8 مارس 2017

حاجة الأمة إلي التضحية


الحمد لله رب العالمين.. انتدب عباده إلي البذل والتضحية ووعدهم علي ذلك الجنة فقال تعالي } إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111){ [التوبة]

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .... له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير ..حذر من التقاعس عن التضحية وتقديم الأموال والتجارة علي حق الله تعالي فقال تعالي} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ(38){ [التوبة].

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم .... ما ترك معنى من معاني التضحية والفداء إلا وتحمله وبذله، لقد تحمل بنفس هادئة راضية الأذى والاضطهاد. هو القائل } والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته{.
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ...
أما بعــــــــــد .... فيأيها المؤمنون
إن من تدبر في كتاب الله جل في علاه ومن نظر في سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجد أن الأوامر تأتي بالإقدام على الفضائل والنهي عن الرذائل، وما تسود أمة من الأمم إلا إذا كانت تبذل لأجل منهجها ولأجل دينها ولأجل ملكها ولأجل أن تسود على الناس إلا إذا كانت تبذل وتضحي في سبيل ذلك..
نجد أنَّ الله تعالي انتدب عباده إلى البذل في سبيله؛ فقال تعالي } مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً (245){ [البقرة]

فتسابَقَ المؤمنون في هذا المضمار المبارك فهذا يبذل الأموال وآخر يتصدق بنصف ماله أو ثلثه وذاك يعد بالكثير من الإعانات والهبات، وآخَر قد أوقف نفسه وفرَّغها في أعمال البر والخير، يبذل وقته في نفع المسلمين إغاثة ودعوة وتعليمًا، وكلهم على خيرٍ - إن شاء الله ،وهناك صنف من الناس هانت عليهم دُنياهم وأرواحهم فقدموها رخيصة لله تعالي .
ولا بد أن نعلم أنه ما من شيء على سطح هذه الأرض إلا وله ثمن، كبر ذلك الشيء أم صغر، بدءًا من السلع الدنيوية الرخيصة، وانتهاءً بالغايات الكبرى والأهداف النبيلة، فالآمال والأمنيات والمبادئ ثمنها ما يبذله طالبها في سبيل تحقيقها، فربما يتحقق بعضها ببعض المجهود والسهر والتعب والإرهاق، وربما لا يتحقق بعضها الآخر إلا ببذل الأنفس والدماء، وكلاهما يحتاج إلى نفس تربت على البذل والتضحية والجود بما لا يُجاد به عادة من ذوي الأنفس البليدة. ومن أهم ما تبذل المهج من أجله وتسترخص الدماء في سبيله الإسلام، الدين الحق، الذي ما وصل إلينا إلا على أشلاء وجماجم من ضحوا في سبيله بأرواحهم واسترخصوها لله تعالى. فأين مسلم اليوم من خلق التضحية؟ ما هو دوره من التضحية؟ ماذا بذل وقدم من تضحية لدينه وعقيدته؟ لذلك كان حديثنا عن حاجة الأمة إلي التضحية ، وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية

1ـ تعريف التضحية.
2ـ حاجة الأمة إلي التضحية .
3ـ وسائل التضحية .
4ـ الجزاء الذي أعده الله تعالي لأهل التضحية .
5ـ جزاء التقاعس عن التضحية .
6ـ الخاتمة.

العنصر الأول : تعريف التضحية:


التضحيه هي البذل والعطاء من أجل تحقيق غاية سامية عظيمة ، ففي الإسلام :الغاية هي نصرة دين الله عز وجل ونصرة رسوله ، ونصرة تطبيق شرعة حتى يعيش الناس جميعا في أمن وسلام . 


 العنصر الثاني :حاجة الأمة إلي التضحية :

إن الصراع بين الحق والباطل قديم مستمر لم يتوقف ولن يتوقف ، وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

قال تعالي }الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67){ التوبة .

وقال تعالي }وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ (217){ البقرة .

وقال تعالي }وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ)(120){ البقرة.

وقال تعالي }وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ)(20){ الكهف .

وأخبر النبي صلي الله عليه وسلم عن تكالب الأمم علينا أمة الإسلام فقال صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه
أحمد وغيره من حديث ثوبان: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قيل: يا رسول
الله! فمن قلة يومئذ؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم؛ لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت». وما دام الأمر هكذا فلابد للحق من أقوام يدفعون عنه عدوان المعتدين ، ويحفظونه من عبث الضالين المبطلين .
وهيهات أن تقوم للحق قائمة أو أن يكون له وجود إلا بالتضحية والبذل ، قال سبحانه : (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً) .
نعم إن الحق بحاجة إلى من يحميه ويدفع عنه ، ولم يكن سدنة الشر ليكفوا عن الحق ويتركوه لأنه حق فحسب ، بل لابد من وجود من يتصدى لهم ويقارعهم . وهل يكون ذلك دونما بذل وتضحية ؟!
فلا حياة للمبادئ من غير تضحية ، ولا قيام للدعوات والأفكار إلا بالتضحية ، وعلى أكتاف المضحين تنهض الدعوات وبتضحياتهم تحيا وتعيش ، وتجتاز المحن والصعاب وتحطم السدود والقيود ، وما كان للجبناء المتخاذلين الذين يُؤثرون الدعة ، ويقدسون المصلحة الشخصية والسلامة الذاتية ، أن يحملوا دعوةً ، أو يدافعوا غن حق ، أو أن يحرسوا أسوار الدين ، ويذودوا عن حياضه ومبادئه .
فيجب علي المسلم معرفة حجم وصور الضربات القاسية التي توجه للمسلمين في كل مكان حتى يجسم مقدار التضحية الواجبة واللازمة للذود عنهم وحماية الإسلام .
فلابد من التضحية والبذل في سبيل الله كل بما يستطيع، من أجل نصرة الإسلام وإعزاز دين الله، ولا يمكن أن تسود أمة من الأمم إلا إذا كان هذا الأمر ظاهرًا، سواء كانت التضحية بالمال أو بالجاه أو بالنفس والدم أو بمفارقة الأهل والولد أو البذل للوقت والجهد والخبرة وغير ذلك.. إن التضحية هي أساس عزة الأمة، وقدوتنا في ذلك أنبياء الله، وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذلك سلفنا الصالح ضحوا بالغالي والرخيص والدم والنفيس لوجه الله جل وعلا، تحمَّلوا الجوع والعطش والبرد والأذى لخدمة هذا الدين، صبروا على الامتحان، وآثروا العقيدة على نعيم الدنيا، تركوا أموالهم وعشيرتهم وأوطانهم، ضحوا بالمصالح، وأواصر القربى والعلاقات والروابط، ضحوا بعلاقاتهم مع آبائهم وأبنائهم، وإخوانهم وأخواتهم وعشيرتهم في سبيل مرضاة الله جل وعلا، وفي سبيل إعلاء دينه، ورفعة كلمته.

 العنصر الثالث : وسائل التضحية المشروعة:

أيقن أصحاب الهمم والعزائم أن الأمة لا تنتصر إلا بالجهاد و التضحية ، والبذل وتقديم النفس و المال ، ولذلك قدم هؤلاء الرجال النفوس وبذلوا الأرواح ، وجاهدوا في الله حق جهاده ، وسمعوا هاتف الرحمن يهتف بهم ، قال تعالي{ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) } التوبة .
فأصاخوا للنذير ، وخرجوا عن كل شئ طيبة بذلك نفوسهم ، وتركوا أموالهم وديارهم في سبيل نصرة الإسلام راضية قلوبهم مستبشرين ببيعهم الذي بايعوا الله به . فمن أهم وسائل التضحية المشروعة كما ورد ت في السيرة النبوية:ـ 


1ـ التضحية بالنفس:

من أعظم أنواع التضحية ، التضحية بالنفس ، قال تعالي }إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111){ التوبة .

وقد ضرب أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم أروع الأمثلة بالتضحية بالنفس من هؤلاء .......
وهذا الصحابي الجليل حنظلة ابن أبي عامر الراهب ....
عندما سمع حنظلة بن أبي عامر الراهب، داعي الجهاد ليلة زفافه، نهض من فراش عروسه إلى المعركة، دون أن يغتسل، ولقي الله شهيداً، فأخبر – صلى الله عليه وسلم - أنه رأى الملائكة تغسله بين السماء والأرض، وسمي "غسيل الملائكة"، إنه ضحى بليلة عمره، كما يقولون بل بحياته كلها وضحى بعروسه في ليلتها الأولى، لتعانقه الحور العين في جنة الفردوس. ـ ـ تضحية عمرو بن الجموح ، و كان أعرج و كبير في السن ، و قد أصر على الخروج للجهاد في غزوة أحد رغم ذلك ، وحاول أبنائه منعه من الذهاب للجهاد ، لكبر سنه و عرجته ، لكنه أصر على المشاركة قائلا : " والله اني لأرجو ان اطأ بعرجتي هذه الجنة " فما زال يقاتل حتى استشهد .
وهذه تضحية أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية ، ومشاركتها في غزوة أحد، ودفاعها عن النبي محمد حيث كانت تحمي الرسول محمد حتى أثخنتها الجراح .
وهذه تضحية غلام أحيت أمة كاملة :
هذا الغلام والراهب والساحر الذي حدثنا عنه النبي (صلى الله عليه وسلم) كيف ضحى بنفسه من أجل دينه وعقيدته فاسمع
إلى قصته التي سأختم بها كلامي: ‏كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال للملك إني قد كبرت فابعث إلي
غلامًا أعلمه السحر فبعث إليه غلامًا يعلمه فكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب، وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال (الغلام): اليوم أعلم ‏ ‏آلساحر أفضل أم الراهب أفضل؟، فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ‏ ‏ستبتلى ‏ ‏فإن ‏ ‏ابتليت ‏ ‏فلا تدل علي، وكان الغلام يبرئ ‏ ‏الأكمه ‏ ‏والأبرص ‏ ‏ويداوي الناس من سائر ‏ ‏الأدواء، ‏ ‏فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما هاهنا لك ‏ ‏أجمع ‏ ‏إن أنت شفيتني، فقال: إني لا ‏ ‏أشفي أحدًا إنما ‏ ‏يشفي الله فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك؛ فآمن بالله فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام؛ فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ ‏ ‏الأكمه ‏ ‏والأبرص وتفعل وتفعل، فقال: إني لا ‏ ‏أشفي أحدًا إنما ‏ ‏يشفي الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى فدعا ‏ ‏بالمنشار ‏ ‏فوضع ‏ ‏المنشار ‏ ‏في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فوضع ‏ ‏المنشار ‏ ‏في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ‏ ‏ذروته ‏ ‏فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهم ‏ ‏اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء (الغلام) يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: ‏ ‏كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في ‏ ‏قرقور (قيل معناها السفينة الصغيرة) ‏ ‏فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال: اللهم ‏ ‏اكفنيهم بما شئت ‏ ‏فانكفأت ‏ ‏بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: ‏ ‏كفانيهم الله فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في ‏ ‏صعيد ‏ ‏واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهمًا من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في ‏ ‏صعيد ‏ ‏واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهمًا من كنانته ثم وضع السهم في ‏ ‏كبد القوس ‏ ‏ثم قال: باسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في ‏ ‏صدغه ‏ ‏فوضع يده في ‏ ‏صدغه ‏ ‏في موضع السهم فمات فقال الناس: آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس فأمر ‏ ‏بالأخدود ‏ ‏في أفواه السكك ‏ ‏فخدت ‏ ‏وأضرم النيران وقال: من لم يرجع عن دينه ‏ ‏فأحموه فيها (اطرحوه)‏ ‏أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها ‏ ‏فتقاعست ‏(توقفت) ‏أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا ‏ ‏أمه اصبري فإنك على الحق).
الله أكبر!! أمةٌ بأكملها دخلت في دين الله عز وجل، والسبب هي التضحية التي قدمها غلام صغير..


 2ـ التضحية بالمال.

إذا كانت التضحية بالنفس أعلى أنواع التضحية ،لكن قد تكون التضحية بالمال أشد إلحاحاً وأكثر أهمية من التضحية بالنفس في أوقات مهمة ... من هذه النماذج....
تضحية سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه :ـ أخذ سيدنا أبو بكر الصديق ماله كله في الهجرة وجاء والده أبو قحافة، قائلاً لبنيه: "ما أرى أبا بكر إلا فجعكم في ماله" فاحتالت السيدة أسماء على جدها وكان أعمى فجعلت بعض الأحجار في كوة بالبيت، وألقت عليها ثوباً وأخذت بيد أبي قحافة ليمسها توهمه أنه مال. وفي غزوة تبوك حين انتدب الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين لتجهيز جيش العسرة وجد عمر بن الخطاب الفرصة سانحة للتنافس مع أبي بكر في الخير فأتى بنصف ماله وإذا به يجد أبا بكر - رضي الله عنه - قدم ماله كله فقال: "والله لا أسبقه إلى خير أبداً".
وأعتق سيدنا أبو بكر رضي الله عنه عدداً من العبيد المسلمين الضعفاء أمثال بلال بن رباح وغيره في بداية الدعوة.
وهذه تضحية صهيب الرومي رضي الله عنه :ـ لقد ساوم الكفار صهيب الرومي على ماله أو يمنعوه من الهجره، فترك لهم ماله كله ولحق برسول الله – صلى الله عليه وسلم - في المدينة فتلقاه قائلاً: "ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى". وهذا أبو طلحة رضي الله عنه : ـ عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحبَّ أمواله إليه بَيْرَحَاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّب، قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية:} لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ(922){ [آل عمران]

قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنَّ الله -تبارك وتعالى يقول: }لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ
مِمَّا تُحِبُّونَ{

وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرَحَاء، وإنَّها صدقة لله، أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال: فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإنِّي أرى أن تجعلها في الأقربين.
فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسَّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمِّه)

3ـ التضحية بالمنصب و الجاه:

هذه تضحية مصعب ابن عمير الصحابي الجليل رضي الله عنه :ـ
هذا مصعبَ بن عميرٍ رضي الله عنه الذي كان قبلَ إسلامِه من أغنى الناس، تكسوهُ أمُّهُ أحسنَ ما يكونُ من الثيابِ، وكان أعطرَ أهلِ مكةَ، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُهُ ويقولُ:(ما رأيتُ بمكةَ أحسنَ لمَّةً، ولا أَنعمَ نعمةً من مصعبَ بن عميرٍ).

كان أول سفير للنبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل المدينة، الرجل الذي سجل موقفا عظيما في التضحية، مصعب كان أجمل شباب قريش، وأعطرهم، وأطيبهم، وأترفهم دلالاً، فلما خالط الإيمان بشاشة قلبه، وآمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، فسمعت به أمه فجاءت إليه فقال يا مصعب سمعت أنك آمنت بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم) قال نعم يا أماه قالت له أريدك أن تكفر بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم فقال لها لا يكون ذلك يا أماه. قالت له: سأحرمك من نعيمك ومن ترفك، وما أنت فيه؟
فماذا يفعل مصعب هل يتخلى عن المال والجاه والترف؟ أم يتخلى عن دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟
وكلنا يعرف أن المال شقيق الروح، وأن المال له سحره وبيانه ، وكم رأينا في دنيا اليوم من أخوين ناما في فراش واحد ورضعا من ثدي واحد وأكلا من رغيف واحد فرق بينهما المال.. وكم رأينا أرحام تقاطعت بسبب المال.. وكم من أسرة تفرقت بسبب المال.. وكم إنسان قتل أخاه من أجل المال.. وكم من إنسان باع دينه وضميره من أجل الحصول على المال. لكن سيدنا مصعبا لم يؤثر فيه حب المال بل ضحى بالمال والترف والنعيم واختار دين محمد (صلى الله عليه وسلم) فقدمها وبذلها لله، فلبس أخشن اللباس، وبقي زاهداً في ذلك كله، حتى إنه رضي الله عنه لما استشهد لم يجدوا ما يكفنونه به، فكفن بعباءة إذا غطي رأسه بدت رجلاه، وإذا غطيت رجلاه بدا رأسه، وكان من أعطر وأثرى وأجمل وأترف شباب قريش، ولما مر النبي صلى الله عليه وسلم على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، وقف ودعا له، ثمّ تلا قوله تعالى: }مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً(23){[الأحزاب:]. فأين الأمة من تضحية سيدنا مصعب (رضي الله عنه)؟ هذا درس عظيم في التضحية يقدمه سيدنا مصعب لكل من باع دينه من أجل المال، وكل من ضحى بدينه من أجل الوظيفة. وكل من باع دينه من أجل الجاه والمنصب. ليقول لهم: ضحوا بكل شيئ من أجل دينكم وعقيدتكم. فالدنيا زائلة والآخرة هي خير وأبقى. وكأنه يقول لكل مسلم بلسان الحال
تهون الحياة وكل يهون **** ولكن إسلامنا لا يهون نضحي له بالعزيز الكريم**** ومن أجله نستحب المنون

4ـ التضحية بمفارقة الأهل والأحباب :

كان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين من قريش، من بني مخزوم: أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، واسمه عبد الله، هاجر إلى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة، وكان قدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة من أرض الحبشة، فلما آذته قريش وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار، خرج إلى المدينة مهاجرًا.
- قال ابن إسحاق: فحدثني أبي إسحاق بن يسار، عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة، عن جدته أم سلمة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- ، قالت: " لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج بي يقود بي بعيره، فلما رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه فقالوا هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه؟ علام نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه، قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهط أبي سلمة فقالوا: لا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا، قالت فتجاذبوا بني سلمة بينهم حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة.. قالت: ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح فما أزال أبكي، حتى أمسى سنة أو قريبًا منها حتى مر بي رجل من بني عمي، أحد بني المغيرة فرأى ما بي فرحمني فقال لبني المغيرة ألا تخرجون هذه المسكينة فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها قالت فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت.. قالت: ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني. قالت فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة. قالت وما معي أحد من خلق الله. قالت فقلت: أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم علي زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أمية؟ قالت فقلت: أريد زوجي بالمدينة.. قال: أوما معك أحد؟ قالت فقلت: لا والله إلا الله وبني هذا. قال والله ما لك من مترك.. فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قط، أرى أنه كان أكرم منه كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عني، حتى إذا نزلت استأخر ببعيري، فحط عنه ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى (عني) إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله ثم استأخر عني، وقال اركبي. فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاده حتى ينزل بي. فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال زوجك في هذه القرية- وكان أبو سلمة بها نازلاً - فادخليها على بركة الله ثم انصرف راجعًا إلى مكة.. قال فكانت تقول والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبًا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة. 


 5ـ التضحية بالشهوات والغرائز المباحة:

هذا الصحابي الجليل أبو خيثمة رضي الله عنه، لقد وجد أبوخيثمة في جيش العسرة امرأتيه قد أعدتا له طعاماً شهياً وماء بارداً ومجلساً ليناً وظلاً ظليلاً، فصرخ: ما هذا بالنَّصف (أي بالعدل)، رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحر وأنا هنا؟! جهزاني، وما نزل عن راحلته حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكذلك التضحية بالنوم و الراحة ، حيث نقل عن صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه - أنه ما شبع من النوم ليالي المعارك كلها وما شبع من الطعام، وكان مريضاً وكان قوله دائماً آنذاك في حرقة وأسى "وا إسلاماه وا إسلاماه"، كما روي عنه أنه ترك التبسم حزناً على المقدسات حتى تحررت. وقال كيف أبتسم والمسجد الأقصي محاصر.

العنصر الرابع : الجزاء الذي أعده الله تعالي لأهل التضحية :

 إن من أراد المعالي فليبذل ويضحي من أجلها..
وإذا كانت النُّفوسُ كِباراً -- تَعِبَت في مُرادِها الأجسامُ
وما أروع ما قاله المتنبي
لــولا المشــقةُ سـادَ النـاسُ كُـلَهم الجـــودُ يُفقِــر والإقــدامُ قَتَّــالُ
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ....
أن العامة تقول: قيمة كل امرئ ما يُحسن، والخاصة تقول : قيمة كل امرئ ما يطلب؛ يريد أن قيمة الرجل همته ومطلبه"
فالإنسان صاحب الهمة العالية يطلب المعالي في الدنيا، والفردوس في الآخرة ، وهذا الأمر لابد له من تضحية حتي يصل إلي مبتغاه ، فهذا الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-، كان مطلبه عالي وهدفه سامي فضحي وتحمل الأذي في الوصول إلي هدفه فكانت له القيمة العالية بين الناس فلقبوه بإمام أهل السنة والجماعة.
وأما صلاح الدين الأيوبي فقد كان مطلبه عظيم وهو تحرير بيت المقدس وإخراج الصليبيين منه، فكان المثال الناصع للأمة في الجهاد والتضحية فأصبحت القدس لا تذكر إلا وذكر صلاح الدين معها فاتح القدس ومحررها من أيد الصليب.
ثم هذا الإمام البخاري رحمه الله- كانت همته عالية ومطلبه كبير فآثر التعب علي الراحة وهو جمع ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فألف كتابه المشهور صحيح البخاري فصار أصح كتاب بعد كتاب الله –عزوجل..
وقديما قالوا ...
وما نيل المطالب بالتمني ولكن ... تؤخذ الدنيا غلابا
ولكن التضحية من أجل الدين أحسن وأغلى ما يقدمه الإنسان إلى الله من عمل صالح، بل هي قمة العمل الصالح الذي يُرضي الله تبارك وتعالى فيجزى عليه أحسن الجزاء، قال الله تعالى } إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8){ البينة .

وقال تعالي }الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) { التوبة .

وقال تعالي }إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111){ التوبة .

العنصر الخامس : جزاء التقاعس عن التضحية:

 من قعد أو تقاعس عن التضحية فهو أثم ، لأنه يعتبر الدنيا أكبر همه، فهو يؤثر الحياة الدنيا علي الآخرة ، باع آخرته بعرض من الدنيا ، فمن يبخل بالتضحية بما لديه فهو الخاسر في ميزان الشريعة الإسلامية ، ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله تبارك وتعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ) [التوبة آية: (38)] 
 وقوله عز وجل :( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ ) [التوبة آية: (24)]
وقوله سبحانه وتعالي:( ...وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الغَنِيُّ وَأَنتُمُ الفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )[محمد آية: (38)] .
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات علي شعبة من النفاق" (رواه مسلم).

الخاتمة : أخيرا أيها المسلمون :

علينا أن نهيئ أنفسنا للتضحية بالنفس، للتضحية بالمال، للتضحية بالأولاد، للتضحية بالأوقات، للتضحية بأغلى ما نملك لدين الله جل وعلا، وبغير هذه التضحية لا عزة لنا ولا كرامة للأمة.
أخي المسم الكريم ... "دينك دينك لحمك دمك، الله الله في إسلامك وشرعك، الله الله في أهلك وأرضك، اغضب لدينك أشد من غضبك لنفسك، اذكر الله أشد من ذكرك لأبيك وقومك، احرص على أمتك أشد من حرصك على مالك وبيتك، لا عذر لك إن خُلِصَ للمسلمين وفيك قلب ينبض أو عين تطرف أو نفس يتردد
أظهر لله من نفسك قوة وكن حيث أرادك، وإياك إياك أن يطلبك في مكان فلا يجدك، أطع ربك بغير مجادلة فإنما تطيع من تعاظمت حكمته وتناهت قدرته واستحالت معارضته. فالمسلم الذي يحافظ على صلاته في وقتها هذه تضحية، الموظف الذي يؤدي وظيفته بأمانة وإتقان هذه تضحية، العامل الذي يعمل بإخلاص ولا يغش هذه تضحية، الطبيب الذي يخدم الإنسان بعلمه هذه تضحية، الزوج الذي يعمل ليعف نفسه وأهله هذه تضحية، الزوجة التي تطيع زوجها وتقوم على خدمتها هذه تضحية، الولد الذي يعمل جاهدا على إرضاء أبويه هذه تضحية، المسلم الذي يعفو ويسامح الآخرين هذه تضحية. وكل مسلم يقدم خدمة لله ولمجتمعه ولأمته فهذه تضحية.. فأين من يسلك طريق التضحية ويسجل له موقفا ينفعه هناك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وأسأل الله تبارك وتعالى أن ينصر الإسلام وأن يعز المسلمين، اللهم لا تخرجنا من هذا اليوم العظيم إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وتجارة لن تبور برحمتك يا عزيز يا غفور، اللهم اجعل بلادنا وبلاد المسلمين واحة للأمن والأمان وجميع بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين.

آمين يا رب العالمين
تمت بفضل الله وتوفيقه

ليست هناك تعليقات: