الحمد
لله رب العالمين ..أنار الطريق لعباده
الصالحين فجعل العبيد ملوكا بطاعته، والملوك عبيدا بمعصيته ، فالعز كل العز في
طاعته والذل كل الذل في معصيته ، فقال تعالي (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ
الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ(10) ) فاطر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد
يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير ..حذر من آثار الذنوب فقال تعالي {وَضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ
كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ
وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }[النحل
: 112].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ،حذر من الذنوب
صغيرها وكبيرها ،فعن سهل بن سعد
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما
مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن وادٍ فجاء ذا بعودٍ وذا بعودٍ، حتى جمعوا ما
أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه{. رواه أحمد
فاللهم صلي علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم
تسليما كثيرا .....
أما بعــــــــــد .. فيا أيها المؤمنــــون .
لقد
خلق الله تعالي الناس جميعا لغاية عظيمة ومهمة جليلة فقال تعالي } وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ
مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ
ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ(58){ الذاريات .
وأرسل لهم الرسل مبشرين ومنذرين
لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل فقال تعالي } رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ
حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165){ النساء
.
وقال
تعالي أيضا }وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا
تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153){ الأنعام .
الكون
كله من حولنا لهو يسبح بحمد الله عز وجل.. الأنهار والبحار.. النجوم والكواكب.. الذرات
والرمال.. الحيوانات والطيور.. ما ندركه وما لاندركه.. مانبصره ومالا نبصره..
قال سبحانه: }تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ
مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ
كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44){ (الإسراء)
والمؤمن ينسجم مع الكون فى تسبيحه وتحميده لله رب العالمين: تلك الحلاوة التى
يجدها المؤمن فى صدره وفى توفيق الله عز وجل له فى الدنيا إنما هو انسجام بين المؤمن
والكون الذى يسبح الله عز وجل ولا يعصيه، لأن الكون يسعد بالمؤمن فهو يعبد الله كما
يعبده، ويعظم الله كما يعظمه فهما ينتظمان فى حبه وطاعته سبحانه وتعالى.
هذا
الانسجام مع الكون نراه فى قول النبى صلى الله عليه وسلم: "إنى لأعلم حجراً بمكة
كان يسلم على حين بعثت" (الطبرانى
والبزار).
ولكن سرعان ما ينسي الناس
هذه الغاية وتلك المهمة وهذا الطريق فينحرفوا عن الطريق المستقيم فتزل أقدامهم في
المعصية مما يؤدي بهم إلي الوقوع في مستنقع الرذيلة وظلام المعصية والهلاك الذي
يعم الفرد والمجتمع .
فما ظهرت المعاصي
في ديار إلا أهلكتها، ولا تمكنت من قلوب إلا أعمتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها.
لذلك كان حديثنا عن (شؤم المعصية )
وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ...
1ـ
الهدف من الحديث عن شؤم المعصية .
2ـ
أقسام الذنوب .
3ـ حال السلف مع المعصية .
4ـ أثر المعصية علي الفرد .
5ـ
أثر المعصية علي المجتمعات والشعوب .
6ـ
علاج الذنوب والمعاصي.
العنصر
الأول : الهدف من الحديث عن شؤم المعصية : ـ
المقصود من الحديث
عن شؤم المعصية هو التحذير من مغبة الاسترسال فيها وإطلاق العنان للخوض في حدود الله،
وهو من باب قول القائل قديماً: عرفــتُ الشـر لا للشـر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشرّ من الخير يقـع فيـه . وهذا
كان حال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم كانوا يسألون دائما عن الشر مخافة الوقوع فيه
.
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال كان الناس يسألون رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدركني ، فقلت يا رسول الله:
إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "
نَعَم "، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير ، قال: ” نَعَم وفيه دَخَن ” ، قلتُ: وما
دخنه؟ قال: ” قوم يَهدونَ بِغيرِ هَديي ، تعرِفُ وَتُنكِرُ ” ، قلت: فهل بعد ذلك الخير
من شر؟
قال: ” نَعَم ، دُعاة على أبواب جهنم ، مَن أجابَهُم إليها قذفوهُ فيها ” ،
قل يا رسول الله صِفهُم لنا ، قال: ” هُم مِن جِلدَتِنا ويَتَكَلَّمون بألسِنَتِنا
” ، قلت: فما تأمُرني إن أدركني ذلك ، قال: ” تلزم جماعة المُسلِمين وإمامَهم ” ، قلت:
فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام ، قال: " فاعتزل تلك الفِرَق كُلّها ، ولو أن تَعَضّ
بأصلِ شَجَرة حتى يُدرِكَكَ الموتُ وأنتَ على ذلك { (رواه الثلاثة).
العنصر
الثاني : أقسام الذنوب :ـ
الذنوب تنقسم إلى قسمين: صغائر وكبائر
ولقد
سمى نبينا الكبائر بالموبقات والمهلكات، وكل ذنب توعد الله مرتكبه بعذاب أو لعن أو
حد في الدنيا، ولقد ذكر لنا نبينا أصناف العذاب المختلفة التي يلقاها مرتكبو الكبائر،
كشاربي الخمر ومن يزني ويسرق ويتكبر على الخلق ويعرض عن كتاب الله ودينه.
أما الصغائر فقد حذر منها نبينا
إذ يقول}إياكم ومُحَقّرات الذنوب، فإنما مثل محقّرات الذنوب كمثل
قوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود وذا بعود، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقّرات
الذنوب متى يُؤخذ بها صاحبها تهلكه{رواه أحمد.
ومن رحمة الله تعالى بنا أنه من اجتنب
الكبائر غفر له الصغائر، يقول الله تعالى: }إِنْ تَجْتَنِبُوا
كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ{ [النساء:31].
ولكن من يستطيع أن يقول: إنه من أهل هذه الآية؟!
فالكذب
كبيرة، وكذلك الغيبة، والإصرار على الصغائر والمداومة على فعلها كبيرة.
العنصر الثالث : حال السلف
مع المعصية :ــ
كان السلف الصالح يتعاملون مع المعصية بحذر شديد،
فعن عبد الله بن مسعود قال : إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه
، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا - أي بيده - فذبه عنهأما المعصية
والعياذ بالله فهى شؤم على صاحبها..
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: }إنكم تعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، وإن كنا لنعدها على زمن رسول
الله من الموبقات{ .
فكانوا
يعلمون علم اليقين شؤم المعصية على القلب والبدن.. لذلك كان الواحد منهم إذا نزل
بهم بلاء أو شكوي رجع إلي نفسه وعاد باللائمة عليها ، وقال لابد أني قد أذنبت ذنبا،
ولابد أني قصرت في حق الله تعالي ، لابد أني أني فرطت في جنب الله ، ظلمت عبدا من
عباد الله ضيعت فريضة من فرائض الله ، انتهكت حرمة من حرمات الله تعالي فسرعان ما
يرجع إلي ربه، ويقرع باب التوبة مستغفرا يقول ما قاله أبونا آدم وأمنا حواء حينما
أخرجا من الجنة قالي تعالي } قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(23){ الأعراف.
هذا
شأن المؤمن إذا أصابه خير رد الفضل إلي الله وقال الحمد لله الذي بنعمته الذي تتم
الصالحات ، وإذا أصابه شر لم يلم إلا نفسه ولم يتهم إلا نفسه قال تعالي }مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ
فَمِنْ نَفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا
(79){ النساء .
هكذا كان شعورهم ، وهكذا ديدنهم ،هذا شأن المؤمن أن يرجع كل فضل إلي الله
تعالي فهو صاحب الفضل والنعمة } وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ
فَمِنَ اللَّهِ ۖ (53){ النحل .
وكان ابن
المبارك يقول إني لأري شؤم معصيتي في سوء خلق امرأتي ودابتي ، يعني إذا نكدت عليه
امرأته أو حرنت عليه دابته يقول لابد أني قد ارتكبت معصية من المعاصي ، لأن الطائع
لربه يرى الكون مُسخرًا له، يَشعُر بتكريم الله له، وتفضيله إيَّاه على خَلْقه.
فالمعصية أثرها خطير وشرها وبيل
علي الفرد والمجتمع فالحذر كل الحذر من شؤم المعصية .
العنصر الرابع : أثر المعصية
علي الفرد :ـ
إنه
ما من شر ولا بلاء ينزل بالناس أفراداً كانوا أو جماعات، إلا وسببه الذنوب والمعاصي،وإن
للمعصية آثارًا عظيمة ومخاطر كبيرة علي الفرد منها :ـ
1ـ حرمان العلم والهداية:ـ
إن من شؤم المعصية علي صاحبها ، نسيان
العلم وذهاب الحفظ، ويا لها من عقوبة ما أقساها على أهل العلم وطلبته، وذلك أن العلم
نور يقذفه الله في القلوب العامرة بطاعته المنيبة إليه سبحانه، والمعصية ظلمة قد علاها
قُتار الشهوات الهوجاء، وأنّى للنور أن يأنس بالظلام؟!
ولذلك
روي أن الإمام الشافعي رحمه الله لما جلس بين يدي إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه
الله ورأى عليه مخايل النجابة والذكاء بادية، وأعجبه وفورُ عقله وكمال حفظه قال له
ناصحا: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية.
والشافعي رحمه الله هو القائل في الأبيات
التي سارت بين طلبة العلم مسير الشمس:
شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ
سُوءَ حِفْظِي فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصي
وَأخْبَرَنِي بأَنَّ العِلْمَ نُورٌ ونورُ الله لا يهدى لعاصي
وقد يتساءل إنسان فيقول: إن فلاناً من الناس قد أُعطيَ حفظا
واستحضاراً على فجوره الذي عُرف به في الناس فكيف ذلك؟!
فنقول: اقرأ كتابَ الله تعالى تجد الجواب واضحاً، يقول الله عز وجل: وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِى ءاتَيْنَـٰهُ
ءايَـٰتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَـٰهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ
أَخْلَدَ إِلَى ٱلأرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ
عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث [الأعراف:175، 176].
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله معلقاً:
"ففي الآية دليل على أنه ليس كل من آتاه الله العلم فقد رفعه به، إنما الرفعة
بالعلم درجة فوق مجرد إتيانه".
كم من فاجر كان حظه
من العلم قيل وقالوا، ليكون ذلك حجةً عليه عند الله، دون حقيقة العلم التي تورث الخشية
والإنابة.
فيا معشر طلبة العلم، لنتقِ الله في أعز أيام العمر
التي صُرفت في الحفظ والركض وراء عرائس العلم، أن تذهب بها غوائل المعاصي الجامحة،
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن سوط العقاب بالمرصاد.
وحرمان الهداية من الله تعالي قال تعالى:
" سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ
الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ
الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ
سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ
(146)" (الأعراف)
2ـ
الوحشة بين العبد وبين الله تعالي :ـ
من أعظم
آثار المعاصي وأخطرها على العبد الوحشةُ التي تحدثها المعاصي بين العبد وربه، واستثقال
الطاعات، واستمراء الفواحش، واعتيادٍ لها، ويا لها من سكرة ما أشد عماها على القلب
إن لم يُمدّ صاحبها بنفحة من نفحات الرحمة والهداية، فإنه واقع في حُفرة من حفر الشقاء
والعذاب الواصِب لا محالة.
إن حياة المرء الحقيقية إنما هي حياة
الطاعة، وشعور العبد أنه خلع عنه ربقة العبودية للخلق، وآوى إلى ظلال العبودية الحقة
التي ترفعه عن الطين وجواذبه، ليحط رحال القلب في ساحات العبودية لله رب العالمين.
ولهذا جعل الله الكافر ميتاً غير حي فقال تعالي} أَمْوٰتٌ غَيْرُ أَحْيَاء{ [النحل:21]،
وتأملوا بالمقابل في قول بعض الصالحين المخبتين الذين
وجدوا برد الطاعة والإنابة إذ يقول: "إنه لتمرّ بالقلب لحظات أقول فيها: إن كان
أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي خير عظيم". إنّ في الدنيا جنة لا يدخل جنة الآخرة
من لم يدخلها، إنها جنة الطاعة والعبودية التي يُحرم منها العصاة الفجرة.
إذا
ابتلى العبد بالمعاصي، استوحش قلبه، وضعفت همته وعزمه، وضعفت بأهل الخير والصلاح صلته،
وقسا قلبه، ووهن بدنه، وضعف حفظه واستيعابه، وذهب حياؤه وغيرته، وضعف في قلبه تعظيم
ووقار الرب.
وقد
أخبر الله عز وجل عن حال قوم فرعون حين أغرقهم، قائلاً:} فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ
(29){(الدخان).
إن من قارف المعاصي ولازمها تولد في قلبه الاستئناس بها وقبولها،
ولا يزال كذلك حتى يذهب عنه استقباحها، ثم يبدأ بالمجاهرة بها وإعلانها وغالب هؤلاء
لا يعافون.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (كل أمتي
معافى إلا المجاهرون، وإن من المجاهرة أن يعمل العبد بالليل عملاً ثم يصبح قد ستره
ربه، فيقول: يا فلان، قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، فيصبح يكشف ستر
الله عليه)) رواه مسلم
وهذه
المجاهرة موجودة بيننا ولها صور وأشكال. فمن المجاهرة، أن يتحدث التاجر إلى رفاقه بغشه
في السلع ويعد ذلك مهارة وكياسة.
ومن المجاهرة أن يذكر الماجن مجونه
وينشر الفاسق فسوقه، ومن المجاهرة، تلك الصور
الفاضحة وتلك الكلمات الخادشة للشرف والفضيلة.
وفي هذا
يقول ابن عباس رضي
الله عنهما: (إن للحسنة ضياء في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن
ومحبة في قلوب الناس. وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القلب ووهناً في البدن ونقصاً
في الرزق وبغضاً في قلوب الناس). وقال جل وعز}وَمَن لَّمْ
يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ{ [النور:40]
قال تعالى: } كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ
مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14){ (المطففين)
3ـ
المعصية تورث الذل:
إن المعصية سبب لهوان العبد على ربه
وسقوطه من عينه، فتورثه الذل لا محالة، فإن العز كل العز في طاعة الله قال الله تعالى:
} وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8){(المنافقون ).
أي فليطلبها بطاعة الله، ومن دعاء بعض السلف: اللهم
أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك، وقال الحسن: إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم
البراذين، فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه. المعاصي تهون العبد على ربه،
فيرفع مهابته من قلوب خلقه قال تعالي }وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ{ [الحج:18].
يقول عبد الله
بن المبارك رحمه الله تعالى:
رأيت الذنوب تميت
القلوبَ وقد يورثُ الذلَّ إدمانُها
وتركُ الذنوب حياةُ القلوبِ
وخيرٌ لنفسك عصيـانها
وهل أفسد الدينَ إلا الملوكُ
وأحبارُ سوءٍ ورهبـانها
ونجد أن المعصية تطفئ من القلب نار الغيرة التي هي لحياته
وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن، ولهذا كان النبي أغير الخلق على الأمة
والله سبحانه أشد غيرة منه قال }أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه والله أغير مني{[رواه البخاري
ومسلم].
ومن استحى من الله
عند معصيته استحى الله من عقوبته يوم يلقاه، ومن لم يستح من الله تعالى من معصيته لم
يستح الله من عقوبته.
والذنوب
تدخل صاحبها تحت لعنة الرسول فإنه لعن على معاصي كثيرة.
وتؤدي إلي حرمان دعوة الرسول ودعوة الملائكة، فإن الله أمر نبيه أن يستغفر للمؤمنين
والمؤمنات.
4ـ حرمان الرزق ومحق العمر:ـ
المعاصي تمحق بركة العمر، فإذا
أعرض العبد عن الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجد غب إضاعتها
يوم يقول: }ياليتني قدمت لحياتي{ فعمر الإنسان هو مدة حياته ولا حياة له إلا بإقباله على ربه والتنعم بحبه
وذكره وإيثار مرضاته.
قال
تعالى: } وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى
آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96){ (الأعراف).
وقال سبحانه: }وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ
سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا
التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا
مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ
مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) (المائدة)
وعن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم } لا يرد القدر إلا الدعاء ولا
يزيد في العمر إلا البر و إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه{. أخرجه الحاكم فى المستدرك
وتؤدي إلي ضنك العيش فى الدنيا والعمى والحسرة يوم القيامة: قال تعالى: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ
بَصِيرًا (125){(طه).
العنصر الخامس
: أثر المعصية علي المجتمعات والشعوب :ـ
1ـ
هلاك الأمم والشعوب :ـ
لو تأملنا تاريخ الأمم والشعوب لوجدنا أن المعصية
سبب كل بلاء حل بالأمم ، فإن الأمة كالفرد إذا صح إيمانها وابتغت صراط ربها.. أنعم
الله عليها.. قال تعالى: " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا
(11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ
لَكُمْ أَنْهَارًا (12)" (نوح)
وأما إذا اتبعت الأمة شهواتها وعتت
عن أمر ربها فقد جنت على نفسها، فكانت العاقبة حسب الترتيب الإلهي:
كما
قال تعالي} فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا
مِنْهُمْ{ [الزخرف:55]
.
فالله عز وجل لم
يهلكهم مرة واحدة وإنما لابد أن تتحقق السنن الكونية في هلاك الأمم الظالمة وهي تتمثل
في الآتي :ـالإملاء
- التزيين - الاستدراج - الأخذ.
الإملاء
:
فقال تعالي } وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183){ الأعراف .
التزيين
:
فقال تعالي } أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ
عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً (8){ فاطر.
الاستدراج :
فقال تعالي } سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ
لا يَعْلَمُونَ (182) { الأعراف .
الأخذ :
فقال تعالي }فَكُلًّا أَخَذْنَا
بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ
الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
(40){ العنكبوت .
وعن
أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم }إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته قال ثم قرأ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ
القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد{.
رواه البخاري .
قال تعالى}وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ
أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102){ هود.
وهذا
ما بعض ما حكاه القرآن الكريم عن هلاك بعض الأمم السابقة
قال تعالي عن
قوم سيدنا نوح عليه السلام }حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا
احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ
الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40){ (هود)
وقال
تعالى: " وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا
حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا
وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9)" (الطلاق) .
وقال تعالي عن ثمود وعاد وفرعون}كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا
بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا
عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا
صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَىٰ لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ
(8) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا
رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ
حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا
أُذُنٌ وَاعِيَةٌ(12 ){ الحاقة .
وقال تعالي عن هلاك القري الظالمة عامة }وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ
أَهْلَكْنَـٰهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا [الكهف:59]. أي أهلكناهم بسبب كفرهم وعنادهم ولذلك قال الله عز
وجل: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا وفي قراءة أمَّرنا
مترفيها فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا {(16) {الإسراء .
ومعنى أمرنا مترفيها أي أن المترفين من أهل الفساد هم الذين يتأمرون على الناس
فيشيعون المنكرات والسيئات بين المسلمين، فإذا شاعت المنكرات وسكت الناس عن تغييرها
ولم يقوموا بواجبهم في تغيير المنكرات والأمر بالمعروف عمهم الله سبحانه وتعالى بعقاب
من عنده، ثم يدعون فلا يستجاب لهم، وصدق الله العظيم إذ يقول: وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً
لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ
شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ [الأنفال:25].
ويقول
شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الله لينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة, ويهدم الدولة
الظالمة ولو كانت مسلمة، وتلك سنة من سنن الله, ثم تلا: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً
بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [النمل:52].
قال
ابن عباس : (إذا رأى الناس المظالم ولم يغيروها عمهم الله بعذاب من عنده) ولذلك جاء
في الحديث عن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت: دخل علي رسول الله
ذات يوم فزعاً وهو يقول: ((لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من
ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بين إصبعيه الإبهام والتي تليها) فقلت ـ أي تقول أم
المؤمنين زينب رضي الله عنها ـ: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا
كثر الخبث) [أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما].
2ـ تسليط الأعداء وذهاب القوة ونزع الهيبة من قلوب
الأعداء.
عن
عبد الله بن عمر أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:}بعثت بالسيف
بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة
من الصغار على من خالف أمري, من تشبه بقوم فهو منهم{ روى الإمام أحمد
.
لقد كانت أمة الإسلام في سالف دهرها أمة موفورة الكرامة،
عزيزة الجانب، مرهوبة القوة، عظيمة الشوكة، لكنها أضاعت أمر الله، وأقْصت شريعته من
حياتها، وهذه الأمة أمة التوحيد فصار أمرها إلى إدبار وعزها إلى ذل، وجثم على صدرها
ليل طويل من الاستعمار الكافر، ولولا أنها الأمة الخاتمة لأصبحت تاريخاً دابراً تحكيه
الأجيال. وليس الذي حل بنا ويحل ظلماً من ربنا، كلا وحاشا، فهو القائل في الحديث القدسي
الصحيح:}يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا
تظالموا{، وإنما هي السنن الربانية النافذة التي لا تحابي
أحداً، }إِنَّ اللَّهَ
لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]،
ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً
أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ{ [الأنفال:53].
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ثوبان
مرفوعاً:}يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على
قصعتها{، قلنا: يا رسول الله، أمن قلة منا يومئذٍ؟ قال:
}أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تنزع المهابة
من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن{، قالوا: وما الوهن؟ قال:(حب الدنيا وكراهة الموت).
وعن
ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله
يقول:(إذا ضنَّ الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتبعوا أذناب البقر،
وتركوا الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليهم ذلاً لا يرفعه حتى يراجعوا دينهم) رواه
أبو داود وأحمد.
ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
(إننا كنا قوماً أذلة فأعزنا الله بهذا الدين، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله).
3ـ زوال النعم وحلول النقم وتحول العافية واُستجلاب
سخط الله:ـ
مازالت
نعمة إلا بذنب ، ولا حلت نقمة إلا بذنب كما قال علي رضي الله عنه ( ما نزل بلاء
إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة ) ورحم الله القائل :ـ
إذا كنت فى نعمة فأرعها
فإن المعاصي تزيل النعم
وحطها
بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم
وإياك والظلم مهما استطعت فظلم العباد شديد الوخم
و سافر بقلبك بين الورى لتبصر أثار من قد ظلم
وتأمل حال هذه القرية كيف تحول حالهم من أمن إلي خوف ،
ومن رغد إلي جوع ، فقال تعالى: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً
مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ
اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
(112)" (النحل).وكان من أعظم الدعوات التي دعا بها النبي صلي
الله عليه وسلم كما روي ابن عمر رضي الله عنهما
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك
وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك أخرجه مسلم.
4ـ ظهور
الأوجاع الفتاكة وارتفاع البركة من الأقوات والأرزاق:ـ
عن
ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: }يا معشر المهاجرين، خمس إذا
ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا
بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم المكيال والميزان
إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا
القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط
الله عليهم عدوا فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا
مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم{ (رواه ابن ماجه وهو صحيح.
السلسلة الصحيحة).
5ـ
العصية سبب شيوع الفساد :ـ
والمعاصي سبب للفساد في الأرض
في المياه والهواء والزرع والثمار والمساكن، قال تعالي }ظَهَرَ
ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ
لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{ [الروم:41].
والمراد
بالفساد الذنوب وموجباتها، وإنما أذاقنا الشيء اليسير من أعمالنا، فلو أذاقنا كل أعمالنا
لما ترك على ظهرها من دابة.
قال ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد: (اقشعرت
الأرض، وأظلمت السماء، وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات وقلت
الخيرات وهزلت الوحوش وتكدرت الحياة من فسق الظلمة، وبكى ضوء النهار وظلمة الليل من
الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة، وشكى الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من كثرة
الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح، وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن
بليل بلاء قد أدلهم ظلامه، فاعدلوا عن هذا السبيل (سبيل المعاصي) بتوبة نصوح ما دامت
التوبة ممكنة وبابها مفتوح، وكأنكم بالباب وقد أغلق وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
.
العنصر السادس : علاج
الذنوب والمعاصي:ـ
هذه
بعض آثار المعاصي المدمرة، وهذه بعض ثمارها النكدة، فهيا إلي العلاج والتخلص منها حتي نحظي برضا الله تعالي ونفوز بمحبتة جل وعلا ، ومن هذا
العلاج :ـ
1ـ التوبة النصوح :ـ
فهل
من مشمِّر تائب منيب، قال تعالي } قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ
أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ
يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ{ [الزمر:53].
والتوبة
هي: الندم على ما فات, والعودة إلى الله, واللجأ إليه, والصدق معه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى
، فيامن تعصي ربك وقد ضيعت أيامك باللهو والتفريط والميل - إذا دنى منك الأجل! فهل من توبة قبل الموت؟
وهل من رجوع إلى الله
قبل فوات؟
الأوان وهل من يقظة لإعادة المحاسبة؟
هاهم بنو إسرائيل - كما
في كتاب التوابين لـابن قدامة - يلحق بهم قحط على عهد كليم الله موسى عليه السلام،
فاجتمعوا إلى سيدنا موسى وقالوا: يا نبي الله! ادعُ لنا ربك أن يسقينا الغيث.
فقام معهم، وخرجوا إلى الصحراء ليستسقوا وهم سبعون
ألفاً أو يزيدون، فقال موسى: إلهنا اسقنا غيثك، وانشر علينا رحمتك، وارحمنا بالأطفال
الرُّضَّع، والبهائم الرُتَّع، والشيوخ الرُّكَّع، فما ازدادت السماء إلا تقشعاً، ذهب
السحاب الذي في السماء، وما ازدادت الشمس إلا حرارة، فقال: يا رب! استسقيناك فلم تسقِنا،
فقال: يا موسى إن فيكم عبداً يبارزني بالمعصية منذ أربعين عاماً، فمُرْهُ أن يخرج من
بين أظهركم؛ فبشؤم ذنبه مُنِعْتم القطر من السماء، قال: يا رب! عبد ضعيف، وصوتي ضعيف،
أين يبلغ وهم سبعون ألفاً أو يزيدون؟ فأوحى الله إليه، منك النداء وعلينا البلاغ. فقام ينادي في سبعين ألفاً، قائلاً:
يا أيها العبد العاصي الذي بارز الله بالمعصية أربعين عاماً!
اخرج من بين أظهرنا؛ فبشؤم ذنبك مُنِعْنَا
القطر من السماء، فيوحي الله إلى موسى أنه تلفت هذا العبد يميناً وشمالاً لعله يخرج
غيره، فعلم أنه المقصود بذلك، فقال في نفسه: إن خرجت افتضحت على رءوس بني إسرائيل،
وإن بقيت هلكت وهلكوا جميعاً بالقحط والجدب.
فما كان منه إلا أن أدخل رأسه في ثيابه،
وقال: يا رب! عصيتك أربعين وأمهلتني، واليوم قد أقبلت إليك طائعاً تائباً نادماً، فاقبلني
واسترني بين الخلق هؤلاء يا أكرم الأكرمين!
فلم يستتم الكلام حتى علتْ السماء سحابة
بيضاء، فأمطرت كأفواه القِرَب، فقال كليم الله لربه: يا رب! سقيتنا ولم يخرج من بين
أظهرنا أحد. فقال: يا موسى! أسقيتكم بالذي منعتكم به - بنفس العبد الذي منعتكم به أسقيتكم
به- قال: يا رب! أرني هذا العبد الطائع التائب النادم، قال: يا موسى! لم أكن لأفضحه
وهو يعصيني أفأفضحه وهو يطيعني؟!
لا إله إلا الله!
ما أرحم الله! ما أحلم الله! هو القائل:}
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا
اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135){ آل عمران.
ما جزاؤهم ؟ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مغْفِرَةٌ من ربِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ(136){
آل عمران.
هو القائل كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (يا بن آدم!
إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك
عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني
لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
فالله تعالي يبسط يده بالليل ليتوب
مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها، هو القائل
كما في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً،
فاستغفروني أغفر لكم) هو القائل في كتابه: }يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ
أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الأنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ
يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ(8){
التحريم.
فيا مخطئاً! وكلنا
ذوو خطأ، ويا من سقط في المعصية! وكلنا ذاك الرجل؛ ويا من زلَّتْ قدمه! وكلنا ذاك الرجل؛
صحح أخطاءك، وعالج أمراضك، وغسِّل نفسك مما قد ران عليها، واستأنف الحياة في ثوب التوبة
النقي النظيف، واسمع لداعي الله جل وعلا يوم يقول:}
وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ(31){ النور
2ـ
استشعار عظمة الله:ـ
كما قال بعض السلف: }لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر عظمة
من عصيت، فإن حدثتك نفسك بالمعصية فقل لنفسك أتدرين من تعصين ؟ {.
إنه
الله جل في علاه.. إنه الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.. إنه الله
الذي له ملك السماوات والأرض.. إنه الله الذي بيده مقاليد الأمور.. إنه الله الذي تسبح
له الكائنات وتخضع له السماوات.تذكر اسم الرقيب }وَكَانَ
اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا {[الأحزاب:52]
فالله يراقبك ويعلم بحالك ويراقب
تحركاتك ونظراتك وسمعك وقلبك }وَاللَّهُ يَعْلَمُ
مَا فِي قُلُوبِكُمْ {[الأحزاب:51] فإذا دفعتك نفسك للذنوب فقل لنفسك:
" إن الله يراني ".
واحذر
من أن تكون من هؤلاء: قال صلى الله عليه وسلم}
ليأتين أقوام من أمتي بحسنات أمثال جبال تهامة يجعلها الله هباء منثوراً.
قال الصحابة: منهم يا رسول الله ؟ قال: أما نهم مثلكم يصلون كما تصلون ويصومون كما
تصومون ولهم من الليل مثل مالكم ولكنهم إذا خلو بمحارم الله انتهكوها {. صحيح الترغيب والترهيب .
3ـ المجاهدة:ـ
لا
تظن أن ترك المعصية يكون بين يوم وليلة.. إن ذلك يحتاج إلى مجاهدة وصبر ومصابرة، وأن
تكون صاحب إرادة قوية لكي تقوى على ترك الذنوب والشهوات، ولكن اعلم أن المجاهدة دليل
على صدقك في ترك الذنوب وربنا تبارك وتعالى يقول}وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ{ [العنكبوت:69].
4ـ الحذر من رفيق السوء:ـ
فإن
بعض الشباب يريد ترك المعصية ولكن صديقه يدفعه، فعلينا أن نتذكر تحذير النبي صلى الله
عليه وسلم من أصدقاء السوء قال: مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير.
رواه البخاري ومسلم.
وفي حديث آخر. رواه أحمد وغيره أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
ومع ما يمكن أن يجلب أصدقاء السوء لمن يصحبهم، فإنهم
يتبرؤون يوم القيامة ممن يصادقهم ويعادونه، قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف:67}.
فوصيتي لك: " ابتعد عن صديق السوء " قبل أن تكون ممن قال الله فيهم
}وَيَوْمَ يَعَضُّ
الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا
* يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ
الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا {[الفرقان:27-29]
.
5ـ
معايشة حقيقة الموت:ـ
قال
تعالي }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ
الْمَوْتِ {[آل عمران:185] فهل
تخيلت أن الموت قد يأتيك وأنت تنظر إلى القنوات؟
لو جاءك الموت وأنت تكلم تلك الفتاة؟
يا ترى لو فاجأك الموت وأنت نائم عن الصلاة؟
حينها ماذا تتمنى؟.
} حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ
الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ
(100){ (المؤمنون).
إنه يتمنى الرجوع إلى الحياة لا ليستمتع بها
ولا ليسهر على القنوات بل ليعمل صالحاً.. نعم ليتوب.. ليصلي.. ليترك المحرمات.
وتذكر عندما توضع على مغسلة الأموات عندما لكي يغسلونك
وأنت جثة هامدة لا تتحرك وهم يحركونك، هناك لن تنفعك الذنوب ولا السيئات.
وتذكر عندما تحمل على الأكتاف سوف يحملونك وأنت جنازة،
فيا سبحان الله أين قوتك ؟
أين شبابك ؟
أين كبرياءك ؟
أين أصدقاءك ؟؟
لن ينفعك هناك
إلا عمل صالح قد فعلته.
و تذكر عندما توضع في القبر هناك يتركك الأهل والأصحاب
ولكن أعمالك ستدخل معك في قبرك..
فيا ترى ما هي الأعمال التي ستكون معك في قبرك..
هل
هي القنوات؟
والملهيات؟
والصور والمجلات؟.
6- معايشة
يوم القيامة :ـ
قال تعالي } وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ
فِيهِ إِلَى اللَّهِ {[البقرة:281]
سوف تقف بين يدي الله يا من يسهر على القنوات.. نعم والله ستقف يا من ينام عن الصلوات..
يا من يسافر إلى بلاد الآثام.. } يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا
تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ {[الحاقة:18].
أهناك
من ينفعك؟
أهناك من ينصرك؟
أنسيت ذلك الموقف؟
}وَاتَّقُوا
اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ { [البقرة:223].
وتذكر المرور على الصراط.. ذلك الجسر الذي يوضع على متن جهنم.. " أحد من السيف
وأدق من الشعرة "
قال تعالى: } وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا
كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا {[مريم:71].
قال
العلماء: هذه الآية دليل على المرور على النار؛ هناك تضع قدمك لكي تعبر عليه والنار
من تحتك والمكان مظلم.. والناس يتساقطون ويصيحون ويبكون.
ومن
الناس من يثبته الله على الصراط لأنه " كان ممن يراقب الله ويخاف من الله ويعمل
بطاعة الله ويبتعد عن معصية الله قال تعالى:
} يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ {[إبراهيم:27].
هناك
تعرف قيمة الصلاة وقيمة الحسنات, في ذلك المكان تندم على كل نظرة وعلى كل كلمة لا ترضي
الله هناك تبكي ولكن لا ينفع البكاء.
و تذكر الميزان الذي يوضع يوم القيامة، وتوزن فيه الحسنات والسيئات.. إنه ميزان
دقيق } وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ
لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ
مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ {[الأنبياء:47].
يا ترى هل تفكرت في هذا الميزان أخي الشاب؟
وأنت يا أختاه هل حاسبت نفسك على ذنوبك التي ستوضع في ذلك الميزان؟ } فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {[المؤمنون:102].
إنهم الذين حافظوا على طاعة الله..
إنهم الذين ابتعدوا عن الذنوب والعصيان... }وَمَنْ
خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ
{[المؤمنون:103]
إن الذي خف ميزانه هو الذي أساء في تعامله مع ربه.. هو الذي أعرض عن ربه.. هو الذي
كثرت سيئاته وقلت حسناته.
و تذكر الحوض الذي يكون لنبينا صلى
الله عليه وسلم؛ طوله شهر وعرضه شهر, أحلى من العسل وأبيض من اللبن، وأطيب من المسك،
من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، إن ذنوبك قد تمنعك من الشرب من ذلك الحوض، فاترك
الذنوب الآن.
وتذكر شهادة الجوارح عليك..
تذكر يا أخي قبل أن تفعل أي معصية أن الجوارح التي سوف تعمل المعصية بها أنها ستشهد
عليك وستفضحك ليس هنا بل في أرض المحشر}الْيَوْمَ نَخْتِمُ
عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ { [يس:65].
يا سبحان الله..
من أنطق اليدان؟ من أنطق القدمان؟ إنه الله جل في علاه.. وقال تعالى} حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا
شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(20)
{ (فصلت)
}وَقَالُوا
لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ
كُلَّ شَيْءٍ {[فصلت:21]. فلا إله إلا الله ما أعظم الله.
وتذكر
كتابة الملائكة لأعمالك، فالملائكة تكتب أعمالك وأقوالك كما قال تعالى} وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ
* كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ))[الانفطار:10-
12] .
ولا يخفى عليهم شيء، وتستمر الملائكة في
كتابة أعمالك حتى تخرج روحك من الحياة، وبعدما تموت.. ينتهي كتابك ولكن لك موعد معه
في أرض المحشر عندما تُعطى ذلك الكتاب ويقول الله لك}
اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا{ [الإسراء:14].
وتذكر
لو كنت من أهل النار يوم تقلب في النار, قال تعالى}
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا
أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا {[الأحزاب:66].
يا سبحان الله أين مكانهم؟! في النار، يتقلبون على
النار، أين وجوههم؟ على النار. نعم.. تلك الوجوه التي كانت تنظر إلى الحرام.. تلك الأجساد
التي لم تتقرب إلى الله سوف تتقلب في النار وبئس المصير.
وتذكر حقارة الدنيا }وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ
الْغُرُورِ(185){آل عمران .
فكيف تؤثر الدنيا الحقيرة على الآخرة الباقية التي لانهاية لها، كيف تعمل معصية قد
تحرمك من جنة عرضها السماوات والأرض .
فاللهم حرم أجسادنا علي النار.
وجنبنا المعاصي ما ظهر منها وما بطن . اللهم آمين .
انتهت بفضل الله تعالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق