أمانة
التجارة في الإسلام
الحمد لله رب العالمين. خلق السماوات والأرض
بالحق والعدل ووضع الميزان في الأرض ليقوم الناس بالقسط بينهم، وأمر بعدم الطغيان في
الميزان فقال تعالى{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ
* وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ *وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ
* أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا
الْمِيزَانَ } [الرحمن: 5 - 9].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له..
أمر بالتجارة الحلال فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ
تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
بِكُمْ رَحِيمًا }[النساء: 29].
وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله (ﷺ). حث
علي الكسب الطيب ..فعن رفاعة بن رافع رضي الله عنه أن رسول
الله (ﷺ) سُئلَ: أي الكسب أطيب؟ فقال: "عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور". [روى
البزار والحاكم وصححه].
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم
تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها المؤمنون.
فإن التجارة من الكسب الطيب الذي حث عليه الإسلام
وأمر به، فقد روى البزار والحاكم وصححه عن رفاعة بن رافع رضي الله عه أن رسول الله
(ﷺ) سُئلَ: أي الكسب أطيب؟ فقال:عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور".
قال العلماء: والبيع المبرور ما ليس فيه غش
ولا خداع، ولا ما يخالف الشرع وقال تعالى{وَأَحَلَّ اللَّهُ
الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } [البقرة:275].
وقال تعالى {يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ
تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }[النساء: 29].
فالتجارة من الكسب الحلال الذي أمرنا به ديننا
الحنيف واعتبرها من الأمانات التي أوصي الإسلام بحفظها لذلك كان حديثنا عن [أمانة التجارة في الإسلام]،وذلك من خلال هذه العناصر
الرئيسية التالية:
1 - لماذا الحديث عن التجارة؟.
2 - فضل التجارة في الإسلام.
3 - الضوابط الشّرعية للتجارة.
4 - أثر الالتزام بالضوابط الشرعية.
------------------------------------
العنصر الأول: لماذا الحديث عن
التجارة؟
الحديث عن التجارة لثلاثة أسباب:-
السبب الأول:
لجهل كثير من الناس ببركتها، فأحببت أن أبين
بركتها.
السبب الثاني:
اتجاه كثير من الشباب نحو التوظيف الحكومي،
فإن لم يوجد فالمؤسسي، حتى صار عند بعضهم هماً لا ينفك عنه حتى يتوظف! مع أن الوظائف
كما قال البعض تضعف التوكل على الله، وليس ذلك تزهيداً في الوظائف، ولكن أن لا تكون
هدفاً وغاية، وكأن الدولة هي الرازقة والمعطية والمانعة، والله تعالى هو الرزاق ذو
القوة المتين، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي
الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا
كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6].
فلا بأس أن يبحث الإنسان عن الوظيفة ويفكّر
في وسيلة للتكسب، كما قال أحد الحكماء: "اشتغل حمالاً ويكون هدفك أن تكون تاجراً".
السبب الثالث:
تزايد عدد العاطلين: فالذي يقول: "لا
يوجد عمل" هذا غير منطقي؛ فالأعمال موجودة، ولكنّ تحتاج إلى حركة وتفكير وتدبير،
ولكن إذا قال: "لا أجد عملاً أنا أريده" فهذا معقول، وليس بالإمكان أن يجد
الإنسان كل ما يريده، كما قال الشاعر:
ما كل
ما يتمنى المرء يدركه ♦♦♦ تأتي الرياح بما لا تشتهي السفنُ
فلابد للإنسان أن يفكّر إلى ما يعود له بالكسب
الحلال، وكما قيل: "الحاجة أم الاختراع".
العنصر الثاني: فضل التجارة في
الإسلام:
تظهر أهمية التجارة في الإسلام أن القرآن الكريم
يسمى أرباحها فضل الله، وقد قرن الله تعالى ذكر الضاربين في الأرض للتجارة بالمجاهدين
في سبيل الله؛ قال تعالى ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي
الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
﴾ [المزمل: 20].
وقال تعالى: ﴿
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة:
198].
وقال تعالى: ﴿
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ
اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 10]
وجاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ما من مكان
أحب إلى أن يأتيني فيه أجلي بعد الجهاد في سبيل الله إلا أن أكون في تجارة أبيع وأشتري،
وقد أخذ هذا المعنى من قول الله تعالى: ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ
فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [المزمل: 20].
وتظهر أهمية التجارة من خلال ذكرها في كتاب
الله تعالى وفي سنة رسوله (ﷺ).
فقد ذكرت كلمة التجارة، وبمختلف اشتقاقاتها
تسع مرات في سبع سور، مرة يراد بها التجارة المعنوية ومرة يراد بها تجارة البيع والشراء.
قال تعالى: ﴿
أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ
وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 16]
وقال تعالى: ﴿
وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ
أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا
أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ
أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا
شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ
اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282].
وقال تعالى: ﴿
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].
وقال تعالى: ﴿ قُلْ
إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ
وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا
أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا
حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
[التوبة: 24].
وقال تعالى: ﴿
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا
قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ
الرَّازِقِينَ ﴾ [الجمعة: 11].
وقد امتنَّ الله تعالى على قريش أن كانت لهم
تجارة في الشتاء والصيف: يرتحلون من أجلها إلى الشام واليمن، فقال الله تعالى: ﴿ لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ
* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ
مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 1-4]،
وقال سبحانه: ﴿
أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ
رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص:57].
وقال تعالى: ﴿
رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ
وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ
﴾ [النور: 37].
وقال تعالى: ﴿
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾ [فاطر:
29].
وقال تعالى:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ
عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
﴾ [الصف: 10، 11]
وقال تعالى: ﴿
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ
لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا
عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ
مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111].
فقد لوحظ أن كلمة التجارة في القرآن الكريم
قد استعملت في بابي الدنيا والآخرة في البيع والشراء المادي،وفي البيع والشراء المعنوي
(الطاعة والثواب) ففي كل من سورة البقرة وفاطر والصف، قد استعملت في باب الطاعة والثواب،
وفي السور الأخرى، قد استعملت في باب البيع والشراء الحياتي المادي.
فيكون استعمال لفظة التجارة واردة في باب ربح
المادة والثواب، إلا أن الغالب عليها عند الإطلاق (البيع والشراء الحياتي المادي).
وقد أخبر النبي (ﷺ) عن بركة التجارة
علي صاحبها فقال (ﷺ)
(أعظم الناس هما المؤمن الذي يهم بأمر دنياه وأمر آخرته).
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث رافع بن
خديج قال: قيل يا رسول الله، أي الكسب أطيب؟ قال:"عَمَلُ
الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ".
وقال (ﷺ) (التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع الصديقين والشهداء).
كانت التجارة عمل النبي (ﷺ) ، فحين
بلغ مبلغ الرجال حيث كان (ﷺ) يتاجر في مال السيدة خديجة بنت خويلد
رضي الله عنها.
في هذه النصوص وغيرها دلالة على مدى الاهتمام
بالدنيا والتجارة فيها، والاهتمام بأمر الآخرة، وأن التجارة إذا كانت بحق والتزم صاحبها
الصدق والحق هي سبب من أسباب التكريم والرفعة في الآخرة، حيث حشره مع صفوة الخلق يوم
الحساب.
"وقد سئل بعض الصالحين: عن التاجر الصدوق،
أهو أحب إليه أو المتفرغ للعبادة؟
قال التاجر الصدوق أحب إلي، لأنه في جهاد يأتيه
الشيطان من طريق المكيال والميزان ومن قبل الأخذ والعطاء فيجاهده".
ونسب إلى ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:
"إني لأكره أن أرى الرجل فارغاً لا في أمر دنياه ولا في أمر آخرته".
العنصر الثالث: الضوابط الشّرعية
للتجارة:-
1- حسن التوكل علي الله تعالى:-
فإن الذي يتاجر في الغالب متوكل على الله تعالى،
فهو لا يضمن ربحاً معيناً أو خسارة، بخلاف الذي يعمل بأجر يومي أو شهري، والله سبحانه
وتعالى يقول ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ
حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا
﴾ [الطلاق: 3] الطلاق.
ويقول النبي (ﷺ) [لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو
خماصاً -جياعاً- وتروح بطاناً( أي: شباعاً)] رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه
الألباني في السلسلة الصحيحة.
فالله تعالى تكفّل بحفظه ورزقه للمتوكل، والواقع
المعاش خير شاهد، فإن أصحاب رؤوس الأموال وهم التجار الكبار ما بلغوا ذلك إلا مروراً
بالتجارة الصغيرة (البيع والشراء) حتى صاروا تجّاراً كباراً.
فهذا الصحابي الجليل سيدنا عبد الرحمن ابن
عوف رضي الله عنه، أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسٍ رضى
الله عنه، أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَآخَى رَسُولُ
اللهِ (ﷺ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ
فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ عَلِمَتِ الأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالاً سَأَقْسِمُ
مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا
إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا؛ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:
بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ، فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئًا
مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ يَسِيرًا، حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللهِ
صلى الله عليه وسلم، وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى
الله عليه وسلم: مَهْيَمْ قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ:
مَا سُقْتَ فِيهَا؛قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ:
أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ.
استطاع سيدنا عبد الرحمن بن عوف أن يكون ثروة
واسعة، بعد أن كان صداقه ربع دينار، وتصدق بأربعين ألف دينار وترك تركة تعادل مائتا
ألف وثلاثة ملايين دينار، وهو الذي دخل المدينة معدما فقيرا، ولكنه كان سببا في الإنعاش
الاقتصادي في المدينة،فكل هذا من أثر توكله علي الله تعالى.
2- العلم بأصول التجارة والعلم
بالضوابط الشرعية للتجارة:-
إن ما يحتاجه المرء في الحال ويلزمه هو: تعلم
أحكامه الشرعية احترازاً من الوقوع في المخالفات وشأن طالب التجارة كطالب الحج لزوماً
يفترض عليه تعلم ما يُؤدى به الحج.
ولا بد لطالب التجارة أو أي حرفة حياتية من
قدر من الضوابط ليتميز عنده المباح من المحظور وموضع الأشكال من المسألة التجارية.
فالمكتسب عن طريق التجارة يحتاج إلى معرفة
أحكام كسب التجارة وبتعلمه يحصل على ضمان رأسماله الدنيوي والأخروي:
1 - يقف على مفسدات المعاملات
التجارية.
2 - يقف على ما شذ من المفسدات
فيدرك سبب إشكالها.
3 - تجنب الوقوع في المعاصي
والشبهات.
وليس من الصحة الانتظار حتى يقع فيها لأن يسأل
عنها فكان لزامًا أن يفهم الأصول والضوابط الشرعية لتجارته وفي هذا فقد ذكر أنّ أمير
المؤمنين "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه كان يطوف في السوق ويقول" [لا يبع في سوقنا إلا من يفقه، وإلا أكل الربا، شاء أم أبى
]".
بأن يتعرف على المحاذير الواضحة فيبتعد عنها
وعن المحاذير المشبوهة فيتوقاها. فيكون بذلك التاجر الصادق الذي له الإحسان في الدنيا
والإحسان في الآخرة.
3 - عدم الإفراط في التجارة
وكسب الأرباح والاشتغال بذلك عن ذكر الله وعن الواجبات نحو الدين والأمة:-
أن لا تشغله تجارته عن واجباته نحو ربه عز
وجل،كأن تشغله عن ذكر الله، وعن الصلاة، وعن الزكاة، وعن الحج، وعن بر الوالدين، وعن
صلة الأرحام، وعن الإحسان إلى الناس، فهذه صفة التاجر الصدوق الذي قال (ﷺ) فيه
(التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء) (رواه
الترمذي، وقال: حديث حسن).
أن مَثَل هؤلاء مَثَل من وصفهم الله تعالى
بقوله تعالي: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا
بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ
يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ
مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ
حِسَابٍ ﴾ [النور: 37، 38].
فالصحابة الكرامة كانوا أتجر الناس مثل سيدنا
أبو بكر الصديق، وعثمان ابن عفان وسعد ابن أبي وقاص، وطلحة ابن عبيد الله، والزبير
ابن العوام رضي الله عنهم جميعا، ومع ذلك لم تشغلهم تجارتهم عن واجبهم تجاه ربهم جل
وعلا.
ويحذرنا الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى
من الانشغال بالدنيا عن الواجب نحو الله تعالى فقال:-
"من شغلته أمواله عن الصلاة حشر مع صاحب
المال. مع قارون، و من شغله ملكه عن الصلاة حشر مع فرعون، و من شغلته وزارته عن الصلاة
حشر مع هامان، و من شغلته تجارته عن الصلاة حشر مع أمية ابن خلف في الدرك الأسفل من
النار.
4 - التجارة في الحلال والمباح:-
المسلم أن يتاجر في المباح ولا يتاجر فيما
يحرم شرعاً: كالخمر أو ما فيه ضرر كالمخدرات، والتدخين ونحوه؛ لا يصح للتاجر المسلم
أن يتاجر بشيء من ذلك، حتى ولو باعها لغير مسلم، لقول النبي (ﷺ) (لا ضرر ولا ضرار). رواه مالك والحاكم والبيهقي والدار قطني
وابن ماجه وأحمد وغيرهم، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة ).
والنبي (ﷺ) لعن في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها
وبائعها وآكل ثمنها. فكل من شارك فيها بجهد ما فهو ملعون على لسان النبي (ﷺ).
وقد جاء رجل إلى النبي (ﷺ) ومعه
قربة مملوءة خمرًا ليهديها إلى النبي(ﷺ) ، فقال له عليه
الصلاة والسلام: ( إن الله قد حرم الخمر )، قال له: إذن أبيعها. قال: ( إن الذي حرم
شربها حرم بيعها ). قال: إذن أكارم بها اليهود - أي يهديها لهم مجاملة فقال: ( إن الذي
حرم بيعها وشربها حرم أن تكرم بها اليهود ). قال: فماذا أصنع بها؟ قال: ( اذهب فشنها
على البطحاء ) (رواه الحميدي في مسنده ) أي صبها وأهرق ما فيها على الطريق.
ومن هنا نعلم بأن صناعة الخمر، واستيرادها،
وتصديرها، والتجارة فيها، وكل ما يتعلق بها فهو حرام، بل أكثر من ذلك قال النبي (ﷺ): (من حبس العنب أيام القطاف ليبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمرًا
فقد تقحم النار على بصيرة) (رواه الطبراني في الأوسط وحسنه الحافظ في
بلوغ المرام). وقياسا علي ذلك حرمة التجارة في ما فيه ضر للناس.
5 - عدم الغش والتدليس:-
روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله (ﷺ) مرَّ
على صُبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال:
(أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، فمن غشنا فليس منَّا) (رواه مسلم
).
وما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «مر رسول الله (ﷺ) برجل
يبيع طعاما، فأدخل يده فإذا هو مبلول، فقال رسول الله (ﷺ) ليس منا
من غش» (صحيح
أبي داود)، وهذا غش قصد منه إيهام الناس بأن الطعام صالح للاستعمال الآدمي، إلا أنه
في الحقيقة ليس كذلك، وفيه إضرار بصحتهم وإضاعة لأموالهم، وقد نهى الإسلام عن ذلك.
فعلي البائع إظهار ما في المبيع من عيوب وهذا
واجب ومن حق المسلم علي أخيه المسلم،إذ روي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت
رسول الله (ﷺ) يقول:
«المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب
إلا بيّنه له»(صحيح ابن ماجه).
وعن أبي سباع رضي الله عنه قال: (اشتريت ناقة
من دار واثلة بن الأسقع، فلما خرجت بها أدركني يجر إزاره فقال: اشتريت؟، قلت: نعم،
قال: أبيّن لك ما فيها، قلت: وما فيها؟ قال: إنها لسمينة ظاهرة الصحة، قال: أردت بها
سفرا أو أردت بها لحما؟، قلت: أردت بها الحج، قال: فارتجعها، فقال صاحبها ما أردت إلى
هذا أصلحك الله، تفسد علي، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل
لأحد يبيع شيئا إلا بين ما فيه، ولا يحل لمن علم ذلك إلا بينه» (صحيح الترغيب)
كذلك حذر المولي سبحانه وتعالى من الغش في
الكيل والميزان،فجاءت آيات القرآن تذكر الناس بمراعاة القسط في المكاييل والموازين
كما في قوله تعالى: ﴿ السَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ
* أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا
الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 7 - 9].
وهدد الذين يتلاعبون بالمكاييل والموازين بعذاب
أليم يوم القيامة فقال: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ
إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ
يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ
* يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 1 - 6].
وقال النبي (ﷺ) للوزان{زن وأرجح} (رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن
صحيح).
التوجيه: فيه تنبيه إلى ما ينبغي أن يكون عليه
التاجر من السعة في الوزن، وأن وزنه محاسبٌ عليه أمام الله تعالى، كما أخبر المولي
سبحانه وتعالى في سورة المطففين.
6 - التزام الصدق والأمانة عند
التعامل بيعا وشراء ونحوهما:
يدل على هذا ما روي عن رفاعة بن رافع الأنصاري
رضي الله عنه: «أنه خرج مع رسول الله (ﷺ) إلى البقيع والناس
يتبايعون، فنادى يا معشر التجار، فاستجابوا لرسول الله (ﷺ) ورفعوا أعناقهم
وأبصارهم، فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من
اتقى الله وبر وصدق»(رواه الترمذي)، مما يدل على طلب الإسلام الصدق من المتعاملين
والبر في معاملاتهم مع غيرهم.
وقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدق
عامة، فقد روي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال:
«إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل
ليصدق حتى يكون صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن
الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا»(رواه البخاري).
وقال (ﷺ):(التاجر
الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء) (رواه الترمذي وقال حديث حسن)،
هو التاجر الذي يلتزم الأمانة والصدق في بيعه
وشرائه وفي سائر معاملاته، وعن حكيم ابن حزام رضي الله عنه:أن النبي (ﷺ) قال:
(البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما
في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما) » (رواه البخاري ومسلم).
وكذلك نهي عن الحلف كاذباً: فإن الحلف كاذباً
حرامٌ، وأشده حرمة من أجل الكسب؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه،يقول النبي (ﷺ): (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم
ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنّان الذي لا يعطي شيئاً إلا منّة، والمنفق سعلته
بالحلف الكاذب) (رواه مسلم).
ولقد أعطي السلف الصالح نموذجا رائعا للتاجر
الصادق الأمين:
هذا يونس ابن عبيد الله رحمه الله تعالى من
التجار فكان عنده حلل مختلفة الأثمان، ضرب قيمة كل حلة منها أربعمائة، وضرب كل حلة
قيمتها مائتان، فمر إلى الصلاة وخلف ابن أخيه في الدكان، فجاء أعرابي وطلب حلة بأربعمائة
فعرض عليه من حلل المائتين فاستحسنها ورضيها، فاشتراها فمضى بها وهي على يديه، فاستقبله
يونس فعرف حلته، فقال للأعرابي: بكم اشتريت؟ فقال بأربعمائة، فقال: لا تساوي أكثر من
مائتين فارجع حتى تردها، فقال: هذه تساوي في بلدنا خمسمائة وأنا أرتضيها، فقال له يونس:
انصرف فإن النصح في الدين خير من الدنيا بما فيها، ثم رده إلى الدكان ورد عليه مائتي
درهم، وخاصم ابن أخيه في ذلك وقاتله وقال: أما استحييت، أما اتقيت الله، تربح مثل الثمن
وتترك النصح للمسلمين، فقال: والله ما أخذها إلا وهو راض بها، قال: فهلا رضيت له بما
ترضاه لنفسك.
7 - الشعور الدائم بمراقبة الله
تعالى:-
وهذا من منهج الإسلام الذي وضعه لتربية الناس
على خلق الأمانة خاصة في البيع والشراء فقد غرس الإسلام في نفوس أتباعه الشعور الدائم
بمراقبة الله تعالى، والإحساس بمعيته في جميع الأحوال في السفر والحضر، في الخلوة والجلوة،
في الليل والنهار، في السرّ والعلانية، كما في قوله تعالى: ﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ
وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ
إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 7].
كما غرس فيهم عقيدة إحصاء الأعمال وتسجيلها
على أصحابها بواسطة الملائكة كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ
عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار:
10 - 12].
كما غرس فيهم عقيدة البعث والحساب على الأعمال
يوم القيامة، كما في قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة:
7، 8].
وهكذا ربط هذا المنهج التربوي الناس بربهم
فراقبوه في أعمالهم حتى أينعت ثمرات هذا المنهج، فظهرت الأمانة في أبهى صورها عبر أحداث
روتها لنا كتب الحديث الصحيحة ومن ذلك ما روى عن عبد الله بن دينار أنه قال: خرجت مع
عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة، فعرسنا في بعض الطريق، فانحدر بنا راعٍ من الجبل
فقال له: يا راعي، بعني شاة من هذه الغنم، فقال: إني
مملوك فقال: قل لسيدك أكلها الذئب، فقال الراعي: فأين الله؟ فبكى عمر رضي الله عنه
ثم غدا مع المملوك، فاشتراه من مولاه، وأعتقه، وقال: أعتقتك الصدق في الدنيا هذه الكلمة،
وأرجو أن يعتقك في الآخرة.
8 - عدم الاحتكار:-
وهو حبس الشيء عن العرض وقت الرخص، وبيعه وقت
الغلاء في السوق، وعند اشتداد الحاجة إليه.
لأن الاحتكار حرام؛ لقول النبي (ﷺ) {لا يحتكر إلا خاطئ} رواه مسلم وأبو داود).
ويتناول كل سلعة يحتاج إليها المسلمون، ووصفه
أنه "خاطئ" ليس هيّناً، وقد وصف الله فرعون وهامان وجنودهما فقال: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ
﴾ [القصص: 8].
وقد وصف الله تعالى أهل النار بأنهم خاطئون
فقال تعالى: ﴿ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ *
لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ ﴾ [الحاقة: 36، 37].
وروي عن عمر رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال:
(من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس)
(الترغيب والترهيب).
وروي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن
رسول الله (ﷺ) قال:
(من احتكر طعاما أربعين ليلة، فقد برئ من الله وبرئ الله منه،
وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا، فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى)
(الترغيب والترهيب).
وذهب جمهور الفقهاء على أن ما يحرم احتكاره
هو أقوات الآدميين والدواب، بينما يرى فريق من الفقهاء منهم المالكية حرمة احتكار كل
ما يحتاجه الناس وإن لم يكن من قبيل الأقوات، فيدخل على هذا احتكار مواد البناء والأدوية
والثياب والسلع الاستهلاكية ونحوها من كل ما يحتاجه الناس ويترتب على احتكاره ضيق لهم
وعنت وأضرار بهم.
إنَّ الاحتِكار جريمةٌ ضدَّ الإنسانيَّة تستوجِبُ
الطَّرد من رحمة الله؛ ولذلك قال رسول الله (ﷺ) (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون).
لأنَّ المحتكرين كما يقول أحد أساتذة الاقتصاد
في الجامعة الأمريكية تائِهون في مُطاردة المال الذي يَجب أن يكون الوسيلةَ إلى الحياة الطيِّبة،
لا غاية في ذاته، حتى نسُوا الغاية وأمعنوا في التعلُّق بالوسيلة.
فأين أولئك المحتكرون أصحاب رؤوس الأموال في
الدول الكبري من موقفِ المسلمين في مشارِق الأرْض ومغاربِها عام الرَّمادة، يوم أن
أصاب القحط الجزيرة العربية، فانْهمرت المؤن من مِصر وإفريقيا والعِراق، وكل أرْضٍ
عَلَتْ فيها رايةُ الحقِّ - لتنقذ إخوةً في الإنسانية، حتَّى كانت قوافل عمرو بنِ العاص
بالنَّجدة أوَّلها في المدينة المنوَّرة، وآخرها في الفسْطاط على النيل.
وأين هم من سيدنا عثمان ابن عفان رض الله عنه
هذا عثمان رضي الله عنه في عام الرمادة وقد أشتد بالمسلمين الفقر والجوع جاءت تجارته
من الشام ألف بعير محملة بالتمر والزيت والزبيب فجاءه تجار المدينة وقالوا له تبيعنا
و نزيدك الدرهم درهمين؟
فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه لهم لقد بعتها
بأكثر من هذا. فقالوا نزيدك الدرهم بخمسة؟ فقال لهم عثمان رضي الله عنه لقد زادني غيركم
الدرهم بعشرة: فقالوا له فمن الذي زادك؟ وليس في المدينة تجار غيرنا؟
فقال لهم عثمان رضي الله عنه لقد بعتها لله
ولرسوله فهي لفقراء المسلمين.
الله أكبر!!. ماذا لو لم يكن يحمل بين جوانحه
ضمير المؤمن الحي لكانت هذه الفرصة لا تعوض ليربح أموال طائلة ولو كانت على حساب البطون
الجوعى والأجساد العارية وآهات المرضى والثكالى وهموم أصحاب الحاجات. إنه مهما خوف
الناس وبعث في قلوبهم الرعب برقابة البشر فهي تسقط أمام رقابة الذات ورقابة الله وما
تغيرت الحياة وحدث البلاء ووجدت الخيانة وانتشر الظلم إلا يوم ضعفت رقابة الله في قلوب
البشر.
9 - الحذر من الربا:
الحذر كل الحذر من الربا،وذلك للنصوص الكثيرة
من الكتاب الكريم والسنة المطهرة الدالة على حرمة المعاملات الربوية، من مثل قول الله
تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا
فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ
لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279].
وقال تعالى له: ﴿
وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275].
وعند مسلم وغيره من حديث جابر: لعن رسول الله (ﷺ) آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) وقال: هم في الإثم سواء.
10 - البعد عن الإضرار بأهل
السوق من التجار:
إذا لا يجوز للتاجر أن يبيع علي بيع أخيه كما
يقول النبي (ﷺ) في صحيح
البخاري ومسلم: "لا يبع بعضكم على بيع بعض".
كذلك لا يجوز له أن يبيع سلعته بأرخص مما يبيع
أهل السوق، رغبة في الإضرار بهم، وإحداث الكساد لتجارتهم، وقد نهى سيدنا عمر رضي الله
عنه خليفة المسلمين التجار عن الإضرار بزملائهم في السوق، ببيع سلعهم بأرخص مما يبيع
به سائرهم، فقد روي عن سعيد بن المسيب: «أن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه مر على حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه وهو يبيع زبيبا له في السوق، فقال
له عمر: إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا» (سنن البيهقي) وما روي عن عمرو
بن شعيب قال: «وجد عمر بن الخطاب حاطب بن أبي بلتعة يبيع الزبيب بالمدينة، فقال: كيف
تبيع يا حاطب؟، فقال: مُدّين، فقال له عمر: تبتاعون بأبوابنا وأفنيتنا وأسواقنا، وتقطعون
في رقابنا، ثم تبيعون كيف شئتم، بع صاعاً وإلا فلا تبع في سوقنا، وإلا فسيروا في الأرض
واجلبوا ثم بيعوا كيف شئتم»(مصنف عبدالرزاق).
وقول عمر رضي الله عنه ذلك لحاطب يدل على حرمة
مخالفة بعض البائعين للسعر الذي تعارف عليه سائرهم لبيع سلعهم به في السوق، ولهذا طلب
عمر من حاطب الالتزام بنظام السوق في البيع، حتى لا يضر بمن يبيعون نفس السلعة، أو
يجلب سلعته ثم يبيعها في أي موضع آخر غير السوق، وفي هذا حماية للبائعين حتى من زملائهم
الذين يبيعون نفس السلعة في السوق.
11 - اليسر والسماحة في البيع
والشراء:-
كثيرًا ما يخسر الناس بعضهم البعض بسبب البيع
والشراء؛ وذلك لأن كل طرف يُريد أن يحقِّق أكبر قدر من الربح؛ وحيث إن الكثير من البضائع
ليس لها سعر محدَّد معروف يُصبح التفاوض حول الثمن أمرًا حتميًّا قد يقود إلى أزمات
بين البائع والمشتري؛ ولأن رسول الله (ﷺ) يسعى دومًا إلى سلامة العلاقات الإنسانية في مجتمعه
فإنه وَجَّه الجميع إلى التعامل بروح السماحة في العمليات التجارية المختلفة؛ فقد روى البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ:
"رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى".
وهذه السماحة تقتضي أن يتنازل كلُّ طرف عمَّا
يراه مناسبًا، ولو بدرجة نسبية؛ بحيث يلتقي البائع والمشتري في منتصف الطريق؛ وذلك
دون أن تضيع روح المودَّة والأدب بين الطرفين.
وفي لفظ آخر للترمذي:غَفرَ الله لرجل كان قبلكم سهلاً إذا باع، سَهلاً إذا اشترى سهلاً
إذا اقتضى )أخرجه الترمذي .
عن جابر وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال
عليه الصلاة والسلام أيضاً:أَلا أخبركم بمن يحرم على النار،
وبمن تحرم عليه النار؟ على كل قريب هين سَهْل ([ الترمذي]).
12 - إعطاء حق الله في المال
مثل الزكاة والصدقات حتى تتحقق البركات والنماء والطهارة.
يقوّم بضاعته كل عام ويزكيها بنسبة ربع العشر،
أي: 2،5%، في كل ما هو معد للبيع، ويصرفها كما أمر الله تعالى في الأصناف الثمانية،
فلا يترك للشيطان مجالاً للوسوسة وللأمر بالفحشاء والتخويف من الفقر، كما قال تعالى:
﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ
وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة:
268].
وقوله تعالى: ﴿
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾
[سبأ: 39].
العنصر الرابع: أثر الالتزام بالضوابط
الشرعية في التجارة:-
هذه الضوابط الشرعية للتجارة تحقق المقاصد
الآتية:
• تحقيق الخير والبركة والنماء في الأرزاق.
• تجنب الوقوع في الحرام وبالتالي عدم ارتكاب
الذنوب والمعاصي والرذائل.
• تجنب الشك والريبة بين المسلمين وتحقيق العدل
بين الناس في المعاملات.
• التأكيد على شمولية الإسلام وأنه دين عبادات
وأنه منهج حياة.
• الدعوة إلى الله على بصيرة وعلم وربط الأقوال
بالأفعال.
• تقديم نموذج متميز لرجل الأعمال المسلم في
حلبة الحياة العملية.
• التمكين لشرع الله أن يطبق ويسود لإنقاذ
البشرية مما هي فيه من بؤس وشقاء وضنك.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبارك
لنا في أموالنا وأن يؤلف بين قلوبنا وأن يصلح ذات بيننا،واللهم اغننا بحَلالِك عنحرامك
وبفضلك عمَّن سواك، وتوفنا وأنت راض عنا يا كريم.
اللهم
آمين.
تمت بفضل
الله ورحمته.
رابط doc
رابط pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق