3 أبريل 2018

الإسراء و المعراج دروس وعبر



الإسراء و المعراج دروس وعبر

الحمد لله رب العالمين. أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى .فقال تعالي (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) (الإسراء).
 فنحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله العظيم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا. 
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير . أنعم الله علينا بنعم لا تعد ولا تحصي فقال تعالي وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم: 34) .
وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه ابتلي فصبر وأعطي فشكرهو القائل :صلي الله عليه وسلم ” مَنِ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ،وَأُعْطِيَ فَشَكَرَ، وظُلِمَ فَغَفَرَ، وظَلَمَ فاستغفر،ثُمَّ شَكَرَ “، ثُمَّ سَكَتَ ،قَالُوا : مَا لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ” أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ” رواه الطبراني .

 اللهم صلِّ وبارك على هذا النبي وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا ……
أما بعـد :ـ فيا أيها المؤمنون :ـ 

كانت الأحداث التي أحاطت بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مقدمةً لمعجزة الإسراء والمعراج فكانت هذه المعجزة تسرية وتسلية لرسول الله واحتفاء به في ملكوت السموات بعدما لاقى من عنت القوم ووفاة زوجته وعمه ولجوئه إلى الله مناجيًا لما يلقاه من أهل الأرض فيقول له ربه: ﴿و وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) (النحل). 
وهذه إشارة لرسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أنَّ ربَّه الذي كلَّفه بهذه الرسالة السامية بلا شك سينصره رغم هذه الشدائد فهل تعلمت الأمة من رسولها . أيها المسلمون أن الحديث عن الإسراء لا نريد به القصة بقدر ما نريد منه الدروس والعبر فالأحداث العظيمة تتم وتقع لنتعلم منها ونخرج منها بالدروس والعبر التي نسير عليها فهيا بنا ننهل بعض الدروس العبر من حادث الإسراء والمعراج والتي تنير لنا الطريق في الدنيا والآخرة .
الدرس الأول :الإيمان بالله و الأخذ بالأسباب و التوكل على رب الأرباب:ـــ

 يقول الله تعالي﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (سورة الإسراء)، وقال في سورة أخرى: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14)﴾ (سورة النجم)
 بدء الآية بكلمة ﴿ سُبْحَانَ ﴾ تفيد أن الإسراء والمعراج لا يخضع لقوانين الأرض :ـ أيها الأخوة الكرام، الآية عندما بدأت بقول الله عز وجل: ﴿ سُبْحَانَ ﴾. 
تفيد أن الإسراء والمعراج لا يخضع لقوانين الأرض ، أن النبي صلي الله عليه يخرج من بيت أم هانئ بمكة المكرمة إلي بيت المقدس في فلسطين ويصلي بالأنبياء إماما ثم يعرج به إلي سدرة المنتهي ثم يعود والفراش مازال دافئا هذا الأمر لا يخضع لقوانين الأرض تمام وإنما يخضع لحكمة ربانية نحتاج أن نؤمن بقدرة الله تعالي من يقول للشيئ كن فيكون . الإيمان بعالم الغيب والشهادة . الإيمان بأنه تعالى على كل شيء قدير، وأنه لا يعجزه شيء. 
يدخل في ذلك الإيمان بقدرته على العقاب، والإيمان بقدرته على العذاب، والإيمان بقدرته على الانتقام ممن عصاه ،فقد أخبرالله تعالى بعموم قدرته أنهَّ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ،ولا يخرج عن قدرته شيء. فالله جلّ جلاله خلق الكون بسماواته، وأرضه، وخلق العوالم، وعلى رأسها الإنسان وفق أنظمة بالغة الدقة ، وأمره أن يأخذ بالأسباب ، ومن رحمتة بالإنسان أن خلق له العقل ليقوده إلي مسبب الأسباب إلي خالق السماوات والأرض ، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدلان على الحكيم الخبير ؟ فالأمر بالأخذ بالأسباب من لوازم الإيمان بالله تعالي ولكن لابد أن نلفت الانتباه إلي أمور لابد منها وهي :ــ ــ
أنّ التوكل لا ينافي أخذ الأسباب:ــ

 فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رجل: يا رسول اللّه أعقلها وأتوكّل، أو أطلقها وأتوكّل؟ -لناقته- فقال صلى الله عليه وسلم: «اعقلها وتوكّل» [سنن الترمذي]. وثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل اللّه تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى}.
 وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : «لا تبشّرهم فيتكلوا» دليل على أنه لابد من بذل الأسباب وعدم الاتكال. ــ نأخذ الأسباب وإن كانت ضعيفة في نفسها:ــ ولذلك أمر الله تعالى أيوب عليه السلام أن يضرب الأرض برجله بعد أن دعا لمرضه، وهل ضربة الصحيح للأرض منبعة للماء؟ لا، ولكن الله يريد أن يعلمنا أنه لابد من اتخاذ السبب ولو كان ضعيفاً، فالأمر أمره، والكون كونه، ولكن لابد من فعل الأسباب. ولما أراد الله أن يطعم مريم وهي في حالة وهن وضعف أمرها أن تهز جذع النخلة؛ لأن السبب يتخذ ولو ضعف. 
ورحم الله القائل :ــ
توَكَّلْ عَلَى الرَّحْمَنِ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ   وَلا تَرْغَبَنْ فِي العَجْزِ يَوْمًا عَنِ الطَّلَبْ 
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِمَرْيَمٍ              وَهُزِّي إِلَيْكِ الجِذْعَ يَسَّاقَطِ الرُّطَبْ 
وَلَوْ شَاءَ أَنْ تَجْنِيهِ مِنْ غَيْرهَزَّةٍ          جَنَتْهُ وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ سَبَبْ

ــ الإعتماد علي الأسباب شرك وترك الأسباب معصية :ــ 

ربما يظن الإنسان أن الأسباب وحدها تخلق النتائج، ثم اعتمد على الأسباب وحدها، ولم يعبأ بخالق السماوات والأرض، وقع في الشرك، عندئذ يتفضل الله على هذا الإنسان الذي وقع بالشرك الخفي فيؤدبه بتعطيل فاعلية هذه الأسباب، فيفاجأ بنتائج غير متوقعة، ومن ترك الأخذ بالأسباب متوكلاً في زعمه على الله فقد عصى، ومن أخذ بالأسباب واعتمد عليها وألهها ونسي الله فقد أشرك. 
نحن أمام عالم غربي وعالم شرقي، العالم الغربي أخذ بالأسباب، واعتمد عليها، وألهها، واستغنى عن الله عز وجل، فوقع في وادي الشرك، والعالم الشرقي لم يأخذ بها أصلاً فوقع في وادي المعصية، لا الفريق الأول على حق ولا الثاني على حق، ولكن الحق أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
الشرك الخفي : هذا هو الشرك الخفي الذي قال عنه الإمام علي رضي الله عنه: ” الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على جور وأن تبغض على عدل “.
وهذه حكمة الله عز وجل من وقوع سيدنا إبراهيم في أيدي قومه و إحراقه و تعطيل الأسباب : كتطبيق عملي قوم سيدنا إبراهيــم ـ عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ـ عبدة الأوثان، جاؤوا بسيدنا إبراهيم عليه السلام بعد أن حطم أصنامهم، وأوقدوا له ناراً هائلةً ليحرقوه، ليحرقوه أمام آلهتهم، ليكون إحراقه انتقامهم من سيدنا إبراهيم، وانتقاماً لآلهتهم، جاؤوا بالحطب، فأوقدوا النار العظيمة، كل شيء مُعدٌ لتمجيد آلهة غير الله سبحانه وتعالى، والسؤال هنا مناقشة دقيقة، لماذا سمح الله لهم أن يأتوا بإبراهيم ليحرقوه بالنار أمام آلهتهم، وهو رسول الله ؟ كان من الممكن أن يختفي إبراهيم عليه السلام ولا يظـهر، وعندئذ ينجو إبراهيم من الحرق، ولكنْ لو حدث هذا لقالوا: لو قبضنا على إبراهيم لأحرقناه، وعندئذ ستظل قوة الآلهة المزيفة مسيطرة على عقولهم، وأنها تنفع من يعبدها وتضر من يؤذيها، لذلك لابد من أن يقع سيدنا إبراهيم في أيديهم، قبضوا عليه، ليشهد القوم عجز آلهتهم المزعومـة أمام قدرة الله، وكان من الممكن أن يطفئ الله النار بسبب أرضي، كأن ينزل أمطاراً غزيرة جداً، فلو حدث هذا لقالوا: إن آلهتنا قادرة على أن تحرق إبراهيم، ولكن السمـاء أمطرت، ولو أن السماء لم تمطر لانتقمت آلهتنا منه بالحرق، ما الذي حدث ؟ الذي حدث لحكمة بالغة أن إبراهيم عليه السلام لم يختفِ، بل وقع في أيديهم، وأن النار لم تنطفئ، بل ازدادت اشتعالاً، ثم ألقوا بإبراهيم في النار، فإذا الله سبحانه وتعالى يعطل فاعلية الأسباب ـ هنا الشاهد ـ يعطل فاعلية الأسباب، ويبطل إحراق النار، وتكون النار برداً وسلاماً على إبراهيم، قال تعالى: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ (سورة الأنبياء) أحياناً الله عز وجل يؤخر الفرج إلى قبيل الدمار، ثم يتدخل ربنا جلّ جلاله لحكمة بالغة بالغة فيلغي كل تخطيط الطرف الآخر، ولنسأل أخوتنا المستمعين والحاضرين، ماذا سيكون لو أن الأمر الإلهي كان ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً ﴾ لألغي مفعول النار إلى أبد الآبدين، وماذا لو أن الله تعالى قال: يا نار كوني بردا لمات إبراهيم عليه السلام من البرد، قال تعالى: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً ﴾ لا إلى أبد الآبدين، ولكن:﴿ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ على إبراهيم وحده، دقة النص: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً ﴾.

 لئلا يموت من البرد، ﴿ وَسَلَاماً ﴾. ولئلا يلغى مفعول النار ﴿ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾.
 فالأسباب سنة من سنن الله الكونية ومن أخذ بها أعطاه الله عز وجل ، فعن جابر ابن عبدالله رضي الله عنه قال : قال النبي صلي الله عليه وسلم (إنَّ لكلِّ دَاء دَوَاءً، فإذا أُصِيبَ دواءُ الدَّاءِ، بَرَأ بإذن الله ) [أخرجه مسلم] 
لا يكفي أن تأخذ الدواء لابدّ من أن يسمح الله للدواء أن يفعل فعله، فأنت مع المرض بحاجة إلى أن تأخذ بالأسباب، وأن تدعو الله أن يشفيك، وأنت في الحقيقة مع أي شيء، عندما تركب سيارتك وأنت مسافر أخذت بكل أسباب السلامة فيها بدقة شديد ومع ذلك تقول: يا رب أنت الحافظ، أنت المسلم، احفظني. فأنت مع أخذك بالأسباب تحتاج إلى إيمان كبير، فالعالم الإسلامي يحتاج أن يأخذ بالأسباب اليوم لأننا أمام عدو ماكر أخذ بطكل أساب الحرب ضدنا من مئات السنين يتحكمون في مصائر البشر، فرضوا علينا إباحيتهم ، فرضوا علينا ثقافتهم، فرضوا علينا عاداتهم وتقاليدهم، لأننا لم نعد لهم، لأننا لم نأخذ بالأسباب، لا يمكن أن تنال من الله شيئاً إلا إذا آمنت به أولاً، وأخذت بالأسباب ثم توكلت على رب الأرباب .
الدرس الثاني : الإسلام دين الفطرة :ــ

 عن أبي هريرة قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما فأخذ اللبن فقال له جبريل عليه السلام الحمد لله الذي هداك للفطرة لو أخذت الخمر غوت أمتك. هذا يدل دلالة واضحة علي أن الإسلام هو دين الفطرة ’ أى الدين الذى ينسجم فى عقيدته و أحكامه كلها مع ما تقتضيه نوازع الفطرة الإنسانية الأصيلة ’ فليس فى الإسلام شىء يتعارض و الطبيعة الأصيلة فى الإنسان ولو أن الفطرة كانت جسماً ذا طول وأبعاد ’ لكان الدين الإسلامى الثوب المفصل على قدره . وهذا من أهم أسرار سرعة تقبل الناس له وسعة إنتشاره ’ إذ الإنسان مهما ترقى فى مدارج الحضارة وغمرته السعادة المادية ’ فإنه يظل نزاعاً الى إستجابة نوازع الفطرة لديه ’ ميالاً الى الإنعتاق عن ربقة التكلفات و التعقيدات البعيدة عن طبيعته ’ والإسلام هو النظام الوحيد الذى يستجيب لأعمق نوازع الفطرة البشرية . إن سلامة الفطرة لبُّ الإسلام ويستحيل أن تفتح أبواب السماء لرجل فاسد السريرة، عليل القلب. إن الفطرة الرديئة كالعين الحمئة لا تسيل إلا قذراً وسواداً. ربما أُخفي هذا السواد الكريه وراء ألوان زاهية، ومظاهر مزوقة. بيد أن ما ينطلي على الناس، لا يخدع به رب الناس…!! ويوم تكون العبادات – نفسها- ستاراً لفطرة فاسدة فإن هذه العبادات الخبيثة، تعتبر أنزل رتبة من المعاصي الفاجرة.
 الدرس الثالث : صاحب الحق يكفيه دليل واحد وصاحب الهوي لا يكفيه ألف دليل :
كانت معجزة الإسراء والمعراج بمثابة إقامة الحجة علي المشركين الذين قالوا للنبي صلي الله عليه وسلم }وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) { (الإسراء) 
اقترح المشركون على النبي صلي الله عليه وسلم أن يرقى في السماء، فجاء الجواب من عند الله: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا}.
 فلما رقي في السماء بعد، لم يذكر قط أن ذلك رد على التحدي أو إجابة على الاقتراح السابق. وهذا الصديق صاحب الحق لقد سعى رجال من قريش إلىه رضي الله عنه يخبرونه, بخبر الإسراء والمعراج, فقال كلمة الإيمان: لئن كان قد قال لقد صدق, فقالوا له: أتصدقه على ذلك؟ قال: إني لأصدقه على أبعد من هذا, أصدقه على خبر السماء) يريد رضي الله عنه مجيء جبريل عليه السلام بالوحي من السماء في زمن وجيز من ليل أو نهار. فدائما نجد صاحب الهوي يجادل ويماري رغم وجود الأدلة الواضح أمامه فعدم إذعانه للحق بسبب الهوي الذي يعبده صاحب الهوى لا حكَمَةَ له ولا زمام، ولا قائد له ولا إمام، إلهه هواه، حيثما تولت مراكبه تولى، وأينما سارت ركائبه سار، فآراؤه العلمية، وفتاواه الفقهية، ومواقفه العملية، تبع لهواه، فدخل تحت قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) . 
وقوله تعالي (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50 القصص).
 وقوله تعالي (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ) (14) محمد.
الدرس الرابع : مقام العبودية أعلى المقامات :ــ

 أعلي درجات الرفعة عند الله أن تكون عبداً له ، ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾. 
هذه تكرمة عظيمة جداً، أن إنسان ينطلق من مكة المكرمة، إلى بيت المقدس، ثم يعرج منه إلى السماوات العلا، ويبلغ أعلى درجة بلغها مخلوق إلى سدرة المنتهى، ويعود إلى فراشه، ولا يزال ساخناً، هذا خرق للنواميس، لذلك هذا الإنسان مهما نال هذا التكريم، وذاك التعظيم هو عبد لله، إذاً أعلى درجات الرفعة عند الله أن تكون عبداً لله. والحقيقة أنه كلما خضعت لله رفع شأنك، وكلما افتقرت إليه نصرك، وكلما قلت: أنا، تخلى عنك، ونحن جميعاً بحاجة ماسة إلى تجربتين، تجربة بدر وحنين، في بدر قال الصحابة الكرام الله، فنصرهم، وتولاهم، وأكرمهم، ورفع شأنهم، قال تعالي (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) آل عمران . 
هم هم، ومعهم سيد الخلق في حنين قالوا: ( لن نغلب من قلة ) [أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عباس]
فتخلى الله عنهم ولم ينتصروا: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾ (سورة التوبة). 
هذا الدرس أيها الأخوة، نحتاجه كل ساعة، حينما تعتد بعلمك، بخبراتك، المتراكمة، بعشيرتك، بقبيلتك، حينما تعتد بمالك، حينما تقول: الدراهم مراهم تحل بها كل المشكلات، حينما تعتد بما سوى الله وقعت في الشرك، ولا بد من التأديب. المدخل الحقيقي لهذه الرفعة وذلك الإعزاز إنما هو التحقُّق المطلق بالعبودية له سبحانه.. ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ (الإسراء: 1) ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ (النجم:10)، ولا سبيلَ أمام المؤمنين لتحقيق النصر واستحقاق التمكين إلا باستكمال عبوديتهم لله وحده، والتحرر الكامل من العبودية لغيره..
الدرس الخامس : الإسراء و المعراج مسح لجراحات الماضي:ـ
 اعتقد يقيناً أنك إذا كنت مستقيماً أن بعد كل محنة منحة، وبعد كل شِدة شَدة، أية محنة تصيب المؤمن بعدها منحة من الله، وأية شدة تحيط بالمؤمن بعدها شدة إلى الله، ما المحنة التي سبقت الإسراء والمعراج ؟ 
محن وأحداث عظام :ـ 
الحصار الاقتصادي الذي دام ثلاث سنوت هذه المقاطعة الظالمة التي أقامها الكفار مع الرسول صلي الله عليه وسلم وأصحابه حتي أكلوا ورق الشجر ، وشدة التعذيب بعد وفاة زوجه خديجة رضي الله عنها التي كانت بمثابة اللمسة الحانية له صلي الله عليه وسلم ووفاة عمه أبوطالب الذي كان يعتبر حائط الصد بينه وبين كفار قريش ثم الهجرة إلي الطائف وما أدرالكم ما الطائف؟ حيث يمشى على قدميه ثمانين كيلو متراً في جبال وعرة ليصل إليهم، وليدعوهم إلى الله عز وجل، فكذبوه، وسخروا منه، وأغروا صبيانه أن ينالوا منه، ونالوا منه، وسال الدم من قدمه الشريف، فقال: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس )[ الطبراني عن عبد الله بن جعفر، وفي سنده ضعف ]
والمسلمون اليوم يشكون ضعف قوتهم، وقلة حيلتهم، وهوانهم على العالم كله:( يا رب المستضعفين، إلى من تكلني ؟ إلى عدو يتجهمني، أم إلى قريب ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي ) [الطبراني عن عبد الله بن جعفر، وفي سنده ضعف] والله ما من دعاء أبلغ في هذه المحنة من هذا الدعاء، ويحتاجه المسلمون اليوم، إلا أن الله عز وجل أراد أن يعرف الخلائق من هو هذا الإنسان، مكنه أن ينتقم، جاءه ملك الجبال، و قال له: يا محمد ( إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ ـ الجبلين دمار كامل، إنهاء لوجودهم، من هو محمد صلى الله عليه وسلم ؟ 
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) [ متفق عليه عن عائشة] 
اعتذر عن قومه، ودعا لهم، وانتمى إليهم، هذا مقام النبوية، أحياناً المصائب ترقى بك إلى أعلى عليين، هناك مصائب تأتيك بسبب إيمانك، بسبب استقامتك، بسبب ورعك، بسبب ولائك لله عز وجل تقول: لا بملء فمك، يسوق لك بعض الشدائد ليكون لهذا القرار البطولي ثمناً تزهو به يوم القيامة. الإنسان إذا دعا إلى الله والتزم دين الله تعالي تجد من يعارضه، و يفتري عليه، و يشوه سمعته، ويريد أن يوقع بينه وبين الآخرين:قال تعالي ﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) ﴾ (سورة الفرقان )
الدرس السادس: الإسراء و المعراج منحة بعد محنة وفرج بعد كرب:ـ

 فالإسراء والمعراج تكريم عظيم للنبي صلى الله عليه وسلم بعد امتحان صعب جداً : إذاً كان الإسراء و المعراج مسحاً لجراح الماضي، وتثبيتاً لقلب هذا النبي الكريم، و تطميناً له على مستقبل الدعوة، وتعويضاً له عن جفوة الأرض بحفاوة السماء، وعن قسوة الناس بتكريم الملأ الأعلى، لقد كان الإسراء والمعراج تكريماً فريداً من نوعه، لقد عرف الله نبيه بعد محنة الطائف أنه سيد ولد آدم، وأنه سيد الأنبياء والمرسلين، وأن الله أقسم بعمره الثمين، فقال تعالي: ﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ(72) ﴾
 ( سورة الحجر) 
لقد أراه ملكوت الأرض والسماوات، وما تؤول إليه الخلائق بعد الممات، لقد كان الإسراء والمعراج عقب عام الحزن، ففي هذا العام توفيت السيدة خديجة صدّيقة النساء التي حنت عليه ساعة العسرة، وواسته في أيام الشدة بنفسها ومالها، في هذا العام أيضاً توفي عمه أبو طالب الذي أظهر من النبل في كفالته، ومن البطولة في الدفاع عنه الشيء الكثير، وقد نالت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم ما لم تنل منه في أي وقت مضى، وفي هذا العام بالذات خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ـ محنة وراء محنة ـ يلتمس هداية أهلها، إذا كان الإسراء والمعراج تكريماً عظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم بعد امتحان صعب جداً، فما هذا الامتحان الصعب الذي اجتازه النبي، هذا درس لنا أيها الأخوة، حينما تأتي مصيبة بسبب استقامتك، بسبب دينك، بسبب إيمانك، هذه المصيبة وسام شرف لك، هذه المصيبة ترفعك إلى أعلى عليين، ولك بسيد المرسلين القدوة والأسوة.
وجاء الفرج من الله تعالى بعد كل هذه الشدائد:ـ

1- في طريق عودته من الطائف, وعند حائط ابني ربيعة, التقى بعداس النصراني فأسلم فيخرج بقلب عداس.
2- وفي طريق عودته من الطائف, أقام الرسول صلى الله عليه وسلم أيامًا في وادي نخلة القريب من مكة – وخلال فترة إقامته هذه بعث الله إليه نفرًا من الجن استمعوا إلى القرآن الكريم, وأسلموا وعادوا إلى قومهم منذرين ومبشرين, كما ذكر الله تعالى في كتابه العزيز: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ) (الأحقاف: 29).

3ـ هدية السماء لأهل الأرض التي تعتبر بمثابة معراج المؤمن إلي الله ففي المعراج فرض الله تعالى الصلاة خمسين صلاة في اليوم والليلة – فلما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم (التخفيف) فجعلها الله تعالى أرحم الراحمين خمس صلوات، فهي في العدد خمس صلوات وفي الأجر خمسين صلاة.
الدرس السابع: قوة اليقين في الله تعالي القوي القادر:ـ

 لما رجع النبي صلي الله عليه وسلم من رحلة الطائف وأراد العودة إلي مكة ، قال زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟ فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فَرَجاً،إن الله ناصر نبيه ومظهر دينه .
 منتهي اليقين بالله القوي القادر، قال تعالى (وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) (الكهف: 98). فالحياة لا تخلو من الشدائد, وعلى المؤمن الثبات واليقين في الله تعالي هو المفرج لكل الكروب المخفف لكل الهموم , وتلك هي السعادة الحقيقية، ولقد وضع الله عز وجل لنا البشريات التي تبعث في النفس الأمل واليقين في الله تعالي .. فلقد بشرنا رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم بوفرة المال في أيدي الناس ،فيروى أبوهريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ لَا أَرَبَ لِي) متفق عليه. 
ويؤكد حديث أبي موسى مرفوعًا: (ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب, ثم لا يجد أحدًا يأخذها منه) (متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان)، 
وهذا كله دليل على ظهور الرخاء ورغد العيش, وزوال الفقر من المجتمع, بحيث لا يوجد فقير يستحق الصدقة أو يقبلها وهذا من بركات عدل الإسلام, وأثر الإيمان والتقوى في حياة الناس, كما قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (الأعراف: 96 ) 
فمهما زادت الشدائد فلا نيأس أبدا ً, فالتاريخ يثبت أن قوة الأمة تبرز عند الشدائد: رأينا ذلك في يوم بدر, ويوم الأحزاب, وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما ارتدت قبائل العرب – فيما عدا المدينة ومكة والطائف – فكانت حروب الردة – ورأينا ذلك عندما زحف الصليبيون في تسع حملات شهيرة عرفت باسم الحملات الصليبية, وعانت الأمة كذلك من الغزو التتري الوثني, برغم كل ذلك وغيره, جاء النصر من عند الله على أيدي رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه, بقوة الإيمان, وقوة اليقين في الله, فاذكروا أيها المسلمون فضل الله عليكم (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الأنفال: 26)
 أيها المسلمون: إن نبيكم صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل الحسن ويكره التشاؤم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعحِبُهُ الفأل الحسن ويكره الطِّيَرةً) (البخاري ومسلم).
قال ابن عباس رضي الله عنهما الفرق بين الفأل والطيرة أن الفأل من طريق حسن الظن بالله, والطيرة لا تكون إلا في السوء فلذلك كرهت) فتح الباري وقال الحَلِيميُّ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل, لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب مُحقَّقٍ, والتفاؤل حسن ظن به, والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال). 
عباد الله:
 أبشروا, وكونوا مع الله يكن الله معكم إنكم أهل الطاعة, ولن يخزيكم الله أبدًا, فلا تخافوا, ولا تحزنوا, و أبشروا: قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ) (فصلت:30 – 32)، (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) (يونس 62 – 65)
الدرس الثامن : العلاقة بين الإسراء وبني إسرائيل :ـ

 الناظر في سورة الإسراء يري أن الله تعالي ذكر قصة الإسراء في آية واحدة فقط، ثم أخذ في ذكر فضائح اليهود وجرائمهم، ثم نبههم بأن هذا القرآن يهدى للتى هي أقوم، فربما يظن القارئ أن الآيتين ليس بينهما ارتباط، والأمر ليس كذلك، فإن الله تعالى يشير بهذا الأسلوب إلى أن الإسراء إنما وقع إلى بيت المقدس؛ لأن اليهود سيعزلون عن منصب قيادة الأمة الإنسانية ، لما ارتكبوا من الجرائم التي لا مجال بعدها لبقائهم على هذا المنصب، وإن الله سينقل هذا المنصب فعلا إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ويجمع له مركزى الدعوة الإبراهيمية كليهما، فقد آن أوان انتقال القيادة الروحية من أمة إلى أمة؛ من أمة ملأت تاريخها بالغدر والخيانة والإثم والعدوان، إلى أمة تتدفق بالبر والخيرات، ولا يزال رسولها يتمتع بوحى القرآن الذي يهدى للتى هي أقوم‏ ، ويؤكد علي ذلك إمامة الرسول صلي الله عليه وسلم بالأنبياء في المسجد الأقصي. ولكن كيف تنتقل هذه القيادة، والرسول يطوف في جبال مكة مطرودًا بين الناس‏؟‏ هذا السؤال يكشف الغطاء عن حقيقة أخرى، وهي أن عهدًا من هذه الدعوة الإسلامية قد أوشك إلى النهاية والتمام، وسيبدأ عهد آخر جديد يختلف عن الأول في مجراه، ولذلك نرى بعض الآيات تشتمل على إنذار سافر ووعيد شديد بالنسبة إلى المشركين ‏{‏ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيرًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏16، 17‏]‏ 
وبجنب هذه الآيات آيات أخرى تبين للمسلمين قواعد الحضارة وبنودها ومبادئها التي يبتنى عليها مجتمعهم الإسلامى، كأنهم قد أووا إلى أرض امتلكوا فيها أمورهم من جميع النواحى، وكونوا وحدة متماسكة تدور عليها رحى المجتمع، ففيه إشارة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيجد ملجأ ومأمنًا يستقر فيه أمره، ويصير مركزًا لبث دعوته في أرجاء الدنيا‏، وهذا سر من أسرار هذه الرحلة المباركة .
الدرس التاسع : مكانة المسجد الأقصي :ــ

 ارْتَبَطَتْ قُدسيَّة المسجد الأقصى في العقيدة الإسلاميَّة منذ أن كان القبلة الأولى للمسلمينَ، فهو أولى القبلتينِ حيثُ صلَّى المسلمون إليه في بادئ الأمر نحو سبعة عشر شهرًا قبل أن يَتَحَوَّلوا إلى الكعبة ويتخذوها قبلتهم بعد أنزل الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 144]. 
وتوثقت مكانة المسجد الأقصى في نفوس المسلمين بحادثة الإسراء والمعراج، تلك المعجزة العقائديَّة التي اختص بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فصاغها المولى بكلمات مجلجلة في آذان وقلوب المؤمنين إلى يوم الساعة{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1]. 
لقد وضعَ الحق – تباركَ وتعالى – بهذه الوثيقة الرَّبَّانيَّة مسؤولية رعاية هذا البيت وحمايته من عبث العابثين، وانحراف المنحرفين، وصارت هذه الوثيقة آية تتلى في اليوم والليلة مُذَكِّرة المسلمين بمسؤوليتهم تجاه الأقصى وما حوله فقد أسري برسول الله – صَلَّى الله عليه وسَلَّم – ليلاً منَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس قبل الهجرة بعام، ومن بيتِ المقدس صَعِدَ النَّبي – عليه السلام – إلى السَّماء فكان المعراج. وقد ربطتِ الرسالة المُحَمَّدية بين مكانة كلٍّ منَ المسجد الحرام بمكة المكرمة ومسجد النبوي بالمدينة المنورة والمسجد الأقصى بالقُدس المشرفة، فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا تشدّ الرّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))؛ متفق عليه. 
كما ورد عن أبي الدَّرداء مرفوعًا: ((الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة, والصلاة بمسجدي بألف صلاة, والصلاة في بيت المقدس بخمس مائة صلاة)). 
وفي مجال التقديس لمكانة القدس ، قام الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالسفر إلى فلسطين عندما اشترط أهلها أن يتسلم مفاتيحها أمير المؤمنين بنفسه وكان لهم ما أرادوا، وهذه هي المدينة الوحيدة في عهد الراشدين التي تولى خليفة بنفسه تسلم مفاتيحها. وقام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكتابة العهدة العمرية التي أمن فيها النصارى على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها .
وأما القائد المسلم الملهم صلاح الدين الأيوبي فقد آل على نفسه ألا يبتسم حتى يحرر بيت المقدس من سيطرة الصليبيين وكان له ما أراد في عام 583هـ (4 يوليو 1187م) ، وتم فتح بيت المقدس في 27 رجب من عام 573هـ (2 أكتوبر 1187م) بعد استعمار صليبي دام 88 عاماً. ولقد استمر الحكم الإسلامي لفلسطين نحو من 1200 سنة حتى عام 1917م وهو أطول فترة تاريخية مقارنة بأي حكم آخر. ولمكانتها العظيمة في نفوس الصحابة والتابعين فقد نزل إليها عدد كثير من الصحابة والتابعين والفقهاء نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، وأسامة بن زيد بن حارثة، ودحية الكلبي، وأوس بن الصامات، هذا من الصحابة، أما التابعون فمنهم: رجاء بن حيوة الكندي وهو من مواليد بيسان (وهو الذي أشار على سليمان بن عبدالملك تولية عمر بن عبدالعزيز الخلافة) ومنهم أيضاً عبادة بن نسي الكندي، ومالك بن دينار والأوزاعي، أما من الفقهاء والأئمة من الذين عاشوا فيه أو زاروه، فمنهم: إبراهيم بن أدهم والليث بن سعد (فقيه مصر) وأبوبكر الطرطوشي، وأبوبكر الجرجاني، وابن قدامة المقدسي. وممن ينتسبون إلى فلسطين: فاتح الأندلس موسى بن نصير اللخمي، وأول علماء الكيمياء في التاريخ الإسلامي خالد بن يزيد الأموي. وهذه الآثار وغيرها فوق أنها تُؤَكِّد مكانة المسجد الأقصى في الإسلام، فإنها تؤصل أيضًا مسؤولية المسلمين عنه حماية ورعاية وصيانة، وأنه لا يجوز لهم شرعًا التفريط فيه، أو التَّهاون في حمايته واسترجاعه ممن سلبه منهم. فإنَّ الأمة مَدْعُوَّة اليوم أن تهبَّ لمُنَاصَرة الأقصى وحمايته منَ التَّدنيس والتدمير والعدوان المستمر. إنَّ الأمة مَدْعُوَّة لأن تقدم اليوم عمر أو صلاحًا يفتح أو يحرر القدس المشرفة ويستعيد الأقصى السليب.

الخاتمة : أيها المؤمنون …

 لقد جاءت رحلة الإسراء والمعراج لتردنا إلي الله عز وجل والله عز وجل يبتلينا لنعود إليه قال تعالي (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(21) ﴾ 
( السجدة ) 
و دوام الحال من المحال: إن الأحوال تتبدل, والدنيا تتحول, والعالم يتغير {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ(140)} (آل عمران)، {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا(7)} (الطلاق)
تمت بحمد الله

ليست هناك تعليقات: