الحمدُ لله رب العالمين، ألف بين قلوب المؤمنين
،وأنعم عليهم بنعمة الأخوة والمودة فقال تعالي:{وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ
إِخْوَاناً(103)}[آل عمران].
فنحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ به من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضلَّ له ومَن يُضلل فلن تجدَ له وليًا مرشدًا.
وأشهد أنَّ لا إله إلا الله لا شريكَ له، أولٌ بلا
بداية، وآخرٌ بلا نهاية، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم .. ميز الأمة الإسلامية وجعل لها الوسطية والشهادة علي العالمين فقال تعالي {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ
عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ (143)}[البقرة ].
وأشهد أنَّ سيدنا وحبيبنا وقدوتنا وأسوتنا محمد عبد
الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله،
حث علي اغتنام الأوقات والفرص فقال رسول الله (ﷺ): "ألا إن لله في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها، فإنَّ مَن تعرَّض لنفحة
من نفحات الله لم يعذبه الله أبدًا".[ رواه الطبراني في الكبير]
نشهد أنك يا رسول الله قد بلَّغت الرسالة وأدَّىت
الأمانةَ ، ونصحت للأمة، وكشف الله بك الغمة، وجاهدت في الله حقَّ جهادك حتى أتاك اليقين.
فاللهم صلي علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما
كثيرا ...
أما بعد .. فيا أيها
المؤمنون..
يأتي شهر
شعبان من كلِّ عام ليفيض علينا من الخيرات والبركات والرحمات والذكريات الطيبة المباركة
ما نحن في أَمَسِّ الحاجة إليه.
فشهر شعبان كله متميز من أشهر العام، وكان رسول الله (ﷺ) يحفل به بعد شهر رمضان كما لم يكن يحفل بأي شهر
من شهور العام.
هذا الشهر هو الشهر الذي تُرفع فيه الأعمال إلى الله
سبحانه وتعالى كما قال عليه الصلاة والسلام.
فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول
الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان!! قال: "ذاك شهر تغفل الناس
فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع
عملي وأنا صائم". [رواه النسائي].
وهو الشهر الذي يرحم الله عز وجل فيه المسترحمين،
ويغفر لعباده المستغفرين.
هذا الشهر شهر يعتق الله سبحانه وتعالى فيه أعدادًا
لا تُحصى.. لا يحصيها إلا الله- عز وجل- من النار.
فإن شهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك وحصاد أعمالك
عن هذا العام ، فبم سيُختم عامك؟
ثم ما الحال الذي تحب أن يراك الله عليه وقت رفع
الأعمال؟
وبماذا تحب أن يرفع عملك إلى الله ؟
هي لحظة حاسمة في تاريخ المرء، يتحدد على أساسها
رفع أعمال العام كله إلى المولى تبارك وتعالى القائل قال تعالي {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ
يَرْفَعُهُ ۚ (10)}[فاطر].
فهل تحب أن يرفع عملك وأنت في طاعة للمولى وثبات
على دينه وفي إخلاص وعمل ،أم تقبل أن يرفع عملك وأنت في سكون وراحة وقعود ، وقطع
رحم، وبعد عن الله تعالي.
فلنراجع أنفسنا .. ونبادر بالأعمال الصالحة قبل رفعها
إلى المولي عز وجل في شهر رفع الأعمال .
لذلك كان لنا وقفة مع [شعبان وإصلاح ذات البين ]وذلك من خلال هذه العناصرالرئيسية التالية.
1ـ شعبان دورة تأهلية
لرمضان.
2ـ فضل ليلة النصف من
شعبان .
3ـ شعبان وإصلاح ذات
البين.
4ـ فرضية الإصلاح.
5ـ فضل إصلاح ذات البين
.
6ـ مجالات الإصلاح .
7ـ آثار الإصلاح.
8ـ ضوابط الإصلاح.
=================
العنصر الأول : شعباد
دورة تأهيلية لرمضان :ـ
شهر شعبان هو شهر التدريب والتأهيل التربوي والرباني؛
يقبل عليه المسلم ليكون مؤهلاً للطاعة في رمضان، فيقرأ في شهر شعبان كل ما يخص شهر
رمضان ووسائل اغتنامه، ويجهِّز برنامجه في رمضان، فيجعل من شهر شعبان دورة تأهيلية
لرمضان، فيحرص فيها على الإكثار من قراءة القرآن والصوم وسائر العبادات، ويجعل هذا
الشهر الذي يغفل عنه كثير من الناس بمثابة دفعة قوية وحركة تأهيلية لمزيد من الطاعة
والخير في رمضان؛ حتى لا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرَّن على
الصيام واعتاده، ووجد في صيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذَّته، فيدخل في صيام رمضان
بقوة ونشاط، وحتى يتحقَّق هذا الأمر؛لذلك لو نظرنا إلي شعبان نجد أن الله تعالي
حباه بفرض بعض التكاليف الهامة والضرورية في حياة المسلم وهي...
1ـ فرض الصيام في رمضان..
2ـ فرض الزكاة.. والزكاة كانت مفروضة في مكة لكن
دون تحديد لنصاب والأحكام المختلفة.. فحدد ذلك في شعبان 2 هجرية..
3ـ فرض القتال على المسلمين بعد أن كان مأذوناً به
فقط.. وذلك عندما نزل قول الله عز وجل: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم
ولا تعتدوا"..
4ـ تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة
في النصف من شعبان سنة 2 هجرية..
فهذه أربعة أمور في غاية الأهمية تركزت كلها في شهر
واحد وهو شعبان 2 هجرية!!..
لماذا؟!!
لأن في الشهر القادم رمضان سنة 2 هجرية سيحدث أمر هام جداً يحتاج إلى كثير إعداد, وإلى
عظيم تربية..
ستحدث "غزوة بدر الكبرى".. في 17 رمضان
سنة 2 هجرية..
إذن هذه الأمور الأربعة هي لإعداد الجيش المسلم المجاهد
الذي سيدخل في المعركة الفاصلة.. وهي كذلك لإعداد أي جيش مسلم مجاهد يدخل في أي معركة
فاصلة..
العنصر الثاني : فضل ليلة
النصف من شعبان :ـ
إن شهر شعبان هو شهر المنحة الربانية التي يهبها
الله لأمة النبي محمد (ﷺ) ، وهو هديةٌ من رب العالمين إلى عباده الصالحين؛ ففيه ليلة عظيمة هي ليلة النصف
من شعبان، عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها في قوله (ﷺ):{يطّلع الله تبارك وتعالى
إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلاَّ لمشرك أو مشاحن}[ رواه ابن ماجه والطبراني وغيرهما صححه الألباني] .
فهي فرصة تاريخية لكل مخطئ ومقصر في حق الله تعالي
، وهي فرصة لمحو الأحقاد من القلوب ، فلا مكان هنا لمشاحن وحاقد وحسود ، وليكن شعارنا
جميعا قوله تعالى{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا
الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ
آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) }[الحشر].
وهي فرصة لكل من وقع في معصية أو ذنب مهما كان حجمه
، هي فرصة لكل من سولت له نفسه التجرؤ على الله بارتكاب معاصيه ، هي فرصة لكل مسلم
قد وقع في خطأ " كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابين"
هي فرصة إذاً لإدراك ما فات وبدء صفحة جديدة مع الله
تكون ممحوة من الذنوب و ناصعة البياض بالطاعة .
هذه فرصة لنتعرض لرحمة الله، نتعرض لمغفرته
تعالي، نتعرض لإكرامه، ونبسط أكف الضراعة والافتقار إليه، داعين متضرعين أن يخفف عنَّا
عزَّ وجلَّ من ذنوبنا، وأن يكرمنا بالعفو والعافية التامة، كما كان حال رسول الله (ﷺ)، روى البيهقي بإسناد جيد عن عائشة رضي الله عنها
أنها قالت: قام رسول الله (ﷺ) ليلة فصلى وسجد وأطال السجود حتى ظننت أنه قد قُبض، فلما رأيت ذلك قمت وحركت
أنمله فتحرك، فرجعت فسمعته يقول في سجوده: "اللهم
إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك
أنت كما أثنيت على نفسك"، فلما سلَّم قال لي "يا عائشة: أظننت أن رسول الله
(ﷺ) قد خاس بك؟"
قلت لا والله يا رسول الله، ولكنني ظننت أنك قد قُبِضت
أي لطول سجوده وعدم تحركه فقال رسول الله (ﷺ) : "أتعلمين أي ليلة هذه؟"
قلت: الله ورسوله أعلم، "قال: إنها ليلة
النصف من شعبان، يَطَّلِع الله عزَّ وجلَّ فيها على عباده فيقول: ألا هل من مستغفر
فأغفر له، ألا هل من سائل فأعطيه، ألا هل من داع فأستجيب له، ويؤخر أهل الأحقاد كما
هم".
لذلك استحب بعض الفقهاء قيام هذه الليلة لتعرض المؤمن
إلى رحمة الله ومغفرته.
وقد ذكر الإمام ابن تيمية أن طوائف من السلف كانوا
يقومونها، وإنما كره بعض السلف الاجتماع لها في المسجد، وعدوا ذلك من البدع.
أما ما يفعله كثير من المسلمين من إحداث صلاة فيها
بعدد مخصوص وقراءة مخصوصة فهو بدعة محدثة.
يقول الإمام النووي: الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب،
وهي ثنتا عشرة ركعة تصلى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة في رجب، وصلاة ليلة نصف
شعبان مائة ركعة، وهاتان الصلاتان بدعتان ومنكران قبيحان، ولا يغتر بذكرهما في كتاب
قوت القلوب، وإحياء علوم الدين، ولا بالحديث المذكور فيهما فإن كل ذلك باطل . اهـ.
من المجموع.
فينبغي للمسلم أن يحرص على الطاعة في هذه الليلة
بقيامها، والتخلي عن الشرك أكبره وأصغره، والصفح عن إخوانه حتى ينال هذا الفضل، ويجب
عليه اجتناب المحدثات: فكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف.
العنصر الثالث : شعبان وإصلاح ذات البين:ـ
شهر شعبان هو الشهر الذي تُعرض فيه الأعمال على الله
عزَّ وجل، فأَحَبَّ النبيُّ (ﷺ)أن يكون على حالة من الطاعة وقت عرض الأعمال على رب العالمين، وهذا فيه لَفْتٌ
لأنظار الأمة من بعده في هذا الشهر الكريم، أن يحاول المسلم أن يكون على أكمل حال من
الطاعة في شهر شعبان ، ولا شك أن إصلاح ذات البين وإنهاء الخصومات من أكبر الطاعات
المطلوبة، خصوصًا في هذا الشهرالكريم؛ وذلك لما لها من فضل كبير، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): {أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ"؟.
قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ؛ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ
الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ}[رواه الترمذي،وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ].
وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ (ﷺ) أَنَّهُ قَالَ: "هِيَ
الْحَالِقَةُ، لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ".
وفي تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي يقول:
"قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْحَالِقَةُ: الْخَصْلَةُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا
أَنْ تحْلِقَ، أَيْ تُهْلِكَ وَتَسْتَأْصِلَ الدِّينَ، كَمَا يَسْتَأْصِلُ الْمُوسَى
الشَّعْرَ، وَقِيلَ هِيَ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَالتَّظَالُمُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ حَثٌّ وَتَرْغِيبٌ فِي
إِصْلاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَاجْتِنَابٌ عَنْ الإِفْسَادِ فِيهَا؛ لأَنَّ الإِصْلاحَ
سَبَبٌ للاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ وَعَدَمِ التَّفَرُّقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ،
وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ ثُلْمَةٌ فِي الدِّينِ، فَمَنْ تَعَاطَى إِصْلاحَهَا وَرَفعَ
فَسَادِهَا نَالَ دَرَجَةً فَوْقَ مَا يَنَالُهُ الصَّائِمُ الْقَائِمُ الْمُشْتَغِلُ
بِخُوَيْصِّةِ نَفْسِهِ"، فلا يصح أخي الكريم أن تأخذ في البناء في شهر شعبان
من الأعمال الصالحة، ثم يأتي ما ينقص من هذه الأعمال أو يأتي عليها من فساد ذات البَيْنِ
بينك وبين أحد من المسلمين عامة، أو من الأرحام خاصة.
ويكفي أن تعلم أخي الكريم خطر أمر الخصام والشحناء
والبغضاء بين المسلمين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ:{تُفْتَحُ أَبْوَابُ
الْجَنَّةِ يَوْمَ الإثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا
يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ،
فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى
يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا}[ رواه مسلم].
وفي رواية
للإمام مسلم أيضًا: "تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ
يَوْمِ خَمِيسٍ وَإثْنَيْنِ".
فالحديث يوضح أنَّ مغفرة الذنوب وقت عرض الأعمال
على الله عزَّ وجل قد يؤخرها فساد ذات البَيْنِ والخصام والشحناء والبغضاء، وشهر شعبان
هو وقت عرض أعمال السنة كلها على الله عزَّ وجل، فينبغي أن نبتعد فيه عن كل ما يؤخر
مغفرة الذنوب، وأيُّ خصامٍ وأيُّ شحناء تستحق أن تَتَأَخَّر مغفرة الله لذنوبنا بسببها؟!.
ونحن مُقبِلُون بعد ذلك على شهر رمضان، وما أجمل
أن نستقبل هذا الشهر المبارك بصدر رحبٍ خالٍ من الشحناء والبغضاء والخصام، بصدرٍ مملوء
بالحب والخير لكل الناس.
فليكن شهر شعبان فرصة وبداية لإصلاح ما فسد بيننا
وبين الناس.
العنصر الرابع : فرضية
الإصلاح بين الناس
إن إصلاح ذات البين مسئولية فردية وجماعية وسلوك
إيجابي وهو مع ذلك يدخل في إطار العبادات ، وهو إزالة أسباب الشقاق والنزاع والفرقة
،والإتيان بأسباب الوفاق والتآلف والحب والمودة مكانها.
قال الله تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ
ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)} [الأنفال] .
وقال الله تعالى:{إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ(10)} [الحجرات].
وقال سبحانه وتعالي:{وَأَصْلِحْ
وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ(142)}[الأعراف].
وهذا أمرٌ لابد منه، أصلحوا ما بينكم وبين إخوانكم،
أصلحوا بين النفوس، قربوا بينها، أزيلوا أسباب العداوة.
العنصر الخامس : فضل إصلاح ذات البين:ـ
1ـ الأجر العظيم :ـ
قال الله تعالى في فضل الإصلاح:{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ
بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ
ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء].
2ـ أجر المصلح لن يضيع
:ـ
لقد رفع الله من شأن المصلحين وبين أن أجرهم
وجهدهم لن يضيع، ولن يذهب سدي قال تعالى: {وَالَّذِينَ
يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ
(170)}[الأعراف].
وقال تعالي:{وَجَزَاءُ
سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ
لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)} [الشورى].
3ـ الصلح خير:ـ
قال تعالي :{وَالصُّلْحُ
خَيْرٌ ۗ (128)}[النساء].
4ـ إصلاح ذات البين مبشر
بعون الله لفاعله بالتوفيق :ـ
قال تعالى :{إِنْ يُرِيدَا
إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)}
[النساء]
5ـ أعلى درجات البر:ـ
أخبر النبي (ﷺ) في الحديث السابق أن عبادة إصلاح ذات البين
أفضل درجة من درجة الصلاة والصيام والصدقة .
لأن فساد ذات البين يترتب عليه سفك الدماء , ونهب
الأموال وهتك الحرمات , فإذا تم الإصلاح بين الناس تحولت تلك الأخلاقيات الذميمة إلى
ألفة ومحبة وإخاء واتحاد , فهو سبب للاعتصام بحبل الله تعالى وعدم التفريق بين المسلمين
وفساد ذات البين نقص في الدين فمن سعى في الإصلاح بين المسلمين نال درجة فوق ما يناله
الصائم القائم من النوافل المشتغل بحاجة نفسه فقط.
6ـ الإصلاح بين الناس صدقة:
لما كان نفع إصلاح ذات البين متعدياً، وخيره عميماً،
وفائدته شاملة، صار أجره عظيماً،
فعن أبي هريرةرضى الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ):{كلّ سلامى من النّاس عليه صدقة كلّ يوم تطلع فيه
الشّمس يعدل بين النّاس صدقة}[ صحيح البخاري]. وفي لفظ: {تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ}[ صحيح مسلم].
كل مفصل من مفاصل الإنسان من هذه العظام عليه حقٌ
واجب يجب على العبد أن يؤديه لربه شكراً على إنعامه ،فإذا أصلح بينهما وعدل بينهما،
أتى بصدقة من هذه الصدقات، وأدى بعض ما عليه من الحق.
ومن شرف الإصلاح بين الناس أذنت الشريعة الغراء بالكذب فيه
فعن أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط- وكانت من المهاجرات الأول اللّاتي بايعن
النّبيّ (ﷺ) أخبرته أنّها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وهو
يقول:{لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ،
فَيَنْمِي خَيْرًا، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا))
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ
النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ
الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا}[صحيح مسلم].
7ـ سبب من أسباب دخول
الجنة:ـ
عن أبي هريرة رضى الله عنه أنّ رسول الله (ﷺ) قال:{تُفْتَحُ أَبْوَابُ
الْجَنَّةِ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ
يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ،
فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا،
أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا}[رواه مسلم].
8ـ عبادة يحبها الله
تعالي:ـ
من عظيم بركة الرب وعفوه ورحمته أنه يصلح بين المؤمنين
يوم القيامة ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : بينا رسول
الله (ﷺ) جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه ،
فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي
؟
فقال : رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة ، فقال
أحدهما : يا رب خذ لي مظلمتي من أخي ، فقال الله تبارك وتعالى للطالب : فكيف تصنع بأخيك ولم يبق من
حسناته شيء ؟
قال : يا رب فليحمل من أوزاري ، قال : وفاضت عينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال : إن ذاك اليوم يحتاج الناس إلى من يُحمل
عنهم من أوزارهم ، فقال الله تعالى للطالب : ارفع بصرك فانظر في الجنان ، فرفع رأسه
فقال : يا رب أرى مدائن من ذهب وقصور من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا ؟ أو لأي صديق
هذا ؟ أو لأي شهيد هذا ؟
قال : هذا لمن أعطى الثمن ، قال : يا رب ومن يملك
ذلك ؟
قال : أنت تملكه ، قال : بماذا ؟ قال : بعفوك عن
أخيك ، قال : يا رب فإنى قد عفوت عنه ، قال الله عز وجل : فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة
، فقال رسول الله (ﷺ) عند ذلك " اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ، فإن الله يصلح بين المؤمنين
" [ رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد ]
9ـ سبيل من سبل رحمة الله
تعالى التي بها يحصل خير الدنيا والآخرة:ـ
قال الله تعالي : {وَإِنْ
طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ
إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ
اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ
أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)}[الحجرات]
العنصر السادس مجالات الإصلاح
:ـ
1. في الأفراد والجماعات :ـ
كان النبي (ﷺ) يذهب في الإصلاح ولو بعدت المسافة وفاته شيءٌ من
الجماعة لأجل الإصلاح بين الناس، كما روى البخاري رحمه الله:
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال بلغ رسول الله (ﷺ) أن بني عمرو بن عوف بقباء كان بينهم شيء فخرج يصلح بينهم في أناس من أصحابه
فحبس رسول الله (ﷺ) وحانت الصلاة فجاء بلال إلى أبي بكر رضي الله عنهما فقال يا أبا بكر إن رسول
الله (ﷺ) قد حبس وقد حانت الصلاة فهل لك أن تؤم الناس قال نعم إن شئت فأقام بلال الصلاة
وتقدم أبو بكر رضي الله عنه فكبر للناس وجاء رسول الله (ﷺ) يمشي في الصفوف يشقها شقا حتى قام في الصف فأخذ
الناس في التصفيح قال سهل التصفيح هو التصفيق قال وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت
في صلاته فلما أكثر الناس التفت فإذا رسول الله (ﷺ) فأشار إليه يأمره أن يصلي فرفع أبو بكر رضي الله
عنه يده فحمد الله ثم رجع القهقرى وراءه حتى قام في الصف وتقدم رسول الله (ﷺ) فصلى للناس فلما فرغ أقبل على الناس فقال يا أيها الناس ما لكم حين نابكم شيء
في الصلاة أخذتم بالتصفيح إنما التصفيح للنساء من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله
ثم التفت إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال يا أبا بكر ما منعك أن تصلي للناس حين أشرت
إليك قال أبو بكر ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي (ﷺ).
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ فَأُخْبِرَ رَسُولُ
اللَّهِ (ﷺ) بِذَلِكَ فَقَالَ :"
اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ " [ رواه البخاري ]
2. في الأزواج والزوجات :ـ
لقد وجهنا الله تعالى إلى إصلاح ذات البين عند وقوع
الشقاق بين الزوجين فقال تعالي:
{وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزًا
أَوْ إِعْراضًا فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحًا وَالصُّلْحُ
خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ
كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ
النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ
وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) وَإِنْ
يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعًا حَكِيمًا
(130)}[النساء].
وجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) إلي بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي
الْبَيْتِ فَقَالَ : أَيْنَ ابْنُ عَمِّك ؟ِ
قَالَت:ْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي
فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي ، فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ
(ﷺ) لإِنْسَان:ٍ انْظُرْ أَيْنَ هُوَ فَجَاءَ فَقَال:َ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ
فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ
شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: قُمْ أَبَا تُرَابٍ
، قُمْ أَبَا تُرَابٍ " [ رواه البخاري ]
3. بين المتداينين :ـ
عن كَعْبٍ بن مالك أَنَّه تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ
دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا
حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) وَهُوَ فِي بَيْتٍه فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى
كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ : يَا كَعْبُ فَقَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه،
ِ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ فَقَالَ كَعْب:ٌ قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): قُمْ فَاقْضِه
" [ رواه البخاري ] .
4ـ الإصلاح بين الورثة المتنازعين
قال تعالى: {فَمَنْ
خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)}[البقرة].
قد يحيف بعض الموصين على ورثته، ويحاول أن يضرهم،
فمثل هذا لا يجوز، فإذا وفقك الله أو كنت حاضرًا عنده فأصلح بينهم وأرشده إلى ألا يجور
في الوصية، ولا يخرج عن الحد المعتاد؛ حتى يقبل الله منه وصيته، وحتى يرضى عنه ورثته.
5. في الأقارب والأرحام :ـ
حُدِّثَتْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ : وَاللَّهِ
لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ أَوْ لأحْجُرَنَّ عَلَيْهَا فَقَالَتْ أَهُوَ قَالَ هَذَا
؟
قَالُوا : نَعَم.ْ
قَالَتْ : هُوَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لا أُكَلِّمَ
ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَدًا ، فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهَا حِينَ طَالَتْ
الْهِجْرَةُ فَقَالَتْ : لا وَاللَّهِ لا أُشَفِّعُ فِيهِ أَبَدًا وَلا أَتَحَنَّثُ
إِلَى نَذْرِي فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ كَلَّمَ الْمِسْوَرَ
بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وَهُمَا
مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَقَالَ لَهُمَا أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ لَمَّا أَدْخَلْتُمَانِي
عَلَى عَائِشَةَ فَإِنَّهَا لا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذِرَ قَطِيعَتِي ، فَأَقْبَلَ
بِهِ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُشْتَمِلَيْنِ بِأَرْدِيَتِهِمَا حَتَّى اسْتَأْذَنَا
عَلَى عَائِشَةَ فَقَال: السَّلامُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ أَنَدْخُل
؟ُ
قَالَتْ عَائِشَة:ُ ادْخُلُوا ، قَالُوا كُلُّنَا
. قَالَت:ْ نَعَم ادْخُلُوا كُلُّكُمْ . وَلا تَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُمَا ابْنَ الزُّبَيْرِ
فَلَمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْحِجَابَ فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ وَطَفِقَ
يُنَاشِدُهَا وَيَبْكِي وَطَفِقَ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنَاشِدَانِهَا
إلاَّ مَا كَلَّمَتْهُ وَقَبِلَتْ مِنْهُ وَيَقُولانِ إِنَّ النَّبِيَّ (ﷺ) نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنْ الْهِجْرَةِ فَإِنَّهُ
لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ فَلَمَّا أَكْثَرُوا
عَلَى عَائِشَةَ مِنْ التَّذْكِرَةِ وَالتَّحْرِيجِ طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُمَا نَذْرَهَا
وَتَبْكِي وَتَقُول:ُ إِنِّي نَذَرْتُ وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ فَلَمْ يَزَالا بِهَا حَتَّى
كَلَّمَتْ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً
وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا
" [ رواه البخاري ]
6. في القبائل والطوائف :ـ
عن أَنَس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ
(ﷺ) لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ فَانْطَلَقَ
إِلَيْهِ النَّبِيُّ (ﷺ) وَرَكِبَ حِمَارًا فَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ يَمْشُونَ مَعَهُ وَهِيَ أَرْضٌ
سَبِخَةٌ فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ قَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ آذَانِي
نَتْنُ حِمَارِك.َ
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأنْصَارِ مِنْهُم:ْ وَاللَّهِ
لَحِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) أَطْيَبُ رِيحًا مِنْك.َ فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَشَتَمَه
،ُ فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ فَكَانَ بَيْنَهُمَا ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ
وَالأيْدِي وَالنِّعَالِ فَبَلَغَنَا أَنَّهَا أُنْزِلَتْ " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا " [رواه البخاري]
7. في الأموال والدماء :ـ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
: قَالَ النَّبِيُّ (ﷺ): اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ فَوَجَدَ
الرَّجُلُ
الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ فَقَالَ لَهُ الَّذِي
اشْتَرَى الْعَقَارَ خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأرْضَ وَلَمْ
أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ ، فَقَالَ الَّذِي شرى الأرْضُ : إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ
وَمَا فِيهَا ، قال : فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ
: أَلَكُمَا وَلَدٌ ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا لِي غُلامٌ وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ
قَالَ أَنْكِحُوا الْغُلامَ الْجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِكمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا
" [ رواه مسلم ]
8. في النزاع والخصومات:ـ
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : سَمِع
رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ عَالِيَةٍ أَصْوَاتُهُمَ ، وَإِذَا أَحَدُهُمَا
يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ يَقُول:ُ وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): فَقَالَ أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ لا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ ؟ فَقَالَ
: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ " [ رواه البخاري ]
العنصر السابع :أثار
الإصلاح :ـ
إن فوائد الصلح كثيرة، فإنه يثمر إحلال الألفة مكان
الفرقة، واستئصال داء النزاع قبل أن يستفحل، وحقن الدماء التي تراق، وتوفير الأموال
التي تنفق بالحق وبالباطل، والحماية من شهادة الزور، وتجنب المشاجرات والاعتداءات على
الحقوق والنفوس...
ومن آثار إصلاح ذات البين ما يلي ....
1ـ تقوية الأواصر
والروابط بين الناس :ـ
إصلاح ذات البين يقوي الأواصر بين الأفراد والأسر
وجميع مكونات المجتمع وبالتالي يتعاون الناس على بناء وحماية مجتمعهم قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنانِ
يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» ثُمَّ شَبكَ بَين أَصَابِعه ". مُتَّفق عَلَيْهِ
.
2ـ إصلاح ذات البين إحباط
لمكر الشيطان :ـ
إصلاح ذات البين سد لثغرات "الشيطان التي يفتحها
في إفساد العلاقات بين الناس
فعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِر ٍرضي الله
عنه، عَنْ النَّبِيِّ (ﷺ) قَالَ: " عَرْشُ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ،
يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً، أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً
" رواه مسلم .
وقد حذر النبي (ﷺ) من تحريش الشيطان بين الناس ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
عبد الله رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ (ﷺ) قَالَ:" إِنَّ الشَّيْطَانَ
قَدْ يَئِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ
"رواه مسلم .
العنصر الثامن :ضوابط الإصلاح:ـ
لقد وضع الإسلام الحنيف ضوابط للصلح بين الناس
وشروط وهي أن يوافق شرع الله تعالي،
عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده
قال سمعت رسول الله (ﷺ) يقول: {الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا
صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أو أحل حرامًا}[رواه الترمذي وقال حسن صحيح].
ويقول ابن القيّم: ((فالصّلح الجائز بين المسلمين
هو الّذي يعتمد فيه رضا الله سبحانه ورضا الخصمين، فهذا أعدل الصّلح وأحقّه، وهو يعتمد
العلم والعدل، فيكون المصلح عالما بالوقائع، عارفا بالواجب، قاصدا للعدل، فدرجة هذا
أفضل من درجة الصّائم القائم))
نسأل الله عز وجل أن يصلح ذات بيننا، وأن يهدينا
سبل السلام، وأن يخرجنا من الظلمات إلى النور.
===========
رابط doc
رابط pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق