30 أبريل 2018

أصناف الناس في استقبال رمضان




الحمد لله الذي أكرم الأمة بشهر رمضان ، الذي أنزل فيه القرآن ، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، فقال تعالي ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان ) البقرة 185.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فتّح في رمضان أبواب الجنان ، وغلّق أبواب النيران ، وصفد الشياطين ومردة الجان ، سبحانه وتعالى وعد الصائمين بالرحمة والغفران وبشر المتقين بالجنة والرضوان .
وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله وصفوته من خلقه وخليله ، معلم الصائمين وإمام المتقين وسيد الأنبياء والمرسلين ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه الطيبين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ..
أما بعـد: فيا أيها المؤمنون
ففي ذات يوم أطلقت صافرة القطار مؤذنة بموعد الرحيل .. صعد كل الركاب إلى القطار فيما عدا شيخ وقور وصل متأخرا .. لكن من حسن حظه أن القطار لم يفته .. صعد ذلك الشيخ الوقور إلى القطار فوجد أن الركاب قد استحوذوا على كل مقصورات القطار ..
توجه إلى المقصورة الأولى …
فوجد فيها أطفالا صغارا يلعبون و يعبثون مع بعضهم .. فأقرأهم السلام .. وتهللوا لرؤية ذلك الوجه الذي يشع نورا وذلك الشيب الذي أدخل إلى نفوسهم الهيبة والوقار له .. أهلا أيها الشيخ الوقور سعدنا برؤيتك .. فسألهم إن كانوا يسمحون له بالجلوس ؟؟ ..
فأجابوه : مثلك نحمله على رؤسنا .. ولكن !!! ولكن نحن أطفال صغار في عمر الزهور نلعب ونمرح مع بعضنا لذا فإننا نخشى ألا تجد راحتك معنا ونسبب لك إزعاجا .. كما أن وجودك معنا قد يقيد حريتنا .. ولكن إذهب إلى المقصورة التي بعدنا فالكل يود استقبالك …
توجه الشيخ الوقور إلى المقصورة الثانية ..
فوجد فيها ثلاثة شباب يظهر انهم في آخر المرحلة الثانوية .. معهم آلات حاسبة ومثلثات .. وهم في غاية الإنشغال بحل المعادلات الحسابية والتناقش في النظريات الفيزيائية .. فأقرأهم السلام …. ليتكم رأيتم وجوههم المتهللة والفرحة برؤية ذلك الشيخ الوقور .. رحبوا به وأبدوا سعادتهم برؤيته .. أهلا بالشيخ الوقور .. هكذا قالوها .. فسألهم إن كانوا يسمحون له بالجلوس ..!!!
فأجابوه لنا كل الشرف بمشاركتك لنا في مقصورتنا ولكن !!! ولكن كما ترى نحن مشغولون بالجا والجتا والمثلثات الهندسية .. ويغلبنا الحماس أحيانا فترتفع أصواتنا .. ونخشى أن نزعجك أو ألا ترتاح معنا .. ونخشى أن وجودك معنا جعلنا نشعر بعدم الراحة في هذه الفرصة التي نغتنمها إستعدادا لإمتحانات نهاية العام .. ولكن توجه إلى المقصورة التي تلينا .. فكل من يرى وجهك الوضاء يتوق لنيل شرف جلوسك معه … أمري إلى الله .. توجه الشيخ الوقور إلى المقصورة التالية .. فوجد شاب وزوجته يبدوا أنهم في شهر عسل .. كلمات رومانسية .. ضحكات .. مشاعر دفاقة بالحب والحنان … أقرأهما السلام .. فتهللوا لرؤيته .. أهلا بالشيخ الوقور .. أهلا بذي الجبين الوضاء .. فسألهما إن كانا يسمحان له بالجلوس معهما في المقصورة ؟؟؟
فأجاباه مثلك نتوق لنيل شرف مجالسته .. ولكن !!! .. ولكن كما ترى نحن زوجان في شهر العسل .. جونا رومانسي .. شبابي .. نخشى ألا تشعر بالراحة معنا .. أو أن نتحرج متابعة همساتنا أمامك .. كل من في القطار يتمنى أن تشاركهم مقصورتهم ..
توجه الشيخ الوقور إلى المقصورة التي بعدها ..
فوجد شخصان في آوخر الثلاثينيات من عمرهما .. معهما خرائط أراضي ومشاريع .. ويتبادلان وجهات النظر حول خططهم المستقبلية لتوسيع تجارتهما .. وأسعار البورصة والأسهم ..
فأقرأهما السلام … فتهللا لرؤية .. وعليك السلام ورحمة الله وبركاته أيها الشيخ الوقور .. أهلا وسهلا بك يا شيخنا الفاضل .. فسألهما إن كانا يسمحان له بالجلوس ؟؟؟
فقالا له : لنا كل الشرف في مشاركتك لنا مقصورتنا … بل أننا محظوظين حقا برؤية وجهك الو ضاء .. ولكن !!!! ” يالها من كلمة مدمرة تنسف كل ما قبلها ” .. كما ترى نحن بداية تجارتنا وفكرنا مشغول بالتجارة والمال وسبل تحقيق ما نحلم به من مشاريع .. حديثنا كله عن التجارة والمال .. ونخشى أن نزعجك أو ألا تشعر معنا بالراحة .. اذهب للمقصورة التي تلينا فكل ركاب القطار يتمنون مجالستك ..
وهكذا حتى وصل الشيخ إلى آخر مقصورة ..
وجد فيها عائلة مكونة من أب وأم وابنائهم .. لم يكن في المقصورة أي مكان شاغر للجلوس ..
قال لهم : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. فردوا عليه السلام .. ورحبوا به … أهلا أيها الشيخ الوقور ..
وقبل أن يسألهم السماح له بالجلوس .. طلبوا منه أن يتكرم عليهم ويشاركهم مقصورتهم .. محمد اجلس في حضن أخيك أحمد .. أزيحوا هذه الشنط عن الطريق .. تعال يا عبد الله اجلس في حضن والدتك .. أفسحوا مكانا له .. حمد الله ذلك الشيخ الوقور .. وجلس على الكرسي بعد ما عاناه من كثرة السير في القطار ..
توقف القطار في إحدى المحطات …
وصعد إليه بائع الأطعمة الجاهزة .. فناداه الشيخ وطلب منه أن يعطي كل أفراد العائلة التي سمحوا له بالجلوس معهم كل ما يشتهون من أكل .. وطلب لنفسه ” سندويتش بالجبنة ” … أخذت العائلة كل ما تشتهي من الطعام .. وسط نظرات ركاب القطار الذين كانوا يتحسرون على عدم قبولهم جلوس ذلك الشيخ معهم .. كان يريد الجلوس معنا ولكن ..
صعد بائع العصير إلى القطار .. فناداه الشيخ الوقور .. وطلب منه أن يعطي أفراد العائلة ما يريدون من العصائر على حسابه وطلب لنفسه عصير برتقال .. يا الله بدأت نظرات ركاب القطار تحيط بهم .. وبدأوا يتحسرون على تفريطهم .. آه كان يريد الجلوس معنا ولكن …
وكلما صعد أي بائع دعاه واشتري منه للأسرة أولا .. والكل يتحسر علي تفريطهم … ولكن لم تكن هذه هي حسرتهم العظمى …
توقف القطار في المدينة المنشودة ..
واندهش كل الركاب للحشود العسكرية والورود والإحتفالات التي زينت محطة الوصول .. ولم يلبثوا حتى صعد ضابط عسكري ذو رتبة عالية جدا .. وطلب من الجميع البقاء في أماكنهم حتى ينزل ضيف الملك من القطار .. لأن الملك بنفسه جاء لاستقباله .. ولم يكن ضيف الملك إلا ذلك الشيخ الوقور .. وعندما طلب منه النزول رفض أن ينزل إلا بصحبة العائلة التي استضافته وان يكرمها الملك .. فوافق الملك واستضافهم في الجناح الملكي لمدة ثلاثة أيام أغدق فيها عليهم من الهبات والعطايا .. وتمتعوا بمناظر القصر المنيف .. وحدائقه الفسيحة ..
هنا تحسر الركاب على أنفسهم أيما تحسر .. هذه هي حسرتهم العظمى .. وقت لا تنفع حسرة ..
والآن بعد أن استمتعنا سويا بهذه القصة الجميلة بقي أن أسألكم سؤالا ؟؟؟
أتدرون من هو الشيخ الوقور ؟
إنه شهر رمضان الذي يطل علينا بفيوضاته  الربانية وروحانياته ونفحاته الإيمانية فمن أحسن استقباله فاز وسعد في الدارين ، ومن أساء استقباله خسر وشقي في الدارين ،شهر رمضان يظل معنا شهرا كاملا بخيراته فمن اغتنمها فاز ومن لم يغتنمها تحسر ، وبعدها يرحل إلي الله تعالي حاملا معه تقريرا لكل فرد إلي ملك الملوك سبحانه وتعالي .  نسأل الله العظيم أن يجعلنا من الفائزين برمضان وأن يوفقنا لاستقبال رمضان .
ولقد خص الله تعالى شهر رمضان بخير كثير، لو علمنا هذا الخير لتمنينا أن تكون السنة كلها رمضان, ففيه أنزل القرآن, وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر، وهو شهر التوبة والمغفرة والعتق من النار، وفيه تفتح أبواب الجنان, وتغلق أبواب النيران, وتصفد الشياطين, وفيه يضاعف الأجر، وهو شهر الصبر، وشهر الدعاء، وشهر الجود والإحسان، إنه شهر قد جمع الله تعالى فيه للعباد خيري الدنيا والآخرة.                 
 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: – لما حضر رمضان- (أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ) رواه أحمد والنسائي والبيهقي.
ولكن الناس متفاوتون في استقباله والتعامل معه وهم علي أصناف ثلاثة :ــ
أصناف الناس في استقبال رمضان  :
1ـ فصنف يتعامل معه علي أنه عادة ، يراه موسما للسهرات والتلذذ بالمطعومات والمشروبات، وتضييع الأوقات بالملهيات ،أما أداء العبادة فيه فهو على سبيل المشاركة الخجولة للآخرين، ورفع الملام عنه من المؤاخذين ،فلا عبادة تؤدى بخشوع ولا خلق حسن يكتسب ولا ذنب يتاب منه ويستغفر عنه.
2ــ وصنف آخر يتعامل معه علي أنه عبادة ظاهرة يؤديها كما اعتاد المسلمون، دون اكتساب لفضائله أو تحر لآدابه وتربية للنفس على مكرماته،فلا لسان يحفظ، ولا بصر يغض، ولا سمع ينزّه، ولا جوارح تمنع عن الحرام ولا تحر للحلال وبعد عن الحرام فحاله في رمضان كحاله قبله لا فرق إلا بالجوع والعطش.وهذا الصنف يصدق فيه حديث النبي صلي الله عليه وسلم  .. فعن أبي هريرة  رضي الله عنه أن النبي  صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه الجماعة إلا مسلما، وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ) (رواه النسائي وابن ماجه والحاكم).
3ــ وصنف ثالث  نرجو الله تعالى أن نكون منهم هم الذين يترقبون رمضان ليصوموه عبادة يرتجى ثوابها وتربية للنفس تبتغى فضائلها ،دعاهم ربهم إليه فأجابوا ،وتولاهم فأثابوا ،ووعدهم فما ارتابوا ،صدورهم بالإيمان منشرحة، وسرائرهم بالذكر مبتهجة، وألسنتهم بالشكر قد لهجت وقلوبهم للوعيد قد وجلت، وجوارحهم من مراقبة الله قد خشعت ،وعيونهم لتذكر الذنوب قد دمعت، فتجد احدهم يسال الله العفو عن زلته، وآخر يشكو إليه من لوعته، وثالث يرجو الله جميل مثوبته،التزموا كتاب الله تلاوة وتدبرا، وعمرّوا مساجده صلاة وتبتلا، وأحسنوا لعباد الله عفوا وغفرانا، وتعاهدوهم صلة وإحسانا، رأوا ماهم عليه من قبيح فعال فهجروها، وسيء خصال فأصلحوها ،وأقبلوا على شهرهم يغتنمون اللحظات قبل الساعات، اجتهدوا ليتخرجوا من الشهر بشهادة التقوى زادا للقاء ربهم كما اراد وأمر:”وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب”.
هذا الصنف له يستعد نفسيا وعمليا لهذا الشهر الفضيل بممارسة الدعاء قبل مجئ رمضان ومن الدعاء الوارد:
( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان.)و( اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلاً).
• فرمضان ربيع الحياة الإسلامية:
يا أيها الأخوة المسلمون نحن في حاجةٍ إلى أن نستقبل رمضان، بعزائم صادقة وبنيات صالحة، على أن نستبق الخيرات، وأن نفطم النفوسَ عن الشهوات وأن نسابقَ في عمل الصالحات، وأن نصومَ فنحسن الصيام ونقوم فنحسن القيام، أنا أُسمّي رمضان “ربيع الحياة الإسلامية”، فيه تتجدد العقولُ بدروس العلم والمعرفة وفيه تتجدد القلوبُ بالإيمان والعبادة وفيه تتجدد الأسرةُ بالتلاقي والترابط ويتجدد المجتمعُ كله بحسن الصلة والبحث عن الفقراء والمساكين وإطعام الجائعين.
معاشر المؤمنين ..  إذا أردنا أن نكون من هذا الصنف المبارك الذي يرتجى أن يكون في ختام الشهر ممن فتحت لهم الجنان وعتقت رقابهم من النيران وغفرت لهم الذنوب والخطايا،  فعلينا أن نستقبله بالنية الصالحة والعزيمة الخيرة و بالتوبة النصوحِ وبردّ المظالم إلى أهلها والتوجُّه إلى الله تبارك وتعالى بالدّعاء أن يتقبَّلَه منا صالحًا خالِصًا، قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]،
ثم علينا وكما أوصانا نبينا صلى الله عليه وسلم ، أن يكون صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا إيماناً أي : تصديقا بمشروعيته ، وتحقيقا لفرضيته ، وإتباعا لهدي كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلا يصام رمضان عادة بل عبادة وقربى ، يراعى فيه المسلم أركانه ، ويحقق واجباته ، ويتجنب محظوراته ، ويتحرى سننه وآدابه ، ثم يؤديه احتسابا لأجره ، وتحريا لثوابه ، فلا يستثقل صيامه ولا يستطيل أيامه ، بل يحتسب فيه الثواب حين يطرق لكل عمل صالح باب ،
عبادَ الله، استقبِلوا شهرَ رمضان بما يستحقّ من التعظيم والتوقيرِ والفرَح برحمةِ الله تعالى، فهو شهرٌ كريم وموسِم عظيم، يفرَح به المؤمنون في السمَاء والأرض. وداوِموا فيه على صلاةِ التراويح فإنَّها من أسبابِ مغفرة الذنوب، ففي الحديث: ((من قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غفِرَ له ما تقدّم من ذنبه)) ، وفي الحديث أيضًا: ((مَن قام مع الإمام حتى ينصرِفَ كتِبَ له قيامُ ليلةٍ))
واجتَهدوا في شهركم في تلاوةِ القرآن والذكرِ فإذا اجتمع للمرء الصيام والقرآن فقد اجتمع له الشفيعان بموعود الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حين قال:” ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي رب، منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيُشفعان)) رواه أحمد وهو في صحيح الجامع .
علينا أن نستقبل رمضان استقبال المودع:ـ                                                                                                                 
فكم من أناس كانوا معنا في شهر رمضان الماضي فأين هم الآن؟ إنهم الآن إما في روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار. فماذا ننتظر؟ إن الواجب علينا الآن عدم التسويف أو ركوب بحر الأماني, أو الانشغال بما لا ينفع ولا يفيد, بعيدًا عن المهمة التي خلقنا الله تعالى من أجلها وهي العبادة.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر المسلمين بقوله الكريم: (صل صلاتك وأنت مودع).
وهكذا على المسلم أن يصوم رمضان وهو مودع, ويقوم رمضان وهو مودع, ويقوم بما يقوم به من عمل صالح وهو مودع فيخلص العمل, ويحسن في الأداء, ويجتهد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
-نستقبل رمضان استقبال المتنافس على الخير, والمتسابق على العمل الصالح فشهر رمضان موسم للطاعات, وفيه تضاعف الحسنات, وترفع فيه الدرجات
فتقربوا لله بأنواع البرّ والخيرات، والصلة والصدقات، وتعاهدوا الصلاة في الجماعات فهي من خير الطاعات وأفضل القربات، فموَاسم الخيراتِ قد يدرِكُها المرء مرّةً ولا يدرِكها مرّةً أخرَى، فأَروا الله من أنفسِكم خيرًا،”وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”، ولا تضيِّعوا الأوقاتِ في السّهَر ومجالس اللّهو، واضرِبوا بسهمٍ وافر في كلّ عملٍ صالح، قال الله تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ  [الحج:77]
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (فصلت: 8)
والعمل الصالح شرط لقبول التوبة, قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ) (طه: 82).
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس, وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل, وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فالرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) أي في الإسراع والعموم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال أبو بكر: رضي الله عنه: أنا. قال: (فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر رضي الله عنه أنا. قال: (فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟ قال أبو بكر رضي الله عنه أنا. قال (فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟ قال أبو بكر: رضي الله عنه أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة) (مسلم).
• حاجتنا الماسة لروحانية رمضان في أيامنا هذه:
وهكذا شهر رمضان لابدَّ أن نستفيد من هذا الربيع ربيع الحياة الإسلامية الإيمانية، وما أحوجنا ثُمَّ ما أحوجنا إلى أن نستفيد من رمضان وروحانية رمضان والجو الرباني في رمضان، ما أحوجنا إلى ذلك في أيامنا هذه، والإسلام يُهاجم مِن كل جانب وأمة الإسلام في أسوأ أحوالها تمزقٌ وتشرذمٌ وضياعٌ وهوان واستخذاء أمام الأعداء، الأمة التي كان لها ماض مزدهر، الأمة التي كان خليفتها يتحدى السحابةَ في السماء، هذه الأمة أصبحت تستخذي وتستسلم أمام أعدائها، هذه الأمة في مرحلتها الغثائية، ولكنكم كثرة كغثاء السيل، مرحلة الغثاء الذي يجمع أشياء غير متناسبة وغير متناسقة، خشب وحطب وقش وورق وعيدان لا تناسق بينها، وكلها خفيفة سطحية، لا تنزل إلى الأعماق وليس لها هدف تسعى إليه ولا مجرى معلوم تجري فيه، هذه هي الأمة في مرحلةِ الغثاء، ليس لها هدفٌ واضح ولا طريق معلوم.
إن رمضان فرصة عظيمة للتغيير والإصلاح:
هيا نقبل على شهر رمضان بنية تربية النفس, وإصلاح القلب, فصلاح الأفراد والأمم بصلاح قلوبها, ففي الحديث (..أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) (متفق عليه).
وإن الله تعالى كتب علينا الصيام للوصول بالنفس إلى تقوى الله, والخوف منه سبحانه, وتعديل سلوك الناس إلى الأحسن, والتحلي بمكارم الأخلاق, قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183).
فالصوم جُنة وحصانة للصائم من الشرور والفتن, والصوم فيه مجاهدة لرغبات النفس والجسد, ويكسب صاحبه فضيلة الصبر والحلم, كما أنه يعود المسلم على الاهتمام بالأوقات والدقة في المواعيد, ويربي الجوارح ويهذبها شهرا كاملا حتى تخرج من رمضان شخصية إيمانية أخلاقية, تتعامل بمعاملات الإسلام وأحكامه هيا نغير من أنفسنا حتى يغير الله حالنا, قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (سورة الرعد: 11)
هيا نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب ونعلن توبتنا إلى الله قبل أن نموت، هيا نرد المظالم إلى أهلها, ونتصافي مع الخلق, قبل أن لا يكون, ونسعى لإصلاح ذات بيننا.
هيا نعلق قلوبنا بالمساجد, حتى يظلنا الله بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، نتواصى بالقصد والاعتدال, والبعد عن مظاهر الإسراف, والتبذير في كل شئون الحياة
–  نيات ينبغي استصحابها قبل دخول رمضان:
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة  في الحديث القدسي: (إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا اكتبها له حسنة  )
ومن النيات المطلوبة في هذا الشهر:
1ـ نية ختم القرآن لعدة مرات مع التدبر.
2ـ نية التوبة الصادقة من جميع الذنوب السالفة.
3ــ نية أن يكون هذا الشهر بداية انطلاقة للخير والعمل الصالح وإلى الأبد بإذن الله.
4ــ نية كسب أكبر قدر ممكن من الحسنات في هذا الشهر ففيه تضاعف الأجور والثواب.
5ــ نية تصحيح السلوك والخلق والمعاملة الحسنة لجميع الناس.
6ـ نية العمل لهذا الدين ونشره بين الناس مستغلاً روحانية هذا الشهر.
7ـ نية وضع برنامج ملئ بالعبادة والطاعة والجدية بالالتزام به.
8 ـ المطالعة الإيمانية: وهي عبارة عن قراءة بعض كتب الرقائق المختصة بهذا الشهر الكريم لكي تتهيأ النفس لهذا الشهر بعاطفة إيمانية مرتفعة.
نسأل الله العظيم أن يظلنا تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وأن يوفقنا لصيام رمضان وقيامه وأن يجعلنا من عتقائه من النار ومن المقبولين ..
 اللهم آمين
================= 
رابط pdf

رابط doc

ليست هناك تعليقات: