8 أكتوبر 2017

الأسرة المسلمة التي ننشدها


الحمد لله رب العالمين …جعل الأسرة هي الركن الأساسى فى بناء كل مجتمع أو أمة… بل إنَّ القرآن الكريم قد أخبرنا بأنَّ الإنسانية كلها ، قد أوجدها ـسبحانه ـ بقدرته من أسرة واحدة ؛ قال تعالى : ” يا أيها الناس اتقواْ ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساءً ..” [النساء : 1] .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير ..أقام الأسرة علي المودة والرحمة فقال تعالي (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾[الروم: 21].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم .. بين أن الأسرة أمانة ومسئولية يحاسب عليها العبد يوم القيامة فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) [ متفق عليه ].     فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم يوم الدين . 
 أما بعــد … فيا أيها المؤمنون …                                                                     
 الأسرة هي اللَّبنةُ الأولى في بناء أي مجتمع، هي الأسرةُ، فإذا كانت هذه اللبنة مفكَّكةً منهارةً، فلا بد أن يكون المجتمع مفكَّكًا منهارًا. وإذا كانت هذه الأُسرة صُلْبةً متماسكة، فلا بد أن يكون المجتمعُ المتكوِّن منها صُلبًا متماسكًا كذلك. ولَمَّا كان الإسلام الحنيف يعمل على تكوين المجتمع الإسلاميِّ القوي، فقد حرَص على تدعيم اللَّبِنة الأولى في البنيان الاجتماعي، وهي الأسرة، وعمل على إسعادِها وعلى تقوِيتها. وفي هذا الصَّدد جاء بالمبادئ والقوانين التي تعمل على إحكامِ العَلاقات والروابط داخل الأسرة، وعلى تقويتها وحِفظها من الضَّعف والانهيار، وأوجبَ على المجتمع أن ينفِّذ هذه المبادئ والقوانين. قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].
لذلك كان حديثنا عن الأسرة ومكانتها وتكوينها في الإسلام ويتناول هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ تعريف الأسرة .
2ـ أهداف تكوين الأسرة.
3 ـ مراحل تكوين الأسرة .
4ـ أسباب السعادة الأسرية.
العنصر الأول : تعريف الأسرة :ـ 
جاء في المعجم الوجيز 🙁 الأُسْرة : أهل الرجل وعشيرته . والأسرة : الجماعة يربطها أمر مشترك .). وجاء في لسان العرب لابن منظور : ( الأُسْرة : الِّدرع الحصينة ).                                        
   وتطلق الأسرة في الاصطلاح علي رابطة الزواج التي يصحبها ذرية . وهي: رابطة اجتماعية تتكون من زوج وزوجة وأطفالهما وتشمل الجدود والأحفاد وبعض الأقارب علي أن يكونوا في معيشة واحدة .
العنصر الثاني : أهداف تكوين الأسرة :ــ 
الأسرة هى أساس المجتمع ، وهى المحضن الذى يتخرج فيه العظماء والمستقيمون . ولذلك يهدف الإسلام من تكوين الأسرة إلى تحقيق أهداف كبرى تشمل كل مناحي المجتمع الإسلامي، ولها الأثر العميق في حياة المسلمين وكيان الأمة المسلمة .
ويمكن إجمال هذه الأهداف في ثلاث نقاط رئيسية:
1- الهدف الاجتماعي: الذي يتحقق به تماسك المجتمع وترابطه وتوثيق عرى الأخوة بين أفراده وجماعاته وشعوبه بالمصاهرة والنسب قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54))الفرقان .
2- الهدف الخلقي : اعتبر الإسلام بناء الأسرة وسيلة فعّالة لحماية أفرادها شيبا وشباباْ ، ذكوراْ وإناثا من الفساد، ووقاية المجتمع من الفوضى،إن تحقيق هذا الهدف يكون بالإقبال على بناء الأسرة ، لأن عدم ذلك يحصل به ضرر على النفس باحتمال الانحراف عن طريق الفضيلة والطهر ، كما يؤدي إلى ضرر المجتمع بانتشار الفاحشة وذيوع المنكرات وتفشي الأمراض الخبيثة .
3- الهدف الروحي: إن بناء الأسرة خير وسيلة لتهذيب النفوس وتنمية الفضائل التي تؤدي إلى قيام الحياة على التعاطف والتراحم والإيثار،حيث يتعود أفرادها على تحمل المسئوليات، والتعاون في أداء الواجبات . ومن خلال تحقيق هذه الأهداف الكبرى، يمكن أن تحقق هناك أهداف أخرى في ظلال الأسرة، مثل إقامة شرع الله، وتحقيق مرضاته، لأنّ البيت المسلم ينبني على تحقيق العبودية لله تعالى، ولذلك ورد تعليل إباحة الطلاق حين تطلبه المرآة بالخوف من عدم إقامة حدود الله قال تعالى:( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ) (229) البقرة.                                                                  
  كما أنّ الأسرة تحقق حفظ النوع الإنساني بإنجاب النسل ، ثم تتحمل المسئولية بتربيتهم وتوجيههم بما يسهم في بناء شخصيتهم السوية، لأن الإسلام جعل الأسرة هي المحضن الطبيعي الذي يقوم على رعاية الطفل ، واعتبر كل انحراف يصيب الناشئة مصدره الأول الأبوان ، لأنه يولد صافي السريرة ، سليم الفطرة ،  قال عليه الصلاة والسلام: ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء) .
 ولهذا أثبتت الإحصاءات العلمية أن تربية الملاجئ تؤثر على نمو الطفل واتزانه العاطفي ، كما أثبتت أن فترات الطفل هي سنواته الست الأولى ، وأن طفل الأسرة المستقرة المتوافقة ،غير طفل الأم العاملة المرهقة والمشتتة فكريا في أداء وظيفتها، كما أن نتائج التفكك الأسري في الغرب، سبب الجنوح والتشرد والجريمة والانحراف لمعظم الناشئة .
فالأسرة هي البيئة الأولى التي ينشأ فيها الأطفال الصالحين ، كما أنها المجال الفريد لغرس عواطف حب الله ورسوله وحب المسلمين ، الذي تزول معه كل عوامل الشحناء والصراعات المختلفة ، فيخرجوا إلى الحياة رجالاً عاملين نافعين يكونون لبناة صالحة للمجتمع .
العنصر الثالث:ـ تكوين الأسرة :ــ 
الأسرة تمر بخطوات وهي :ـ  
أولاً : الاختيار .                                                              ثانياً : الخطبة .                                                                 ثالثاً : الزواج .
أولاً : الإختيار:ـ
 مِنْ أهمِّ مراحل تكوين الأسرة فى الإسلام مرحلة الاختيار ، وهو أهم عنصر فى ترسيخ استقرار الأسرة المسلمة ، فإذا ما تلاقت الطباع ، وتوافقت النفوس ، وتقاطعت الثقافات كان ذلك عامل قوى لمجتمع أمتن روابط بين أُسَره وأَشَد صلة وألفة بين أفراده . أخطرشيئ في حياة الشاب هو اختيارالزوجة اليوم ، وأخطر شيئ في حياة الفتاة هواختيار الزوج .
من هذا الذي الذي سترضين أن يقترن اسمه باسمك ويكون أباً لأولادك ، وكذلك الشاب من ذا الذي يقع عليها الإختيار حتي تحمل اسمك وتكون أما لأولادك ، وتكون شريكتك في الدنيا والآخرة . ولقد تحدث الشرع الحنيف عن هذا الجانب ـ جانب الاختيار ـ واعتبره العمود الفقرى الذى تقوم عليه الأسرة المسلمة . وهذا الجانب هو ما يسميه الفقهاء بالكفاءة فى الزواج فى الدين والورع والعبادة وفى الأموال وفى الثقافات ونحو ذلك …
فالإسلام يأمر الرجل أن يكون هدفه نبيل وغايته شريفة فيطلُب المرأة؛ ويختارها لدينها لا لجسدها ؛ ولورعها ونبلها لا لأموالها . وليس معنى ذلك أنْ يتغاضى عن جمال المرأة !! كلاَّ بل أمرنا الإسلام أن نتزوج الجميلات ولكن الجمال المقرون بالخلق والدين .
بل إنَّ النبيَّ ـصلى الله عليه وسلم ـ أمَرَ المغيرة بن شعبة ـ وقد خطب امرأة ليتزوجها أن ينظر إليها وقال له : أنظرت إليها ؟ قال : لا فقال له النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما .
وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال خطب رجل امرأة فقال له النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ : انظر إليها فإنَّ فى أعين الأنصار شيئاً .                                                                                       فهذا كلام صريح وقطعى الدلالة من النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ على مشروعية البحث عن المرأة الجميلة المحترمة المتدينة فى ذات الوقت .                                                                          فالإسلام لم يمنع أن تُطلب المرأة لجمالها ، ولكن هذا إذا كان الجمال مقترناً بالشيم الأخرى التى من شأنها أن تذلل العقبات التى قد تطرأ على حياة الأسرة المسلمة .
فالإعجاب وحده لا يكفى ـ ولو بلغ قمته، قال الله تعالى : ” ولا تنكحوا المشركات حتى يُؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ..” فالإسلام يضع الإعجاب والحب ضمن عناصر اختيار الزوجة ، المهم أن لا يكون هو العنصر الوحيد الذى تقوم عليه الأسرة المسلمة .
 ولا شك أن الإعجاب والحب من عوامل استقرار الأسرة المسلمة إذا كان هذا الحب نابعا عن عقيدة دينية ـ والإنسان بطبيعته محب للجمال ـ وعلم الرجل أنه إذا لم يتزوج امرأة جميلة كان ذلك سبباً فى فتنته .
الأُسُسُ التى يُبنى عليها الاختيار:ـ 
ووضَعَ الإسلام أُسُساً قويمة أَوْجَبَ عَلى الإِنسَان أَنْ يأْخُذَها فى عين الاعتبار حين قدومه على اختيار الزوجة. فروى ابْنُ مَاجَةَ بسندهِ عَنْ أَبى هُريْرَة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ” تنكح النساء لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ” .
وروى بسنده عن جابر بن عبدالله قال : تزوجت امرأة على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلقيت رَسُولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : أتزوجت يا جابر ؟! قلت نعم قال أبكراً أو ثيباً ؟! قلت : ثيباً قال : فهلاَّ بكراً تلاعبها ؟قلتُ : كنَّ لى أخوات فخشيت أن تدخل بينى وبينهن قال : فذاك إذن .
وروى بسنده أن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ” عليكم بالأبكار فإنًّهن أعذب أفواهاً وأنتق أرحاماً وأرضى باليسير ” .
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ” إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه وإن لم تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير ” .
و عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( الدنيا متاع، وخيرُ متاعها المرأةُ الصالحة)رواه مسلم .
وعن سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال( أربعٌ من السعادة: المرأةُ الصالحة، والمسكنُ الواسع، والجارُ الصالح، والمركبُ الهنيء، وأربعٌ من الشقاء: الجارُ السوء، والمرأةُ السوء، والمركبُ السوء، والمسكنُ الضيّق) (رواه ابن حبان ، وأحمد وذكره الألباني في السلسة الصحيحة)
 – وعن ثَوبان قال: لما نزل في الفضة والذهب ما نزل، قالوا: فأيُّ المالِ نتخذُ؟؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (( لِيتخذْ أحدكم قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجةً مؤمنةً تُعينُ أحدَكم على أمرِ الآخرة) (رواه ابن ماجه في النكاح، وأحمد والترمذي ).
وأن تكون ولوداً: وذلك لما ورد في الكتاب الكريم والسنة المطهرة، من تحبيب بطلب الذرية الصالحة، وحثٍ على التكاثر في النسل، بما يحقق الغرض الأسمى من الزواج، والمتمثل في استمرار النوع البشري، وإنجاب الذرية، ودوام عمارة الإنسان للأرض، التي هي من الغايات الأساسية التي خلقه الله من أجلها.
 وعن معقل بن يسار، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تزوَّجوا الودودَ الولودَ، فإنّي مكاثرٌ بكم الأمم) وهكذا نرى أنَّ النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بَيَّن للرِّجَالِ طريقةَ الاختيار ووضع منظومة كاملة ينبغى للإنسان أَنْ يُراعيها عند اختياره من دين وجمال وبكارة ونحو ذلك…                                           وهذا كله من دعائم استقرار الأسرة وأحرى لدوام هُدوئِها واستمرارِ معيشتها .                                   لا مانع أن يختار الرجل لابنته إذا وجد كفئا :ـ 
هذاالأمر محمود في الشرع الحنيف لأن سوء الاختيار يؤدي إلي أحد أمرين :ـ 

  1 ـ كثرة الطلاق .    2ـ حياة تعيسة .
وهذه أمثلة علي ذلك :ـ صاحب مدين عليه السلام مع سيدنا موسي عليه السلام :ـ               من السنن الغائبة والمستغربة التي هجرها أكثر المسلمين وقد جاء ذكر هذه السنة في القرآن الكريم حين عرض الشيخ الصالح ابنته على موسى عليه السلام في قوله تعالى ( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ )27 سورة القصص .                                                              
 فصاحب مدين يعرض ابنته على موسى عليه السلام ، وقد جاء غريباً مهاجراً ولم يتحرج من هذا العرض ، ولم يشترط في موسى أن يكون من قومه أو وطنه أو جلدته وإنما اكتفى بشرط هو الدين والخلق والكفاءة . أما السنة المطهرة فقد أكدت فكرة عرض الرجل ابنته على الرجل الصالح ..                           
 سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه :ـ                                             أخرج الإمام البخاري في باب ( عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير ) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي بالمدينة فقال عمر بن الخطاب أتيت عثمان فعرضت عليه حفصة فقال سأنظر في أمري ، فلبثت ليالي ثم لقيني فقال قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا ، قال عمر فلقيت أبا بكر الصديق فقلت له إن شئت زودتك حفصة بنت عمر ؟                                                                     
  فصمت أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئاً وكنت أوجد عليه مني على عثمان ، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر فقال لعللك وجدت علي حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فلم أكن أفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم لقبلتها ) . رواه البخاري .     
 لا تزوج ابنتك إلا من مؤمن، وسئل الإمام إن لي ابنه لمن أزوجها ؟ قال لا تزوجها إلا لتقي إن أحبها أكرمها وإن كرهها لم يظلمها . ابحث في زوج ابنتك أو أختك عن الإسلام أولا ثم ثانياً الصلاح ، وخلقه ودينه ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) ثم ابحث هل له عمل أو وظيفة ، له سكن ، ثم ابحث هل هو كفؤ لها أم لا والكفاءة في التدين والإلتزام والورع والوظيفة والحسب والنسب .
ثانيا : الخطبة :ـ 
الخِطبة: هي إبداء الرجل رغبته في الزواج من المرأة وقبولها هي ووليها لهذه الرغبة، والتواعد على إبرام عقد الزواج مستقبلاً. واختلف الفقهاء في حكمها بين قائل بالإباحة أو الاستحباب؛ وذلك لِفِعْلِهِ -صلى الله عليه وسلم- حَيْثُ خطب عَائشة بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما، وَخطب حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- والحديثان رواهما البخاري وأحمد وغيرهما. والخطبة ليست زواجًا ولا شبهة زواج؛ وإنما هي مواعدة على الزواج بين رجل وامرأة، لا تُثبت حقًّا ولا تُحِلُّ حرامًا.
 رضا المخطوبة :ـ
أن تكون راضيةً بالزواج ممَنْ تقدَّم لخطبتها: فينبغي على ولي البنت أخذُ رأيها فيمن رغب فيها، فلا يرغمها على الزواج من رجل لا ترغب فيه، ذلك أنَّ الزواج عقد الحياة، فيجب أن تتوافر فيه الإرادة الكاملة، والرضا التام، فلا إكراه لأحد الطرفين على الاقتران بطرف لا يرغب فيه، أمَّا إذا كانت المرأة تحبُّ الراغب في نكاحها، وتميل إليه، فالأولى تزويجها منه، إذا كان لها كفؤاً، وذلك لقول النبي صلي الله عليه وسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:[لا تُنْكَحُ الأيِّمُ حتى تُسْتَأمر، ولا تُنْكَحُ البِكر حتى تُستأذَن، قالوا: يا رسولَ الله وكيف إذنُها؟ قال: أن تسكت] ( رواه البخاري، ومسلم .)
أهداف فترة الخطوبة :ـ 
خمسة أهداف لا بد من تحقيقها وهي :
1- التقارب الوجدانى والفكرى والأسرى بين الطرفين .
2- التعارف من حيث الطباع ومعرفة نقاط الضعف والقوة عند كلا منهم .
 3- التدريب على الالتزام فى كل شيء وهذا التدريب يكسب الطرفين تحمل للمسئولية وضبط للنفس ومراعاة شعور الطرف الآخر فى جميع التصرفات .
4 – على الطرفان ان يتعاونا على التقارب الأسرى بين العائلتين اثناء فترة الخطوبة و قبل الزواج ، حتى يحدث التقارب المطلوب، بالإضافة إلى تركيزهما على التعارف على الطباع الشخصية والهوايات والميول، وليس التركيز على الماضى.
5- قد يعتقد البعض أن تجمل تصرفات الطرفين أمام بعضهما البعض قبل الزواج شىء خطأ، ولكن هذا غير صحيح، فالتجمل اثناء الخطوبة وقبل الزواج مطلوب ولكن دون الزيادة فيه، أما بالنسبة للاختلاف على طول وقصر فترة الخطوبة، فلابد أن ينتهز الخطيبان أى وقت مهما كان مساحته فى تحقيق هذه الأهداف، ويفضل ألا تكون فترة الخطوبة طويلة او قصيرة فالتوسط هام فى هذا الأمر حتى يستطيع الطرفان تحقيق الأهداف المرجوه من فترة الخطوبة , ففترة الخطوبة القصيرة قد لا يكون بها متسع من الوقت للدراسة الكافية للطرفين اما فترة الخطوبة الطويلة فقد تؤدى الى العديد من المشاكل بسبب شعور الطرفين بالملل . و ليس مطلوبا من الطرفين تحقيق هذه الأهداف بنسبة 100 % ولكن تحقيق القدر الذى يرضى الطرفين ، وعلى الطرفين أن يتعاونوا على التقارب الأسرى حتى يحدث التقارب بينهم ، كما عليهم أن يركزوا على التعرف على الطباع الشخصية والهويات والميول وليس التركيز على الماضى .
تقييم الخطوبة :- 
هناك خمس حاجات لتقييم كل طرف للآخر وهى :- 
                                                
 1-الدين.                                                                                       

 2-الأخلاق.                                                                                                      

3-أسلوب التفكير.                                                                                                

 4-النظرة المستقبلية.                                                                                              

 5- العادات الاجتماعية.
ثالثا :ـ تيسير أمرالزواج:ـ
 الزواج عبادة وطريق لكسب الحسنات لقول النبي صلي الله عليه وسلم (وفي بُضْع (كناية عن الجماع) أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم، لو وضعها في حرام، أكان عليه وِزْر؟). قالوا: بلى. قال: (فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر).  
ومن رغب عن سنتي فليس مني. الزواج ليس مجرد فراش وفقط وإنما أمر تعبدي ينتج عنه أولاد وأسره صالحة . ولذلك أوصي الإسلام بالتيسير في أمر الزواج وإزالة كل العقبات التي تواجه الزواج من تكلفة ومؤنة وما نسمعه من أعباء كماليات الأثاث وفستان ،وزفة وخلافه .. من أشياء ما أنزل الله بها من سلطان . 
وإن من يسر حلالا فقد عسر حراما ، ومن عسر حلالا فقد يسر حراما ،والمرأة كالثمرة إذا حان قطافها وتأخرت عن حان القطاف فسدت، وكذلك الرجل، (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه) ولا تتأخروا إذا وجدتم الكفء للمرأة الصالحة فلا تتأخروا، فإن أقواماً أخروا زواج بناتهم فكسبوا إثماً من الله الواحد الأحد. انظروا إلي الرسول عليه الصلاة والسلام زوج فاطمة ابنته رضي الله عنها فانظروا إلى مراسيم الزواج، ومن هي فاطمة؟                                                                                             
 يقول محمد إقبال شاعر باكستان:                                                                         
 هي بنت من؟                                                                                             
هي أم من؟                                                                                               
هي زوج من؟ 
                                                                                            
من ذا يساوي في الأنام علاها أما أبوها فهو أشرف مرسل جبريل بالتوحيد قد رباها و علي زوج لا تسل عنه سوى سيف غدا بيمينه تياها                                                                                
كيف زفت فاطمة من بيت أبيها إلى بيت زوجها؟                                                      
 انظروا إلى مراسيم العرس: يقول علي: أردت أن أحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزواج من فاطمة: فلما دخلت البيت أردت أن أحدثه بالزواج من فاطمة، فنظرت إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم فأصاب وجهي الخجل والحياء والرهبة، فما استطعت أن أتكلم بكلمة، قال علي: فلما أتى بي من الخجل والهيبة والحياء مالا يعلمه إلا الله سكت، فتبسم عليه الصلاة والسلام. قال يا علي: كأنك تريد فاطمة قلت: نعم يا رسول الله!       قال عندك مال وهو يدري أنه ليس عنده شيء! كان ينام على صوف الخروف، ينام عليه في الليل ويلتحف به بالنهار، قال له صلى الله عليه وسلم: أعندك مال؟                                                         
قال: ليس عندي شيء يا رسول الله! قال: تذكر، قال: والله ليس عندي درهم ولا دينار ولا تمرة، أو حبة، أو زبيبة أبداً، قال: تذكر هل عندك شيء من السلاح، قال: عندي درع لا تساوي درهمين ألبسه في المعركة قال: هاته، فذهب وهو خجول رضي الله عنه وانتزعه من بيته، وأتى به ووضعه عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا مهر فاطمة، فقال صلى الله عليه وسلم: قد قبلت، قال: وهل قبلت يا علي؟ قال: قبلت، قال صلى الله عليه وسلم: وفاطمة زوجة لك، فذهب بها إلى البيت، فقال صلى الله عليه وسلم: اصنع مأدبة عشاء. قال: ليس عندي شيء يا رسول الله، قال: اذهبوا إلى بيوت أمهات المؤمنين، وكان عنده صلى الله عليه وسلم تسع نسوة، وكان كل امرأة في غرفة صغيرة إذا نام صلى الله عليه وسلم وصل رأسه طرف الغرفة ورجلاه في الطرف الآخر، فقال: اذهبوا والتمسوا شيئاً، فذهبوا إلى أم سلمة ووجدوا عندها بعض أقراص الخبز، ثم ذهبوا إلى عائشة فقالت: لا. والله ما عندنا شيء، ثم ذهبوا إلى زينب فقالت: ووجدوا عندها شيئاً من الزبيب، ثم ذهبوا إلى امرأة أخرى، وكان معها شيء من لبن، فلما جمعوا من هذه الأشياء البسيطة، قال صلى الله عليه وسلم: هاتوا لأدعو عليه بالبركة،وقد دعا النبي صلي الله عليه وسلم في طعام علي وفاطمة فكفى الناس بإذن الله، وأتى علي وفاطمة ينشئون بيتاً جديداً على ذكر الله.
 العنصر الرابع :ـ أسباب السعادة الأسرية :ـ
 قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(الروم 21).
فالحياة الزوجية رحلة طويلة تتحقق فيها السعادة والهناء إذا أخلص كل من الزوجين وابتغى بعمله وجه الله، فابتسامة الزوج تضفي إشراقة على الأسرة، وابتسامة الزوجة تدخل السرور على الزوج، وتكريس كل منهما وقته وجهده في سبيل إسعاد الآخر مما يعين على بقاء هذه اللبنة وامتدادها على مر السنين والأعوام، فالزوجان هما دعامة الأسرة وسر سعادتها. ولا تتحقق السعادة في الأسرة إلا بالعمل على البذل والتضحية ونكران الذات، وشيء من الأناة وسعة التفكير وإذابة أي مشكلة قد تعترض هذا العش الهانئ.
ومن أسباب سعادة هذا الكيان الأسري :ـ
1ـ المعاشرة بالمعروف :ـ 
قال بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾قالوا: ليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها، بل أن تحتمل الأذى منها.
روت كتب الأدب والسيرة أن قاضياً شهيراً اسمه شريح لقيه صديقه الفضيل، فقال له: يا شريح، كيف حالك في بيتك ؟ قال: والله منذ عشرين عاماً لم أجد ما يعكِّر صفائي، قال: وكيف ذلك يا شريح ؟ قال خطبتُ امرأة من أسرة صالحة، فلما كان يوم الزفاف وجدتُ صلاحاً وكمالاً، يقصد صلاحاً في دينها، وكمالاً في خُلقها، فصليتُ ركعتين شكر على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي، وتشكر شكري، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب دنوتُ منها، فقالت لي: على رِسلك يا أبا أمية، ثم قامت فخطبت، وقالت: أما بعد، فيا أبا أمية، إنني امرأة غريبة، لا أعرف ما تحب، ولا ما تكره، فقل لي ما تحبه حتى آتيه، وما تكره حتى أجتنبه، ويا أبا أمية، لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم ـ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فاتّقِ الله بي، وامتثل قوله تعالى: ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ (سورة البقرة).       ثم قعدتُ ! قال: فألجأتني إلى أن أخطب، فوقفت وقلت: أما بعد، فقد قلتِ كلاماً إن تصدقي فيه، وتثبتي عليه يكن لكِ ذخراً وأجراً، وإن تَدَعيه يكن حجة عليك، أحِبُّ كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما وجدتِ من حسنة فانشريها، وما وجدتِ من سيئة فاستريها. ولقد وصف النبي عليه الصلاة والسلام المرأة الصالحة بأنها ستّيرة، والمرأة الفاجرة فضّاحة، وقال في بعض الأحاديث: إني أكره المرأة تخرج من بيتها تشتكي على زوجها. وعَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ) [الترمذي]
 ولا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها، وهي لا تستغني عنه، وما وجدت من حسنة فانشريها، وما وجدت من سيئة فاستريها، قالت: كيف نزور أهلي وأهلك ؟ ما رأيك في هذا الموضوع ؟ قال: نزورهم غباً، مع انقطاع بين الحين والحين لئلا يملُّوا، وفي الحديث الشريف: (( زر غباً تزدد حباً )) [الطبراني عن عبد الله بن عمرو].
 قالت: فمَن مِنَ الجيران تحب أن أسمح لهن بدخول بيتك ؟ ومن تكره ؟ قال: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم غير ذلك، يقول شريح: ومضى علي عام عدت فيه إلى البيت، فإذا أم زوجتي عندنا، رحبت بها أجمل ترحيب، وكانت قد علمت من ابنتها أنها في أهنأ حال، قالت: يا أبا أمية، كيف وجدت زوجتك ؟ قلت: والله هي خير زوجة، قالت: يا أبا أمية، ما أوتي الرجال شراً من المرأة المدللة فوق الحدود، فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت أن تهذب، ثم التفت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة، ومضى علي عشرون عاماً لم أجد ما يعكر صفائي إلا ليلة واحدة كنت أنا الظالم. واعلم أخي المسلم إذا بني الزواج على طاعة الله تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين، أما إذا بني على معصية الله يتولى الشيطان التفريق بينهما، إذا أطاع المؤمن ربه ألهمه الحكمة، فعاش مع زوجته حياة سعيدة، وإذا عصى الرجل ربه ألهم الحمق، فكم من إنسان يحفر قبره بيده، ويهدم سعادته بيده، إنه حينما ينقطع عن الله عز وجل فيحرم من الحكمة، الآية الأولى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19)﴾.
2ـ الأسرة حقوق وواجبات :ـ
 قال تعالي :ـ (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ (البقرة). كما أنك تحب أن تحترم أهلك هي تحب أن تحترم أهلها، كما تحب أن تراها بمظهر أنيق هي تحب أن تراك بمظهر أنيق، كما تحب أن تكون صادقة معك هي تحب أن تكون صادق معها، كما تحب أن تقدر شعورك تحب أن تقدر شعورها. ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِوالمعروف ما في الفطرة ما ركز في أهل الفطرة، وما جبل عليه الإنسان، وكا تحب العناية بالنظافة الشخصية والاهتمام بحسن المظهر، فكذلك الزوجة، ورحم الله ابن عباس – رضي الله عنهما – فقد قال: (إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستنظف كل حقي الذي لي عليها فتستوجب حقها الذي لها على، لأن الله – تعالى -قال: ” ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف”)                  
أما هذه الدرجة التي للزوج فهي درجة واحدة، درجة القيادة، لأن الزواج والبيت مؤسسة لا بد لها من قائد واحد، وصاحب قرار، لكن الزوج ينبغي أن يستشير زوجته أحياناً، والدليل أن الله عز وجل يقول: ﴿وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾ (الطلاق) بل إن النبي عليه الصلاة والسلام في الحديبية استشار أم سلمة، وأشارت عليه، ونفذ استشارتها، وحلت المشكلة، ينبغي أن تستشيرها، وتستشيرك، وتتبادلا الآراء، ولكن هذه المؤسسة تحتاج إلى صاحب قرار، الله عز وجل يقول: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ (آل عمران).
فهذه الدرجة درجة القرار، لأن الذي يراه الزوج قد لا تراه الزوجة، والذي يعرفه الزوج من الظروف المحيطة بالبيت قد لا تعلمها الزوجة، أما أن يظن الزوج أن له كل شيء، وليس لها شيء، فهذا جهل فاضح في حقوق الزوجة.
3ـ مفهوم حق القوامة :ـ 
قال تعالي﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ (النساء). قوَامون جمع قوَام، قوَام صيغة مبالغة اسم الفاعل، شديد القيام، يفهمها بعض الناس أن قوامة الرجل سيطرة، وعنجهية، واستعلاء، واستبداد، وتعسف، لا، أبداً، بل قوامة الرجل جهد كبير في داخل البيت وخارجه، متابعة للأمور، تصحيح للمسار، تصويب للأخطاء، هذه قوامة الرجل، فالله سبحانه وتعالى أناط مسؤولية الأسرة بالرجل، لأنه بحسب تكوينه الفكري والجسمي والاجتماعي والنفسي، لعله أقدر على قيادة هذا المركب من الزوجة، فلذلك حينما يقول الله عز وجل: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾. بمعنى أنهم يتحملون مسؤولية سلامة، ونمو هذه الأسرة. أذكر أن سيدنا عمر مرة قال: لست خيراً من أحدكم، ولكنني أثقلكم حملاً، وينبغي أن يقول الزوج: لست خيراً من واحد من أسرتي، ولكنني أثقلهم حملاً، هذا معنى قوامة الزوج: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ فهي تكليف، وليست تشريفًا، هي إشراف، وخدمة، وحرص، ودأب، وجهد، وسعي، وليست استعلاء وغطرسة، وتحكماً، وتعسفاً، واستبداداً.
4ـ إصلاح العلاقة مع الله عز وجل :ـ
 إذا أصلحت علاقتك مع الله، صلح معك كل شيء، حتى إن بعض العارفين يقول: إني أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي، إذا كانت علاقته بالله قوية يلهم الله الزوجة أن تنصاع له، وتعتني به، وتحبه وتكون في خدمته، أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي. قال تعالي﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾الأنفال. أنت حينما تطبق منهج الله عز وجل تكون كبيراً في نظر زوجتك، وذا هيبة كبيرة، وعندئذ تنصاع لك، وتتودد إليك، وتتقرب منك. وإذا صلحت العلاقة مع الله صلح معك كل شيء، ومما ورد في الأثر القدسي ” ابن آدم، اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، ابن آدم، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد”
5ـ الإهتمام بالمشاعر الإنسانية :ـ 
أـ الثناء والمديح من الزوج لزوجته في ترتيب البيت أو اختيار أصناف الطعام أو إتقان الطبخ، وكذلك لبسها وعطرها وأسلوب تربيتها لأولادها أو أسلوب تعاملها مع الآخرين، كل هذا مما يدخل السرور والسعادة إلى نفسها، وقد ذكر الرسول – صلى الله عليه وسلم – في الحديث “إن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم” فكيف بمن هي أحب الناس إليه زوجته فليحتسب الزوج كل هذا عند الله – سبحانه وتعالى . دخل علي بن أبي طالب على زوجته فاطمة الزهراء رضي الله عنه وعنها بنت خير البشر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فرآها تستاك بسواك من أراك فقال لها في بيتين جميلين عجيبين :
                     حظيت يا عود الأراكِ بثغرها *** أما خفت يا عود الأراك أراكَ                                                               
لو كنت من أهـل القتال قتلتك *** ما فـاز منـي يا سِواكُ سِواكَ


ب ـ الكلمة الطيبة والابتسامة المشرقة
 لها اثر عظيم في إسعاد الزوجة كما قال الرسول – صلى الله عليه وسلم –“الكلمة الطيبة صدقة” وقال – صلى الله عليه وسلم –“لا تحقرن من المعروف شيئا ولو إن تلق أخاك بوجه طليق” وقال – صلى الله عليه وسلم -“تبسمك في وجه أخيك صدقة” فكيف بالزوجة فإن الأجر أعظم وكم لهذه الابتسامة من الزوج من اثر على نفسية الزوجة وكم من الكلمات الطيبة التي تسعد الزوجة وتزيل ألامها وتشحذ همتها لمواصلة الجهد في إسعاد هذه الأسرة.
ج ـ إذا أردت أن تعاتب أو تعاقب فلا تنفعل أمام الآخرين 
والأبناء على وجه الخصوص ولا توجه لها ألفاظ قد تجرح مشاعرها، أو تقارنها بغيرها من النساء، وأعلم أن مشاعر المرأة مثل الزجاج شفافة، حساسة، سهلة الخدش والكسر، لذلك قال – صلى الله عليه وسلم -: (رفقا بالقوارير). ويجب علي الزوج تعليم الزوجه ما ينفعها في أمور دينها ودنياها .
دـ تقديم الهدية المناسبة للزوجة تعبيرا عن حبه لها
 وتقديره لها مما يقوي أواحد المحبة بين الزوجين وقد قال رسولنا الكريم – عليه الصلاة والسلام – “تهادوا تحابوا”.
هـ ـ حفظ السر :ـ 
فكلٌّ من الزوجين أمين على أسرار الآخر، يجب عليه حفظها وعدم إفشاءها، ومن أعظم هذه الأسرار وأشدها أسرار الجماع وما يجري بين الزوجين في الفراش. وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الزوج أو الزوجة الذي ينشر الأسرار الزوجية بأنه شيطان؛                                                                 
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل منكم رجل أتى أهله، فأغلق عليه بابه، وألقى عليه ستره، واستتر بستر الله؟ قالوا: نعم. قال: ثم يجلس بعد ذلك، فيقول: فعلت كذا، فعلت كذا. فسكتوا، ثم أقبل على النساء؛ فقال: منكن من تحدِّث؟ فسكتن، فجثت فتاة كعاب، على إحدى ركبتيها، وتطاولت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليراها ويسمع كلامها، فقالت: يا رسول الله، إنهم ليحدثون، وإنهن ليحدثن، فقال: هل تدرون ما مثل ذلك؟ إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطانًا في السكة، فقضى حاجته والناس ينظرون إليه)) (رواه أبوداود وصححه الألباني) .
 بل بيَّن أن مفشي سرِّ زوجه من أشرِّ الناس منزلة يوم القيامة؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِن أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة، وتفضي إليه ثم ينشر سرَّها)).
و ـ التعاون في الأعمال المنزلية :ـ
مساعدة الزوج لزوجته في أعمال البيت اقتداء بالرسول الكريم – عليه الصلاة والسلام – ولو بالقليل يضفي على جو البيت بهجة ويسعد الزوجة ويشعرها بتقدير زوجها لها فيسعدان معا بهذه المشاركة، عن عمرة: قيل لعائشة – رضي الله عنها ما كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعمل في بيته قالت: كان بشراً من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته، ويخدم نفسه).
الحكمة في حل المشكلات :ـ
ـ لنفترض أن الوقاية لم تنجح، وأن الخلاف بين الزوجين قد وقع بالفعل، فماذا عساه يفعل الزوج لحلِّ هذا الخلاف والقضاء على هذه الأزمة ؟!
هنا تكون الأسوة بالنبى صلي الله عليه وسلم واجبة وضرورية ؛ فإننا سنري من حكمة النبي صلي الله عليه وسلم من طريقته في حلِّ الخلافات الزوجية .
حدث خلاف ذات مرة بين النبى صلي الله عليه وسلم والسيدة عائشة رضى الله عنها- فقال لها :” مَنْ ترضين حكما بينى وبينك ؟ أترضَيْن بعمر ؟! ” فقالت: لا إنى أهاب شدَّته وغلظته، فقال :” أترضَيْن بأبى عبيدة ؟! ” قالت: لا، إنه يحبك وسيحكم لك، فقال :” أترضين بأبيك أبى بكر ؟ ” فقالت: نعم .. فبعث إليه النبى صلي الله عليه وسلم ، فلما دخل عليهما قال النبى صلي الله عليه وسلم للسيدة عائشة :” تتكلمين أنت أوَّلاً أم أتكلم أنا ؟ ” فقالت: تكلَّمْ يا رسول الله ولا تَقُلْ إلا حقاً. فقام سيدنا أبو بكر رضي الله عنه إلى ابتنه ليضربها، فاحتَمَتْ بظهر النبى صلي الله عليه وسلم الذى قال لأبى بكر: ” دعوناك محَّكماً ولم نَدْعُكَ مؤَدِّبا ، فاخرج فما لهذا دعوناك ” ، فلما خرج أبو بكر تنحَّت السيدة عائشة جانبا، فأراد النبى صلي الله عليه وسلم أن يلاطفها فقال لها :” ادْن منى ” ، فلم تقترب، فقال لها :” لقد كنتِ من قبلُ شديدة اللزوق بظهرى ” (يقصد أنها كانت منذ لحظات تحتمى بظهره خوفا من أبيها) فضحكت رضى الله عنها وضحك المصطفى صلي الله عليه وسلم ، ودخل عليهما الصديق رضي الله عنه وهما يضحكان فقال لهما : أَشْركانى في سِلْمكما كما أشرْكتمانى في حربكما . (أخرجه الإمام أحمد في مسنده) .
فاللهم احفظ بيوتنا من الفواحش ما ظهر منها وما بطن . اللهم آمين .

انتهت بفضل الله تعالي ورحمته

رابط الموضوع / 
https://up.top4top.net/downloadf-646mzi8z1-pdf.html


   

ليست هناك تعليقات: