14 أبريل 2018

الماء هبة الله تعالي وسر الحياة






تحميل word


تحميل pdf

الماء هبة الله تعالي وسر الحياة

الحمد لله رب العالمين … الحمد لله بارئ البريات وعالم الخفيات، المطلع على الضمائر والنيات… وهب لنا الحياه وأوجدنا من العدم وأنعم علينا بالنعم التي لا تعد ولا تحصي فقال تعاليوَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)) إبراهيم . 
وأشهدأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير ..جعل الماء سر الحياة فقال تعالي وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ  (30)) الأنبياء . 
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم …تعامل مع نعم الله تعالي بالحمد والشكرفنهي عن الإسراف والتبذير في الماء فقال لسيدنا سعد ابن أبي وقاص ( لا تسرف في الماء ولو كنت علي نهر جار ). 
فاللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد نبي الرحمة، وعلى آله وأصحابه ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .
 أما بعــد :ـ فيا أيها المؤمنون… 
آيات الله في الآفاق وفي الأنفس، وفي السماوات وفي الأرض كثيرة يمر عليها الناس وهم عنها معرضون، نعم وآلاء تتوجه إليها البصائر والأبصار في مكنونات هذا الكون، والظواهر والأحوال في تأملات واسعة الآماد، ممتدة من المنشأ حتى المعاد. فالأرض فراش ومهاد، والسماء سقف محفوظ ومرفوع بغير عماد، ظواهر عجيبة في تقلب الليل والنهار، والفلك الدوار، والرياح المرسلة، والأمواج الهادئة والهادرة.

 تفكر وتأمل يحيي القلوب، ونظر وتبصر يستجيش العقول في بدائع صنع الله الذي أتقن كل شيء؛ لينظر في آثار الربوبية وليكون التوحيد كله لله. 
من هذه الآيات نعمة عظيمة وجليلة، إنها نعمة الماء، أعظم النعم، عليه تقوم الحياة، وهو أساس الحضارة والرقي، وعماد الاقتصاد ومصدر الرخاء، فالواجب علينا معرفة عظم هذه النعمة، واستغلالها، وتجنب التبذير والإسراف فيها. فالماء من أعظم النِّعم على البشرية وعلى جميع الكائنات، حيث جعله الله تعالى من أهم أسباب الحياة فهو روح الكائنات بعد الروح، حتّى اقترنت الحياة بالماء فقال تعالى: ”وجعلنا من الماء كلّ شيء حي” سورة الأنبياء. 
لذلك كان حديثنا عن نعمة الماء ويتناول هذه العناصر الرئيسية :ـ
 1ـ الحكمة من خلق الماء .
 2ـ أهمية الماء في الحياة .
 3ـ منهج الإسلام في التعامل مع الماء .
4ـ الخاتمة . 

العنصر الأول : الحكمة من خلق الماء :ــ 
هو ماء الحياة لكل الأحياء على هذه الأرض بقدرة الله، ماء فرات وماء ثجاجٌ، تحيون به أنفسكم، وتروون به عطشكم، وتطهرون أجسادكم، وتصنعون طعامكم، وتغسلون متاعكم، ماء مبارك طهور، يسقي الحرث، وينبت الزرع، ويشرب منه أنعام وأناس كثير: 
وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا(49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50)(الفرقان). 
قال الله: 
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ۖ لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) (النحل) 
ماء طهور، أغنى الله به بني آدم عن الحرام، والنجس في المطعوم والمشروب والدواء، فسبحان الله! 
عباد الله: 

الماء أصل المعاش وسبيل الرزق، يقول عمر رضي الله عنه: (أينما كان الماء كان المال، وأينما كان المال كانت الفتنة ). 
العنصر الثاني :أهمية الماء في الحياة :ـ
 لقدورد لفظ الماء بمشتقاته في كتاب الله أكثر من مائة وستين مرة. هذا السائل المبارك الطهور، إنه الماء، واقرءوا إن شئتم في كتاب الله: وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30].. 
من هذه الآية يتبيّن لنا أهمية الماء لجميع المخلوقات وأنّه لا يمكن الاستغناء عن الماء مهما بلغت البشرية من علم وتكنولوجيا، حيث أن التطور العلمي قد وجد بدائل لكثير من وسائل الحياة، ولكنّه لم يجد بديلاً عن الماء، بل إنّ حاجة البشرية ازدادت إلى الماء وصار من يملك ثروة الماء يتحكّم في غيره وقد تنشب حروبًا بسبب الصراع عن الماء. 
وقد ذكرنا الله تعالي في كتابه العزيز بنعمة الماء العذب فقال تعالى:
أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69)لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)” الواقعة. 
وتتضح لنا أهمية الماء من خلال هذه النقاط :ـ 
1ـ الماء أصل خلق الإنسان :ــ

 قال تعالي (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)) النور.
ويقول تبارك وتعالى: (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20))المرسلات.
وقال تعالي( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6)) الطارق
وغير ذلك من الآيات كثير مما يذكر الإنسان بأهميّة الماء فمنه خلقت الكائنات ومنها الإنسان نفسه، وبه بقاؤهاواستمرارها.. 
والماء هو ينبوع الحياة وسر الوجود وروح الحضارة وسيد الشراب وعنصر أساسي لعيش الكائنات الحية وعامل جوهري لكل نشاط اقتصادي ولكل تنمية اجتماعية فهو الذي يحيي البلد الميت ويجعل الأرض الخاشعة تهتز وتربو فتتشقق خضرة ونعيما: قال تعالي (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5))الحج. 
وقال سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(39)فصلت. 
إن بالماء يستعلن سر الحياة في الأحياء فتنتشي وتمرح ويرى الإنسان يسبح في فيض سماوي من النشوة والغبطة والسرور فيشعر بتدفق الحياة في جسمه ويعلم حينها أن الماء سر الحياة وأن الحياة لا تقوم إلا به وصدق ربنا الكريم حين قال: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)… 
2ـ الماء من أعظم النعم :ـ 

الماء من أعظم ما امتن الله به على عباده: أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69)لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)” الواقعة. 
وقال تعالى:{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)}(عبس).
 إن ذكر الماء في كتاب الله بمفرداته ومكوناته من البحار والأنهار والسحاب يدل على عظم أثره في حياة البشرية. 
هذا السائل المبارك هو أغلى ما تملك الإنسانية لاستمرار حياتها بإذن الله، أدرك ذلك الناس كلهم كبيرهم وصغيرهم عالمهم وجاهلهم، حاضرهم وباديهم، عرفوه في استعمالاتهم وتجاربهم وعلومهم، إن خف كان سحاباً، وإن ثقل كان غيثاً ثجاجاً، وإن سخن كان بخاراً، وإن برد كان ندى وثلجاً وبرداً. تجري به الجداول والأنهار، وتتفجر منه العيون والآبار، وتختزنه تجاويف الأرض والبحار: 
وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) (الحجر).
 وقال تعالى: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) (المؤمنون).
 اذا اراد ان يعرف احدنا قيمة الماء، فلينظر الى ذلك الملك الذي قال لعالم من العلماء: عظني، فقال له العالم: ايها الملك، ارأيت ان منعت الماء، اتشتريه بنصف ملكك؟ فقال له: نعم، قال ارأيت إن حبسته اتفتدي نفسك بنصف ملكك؟ قال: نعم، قال له: فلا خير في ملك لا يساوي كأس ماء.
 3 ـ الماء وسيلة لحسن الثواب ووسيلة للعذاب :ـ
 عباد الله: عجباً لهذا الماء! جعله الله وسيلة لحسن الثواب في الدنيا، ففي التنزيل العزيز يقول الله:{وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16)}[الجن] 
كما إنه وسيلة عقاب على المذنبين المكذبين:كما في قصة سيدنا نوح عليه السلام فقال تعالي فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) (القمر) 
وفي الآية الأخرى يقول الله:
فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)} (العنكبوت). 
بل إنه من أعظم أنواع النعيم في الجنة للمتقين كما يقول المولى جل في علاه: {
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ(15)}  (محمد).. 
وقال تعالي {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ(30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31)} (الواقعة) 
كما أنه في صور أخرى وسيلة لعذاب أهل النار عياذاً بالله من النار:{ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً(29)} [الكهف] وكما قال الله:{ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)} (محمد). 
إن الله تعالى كما ينعم بالماء فقد ينتقم به وعجيب أن يجعل الله هلاك الناس بما فيه حياتهم والشيء إذا زاد عن الحد انقلب إلى الضد، فالماء نعمة حين ينزل بقدر ولكن الله عز وجل إذا غضب على عباده قد يمسك الماء عنهم وقد ينزله بدرجة تفسد ولا تصلح قال سبحانه وتعالى: (
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30))الملك.
 4 ـ الماء من جند الله تعالي :ــ
 فمن عجائب البحر التي تدل على إدراكه وعبوديته لله جل وعلا أنه يعظم عليه أن يرى ابن آدم يعصي الله عز وجل مع حلم الله عليه فيتألم البحر لذلك ويتمنى هلاك عصاة بني آدم بل ويستأذن ربه في ذلك .
جاء في مسند الإمام أحمد فيما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس من ليلة إلا والبحر يشرق فيها ثلاث مرات يستأذن الله أن ينتضح عليهم ـ أي على العصاة ـ فيكفه الله بمنه وكرمه “، فلا إله إلا الله ، البحر يتمعر ، ويتمنى إغراق العصاة ، ويستطيع لكنه مأمور . 
ولقد سخر الله- تعالى- الماء ليكون جندا من جنوده للدفاع عن الدين، ونصرة المؤمنين، وإهلاك الكافرين، فقد انطوت غزوة بدر على معجزات لتأييد المسلمين ونصرتهم، فقد أمد الله المسلمين فيها بملائكة يقاتلون معهم، كما كان المطر من وسائل تثبيت المؤمنين، ونصرتهم، فقال تعالى:{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (11)}الأنفال.
 وقد جعل الله تعالي الماء ملاذا آمنا لموسى عليه السلام في مهده، فتأمل كيف سخر الله البحر ليحمل موسى وهو طفل، وينقله إلى أن يدخله في بيت آل فرعون، فيحميه الله من بطش فرعون ومكره، ويسخر له هذا الطاغية كما سخر له الماء من قبل، فالماء الذي من طبعه الإغراق جعله الله ملاذا آمنا لموسى وهو طفل رضيع، قال جل ثناؤه: ( إذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) طه،38، 39) .
 وأيضا جعل الله الماء ملاذا لموسى وقومه، وذلك حينما خرج بقومه فرارا من فرعون وقومه، فكما حمل الماء نوحا وقومه، فقد انشق اليم لموسى عليه السلام وقومه، فالبحر الذي حفظ الله به موسى عليه السلام هو الذي أهلك الله فيه فرعون وقومه، وهو الذي انفلق لموسى وآواه، وهو الذي أطبق على فرعون وقومه، فالبحر المغرق جعله سببا للنجاة، فتبارك الله أحسن الخالقين، قال تعالى مخبرا عما فعل بموسى عليه السلام وقومه، وما صنع بفرعون وقومه:(وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لاَّ تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى. فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ) طه ( 77،78).
 5 ـ الماءافضل الأعمال وأعظم القربات إلي الله تعالي: ـ
 إن سقي الماء من أفضل الأعمال وأعظم القربات، قد سئل ابن عباس أي الصدقة أفضل فقال الماء ألم تروا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، وروى أبو داود أن سعدا أتى النبي صلي الله عليه وسلم فقال أي الصدقة أعجب إليك قال الماء. 
روي البخاري رحمه الله تعالي:” قال عثمان: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-:” من يشتري بئر رومة فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين؟
فاشتراها عثمان- رضي الله عنه. وفي حديث عائشة عن النبي «من سقى مسلما شربة من ماء حيث يوجد الماء فكأنما اعتق رقبة ومن سقى مسلما شربة من ماء حيث لا يوجد الماء فكأنما احياها (أخرجه ابن ماجة ). 
ولم يكتفي ببذل الماء مع الإنسان فقط بل وصل إلي الحيوان فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال بينا رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فاذا كلب يأكل الثرى من العطش فقال لقد بلغ هذا الكلب مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقي الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرا قال في كل ذات كبد رطبة اجر).
 وعكس هذا ما رواه مسلم عن عبدالله بن عمر ان رسول الله قال عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض . 
ولقد نهى الإسلام عن منع الماء عن المحتاجين إليه، وذلك للحفاظ على أرواحهم من الإهلاك، وتوعد المانعين بالعذاب الأليم في الآخرة، لقوله- صلى الله عليه وسلم-: ” ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، رجل كان له فضل ماء بالطريق، فمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يعطه منها سخط، ورجل أقام سلعته بعد العصر، فقال: والله الذي لا إله غيره لقد أعطيت بها كذا وكذا، فصدقه رجل، ثم قرأ هذه الآية:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً}. 
كما أباح الإسلام قتال مانعي الماء عن المحتاجين إليه، لما روي أن قوما سفرا وردوا ماء، فطلبوا من أهله السماح لهم بالشرب منه، ويسقي دوابهم التي كادت أن تهلك من العطش، فأبوا فذكروا ذلك لعمر بن الخطاب-رضي الله عنه- فقال: “هلا وضعتم فيهم السلاح”.
 ولذلك اتفق جمهور العلماء أنه إذا كان هناك قوم قد اشتد بهم العطش، فخافوا الموت، فيجب على مالك الماء سقيهم، فإن منعهم، فلهم أن يقاتلوه عليه.
 6 ـ الماء وسيلة لترسيخ العقيدة:ـ
 لقد جاء الإسلام لترسيخ العقيدة في نفوس المؤمنين، وجعل من الماء وسيلة لبيان وحدانية الله تعالى، وقد بين ذلك في كثير من الآيات في كتابه الكريم، ففي قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُون(22)}. البقرة .
وقال أهل العلم”: “وقصة الماء في الأرض، ودوره في حياة الناس، وتوقف الحياة عليه في كل صورها وأشكالها، كل هذا أمر لا يقبل المماحكة، فتكفي الإشارة إليه، والتذكير به، في معرض الدعوة إلى عبادة الخالق الرازق الوهاب”. 
كما ورد أن الماء من الأدلة على وحدانية الله تعالى، في قوله تعالى: { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى(53)} طه..

 سأل رجل أحد السلف عن الله ، قال له :ألم تركب البحر؟ ، قال : بلى ، قال فهل حدث لك مرة أن هاجت بكم الريح عاصفة قال نعم ، قال وانقطع أملك من الملاحين ووسائل النجاة ، قال نعم ، قال فهل خطر ببالك وانقدح في نفسك بأن هناك من يستطيع أن ينجيك إن شاء ، قال نعم ، قال فذاك هو الله لا إله إلا هو وسع كل شيء علماً ،قال تعالي {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ ۖ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(23)} يونس.
وهكذا فإن الماء ضروري لإقامة شعائر الإسلام، وذلك للحفاظ على الدين، وبسبب الماء يعرف المومنون يوم القيامة لأنهم الغر المحجلون من أثر الوضوء.
 أيها المسلمون:ـ
 إن السعي في حصر خصائصه ووظائفه ومنافعه وفوائده تعجز الحاصرين، فلا شراب إلا بماء، ولا طعام إلا بالماء، ولا دواء إلا بالماء ولا نظافة إلا بالماء، ثم لا زراعة إلا بالماء، بل ولا صناعة إلا بالماء.
 لم تنقص قيمته لا بتقدم الإنسانية ولا بتخلفها، بل لقد زادت أهميته ثم زادت، حتى صاروا يتحدثون عن الأمن المائي والصراع على موارد المياه ومصادرها ومنابعها. والماء هو عماد اقتصاد الدول، ومصدر رخائها بإذن الله، بتوافره تتقدم وتزدهر، وبنضوبه وغوره وشح موارده تحل الكوارث والنكبات: قال تعالي{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ(30)} [الملك].. 
وقال تعالي {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ(18)} (المؤمنون ) 
العنصر الثالث : منهج الإسلام في التعامل مع الماء :ــ
 إن الماء مورد عظيم، بل إنه من أكبر الموارد التي تحتاج إليها كل أمة في كثير من ميادين حياتها ومعاشها، ولقد وضع الإسلام العظيم منهجا عظيما في التعامل مع الماء وهو علي النحو التالي :ـ
 1 ـ الإقتصاد في استعمال الماء :ــ
 إن الماء هبة من الله تعالي فتوجب الشكر،والشُّكر لهذه النّعمة يكون بعدم الإسراف فيها. وقد جاء التحذير صريحًا من الإسراف في الماء كما هو في الطعام فقال تعلى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)” الأعراف. 
وقد جاء النهي كذلك على لسان سيّد البشر صلّى الله عليه وسلّم كما ورد في الخبر: ”لا تُسْرِف ولو كنتَ على نهر جار”.

 وقد بينت السنة الفعلية مدى اهتمام نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم بالاقتصاد في الماء فكان يتوضّأ بالمد ويغتسل بالصاع.
 وحذّر من الإسراف في الوضوء فقال عليه الصّلاة والسّلام: ”يكون قوم في آخر الزمان يعتدون في الدعاء والطهور” رواه الإمام أحمد وأبو داود. 
إنّ الإسراف في الماء ولو لم يلحق أيّ ضرر بالغير فهو أمر مذموم وصاحبه مأثوم، فكيف إذا كان هذا الإسراف يسبّب ضررًا بالغير؟ 
فالمُسرف مبغوظ عند الله كما جاء صريحًا في كتابه العزيز فقال تعالى:إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(31)} الأعراف 
وأمّا مَن كان سببًا في حرمان غيره من هذه النِّعمة والمادة الضرورية للحياة فهو بلا شك ضعيف الإيمان كما أخبر نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم: ”لا يؤمن أحدكم حتّى يُحبّ لأخيه ما يُحبّ لنفسه”. 
وقال عليه الصّلاة والسّلام: ”أفضل الصدقة سقي الماء”، وهذا يعني أنّ من أعظم الذنوب أن يمنع الإنسان غيره من الماء. 
ولقد شدد أهل العلم رحمهم الله في المنع من الإسراف بالماء ولو كان على شاطئ النهر أو البحر. 
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه:(اقتصد في الوضوء ولو كنت على شاطئ نهر )
وقال محارب بن دثار (كان يقال: من ضعف علم الرجل ولوعه بالماء في الطهور)
وجاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: {يـابن عباس كم يكفيني من الوضوء؟

 قال: مد، قال: كم يكفيني لغسلي؟ قال: صاع، فقال الرجل: لا يكفيني، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا أم لك! 
قد كفى من هو خير منك، رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه أحمد والبزار والطبراني بسند رجاله ثقات. 
ولذا عد العلماء الزيادة في غسل أعضاء الوضوء ثلاث مرات من الإسراف، وكذا من الإسراف حتى في حال الاقتصار عليها الزيادة في الكميّة المستخدمة عما تحصل به الكفاية، ولا يرتبط ذلك بندرة المياه في المكان أو وفرته، لأن نظرة الإسلام شمولية لا ترتبط بالمكان أو الزمان، فإن كان الماء وفيراً في بعض الأماكن، فهو نادر في كثير منها، كما لا يرتبط ببذل المال، بل يعد من الإسراف ترك صنابير المياه بغير إحكام في إغلاقها وإن كان التارك يدفع تكلفة ذلك، ومن الإسراف في استخدام الماء ترك (حنفيات) المرافق العامة كالمساجد والمستشفيات والمدارس وغيرها، لما فيه من إهدار للماء والمال العام، ناهيك عن الاعتداء على المياه بالتلويث لها، وإلقاء النفايات والحيوانات النافقة في مياه النيل، وصرف المصانع، وبعض المنشآت السياحية لمخلفاتها في المياه العذبة التي يشرب الناس منها، وهو عمل غاية في الإجرام والسقوط . 
إن الإنسان المعاصر قد وصل استهلاكه للماء إلى أرقام من الإسراف مخيفة، وبخاصة ما يصرف في الاستحمام والمراحيض والسباحة، وسقي الحدائق وأمثالها، فأما المستعمل في الشرب والطهي فلا يتجاوز نسبة 2%. 
إن توفير المياه وحماية مصادرها ورعاية محطات تنقيتها أهداف سامية لكل دولة، فالمساس بها والعبث بها، وإهمالها يشكل خطراً على أمنها وحياة رعاياها. 
أيها المسلمون:

 لا بد من الأخذ بالحزم في هذا الشأن، فالله سبحانه وتعالى لا يحب المسرفين، والمبذرون هم إخوان الشياطين، وإن عدم الشعور بالمسئولية، ونزعة الاتكالية، وإلقاء التبعة على الآخرين، مصيبة قاتلة، وسبيل لانهيار المجتمع، وضياع لحقوقه ومرافقه، فإذا تنصل المرء من مسئوليته، وتفلت من التزاماته؛ أصبح عضواً فاسداً وكلاً على مجتمعه، وعبئاً على أمته، ولو تعلل كل مؤمن بتقصير غيره؛ لما بقي في الدنيا حوافز للخير؛ لأن وجود الإهمال في بعض الأفراد أمر لا بد من وقوعه بصورة ما، في كل زمان ومكان، والعقلاء والجادون يتخذون من وقوع الأخطاء عند الآخرين مواطن عظة واعتبار، فيحاولون ما استطاعوا إصلاح الخطأ، وتغيير المنكر، والتعاون على البر والتقوى. 
إن من الخطأ المدمر، والهلاك المرضي: أن يتهاون بعض الناس فيقول: هذا من مسئولية فلان، وتلك من مسئولية الجهة الفلانية، والحق قوله صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته }

 أيها المسلمون:ــ
 إن عقيدتنا بربنا سبحانه وتعالى، واعتمادنا عليه كبير، فهو سبحانه يصرف الماء بين الناس ليذكّروا، ولكن الأخذ بالأسباب، والسلوك على نهج الإسلام في التوسط والقصد والبعد عن الإسراف هو المنهج الحق، لا فضل للأمة في أن تبدد خيراتها بيديها، ولكن الفضل كل الفضل أن تكون قوية مسيطرة على أمورها، متحكمة في نظمها، حازمة في تدبير شئونها. إن الأمة تملك عزها، وتحفظ مجدها، بالحفاظ على ثرواتها ومواردها، والتحكم بما في يديها. 
إن الأمة إذا وقعت في عسر بعد يسر، تجرعت مرارة الهوان المصحوبة بحسرات الندم، فالإسراف يفضي إلى الفاقة، وبالإسراف تهدر الثروات، وتقوض البيوتات، وفي عواقبه البؤس والإملاق، يقول الله: {وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} [الشعراء:151-152). 
المسرف همته الوصول إلى متعته ولذته، ولا يبالي بمصيره ولا بمصير أمته، كما حكى القرآن عنهم:{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} (الإسراء:16).
 2 ـ تربية النفس على الحفاظ علي الماء وعدم تلويثه :ـ 
لقد نهى الإسلام عن السلوكيات الخاطئة في التعامل مع الماء، ودعا إلى عدم تلويثه، ولذلك كره التبول في الماء الراكد، والماء الراكد هو الماء الدائم في مكان واحد لا يجري ولا يتجدد، فقد حرم الإسلام التبول في الماء، لما فيه من إفساد الماء على مستخدميه فعَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أنه قَالَ: (لاَ يَبُولَنّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدّائِمِ ثُمّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ)، 
فالبول وهو نجس بطبيعته ضار بصحة الآدمي إذا اختلط بالماء لا سميا الراكد غير المتحرك، يساعد على انتشار الجراثيم لتلوث جميع الماء، وهذا يساعد على انتشار الأمراض، والإسلام ينفي إضرار الإنسان بنفسه أو غيره، ومن قواعده المتفق عليها قوله “الا ضرر ولا ضرار”
وإذا كان الماء أصل الحياة، وكان بقاؤها رهنا بوجوده صالحا، فيمكن أن يكون وسيلة إفناء وفي ذلك آيات كثرة منها ما جاء في إغراق قوم نوح: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ. قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ. وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [هود:42، 43 ، 44] .
 وفي إغراق فرعون ومن معه يقول الله تعالى: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ.وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ. وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ)[الشعراء:63 :66]،
 ويقول: (فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا (103))الإسراء. ونعوذ بالله من انقلاب نعمة الماء نقمة علينا.
 3 ـ النهي عن إدخال اليد في الإناء عند الاستيقاظ من النوم :ـ 
: لقد نهى عليه الصلاة والسلام من استيقظ من منامه أن يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، وقال: {فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده}.

فلعله مس سوءته، أو حك شيئاً متقرحاً من جسده، أو لعل هناك حِكَماً لم تتبين بعد. 
ومن هذه التوجيهات النبوية: التخصيص في وظائف اليدين، فاليد اليمنى تبعد عن مجالات التلوث والأقذار، وكل أمر يستدعي زيادة في الطهارة والتحرز. 
فتناول الطعام والشراب والمصافحة مخصوص باليمين، ومن أجل هذا نهى الإسلام أن تمس العورة باليمين، أو مواطن النجاسات والمستقذرات، تقول عائشة رضي الله عنها: {كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى } أخرجه أبو داود بسند حسن. 
وفي الحديث الصحيح: {إذا بال أحدكم فلا يأخذنَّ ذكره بيمينه، ولا يستنجي بيمينه، ولا يتنفس في الإناء } أخرجه البخاري .
4 ـ النهي عن التنفس في الإناء :ـــ

 يكره التنفس في إناء الشرب إذا كان به ماء، وكان غيره يريد أن يشرب منه بعده، لما فيه من الاستقزار، ونقل العدوى وكذا النفخ فيه، ففي الحديث: {إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، فإذا أراد أن يعود فلينح الإناء، ثم ليعد إن كان يريد } رواه ابن ماجة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
 5 ـ الأمر بتغطية الأواني وربط الأسقية :ــ
 ومن الآداب الإسلامية : الأمر بتغطية الأواني وربط الأسقية حتى لا يصل إليها غبار أو هوام، يقول عليه الصلاة والسلام: {أطفئوا المصابيح إذا رقدتم، وأغلقوا الأبواب، وأوكوا الأسقية، وخمرِّوا الطعام والشراب ولوا بعود تعرض عليه } أخرجه البخاري . العنصر الرابع :الخاتمة :ـ
 أيها المسلمون:ــ
 إن ما يتحدث به بعض المهتمين من ذوي الشأن في أنحاء كثيرة من العالم من ظهور نقص في المياه، وتخوف من الشح في مصادرها، أمر ينبغي أن يؤخذ مأخذ الجد، وإن كان اعتماد المسلم على ربه سبحانه، فيضرع إليه ويلجأ إلى رحمته، فيستقيم على الطريقة، فيسقيه ماء غدقاً، ويتأخر الغيث عن موعده، فيتوجه المسلمون إلى ربهم دعاءً وصلاةً واستسقاءً. 
ومع كل ذلك لا بد أن يُؤخذ بالأسباب، فحسن الاستعمال، والاقتصاد في الاستهلاك، مسلك إسلامي رشيد، وما يتحدث عنه هؤلاء من مؤشرات نذر، وما يتحدثون عنه من الأمن المائي، وحروب المياه، ومعارك التعطيش، فإن الذي يجب أن يعلم، أن قضايا المياه قضايا إنسانية، وضرورات حياتية، يجب أن ينأى بها عن دائرة الصراعات والحروب، والابتزاز والمتاجرات والمزايدات، ولكنهم مع الأسف يؤذون البشرية، ويخوفونها بحروبهم الباردة والساخنة. 
قال تعالي : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (إبراهيم:32-34) 
عباد الله:

 إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ؛ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

ليست هناك تعليقات: