21 فبراير 2017

سنة التغيير



قال الله تعالى:} إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ(11)[ [الرعد]
وقال تعالي} ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ(53){ [الأنفال:53].
إذاً التغيير من الأمن إلى الخوف، ومن الغنى إلى الفقر، ومن الوحدة إلى الشتات، ومن القوة إلى الضعف، ومن النصر إلى الهزيمة، ومن حال إلى حاله، هو بإذن الله تعالى، بسبب سنة حقت على هؤلاء القوم، فهم غيرَّوا فغيرَّ الله تعالى ما بهم، كما قال الشاعر:
لو أَنصفوا أُنصفوا؛ لكن بغوا فبغى عليهم الدهر بالأرزاء والنوب
وقد ذكر الله تعالى عدداً من القصص منها قصة سبأ مثلاً وذكر ما كانوا فيه: لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ 
نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ:15-17]. إذاً حقت عليهم سنة من سنن الله تعالى. كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم قصة الثلاثة الأبرص والأقرع والأعمى، وكيف تغيرت أحوالهم، من حسن إلى قبيح، ومن قبيح إلى حسن بسبب أعمالهم وهذه القصة باختصار وهي في الصحيحين: {أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر
أن ثلاثة من بني إسرائيل أو أراد الله تعالى كما في الرواية الأخرى في الصحيح أن يبتليهم، فجاء مَلَكٌ في صورة إنسان إلى الرجل الأول، وقال له: أي شيء أحب إليك؟
وكان أقرع، فقال: أن يذهب عني هذا الذي قدرني الناس به ويعود إليَّ شعر حسن، فقال: أي المال أحب إليك؟
قال: الإبل أو البقر، وأتى إلى الأبرص، وقال: يذهب عني هذا الذي قذرني الناس به، ويعود لي جلد حسن، وسأله أي المال احب إليك؟
قال: الإبل أو البقر، والثالث أعمى قال: أن يرد الله عليَّ بصري قال: أي المال أحب إليك؟
قال: الغنم فذهب عنهم ما فيهم من الآفات وأعطاهم الله تعالى من المال ما أعطاهم، إذاً هذا التغيير حكمة لله تعالى وبعد ذلك 
جاء هذا الملك في نفس الصورة إلى الأول، وذكَّره بحاله، وقال: أريد شيئا أتبلغ به، قال: إنما ورثت هذا كابراً عن كابر، والحقوق كثيرة، قال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت! وجاء للثاني فرد عليه نفس الأول كذلك، وجاء للأعمى فقال: نعم! قد كنت أعمى فرد الله عليَّ
بصري، وقد كنت فقيراً فأغناني الله، فخذ ما شئت ودع ما شئت، والله لا أرزؤك اليوم بشيء أخذته لله عز وجل، فقال: أمسك عليك مالك، فإنما أراد الله تعالى أن يبتليكم، وقد رضي الله تعالى عنك، وسخط على صاحبيك}.
جرائم خطيرة مؤذنة بفساد الأحوال 
إذاً: هذه أيضاً من السنن الإلهية، فالتغيير -مثلاً- من العدل إلى الظلم، سواء ظلم النفس أم ظلم الرعية، حتى أهل الذمة ممن لا يجوز ظلمهم، فكيف بالمسلمين الذين قد يُظلمون وتضرب أبشارهم وجلودهم؟! وتؤخذ أموالهم أو يمنعون من الجهر بكلمة الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويحال بينهم وبينها؟! هذا الظلم هو من التغيير الذي يعاقب الله تبارك وتعالى عليه، ولهذا قال الإمام أحمد في مسنده: عن أبي قذم قال: وجد رجل في زمن ابن أبي زياد صرة من حب -من البُر- أمثال النوى -أي كبيرة جداً مكتوب فيها، هذا نَبت في زمن كان يُعمل فيه بالعدل.
إذاً: حتى ما يجده الناس من النقص هو بسبب الظلم.
كذلك التغيير من الإيمان إلى الكفر، وواقع الدولة الإسلامية كله شاهد على ذلك، وقد ذكر الله تعالى في كتابه قصة هذه القرية: قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112] (فكفرت) وهذا هو الشاهد بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112].
والاتجاه المعاكس فالتغيير من الخير والسعة والسعادة والغنى والقوة إلى ضد ذلك هو بسبب أعمال الناس، كذلك العكس التغيير من الضعف إلى القوة، ومن الهزيمة إلى النصر هو بتوفيق الله تعالى بسبب عمل الناس.
مقومات التغيير :
أولها: العقيدة: فالإيمان بالله تعالى يُـعدّ شـرطاً أوّلياً لبسـط النعـمة، أوبالمـصطلـح المعاصـر: «الحضــارة» أو الرفاهية والرخاء. 
والعمل الصالح الذي يترجم هذا الإيمان إلى سلوك هو صِمَام الأمان للحفاظ على هذه النعمة أو الحضارة.
وثانيها: الإنسان: وهو محور التغيير؛ لأنه اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، فلا بد من تزكيته وتربيته وتهييء إرادته للعمل والإبداع عن طريق شحذ قوته الداخلية: الروحية والعاطفية والنفسية والعقلية، ليمتلك رصيداً ضخماً في مجال المبادرات الحضارية.
وثالثها: الزمن: بكونه عاملاً رئيساً لإنضاج عملية التغيير، ذلك أن التغيير النوعي في المجتمع يتطلّب فترة زمنية كافية حتى يكتمل، ويؤتي ثمار يانعة سائغة.
وحتى يكون التغيير مثمراً ينبغي أن يبدأ في محتويات الأنفس بتربية المجتمع على
«مثل أعلى» يضحي من أجله، وبذا يكون المجتمع في أعلى درجات الصحة، حيث يكون الولاء لـ «المثل الأعلى»، وهو المحور الذي يتمركز حوله فكر وإرادة وسلوك الأفراد وعلاقاتهم وسياسات المجتمع، وفي هذه الحالة يتسلّم مركز القيادة الأذكياء المخلصون الذين يحسنون (فقه القيادة) واتخاذ القرارات المناسبة؛ لأن حالة القوة تولد حين يتزاوج عنصران هما: الإخلاص في الإرادة، والصواب في التفكير والعمل.
أما عندما تتشكل شبكة العلاقات في المجتمع طبقاً لمحاور الولاء الفردي والعشائري والمذهبي والحزبي، وطبقاً للدوران في فلك (الأشخاص) و (الأشياء)؛ فإن الإنسان يصبح أرخص شيء داخل المجتمع وخارجه، ويدور الصراع داخل المجتمع نفسه، ويمزقه إلى شيع وطوائف وأحزاب يذيق بعضها بأس بعض، ثم يكون من نتائج ذلك الفشلُ الذريع وذهاب الريح والسقوط الحضاري.
كيف يتم التغيير؟
يبدأ الاتجاه من النفس، وأول ما يبدأ التغيير نحو الأحسن من قناعتك أنت بفساد الحال، ولهذا يتساءل الكثيرون: لماذا الكلام عن فساد الواقع؟
فنقول: لأنه لا يمكن إصلاح الواقع- أي واقع كان- إلا بعد الاقتناع بأن الواقع فيه جوانب من الفساد لابد من إصلاحها، فأول خطوة:هي الاقتناع بفساد الحال.
وثاني خطوة: هي الاقتناع بإمكانية التغيير، أن يمكن تغيير هذا الواقع نحو الأحسن.
وثالث خطوة: هي القناعة بإمكانية أن تكون أنت، شخصياً، شريكاً في هذا التغيير، وليس غيرك، لا نريد إنساناً يقول: أنا لا حيلة لي، أو لا أستطيع، لا،نقول حاول جرب.
ورابع خطوة: هي أن تقتنع بأن الإصلاح لا يمكن أن يتم إلا وفق المنهج الشرعي.
وخامساً وأخيراً: أن تبدأ بالإصلاح ولو بخطوة واحدة، بإصلاح نفسك، وأهل بيتك أو من حولك

ليست هناك تعليقات: