21 أبريل 2018

تحويل القبلة دروس وعبر


تحويل القبلة دروس وعبر


الحمدُ لله رب العالمين....  خصنا بخير كتاب أنزل وأكرمنا بخير نبي أرسل ، وأتم علينا النعمة ، فهدانا إلي مافيه صلاحنا وفلاحنا فقال تعالي {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)} البقرة .                
فنحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضلَّ له ومَن يُضلل فلن تجدَ له وليًا مرشدًا. 
وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له.... أولٌ بلا بداية، وآخرٌ بلا نهاية، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم......ميز أمة الإسلام وجعل لها الخيرية والوسطية فقال تعالي ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) البقرة 143. 
وأشهد أنَّ سيدنا وحبيبنا وقدوتنا وأسوتنا محمد عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله... أكمل الله به البناء وأتم به النعمة فقال صلي الله عليه وسلم " مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى بُيُوتًا ، فَأَحْسَنَهَا وَأَجْمَلَهَا وَأَكْمَلَهَا ، إِلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ وَيُعْجِبُهُمُ الْبُنْيَانُ ، فَيَقُولُونَ : أَلا وُضِعَتْ هَاهُنَا لَبِنَةٌ فَتَمَّ بِنَاؤُهُ ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَأَنَا اللَّبِنَةُ "رواه البخاري
فاللهم صلي علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ... 
 أما بعـد :ــ                                                                                   
إن الأمة تعيش اليوم حدث من أعظم الأحداث التي غيرت في تاريخ الدعوة الإسلامية وجعلت للأمة السيادة والريادة علي الدنيا كلها  ألا وهو حادث تحويل القبلة من بيت المقدس إلي البيت الحرام ، وسيظلُّ تحويلُ القِبلة حدثًا فارقًا في تاريخ الدَّعوة الإسلاميَّة، ومسيرةِ بناء الدولة المسلِمة كذلك. 
لقد كان الرسول  متشوِّقًا لتحويل القِبلة من المسجد الأقصى إلى بيت أبيه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- في مكَّةَ، ويقول الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144].
 وهكذا بعدَ ستة عشر، أو سبعة عشر شهرًا من الهِجرة يتمُّ تحويل القِبلة؛ أي: بعد ثلاث سنوات ونصف تقريبًا من فَرْض الصلاة في الإسراء والمعراج. 
 فعن البراء بن عازب قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا حتى نزلت الآية التي في البقرة وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره فنزلت بعدما صلى النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق رجل من القوم فمر بناس من الأنصار وهم يصلون فحدثهم فولوا وجوههم قبل البيت.(رواه البخاري مسلم ).  
 ولعل في تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام (الكعبة) حِكَمًا تربويةً عظيمةً، فحين اتجه المسلمون إلى المسجد الأقصى مستجيبين لأمر ربهم، لعلهم يَصِلُوا إلى هذه الحِكَم، ومنها:-  
الدرس الأول : تحويل القبلة وكشف كل الأوراق :ـ 
أـ موقف المؤمنين:ــ
إذن كان المناخ في المدينة مهيّأً لإجراء الاختبار الكاشف لأوراق كل فريق، وجاء الأمر بتحويل القبلة ليعلن بدء الاختبار فعليًّا؛ قال تعالى: {لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143].  وبدأ كل فريق في كشف أوراقه.. 
كانت البداية من المؤمنين المخلصين الذين صبروا مع رسول الله ، وثبتوا أمام كل ما مضى من محن الإيذاء، والتكذيب والتعذيب، والتضحية بالجاه والمال والرياسة، بل والتضحية بالأهل والوطن، وهؤلاء لم يكن الاختبار الجديد عسيرًا عليهم؛ لذا فإنهم - كشأنهم منذ أسلموا- سلموا لأمر الله عز وجل، ونفذوه موقنين أنه الحق، فصلوا مع رسول الله العصر -وهي أول صلاة يصليها متوجهًا إلى الكعبة- ثم داوموا على القبلة الجديدة، ثابتين على عقيدتهم. 
بل كان من هؤلاء المؤمنين الصادقين من ضرب المثل في التصديق والاتّباع، مع الأخذ في الاعتبار أن الأمر جاء فجأةً، ودون تمهيد مسبق؛ فلم تؤثر فيهم المفاجأة، ولم يصدمهم الحدث، وهم بنو حارثة الذين وصلهم الخبر وهم يصلون عصر نفس اليوم؛ إذ مر أحد المسلمين الذين صلَّوا مع رسول الله ، فوجدهم يصلون إلى بيت المقدس، فقال: "إن رسول الله  قد أُنزِل عليه الليلةَ قرآنٌ، وقد أُمِرَ أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام؛ فاستداروا إلى الكعبة"  فسمِّي مسجدهم من يومها (مسجد القبلتَيْن). 
وكان عندهم سرعة في الاستجابة وهكذا يكون حال المؤمن سمعنا وأطعنا كل من عند ربنا ، ليس عنده وقت للجدال وتضييع الوقت ، يبحث دائما عن ميدان العمل وليس عنده  وقت يضيعه في الكلام .
ب . موقف المنافقين ومذبذبي الإيمان :ــ
فهكذا كان شأن المؤمنين الصادقين، فكيف كانت حال من لم يستقر الإيمان في قلوبهم بعدُ، أو كانوا مذبذبي الإيمان؟ 
لقد قلق هؤلاء من مصير من مات من المسلمين قبل تحويل القبلة، هل تُقبل صلاتهم أم لا؟ 
كما تساءلوا عن جزاء صلاتهم السابقة نحو بيت المقدس، وكأنهم ظنوا أن الصلاة إلى القبلة السابقة كانت اجتهادًا من رسول الله  بغير وحي من الله؛ لذا لن يُثابوا عليه بل قد يعاقبون. 
وهذه الفئة تظهر دائمًا في المجتمع المسلم وقت المحن، إذ تزيغ الأبصار، وتبلغ القلوب الحناجر؛ فيبدأ هؤلاء في التشكُّك والظن في الثوابت. 
ج . موقف قريش:ــ 
 أما قريش التي كانت متربصة بالمسلمين، فقد قالت: رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا كله. ولكن الله سبحانه وتعالى ردَّ عليهم: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة: 150]. 
 فنعتهم الله عز وجل بالظلم؛ ليكشف مكنون قلوبهم. وانكشف باطن الكافرين، ومُحِّص المذبذبون، ومَرَّ الاختبار بعد أن تعلم منه المسلمون واستفادوا ما ينبغي لنا الاستفادة به؛ من أهمية اليقين والتسليم لأمر الله عز وجل، والانقياد لأوامره، وأهمية الثبات أمام الشبهات التي يلقيها أعداء الأمة دون انقطاع، وعدم التأثر بها، بل الرد عليها؛ لنحمي ضعاف الإيمان من التأثر بها. 
د . موقف اليهود:ـ
أما اليهود، فهؤلاء الذين كانوا فرحين مبتهجين عندما اتخذ الرسول  بيت المقدس قبلة عقب الهجرة؛ لأنها قبلتهم، فظنوا أن الرسول  سيتبعهم في دينهم بعد فترة، فلما جاء الأمر بتحويل القبلة أصيبوا بالإحباط واليأس من غرضهم؛ فأطلقوا لسانهم ليشككوا المسلمين في دينهم، قائلين: {مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142]
فجاء الرد الإلهي {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 142]، وأنزل {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [البقرة: 177].
 يقول الإمام ابن كثير رحمه الله: "أي الشأن كله في امتثال أوامر الله، فحيثما وجَّهنا توجهنا، فالطاعة في امتثال أمره، ولو وجهنا في كل يومٍ مراتٍ إلى جهات متعددة؛ فنحن عبيده وفي تصريفه وخُدَّامُه .                                                         
إن موقف اليهود من الإسلام واضحٌ بيِّنٌ منذ أول يومٍ صدع فيه رسول الله بدعوته، فنرى حسدهم وبغضهم ومكرهم وتدبيرهم وتأليب القبائل على المسلمين والحُكَّام الموالين لهم على الحركات الإسلامية وكلِّ قوة إسلامية تظهر في أي مكان، وصدق ربنا حيث قال: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ (المائدة: من الآية 82)،
ونرى ذلك في الحديث الجامع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يُظْهِرُ بعض مواطن حسدهم، روى الإمام أحمد في مسنده عن السيدة عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- يعني في أهل الكتاب-: "إِنَّهُمْ لاَ يَحْسُدُونَنَا عَلَى شَيءٍ كَمَا يَحْسُدُونَنَا عَلَى يَوْمِ الْجُمَعةِ التَّي هَدَانَا اللهُ إِلَيْهَا وَضَلُّوا عَنَّهَا، وَعَلَى الْقِبْلَة التَّي هدَانَا اللهُ إِلَيْهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الإِمَامِ آمِين". 
 ولقد شكك اليهود في صدق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والدولة الإسلامية في طور الإنشاء والتأسيس ـ فقالوا :"..(مَا وَلاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا) [البقرة - 142] ، لقد اشتاق الرجل إلى مولده ! ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا وتارة يستقبلون كذا ، ما صرفهم عن قبلتهم التى كانوا عليها ..  إن كانت القبلة الأولى حقا فقد تركها ،وإن كانت الثانية هي الحق فقد كان على باطل .." وهنا ندرك أصالة العدوان اليهود ي للإسلام والمسلمين ..
 فقد شنوا حرباً إعلامية ضارية في أعقاب حدث تحويل القبلة . ولقد فُتن ضعاف الإيمان كما فُتن إخوانهم في حادث الإسراء والمعراج .. 
وإن المتأمل لآيات تحويل القبلة؛ وهي ترد شبهات اليهود؛ يتبين له مدى ضراوة الحرب الإعلامية والفكرية التي شنها اليهود ..
قال تعالى: (سَيَقُولُ السّفَهَآءُ مِنَ النّاسِ مَا وَلاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ) [سورة: البقرة - الأية: 142] .. حتى إنهم شككوا في صلاة المسلمين القديمة نحو بيت المقدس ، ومن ثم أعلنوا أن المسلمين الذين ماتوا قبل تحويل القبلة دخلوا النار؛ لأنهم صلوا إلى القبلة الفاسدة ! فيرد الله قائلاً : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رّحِيمٌ) [ البقرة -143] .  وهكذا خاب وخسر من جرى يلهث في عصرنا خلف اليهود . وخاب وخسر من تمسح باليهود في تطبيع . 
وأنهم لن يرضوا أبدا عن المسلمين إلا بأن يتبعوهم ويكونوا مثلهم، قال الله تعالى: { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ } (البقرة:120). 
الدرس الثاني :ـ  تعريف الأمة بأعدائها  :ـ
فالله تعالي يسوق الأزمات والشدائد ليعرف الأمة بأعدائها  وتعرف كيف تتعامل معهم ، فقديما وقف اليهود ضد  رسول الله صلي الله عليه وسلم مع مشركي مكة كما قال القرآن الكريم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) النساء . 
وقد أمرنا الله تعالي بعدم الأمن لهم وعدم الولاء لهم فقال تعالي (وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَىٰ هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَىٰ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ  قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ  وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) آل عمران.
وبين لنا أوصافهم وطباعهم في القرآن الكريم لكي نحذر منهم فهذه بعض ما جاء في القرآن الكريم ، قال الله تعالى: ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهر وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله. 
ومن طباعهم المتأصلة فيهم كراهية المسلمين والكيد الدائم لهم: قال الله تعالى:  لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ  [ المائدة: 82]
وأيضا سوء الأدب مع الأنبياء وإشعال الحروب والإفساد في الأرض:ـ  
كان حالهم مع الأنبياء إما القتل أو التكذيب ، ذبحوا سيدنا  يحي ونشروا سيدنا زكريا بالمنشارعليهما السلام وحاولوا قتل سيدنا عيسي عليه السلام وحاولوا قتل سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى انفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) البقرة 87. 
وما من مسلم في زماننا يجاهد لإعلاء كلمة الله في الأرض ويسعي لتحقيق حاكمية الله إلا قتلوه بأيديهم أو بأيدي عملائهم من الطواغيت الذين يخادعون الناس ويزعمون بأنهم المسلمون، فهم يشعلون الحروب ويفسدون في الأرض ،يقول الله تعالى عنهم أيضاً: وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً .        وقال تعالي ﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ﴾ [المائدة: 64] 
فهم الذين دبروا لقتل سيدنا عمر ابن الخطاب وأشعلوا الفتن ، وقتلوا سيدنا عثمان ابن عفان رضي الله عنه وأشعلوا الفتن بين الصحابة الكرام سيدناعلي وسيدنا معاوية وبين سيدنا علي وأمناعائشة رضي الله عنهم جميعا وهم الذين قتلوا سيدنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ، وحاولوا قتل صلاح الدين الأيوبى ،و تآمروا على هدم الخلافة العثمانية وربوا الكافر اليهودى(مصطفى كمال اتاتورك)..
ولكنه هلك وبقى الاسلام وسيبقى إلى يوم الدين... وهم يتحكمون فى المنظمات العالمية مثل الأمم المتحدة ، وهم دبروا  وأشعلووا نار الحربين العالميتين الأولى والثانية وبالرغم من محاولة فرنسا انهاء الحرب إلا أن اليهود ساعدوا فى أشعالها مرة أخرى...  وهم يخططون للسيطرة على العالم و يدبرون لتدمير الشباب و الشابات من كل ديانة و فى كل مكان...هل تصدق بعد ذلك أن لهم عهد أو لهم دين...؟؟! 
وحذرنا المولي سبحانه وتعالي أيضا من المنافقين فخطرهم شديد علي أمة الإسلام ولخطور النفاق والمنافقين جعل الله ثلاثة عشر أية فى صدر سورة البقرة بينما ذكر المؤمنين فى أربع أيات والكافرين فى أيتين . 
لذلك يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله يقول عن زمنه (لو كان للمنافقين أذناب لضاقت بكم الطرق)، فكيف لو رأى زماننا؟! 
فكم من معقلٍ للإسلام قد هدموه وكم حصنٍ للإسلام قد خربوه وكم من علمٍ للإسلام قد وضعوه وكم من لواءٍ للإسلام قد طمسوه فما أخطرهم ؛ والكافرين اقل منهم خطورة لأن الكافر تعرفه الأمة وتستعد له على قدر خطورته أمّا المنافق فهو مُندّس بين الصفوف يصلى مع المصلين ويذكر الله مع الذاكرين ويرفع الراية مع الرافعين وهو سائر على الدرب مع السائرين ولا يظهر إلا عند التمحيص بالمحن والإبتلاءات يقول تعالى{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) الحج . 
ويقول تعالي (﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [المنافقون: 4].   
يعني: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 171].
وقال تعالي عنهم (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) البقرة . 
فحصر العداوة فيهم كأن لا عدو غيرهم لأنهم شر الأعداء.
فلا شك إذا أن الله تعالى قد أكثر من ذكر النفاق لنكون على بينة منه. قال تعالى:(وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ).(الأنعام).
ولمَّا كان خطرُهم عظيمًا، فقدْ حذَّرَنا نبيُّنا صلَّى الله عليه وسلَّم قائلاً:(أخوف ما أخاف على أمَّتي كلّ منافِق عليم اللِّسان) [ رواه أحمد].
الدرس الثالث : تمايزشخصية الأمة المسلمة:ــ
جاء تحويل القبلة يؤسِّس لمبدأ (التمايز)؛ أي: تمايز الأمَّة المسلِمة عن غيرها في كلِّ شيء: في الرِّسالة، والتشريع والمنهج، والأخلاق والسلوك، وقبلَ كلِّ ذلك التمايز في التصوُّر والاعتقاد.
لقد تخطَّى الحدثُ حدودَ الزمان؛ ليُلقي بظلاله على أيَّامنا؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال الرسول : "لتَتبعُنَّ سَنَنَ مَن كان قبلكم شِبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراع؛ حتى لو دخلوا جُحر ضبٍّ لدخلتموه". قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟!"؛ أي: فمَن غيرهم؟! ( رواه الشيخان )
عَلِم الله - تعالى- وأخبر رسوله  أنَّ كثيرًا من أبناء الأمَّة الإسلاميَّة في فترات ضَعْفهم، وسقوط حضارتهم، سيذوبون في الحضارات المنتصرة عليهم، مهما كانت ماديَّة وغير مُسلِمة؛ لذا أخبرنا الرسول  بذلك الحال المستقبلي لنتجنَّبَه. 
إنَّ مظاهر الذوبان، وعدم التمايُز كثيرةٌ اليومَ بين صفوف المسلمين؛ تُشاهِدُها في ابتعادهم عن لُغة القرآن، وتعلُّقهم باللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية، وليست المشكلة في الحرص على تعلُّم الإنجليزية وغيرها؛ ففي زمان الضَّعْف هذا صارتْ هي لغةَ العِلْم والحضارة، ولكن المشكلة في ابتعادنا عن لُغتنا الأم، حتى صارتْ أسماء المحالِّ أجنبيَّة، وصارتْ لُغة الحياة اليوميَّة مشحونة بالألفاظ الأجنبيَّة، وصار مَقامُ الفرد في عين مُحدِّثيه يُقَيَّم بعدد المصطلحات الأجنبيَّة التي يستخدمها. 
 وكذلك نرى مظاهرَ الذوبان في شكل الملابس، وأنماطِها؛ فالظواهر الشاذَّة كالبِنطال الساقط وغيرِه انتقلتْ إلينا بسرعة من الغرْب، ولم تجد من كثير من الشباب إلاَّ الترحيب، بينما خفتتِ الأصواتُ المستنكرة لها شيئًا فشيئًا، كعادتنا في زمن الضَّعْف، وغير ذلك من المظاهر كثير. 
ولم يكن بد من تمييز المكان الذي يتجه إليه المسلم بالصلاة والعبادة وتخصيصه كي يتميز هو ويتخصص بتصوره ومنهجه واتجاهه . . 
فهذا التميز تلبية للشعور بالإمتياز والتفرد ; كما أنه بدوره ينشىء شعورا بالإمتياز والتفرد .
ومن هنا كذلك كان النهي عن التشبه بمن دون المسلمين في خصائصهم , التي هي تعبير ظاهر عن مشاعر باطنة كالنهي عن طريقتهم في الشعور والسلوك سواء . 
ولم يكن هذا تعصبا ولا تمسكا بمجرد شكليات ، وإنما كان نظرة أعمق إلى ما وراء الشكليات ، كان نظرة إلى البواعث الكامنة  وراء الأشكال الظاهرة ، وهذه البواعث هي التي تفرق قوما عن قوم , وعقلية عن عقلية , وتصورا عن تصور , وضميرا عن ضمير , وخلقا عن خلق , واتجاها في الحياة كلها عن اتجاه .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:" إن اليهود والنصارى لا يصبغون , فخالفوهم " .  (رواه البخاري ومسلم )
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم  وقد خرج على جماعة فقاموا له:" لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها " . رواه الترمذي .
وقال - صلوات الله وسلامه عليه -:" لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا:عبد الله ورسوله " . أخرجه البخاري .  
وعَنْ  شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( خَالِفُوا الْيَهُودَ ، فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ)  أخرجه أبو داود 
نهى عن تشبه في مظهر أو لباس . ونهى عن تشبه في حركة أو سلوك .
 ونهى عن تشبه في قول أو أدب . . 
إنَّ الأمم التي تُريد أن تنهض لا بدَّ أن يكون التمايز مكوِّنًا أساسيًّا من مكوِّنات مشروعها الحضاري النهضي.
الدرس الرابع : تحديد وظيفة الأمة المحمدية :ـ 
أكد هذا الحدث لهذه الأمة حقيقتَها الكبرى، ووظيفتها الضخمة في هذه الأرض، وبيَّن مكانتَها العظيمة في حياة البشرية، وحدَّد دورَها الأساسي في حياة الناس، بدءًا باتخاذ قبلةٍ خاصةٍ لها، لا تتبع غيرها ولا تنقاد لسواها، فهذه القبلة هي أوسطُ القِبَل وأفضلُها، وهم أوسطُ الأمم وخيارُهم، فاختار أفضلَ القِبَل لأفضل الأمم، كما اختَار لهم أفضلَ الرسل وأفضلَ الكتب وأخرجهم في خير القُرُون، فقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: من الآية 143). 
وما دامت هذه مكانةَ الأمة، وما دام هذا دورَها، وما دامت هي الأمة التي تشهد على الناس جميعًا، وتضع لهم الموازين والقِيَم ويُعتَمد رأيُها فيهم، وتَفصِل في أمر قِيَمهم وتصوراتِهم وشعاراتِهم، فتميِّز الحقَّ من الباطل، في الوقت الذي لا يشهد عَليها، ولا يحكم على أعمالها، ولا يزن قيَمَها إلا رسولُها صلى الله عليه وسلم؛ ما دام الأمر كذلك فإن لها قبلتَها الخاصةَ التي أرادها الله لهَا، دعوة مِن الله لك؛ لتكونَ شاهدًا على الناس يومَ القيامة؛ هل تُلبِّي؟!
وشهادة الأمة في الدنيا والآخرة كما قال الله تعالي ﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة: 143] في الدنيا والآخِرة، كيف؟ 
• في الدنيا: 
عن أنس - رضي الله عنه - قال: مرَّ بجنازة، فأُثني عليها خيرًا، فقال نبيُّ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (وجبَتْ، وجَبتْ، وجَبتْ)، ومرَّ بجنازة، فأُثْنِي عليها شرًّا، فقال نبيُّ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (وجَبَت، وجَبَت، وجَبَت)، فقال عمر: فداك أبي وأمِّي، مرَّ بجنازة، فأُثني عليها خيرًا، فقلتَ: (وجبَتْ، وجَبتْ، وجَبتْ)، ومرَّ بجنازة، فأُثِنيَ عليها شرًّا، فقلتَ: ((وجَبَت، وجَبَت، وجَبَت))؟ فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (مَن أثنيتُم عليه خيرًا وجَبَتْ له الجنة، ومَن أثنيتم عليه شرًّا وجَبَتْ له النار؛ أنتم شهداءُ الله في الأرْض) رواه البخاري ومسلم واللفظ له، والترمذي والنسائي وابن ماجه. 
• في الآخرة: 
(يجيء النبيُّ يومَ القيامة ومعه الرجل، والنبيُّ ومعه الرجلان، والنبيُّ ومعه الثلاثة، وأكثر مِن ذلك، فيُقال له: هل بلغتَ قومك؟
 فيقول: نعم، فيُدْعَى قومُه، فيقال لهم: هل بلَّغكم هذا؟ 
فيقولون: لا، فيُقال له: مَن يشهد لك؟
فيقول: محمَّد وأمَّته، فيُدْعى محمَّد وأمَّته، فيقال لهم: هل بلَّغ هذا قومَه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما عِلمُكم بذلك؟ فيقولون: جاءنا نبيُّنا فأخبَرَنا أنَّ الرسل قد بلَّغوا فصدقْناه، فذلك قوله: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143])؛ صحيح الجامع.
﴿ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]، كيف؟عن عبدِالله بن مسعود قال: "قال لي رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو على المِنْبَر: (اقرأ عليَّ)، قلت: أقرأُ عليك وعليك أنزل؟! قال: (إنِّي أُحبُّ أن أسمعَه من غيري)، فقرأتُ سورةَ النِّساء، حتى أتيتُ إلى هذه الآية: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، قال: (حسْبُك الآن)، فالتفتُّ إليه، فإذا عيناه تذرِفان"
 وأمة تلك وظيفتها، وذلك دورها، خليقةٌ بأن تتحمَّل التَّبِعة وتبذل التضحية، فللقيادة تكاليفُها، وللقِوامة تبعاتُها. 
أمة الإسلام هي الأمة القائدة ،ورحِم الله رِبعيًّ ابن عامررضي الله عنه، الذي دخل على ملِك الروم في سلطانه وصولجانه، رِبْعِيّ بن عامر - رضي الله عنه - كان رُمْحه قصيرًا، وترسه قصيرًا، وحصانه قصيرًا، لكنه كان قويًّا بإيمانه، عزيزًا بإسلامه، دخَل على رُستم يقول له: جِئنا لنُخرجَ الناس مِن عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد، ومِن جور الأديان إلى عدْل الإسلام، ومِن ضيق الدنيا إلى سَعة الدنيا والآخِرة.
ولم يعوِّق هذه الأمة اليوم عن أن تأخذ مكانها هذا- الذي وهبه الله لها- إلا أنها تخلَّت عن مرجعيتها الإسلامية وعن منهج الله الذي اختاره لها، واتخذت لها مناهج مختلفة، ليست هي التي اختارها الله لها. 
وجديرٌ بالأمة أن تبصر الكنز الذي بين يديها، وأن تفاخر بالمنهج القويم الذي تضمَّنه القرآن والسنة، والذي يحقِّق لها السبق والريادة في العالمين.  
وإن هذه الأمة الإسلامية أمة "مصطفاة" "مرحومة" "منصورة" مهما نـزل بها من المصائب وحل بها من الضعف والهوان.
أما الاصطفاء فقد أورثها الله تعالى الكتاب والحكمة، وجعلها شهيدة على الناس، وحسبك أن يكون ظالمها من جملة المصطفين مع أنه مأخوذ بظلمه محاسب على تفريطه
( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ  [فاطر:32]، فكل خير لدى أية أمة من الأمم ففي المسلمين أكثر منه، وكل شر في هذه الأمة ففي غيرها أكثر منه، وحضارتها هي حضارة العدل والرحمة والتسامح، وصدق من قال من فلاسفة الغرب: 'ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من المسلمين'! 
الدرس الخامس: تحديد مصدر التلقي للأمة المسلمة :ــ 
لقد حدد الله تعالي للأمة مصدر التلقي وهو الكتاب والسنة  فقال تعالي (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ(6) النمل .                                                          
واختار الله عز وجل للأمة أن يكونَ مصدَرُ ثقافتها ، وفهمِها، ومصدر منهجها وعقيدتها، وعبادتها ، وأخلاقها ؛ هو الكتابَ والسُّنة، فلا نتلقَّف ثقافة مخالِفةً لشريعتنا من شرق أو غرب، ولا نتلقف ثقافة مشوبة بالبدع والأهواء، من فِرَق وأحزاب مختلفة، كما قال تعالى: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 123 - 126]. 
وقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 7]. 
وقال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]. 
وقد روى البخاريُّ عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "أحسَنُ الحديث كتاب الله، وأحسن الهَدْي هدي محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشر الأمور مُحْدثاتها، وإنَّ ما توعدون لآتٍ وما أنتم بِمُعجزين". 
وروى التِّرمذي عن المقدام بن معد يكرب، رفعَه: (ألاَ هل عسى رجل يَبْلُغه الحديث عنِّي، وهو متَّكئٌ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله؛ فما وجدنا فيه حلالاً استحلَلْناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرَّمناه، وإن ما حرَّم رسول الله كما حرَّم الله). 
ولأبي داود: (ألاَ وإنِّي أُوتِيتُ الكتاب ومثله معه، ألاَ يوشك رجل شبعان على أريكته...) الحديث.  
وفي خُطبة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "حجَّة الوداع" حثٌّ على التمسك بالكتاب والسنة؛ حيث قال: (وقد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلُّوا أبدًا أمرًا بيِّنًا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه) رواه مالك. 
بل إن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - غضب من أحد أصحابه يومًا، وقال له كلامًا شديدًا؛ لأنَّه قرأ مصدرًا آخر غير القرآن الهادي، والسُّنة الراشدة، ففي الحديث عن جابر، عن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين أتاه عمر فقال: إنا نسمع أحاديث مِن يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال:(أمتهوِّكون أنتم كما تهوَّكَت اليهود والنصارى؟! لقد جئتُكم بها بيضاء نقيَّة، ولو كان موسى حيًّا ما وَسِعَه إلا اتِّباعي) رواه أحمد والبيهقيُّ في كتاب "شُعَب الإيمان"، وحسَّنَه الألباني. 
وفي رواية أخرى عن جابر بن عبدالله؛ أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أتى النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكتابٍ أصابه من بعض الكتب، قال: فغضِب وقال:(أمتهوِّكون فيها يا ابن الخطَّاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتُكم بها بيضاء نقيَّة). 
فقد أوجب القرآنُ اتِّباعَ الصحابة - رضوان الله عليهم - ولزومَ طريقتهم، وتوعَّد مَن يخالف سبيلهم بالعذاب الأليم، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 117]، فهل كان المؤمنون عند نزول هذه الآية الكريمة إلاَّ هم؟ وقد دلَّت الآية على وجوب متابعة سبيل المؤمنين، والحذر من الوقوع في الوعيد لمخالفة هذا السبيل الذي سلَكوه.
وقال تعالى: ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137]. 
وقد أوصي النبي صلي الله عليه وسلم بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده عند  تشعب الأراء والأهواء فعن العرباض بن سارية ، قال : صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا ، قال : " أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن أمر عليكم عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة "
رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. 
فهذه الأمةُ لا تتلقَّى دينَها وقِيَمَها وتصوراتِها وشعائرَها من أهل الكتاب ولا من غيرهم، وإنما تتلقَّى من الله وحده ﴿الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْممْتَرِينَ (147) (البقرة)، 
وذلك أمر تكرر التأكيد عليه في القرآن الكريم، فقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وَكَفي بِالله وَكِيلاً (3)﴾ (الأحزاب)،
وقال تعالى: ﴿وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وَكَفي بِالله وَكِيلاً (48) (الأحزاب). 
ولهذا فإن الأمة ينبغي ألاَّ تنخدع بحِيَل أعدائها على اختلاف أصنافهم، وألا تلتفت إلى إرجاف اليهود والمنافقين، وألا تفتتن بدسائسهم، وألا تستجيب لتحليلاتهم الزائفة، فهم قد عزموا أمرَهم على معارضة الإسلام ومحاربة رسالة الحق والصدِّ عن دين الله ودعوته، والتشويه لكل ما فيه من جمال وجلال، ولا ينبغي للنبي صلى الله عليه وسلم والأمة أن يتبعوا أهواءهم بعد ما جاءهم العلم ﴿وَلئنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (145) (البقرة). 
إن الأمة التي كتب الله لها قيادةَ البشرية، وريادةَ الدنيا؛ ينبغي لها أن تستمد تقاليدَها وأفكارَها ومنهاجها- مثلما تستمد عقيدتَها- من المصدر الذي اختارها للقيادة، ومن ثَمَّ فإن عليها أن تعطي غيرها، لا أن تأخذ من غيرها، فالأمة التي تأخذ من غيرها تبدأ بأخذ الأشياء المادية، ثم تتدرَّج إلى أخذ العادات المادية، ثم المظاهر الثقافية، ثم القِيَم والمقاييس، ثم العقائد في نهاية المطاف.
ولا يمكن للأمة الوسط القائدة أن تكون كذلك.. لا يجوز لها أن تقلِّد الأممَ الأخرى التي جاءت لتقودَها وترفعَها، وإنما تستمدّ وتتلقَّى التعاليمَ والتوجيهاتِ والتصوراتِ من الله تبارك وتعالى، لتقود البشرية إلى ما فيه سعادتها، وتنتشلها من التردِّي الأخلاقي الذي انحدرت إليه. 
الدرس السادس : الأدب مع الله تعالي :ــ
انظر كيف يتأدَّب المخلوقُ مع خالقِه، والمرزوق مع رازقِه، والعبد مع سيِّده، والحبيب مع حبيبه، إنَّه درْسٌ عظيم في التأدُّب مع الله؛ ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء ﴾ [البقرة: 144]، بدون طلَب، بدون اقتراح، بدون إلْحاح، أيقترح على ربِّه؟! أيُغيِّر في الدِّين؟! كلاَّ؛ لذلك كانت الإجابةُ على وجه السُّرعة له ولأمَّته، هل أنتَ منهم؟!
 ﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144]، فما بالُ الذين يُغيِّرون الشرائع، ويحرِّفون الشعائر، ويتحايلون على الدين؛ يُعطِّلون الحدود، ويَنقُضون العهود؟! 
كيف بهم إذا وقَفوا أمامَ الله؟! 
فلنزم الأدب مع الله تعالي في طلب حوائجنا فهذا حال جميع الأنبياء والمرسلين والدعاة:ــ 
• أيُّوب عليه السلام ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83]، النتيجة: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 84]. 
• موسَى عليه السلام: مُطارَد ومجهَد ومهدَّد، ومع ذلك لربِّه يتودَّد؛ ﴿ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص: 24]، النتيجة: 
﴿ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طه: 39]. 
• يوسف عليه السلام:﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]، النتيجة: ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21]. 
• سليمان عليه السلام:﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19]، النتيجة مع مزيدٍ من التواضع لله، والأدب معه ﴿ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40]
كانتْ في حياته آيات: الطير تخدمه، والرِّيح تحمله، والجِن تغوص له في الأرْض؛ تستخرج له من الكنوز ما يشاء، وتبني له مِن الصروح ما يُريد، وكان مماته أيضًا آية؛ ﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ [سبأ: 14].
• عيسى عليه السلام ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ﴾ [المائدة: 116]، النتيجة: ﴿ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴾ [مريم: 57].
• إبراهيم عليه السلام في الأثر يُوضَع في النار، فيأتيه آتٍ: هل لك حاجةٌ؟ فيرد: "كيف أحتاج إليك، وأنسَى الذي أرْسلك إليَّ؟! 
عِلْمُه بحالي يُغني عن سؤالي"، الرد والنتيجة: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69]، ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [البقرة: 130]
• سيدنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء ﴾ [البقرة: 144]، النتيجة: ﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144].
هذا طريقُ الأنبياء والمرسَلين، وهذا سبيلُ المؤمنين، وهذا مسلَكُ الصالحين إلى يومِ الدين، الأدب مع الله ربِّ العالمين، التودُّد إليه، والتوجُّه إليه، وإرْجاع الأمْر له، الإصْرار على الإعْراض والعِناد. 
 أمَّا الآخرون، فيعلمون الصِّدق ويكذبون، يعلمون العدلَ ويظلمون، يعلمون الإيمان ويَكْفرون، يعلمون الإخلاصَ ويُشرِكون، يعرفون الحقَّ ويُنكرون، لكن هل يغفُل الله عنهم؟! ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 144]، 
ويُصرُّون على الكفر والعِناد، وعلى الصدِّ والإعْراض، فاحذْرهم، ولا تتبِّع أهواءَهم؛ ﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 145]. 
هذا لسيدنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم أحب خلْق الله إلى الله، فما بالك بالذين اتَّبعوا أهواءَهم، أو طُبِعوا معهم، أو سارُوا في رِكابهم؟! ماذا تكون النتيجة عندهم؟
 إنَّها جليَّة واضِحة وضوحَ الشمس في كبدِ السماء، والحال أبلغُ مِن المقال.
أيها الأخوة الأكارم :ـ 
هذه بعض دروس وعبر من حادثة تحويل القبلة . 
ونحن مقبلون علي شهر رمضان نحتاج إلي أن نأخذ أعظم درس من تحويل القبلة وهو خلع كل شيئ من القلب إلا الله تعالي ، ونحول قلوبنا من حب الدنيا والتعلق بها إلي حب الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وسلم ، حتي يقبلنا الله تعالي عنده من الفائزين .          
نسأل الله تعالي أن يقبلنا عنده وأن يبلغنا رمضان ويجعلنا من الفائزين فيه إنه ولي ذلك والقادر عليه .
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم . فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
انتهت بفضل الله ورحمته
                                                   
                                                 رابط doc

رابط pdf

ليست هناك تعليقات: