الحمد لله رب
العالمين .. أكرم
الإنسانية ببعثة خير البرية (ﷺ) فقال تعالى}لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا
مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ
ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ (164){ ]آل عمران[
وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له ..له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. كرم نبيه
محمد (ﷺ) بالصلاة عليه فأمرنا أن نُصَلِّي ونُسَلِّم عليه فقال تعالى }
إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا (56){ ] الأحزاب[.
وأشهد أن سيدنا
محمد رسول الله (ﷺ) ... أرسله الله تعالى رحمةً للعالمينَ، ونجاةً لمن آمَن به من المتقينَ،
فهو عبدُ اللهِ ورسولُه، وصفيُّه ونجيُّه وخليلُه، وأمينُه على وحيه، وخِيرتُه من خَلقِه،
النبيُّ الرحيمُ، فتح الله به القلوب فانشرحت بالعلم والوقار، والآذان فزال عنها ثقل
الأوقار، أعلى الناس منزلةً وقدرًا، فتَح اللهُ به أَعُينًا عميًّا، وآذانًا صُمًّا،
وقلوبًا غُلفًا، صلى الله وسلم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه وأزواجه، خير الأمة سيرةً
ونهجًا، وأزكاهم برًّا وتقوى، والتابعينَ ومَنْ تَبِعَهم بإحسان، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
فاللهم صلى الله عليه
وعلى آله، وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا..
أما بعد..
فيا أيها المؤمنون..
إن الله تعالى
أكرمنا وشرفنا وميزنا على سائر الأمم من قبلنا بأن جعلنا من أمة النبي (ﷺ) ، فإن الحديث اليوم مختلف تماماً عن
أي يوم ،إنه الحديث عن أفضل مخلوق على وجه الأرض ، أنه الحديث عن رسول الله (ﷺ) ،
فالحديث عن رسول الله (ﷺ) له حلاوة تتذوقها القلوب المؤمنة، وتهفو إليها الأرواح الطاهرة،
وهو في ذاته قربة كبرى نتقرب بها إلى الله تعالى لنيل رضوانه ومثوبته جل وعلا.
إن مثلي ومثلك يا
رسول الله كمثل أعرابي ضل الطريق في الصحراء، فلما طلع عليه القمر اهتدى بنوره، فقال:
ماذا أقول لك أيها القمر؟
أأقول رفعك الله؟
لقد رفعك الله.
أأقول لك نوَّرك الله؟
لقد نورك الله.
أأقول جملك الله؟
لقد جملك الله.
وانا ماذا اقول لك
يا سيدي يا رسول الله؟
أأقول رفعك الله؟
لقد رفعك }وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ
(4)]{الشرح[
أأقول نورك الله؟
لقد نورك } قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ
نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ(15){.
أأقول جملك الله؟
لقد جملك }يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ
إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا (45)
وَدَاعِيًا
إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا (46){ ]الأحزاب[.
فالحديث عن رسول
الله (ﷺ) يتناول هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ فضل
النبي (ﷺ) ومكانته .
2ـ
واجب الأمة تجاه النبي (ﷺ).
3ـ فضل
الصلاة على النبي (ﷺ).
4ـ
مواطن الصلاة على النبي (ﷺ).
5ـ
كيفية الصلاة على النبي (ﷺ).
6ـ
الخاتمة.
====================
العنصر
الأول : فضل النبي (ﷺ) ومكانته :
اعلموا أن لرسول الله
(ﷺ) فضلاً عظيماً، فهو أسوةٌ حسنةٌ لكل المسلمين،
فبكرامته وشرف منزلته عند الله عز وجل كنا خير أمة أخرجت للناس، فهو رسولٌ رحيمٌ بنا،
تَوّج الله به الزمان وختم به الأديان، قضى كل وقته يدعو أمته إلى الهداية، ذلكم هو
نبي هذه الأمة صاحب اللواء المعقود والحوض المورود ، والمقام
المحمود، وصاحب الفضل العظيم ، الذي أخبرنا عن فضله وفضل أمّته ، فعن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): }أنا سيد
ولد آدم يوم القيامة، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما نبي يومئذ من آدم فمن سواه إلا
تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر{ ]أخرجه مسلم[ .
كما أخبرنا أيضا (ﷺ)
}بأنه أول من يؤذن له بالسجود
يوم القيامة، وأول نبي يقضى بين أمته يوم القيامة، وأولهم جوازا على الصراط بأمته،
وأول من يدخل الجنة بأمته، وهو الذي يشفع في رفع درجات أقوام في الجنة لا تبلغها أعمالهم،
ويشفع في أقوام قد أُمِر بهم إلى النار فيخرجهم منها{
أعلى اللهُ مقامَه،
وشرَح صدرَه، ووضَع وِزرَه، ورفَع ذِكرَه، فَضْلُهُ
صلى الله عليه وسلم على الأمةِ عظيمٌ؛ فَبِهِ هدانا اللهُ إلى الصراط المستقيم، وأنقَذَنا
به من عذاب الجحيم؛ قال تعالى:}لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128){ [التَّوْبَةِ].
نبيّ بهذه الصفات
وبهذه المنزلة لجدير أن يقدَّم قوله على كلّ مخلوق، وأن يجعل حبّه فوق حبّ النفس والمال
والولد، وأن تجنّد النفوس والأموال لنصرة شريعته ونشرها بين الناس كما فعل السلف الصالح.
قال ابن عباس رضي
الله عنهما: "ما خلَق اللهُ وما ذرَأ وما برَأ نفسًا أكرمَ عليه من نبينا محمد
(ﷺ) ، وما سمعتُ اللهَ أقسَم بحياةِ أحدٍ غيرِه"، يريد قولَه تعالى: }لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ
يَعْمَهُونَ(72){ [الْحِجْرِ].
العنصر
الثاني : واجب الأمة تجاه النبي (ﷺ):
إن حقوق النبي (ﷺ)على
أمته كثيرة وهي حقوق يجب على كل فرد من أفراد الأمة الإسلامية معرفتها والعمل بها وتطبيقها
قولاً وعملاً ، إذ كيف يَدَّعي مسلم حب النبي (ﷺ) ثم لا يقوم بما هو مطلوب منه تجاه
من يُحِب ، ثم ينبغي أن يطبق المسلم قول نبيه
(ﷺ) في كل ما يقول ويأمر به من غير هوادة ولا تكاسل ، والخير كل الخير فيما
يأمر به عليه الصلاة والسلام أو يحث أمته عليه ، والشر كل الشر في مخالفة أمره ونهيه
وقد حذر المولي عز وجل من مخالفة أمر نبيه (ﷺ) فقال تعالي }فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(63){ . ]النور[ .
والواجب تجاه النبي
(ﷺ) ليس مِنَّةً ولا نافلة ولا أمرا ثانويا إنما هو دين ندين به لله تعالي نُسْأل عنه
يوم القيامة من هذا الواجب :
1ـ
الإيمان به (ﷺ):
فالإيمان به (ﷺ) من
أركان الإيمان التي يجب على المسلم الإيمان بها، ومن هذه الأركان الإيمان بالرسل ،
وهو (ﷺ) رسول من أولئك الرسل عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، قال الله تعالى }
فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلۡنَاۚ
وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ (8){ ]التغابن[ .
وقال تعالى : }فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ
ٱلۡأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمۡ
تَهۡتَدُونَ (158){ ]الأعراف[ .
وقال تعالى: }
ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ
ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ
أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ
ٱلۡمَصِيرُ (285){ ] البقرة[
ومن الإيمان به (ﷺ) التصديق الجازم الذي لاشك فيه بأن رسالته ونبوته
هي حق من عند الله تعالى ، والعمل بمقتضى ذلك ، والتصديق بأن كل ما جاء به من الدين
وما أخبر به عن الله تعالى حق صحيح ، ولابد من تصديق ذلك بالقلب واللسان ، فلا يكفي
الإيمان به باللسان ، والقلب منكر لذلك ، قال تعالى:} يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ
ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ( 136){ ]النساء[ .
فالإيمان به (ﷺ) وبرسالته
وبكل ما أخبر به من الأمور التي وقعت والتي لم تقع مما أطلعه الله عليه الإيمان بذلك
كله واجب حتى يكمل إيمان المرء ولقد بشر النبي (ﷺ) من آمن به ولم يره بشّره بطوبى وهي
شجرة في الجنة ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): }طوبى لمن آمن بي ورآني مرة ، وطوبى لمن آمن بي
ولم يرني سبع مرات{.]السلسلة الصحيحة [
فمن شك في نبوته أو
رسالته فهو كافر، لأن الأدلة ثابتة مستفيضة مجمع عليها بين أهل العلم .
2ـ محبته (ﷺ):
وهذا حق من حقوقه
(ﷺ) على أمته ، وواجب عليهم أيضاً ، فينتفي الإيمان بعدم محبة النبي (ﷺ) ، فقد أوجب
الله محبة نبيه في كتابه العزيز ، فقال تعالى :
} قُلۡ
إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ
وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ
أَحَبَّ إِلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٖ فِي سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ
حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ
(24) { ]التوبة[.
وقال صلي الله عليه
وسلم : }لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب
إليه من والده وولده والناس أجمعين{ ]البخاري[
ولما سمع سيدنا عمر
رضي الله عنه هذا الحديث قال للرسول (ﷺ) لأنت أحب إلي من كل شيء إلاّ نفسي ، فقال
: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك ، فقال له عمر : فإنك الآن والله أحب
إلي من نفسي ، فقال (ﷺ): }الآن ياعمر{ أي الآن صدقت وحققت الإيمان
الكامل بمحبتك لنبيك .
وبمحبته (ﷺ) يتذوق
العبد حلاوة الإيمان ، قال (ﷺ): }ثلاث من
كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء
لا يحبه إلاّ لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف
في النار { ] البخاري [.
ومن محبته (ﷺ) إيثار
ما يحب (ﷺ)على ما يحب العبد ، ومحبة ما جاء به والدعوة إليه ومحبة أهل بيته وصحابته
رضوان الله عليهم.
ومن محبته كثرة ذكره
عليه الصلاة والسلام ،والشوق إلى لقاءه ، قال (ﷺ): } يا أبا أمامة
إن من المؤمنين من يلين لي قلبه{ ]رواه أحمد[
ومعنى ذلك أن من المؤمنين
من يسكن قلبه ويميل للنبي (ﷺ) بالمودة والمحبة ، وما ذاك إلا بإخلاص الاتباع له (ﷺ)
دون سواه من البشر.
وقد سُئِل علي رضي
الله عنه كيف كان حبكم لرسول الله (ﷺ)؟، قال: " كان والله أحب إلينا من أموالنا
وأولادنا، وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ ".
وهذا ثوبان رضي الله
عنه كان شديد الحب لرسول الله (ﷺ)، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغيَّر لونه
يُعرف الحزن في وجهه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم :ما غيَّر لونك؟
فقال: يا رسول الله،
ما بي مرض ولا وجع، غير أنّي إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة
فأخاف أني لا أراك، لأنك تُرفَع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة في منزلة أدنى من منزلتك،
وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدًا، فنزلت هذه الآية ....
قال الله تعالى: { وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ
أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ
وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا(69)}]النساء[
ومن دليل محبته
طاعته (ﷺ):
قال الشاعر:
تعصي
الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمرك في القياس
بديع
لوكان
حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب
مطيع
3ـ طاعته صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره :
طاعته (ﷺ) واجبة بكتاب
الله عز وجل ، قال تعالى:}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) { ]محمد[ .
وقال تعالى:}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20){ ]الأنفال[ .
قال ابن كثير رحمه
الله تعالى : في تفسير هذه الآية : ( يأمر تعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله
(ﷺ) ، ويزجرهم عن مخالفته والتشبه بالكافرين به والمعاندين له ، وأن لا يتركوا طاعته
(ﷺ) ، بل امتثلوا أمره ، واتركوا زواجره بعدما علمتم ما دعاكم إليه من الحق )
فالواجب على المؤمن
طاعة النبي (ﷺ) فيما أحل وما حرم فما أحله فهو حلال وما حرمه فهو حرام يجب الابتعاد
عنه كما قال عليه الصلاة والسلام }ألا إن
ما حرّم رسول الله مثل ما حرَّم الله{ [ رواه الحاكم والترمذي وابن ماجه بسند صحيح].
ومما يدل على عظم
شأن طاعته (ﷺ) أن الله جلت قدرته قد قرن طاعته سبحانه بطاعة نبيه (ﷺ) فقال تعالى :} مَنْ
يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَنْ تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ
عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80){ ]النساء[ .
وقال (ﷺ):}من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله{ [في الصحيحين] .
ولابد من الحذر كل
الحذر من مخالفة أمره (ﷺ) فإن ذلك مما يحبط الأعمال ويوجب النيران فقد قال تعالى :}وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ
فِيهَا أَبَدًا(23){ ]الجن[ ،
وقال تعالي }وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ
مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ
مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا(115){ ]النساء[ .
ومن طاعته صلي الله
عليه وسلم التمسك بسنته وما أمر به واجتناب ما نهى عنه والابتعاد عنه والاهتداء بهديه
في كل مناحي الحياة، قال تعالى }وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7){ ]الحشر[
وقال (ﷺ):}إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ،وما نهيتكم عنه فانتهوا {
[ مسلم ] .
4ـ نصرته
(ﷺ) والغيرة علي دينه:
إنَّ الغيرةَ على
دينِ الله وحُرما ته، من صفاتِ المؤمنين الأعزاء،
فهي من مقتضياتِ الإيمان، تقوى بقوته وتضعفُ بضعفه ، وتفقدُ الغيرة حيثُ لا يكون القلبُ مؤمناً، وفي الحديث قال رسول الله (ﷺ)
} المؤمنُ يغارُ واللهُ أشدُّ
غيرة {،
ومن الغيرة علي الدين
الذبُ عن الإسلام والدفاع ، والرد على أهل الباطل الذين يُريدون خدش كرامة المسلمين،
والنيل من رسول الله (ﷺ).
قال زيدُ بنُ ثابت: بعثني
رسُولُ اللهِ (ﷺ) يوم أُحُدٍ أطلُب سعدَ بنَ الرَّبيعِ،
فقال لي: }إنْ رَأَيْتَهُ فأقرئه منِّى السَّلاَمَ، وقُلْ لهُ: يقولُ
لَكَ رسُولُ الله (ﷺ): كَيْفَ تَجِدُكَ ؟
قالَ: فجعلتُ أطوفُ
بَيْنَ القَتْلَى، فأتيتُه، وهو بآخِرِ رَمَق، وفيه سبعونَ ضربةً، ما بين طعنةٍ برُمح،
وضربةٍ بسيف، ورميةٍ بسهم، فقلت: يا سعدُ؛ إنَّ رسولَ الله (ﷺ)
يقرأ عليكَ السَّلامَ، ويقول لك: أخبرني كيف تَجِدُكَ
؟ فقال: وعلى رسولِ الله (ﷺ) السلامُ ، قل له: يا رسُولَ اللهِ؛
أَجِدُ ريحَ الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عُذْرَ لكم عند الله إن خُلِصَ إلى رَسُولِ
اللهِ (ﷺ)، وفيكم عَيْنٌ تَطْرِفُ، وفاضَتْ نفسُهُ من وقته{.
وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه : روى عروة بن الزبير
قال: سأَلت عبد اللّه بن عمرو بن العاص قلت: أَخبرني بأَشد شيءٍ رأَيتَه صنعه المشركون
برسول الله (ﷺ)، قال: أَقبل عقبة بن أَبي مُعَيْط، ورسولُ الله (ﷺ) يصلي عند الكعبة،
فلوى ثوبه في عُنُقِه فخنقه خنقًا شديدًا، فأَقبل أَبو بكر، فأَخذ مَنْكِبَه فدفعه
عن رسول الله (ﷺ)، ثم قال أَبو بكر: يا قوم، أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يقولَ رَبِّي
اللّهُ وَقَدْ جَاءَكمْ بالبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُم.
وكان أول
خطيب يدعو إلى الله، وما إن قام ليتكلم، حتى هجم عليه المشركون من كل ناحية، وأوجعوه
ضرباً حتى كادوا أن يقتلوه ..
وقد ذكر
ذلك الموقف ابن كثير في البداية والنهاية عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما اجتمع
أصحاب النبي (ﷺ) وكانوا ثمانية وثلاثين رجلا، ألحَّ أبو بكر على رسول الله (ﷺ) في الظهور،
فقال: يا أبا بكر إنا قليل، فلم يَزَلْ أبو بكر يُلِحُّ حتى ظَهَر (وافق) رسولُ الله
(ﷺ)، وتفرَّق المسلمون في نواحي المسجد كل
رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيباً، ورسول
الله (ﷺ) جالس، فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله (ﷺ)، وثار المشركون على أبي
بكر وعلى المسلمين فَضُرِبُوا في نواحي المسجد ضرباً شديدا، وَوُطِئَ أبو بكر وضُرِبَ
ضرباً شديدا، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين وَيُحَرِّفُهُمَا
لوجهه، ونزا (وثب) على بطن أبي بكر حتى ما يُعْرَفُ وَجْهُهُ من أنفه.
وجاء بنو
تَيْمٍ يَتَعَادَوْن (يسرعون) فَأَجْلَتِ (أبعدت) المشركين عن أبي بكر، وحملت بنو تيم
أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله ولا يشُكَّون في موته، ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد
وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلنَّ عتبة بن ربيعة، فرجعوا إلى أبي بكر، فجعل أبو
قحافة (والد أبي بكر) وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب، فتكلم آخر النهار فقال: ما
فعل رسولُ الله (ﷺ) (يطمئن عليه)؟ فَمَسُّوا منه بألسنتهم وعذلوه (لاموه)، ثم قاموا
وقالوا لأمه أُمِّ الْخَيْر: انظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه؟ فلما خلت به ألحت
عليه وجعل يقول: ما فعل رسول الله (ﷺ)؟ فقالت: والله مالي علم بصاحبك، فقال: اذهبي
إلى أم جميل بنت الخطاب (أخت عُمر، وكانت تُخفي إٍسلامها) فاسأليها عنه، فخرجت حتى
جاءت أمَّ جميل فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله؟ فقالت: ما أعرف أبا بكر
ولا محمد بن عبد الله، وإن كنتِ تحبين أن أذهب معك إلى ابنك، قالت: نعم. فمضت معها
حتى وجدت أبا بكر صَرِيعاً دَنِفًا (شديد التعب والمرض)، فدنَتْ أمُّ جميل وأعلنت بالصِّياح
وقالت: والله إن قوماً نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم،
قال: فما فعل رسولُ الله (ﷺ)؟ قالت: هذه أمك تسمع، قال: فلا شيء عليك منها، قالت: سالم
صالح، قال: أين هو؟ قالت: في دار ابن الأرقم، قال: فإن لله عليَّ أن لا أذوق طعاماً
ولا أشرب شراباً حتى أرى رَسُولَ الله (ﷺ) ، فَأَمْهَلَتا حَتَّى إذا هَدَأَتِ الرِّجْلُ
وَسَكَن النَّاس، خرجتا به يتكئ عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله (ﷺ)، قال فأكبَّ
(انحنى) عليه رسول الله (ﷺ) فقبَّله وأكبَّ عليه المسلمون، ورقَّ له رسول الله (ﷺ)
رِقَّةً شديدة، فقال أبو بكر: بأبي وأمي يا رسول الله، ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق
من وجهي، وهذه أُمِّي بَرَّةٌ بِوَلَدِها، وأنتَ مبارك فادعها إلى الله، وادع الله
لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار، قال: فدعا لها رسول الله (ﷺ) ودعاها إلى الله
فأسلمت".
ولقد ظهرت
في غزوة أُحُد صور كثيرة من حب الصحابة الشديد للنبي (ﷺ) ، فحينما حاصر المشركون رسول
الله (ﷺ) سارع الصحابة إليه، وأقاموا حوله سياجاً بأجسادهم وسلاحهم، وبالغوا في الدفاع
عنه، فقام أبو طلحة يسور نفسه بين يدي رسول الله (ﷺ) ويرفع صدره ليقيه من سهام العدو،
ويقول:" نحري دون نحرك يا رسول الله " .
ومالك بن سنان رضي الله عنه يمتص الدم من وجنته (ﷺ) حتى أنقاه .
وظهرت كذلك صور من صور الحب الشديد من نساء الصحابة رضوان الله عليهم للنبي (ﷺ).
جاءت أم سعد بن معاذ، وهي كبشة بنت رافع رضي الله عنها تعدو نحو رسول الله (ﷺ) وقد وقف على فرسه، وسعد بن معاذ آخذ بعنان فرسه، فقال سعد: " يا رسول الله! أمّي!، فقال: مرحبا بها، فدنت حتى تأملت رسول الله (ﷺ) وقالت: أما إذ رأيتُك سالما فقد أشوت (هانت) المصيبة، فعزّاها رسول الله (ﷺ) بعمرو بن معاذ ابنها، ثم قال: ( يا أمّ سعد، أبشري وبشّري أهليهم: أنّ قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعا، وقد شفّعوا في أهليهم، قالت: رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟، ثم قالت: يا رسول الله ادع لمن خلّفوا فقال: اللهم أذهب حزن قلوبهم، واجبر مصيبتهم، وأحسن الخلف على من خُلّفوا ) .
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: ( مرَّ رسول الله (ﷺ) بامرأة من بني دينار وقت أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله (ﷺ) في أُحُد، فلما نُعوا لها قالت: ما فعل رسول الله (ﷺ) ؟، قالوا: خيراً يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، قال: فأشير لها حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جَلل (صغيرة) ) .
ما حدث مِن الصحابة ونساءهم في غزوة أحد ما هو إلا تَعبِيرٌ عمَّا تُكِنُّه قلوبهم مِن عظيم محبتهم وتوقيرهم للنبي (ﷺ)، وما ذلك بِغَرِيبٍ عليهم، وذلك لمعرفتهم قدر ومنزلة وحقَّ النبي (ﷺ)، الذي بعثه الله عز وجل رَحمَةً لهم وللعالمين، قال الله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }] الأنبياء[ .
عبر أبو سفيان بن حرب عن حب الصحابة للنبي (ﷺ) فقال: "مَا رَأَيتُ مِنَ الناسِ أَحداً يُحِبُّ أَحَداً كَحُبِّ أَصحَابِ محمدٍ محمداً "
وكيف لا َتمتَلِئُ صُدُورُهُم تعظيماً وتوقيراً وحباً له (ﷺ) ، وقد رأوا الحصى والحجر يسلم عليه، والجِذعُ يحن إليه، والجَمَلُ يشكو له، والحَصَى يسبح بَينَ أَنَامِلِهِ، والماء ينبع مِنْ بَينِ أَصابعه، والشَّجَرَةُ تنقاد إليه؟، ويشهد له العدو والصديق بعظيم خلقه، وجميل شمائله، وحسن سيرته، وهو الذي زكاه ربه عز وجل فقال عنه: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4) }]النَّجم [ وقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4)}]القلم[ صلوات الله وسلامه عليه ..
5ـ توقيره عليه الصلاة والسلام وتعظيم شأنه:
توقيره من آكد حقوقه (ﷺ)على أمته قال تعالى :}إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(9){ ]الفتح [.
فيجب توقيره
عليه الصلاة والسلام وإجلاله وتعظيمه كما ينبغي له ذلك على ألا يُرفع إلى مقام العبودية
فإن ذلك محرم لا يجوز ولا ينبغي إلا لله عز وجل.
ومن توقيره
عليه الصلاة والسلام تعظيم شأنه احتراماً وإكباراً لكل ما يتعلق به من اسمه وحديثه
وسنته وشريعته وآل بيته وصحابته رضوان الله عليهم وكل ما اتصل به عليه الصلاة والسلام
من قريب أو بعيد .
فيُرفع
من قدره (ﷺ) حتى لا يساويه ولا يدانيه أحد من الناس .
فمن توقيره عليه الصلاة
والسلام عدم التقدم بين يديه مصداقاً لقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1){ ]الحجرات [
أي لا تقولوا قبل
قوله وإذا قال فاستمعوا له وأنصتوا، فلا يحل لأحد أن يسبقه بالقول ولا برأي ولا بقضاء
بل يتعين عليهم أن يكونوا تابعين له عليه الصلاة والسلام .
وقال جل شأنه :}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا
أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ
بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2){ ]الحجرات[.
فهذا نهي من الله
عز وجل بعدم رفع الصوت عند مخاطبة النبي (ﷺ) ولا يجهر المخاطب له بالقول بل يخفض الصوت
ويخاطبه بالأدب ولين الجانب ويخاطبه بالتعظيم والتكريم والإجلال والإعظام .
فلا يكون الرسول (ﷺ)
كأحدهم بل يميزونه في خطابهم كما تميز عن غيره في وجوب حقه على الأمة ووجوب الإيمان
به والحب الذي لا يتم الإيمان إلا به .
فإن في عدم القيام
بذلك محذوراً خشية أن يحبط عمل العبد وهو لا يشعر كما أن الأدب معه من أسباب حصول الثواب وقبول الأعمال .
وقال العلماء : يكره
رفع الصوت عند قبره (ﷺ)كما يكره في حياته لأنه محترم حياً وميتاً .
وكان سيدنا عمر
بن الخطاب يحرص على تعليم الناس تعظيم النبي (ﷺ) ميتاًّ كتعظيمه حياًّ وذلك من
تمام وفائه للنبي (ﷺ) .
عن السائب بن يزيد الصحابي رضي الله عنه قال: كنت في المسجد فَحَصَبَنِي رَجُل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: اذهب فَأتِنِي بِهذَينِ، فَجِئْتُهُ بهما، فقال: من أين أنتما؟ فقالا: من أهل الطائف، فقال: لو كُنْتُمَا من أهل البلد، لأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَان أصْوَاتَكُما في مسجد رسول الله (ﷺ)!
وإنما كان النهي عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه (ﷺ) فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري .ثم امتدح الله عز وجل من غض صوته عند رسول الله (ﷺ) وندب إلى ذلك في قوله تعالى : }إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3){ ]الحجرات[
فأولئك اختبر الله قلوبهم وامتحنها وابتلاها للتقوى فظهرت نتيجة ذلك بأن قلوبهم أذعنت لأمر الله وأخلصت وكانت أهلاً ومحلاً للتقوى فكانت العاقبة لهم بالبشرى
من الله العلي القدير بأن بشرهم بالمغفرة لذنوبهم ، وحصول الأجر العظيم الذي لا يعلمه إلا رب الأرباب ومسبب الأسباب ، الذي بيده مفاتيح كل شئ وخزائن السموات والأرض ، فكان ذلك جزاءهم جزاءً وفاقاً .
فمن لازم أمر الله عز وجل واتبع رضاه وسارع إلى ذلك وقدمه على هواه ومحص قلبه للتقوى فصار قلبه صادقاً ، ومن لم يكن كذلك علم أنه لا يصلح للتقوى .
ومن تعظيمه وتوقيره (ﷺ) عدم ندائه باسمه مجرداً فلا يقال :(يا محمد) ، بل يقال:( يا نبي الله ) ( يا رسول الله ) ، قال تعالى : }لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ۚ(63){ ]النور[
فهذا نهيٌ منه سبحانه وتعالى بعدم نداء نبيه (ﷺ) باسمه مجرداً لأن ذلك من سوء الأدب معه (ﷺ) ..
ومن تعظيمه (ﷺ) تعظيم حديثه فيحترم كلامه عليه الصلاة والسلام فقد روي عن جعفر بن محمد الصادق وكان كثير الدعابة والتبسم أنه إذا ذكر عنده النبي (ﷺ) اصفر وجهه وما رؤي يحدث عن رسول الله (ﷺ) إلا على طهارة .
وكان بن مسعود رضي الله عنه إذا حدث عن رسول الله (ﷺ) علاه كرب وتحدر العرق من جبينه رضي الله عنه وأرضاه .
وقد كان الإمام مالك رحمه الله تعالى أشد تعظيما لحديث رسول الله (ﷺ)، فكان إذا جلس للفقه جلس كيفما شاء ، وإذا أراد الجلوس للحديث اغتسل وتطيب ولبس ثياباً جديدة وتعمم وقعد على منصته بخشوع وخضوع ووقار ، ويبخر المجلس من أوله إلى فراغه تعظيماً للحديث.
ومن تعظيم آثاره (ﷺ) أنه كانت لأبي محذورة قُصة في مقدم رأسه إذا جلس وأرسلها وصلت إلى الأرض فقيل له : ألا تحلقها ؟
قال : لم أكن بالذي يحلقها وقد مسها رسول الله (ﷺ) بيده .
ومن حقه على أمته أن يصلوا ويسلموا عليه (ﷺ)، كما أمر الله تعالى قال تعالى : }إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56){ ]الأحزاب [ .
قال بن كثير في تفسير هذه الآية : [ أي أن الله تعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يُثْنِي عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة
تُصَلِّي عليه ثم أمر أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع عليه الثناء عليه من أهل العالَمْينِ : العلوي والسفلي جميعاً ] انتهى .
قال أبو العالية رحمه الله: "صلاةُ اللهِ: ثناؤُه عليه عندَ الملائكةِ، وصلاةُ الملائكةِ الدعاءُ".
فالصلاة والسلام عليه واجبة على كل مؤمن ومؤمنة لما في ذلك من الأجر
العظيم من الله جل وعلا ، ولما في ذلك أيضاً من طاعة لله تعالى عندما أمر المؤمنين بالصلاة والسلام عليه .
ولا يقتصر الإنسان على الصلاة أو التسليم بل يجمع بينهما ، فلا يقول : صلى الله عليه فقط , ولا عليه السلام فقط , هكذا قاله النووي رحمه الله , وقال : إذا صلي على النبي (ﷺ) فليجمع بين الصلاة والتسليم أي ليقل عليه الصلاة والسلام مصداقاً لقوله تعالى :} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56){ ]الأحزاب [.
عن فضالة بنى عبيد رضي الله عنه قال :سمع رسول الله (ﷺ) رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي فقال رسول الله (ﷺ): عجل هذا ، ثم دعاه فقال له أو لغيره : }إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد الله عز وجل والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي ثم ليدع بما شاء { [ رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وبن خزيمة وبن حبان وهو صحيح ] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ) }رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصلي علي { [ الترمذي وهو صحيح ] . " أي: لصق أنفه بالتراب ذلًّا وهوانًا"
وروى الإمام أحمد عن علي بن الحسين عن أبيه أن رسول الله (ﷺ) قال }البخيل من ذكرت عنده ثم لم يصل علي { [ رواه الترمذي] .
فاللهم صلي وسلم وزد وبارك على نبينا محمد ما غرد طير وصاح ، وصلي على محمد ما أظلم ليل وأشرق صباح .
فالصلاة على النبي (ﷺ) أداءٌ لبعض حقه، وتذكيرٌ بواجب محبتِه، ومتابعةِ شريعتِه، وزيادةٌ في الحسنات، وتكفيرٌ للسيئات، ورفعٌ للدرجات.
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "إنَّ الصلاةَ عليه (ﷺ) أداءٌ لأقلِّ القليلِ مِنْ حقِّه، وشكرٌ له على نعمتِه، التي أنعَم اللهُ بها علينا، مع أنَّ الذي يستحقُّه من ذلك، لا يُحصى
عِلمًا ولا قُدرةً ولا إرادةً، ولكنَّ اللهَ سبحانه لكَرَمِه، رَضِيَ من عباده باليسير مِنْ شُكرِه وأداءِ حقِّه".
العنصر الثالث : فضل الصلاة على النبي (ﷺ):
إِنَّ المُسْتَفِيدَ مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ (ﷺ) هُوَ المُصَلِّي عَلَيْه وذلك لهذه الأشياء:
1ـ صلاة الله تعالى وملائكته على العبد :
ففي سنن النَّسائي: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) ، جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالْبُشْرَى فِي وَجْهِهِ، فَقُلْنَا: إِنَّا لَنَرَى الْبُشْرَى فِي وَجْهِكَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ أَتَانِي الْمَلَكُ، أَيْ: جِبْرِيْلُ عَلِيْهِ الْسَّلامُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ: أَمَا يُرْضِيكَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْكَ أَحَدٌ، إِلَّا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا، وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا" فعظَّم سبحانه، أجرَ الصلاة على رسوله، وضاعَف ثوابَها، وكرَّم أصحابَها، في الدنيا والآخرة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول اللهِ ﷺ قال: }مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا{. ]رواهُ مسلم[.
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله (ﷺ) يقول} من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً { [ رواه مسلم ]
وعن عامر بن ربيعةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النبيَّ ﷺ يقول: }مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إِلَّا صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا دام يصَلَّى عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ{. ]أخرجَهُ أحمدُ بإسنادٍ حسن[.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:}مَنْ صَلَّى عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ وَمَلَائِكَتُهُ سَبْعِينَ صَلَاةً، فَلْيُقِلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ{ ]أخرجَهُ الإمامُ أحمد، وصحَّحَهُ الشيخُ شاكر[
2ـ الفوز بشفاعة النبي (ﷺ):
مَنْ أراد أن يفوز بشفاعته، فليُكثِرْ من الصلاة عليه؛ فأَوْلَى الناس بالنبي (ﷺ) يومَ القيامة، هم أكثرُهم عليه صلاةً في الدنيا، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ (ﷺ) يَقُولُ: }إِذَا سَمِعْتُم الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ{. ]رواهُ مُسلم[.
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): }مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْرًا وَحِينَ يُمْسِي عَشْرًا أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ{. ]أخرجَهُ الطبرانيُّ بإسنادٍ صحيحٍ كما في «صحيح الجامع»[.
وَعَنْ رُوَيْفِعِ
بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قال: قالَ رسولُ الله (ﷺ):}مَن صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَقَالَ: اللهم أَنْزِلْهُ
الْمَقْعَدَ الْمُقَرَّبَ عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي{
]أخرجهُ أحمد، والطبرانيُّ في «الكبيرِ»
و«الأوسط»، وأخرجَهُ البزَّارُ، وأسانيدُهُم حسنة[.
وعن ابن مسعود رضي
الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال: }أولى الناس بي يوم القيامة
أكثرهم علي صلاة { [ الترمذي
وهو حسن صحيح ] .
3ـ غفران الذنوب وتفريج الكروب :
عن أُبيِّ بن كعبٍ
رضي الله عنه- قال: كان رسولُ اللهِ (ﷺ) إذا
ذهب ثُلُثَا الليل؛ قامَ فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتِ
الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ
بِمَا فِيهِ». قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ
عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي أي: مِن دُعَائي، أي كَم أَجْعَلُ لَكَ
مِنْ دُعَائِي صَلَاةً عَلَيْكَ-؟
فَقَالَ: «مَا شِئْتَ».
قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟
قَالَ: «مَا شِئْتَ،
فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ».
قُلْتُ: النِّصْفَ؟
قَالَ: «مَا شِئْتَ،
فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ».
قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟
قَالَ: «مَا شِئْتَ
فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ».
قَالَ: قُلْتُ: أَجْعَلُ
لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا أي دُعَائي كُلَّهُ لِنَفْسِي وأَهْلِي وَوُلْدِي وَمَالِي.
قَالَ: }إِذن تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ{. ]أَخَرْجَهُ
الإمامُ أحمد والترمذيُّ، وصَحَّحَهُ غيرُ واحدٍ[
وقال ابن تيمية رحمه الله "لأن من صلى على النبي (ﷺ) صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا، ومن صلى الله عليه كفاه همه، وغفر له ذنبه"
4ـ طُهرة من لغو الحديث :
المجالسُ التي لا
يُذكَر اللهُ تعالى فيها، ولا يُصلَّى على رسوله (ﷺ)، تكون حسرةً وندامةً على أصحابها،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه : قَالَ النَّبِيُّ (ﷺ): }مَا جَلَسَ
قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ،
إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ{ [ الترمذي وابن ماجة بإسناد صحيح ] .
ومعنى تِرَة: يعني حسرةً وندامةً، فطَيِّبوا مجالِسَكم بذِكْر رَبِّكُم، والصلاةِ على نبيِّكم، واقتَدُوا بهديه وسُنَّتِه، وأخلاقِه وشمائلِه، تفوزوا بالحياة الطيِّبة، والنعيم المقيم في الآخرة.
وعن جابرٍ رضي اللهُ
عنه، قال: قال رسولُ اللهِ (ﷺ): }مَا اجْتَمَعَ
قَوْمٌ ثُمَّ تَفَرَّقُوا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ وَصَلاةٍ عَلَى النَّبِيِّ (ﷺ)،
إِلا قَامُوا عَنْ أَنْتَنَ مِنْ جِيفَةٍ{.
5ـ من
أسباب إجابة الدعاء:
المسلم يَجمَع بينَ
الصلاة على النبي (ﷺ) والدعاء، فالصلاة على النبي من أسباب إجابة الدعاء.
عن عليِّ بن أبي طالبٍ
رضي اللهُ عنه قال: }كُلُّ دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ
حَتَّى يُصَلَّى عَلَى النَّبيِّ (ﷺ){. ]أخرجَهُ الطبرانيُّ في «الأوسطِ»، وحسَّنَهُ
الألبانيُّ في «صحيحِ الجامعِ»[.
6ـ
سببٌ لعرضِ اسمِ المُصلِّي على رسولِ اللهِ (ﷺ):
إنَّ من فضل الله
تعالى على عباده وإجلال منزلة رسوله أن سخَّر ملائكة سياحين ، فلا يُصلِّي ويُسلِّم
على النبي (ﷺ) أحدٌ من أمته إلا بلغوا النبيَّ (ﷺ) صلاتَه وسلامَه ، وإِنْ بَعُدَ مكانُه، وتباعَد زمانُه،
فعن ابن مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النبيِّ (ﷺ) قال: }إنَّ للهِ تَعَالَى مَلائِكَةً
سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِن أُمَّتِي السَّلَامَ{. ]أخرجَهُ أحمد والنسائيُّ بإسنادٍ صحيحٍ[.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ (ﷺ): }أَكْثِرُوا الصَّلاَةَ عَلَيَّ، فَإِنَّ اللهَ
وَكَّلَ بِي مَلَكاً عِنْدَ قَبْرِي، فَإِذَا صَلَّى عَلَىَّ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي،
قَالَ لِي ذَلِكَ الْمَلَك: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ فُلاَنَ ابْنَ فُلاَنٍ صَلَّى عَلَيْكَ
السَّاعَةَ{. ]أخرجَهُ الديلميُّ في «مُسندِ الفردوسِ»،
وصحَّحَهُ الألبانيُّ في «السلسلةِ الصحيحة»[.
وَعَنْ عَمَّار بْنِ
يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): }إِنَّ لِلَّهِ مَلَكًا أَعْطَاهُ سَمْعَ الْعِبَادِ،
فَلَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إِلا أَبْلَغَنِيهَا، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي
أَنْ لا يُصَلِّيَ عَلَيَّ عَبْدٌ صَلاةً إِلا صَلَّى عَلَيْهِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا{. ]أخرَجَهُ الطبرانيُّ والبزَّارُ، وحسَّنَهُ
في «السلسلةِ الصحيحة»[.
وجاءت السنة المباركة
تؤكد الصلاة على النبي (ﷺ) يوم الجمعة وليلتها، فإن العمل الصالح يزيد ثوابه بفضل وقته،
فعن أوس بن أوس :، قال (ﷺ) :}إِنَّ مِنْ
أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ
النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ
صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: وَكَيْفَ تُعْرَضُ
صَلَاتُنَا عَلَيْكَ، وَقَدْ أَرِمْتَ، قَالَ: يَقُولُونَ: بَلِيتَ، فَقَالَ: إِنَّ
اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ{.] رواه
أبوداود[
7ـ دعاء يدعو به النبي (ﷺ) ويؤمن عليه جبريل عليه السلام :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) صعد المنبر فقال: }آمين، آمين، آمين، وفيه قال جبريل عليه السلام" ومَنْ ذُكِرْتُ عندَه فلم يصلِّ عليكَ فماتَ فدخل النار فأبعَدَه اللهُ، قل: آمين، فقلتُ: آمين{ ] صحيح ابن حِبَّانَ[
فما ظنُّكم، بدعاءٍ يدعو به جبريل عليه السلام ويؤمن عليه النبي (ﷺ) ؟
8ـ سبب في رَفْعٌ الدرجات ومحو السيئاتِ:
عن أبي طلحة الأنصاريِّ
رضي الله عنه قال: أصبحَ رسول الله (ﷺ) يومًا
طيِّبَ النَّفْس، يُرَى في وجهِهِ البِشْرُ، قالوا: يا رسول الله؛ أصبحتَ اليومَ طيِّبَ
النَّفْسِ، يُرَى في وجهِكَ البِشْرُ!!
قال: «أَجَل، أَتَانِي آتٍ مِنْ عِنْدِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ:
مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ مِنْ أُمَّتِكَ صَلَاةً؛ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ،
وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ، وَرَدَّ عَلَيْهِ
مِثْلَهَا». ]أخرجَهُ الإمامُ أحمد بإسنادٍ صحيح[
وعن أنس بن مالكٍ
رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ):}مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ
لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ{. ]أخرجَهُ أحمد والنسائيُّ بإسنادٍ صحيح[.
9ـ الدليل إلى الجنة :
عن ابن عباسٍ رضي
اللهُ عنهما، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (ﷺ):}مَنْ نَسِيَ
الصَّلاةَ عَلَيَّ خَطِئَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ{.
قوَّاهُ لشواهدِهِ
ابنُ حجرٍ وغيرُهُ، والنسيانُ هنا: التركُ؛ كقولِهِ تعالى في توبيخِ الفاجرِ: ﴿كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ
تُنسَىٰ(126)﴾ [طه]، وليس النسيانُ هاهنا الدهوش.
وعن أبي جعفرٍ محمد
بن عليٍّ الباقر رحمهُ الله، قال: قال رسولُ اللهِ (ﷺ): }مَن ذُكِرْتُ
عندهُ فلم يُصلِّ عليَّ؛ فقد خَطِئَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ{.
العنصر الرابع : مواطن
الصلاة على النبي (ﷺ):
هناك موَاطِنَ للصَّلاَةِ
عَلَى النَّبِيِّ (ﷺ) معروفة لدى البعض ومشهورة في السنة منها : عِنْدَ
التَّشَهُّدِ، و فِي صَلاَةِ الْجَنَازَةِ، أوْ فِي آخِرِ الْقُنُوتِ، وعِنْدَ
إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ، وعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، أَوْ الْخُرُوجِ مِنْهُ، وإِذَا
ذُكِرَ اسم النبي(ﷺ) وغير ذلك...
ولكن هذا لا يكفي
وإذا التزم المسلم بهذه المواطن وفقط يعد
من المقصرين في حق النبي (ﷺ) ويعتبر من أهل الجفاء لرسول الله (ﷺ).
ولكن على المسلم
أن يكون له حال مع رسول الله (ﷺ) كَأَنْ يصَلِّي عَلَيْهِ فِي بَيْتِه أَوْ
مَجْلِسِه، أوْ سُوقِه، أَوْ عَمَلِهِ ، أو في طريقه ، أو في أماكن الانتظار، أَوْ
مَا شَابَهَهَا، دُونَ أَنْ يحْتَاجَ إِلَى مُذَكِّرٍ لَه.
فالصلاة على
النبي (ﷺ) تؤدي بالعشيِّ والإبكارِ فهي من أعظم الأذكار، ويكون للمسلم ورد يومي من
الصلاة على رسول الله (ﷺ)، ويصلي عليه في أي وقت من ليل أو نهار وعلى أي حال.
للصلاة على النبي (ﷺ) صيغ كثيرة، جاءت بها السنة المطهَّرة، منها ما جاء في الصحيحين من حديث أبي حميد الساعدي، رضي الله عنه وأرضاه، أنهم قالوا: "أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (ﷺ) "قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بنِ عمروٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : قَد أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟
قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَالسَّلامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ». رَوَاهُ مُسْلِم.
وَزَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِيهِ: فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا فِي صَلاتِنَا؟
وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَمَّا السَّلامُ عَلَيْكَ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا فِي صَلاتِنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ؟
قَالَ: فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَحْبَبْنَا أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ: «إذَا أَنْتُمْ صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ فَقُولُوا: اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ».
وتحصل الصلاة على النبي (ﷺ) بأي لفظ أدَّى المراد، إذا كان المرء في غير صلاة، على ألَّا يكون فيها غُلوّ، ففي سنن ابن ماجه، قال (ﷺ): "أَيُّهَا النَّاسُ ، إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ".
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ) }لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فإنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولوا: عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ { ] صحيح البخاري[
الخاتمة ...
وفي الختام .. علينا أن نكثر من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله (ﷺ) حتى يشملنا الله تعالى بفضله وكرمه .
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ، وأن يوفقنا للصلاة والسلام على نبينا محمد(ﷺ) .
فاللهم كما آمنا به ولم نره فلا تفرق بيننا وبينه حتي تدخلنا مدخله .
اللهم أجزه عنا خير ما جزيت به نبیاً عن قومه ، ورسولا عن أمته ، برحمتك يا أرحم الراحمين.
الَّلهُمَّ أَوْرِدْنَا حَوْضَهُ وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهُ وَارزقنا شَفَاعَتَهُ وَاجْعَلْنَا فِي الجَنَّةِ بِجِوَارِهِ (ﷺ).
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صليتَ على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما باركتَ على آل إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدينَ، الأئمة المهديينَ؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وعنَّا معهم برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.
تمت
بفضل الله
==================
رابط doc
https://top4top.io/downloadf-2697n8tec2-docx.html
رابط pdf
https://top4top.io/downloadf-2697l4vum1-pdf.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق