الحمد لله رب العالمين .. مدبر الملك والملكوت ،المنفرد بالعزة والجبروت ، صرف أعين ذوي القلوب والألباب عن ملاحظة الوسائط والأسباب إلى مسبب الأسباب ، من توكل عليه كفاه ، ومن اعتمد عليه اجتباه ووقاه ، وجعله من أهل رضاه ، قال تعالى }وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3){ ]الطلاق[ .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. نصر نبيه (ﷺ) وأيده بالمعجزات ودافع عن أوليائه وجعل كلمة الكافرين السفلى وكلمة الله هي العليا فقال تعالي }إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٖ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40){ ]التوبة[ .
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) علمنا الأخذ بالأسباب والاعتماد على خالق الأسباب فقال (ﷺ) لصاحبة في الغار }يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما لا تحزن إن الله معنا { .
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ..
أما بعـد .. فيا أيها المؤمنون .
لقد كانت الهجرة المباركة مرحلة فارقة في تاريخ الدعوة الإسلامية ،يتجلى فيها التعامل مع الأسباب ،إذ أن الأسباب ما هي إلا أدوات للقدرة العليا، ومفاتيح لخزائن رحمة الله عز وجل، إن من تأمل الهجرة، ورأى دقة التخطيط فيها، و دقة الأخذ بالأسباب من ابتدائها إلى انتهائها، يدرك أن التخطيط جزء من السنة النبوية، بل هو جزءٌ من التكليف الإلهي في كل ما طولب به المسلم، ولابد أن نعلم أن هذه العبقرية في التخطيط، ما كان بها وحدها يكون النجاح، لولا التوفيق الإلهي، والإمداد الرباني، فالهجرة جرى فيها القدر الإلهي من خلال الأخذ بالأسباب البشرية.
لذلك كان موضوعنا } الهجرة والأخذ بالأسباب{وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية...
1ـ الهجرة من المعالم البارزة للأمة .
2ـ الهجرة وخوارق العادات .
3ـ التخطيط البشري في الهجرة ومراحله .
4ـ التأييد الرباني في الهجرة .
5ـ الخاتمة .
العنصر الأول : الهجرة من المعالم البارزة للأمة :
لأهمية الهجرة المباركة ومكانتها في التاريخ الإسلامي أرَّخ المسلمون بالهجرة كمعلمٍ بارز في تاريخ الدعوة ؛ وذلك لما للهجرة من آثار على انتصار الدعوة ، وظهورها ولأنه بالهجرة وُلِدت دولة الإسلام.
وذكروا في سبب عمل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه التأريخ بالهجرة "أن أبا موسى كتب إلى عمر: أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم : أرِّخ بالمبعث (بعثة النبي (ﷺ)) ،
وبعضهم قال :أرِّخ بالهجرة، فقال عمر رضي الله عنه : الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرَّخوا بها، و ذلك سنة سبع عشرة، فلما اتفقوا، قال بعضهم : ابدؤوا برمضان فقال عمر رضي الله عنه : بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم، فاتفقوا عليه ".
ومما يروى أيضاً :أنهم أعرضوا عن التأريخ بمولده و مبعثه و ومماته (ﷺ) لأن المولد و المبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السنة، وأما الوفاة فأعرضوا عنه لما توقع بذكره من الأسف عليه (ﷺ).
لقد كان عمر رضي الله عنه ومن معه يحرصون كل الحرص على ألا تذوب شخصية هذه الأمة في شخصية غيرها من الأمم، إذا لم يرضوا أن يكونوا في تاريخهم تبعاً لأمة من الأمم، بل كانوا مبدعين في كل شيء، ليسوا إمعات ولا ببغاوات، يستوردن فكرهم و ثقافتهم و تاريخهم من غيرهم.
لقد تجلى فقه الصحابة رضوان الله عليهم، في هذه الموازنة الفذة بين الأحداث، ثم اختيار الهجرة بذاتها لتكون عنواناً ، و رمزاً للتاريخ الإسلامي، إذ أنهم اعتبروا الهجرة بداية وجودهم الحقيقي في هذه الحياة، لقد كان هذا العمل منهم فهماً عميقاً لرسالتهم، لأن الهجرة كانت عملاً غيَّر الله به وجه التاريخ الإنساني بعد أن مال ميلاً عظيماَ، و دفع به إلى وجهته الصحيحة مستقيماً غير ذي عوج، لقد أذن الله تعالى بهذه الهجرة أن تقوم في المدينة دولة الإسلام، فحمت المؤمنين من عربدة الجاهلية ، وحققت حكم القرآن في واقع الحياة، وجعلت الإسلام حقيقة بارزة ترى و تسمع في الأرض، وأقامت المجتمع الإسلامي نموذجاً متفرداً بين الأمم جميعاً، وغدت قاعدة الإسلام وداره التي يأوي إليها المعذبون في الأرض، فيجدون الأمن والإيمان، ويتعلمون الدين و يتزودون بالفضائل والأخلاق، ثم يخرجون إلى أطراف الأرض دعاة وهداة.
العنصر الثاني : الهجرة وخوارق العادات :
قد يسأل سائل لماذا لم تقم الهجرة علي المعجزة الربانية مثلما حدث في رحلتي الإسراء والمعراج، يأتيه البراق ويذهب به إلي المكان الذي يريده ؟
لكي نستطيع الجواب على هذا السؤال، لابد أن نحدد الفرق بين الهجرة والإسراء والمعراج :
الإسراء والمعراج كانت معجزة الهدف منها التسرية والتسلية لقلب النبي (ﷺ) وخاصة بعد الأحداث العظيمة التي حدث في عام الحزن من شدة تعذيب وفقدان زوجه خديجة رضي الله عنها وعمه أبي طالب .
أما الهجرة المباركة كان من الممكن أن يهاجر النبي (ﷺ) وأصحابه الكرام بكلمة كن ولكن لم يحدث لأن الهدف من الهجرة هو تأسيس دولة الإسلام والإبقاء علي الإسلام فتأسيس دولة الإسلام لا يقوم علي المعجزات، ولا خوارق العادات ، فلا بد من بذل الجهد البشري القائم علي التخطيط ، والأخذ بالأسباب ولكي يتعلم الناس هذه السنة الكونية التي لا ينصلح الكون إلا بها ولا يقوم الدين إلا بها .
العنصر الثالث : التخطيط البشري في الهجرة ومراحله :
لم تكن الهجرة فراراً من الجهاد أو تهرباً منه، كلا وإنما كانت إعداداً لأعبائه، ولم تكن خوفاً من الأذى ، و لكن توطيداً لدفعه ، ولم تكن جزعاً من المحنة، ولكن توطيناً للصبر عليها.
أجل لم تكن فراراً من القدر، ولكنها كانت فراراً إلى القدر، ولم تكن الهجرة فراراً من المحنة، أو مجرد انتقال مكاني، وإنما كانت فاتحة العمل الجاد المتواصل لتغيير الأرض، و تحويل مجرى التاريخ، و وضع أسس البناء الإسلامي الشامخ ؛ ولذلك كانت أكبر أحداث التاريخ البشرى بلا مبالغة، بل أعظم هجرة في تاريخ النبوات جميعا من حيث النتائج والآثار، ومن حيث التفاعلات التي تولدت عنها، والأحداث التي تعاقبت بعدها، و ترتبت عليها، وبذلك كان يوم بدر، وفتح مكة ، وما تبعه، وتطهير الجزيرة العربية من أرجاس اليهود والشرك، وإسلام العرب، ودخول الناس في دين الله أفواجاً، وتقويض ممالك الفرس والروم، و وصول الإسلام إلى الصين شرقا والأندلس غربا ؛ كل هذا وأكثر منه سيظل مديناً بقدرٍ كبير لهذه الهجرة النبوية المباركة.
إذن كيف تم تخطيط النبي (ﷺ) للهجرة المباركة ؟
لقد وضع النبي (ﷺ) الخطوات الأساسية للخطة وهي كما يلي :
الخطوة الأولي : وضوح الرؤية :
وضوح الرؤية لدي النبي (ﷺ) منذ أول يوم في الرسالة أنه مبعوث للعالمين ، وأن التحديات له من أول يوم وأنه سيتحول من بلد إلي بلد وسيكون البلد الجديد مأوي جديد للدعوة وذلك من خلال حديثه مع ورقة ابن نوفل لما رجع (ﷺ) من غار حراء وبعد حوار طويل تقول له زوجته خديجة بعد أن أخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله (ﷺ) خبر ما رأى، فقال ورقة: (هذا هو الناموس الأكبر نزّله الله على موسى، ليتني فيها جَذَعَا أنصرك حين يخرجك قومك، ولئن أدركني يومك لأنصرنك نصرا مؤزرا).
وإدراكه أن حالة الاستضعاف التي هم فيها لن تدوم فتهيأ (ﷺ) لتلك المرحلة فربي أصحابه تربية صلبة قوية تربية رجل الدولة فكرا وعقلا وممارسة ، فكان يبعث فيهم الأمل والنظرة المستقبلية يتضح من حديثه مع خباب رضي الله عنه }شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بردة له في الكعبة، فقلنا له ألا تستنصر لنا؟ ألا تدع الله لنا؟ قال: (كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون{.
الخطوة الثانية : تحديد الأهداف من الهجرة :
1ـ إقامة دين الله :
ولا شيء أغلى عند المسلم من دينه، ولا شيء أسمى من رسالة التوحيد، فهي التي عليها نحيا، وعليها نموت، وفي سبيلها نجاهد، وعليها نلقى الله، ولذلك هاجر رسول الله (ﷺ) من أجله ، وضحي أصحابه الكرام رضوان الله عليهم جميعا من أجله فعلي سبيل المثال :
يقول أهل السير: كان أبو جهل إذا سمع برجل قد أسلم له شرف ومنعة أنَّبه وأخزاه ، وأوعده بإبلاغ الخسارة الفادحة في المال، والجاه، وإن كان ضعيفًا ضربه وأغرى به.
2- حماية الفئة التي آمنت بدين الله عزَّ وجلَّ، وبرسوله محمد (ﷺ) من بطش المشركين الكافرين؛ حتى تتمكن من إقامة هذا الدين.
3- نشر دين الله، وجعل كلمة الله هي العليا، وكلمة المشركين الكافرين السفلى، وصدق الله العظيم القائل:}إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا
ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(40){ ]التوبة[
4- تأسيس الدولة الإسلامية التي تطبق شرع الله في كلِّ نواحي الحياة؛ من خلال المجتمع الإسلامي المتآخي المترابط المتحاب.
فالدولة إحدى ضرورات إقامة الدين في الأرض فهي حارسة له حامية لمبادئه كما يقول الإمام أبو حامد الغزالي "الدين والسلطان توأمان الدين أصل والسلطان حارس وما لا أصل له فمهدوم وملا حارس له فضائع" .
ولقد قرر علماء السياسة الشرعية أن أول ما تحتاج إليه الدعوة الإسلامية أن تقوم "دار الإسلام" أو دولة الإسلام" التي تتبنى رسالة الإسلام عقيدة وشريعة عبادة وأخلاقا, هذه الدولة ضرورة إسلامية وهي أيضا ضرورة إنسانية دولة توحد الأمة تحت راية واحدة وتنطلق بالإسلام إلى العالمية، هذه الدولة جزء من نظام الإسلام، وإذا كانت الأفكار والمعتقدات والمبادئ تحتاج إلى كيان قوي لحمايتها فهذا الكيان هو الدولة التي سعى إليها رسول الله (ﷺ) من أول يوم.
5- الانطلاق بالإسلام إلى العالم لتكون له العالمية باعتباره الدين التام والشامل، وأن رسوله (ﷺ) قد أُرسل إلى الناس كافة، مصداقًا لقول الله عز وجل : }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(28){ ]سبأ[.
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف العامة كانت الهجرة التي أُذِنَ للرسول بها.
الخطوة الثالثة : الوسائل والأساليب:
رغم ثقة النبي (ﷺ) بحماية ربه له فهذا لم يمنعه من أن يأخذ الاحتياط البشري الذي يملكه ، وما أحوجنا إلي أن ندرك واجبنا في الإعداد لمواجهة العدو رغم اعتمادنا الأول والأخير علي الله تعالي ، لا أن نحيل تقصيرنا وضعفنا وتهاوننا علي القدر ، ونتوجع علي عدم نصر الله تعالي لنا ،ونحن المسئولون عن ذلك. لذلك قام النبي (ﷺ) بوضع الوسائل للهجرة المباركة علي النحو التالي :
1ـ التهيئة للهجرة واختيار المكان المناسب :ـ
البحث عن مراكز داعمة للحركة نحو الدولة وذلك من خلال ترتيب الهجرة إلى الحبشة قال تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)} ] العنكبوت [ .
قال ابن كثير رحمه الله-: "هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين إلى أرض الله الواسعة حتى يمكن إقامة الدين إلى أن قال: ولهذا ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم بها، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم هناك، فوجدوا خير المنزل هناك أصحمة النجاشي ملك الحبشة، (رحمه الله تعالى) قال (ﷺ) لأصحابه: }لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق حتى يجعل لكم فرجاً مما أنتم فيه { فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله (ﷺ) إلى أرض الحبشة، مخافة الفتنة، وفراراً إلى الله بدينهم، فكانت أول هجرة كانت في الإسلام).
ولكن كان النبي (ﷺ) يعلم من خلال خبرته للواقع أن الحبشة لا تصلح لأن تكون مقراًّ للدولة الإسلامية لأنها كانت في منفي واعتماد الدولة علي الملك العادل الذي إن مات ماتت الدعوة هناك ، ولكن ظل النبي (ﷺ) يعرض نفسه علي القبائل والأسواق ، حتي قابل أولئك النفر من يثرب حتي كانت بيعتي العقبة الأولى والثانية، ولقد سجَّل القرآن ذلك، يقول الله تبارك وتعالى:}لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحا قَرِيبا(18){ ]الفتح[.
وكان من أهداف الرسول (ﷺ) من تلك البيعتين هو تأسيس وطن جديد لاستقبال هذه الدعوة والانطلاق بها ، وحماية الفئة المؤمنة، وتلي ذلك هجرة المسلمين إلى المدينة، كما أرسل رسول الله (ﷺ) سفراء يسبقونه، ومنهم مصعب بن عمير رضي الله عنه؛ للتمهيد لاستقباله ومن آمنوا معه.
2ـ التوقيت المناسب للهجرة:
لقد أَوْحَى الله عزَّ وجلَّ إلى نبيه (ﷺ) وأخبره بمؤامرة قريش، وَأَذِنَ له في الخروج، وحدَّد له وقت الظهيرة، وذهب إلى أبي بكر رضي الله عنه في ذلك الوقت، في ساعة لا يظن أحد أن يخرج فيها رسول الله (ﷺ)، وَمَكَثَ في الغار ثلاثة أيام حتى تهدأ الأمور ويأمن الطريق، لقد اختار الله عزَّ وجلَّ لنبيه التوقيت المناسب في إطار خطة محكمة وترتيب دقيق.
3ـ اختيار الطريق المناسب:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه من الغار نحو الجنوب إلى اليمن، ثم اتجه غربًا إلى الساحل حتى سارا في طريق لم يألفه الناس إلا نادرًا بهدف تجنب شر الأعداء.
4- كتمان الأمر :
سياسة كتم الأسرار، حتى لا يعلم المشركين والكفار أي معلومات عن الهجرة، حتى وأنه قد أخفاها لمرحلة معينة عن صاحبه المخلص الأمين أبو بكر الصديق، وعن الذين سوف يكلفون بمهام خاصة فيها.
تقول كتب السيرة: "لقد استعد أبو بكر للهجرة إلى المدينة؛ ليلحق بمن هاجر من قبل، فقال له رسول الله (ﷺ): "على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي، فقال له أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: نعم، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله (ﷺ) ليصحبه.."، ولكن لم يُعْلِم رسول الله (ﷺ)أبا بكر بميعاد الهجرة،
والنموذج الثاني من كتمان أسرار الهجرة عندما ذهب النبي (ﷺ) إلى أبي بكر؛ ليبرم معه مراحل الهجرة، قالت عائشة رضي الله عنها: "بينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله (ﷺ) متقنعًا في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداك له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلاَّ أمر؛ قالت: فجاء رسول الله (ﷺ) فاستأذن، فأذن له، فدخل، فقال النبي (ﷺ) لأبي بكر: "أخرِج مَنْ عِنْدك"، فقال أبو بكر: إنما هم أَهْلُكْ، بأبي أنت يا رسول الله، قال: "فإني قد أُذِنَ لي في الخروج"، فقال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله؟ قال رسول الله (ﷺ): "نعم" ]رواه البخاري[.
ويستنبط من ذلك الموقف كتمان ميعاد الهجرة عن أهل رسول الله (ﷺ) وعن أبي بكر حتى ساعة التنفيذ، وهذه سياسة رشيدة عند التعامل مع الأعداء.
5ـ توزيع الأدوار والاختصاصات وتوفير الأدوات:
إن سياسة تحديد وتوزيع الاختصاصات والمسئوليات من الأشياء المهمة في أي خطة، فلم تكن الهجرة عملاً عشوائيًّا، بل كانت خطة محكمة جدًّا وتنظيمًا دقيقًا، وُزِّعَت فيها الاختصاصات وحُدِّدَت المسئوليات علي هذا النحو:ـ
رفيق الرحلة :
أبو بكر الصديق رضي الله عنه يرافق الرسول (ﷺ) ويعاونه ويساعده ويشتري راحلتين.
رد الودائع والأمانات والتعمية علي الكفار :
يقوم به علي رضي الله عنه ، ينام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم للتمويه ويرد الأمانات والودائع لأصحابها.
نقل المعلومات وأخبار العدو:
يقوم به عبد الله بن أبي بكر، فلا يكفي أن يقوم النبي (ﷺ) في الغار مدة معينة ثم ينطلق إلي المدينة حسب تقديره وظنه فلا بد من التعرف مباشرة علي كل أسرار العدو مخططاته وتوقعاته يحيث تصل أول بأول إليه (ﷺ) فيكون متابعة تنفيذ الخطة قائما علي خبرة الواقع لا علي الظن يخطئ ويصيب فكان عبدالله يسمع أخبار مكة نهارا ويقضي النهار معهم ، ثم يأتي بالليل إلي النبي (ﷺ) في الغار يبيت معهم ، وقبل الفجر يذهب إلي مكة ، وكأنه نائم في مكة ، وكلما كانت القيادة أعلم بواقع العدو ، وأدري بأسراره ، ولها في صفوفه من ينقل إليها كل تخطيطاته ، كلما كان ذلك أنجح لها في تنفيذ خططها ومخططاتها.
تأمين الزاد :
تقوم به أسماء بنت أبي طالب رضي الله عنها وكانت حامل في شهورها الأخيرة وكانت تصعد في الجبل الوعر الشامخ ذو الأحجار الكثيرة .
إخفاء أثر الأقدام :
يقوم به عامر ابن فهيرة ، يقوم برعي الأغنام ليعفي أثر الأقدام ،ونجحت هذه السياسة في إخفاء محاولة المشركين في العثور على رسول الله (ﷺ) وصحبه .
الاستعانة بالخبراء:
لقد اتبع النبي (ﷺ) سياسة الاستعانة بالخبراء حتى ولو كانوا من غير المسلمين، لقد استعان رسول الله (ﷺ) بعبد الله بن أريقط الليثي؛ ليدله على أفضل الطرق الخفية إلى المدينة باعتباره من الخبراء في ذلك.
تقول كتب السيرة: "لقد استأجر رسول الله (ﷺ) وصاحبه أبو بكر عبد الله بن أريقط الليثي الكافر، وكان هاديًا ماهرًا بالطريق وَأَمِنَاهُ على ذلك، وسلما إليه الراحلتين، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، وجاءهما عبد الله في المكان والميعاد المتفق عليه، ولقد استنبط فقهاء الإسلام أنه يجوز الاستعانة بغير المسلم عند الضرورة متى كان خبيرًا وأمينًا.
لقد كان توزيع دقيق للمسئوليات في إطار سياسة رشيدة وخطة محكمة، ولذلك تحققت المقاصد والأهداف بدون ارتباك أو خلل، وهذا ما يجب الاستفادة منه في إدارة شئون حياتنا كلها وفي دعوتنا الإسلامية.
6 ـ التمويه والسرية والكتمان :
حرص النبي (ﷺ) علي كتمان الأمر وأخذ السرية التامة تقول أمنا عائشة رضي الله عنها " بينما نحن جلوس في بيتنا بمكة في حر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله (ﷺ) مقيلا مغطيا رأسه في ساعة لم يأتينا فيها ..)
وقد أوصي النبي (ﷺ) بالاستعانة بالسرية فقال (ﷺ) "استعينوا علي قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود "
لقد مَوَّه رسول (ﷺ) خروجه من البيت، ثم غادر هو وأبو بكر من بيت سيدنا أبو بكر رضي الله عنه من باب خلفي، وسلك طريقًا غير طريق المدينة المعتاد، وهو الطريق الواقع جنوب مكة والمتجه نحو اليمن، وكان النبي (ﷺ) يسير على أطراف قدميه كي يخفي الآثار، وظل في الغار مدة ثلاثة أيام حسب التخطيط ، وهنا تبدو عظمة التخطيط أكثر حين نعلم أن غار ثور في جنوب مكة ، وليس علي طريق المدينة حيث احتمالات الرصد ، ولما كان النبي (ﷺ) يعلم أن قريشا ستجد في الطلب ، وإن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار لأول وهلة هو طريق المدينة الرئيسي المتجه شمالا ، فقد سلك الطريق المعاكس تماما وهو الواقع جنوب مكة والمتجه نحو اليمن ، سلك هذا الطريق نحو خمسة أمثال حتي بلغ إلي جبل يعرف بجبل ثور وهو جبل شامخ وعر الطريق صعب المرتقي ذو أحجار كثيرة فخفيت قدما رسول الله ، وأقام النبي (ﷺ) ثلاثة أيام لأن الخروج إلي أي مكان في الأيام الأولي يجعلهما عرضة للوقوع في قبضة العدو كما أن المدة الزمنية كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا في المعلومات المقدمة من عبدالله ابن أبي بكر عن خفة الطلب عليهما كما أن الاستقرار أكثر قد يلفت النظر من الآخرين حين يتكرر المرور عليهما من أسماء وعبدالله كل يوم .
العنصر الرابع : التأييد الرباني في الهجرة :
بالرغم من كل الأسباب التي اتخذها رسول الله (ﷺ) ، فإنه لم يرتكن إليها مطلقا وإنما كان كامل الثقة في الله تعالي ، عظيم الرجاء في نصره وتأييده ، دائم الدعاء بالصيغة التي علمه الله إياها قال تعالي }وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80){ ]الإسراء[ . ويظهر التأييد الإلهي في أكثر من موقف في الهجرة :
1ـ إخبار جبريل عليه السلام للنبي (ﷺ) بمكيدة قريش لقتله ، وأمره ألا ينام في مضجعه تلك الليلة، قائلاً له : " لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه ".
وقد قال الله تعالي }وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(30)}[الأنفال].
وقد فسرها ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده بما قاله عبد الله بن عباس فيها، قال: تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال: بعضهم إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي (ﷺ) ، وقال: بعضهم بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك فبات علي على فراش النبي (ﷺ) تلك الليلة وخرج النبي (ﷺ) حتى لحق بالغار وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي (ﷺ) فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوا عليا رد الله مكرهم فقالوا أين صاحبك هذا، قال لا أدري
2ـ خروجه (ﷺ) من بين أيديهم ويضع علي رؤوسهم التراب، فألقى الله عليهم النعاس فسقطت من أيديهم السيوف وما قاموا إلا عندما طلعت الشمس كل يحتحت التراب من على رأسه، وهو يتلوا قول الله تعالي }وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9){ ]يس[.
3ـ حماية الله و حفظه لنبيه (ﷺ) في الغار.
عندما خرجوا مغضبين لما رأوا عليا في فراشه (ﷺ) فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل خُلِّط عليهم فصعدوا في الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخل ههنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال". ساعتها أحاط المشركون بالغار، وأصبح منهم رأي العين طمأن الرسول (ﷺ) الصديق رضي الله عنه بمعية الله تعالي لهما ، فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : قلت للنبي (ﷺ) وأنا في الغار لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا .فقال : ما ظنك يا أبا بكرباثنين الله ثالثهما ؟) وسجل الحق عز وجل ذلك في قوله تعالي }إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(40){ ]التوبة[.
ورحم الله القائل :ـ
عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطم
ورحم الله أحمد شوقي حين قال ..
فَأَدبَروا وَوُجوهُ الأَرضِ تَلعَنُهُمْ كَباطِلٍ مِن جَلالِ الحَقِّ مُنهَزِمِ
لَولا يَدُ اللهِ بِالجارَينِ ما سَلِما وَعَينُهُ حَولَ رُكنِ الدينِ لَم يَقُمِ
ويلاحظ أنها جاءت بعد أن أخذ الرسول (ﷺ) بكافة الأسباب المتاحة، و هذا شأن المؤمن مع الأسباب، أن يقوم بها كأنها كل شيء في النجاح ثم يتوكل بعد ذلك على الله ؛ لأن كل شيء لا قيام له إلا بالله، فالنبي (ﷺ) خطط و دبر للهجرة و أخذ بكل أسبابها الممكنة للبشر، كل ذلك مع توكله المطلق على ربه و مولاه الذي كان يجرى له الخوارق بعد استفراغ غاية الجهد ؛ و لذلك قال لصاحبه : "لا تحزن إن الله معنا" و لم يقل : لا تحزن إن خطتنا محكمة، و هي بالفعل محكمة، لكن الأمر كله لله من قبل و من بعد.
4 ـ مشهد آخر من مشاهد ذلك التأييد الرباني، والحفظ الإلهي تجلى واضحاً، في خبر سراقة بن مالك وهو يلحق بالنبي عليه الصلاة والسلام وصاحبه وهو طامع في المائة ناقة التي رصدتها قريش لمن يأتي بالنبي (ﷺ) حيا أو ميتا، فحينما اقترب منهما، ورآه أبو بكر وقع في نفسه الخوف والحزن، فأخبر الرسول بذلك، لندع الصديق يقص علينا طرفاً من خبره ذاك، يقول أبو بكر رضي الله عنه كما في صحيح مسلم " واتبعنا سراقة بن مالك قال ونحن في جلد من الأرض (صلبة)، فقلت يا رسول الله أُتينا، فقال: لا تحزن إن الله معنا، فدعا عليه رسول الله (ﷺ) فارتطمت فرسه إلى بطنها، فقال: إني قد علمت أنكما قد دعوتما علي فادعوا لي، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب، فدعا الله فنجا، فرجع لا يلقى أحدا إلا قال قد كفيتكم ما ههنا فلا يلقى أحدا إلا رده قال ووفى لنا"، وأعطاه النبي (ﷺ) كتاب أمان، ثم تبسم عليه الصلاة والسلام تبسم الواثق من نصرالله له، وقال: يا سراقة ! كيف بك إذا طوقت بسواري كسرى؟ قال كسري ابن هرمز ملك الفرس قال النبي (ﷺ) نعم . يتعجب سراقة من حال النبي صلي الله عليه وسلم وهو المطارد هو وصاحبه يبن الجبال يعد بكنوز كسري ملك الفرس وكأن النبي صلي الله عليه وسلم ينظر نظرة أمل إلي المستقبل الكبير للإسلام الذي يعم الدنيا كلها ، وفعلا تم الفتح للمسلمين في خلافة سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأخذ سراقة سواري كسري من أمير المؤمنين سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه.
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان
وصدق الله العظيم إذ يقول :} وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48){ ]الطور[
في هذا المعلم من معالم هجرته (ﷺ) ، يقترن المادي بالغيبي، ويتزاوج الإعداد البشري بالتأييد الإلهي، وفي ذلك عبرة ودرس للمسلمين من بعد، بأنهم مكلفون بأن يتخذوا من الأسباب ما يستطيعونه ويقدرون عليه، دون تقصير أو تكاسل، أما الركون إلى ما عند الله من أسباب النصرة الغيبية، دون إتعاب النفوس، وإنفاق الأموال في نصرة الدين، فهو من إفرازات التفكير الخوارقي، الذي لا يقدم ولا يؤخر ولا يسمن ولا يغني .
وفي الختام:
الأخذ بالأسباب فرض وترك الأسباب معصية ،والاعتماد علي الأسباب شرك .
فاللهم إنا نسألك أن توفقنا للأخذ بالأسباب ولا تكلنا إلي أنفسنا طرفة عين أو أقل من ذلك فنضل ضلالا بعيداً .
فاللهم إنا نسألك أن توفقنا للأخذ بالأسباب ولا تكلنا إلي أنفسنا طرفة عين أو أقل من ذلك فنضل ضلالا بعيداً .
وصل اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
==================================
رابط pdf
https://www.raed.net/file?id=258013
رابط doc
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق