الإدمان
( أسبابه ـ أضراره ـ علاجه )
وقال تعالي ( ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة ) البقرة 195 .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... أحل الحلال وحرم الحرام ، وأحل الطيبات ،وحرم الخبائث فقال تعالي ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ...) الأعراف 157 .
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم نهي عن الإضرار بالنفس فقال صلي الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار ). فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين .
أما بعد... فيا أيها المؤمنون..
لقد كرم الله الإنسان وأعلى شأنه وأسبغ عليه نعمة ظاهرة وباطنة وسما به إلى أكبر درجات التعظيم والتكريم، وقال في شأنه:(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا: (الإسراء 70).
وقد توج الله الإنسان بأفضل وسائل التفكير والإدراك وأحل له من الطيبات ما يحفظ عليه حياته ،ويجعله صحيحا معافى عزيزا كريما ،كما حرم عليه كل خبيث ضار بجسمه أو عقله أو يفقده توازنه أو يحطم شخصيته، وذلك كله حماية للإنسان الكريم على الله ووقاية لبدنه أوعقله . وما دام العقل هو نعمة الله الكبرى فواجب للإنسان إزاءه أن يحافظ عليه بكل وسيلة مشروعة وأن يعمله في إدراك فضائل الأمور وأن يتفكر به في ملكوت السماوات والأرض وفيما يعود عليه بالسعادة والخير ،فإذا فعل ذلك فقد أدى جانبا من شكر الله على هذه النعمة .
ولكن للأسف عندما تنقلب الأوضاع. و ينحرف العقل عن مساره و يأتي الإنسان في حالة من حالات ضعفه أو مع قرناء السوء من حوله فيتعمد أن يغيب عقله أو تخدر حواسه او يعطل إدراكه بأي نوع من أنواع المخدرات والمسكرات فذلك هو الضلال المبين . وبما إن تعاطي المخدرات تهديد حقيقي للمجتمعات ،وتعتبر من أعقد المشاكل التي تواجه المجتمعات في الوقت الحاضر ، لما لها من تأثير على كافة اشكال النشاط الاجتماعي ، والاقتصادي ، وعلى العنصر البشري من النواحي الصحية ، والعقلية ، والنفسية ، والاجتماعية.
وقد تمس بسلامة امن المجتمع واستقراره من خلال الانحرافات السلوكية الشائنة للمتعاطي ،ومن أخطرها ما يتعلق بالجريمة للارتباط الوثيق بين المتعاطي والجريمة بكافة أنواعها مثل : القتل ، والسرقة ، والاغتصاب، والتهريب ......الخ.
يضاف إلى ذلك الأضرارالكبيرة التي تصيب الاقتصاد والتنمية بسبب ضعف قدرة المجتمع في الإنتاج لانعدام إمكانات العمل أو العمل بمستويات متدنية لدى اؤلئك المتعاطين .
إذن وجب علينا أن نعطي هذا الموضوع أهمية قصوي من خلال مناقشته مناقشة موضوعية من خلال
( حقيقته ـ أسبابه ـ أضراره ـ موقف اٌلإسلام منه ــ طرق الوقاية منه ) .
أولا :ـ حقيقة الإدمان :ــ
هو حالة تسمم مزمنة ناتجة عن الاستعمال المتكرر للمخدرات .لذاك علينا أن نتعرف علي حقيقة المخدرات .
تعريف المخدرات :ــ
أُطلق على المخدرات المرفئات ( يعني ما غيب العقل والحواس دون أن يصيب ذلك النشوة والسرور )، أما إذا صحب ذلك نشوة فإنه مسكر . وهي كلمة قليلة الحروف ، قاتلة المعاني ، لا تصحب معها إلا الدمار ، تسحق في فلكها أحلاماً وآمالاً ، وقلوباً وعقولاً ، ومبادئ وقيماً ، وأفراداً ومجتمعات .
إنها السلاح الخطير .. بيد فاقدي الضمير .. تفتك بالعقول فتعطلها .. وتفتك بالأجساد فتهدّها ..وتفتك بالأموال فتبددها .. وتفتك بالأسر فتشتتها .. وتفتك بالمجتمعات فتحطمها .
إنها التيار الجارف ، والبلاء الماحق ، والطريق الذي ليس لـه إلا ثلاث نهايات : الجنون ، أو السجن ، أو الموت .
** ثانيا :ـ أسبابه :ــ
إن أسباب انتشار ظاهرة إدمان المخدرات لا يحصيها العد، إذ لكل مجتمع أسباب خاصة في تفشي هذه الظاهرة، فهي نابعة من ظروف العصر وأسبابه الخاصة.
1- انعدام التربية السليمة في البيت :ــ
إن السبب الأول في انحراف الشباب هو التربية الغير سوية من طرف الوالدين ,فالطفل كالصفحة البيضاء ترسم فيها ما تشاء فإذا كانت تربيته منذ البداية مبنية على أسس ومبادئ الدين الإسلامي فالنتيجة هي إنسان صالح بإذن الله تعالى والإسلام الحنيف يحمل الأبوين ومن يقوم مقامهما مسؤولية انحراف الأبناء.
ومن الأدلة القوية على ذلك ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود يولد إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ " ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ }.
ولا اقصد في قولي بأن كل اللوم يكون على الوالدين فهناك الأسرة والمدرسة والمجتمع ولكن ما أقصده هو أن الطفل أول ما يفتح عينه يرى أمه وأباه , فإذا وجد الطفل الأب يدخن مثلاُ وهو يعتبر هذا الأب قدوة له فإنه والحال هذا يكون من الصعب إقناعه بعدم التدخين إذ كيف يستطيع الأب أن يمنع ابنه عن شيء هو يفعله , وكما قيل قديما فاقد الشيء لا يعطيه , والعكس بالعكس فإذا كان الأب ذا أخلاق وبعيد عن الرذائل , فالنتيجة تكون بإذن الله طفل صالح.
فالواجب على الآباء مراعاة ما استرعاهم الله به قال صلى اللّه عليه وسلم: ﴿ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته: فالأمير الذي على الناس راعٍ عليهم وهو مسئولٌ عنهم، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئولٌ عنهم، والمرأة راعيةٌ على بيت بعلها وولده وهي مسئولةٌ عنهم، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسئولٌ عنه؛ فكلُّكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته﴾.
ويقول القائل :ــ
وينشأ ناشئ الفتيـــــان منا على ما كان عوده أبوه
وما دان الفتى بحجي ولكن يعوده التـــدين أقربوه
2ـ ضعف الوازع الديني والفراغ الروحي :ــ
ضعف الإيمان وأساس ذلك يأتي من الجهل بالعلم الشرعي ، فمتى وجد الجهل وجد ضعف الإيمان ، لأن الإيمان أساس العلم الشرعي الذي يهدي الفرد لأرشد طريق ، ولذلك نجد غالب المبتلين بهذا الداء هم من غير المعروفين بسابق الدراسة الشرعية . إن موقف الإسلام من تحريم الخمر والمخدرات صريح وواضح فمن المبادئ الأساسية في الإسلام الابتعاد عن كل ما هو ضار بصحة الإنسان ، وأن تعاطي المخدرات يؤدي إلى مضار جسيمة ونفسية واجتماعية للمتعاطي - ويقول الله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) .
إن الشخص المؤمن والملتزم بشريعة الله لا يمكن أن يقدم على تعاطي هذه المواد التي تسبب خطراً على صحته وعلى أسرته -
يقول شيخ الإسلام إبن تيميه : ( أن الحشيشة تورث مهانة آكلها ودناءة نفسه وانفتاح شهوته ما لا يورثه الخمر ففيها من المفاسد ما ليس في الخمر ، وإن كان في الخمر مفسدة ليست فيها وهي الحدة ) .
فهي بالتحريم أولى لأن ضرر آكل الحشيش على نفسه أشد من ضرر الخمر ، وضرر شارب الخمر على الناس أشد إلا أنه في هذه الأزمان لكثرة أكلة الحشيشة صار الضرر الذي فيها على الناس أعظم من الخمر وإنما حرم الله المحارم لأنها تضر أصحابها -
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل مسكر خمر وكل مسكر حرام )
وهذه مسكرة ولو لم يشملها لفظ بعينها لكان فيها من المفاسد ما حرمت الخمر لأجلها مع أن فيها مفاسد أخرى بغير مفاسد الخمر توجب تحريمها . وقد أخرج أبو داود وأحمد عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نهى عن كل مسكر ومفتر )
وقيل المفتر الذي يحدث في الجسم فتوراً وتراخياً وضعفاً . والمعروف أن جميع المخدرات تحدث هذه الأضرار في الجسم .
ويقول الإمام إبن القيم : ( أن الخمر يدخل فيها كل مسكر مائعاً كان أو جامداً أو عصيراً أو مطبوخا فيدخل فيها الحشيش والأفيون لأن كله خمر داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ) ، وصح عن أصحابه رضي الله عنهم الذين هم أعلم الأمة بخطابة ومراده بأن الخمر ما خامر العقل .
إن ضعف الوازع الديني والأخلاقي يجعل الأفراد فريسة للأزمات النفسية، وهي بدورها تكون أحد أسباب التعاطي .
فالوازع الديني ينشىء الفرد على الصدق والإيمان وسلامة التطبيق لأوامر الله تعالى ،ومن تحصن بالدين الإسلامي يمكنه إن يميز بين الحلال والحرام . وقد أحل الله الحلال لفائدته للفرد والمجتمع، وحرم الحرام لخطورته عليهما .فإذا كانت التربية الدينية راسخة لدى الفرد وقوية في النفس فيكون (الحلال بين والحرام بين لدى المسلمين ).
فتقوية الإيمان في النفوس تكمن بمعرفة قول الله سبحانه وتعالى ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبع السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم تتقون ) الآية :153- سورة الإنعام ،
وقال تعالى (اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون ) ( 45 ـ العنكبوت )
وحرم الإسلام جميع أنواع المسكرات ،سواء كانت خمر أو مخدرات قليلة كانت أم كثيرة لما تسببه من اضرار للفرد والمجتمع وهذا التحريم مستندا في القران الكريم ، والحديث ، والفقه .
فقد ورد في كتاب الله العزيز ((ويحل لكم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث )) الآية: 157- سورة الأعراف .
وجاء التحريم تاما بنص هذه الآية الكريمة لان المخدرات أم الخبائث. وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار )) متفق عليه .
وقد اثبت العلم الاضرار الجسيمة التي تسببها المواد المخدرة ،فهي مفسدة للدين ،والعقل ،والنسل ، والنفس ،والمال.
3 ـ النزاع والشقاق بين الآباء والأمهات :ـ
من الأسباب الأساسية التي تؤدي إلي انحراف الولد احتدام النزاع واستمرار الشقاق بين الأب والأم في أعظم ساعات الإجتماع واللقاء ، فالولد حين يفتح في البيت عينيه ، ويري ظاهرة الخصومة أمام ناظريه سيترك البيت حتما جو البيت القاتم ويهرب من محيط الأسرة الموبوء ليفتش عن رفاق يقضي معهم جل وقته ويصرف في مخالطتهم معظم فراغه ،فهؤلاء إن كانوا قرناء سوء ورفقاء شر فإنه سيدرج معهم علي الإنحراف ، ويتدني بهم إلي أرذل الأخلاق وأقبح العادات ، بل إن انحرافه سيتأكد وإن إجرامه سيتحقق ، ليصبح أداة خطر وبلاء علي البلاد والعباد .
4ـ الفـراغ عند الشباب وخطـورته :ــ
الوقت هو حياة الإنسان ولا بد من استغلاله فيما يعود عليه بالنفع، فكم من أناس يقضون أوقاتهم في غير فائدة تذكر، أو منفعة تسطر!! ولما كان الفراغ قاتلاً للأوقات، خاصة وقت الشباب الذي هو أغلى شيء؛ كان الاهتمام به أبلغ وأشد , كما هو معلوم فان الإنسان يسأل يوم القيامة عن وقته قال صلى الله عليه و سلم ﴿لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وماذا عمل فيما علم﴾
إن الفراغ في حياة المرء أمره خطير، وشره مستطير، وخاصة عند الشباب. إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة لأن الفراغ مفسدة للمرء إن لم يوجه في الخير ،فإنه يسبب مشاكل كثيرة؛ ولذا لا بد أن يملأوا أوقاتهم بما يفيدهم ويفيد أمتهم , وإلا كان وبالا عليهم . فالفراغ قد يؤدي بصاحبه إلى تناول المخدرات إن لم يستغله فيما ينفعه ,
إن الفراغ نعمة في حق العبد إذا استعمله فيما يعود عليه بالنفع في دنياه وأخراه، أما إذا لم يغتنمه الشاب تحول من نعمة إلى نقمة، ومن منحة إلى محنة، ويصبح شبحًا مخيفًا يحول الشاب إلى ألعوبة بيد شياطين الجن والإنس ,
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ﴾ ,
و قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ﴿إني لأمقت الرجل أن أراه فارغًا، ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة﴾.
5ـ الرفقة السيئة :ــ
إن الاتصال بقوم منحرفين و مصاحبتهم يؤثر كثيرا على الشباب في عقله و تفكيره و لذلك جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ﴿المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل﴾
و قال صلى الله عليه و سلم ﴿مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك : إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة﴾متفق عليه.
إن الرفقة من الحاجات الاجتماعية لكل إنسان ، لأن الرفقة حاجة نفسية متأصلة في النفس البشرية ، فإذا صلحت الرفقة صلح الإنسان والعكس بالعكس , وعليه وجب على الإنسان أن يختار الرفقة الحسنة التي تعينه في أمور دينه ودنياه. فالحذر الحذر من رفيق السوء، فإنه يُفسد عليك دينك ودنياك ، يجرّك إلى الرذيلة، ويباعدك من كل فضيلة، حتى يُجرّئك على فعل الموبقات والآثام، والصاحب ساحب، فقد يقودك إلى الفضيحة والخزي والعار، ويوقعك في المحذورات من التدخين وشرب الخمر و المخدرات.
6ـ البيئة المحيطة بالشباب :ــ
قال صلى الله عليه وسلم: ﴿كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه﴾ ,
فكل إنسان يولد على الفطرة التي فطره الله عليها , وإنما ينحرف بسبب ما يجد عليه من حوله , ويتغير بما يجده أمامه , فالنفس البشرية قابلة للخير والشر، وعندها استعداد للاستقامة أو الانحراف والبيئة هي التي تعزز ذلك وتيسره , فللبيئة تأثير خاص على الإنسان، فإن تربى في بيئة تعتز بالفضيلة والأخلاق الحسنة، صار الإنسان كذلك ، وإن عاش في بيئة فيها من الفساد الأخلاقي والفكري، أصبح على حسب ما فيها منه ، فالإنسان يؤثر ويتأثر.
7ـ الإعلام :ــ
إن الإعلام سلاح ذو حدين من الممكن أن يكون نافعًا، ومن الممكن أن يكون عاملاً من عوامل الانحراف، ولكن ما نشاهده اليوم عبر القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت , إبتداءا من أفلام الكارتون إلى المسلسلات والأفلام وغيرها من البرامج فيها من نشر الانحراف كالرقص والزنا وشرب المخدرات وجرائم السرقة .... وغير ذلك من الجرائم والسلوكيات التي يشيعها الإعلام وسط الشباب ,فكل هذا ما هو إلا طريق للانحراف الفكري والسلوكي لدى أبناء مجتمعنا. هذه بعض الأسباب الرئيسية التي تكون سببا في انحراف الشباب , هذا وثمة أسباب أخرى لوقوع الشباب في شبح المخدرات فهذه الأسباب على سبيل المثال لا على سبيل الحصر ........
** ثالثا :ــ الأضرار الناتجة عن تعاطي المخدرات :ــ
أ . الأضرار الاجتماعية والخلقية :ــ
1- انهيار المجتمع وضياعه بسبب ضياع اللبنة الاولى للمجتمع وهي ضياع الاسرة .
2- تسلب من يتعاطاها القيمة الانسانية الرفيعة وتهبط فيه في وديان البهيمة حيث تؤدي بالانسان الى تحقير النفس فيصبح دنيئا مهانا لا يغار على محارمه ولا على عرضه وتفسد مزاجه ويسوء خلقه.
3- سوء المعاملة للاسرة والاقارب فيسود التوتر والشقاق وتنتشر الخلافات بين أفرادها .
4- امتداد هذا التأثير الى خارج نطاق الاسرة حيث الجيران والاصدقاء .
5- تفشي الجرائم الاخلاقية والعادات السلبية , فمدمن المخدرات لا يأبه بالانحراف الى بؤرة الرذيلة والزنا ومن صفاته الرئيسية الكذب والكسل والغش والاهمال .
6- عدم احترام القانون والمخدرات قد تؤدي بمتعاطيها الى خرق مختلف القوانين المنظمة لحياة المجتمع في سبيل تحقيق رغبات شيطانية.
ب . الأضرار الاقتصادية :ــ
1- المخدرات تستنزف الاموال وتؤدي الى ضياع موارد الاسرة بما يهددها بالفقر والافلاس.
2ـ المخدرات تضر بمصالح الفرد ووطنه لانها تؤدي الى الكسل والخمول وقلة الانتاج .
3- الاتجار بالمخدرات طريق للكسب غير المشروع لا يسعى اليه الا من فقد انسانيته .
4- ان كثرة متعاطي المخدرات يزيد من اعباء الدولة لرعايتها لهم في المستشفيات والمصحات وحراستهم في السجون ومطاردة المهربين ومحاكمتهم .
ج . الأضرار الصحية :ــ
1- التأثير على الجهاز التنفسي حيث يصاب المتعاطي بالنزلات الشعبية والرئوية وكذلك بالدرن الرئوي وانتفاخ الرئة وسرطان الشعبي.
2- تعاطي المخدرات تزيد من سرعة دقات القلب ويتسبب بالانيميا الحادة وخفض ضغط الدم كما تؤثر على كريات الدم البيضاء التي تحمي الجسم من الامراض .
3- يعاني متعاطي المخدرات من فقدان الشهية وسوء الهضم والشعور بالتخمة خاصة اذا كان التعاطي عن طريق الاكل مما ينتج عنه نوبات اسهال وامساك كما تحدث القرحة المعدية والمعوية ويصاب الجسم بانواع من السرطان لتأثيرها على النسيج الليفي لمختلف اجهزة الهضم .
4- تأثير المخدرات على الناحية الجنسية فقد ايدت الدراسات والابحاث ان متعاطي المخدرات من الرجال تضعف عنده القدرة الجنسية ، وتصيب المرأة بالبرود الجنسي .
5- التأثير على المرأة وجنينها وهناك أدلة قوية على ذلك فالأمهات اللاتي يتعاطين المخدرات يتسببن في توافر الظروف لاعاقة الجنين بدنيا وعقليا .
6- الامراض النفسية كالقلق والاكتئاب والنفسي المزمن وفقدان الذاكرة وقد تبدر من المتعاطي صيحات ضاحكة او بسمات عريضة ولكنها في الحقيقة حالة غيبوبة ضبابية .
7- تؤدي المخدرات الى الخمول الحركي لدى متعاطيها .
8- تدهور في الصحة العامة وذبول للحيوية والنشاط.
9ـ ارتعاشات عضلية في الجسم مع إحساس بالسخونة في الرأس والبرودة في الأطراف .
10ـ احمرار في العين مع دوران وطنين في الأذن ، وجفاف والتهاب بالحلق والسعال .
د ـ الأضرار النفسية :ــ
1ـ اضطراب الشخصية ،وسوء السلوك ،الشعور بالأنانية ،وعدم الشعور بالمسؤولية ويبدو وكانه ذو شخصية ناقصة .
2 ـ فقدان التوازن والإحساس شارد العقل والتفكير .
3ـ يعيش حياة سيئة ويشعر بأنه منبوذ من المجتمع والأسرة .
4 ـ إن تعاطي المخدرات يضعف قدرة المتعاطي على الإدراك والسيطرة.على الإرادة فيندفع لممارسة كل أنواع الانحراف من قتل وسرقة واغتصاب وفسق ورذيلة وانحراف في السلوك والأخلاق والآداب .
5 ـ ينتاب المتعاطي خوف شديد أو اكتئاب، فاقد الأمل ،لايشعر بالأمان، تنتابه خيارات ثلاثة وهي السجن أو الجنون أو الموت .....مما يدفعه للانتحار .
** رابعا :ـ موقف الإسلام من المخدرات :ــ
إن الدين الإسلامي وضع نظاماً أخلاقيا يسير عليه الأفراد هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد جاء في قوله تعالى (( ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أولئك هم المفلحون )) آل عمران 104 .
فالشريعة الاسلا مية تحرم كل ضرر يصيب الإنسان في عقلة أو نفسه أو دينه أو ماله , ولذلك يكون تعاطي هذه المخدرات محرماً للضرر الناشئ عن تعاطيها .
فالمقاصد الخمسة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية هي : حفظ الدين والنفس والعرض والعقل والمال , وهي من الضروريات الخمسة التي حرص الإسلام على المحافظة عليها وفي سبيل ذلك حرم الموبقات والمهلكات التي تحلق الضرر بأي من هذه الضروريات وبما أن تناول المخدرات فيه ضرر مبين بهذه الضروريات والمقاصد , فيكون تعاطي المخدرات وإدمانها حرام بلا جدال من وجهة النظر الإسلامية .
وقد اتخذت الشريعة الإسلامية الخمر كمثال للأفعال التي تؤدي إلى الأضرار بهذه الضروريات الخمسة وحرمته تحريماً قاطعاً لقولة تعالى :ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)) المائدة .
فإدمان المخدرات تفسد على الإنسان دينه لأنه يقود الفرد المدمن إلى المعصية وارتكاب ما نهى الله عنه .
ـ ويفسد على الإنسان جسمه ونفسه بالإمراض المتعددة وتعطيل أجهزة الجسم .
ـ وتفسد علية روحة وعقله بالتوتر والقلق النفسي وتعطيل فكره عن أداء وظائفه .
ـ وتفسد عليه عرضه ونفسه لأنها تقود الإنسان إلى ارتكاب المحرمات والزنا وثورت النسل الأمراض .
ـ كما تعتبر المخدرات مصدر رئيسيا لإفساد المال وذلك باستخدامه في مضرة الإنسان .
وبذلك فإتباع التعاليم الدينية هي خير وسيلة لأبعاد البشر عن الرذائل وما يتبعها معاصي وأمراض جسمانية واجتماعية وروحية فهي لها الفضل الكبير في تنظيم أمور الحياة وبناء العلاقات الإنسانية ومما لاشك فيه أن كل الأديان السماوية حرمت ومنعت الممارسات السيئة واعتبرتها معاصي تستحق العقاب .
وسعي القران الكريم إلى تزين الطاعة والابتعاد عن معصية الله وقد جاء قوله تعالى (وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) الحجرات 7 .
وبذلك يعتبر تعاطي المخدرات من الكبائر التي حرمها الله تعالى كما في قوله تعالى (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) الأعراف 157 .
*** خامسا :ــ طرق الوقاية من إدمان المخدرات :ــ
إن الحياة هبة من الله تعالى، وواجبنا هو الحفاظ عليها حيث أمرنا الله سبحانه وتعالى بأن لا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة بقوله :" ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" والمخدرات التي أصبح تعاطيها متفشيا بين سائر أفراد المجتمع الإسلامي وهي هلاك مؤكد ،حيث أنها تؤثر سلبا على الجسم والعقل، وعن العلاقات بين الأفراد والأسر والمجتمعات، وتعطل من قدرات الشباب على العمل والإبداع والإنتاج وخدمة الأمة .
" وقد استهدفت الشريعة الإسلامية تحقيق سعادة الفرد والمجتمع وتعمير الدنيا ومن ثم جاءت بمبادئ خالدة صالحة لكل زمان ومكان من بينها دفع الضرر ورعاية مصالح الناس في العاجل والآجل وتحريم عوامل الشر والفساد ومن أوليات مقاصد الشريعة حماية الإنسان وحفظ دينه ونفسه وماله وعقله" .
لاشيء يعين المرء على تحقيق مآربه إلا بالإيمان فمن تسلح بها نجح ومن سار على الجادة وصل وأن يكون كل قصده هو التقرب إلى الله بترك محرماته .
لذلك لابد من التربية الإيمانية للطفل منذ نعومة أظفارة .
1 ــ زرع الوازع الديني لدى الأطفال في الصغر .
ضرورة تقوية الوازع الديني لدى االأطفال باعتباره خطًا دفاعيًا أوليًا مهمًا يمنع الولد من الانزلاق في الانحراف غالبًا لما لهذه التربية من أثر كبير في تكوين ضميره وإصلاح نفسه وسمو خلقه ...
ومن المعروف تاريخيا أن العرب الذين أدركوا الإسلام ، وآمنوا به ودخلوا فيه .. لما تربت ضمائرهم علي مراقبة الله وترسخت نفوسهم علي الخشية منه والإستعانة به ، والإعتماد عليه ، تركوا كل العادات المرذولة التي كانوا عليها في الجاهلية عن طواعية واختيار .
ولكي يتضح لنا أثر الإيمان في تغيير العادات المتمكنة، وتربية النفوس على عمل الخير وإن كان شاقاً، وترك الشر وان كان مألوفاً ومعتادا .
نقيم موازنة بين موقفين في مشكلة واحدة:ــ
موقف من التاريخ الحديث، وموقف من التاريخ القديم، يصوران لنا كيف يصنع وازع الإيمان ما يعجز عنه وازع السلطان. الموقف الأول في الولايات المتحدة الأمريكية ...
وقد انتشرت فيها عادة السكر وشرب الخمور انتشاراً أقنع الحكومة بضرر ذلك على الفرد والأسرة والمجتمع،
1ـ فأصدرت الحكومة قانوناً يمنع الخمر، ثم تبين لوا بعد مدة يسيرة أنها عاجزة تمام العجز عن تنفيذ قانونها، وأن أفراداً وجماعات أخذوا يعيثون في الأرض فساداً بتعاطي الخمور وتدريبها والاتجار بها، والتفنن في صناعتها على استخفاء، واستحضار أخبث أنواعها أكثر من ذي قبل. ومما ينبغي أن نلتفت إليه أن هذا الحظر لم يكن (أمراً ملكياً) أو منشوراً من إمبراطور مستبد أراد أن يرغم شعبه بسلطان القوة، وقوة السلطان. كلا ...
إنه تشريع جاء عن طريق برلمان في بلد ديمقراطي دستوري حر، من شأنه أن يشرع لنفسه ما يجلب له النفع، ويدرأ عنه الفساد والضرر وقد شرع هذا القانون بعد أن اقتنع به الرأي العام وتحقق له من الوجهة العلمية والعملية أن الخمر ضارة بالصحة، مفسدة للعقل، محطمة للحضارة. فحوالي عام 1918ثارت المشكلة في الرأي العام الأمريكي. وفي عام 1919 أدخل في الدستور الأمريكي تحت عنوان "التعديل الثامن عشر" وفي نفس السنة أيد هذا التعديل بأمر حظر، أطلق عليه التاريخ قانون (فولستد). وقد أعدت لتنفيذ هذا التحريم داخل الأراضي الأمريكية كافة وسائل الدولة وإمكاناتها الضخمة: 1. جند الأسطول كله لمراقبة الشواطئ، منعاً للتهريب. 2. جند الطيران لمراقبة الجو.
3. شغلت أجهزة الحكومة واستخدمت كل وسائل الدعاية والإعلام لمحاربة الخمر، وبيان مضارها وجندت كذلك المجلات والصحف والكتب والنشرات والصور والسينما والأحاديث والمحاضرات وغيرها.
ويقدرون ما أنفقته الدولة في الدعاية ضد الخمر بما يزيد على ستين مليوناً 60,000,000 من الدولارات، وأن ما أصدرته من كتب ونشرات يبلغ عشرة بلايين صفحة 10,000,000,000، وما تحملته في سبيل تنفيذ قانون التحريم -في مدة أربعة عشر عاماً_ لا يقل عن 250,000,000 مائتين وخمسين مليون جنيه، وقد أعدم في هذه المدة 300 ثلاثمائة نفس، وسجن 532,335 نفس، وبلغت الغرامات 16,000,000 ستة عشر مليون جنيه، وصادرت من الأملاك ما بلغ 404,000,000 أربعمائة مليون وأربعة ملايين جنيه، ولكن كل ذلك لم يزد الأمة الأمريكية إلا غراماً بالخمر، وعناداً في تعاطيها، حتى اضطرت الحكومة سنة 1933الى إلغاء هذا القانون، وإباحة الخمر إباحة مطلقة هذه هي نهاية المطاف، وهذا هو ختام القصة: لقد فشل القانون، وعجزت السلطات، وأفلست أجهزة الدولة، في منع الخمر ومحاربة السكيرين، برغم الاقتناع العقلي الذي كان سائداً في الأمة بضرر الخمر، ولكن الاقتناع العقلي شيء وعمل الإرادة شيء آخر. ولقد قال أحد الكتاب الغربيين بحق: "إن طلب شيء في تصميم وقوة يتطلب روحاً من التعبد والتقشف، أي تكريس الحياة لبلوغ مثل أعلى واحد، اختاره الإنسان بعناية وتفطن ...
إن الإرادة تغلب دائماً الثقافة، حينما تكون الثقافة لا المبادئ الدينية هي التي يرتكز عليها تصميم المرء ونشاطه ومدده الروحاني" هذا موقف .
والموقف الآخر من تاريخنا العربي الإسلامي القديم:
فقد بعث محمد رسول الله وللخمر في المجتمع العربي سريان وانتشار. تجري من نفوس أبنائه مجرى الدم، يتمدحون بشربها، ويفتنون في وصفها ووصف مجالسها وندمائها وأقداحها، ويصور شاعرهم مدى تعلقه بها فيقول: فنجد العرب قديما في الجاهية تعلقت قلوبهم بالخمر قبل الإسلام وتمدحهم بشربها وتفننهم في وصفها ..
اسمعوا إلي ما يقول الشاعر في التعلق بها :
إذا مت فادفني إلي جنب كرمة تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولم يستطع امرؤ القيس الشاعر المعروف -وقد بلغه قتل أبيه- أن يدع الكأس من يده، ويفارق مجلس ندمائه بل قال كلمته المشهورة: "اليوم خمر وغداً أمر". ولم يعرف المجتمع الجاهلي إلا أفراداً معدودين على الأصابع عافوا شرب الخمر مروءة وسجل لهم ذلك التاريخ كمأثرة نادرة، كزيد بن عمرو بن نفيل. ومما يدل على اهتمامهم بالخمر أنهم وضعوا للتعبير عنها أسماء كثيرة، وكنايات مختلفة، وألقاباً متعددة - المدامة، السلافة، الراح، الصهباء، ابنة العنقود، ابنة الكرم، بنت الحان، بنت الدنان ... إلى آخر الأسماء التي بلغت أكثر من مائة .
كما أن تجارتها عندهم كانت في نماء وازدهار. ومن أدلة شغفهم بها، وتمكنها من نفوسهم، أن كثيراً من الصحابة بعد أن نزلت الآيتان الأوليان في شأن الخمر: (قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس) (البقرة: 219)، و (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) (النساء: 43) ولم يكن التحريم فيهما صريحاً حاسماً، لم يزالوا يشربون الخمر مادام في النص متسع لهم. ذلك أن الإسلام تدرج معهم في تحريم الخمر - رفقاً بهم وتيسيراً عليهم- حتى نزلت آية المائدة الصريحة القاطعة: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) (المائدة: 90، 91).
وهنا رأينا العجب ... رأينا الرجل يحطم كأسه، ويسفك ما عنده من خمر في الطريق حتى تفيض طرقات المدينة بما كان عند الناس منها.
عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أيها الناس إن الله يبغض الخمر، ولعل الله سينزل فيها أمراً، فمن كان عنده شيء فليبعه ولينتفع به" (وذلك قبل التحريم النهائي)
قال أبو سعيد: فما لبثنا إلا يسيراً، حتى قال: "إن الله حرم الخمر، فمن أدركته هذه الآية -يعني آية المائدة السابقة- وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبيع"، قال أبو سعيد: فاستقبل الناس بما كان عندهم منها طرق المدينة فسفكوها -أي صبوها وأسالوها- (رواه مسلم).
وعن أنس قال: كنت أسقي أبا عبيدة وأبي بن كعب فجاءهم آت فقال: إن الخمر حرمت ... فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأهرقها ... فأهرقها. (متفق عليه).
وعن أبي موسى الأشعري قال:ــ بينما نحن قعود على شراب لنا ونحن نشرب الخمر حلة -أي حلالاً- إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وقد نزل تحريم الخمر: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر) (المائدة: 90) - إلى قوله: (فهل أنتم منتهون) (المائدة: 91)
فجئت إلى أصحابي، فقرأتها عليهم ... قال: وبعض القوم شربته في يده شرب بعضاً وبقي بعض في الإناء ... فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام ثم صبوا ما في باطيتهم فقالوا: انتهينا ربنا ... انتهينا ربنا، (رواه الطبري في تفسير آية المائدة).
فهل رأت البشرية مثل هذا انتصاراً على النفس، وسرعة في الاستجابة، وقوة في الانقياد للأمر مهما يكن مخالفاً للعادات، مصادماً للشهوات؟ هكذا الإيمان يصنع العجائب حين يخالط بشاشته القلوب ، وتترسخ جذوره في الضمائر والنفوس ..
بل يقوم بدوره الكبير في الإصلاح والتهذيب ، مما تعجز عنه دول وتفشل في تحقيقه أساطيل . فما أحوج المجتمعات الإنسانية إلي مثل هذا الإيمان ، وإلي مثل هذه التربية الصالحة . لأن الشاب المتدين الملتزم بدينه ، وبقيم دينه ، وبأخلاق دينه ، هو أبعد الناس أن يقع فريسة لهؤلاء ، لأنه لا يشرب حتي السيجارة فهو يراها حراما ومنكرا ، وأول الآفات هي السيجارة ، من السيجارة يبدأ الفساد ومن خلالها يمكن أن يأخذه دعاة الفساد وتجار الشر إلي الأشياء الأخري والمنكرات الكبري .
أما ابن المسجد الذي تربي ونشأ وترعرع في بيوت الله وفي ظل روضة القرآن الكريم يستعصي علي هؤلاء الفسدة المفسدين في الأرض لأن الله حصنه بالإيمان وبالإستقامة علي الإيمان ، فلا يستطيع شياطين الإنس أن يصلوا إليه كما عجز شياطين الجن أن يصلوا إليه فقال تعالي (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65) الإسراء .
وقال تعالي (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ )(100) النحل .
وقال تعالي (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) الحجر .
2 ـ تفادي الأسباب المؤدية للإدمان ..
3 ــ الرحمة مع المدمن في العلاج والشفقة عليه ، والتدرج معه... وذلك بتتبع الحكمة في إرشاده باللطف واللين والموعظة الحسنة مسترشدًا بقول الله ـ عز وجل ـ: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125].
والبعد كل البعد عن التعصب والشدة لقوله تعالى: فيتبع معه الأسلوب غير المباشر لأن مواجهة الشاب بأخطائه مباشرة تزيده إصرارًا وعنادًا وقد كان النبي (وهو قدوتنا إذا رأى من قوم ما يكره قال: (ما بال أقوام يفعلون كذاوكذا) دون تخصيص، كذلك النصيحة له على انفراد فإنها أدعى للقبول.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالي:
تعمدني بنصحك في انفرادي ** وجنبني النصيحة في الجماعـه
فإن النصح بين الناس نوع ** من التوبيخ لا أرضى استماعــه .
ومن الأساليب الناجحة في هداية المنحرفين زيارتهم وتلمس حاجاتهم وتذكيرهم كلما سنحت الفرصة وإلقاء قصص التائبين على أسماعهم فإنها مما تهش له القلوب وتنشرح له الصدور وتتغلغل في نفوس العصاة شيئًا فشيئًا حتى تحرك ضمائرهم وتوقظهم من الغفلة التي رانت على قلوبهم ردحًا من الدهر وماتزال بهم حتى تخشع أفئدتهم للتذكرة والموعظة ثم ما تلبث أن تلين قلوبهم لذكر الله:؟ 4ــ تطبيق العقوبة علي مرتكبي هذه الجريمة :ــ
إن الإسلام الحنيف وضع العقوبة الزاجرة لكل من يحتسي الخمر وهي مقدرة ما بين ( 40 إلي 80 ) ، وهذا لا يمنع من وضع عقوبة تعزير من حبس وتغريم ومصادرة . أما بالنسبة للإتجار في المخدرات نتعتبر تجارة موت لأنهم بتاجرون بأعمار الشباب سر نهضة الأمة وعمادها فهؤلاء عقوبتهم الموت لأنعم يتسببون في قتل الشباب ، والقرآن شرع القصاص لمن قتل نفسا بغير نفس .
فقال تعالي (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) المائدة .
هؤلاء يريدون أن يكسبوا الثروات علي حساب حياة البشر ، وأن يبنوا قصورا من جماجم الخلق ويزخرفوها بدماء الناس ، هؤلاء العتاة القساة الطواغيت لا علاج لهم ولا عقوبة لهم إلا الموت ، إلا الإعدام .
فاللهم احفظ شبابنا من الانحراف وجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن واهدهم سبل الهدي والرشاد .
اللهم آمين .
انتهت بفضل الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق