- الحمد لله الحليم المنان ذو الفضل والإحسان ..ذكر الرجال في القرآن فقال تعالي } رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور].
- وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... ربط بين الرجولة والطهر فقال تعالي } لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) { .التوبة
- وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ... ربي أصحابة علي الرجولة الحقة فخرج منهم خير الرجال، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ) . رواه البخاري ومسلم .
- أما بعـــد ...فيا أيها المؤمنون ..
- إن الرجولة صفة امتن الله عز وجل بها على من يشاء من خلقه، ولقد ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم في أكثر من خمسين موضعًا. هذه الرجولة التي أنعم الله بها علي عباده ، لها صفات وخصائص لا تكتمل إلا بها، ولا تقوم إلا عليها، لأن الله تعالي حمل رسالته لرجال وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين وصفهم سبحانه وتعالي في قوله (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم(109){ يوسف.
- هذه الرجولة أيها الإخوة التي ضاعت مضامينها اليوم، وفقدت أركانها عند الكثيرين، فصاروا أشباه الرجال ولا رجال، هذه الرجولة نحتاج لنتعرف عليها، ونذكر شيئاً من صفات الرجولة حتى يعلم الرجل اليوم هل هو رجل بالمعنى الحقيقي أم هو هيكل خارجي لا يدل على مضمون الرجولة مطلقاً؟ وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ...
- 1ـ من هم الرجال ؟
- 2ـ صفات الرجال في القرآن.
- 3ـ ميزان الرجال .
- 4ـ نساء رجال .
- 5ـ هل للرجولة سن معين ؟
- 6ـ كيف نبني الرجال ؟.
- العنصر الأول : من هم الرجال؟؟
- لقد أختلف الناس في تفسير معنى الرجولة فمنهم من يفسرها بالقوة والشجاعة، ومنهم من يفسرها بالزعامة والقيادة والحزم، ومنهم يفسر الرجولة بالكرم والجود، ومنهم يقيسها بمدى تحصيل المال والاشتغال بجمعه، ومنهم من يظنها حمية وعصبيةً، ومنهم من يفسرها ببذل الجاه والشفاعة وتخليص مهام الناس بأي الطرق كانت...
- فالأمة اليوم بحاجة إلى رجال يحملون الدين وهمّ الدين ويسعون جادّين لخدمة دينهم وأوطانهم من أمثال هؤلاء الرجال الذين ظهروا في وقت الشدائد ، لما حاصر خالد بن الوليد (الحيرة) فطلب من أبي بكر مدداً، فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن عمرو التميمي وقال: لا يهزم جيش فيه مثله، وكان يقول: لصوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف مقاتل!
- ولما طلب عمرو بن العاص المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في فتح مصر كتب إليه: "أما بعد: فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف: رجل منهم مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد". شعارهم قول الله تعالى}مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23){ (الأحزاب). فالرجولة قوة نفسية تحمل صاحبها على معالي الأمور، وتبعده عن سفسافها، يعرف واجبه نحو نفسه، ونحو ربه، ونحو بيته ودينه وأمته.
- العنصر الثاني : صفات الرجال في القرآن :ــ
- 1ـ الرجال هم أهل الطهارة بشقيها الظاهرة والباطنة:ـ
- يقول الله تعالى واصفاً المسجد الذي ينبغي أن يكون حاله الصحيح، ومن هو بداخله، يقول الله تعالى:} لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) { .التوبة. أسس على التقوى، أسس على التوحيد، أسس على العقيدة الصحيحة، عَلَى التَّقْوَى لوجه الله عز وجل،مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ، لأن فيه رجال من أهم صفاتهم (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين (التوبة:108). أين مكان أولئك الرجال؟ أين مكانهم؟ هل هم في الأندية؟ أو في الحفلات؟
- هل هم في الأسواق يمرحون ويسرحون؟ هل هم في المجتمعات الفارغة التي تفرغ الرجولة من معانيها؟ كلا !! في بيوت الله عز وجل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحا الرجولة:في حديث سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله منهم (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ) رواه البخاري ومسلم.
- 2- الرجولة صدُق في العهود، ووفاء بالوعود، وثبات على المبدأ:ـ
- قال الله تعالى: } مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)} (الأحزاب). الرجولة الحقة تتجلى في النبي صلى الله عليه وسلم الذي علم الرجال وربى الرجال وهو الذي قال: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن اترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو اهلك فيه ما تركته" (سيرة ابن هشام). سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله نموذج رائع في صدق العهد والثبات علي المبدأ ... بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام ومبايعة المسلمون الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه، بدأت محنة جديدة وامتحان صعب، إذ ظهر مدعي النبوة، وارتد من ارتد من جزيرة العرب، وظهور مانعي الزكاة، وكان عليه الصلاة والسلام قد جهز جيش بقيادة أسامة رضي الله عنه لغزو الروم، حيث اقترح بعض الصحابة بأن يبقى الجيش في المدينة لخوفهم من القضاء عليه وبالتالي تستباح المدينة إلا أن أبا بكر خالف ذلك وأمر بإمضاء بعث أسامة، وقال: لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر صاحب كتاب العواصم من القواصم ( أن أبا بكر رضي الله عنه قال لأسامة: انفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : كيف ترسل هذا الجيش والعرب قد اضطربت عليك ! ؟ فقال : لو لعبت الكلاب بخلاخيل نساء المدينة ، ما رددت جيش أنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
- فكان لهذا الموقف الراسخ الثابت الأثر الطيب والفتوحات بعد ذلك، مع أن غالبية الصحابة رأوا خلاف هذا، فتأمل.
- **وهذا نموذج آخر في الثبات علي المبدأ للصحابي الجليل حبيب بن زيد مع مسيلمة الكذاب الصحابي الجليل حبيب بن زيد بن عاصم رضي الله عنهما، من السبعين الذين حضروا بيعة العقبة الثانية، وأمه نسيبة بنت كعب ( أم عمارة ) إحدى المرأتين اللتين بايعتا رسول الله في هذه البيعة، ولم يكن حبيب يتخلف عن غزوة ولا وقعة مع رسول الله عليه الصلاة والسلام. وعندما ظهر مسيلمة الكذاب في اليمن وادعى النبوة، بعث عليه الصلاة والسلام برسالة إليه وكان الاختيار على حبيب بن زيد بحملها وعندما قرأ مسيلمة الكتاب ازداد في ضلاله وتكبره وغروره، فقام بتعذيب مبعوث رسول الله في يوم مشهود وآثار التعذيب واضحة فقال مسيلمة لحبيب: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال حبيب: نعم أشهد أن محمدا رسول الله، وعلا وجه مسيلمة الخزي والصفرة، وعاد يسأله: وتشهد أني رسول الله؟ فأجاب حبيب باستهزاء: أني لا أسمع شيئا!! فما كان من مسيلمة إلا أن نادى جلاده ثم راح يقطع جسد حبيب رضي الله عنه قطعة قطعة وعضوا عضوا وحبيب لا يزيد عن ترديد ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ). ثم أقسمت أمه رضي الله عنهم جميعا أن تثأر لولدها، ففي يوم اليمامة خرجت أم عمارة مع ولدها عبد الله تحت أمرة خالد بن الوليد، وبيدها سيف وبالأخرى رمح، وقطعت يدها وجرحت اثني عشر جرحا وقتل عدو الله مسيلمة. كان بالإمكان لحبيب المراوغة مع مسيلمة وإظهار شيء آخر، لكن الثبات واليقين والأخذ بالعزيمة، يفعل بأصحابه الأعاجيب!!
- 3- الرجولة هي قوة الإيمان قبل قوة البنيان:ـ
- عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يجتني سواكاً من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مم تضحكون؟)، قالوا: يا نبي الله من دقة ساقيه، فقال: "والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحُد"، رواه أحمد..
- ويروي لنا عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه حال طفلين يوم بدر في شجاعة وإقدام رغم صغر حجمهما، فعن عبدالرحمن بن عوف قال: (إنِّي لفي الصفِّ يوم بدر؛ إذ التفتُّ فإذا عن يميني وعن يساري فَتَيان حديثا السنِّ، فكأني لم آمَن بمكانهما؛ إذ قال لي أحدُهما سرًّا مِن صاحبه: يا عم، أرِني أبا جهل، فقلتُ: يا بن أخي، وما تصنع به؟ قال: عاهدتُ اللهَ إن رأيتُه أن أقتله، أو أموت دونه، فقال لي الآخر سرًّا من صاحبه مثله، فما سرَّني أني بين رجلين مكانهما، فأشرتُ لهما إليه، فشدَّا عليه مثل الصَّقرين حتى ضرباه، وهما ابنا عفراء). قال ابن حجر: (قوله الصَّقرين، شبَّهَهما به لِما اشتهر عنه من الشَّجاعَة، والشَّهامة، والإقدام على الصَّيد، ولأنَّه إذا تشبَّث بشيء لم يفارِقه حتى يأخذه).
- 4- الرجولة: هي تحمُّلُ المسئولية، والنصح في الله، والدفاع عن أولياء الله ..
- رجل واحد يفعل أفعال لا تفعلها أمة بأسرها، رجل واحد يعدل أمة، بل إنه يرجح عليهم، الرجولة التي تنصر المظلوم وتغيث الملهوف وتعين على نوائب الحق، إنها رجولة تعرفها النفوس الأبية وتتحلى بها القلوب القوية، فمن للملهوف إلا رجل شهم؟ ومن للمظلوم إلا رجلُ عزمٍ وحزمٍ؟ إن الله تحدث لنا عن رجل سعى وقطع المسافات وتجاوز الحواجز وكابد المخاطر والمخاوف لينصر إنسانا مظلوما وليقف مع ملهوف محروم، قال الله تعالى: }وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)} (القصص) ما جعله يأتي من أقاصي المدينة، وما جاء يمشي بل جاء يسعى لماذا ؟ دفاعاً عن أولياء الله والدعاة إلى الله، إنها الرجولة الحقة بكل معانيها.
- قال ابن كثير رحمه الله: وصف بالرجولية لأنه خالف الطريق يعني الطريق الجادة التي تسلك في الشارع-، فسلك طريقاً أقرب من طريق الذين بعثوا وراءه، فسبق إلى موسى وحذره قال: إن الناس آتون ورائي ليقبضوا عليك ويقتلوك، أعوان فرعون الطاغية، فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ، يأتي هذا الرجل يسعى يختصر الطريق ليحذر ولي الله ونبيه موسى عليه السلام، تقديم النصيحة حتى في حالة الخوف هذه من صفات الرجولة. هذه الرجولة التي يصفها الله تعالى في القرآن أن من أهلها من يقوم يؤيد الرسل في دعوتهم، ويناصرهم، ويبين للناس أن من جاءت به الرسل هو الحق، يعين الرسل ويساعدهم}وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27){ يس. ونجد الرجولة تحمل مسئولية الأسرة .... قال تعالى}الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ....(34){ (النساء 34).
- والقيِّم أي الرئيس، الذي يحكم أهله ويُقوِّم اعوجاجهم إذا اعوجوا، وهو المسؤول عنهم يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته " أخرجه البخاري ومسلم. ولا يقدح في رجولة الرجل أن يعين أهله، وأن يلاطفهم وأن يداعب أبنائه وأن يقبلهم. عندما سئلت السيدة عائشة عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا في بيته ألين الناس، وأكرم الناس، كان رجلاً من رجالكم إلاّ أنه كان ضحّاكًا بسّامًا، وما كان إلاّ بشرًا من البشر، كان يكون في مهنة أهله - يعني خدمة أهله- يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته، فإذا أحضرت الصلاة خرج إلى الصلاة، ولا رأيته ضرب بيده امرأة ولا خادمًا".
- 5- الرجولة: قوةٌ في القول، وصدعٌ بالحق:ـ
- قال الله تعالى:} وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)} (غافر). وقد اختارهم الله تعالي واصطفاهم وجعلهم أن أحبائه وأصفيائه فقال تعالي } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54){ المائدة.
- وهذا نموذج رائع في قوة القول والصدع بالحق ،إنه شيخ الإسلام والمسلمين وأحدُ الأئمة الأعلام سلطان العلماء، إمامُ عصره بلا مدافعة القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في زمانه، العز ابن عبد السلام ( طلع شيخنا عز الدين مرة إلى السلطان في يوم عيدٍ إلى القلعة فشاهد العساكر مصطفين بين يديه ومجلس المملكة وما السلطانُ فيه يوم العيد من الأبَّهة وقد خرج على قومه في زينته على عادة سلاطين الديار المصرية وأخذت الأمراء تقبِّلُ الأرض بين يدي السلطان فالتفت الشيخ إلى السلطان وناداه يا أيوبُ ما حُجَّتُك عند الله إذا قال لك ألم أبوئ لك ملكَ مصر ثم تبيح الخمور فقال هل جرى هذا فقال نعم الحانة الفُلانية يباع فيها الخمور، وغيرها من المنكرات وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة يناديه كذلك بأعلى صوته والعساكر واقفون فقال يا سيدي هذا أنا ما عملته هذا من زمان أبي فقال أنت من الذين يقولون ( إنَّا وَجَدنا آباءَنا على أمَّة ) فرسم السلطان بإبطال تلك الحانة). ( طبقات الشافعية ، السبكي ).
- 6- الرجولة صمودٌ أمام الملهيات، واستعلاء على المغريات:ـ
- الرجال لا تشغلهم الدنيا ولا تستهويهم المغريات بل يستعلون علي كل الشهوات حذراً من يوم عصيب يشيب فيه الولدان وتتبدل الأرض غير الأرض والسماوات، قال الله تعالى} فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) { (النور).
- قال ابن كثير رحمه الله: "قوله: (رِجَالٌ) فيه إشعار بهمهم السامية، ونياتهم وعزائمهم العالية التي بها صاروا عماراً للمساجد، التي هي بيوت الله في أرضه".يسبحون الله في المساجد، لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَار (النور:37).
- إذن أيها المؤمنون ....هؤلاء الرجال الذين لم تلههم تجارة ولا بيع عن أي شيء؟ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، قال بعض السلف رحمه الله: يبيعون ويشترون، هؤلاء الرجال، يبيعون ويشترون، ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه، وأقبل إلى الصلاة، كان إذا سمع النداء وميزانه في يده -يبيع ويشتري، فإذا سمع النداء خفض الميزان، وأقبل إلى الصلاة. ومر عمرو بن دينار رحمه الله، ومعه سالم بن عبد الله، قال: كنت مع سالم بن عبد الله ونحن نريد المسجد، فمررنا بسوق المدينة، وقد قاموا إلى الصلاة، وخمروا متاعهم الناس الذين في سوق المدينة قاموا إلى الصلاة، وغطوا متاعهم، فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد، لم يجلسوا أمامها ليحرسوها مثلاً، أو لينظروا فيها، أو أغلقوا الدكاكين، وقعدوا على الدرجات على الرصيف في الطريق ينتظرون متى تنتهي الصلاة حتى يكون كل واحد منهم أول من يفتح الدكان، تركوا أمتعتهم في الشارع، غطوها في السوق، وذهبوا إلى المسجد، فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد، فتلا هذه الآية: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّه) (النور) ثم قال: "هم هؤلاء"، هؤلاء الذين عنى الله بقوله في هذه الآية، هؤلاء الذين قدموا مراد الله على مراد أنفسهم، وآثاروا طاعة الله على المتاع الدنيوي الزائل، آثروا الاستجابة لهذا النداء العلوي الرباني، "حي على الصلاة"، "حي على الفلاح"، على نداء الجشع والطمع الذي يثيره الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء.
- وهذا نموذج في الاستعلاء علي المغريات والثبات أمام الشهوات إنه عبدالله ابن حذافة السهمي رضي الله عنه ..
- عن أبي رافع رضي الله عنه قال : وجَّه عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشا إلى الروم و فيهم رجلا يقال له عبد الله بن حذافة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فأسره الروم فذهبوا به إلى ملكهم فقالوا : إن هذا من أصحاب محمد فقال له الطاغية : هل لك أن تنتصر و أشركك في ملكي و سلطاني ؟ فقال له عبد الله : لو أعطيتني جميع ما تملك و جميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه و سلم طرفة عين ما فعلت . قال : إذا أقتلك قال : أنت و ذاك . قال : فأمر به فصلب , وقال : للرماة : ارموه قريبا من يديه قريبا من رجليه و هو يعرض عليه – أن يتنصر - و هو يأبى , ثم أمر به فأنزل ثم دعا بقدر و صب فيها ماء حتى احترقت ثم دعا بأسيرين من المسلمين فأمر بأحدهما فألقي فيها و هو يعرض عليه النصرانية و هو يأبى ثم أمر به أن يلقى فيها فلما ذهب به بكى فقيل له : إنه بكى فظن أنه رجع فقال : ردوه فعرض عليه النصرانية فأبى . قال : فما أبكاك إذا ؟ قال : لا ترى أني بكيت جزعا مما تريد أن تصنع بي , ولكني بكيت حيث ليس لي إلا نفس واحدة يفعل بها هذا في الله , كنت أحب أن يكون لي من الأنفس عدد كل شعر فيّ ثم تسلط علي فتفعل بي هذا . قال : فأعجب منه : وأحب أن يطلقه فقال : هل لك أن تقبل رأسي و أخلي عنك ؟ قال عبد الله و عن جميع أساري المسلمين ؟؟ قال : وعن جميع أسارى المسلمين . قال عبد الله : فقلت في نفسي عدو من أعداء الله أقبل رأسه يخلي عني و عن أسارى المسلمين لا أبالي فدنا منه و قبل رأسه فدفع إليه الأساري فقدم بهم على عمر فأخبر عمر خبره فقال عمر : حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة و أنا أبدأ فقام عمر فقبل رأسه . [ البيهقي في شعب الإيمان , وأسد الغابة في معرفة الصحابة ]
- 7ـ والرجولة استعلاء علي رغائب النفس وضبطها:ـ
- كماقال النبي صلي الله عليه وسلم }لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ{ متفق عليه .
- 7- الرجولة: رأيٌ سديد، وكلمة طيبة، ومروءةٌ وشهامةٌ، وتعاون وتضامن. قال تعالى عن مروءة وشهامة هذا الشاب القوي سيدنا موسي عليه السلام : } وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ(23) فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(24) } (القصص).
- وقد رأينا النبي صلي الله عليه وسلم في المواقف الصعبة شهما ذا مرؤة ، فعن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسَنَ النَّاس، وأجودَ الناس، وأشجَعَ النَّاس، قال: وقد فَزع أهلُ المدينة ليلة سمعوا صوتًا، قال: فتلقَّاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم على فرس لأبي طلحة عُرْيٍ، وهو متقلِّد سيفَه، فقال:(لم تراعوا، لم تراعوا)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وجدته بحرًا)؛ يعني: الفرس".
- وعن أبي إسحاق قال سأل رجل البراءَ رضي الله عنه، فقال: يا أبا عمارة أَوَلَّيتم يوم حنين؟ قال البراء وأنا أسمع: أما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لم يُوَلِّ يومئذٍ، كان أبو سفيان بن الحارث آخذًا بعنان بغلته، فلمَّا غشيه المشركون نزل، فجعل يقول: (أنا النبيُّ لا كَذِب، أنا ابن عبدالمطَّلب).
- وعن أسلم مولى عمر قال: (خرجتُ مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق، فلحقَت عمرَ امرأةٌ شابَّة، فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي وترك صبيةً صغارًا، والله ما ينضجون كراعًا، ولا لهم زرع ولا ضَرْع، وخشيتُ أن تأكلهم الضَّبُع، وأنا بنتُ خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهِد أبي الحديبية مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فوقف معها عمر ولم يمضِ، ثمَّ قال: مرحبًا بنسَبٍ قريب، ثمَّ انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطًا في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعامًا، وحمل بينهما نفقة وثيابًا، ثمَّ ناولها بخطامه، ثمَّ قال: اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيكم اللهُ بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرتَ لها؟ قال عمر: ثكلتك أمُّك، والله إنِّي لأرى أبا هذه وأخاها، قد حاصرا حصنًا زمانًا فافتتحاه، ثمَّ أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه).
- 8- الرجولة تظهر عندما تشتد الأزمات وعند الفتن :ـ
- قد تمر بالمسلمين شدائد وضائقات، قد يمر بالمسلمين عسر شديد، تنقطع بهم السبل فيتحير الناس ويضطربون، ويميدون ويحيدون عن شرع الله، فترى الناس متفرقين شذر مذر، لا يرى أحدهم الحق ولا يتبعه، حيرتهم فتن الحياة الدنيا، فاضطربوا اضطراباً شديداً، وتبعثروا وتفرقوا، من الذي يثبت في هذه الحالة؟ من الذي يقوم بواجب التثبيت في هذه الحالة التي تقع فيها الفتن بالمسلمين، نحتاج إلى عناصر مثبتة، تثبت المسلمين على المنهج الرباني، من الذي يثبت؟ في حالة الأزمات تكتشف معادن الرجال، يفضي كل رجل إلى معدنه الخالص؛ ليستبين أمام الناس هل هو من أهل العقيدة أم لا؟
- وإن ذكرت الرجولة في الأزمات فلا بد من ذكر صلاح الدين الأيوبي ذلك الذي جعل من الأزمة سبيل له إلى القمة، عندما تلقى كتاباً من المسجد الٌأقصى الأسير في يدي الصليبيين جاء في الكتاب: يا أيها الملك الذي لمعالم الصلبان نكّــــس جاءت إليك ظلامة تسعى من البيت المقدس كل المساجد طهرت وأنا على شرفي أنجس هذه الرسالة في تلك الأزمة حركت الرجولة في نفسه أبية، فانتخى صلاح الدين وأقسم أن لا يضحك ولا يغتسل حتى يحرر المسجد الأقصى وما هي إلا أيام ويعتلي خطيبُ صلاحِ الدينِ على منبرَ نور الدين في المسجد الأقصى ليقول: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(45)} [الأنعام].
- وهاهو سيدنا موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام يدعو قومه للجهاد والقتال فيقول:{يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ (21)} [المائدة]. فيتلعثم أشباه الرجال وينطق أشباه النساء ويقولون: {يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ(24)} [المائدة]. هذا حال أشباه النساء في كل زمان يرفضوا مواجهة الطغيان ويتركون الجهاد والقتال. أما لسان الرجولة والبطولة فيقول: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(23)} [المائدة].
- وهذا حال الرجولة في كل زمان، عزيمة وإقدام وتفاؤل واقتحام، وبعده تمكين وانتصار. وهذا ما جاء على لسان رجل من رجالات الصحابة الكرام يقول لرسول الله عليه الصلاة والسلام يوم بدر: "يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغمام لجالدنا معك من دونه، لا يتخلف منا أحد، فامض يا رسول الله لما أراك الله فنحن معك".
- العنصر الثالث : ميزان الرجال:
- إن ميزان الرجال في شريعة الإسلام ليس المال ولا الجاه ولا المنصب وإنما الأعمال الفاضلة والأخلاق الحسنة والإيمان القوي ، فالناس كلهم لآدم، وآدم خُلِقَ من تراب.. قال الله تعالى} يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13){ (الحجرات).
- قال ابن تيمية: "لا يوجد في كتاب الله آية واحدة يَمْدَحُ فِيهَا أَحَدًا بِنَسَبِهِ، ولا يَذُمُّ أَحَدًا بِنَسَبِهِ، وإنما يمدحُ بالإيمانَ والتقوى، ويذمَ بالكفرِ والفسوقِ والعصيان ".
- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط أيام التشريق في حجة الوداع، فقال: أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، إنَّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكم، ألا هل بلَّغتُ ؟، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فليُبلِغِ الشَّاهدُ الغائبَ " رواه أحمد. ومرّ رجلٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ما تقولون في هذا ؟ قالوا: هذا حريٌ إن خَطَب أن يُنْكح، وإن شَفَع أن يُشَفّع، وإن قال أن يُسْتمع له. قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا ؟ قالوا: هذا حريٌ إن خَطَب أن لا يُنْكح، وإن شَفَع أن لا يُشَفّع، وإن قال أن لا يُسْتمع له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا خيرٌ من ملء الأرض من مثل هذا " (رواه البخاري).
- العنصر الرابع : نساء رجال:ـ
- لقد سطر التاريخ الإسلامي قديماً وحديثاً نماذجاً نسائية ضربن أمثلة من الشجاعة والجرأة والإقدام ما يعجز عليها الكثير ممن يدعون الرجولة على مر العصورمنهم ...
- 1ـ السيدة صفية بنت عبد المطلب:
- في غزوة الخندق، وضع النبي صلى الله عليه وسلم النساء والأطفال في الحصون لحمايتهم، فكانت صفية وأمهات المؤمنين في حصن حسان بن ثابت، وكان من أمنع حصون المدينة. وبينما كان المسلمون منشغلون بقتال عدوهم، تسلل يهودي وطاف بالحصن يتجسس أخباره، فأدركت أنه يريد معرفة أفي الحصن رجال أم إنه لا يضم غير النساء والأطفال. فحملت عمودًا وتلطّفت حتى كانت في موضع تمكنت فيه من عدوها، ضربته على رأسه فوقع فانهالت عليه حتى مات، لكي لا ينقل خبرهم إلى قومه. ثم حزّت رأسه بسكين، وقذفت بها من أعلى الحصن، فطفق يتدحرج حتى استقر بين أيدي يهود كانوا يتربصون في أسفله، فلما رأى اليهود رأس صاحبهم؛ قالوا: (قد علمنا إن محمداً لم يكن ليترك النساء والأطفال من غير حماة)، فعادوا أدراجهم.
- 2ـ نسيبة بنت كعب رضي الله عنها :ـ
- بطلة يوم أحد.. لما رأت المشركين يتكاثرون حول رسول الله أستلت سيفها وكانت مقاتلة قوية، وشقت الصفوف حتى وصلت إلى رسول الله تقاتل بين يديه وتضرب بالسيف يميناً وشمالاً حتى هابها الرجال وأثنى عليها النبي وقال: (ما ألتفت يميناً ولا شمالا يوم أحد إلا وجدت نسيبة بنت كعب تقاتل دوني). ولقد قالت يا رسول الله: ادع الله أن أرافقك في الجنة فقال: (اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة) جرحت يوم أحد جرحاً بليغاً فكان النبي يطمئن عليها ويسأل (كيف حال نسيبة). وعندما أخذت تحث ابنها عبد الله بن زيد عندما خرج يوم أحد فقالت: انهض بني وضارب القوم. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة).
- ولو كان النســــــاء كمثل هذي **** لفضلت النساء على الرجال
- فما التانيث لاسم الشمس عييب **** ولا التذكير فخر للهلال
- العنصر الخامس : هل للرجولة سن معين؟
- الرجولة ليست بالسن المتقدمة، فكم من شيخ طاعن في السن وقلبه في سن الطفولة، يفرح بالتافه، ويبكي على الحقير، ويتطلع إلى ما ليس له، ويقبض على ما في يده قبض الشحيح حتى لا يشركه غيره، فهو طفل صغير... ولكنه ذو لحية وشارب. مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على مجموعة من الصبيان يلعبون فهرولوا، وبقي صبي مفرد في مكانه، هو عبد الله بن الزبير، فسأله عمر: لِمَ لَمْ تعدُ مع أصحابك ؟ فقال: يا أمير المؤمنين لم أقترف ذنباً فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقةً فأوسعها لك! ودخل غلام عربي على خليفة أموي يتحدث باسم قومه، فقال له: اجلس ليتقدم من هو أسن منك، فقال: يا أمير المؤمنين، لو كان التقدم بالسن لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة. قال تعالى: "... وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {4} (المنافقون 4). وجاء في الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: " يأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرءوا إن شئتم قوله تعالى} فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً (105){(الكهف).
- العنصر السادس: كيف نبني الرجال ؟
- إن خير ما تقوم به دولة لشعبها، وأعظم ما يقوم عليه منهج تعليمي، وأفضل ما تتعاون عليه أدوات التوجيه كلها من صحافة وإذاعة، ومسجد ومدرسة، هو صناعة هذه الرجولة، وتربية هذا الطراز من الرجال. إننا نحتاج إلى الرجال الذين يثبتون وسط الأزمات التي تعصف بالمسلمين، الأزمات والفتن التي تجعل الحليم حيراناً، نحتاج إلى رجال يبصرون الناس بالدين، إلى رجال يكونون قدوة للناس، إلى رجال يُثبِّتُون الناس على شرع الله عز وجل.
- وهذا ما تمناه سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه لما كان جالسا في دار من دور المدينة ومع جماعة من أصحابه فقال لهم: تمنوا ؛ فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءةٌ ذهباً أنفقه في سبيل الله. ثم قال عمر رضي الله عنه: تمنوا، فقال رجل آخر: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجداً وجوهراً أنفقه في سبيل الله وأتصدق به. ثم قال: تمنوا، فقالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين ؟ فقال عمر: ولكني أتمنى رجالاً مثلَ أبي عبيدة بنِ الجراح، ومعاذِ بنِ جبلٍ، وسالمٍ مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله.
- رحم الله عمر الملهم، لقد كان خبيراً بما تقوم به الحضارات الحقة، وتنهض به الرسالات الكبيرة، وتحيا به الأمم الهامدة. إنهم الرجال أقوياء الإيمان أقوياء العزائم فهم أعز من كل معدن نفيس، وأغلى من كل جوهر ثمين. فإن القوة ليست بحد السلاح بقدر ما هي في قلب الجندي، والتربية ليست في صفحات الكتاب بقدر ما هي في روح المعلم.
- وإليكم بعض خطوات لبناء الرجال............
- 1ـ إعطاء الصغير قدره وقيمته في المجالس:
- ومما يوضّح ذلك ما رواه البخاري عن سَهْلِ بْنِ سَعْد (رضي الله عنه ) قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ (عليه الصلاة والسلام ) بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارهِ فَقَالَ:يَا غُلامُ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الأشْيَاخَ؟ قَالَ: مَا كُنْتُ لأوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ.
- وعدم استصغاره فيروي عن سفيان بن عيينة ...
- يحكى عن طفولته فيقول كان أبى يعمل صيرافيا في بغداد (في تجارة العملة ) لكن أصابه الفقر فجمعنا وكان عمري سبع سنوات وقال : قد أصابنا الفقر فما رأيكم أن نهاجر إلى مكة ففيها مهبط الوحي على النبي صلي الله عليه وسلم وهى أرض خير وبركة نتاجر فيها ويتعلم أولادنا الصغار حديث النبي صلي الله عليه وسلم فوافق الجميع أول ما وصلوا مكة ذهبوا للحرم وقرروا أن يتركوا المتاع مع أصغرهم خارج الحرم "سفيان " فأجلسوني مع المتاع بجانب الحرم ، فمر بي شيخ يركب دابة فوقف أمامي وسلم على وقال يا غلام أمسك لي الدابة حتى أدخل فأركع فأصلي. فقلت والله لن أمسك لك الدابة حتى تحدثني بحديث فقال وما ينفعك أنت الحديث ! واستصغرني فقلت والله ليس أمامك أحد لن أمسك لك بالدابة حتى تحدثني بحديث فغضب وحدثني بثماني أحاديث ، يقول حدثني عبد الله بن مسعود عن النبي صلي الله عليه وسلم وحدثني عبد الله بن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم ثم ترك معي الحمار ودخل المسجد فأخذت الدابة وبدأت أراجع ما حدثني به من أحاديث ، فلما خرج قال يا غلام ما نفعك ما حدثتك به حبستني عن الصلاة، فقلت له انتظر يرحمك الله وأعدت عليه الأحاديث الثمانية صحاح لم أنقص منها حرفا واحدا فقال يا غلام مكانك ليس على باب المسجد لي حلقة علم فائتني غدا ,ثم يذهب سفيان في اليوم التالي ويسأل عن الشيخ فيعرف أنه عمرو بن دينار التابعي المشهور( مفتى مكة ) وأخذ العلم عنه ومن هذا اليوم بدأ يتعلم على يديه ومرت الأيام وقبض مفتى مكة وبحث العلماء عن عالم يستحق أن يكون في هذا المكان فلم يجدوا أفضل من سفيان بن عيينة وعمره 23سنة بإجماع علماء مكة .
- 2ـ منعه من الكسل والبطالة، والتقليل أحياناً من حياة التّرف،
- وقد قال سيدنا عمر رضي الله عنه: اخشوشنوا فإنّ النِّعَم لا تدوم.
- 3ـ تجنيب الطفل أسباب الفساد والميوعة:
- مثل مجالس اللهو والباطل والغناء والموسيقى، ورقص النساء وتمايلهن، والميوعة في اللباس وقصّات الشّعر والحركات والمشي، فإنها منافية للرّجولة ومناقضة للجِد.
- 4ـ استكتامه الأسرار:ـ
- كما روى مسلم عن أنس (رضي الله عنه) قَال: أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ (عليه الصلاة والسلام ) وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ قَالَ: فَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي، فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّه (عليه الصلاة والسلام ) لِحَاجَةٍ. قَالَتْ: مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ. قَالَتْ: لا تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّه (عليه الصلاة والسلام ) أَحَدًا.
- 5ـ تربية الطفل على العزة والشجاعة، وتحديثه عن أمجاد المسلمين، ومواطن عزتهم وانتصاراتهم .
- جاء في البخاري أن الزبير بن العوام رضي الله عنه خرج بابنه عَبْد اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ فَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ وَوَكَّلَ بِهِ رَجُلاً ولقد روت أم صلاح الدين لابنها قصة أمراء بني أرطق الذين ظلوا ثلاثون عاما يقاتلون الصليبيين قبل ظهور عماد الدين زنكي. فماذا كان تأثير ذلك على صلاح الدين؟
- أيها المؤمنون ...
- إن الأمة لن تقوم من كبوتها, ولن تستيقظ من غفلتها, إلا عبر رجال أشداء على الكفار رحماء بينهم, نعم رجالٌ صنعتهم العقيدة القوية, وصقتلتهم المحن الشديدة, رجال لا تأخذهم في الله لومة لائم. إن العقيدة في قلوب رجالها من ذرة أقوى وألف مهند فالرجولة الحقة في الإقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم والسير علي نهجه واتباع هديه ، ومراقبة الله في السر والعلانية ، وتعظيم أمره ، وحفظ أوامره وحدوده ، والغيرة علي دينه .
- اللهم اجعلنا رجالاً نعمر المساجد بالإيمان، رجالاً ننصر الحق على الكفر والطغيان، اللهم اجعلنا رجالاً متطهرين، رجالاً صادقين، واختم لنا بجنات النعيم، إنك سميع عليم. يارب العالمين .
13 مارس 2017
"الرجـــولة" شهامة ومروؤة وكرامة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق