أقوال العلماء في صيام رجب بين الجواز والمنع
يسأل البعض عن صيامه والعُمرة فيه ...
فأقول باختصار نقلاً عن العلماء :
لا مانع عند جمهور العلماء من صيام بعضه – وليس كله – وبدون تخصيص لأيام معينة – مثل السابع والعشرين أو غيره - ، بل كما اعتاد المسلم في غيره من الشهور ، وإن زاد في شهر رجب فلا بأس ،
قال ابن تيمية في الفتاوى المصرية ج1ص 252: لو صام أكثره فلا بأس
وقال أيضاً : وَأَمَّا مَنْ صَامَ الأشهُرَ الثلاثَةَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ لَا يَصُومُ شَهرًا كامِلا إلا شَهرَ رمضَانَ، وَكان يَصُومُ أَكَثرَ شَعبَانَ وَلم يَصِحَّ عَنهُ فِي رَجَبٍ شيءٌ، وَإِذَا أَفطرَ الصائِمُ بَعضَ رَجَبٍ وَشَعبَانَ كَانَ حَسَنًا ( الفتاوى الكبرى ج 5 ص 378)
أما الأدلة على صيامه فمنها :
أنه من الأشهر الحرم التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم " صُم من الحُرم واترك " أو " صُم من الحرم وأفطر " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي بسند جيد "
وفي صحيح مسلم عن عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب فقال سمعت ابن عباس يقول كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم حتى نقول لا يفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصوم ).
قال الإمام النووي : الظاهر أن مراد سعيد بن جبير بهذا الاستدلال أنه لا نهى عنه ولا ندب فيه لعينه ( أي بتخصيص ) بل له حكم باقي الشهور ولم يثبت في صوم رجب نهى ولا ندب لعينه ولكن أصل الصوم مندوب إليه
وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ندب إلى الصوم من الأشهر الحرم ، ورجب أحدُها والله أعلم .
وفي حديث أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" (رواه النسائي وأحمد) .
قال العلامة الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار 4/293: ظاهر قوله في حديث أسامة إن شعبان شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان أنه يستحب صوم رجب، لأن الظاهر أن المراد أنهم يغفلون عن تعظيم شعبان بالصوم، كما يعظمون رمضان ورجباً به ( أي بالصيام ).
وقال الشوكاني :وقد ورد ما يدل على مشروعية صومه على العموم والخصوص.
أما العموم، فالأحاديث الواردة في الترغيب في صوم الأشهر الحرم، وهو منها بالإجماع، وكذلك الأحاديث الواردة في مشروعية مطلق الصوم، ثم ذكر أحاديث في فضل صيام رجب ثم قال: ولا يخفاك أن الخصوصات إذا لم تنتهض ( أي إذا لم تقُم أو تقوَ وتكف ِ) للدلالة على استحباب صومها، انتهضت العمومات، ولم يرد ما يدل على الكراهة حتى يكون مخصصاً لها.
وأما حديث ابن ماجه بلفظ: "إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب" ففيه ضعيفان: زيد بن عبد الحميد، وداود بن عطاء. )
ويقول الدكتور عبد الله الفقيه : قد اختلفت أنظار العلماء في صوم شهر رجب، فمنهم من استحبه لأمرين:
الأول: ما ورد من الترغيب العام في الصيام، وهذا بابه واسع، وأدلته كثيرة جداً.
الثاني: ما ورد من الترغيب الخاص في صيام الأشهر الحرم. ورجب منها بالاتفاق، وكذا ما ورد في فضل صيام رجب بخصوصه.
وإلى استحباب صيام الأشهر الحرم عموماً ورجب على وجه الخصوص ذهب الجمهور من العلماء، واستدلوا على ذلك بعدة أحاديث .
وقد شنع العز بن عبد السلام على من نهى الناس عن صيام رجب، كما نقل ذلك عنه ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى.
ومن أهل العلم من كره صوم شهر رجب، ومن أولئك الحنابلة، واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما، ونهي عمر الناس عن صيامه، وقد سبق ذكر ذلك فيما نقلناه عن الإمام الشوكاني.
والشقاق بين المسلمين، بل من قال بقول الجمهور من العلماء لم يثرب عليه، ومن قال بقول الحنابلة لم يثرب عليه ( أي لا لوم عليه ).
وأما صيام بعض رجب، فمتفق على استحبابه عند أهل المذاهب الأربعة لما سبق، وليس بدعة.
ثم إن الراجح من الخلاف المتقدم مذهب الجمهور لا مذهب الحنابلة.
وأما العمرة في رجب، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك، وقد استحب بعض السلف ذلك، فكانوا يعتمرون في رجب، أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن سعيد بن المسيب قال: كانت عائشة رضي الله عنها تعتمر في آخر ذي الحجة، وتعتمر من المدينة في رجب تهل من ذي الحليفة .
وأخرج بسنده عن يعلى بن الحارث قال: سمعنا أبا إسحاق وسئل عن عمرة رمضان، فقال: أدركت أصحاب عبد الله لا يعدلون بعمرة رجب، ثم يستقبلون الحج.
وأخرج بسنده عن عبد الرحمن بن حاطب قال: اعتمرت مع عمر وعثمان في رجب.
ولم يثبت لشهر رجب من الخصوصيات غير ما ذكرنا. وأما ما ابتدعه الناس في هذا الشهر من البدع المنكرة كصلاة الرغائب،( أو ذبائح معينة ) فلا يجوز فعله، ولا مجاراة الناس فيه. والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق