثم يذكر كل أب يخاف على أولاده من بعده بأن يتقي الله، ويحفظ حدود الله كي يحفظ الله له أولاده وذريته فقال تعالي {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(9)} [النساء].
ويحدثنا القرآن الكريم في سورة الكهف عن الجدار الذي وقف حارسًا يحمي أموال طفلين صغيرين يتيمين، وينتظر أن يكبرا ويستخرجا كنزهما، حتى الجدار، حتى الجدار لما أوشك على السقوط، جنَّد الله نبيه موسى عليه السلام والعبد الصالح أن يأتيا من أقصى الأرض ليعيدا لهذا الجدار حيويته كي يقوم بدوره الذي كفله الله به، والقرآن يحكي لنا هذا الدور فيقول تعالي: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ(82)} [الكهف] 
روي أنه دخل "مقاتل بن سليمان" رحمه الله ، على "المنصور" رحمه الله ، يوم بُويعَ بالخلافة، فقال له "المنصور" عِظني يا "مقاتل" !  فقال : أعظُك بما رأيت أم بما سمعت؟ قال : بل بما رأيت. قال : يا أمير المؤمنين !
إن عمر بن عبد العزيز أنجب أحد عشر ولدا وترك ثمانية عشر دينارا ، كُفّنَ بخمسة دنانير ، واشتُريَ له قبر بأربعة دنانير وَوزّع الباقي على أبنائه.
وهشام بن عبد الملك أنجب أحد عشر ولدا ، وكان نصيب كلّ ولد من التركة الف الف دينار.(اي مليون) 
 والله. يا أمير المؤمنين : لقد رأيت في يوم واحد أحد أبناء عمر بن عبد العزيز يتصدق بمائة فرس للجهاد في سبيل الله ،وأحد أبناء هشام يتسول في الأسواق.
وقد سأل الناس عمر بن عبدالعزيز وهو على فراش الموت : ماذا تركت لأبنائك يا عمر ؟
قال : تركت لهم تقوى الله ، فإن كانوا صالحين فالله تعالى يتولى الصالحين ، وإن كانوا غير ذلك فلن أترك لهم ما يعينهم على معصية الله تعالى .
 فتأمل... كثير من الناس يسعى ويكد ويتعب ليؤمن مستقبل أولاده ظنا منه أن وجود المال في أيديهم بعد موته أمان لهم، وغفل عن الأمان العظيم الذي ذكره الله في كتابه: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا).
فصلاح الآباء أنزل الرحمات على أولادهم، لذا قال سعيد بن المسيب رحمه الله
لابنه: لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أحفظ فيك.
وقالوا: إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده. 
وقال عمرُ بن عبد العزيز: ما من مؤمن يموتُ إلاَّ حفظه الله في عقبه وعقبِ عقبه. وقال ابن المنكدرِ: إنَّ الله ليحفظُ بالرجل الصالح ولدَه وولدَ ولده والدويرات التي حوله فما يزالونَ في حفظ من الله وستر. وكذلك يحفظ الله له صحته وعافيته :
 كان من دعاء الرسول (ﷺ) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :قال رسول الله (ﷺ) }اللَّهمَّ إنِّي أسألُك العافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ اللَّهمَّ أسألُك العفوَ والعافيةَ في ديني ودنيايَ وأَهلي ومالي اللَّهمَّ استر عورتى وقالَ عثمانُ عوراتى وآمِن رَوعاتي اللَّهمَّ احفظني من بينِ يدىَّ ومن خَلفي وعن يَميني وعَن شِمالي ومن فَوقي وأعوذُ بعظَمتِك أن اغتالَ من تحتي{  ] أخرجه أبو داود ، والنسائي  وابن ماجه ، وأحمد واللفظ له[.
ومَنْ حفظ الله في صباه وقوَّته، حفظه الله في حال كبَره وضعفِ قوّته، ومتَّعه بسمعه وبصره وحولِه وقوَّته وعقله. 
كان بعض العلماء قد جاوز المئة سنة وهو ممتَّعٌ بقوَّتِه وعقله، فوثب يوماً وثبةً شديدةً، فعُوتِبَ في ذلك، فقال: هذه جوارحُ حفظناها عَنِ المعاصي في الصِّغر، فحفظها الله علينا في الكبر.
وعكس هذا أنَّ بعض السَّلف رأى شيخاً يسأل الناسَ، فقال: إنَّ هذا ضيَّع الله في صغره، فضيَّعه الله في كبره.
ومتى كان العبد مشتغلاً بطاعة الله، فإنَّ الله يحفظه في تلك الحال فمن حفظ الله حَفِظَهُ الله من كُلِّ أذى وفاز بمعيته تعالي في كل الأحوال . فقال (ﷺ) (احفظ الله تجده تجاهك)، وفي رواية: ((أمامك))
المعنى: تجده حيث ما توجهت. أي إنَّ مَنْ حَفِظَ حُدودَ الله، وراعى حقوقه، وجد الله معه في كُلِّ أحواله حيث توجَّه يَحُوطُهُ وينصرهُ ويحفَظه ويوفِّقُه ويُسدده قال تعالى }إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ(128){ ]النحل[
قال قتادة: من يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه، فمعه الفئة التي لا تُغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل.
فالعبد الحافظ لحدود الله تعالى يحظى بعون الله ومساعدته ومناصرته له في كل مكان.
النوع الثاني : من الحفظ، وهو أشرف النوعين:
لأنه سبيل الهلاك يوم الفزع الأكبر، لذا تكفل ربنا تبارك وتعالى أن يختم بالباقيات الصالحات أعمال الحافظين لحدوده، فمن مات على التوحيد، وكان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة، قد جاءت أحاديث كثيرة تبشر بذلك، ومن المعلوم من خلال استقراء نصوص الكتاب والسنة أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على
 شيء بُعث عليه..
ومن عاش على التوحيد، لن يعرف عند الاحتضار إلا كلمة التوحيد بإذن الله وهذا تفسير قول الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ(27)} [إبراهيم].
حفظُ الله للعبد في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المُضِلَّة، ومن الشهوات المحرَّمة، ويحفظ عليه دينَه عندَ موته، فيتوفَّاه على الإيمان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ) }إذا أوَى أحَدُكُمْ إلى فِراشِهِ، فَلْيَنْفُضْ فِراشَهُ بداخِلَةِ إزارِهِ؛ فإنَّه لا يَدْرِي ما خَلَفَهُ عليه، ثُمَّ يقولُ: باسْمِكَ رَبِّ، وضَعْتُ جَنْبِي، وبِكَ أرْفَعُهُ، إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْها، وإنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها بما تَحْفَظُ به عِبادَكَ الصَّالِحِينَ{.] صحيح مسلم[
وفي الجملة، فالله عز وجل يحفظُ على المؤمن الحافظ لحدود دينَه، ويحولُ بينَه وبين ما يُفسد عليه دينَه بأنواعٍ مِنَ الحفظ، وقد لا يشعرُ العبدُ ببعضها، وقد يكونُ كارهاً له، كما قال في حقِّ يوسُف-عليه السلام }كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا لْمُخْلَصِينَ(24){   ]يوسف[
وثبت في السنة كذلك عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كان النبي (ﷺ) إذا ودَّعَ رجلًا أخذَ بيدِه ، فلا يَدَعُها حتَّى يكونَ الرَّجلُ هوَ الَّذي يَدَعُ يدَه و يقولُ :}أستَودِعُ اللهَ دِينَكَ ، و أمانتَكَ ، و خَواتيمَ عملِكَ{ ] أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة[
ويعلق على ذلك بقوله الكريم (ﷺ) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي (ﷺ)  قال:}إن الله إذا استودِع شيئًا حفظه{ ]النسائي وابن حبان[.
ويشرح الصحابي الجليل عبد الله بن عباس قوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ(24)} [الأنفال]،
فقال: يحول بين المؤمن وبين المعصية التي تجره إلى النار.
ويذكر الحسن البصري أهل المعاصي يومًا فيقول: هانوا على الله فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم. 
وأخيرا:
أيها المسلم ... إذا دعوت فظن بالله خيرا أنه سيستجيب دعاءك، وإذا أنفقت في سبيل الله فظن بالله خيرا أنه سيخلف عليك، وإذا تركت شيئا لله فظن بالله خيرا أنه سيعوضك خيرا مما تركت، وإذا استغفرت فظن بالله خيرا أنه سيغفر لك وسيبدل سيئاتك حسنات.
إذا ضــاقت فــباب الله رحــب .. ومـا خــاب الــذي لله آبــا
متى ما استحكمت قل يا رحيما .. يفرجـها ويمنــحك الثوابـا
وأحسن بالكريم الظنَّ دوما .. تجد من لطفه العجب العجابا
 وعليك أن تحفظ الله بطاعته يحفظك من معصيته .
احفظ الله بأكل الحلال يحفظك من الحرام. 
احفظ الله بصحبة الصالحين يحفظك من الطالحين.  
احفظ الله يحفظك في العاجلة والآجلة. 
احفظ الله يحفظك من كل شبهه وشهوه.
من حفظ الله في صباه حفظه الله عند ضعفه وقوته.  
من حفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى حفظه الله.
من حفظ ما بين فكيه وفخذيه حفظه الله .
احفظ الله يحفظك فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.
أسأل الله أن يجعلني وإياكم من الحافظين المحفوظين بحفظ الله ورعايته .
اللهم اجعلنا في أمانك وضمانك .

=========================

رابط pdf

https://www.raed.net/file?id=880343

رابط doc

https://www.raed.net/file?id=880347




ليست هناك تعليقات: