الحمد لله رب العالمين . ذل كل شيء لعزته ،وتواضع كل شيء لعظمته ، واستسلم كل شيء لقدرته ، وخضع كل شيء لملكه . لا يعذب عباده ما داموا يستغفرونه فقال تعالى } وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ (33){ ] الأنفال[
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .أمر عبادة بالاستغفار والتوبة فقال تعالى }وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَيُؤۡتِ كُلَّ ذِي فَضۡلٖ فَضۡلَهُۥۖ (3){ ] هود[.
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) سيد المستغفرين التائبين، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله (ﷺ) يقول: }والله إنِّي لأستغفرُ الله وأتوبُ إليه في اليومِ أكثرَ من سبعينَ مرَّةً{ ]البخاري[
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد: فيا أيها المؤمنون
فإن كثيراً من الناس يقع في الفتن والمعاصي ، وهذه طبيعة ابن آدم فإذا لم يرجع ويستغفر ويتوب يعرض نفسه لعذاب الله تعالى وعقابه في الدنيا والآخرة وقد جعل الله تعالى الأمان من العذاب ، واحد منهم ذهب إلى ربه وبقي الآخر فقال تعالى } وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ (33){ ] الأنفال[ .
قال أبو موسى رضي الله عنه :"كان لنا أمانان، ذهب أحدهما وهو كون الرسول (ﷺ) فينا، وبقي الاستغفار معنا، فإذا ذهب هلكنا".
فمن أعظم وسائل الأمن في حياة المسلم الاستغفار ، فبالاستغفار تغفر الخطايا والذنوب ، وبالاستغفار تكون البركة في الأرزاق لذلك كان حديثنا عن }الاستغفار وأثره في حياة المسلم { وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ معنى الاستغفار .
2ـ الفرق بين الاستغفار والتوبة.
3ـ أهمية الاستغفار .
4ـ الاستغفار في حياة الأنبياء والصالحين.
5ـ أثر الاستغفار في حياة المسلم.
6ـ أوقات الاستغفار وصيغ الاستغفار.
7ـ الخاتمة .
============
العنصر الأول : معنى الاستغفار :
الاستغفار معناه: طلب المغفرة من الله؛ قال الله عز وجل في الحديث القدسي: }يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تُشـرِك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة{ ]رواه الترمذي[
والمراد بالاستغفارِ هنا الاستغفارُ الْمَقرون بعدم الإصرار على الذنب؛ لما رُوِي في الأثر: عنْ أبي بكْرٍ الصديق رضي الله عنْه قال: قال رسول الله (ﷺ) }ما أصرَّ مَن استغفر، وإنْ عاد في اليوم سبعين مرةً{.
العنصر الثاني : الفرق بين الاستغفار والتوبة:
قال ابن القيم في مدارج السالكين: الاستغفار نوعان: مفرد, ومقرون بالتوبة، فالمفرد: كقول نوح عليه السلام لقومه: {استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا} [نوح: 10] وكقول صالح لقومه: {لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون} [النمل: 46] ..
والمقرون كقوله تعالى: {استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعًا حسنًا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله} [هود: 3]
فالاستغفار المفرد كالتوبة، بل هو التوبة بعينها، مع تضمنه طلب المغفرة من الله، وهو محو الذنب, وإزالة أثره, ووقاية شره، فلا بد في لفظ المغفر من الوقاية، وهذا الاستغفار هو الذي يمنع العذاب في قوله: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال: 33] فإن الله لا يعذب مستغفرًا، وأما من أصر على الذنب، وطلب من الله مغفرته، فهذا ليس باستغفار مطلق؛ ولهذا لا يمنع العذاب، فالاستغفار يتضمن التوبة.
والتوبة تتضمن الاستغفار، وكل منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق, وأما عند اقتران إحدى اللفظتين بالأخرى،
فالاستغفار: طلب وقاية شر ما مضى،
والتوبة: الرجوع, وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله". اهـ.
العنصر الثالث : أهمية الاستغفار:
الاستغفار أمر الله تعالى قال تعالى :{وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(199) } [البقرة] ، وقوله تعالى :{ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ(3){ [هود]
الاستغفار صفة لازمة للمتقين فقال تعالى } إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ (15) ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ (16) كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ (17) وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ (18){ ] الذاريات[
وقال تعالى } وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ (17){ ] آل عمران[
إن الاستغفار عبادة عظيمة، تُقرِّبُ العبدَ مِن مولاه تعالى، وترفعه درجات يوم القيامة، وتكون سبباً في كشف الكروب ودفع العذاب، فحريٌّ بكلِّ مُؤمنٍ أن يلزم الاستغفار، ويَستكثر منه، ويُربِّي نفسه ومَن تحتَ يده عليه، فطُوبى لمن وَجَدَ في صحيفتهِ استغفاراً كثيراً.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الاستغفار يُخرج العبد من الفعل المكروه إلى الفعل المحبوب، ومن العمل الناقص إلى العمل التام، ويرفع العبد من المقام الأدنى إلى الأعلى منه والأكمل، فإن العبد في كل يوم، بل في كل ساعة، بل في كل لحظة يزداد علمًا بالله وبصيرة في دينه وعبوديته بحيث يجد ذلك في طعامه وشـرابه ونومه ويقظته وقوله وفعله، ويرى تقصيره في حضور قلبه في المقامات العالية وإعطائها حقَّها، فهو يحتاج إلى الاستغفار آناء الليل وأطراف النهار؛ بل هو مضطرٌّ إليه دائمًا في الأقوال والأحوال، في الغوائب والمشاهد؛ لما فيه من المصالح وجلب الخيرات ودفع المضـرَّات، وطلب زيادة القوة في الأعمال القلبية والبدنية"
وعن بكر المُزَني رحمه الله قال: إن أعمال بني آدم تُرفَع، فإذا رفعت صحيفةٌ فيها استغفار رُفِعَت بيضاء، وإذا رُفِعَت ليس فيها استغفارٌ رُفِعَت سوداءَ.
وقال ابن تيمية رحمه الله: "العبدُ دائمًا بين نعمةٍ من الله يَحتاجُ فيها إلى شُكرٍ، وذنبٍ منه يَحتاجُ فيه إلى استغفارٍ، وكلٌّ من هذين من الأمورِ اللازمةِ للعبدِ دائمًا؛ فإنَّه لا يزالُ يتقلَّبُ في نعمِ الله وآلائِه، ولا يَزالُ محتاجًا إلى التوبةِ والاستغفارِ، ولهذا كانَ سيدُ ولدِ آدم وإمامُ المتقينَ يَستغفِرُ في جميعِ الأحوالِ".
فالاستغفار منهج حياة باللسان والقلب والجوارح ، أما المستغفر بلسانه فقط فهو متشبِّثٌ بذنبه، مقيمٌ عليه مُصِـرٌّ عليه بقلبه، فهو لم يصدق في استغفاره.
لذلك كان الاستغفار شعار الأنبياء والصالحين لم يتركوه في أي حال من الأحوال .
العنصر الرابع: الاستغفار في حياة الأنبياء والصالحين:
1ـ سيدنا آدم وأمنا حواء عليهما السلام : لما خالفا أمر الله عز وجل وأزلهما الشيطان، وأوقعهما في الخطأ، بادرا بالاستغفار والتوبة والندم } قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(23){[الأعراف].
2ـ سيدنا نوح عليه السلام حين سأل الله أن يُنجي ابنَه، عدَّ هذا السؤال ذنبًا يُوجِب الاستغفار؛ بل خشـي من الخسـران بقوله تعالى:}قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ(47){[هود].
3- وقال سيدنا نوح عليه السلام: }رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28){ [نوح].
4- سيدنا موسى عليه السلام لما وكز الرجل المصري: }قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16){ [القصص].
وقوله تعالى: } قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151){ [الأعراف].
5- سيدنا إبراهيم عليه السلام يقول راجيًا مغفرة مولاه مُعَدِّدًا أفضالَه عليه: }الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82){[الشعراء].
6ـ سيدنا يونس عليه السلام يُنادي في الظلمات بقوله تعالى: }لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87){ [الأنبياء].
7ـ سيدنا داود عليه السلام يقول الله عز وجل في شأنه:}وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ(24){[ص].
8ـ سيدنا سليمان عليه السلام: }قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35){[ص].
9ـ سيدنا يعقوب عليه السلام عندما أتى أبناؤه يطلبون المغفرة: } قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(98) { [يوسف].
10ـ سيدنا شعيب عليه السلام: قال لقومه: { وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ(25)} [هود].
11ـ سيدنا صالح عليه السلام: قال سيدنا صالح لقومه بعد أن أمرهم بعبادة الله: { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ(26){ [هود]
12ـ سيدنا محمد نبينا (ﷺ) يقول: }والله، إني لأستغفرُ اللهَ، وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة{ [رواه البخاري].
وعن الأغَرِّ المُزني، أنَّ رسول الله (ﷺ) قال: }إنِّي لأستغفرُ الله في اليومِ مائةَ مرَّةٍ{. وفي لفظٍ: }يا أيها الناسُ توبُوا إلى الله، فإنِّي أتوبُ في اليومِ إليه مائةَ مرَّةٍ{. ]أخرجه مسلم[.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قالَ: إنْ كنَّا لنَعُدُّ لرسولِ الله (ﷺ) في المجلسِ الواحدِ مائةَ مرَّةٍ: }ربِّ اغفِرْ لي وتُبْ عليَّ، إنَّك أنت التَّوَّابُ الرَّحيمُ{. ]إسناده صحيح: أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة[.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسولُ الله (ﷺ) يُكثِرُ أن يقولَ قبلَ أن يموتَ: }سبحانَك وبحمدِك، أستغفِرُك وأتوبُ إليكَ{، قالت: قلتُ يا رسولَ الله، ما هذه الكلماتُ التي أرَاك أحدثتَها تقولُهَا؟ قال: "جُعِلتْ لي علامةٌ في أمتِي إذا رأيتُها قلتُها": } إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ(1) { [النصر] إِلى آخرِ السُّورةِ.] أخرجه مسلم[
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبيِّ (ﷺ)أنَّه كان يدعو بهذا الدعاءِ: }اللهم اغفِرْ لي خَطيئتِي وجَهلِي، وإسرافِي في أمرِي، وما أنت أعلمُ به مني، اللهم اغفِرْ لي جِدِّي وهَزلِي، وخَطئِي وعمْدِي، وكلُّ ذلك عندي، اللهم اغفِرْ لي ما قدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسرَرْتُ وما أعلَنْتُ، وما أنت أعلمُ به مِنِّي، أنت المُقدِّمُ وأنت المُؤخِّرُ، وأنت على كلِّ شيءٍ قديرٌ{.] الصحيحين[
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله (ﷺ) كان يقولُ في سجودِه: }اللهمَّ اغفِرْ لي ذنبِي كلَّه دِقَّه، وجِلَّه، وأولَه وآخرَه وعلانيتَه وسِرَّه{.] ]أخرجه مسلم[
وعند خِتامِ المجلسِ؛ أخرج أبو داود وغيره بسند حسن عن أبي بَرزة الأسْلَميِّ رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله (ﷺ) يقول بآخرَةٍ إذا أرادَ أن يقومَ من المجلس: "}سبحانَك اللهمَّ وبحمدِك، أشهدُ أن لا إله إلا أنتَ، أستغفِرُك وأتوبُ إليك". فقالَ رجلٌ: يا رسولَ الله، إنَّك لتَقُولُ قولًا ما كنتَ تقولُه فيما مضَى. فقال: "كفَّارَةٌ لِمَا يكونُ في المَجلسِ"{.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسولُ الله (ﷺ) يُكثِرُ أن يقولَ قبلَ أن يموتَ: }سبحانَك وبحمدِك، أستغفِرُك وأتوبُ إليكَ{.
11ـ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول للرسول (ﷺ): يا رسول الله، علمني دعاءً أدعو به في صلاتي، فيُعلِّمه رسول الله (ﷺ) أن يقول: }اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم{[متفق].
12ـ سيدنا عمر رضي الله عنه يطلب من الرسول (ﷺ) أن يستغفر له، فيقول: يا رسول الله، استغفر لي{ [متفق عليه].
وكان يطلب من الصبيان الاستغفار ويقول: "إنكم لم تذنبوا".
13ـ سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه يقول: "إني لأستغفرُ الله، وأتوب إليه، كل يوم ألف مرة، وذلك على قدر ديتي، وكان يقول لغلمان الكتَّاب قولوا: اللهم اغفر لأبي هريرة، فيؤمِّن على دعائهم".
14ـ وعن الحسن البصري قال: " أكثروا من الاستغفار في بيوتكم ، وعلى موائدكم ،وفي طرقكم ،وفي أسواقكم ،وفي مجالسكم ،أينما كنتم فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة.
15ـ عن ابن المبارك عن الأوزاعي قال: قال إبليس لأوليائه: من أي شيء تأتون بني آدم؟ فقالوا: من كل شيء. قال: فهل تأتونهم من قبل الاستغفار؟ فقالوا: هيهات ذاك شيء قُرِنَ بالتوحيد. قال: لأبُثَّنَّ فيهم شيئًا لا يستغفرون الله منه. قال: فبث فيهم الأهواء.
العنصر الخامس : أثر الاستغفار في حياة المسلم:
1ـ الاستغفار دواء الأمة :
الإنسان بطبيعته التي خلَقَه الله عليها يَمِيل إلى ما يُوافق هواه، وكثيرًا ما يُخْطِئ في حقِّ الله تبارك وتعالى إمَّا بالتقصير في طاعته سبحانه، وإمَّا بفِعْل ما نَهى الله عنه.
ومن رَحْمة الله تعالى وفضْلِه أنْ جعل للمُذْنِب بابًا مفتوحًا، وهو باب الاستغفار والتَّوبة إلى الله تعالى.
وكما نعلم جميعًا أنَّه لا معصومَ مِن الْخَطأ غيْرُ أنبياء الله ورسُلِه؛ كما في الحديث الذي أخرجه ابنُ ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ):} كلُّ بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون{، فكل الناس يُخْطِئون ما عدا أنبياء الله ورسله عليهم الصَّلاة والسَّلام جميعًا فالإنسان لا بُدَّ له من أن يقع في الذَّنب، ولكن ما الحلُّ لذلك؟ وماذا يصنع؟
"يجب عليه إذا أذنب ذنبًا أن يرجع إلى الله، ويتوب إليه، ويندم، ويستغفر حتَّى يَنْمحي عنه ذلك الذنب"؛
فالذُّنوب داء، وعلاجُها: التَّوبة والاستِغفار، قال ابن رجب رحمه الله: "وبالْجُملة فدَواء الذُّنوب الاستغفار...
قال قتادة: إنَّ هذا القرآن يدلُّكم على دائكم ودوائكم؛ فأمَّا داؤكم فالذُّنوب، وأمَّا دواؤكم فالاستغفار".
وقال بعضهم: "إنَّما معول الْمُذنبين البكاء والاستغفار، فمن أهَمَّتْه ذنوبه أكثر لَها من الاستغفار.
قال رباح القيسيُّ: لي نيِّف وأربعون ذنبًا قد استغفرتُ الله لكلِّ ذنب مائة ألف مرة
إن داء الأمم والشعوب هو الذنوب ودواؤها الاستغفار فلا نغفل عن دوائنا وعلاجنا
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ)}والَّذي نفسي بيده، لو لَم تُذْنِبوا فتستغفروا لذَهَب الله بكم، ولَجاء بقومٍ يُذْنِبون فيستغفرون الله، فيغفر الله لَهم{ ] رواه مسلم في صحيحه[
وليس في الحديث التَّساهلُ في الوُقُوع في الذنب، ثُمَّ الاستغفار بعد ذلك؛ وإنَّما فيه بيانٌ لِحالة العبد بعد توبته واستغفارِه من الذنب، وأنه إذا أذنب فقد جعل الله له مَخرجًا من ذلك بالتوبة والاستغفار فالاستغفار علاج ودواء لمرض الذنوب.
فها هو [دينار العيَّار]، كان مسرفًا على نفسه، وكان له أم تعظه فلا يتعظ ، فمر في يوم من الأيام بمقبرة كثيرة العظام قد خرجت العظام من المقبرة ، فتذكر مصيره ،
وتذكر نهايته ، وتذكر أنه على الله قادم ، أخذ عظْمًا نخراً في يده ففتته، ثم فكر في نفسه وقال: ويحك يا نفسي، كأني بك غدًا قد صار عظمك رفاتًا، وجسمك ترابًا، وما زلت مكبَّة على المعاصي واللذائذ والشهوات، ثم ندم وعزم على التوبة، ورفع رأسه للسماء قائلا: إلهي ألقيت إليك مقاليد أمري، فاقبلني واسترني يا أرحم الراحمين، ثم مضى إلى أمه متغير اللون، منكسر القلب، فكان إذا جنَّه الليل أخذ في القيام والبكاء، وأخذ في النحيب وهو يقول: يا دينار ألك قوة على النار؟
يا دينار ألك قوة على النار؟ كيف تعرضت لغضب الجبار؟
وظل على ذلك أيامًا يقوم ليله، ويناجي ربه، ويناجي نفسه يؤدبها ويحاسبها،
فرفقت به أمه يوم رأت جسمه قد هزل، ويوم رأت صحته بدأت تتدهور، فقالت: ارفق بنفسك قليلا، فقال: يا أماه دعيني أتعب قليلا لعلي أستريح طويلا، يا أماه إن لي موقفًا بين يديْ الجليل، ولا أدري إلى ظل ظليل، أم إلى شر مقيل؟ إني أخاف عناء لا راحة بعده، وتوبيخًا لا عفو معه، قالت: بنياه أكثرت من إتعاب نفسك؟، قال: راحتها أريد، يا أماه ليتك كنت بي عقيمًا، إن لابنك في القبر حبسًا طويلا، وإن له من بعد ذلك وقوفًا بين يديْ الرحمن طويلا، وتمر ليالٍ وهو يقرأ قول الله، ويقوم ليله، بقول الله } فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93){ ]الحجر[ فيبكى ويضطرب، ثم يخر مغشيًا عليه.
2ـ تكفير السيئات ورفع الدرجات:
قال الله سبحانه وتعالى: }وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا(110){[النساء]
قال تعالى في الحديث القدسي:}يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم{ [رواه مسلم]
بل إن الله تعالى ينادي عباده في الثلث الأخير من الليل قائلًا: }من يستغفرني فأغفر له{ [متفق عليه].
ويرفع العبد من المقام الأدنى إلى المقام الأعلى، ومن الناقص إلى التام، ومن المكروه إلى المحبوب؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه، عن النبي (ﷺ) قال:}إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب، أنَّى لي هذه؟! فيقول: باستغفار ولدك لك{ [رواه أحمد].
فمَن لزم الاستغفار سرَّته صحيفتُه يوم القيامة: هنيئًا لِمَن داوم على الاستغفار، فجاء يوم القيامة قد ذهبت سيئاتُه هباءً، وتضاعَفَتْ حسناتُه وعظُمَت، فعن عبدِالله بن بُسْر رضي الله عنه قال: قال النبيُّ (ﷺ): }طُوبَى لِمَن وَجَد في صحيفته استغفارًا كثيرًا{ ]أخرجه ابن ماجه بسند حسن[.
وعن الزُّبَير بن العوَّام رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله (ﷺ): }مَن أحبَّ أن تَسُرَّه صحيفتُه، فليُكثِر فيها مِن الاستغفار{[أخرجة الطبراني].
3ـ الاستغفار سبب لدخول الجنة:
قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ(136)} [آل عمران] فالصالحون يخطئون، لكنهم يبادرون بالاستغفار والتوبة، فأعقَبَهم الله بكثرة استغفارهم جنات النعيم. لقد كان الصالحون مِن كلِّ أمة على هذا الدرب، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ(17)} [آل عمران].
4ـ سبب لجلب الرزق وسعته والإمداد بالأموال والبنين:
قال عز وجل عن سيدنا نوح عليه السلام أنه قال لقومه:} فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارٗا (10) يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا (11) وَيُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ جَنَّٰتٖ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ أَنۡهَٰرٗا (12){ [نوح]
وقال تعالى:}وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ(3){ [هود].
وشكا رجل إلى الحسن البصـري رضي الله عنه الجدب، فقال له: "استغفر الله"، وشكا رجل آخر الفقر، فقال له: "استغفر الله"، وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: "استغفر الله"، فقالوا له في ذلك: أتاك رجالٌ يشكون، فأمرتهم كلهم بالاستغفار؟! فقال: ما قلت من عندي شيئًا؛ إن الله تعالى يقول في سورة نوح عليه السلام: :} فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارٗا (10) يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا (11) وَيُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ جَنَّٰتٖ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ أَنۡهَٰرٗا (12){ [نوح]
والمدد ليس بالمال فقط وإنما بالفهم والعلم يقول الإمام ابن القيِّم رحمه الله : "وشَهِدتُ شيخَ الإسلام ابنَ تيميَّة رحمه الله إذا أعيَته المسائل واستعصَتْ عليه، فَرَّ منها إلى التوبة والاستغفار والاستعانة بالله واللجوء إليه، واستِنزال الصوابِ من عنده، والاستفتاح من خَزائن رحمته، فقلَّما يلبَثُ المددُ الإلهي أنْ يَتتابَع عليه مَدًّا، وتَزدلِف الفتوحات الإلهيَّة إليه، بأيَّتهنَّ يبدأ"؛ "إعلام الموقعين"
5ـ سبب لجلاء القلب وبياضه وصفائه ونقائه:
فالذنوب تترك آثارًا سيئة وسوادًا على القلب، والاستغفار يمحو الذنب وأثره، ويزيل ما علق بالقلب من سواد، وما قد رَانَ عليه من ذنوب ومعاصٍ، وقد صوَّر النبي (ﷺ)هذه الحالة فقال:}إنَّ المؤمن إذا أذنب نُكت في قلبه نُكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب، صقل قلبه، وأن عاد زيد فيها حتى تعلو على قلبه؛ وهو الران الذي ذكر الله تعالى:}كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14){[المطففين] [رواه أحمد والترمذي].
وقال رسول الله (ﷺ):}إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة{ [رواه مسلم].
6ـ سبب لحصول القوة في البدن:
قال تعالى على لسان هود عليه السلام لقومه: }وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ(52) { [هود].
7ـ يجلب رضا الله تعالى ومحبته، وكفى بذلك نعمة:
قال تعالى: } إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ(22){[البقرة].
8ـ سبب في تفريج الهموم والراحة النفسية:
عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضِي اللَّه عنْهُما قَال: قالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): }منْ لَزِم الاسْتِغْفَار، جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مخْرجًا، ومنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ{ ]رواه أبو داود[.
وحكي ابن قدامة في كتاب التوابين ... روي أنه لحق بني إسرائيل قحط على عهد موسى عليه السلام فاجتمع الناس إليه فقالوا يا كليم الله ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث فقام معهم وخرجوا إلى الصحراء وهم سبعون ألفا أو يزيدون فقال موسى عليه السلام إلهي اسقنا غيثك وانشر علينا رحمتك وارحمنا بالأطفال الرضع والبهائم الرتع والمشايخ الركع فما زادت السماء إلا تقشعا والشمس إلا حرارة ، فقال يارب دعوناك كما أمرتنا فلم تستجب لنا كما وعدتنا ، فقال يا موسي : إن فيكم عبد يبارزني منذ أربعين سنة بالمعاصي فناد في الناس حتى يخرج من بين أظهركم فبه منعتكم فقال موسى إلهي وسيدي أنا عبد ضعيف وصوتي ضعيف فأين يبلغ وهم سبعون ألفا أو يزيدون فأوحى الله إليه منك النداء ومني البلاغ فقام مناديا وقال يا أيها العبد العاصي الذي يبارز الله منذ أربعين سنة اخرج من بين أظهرنا فبك منعنا المطر فقام العبد العاصي فنظر ذات اليمين وذات الشمال فلم ير أحدا خرج فعلم أنه المطلوب فقال في نفسه إن أنا خرجت من بين هذا الخلق افتضحت على رؤوس بني إسرائيل وإن قعدت معهم منعوا لأجلي فأدخل رأسه في ثيابه نادما على فعاله وقال إلهي وسيدي عصيتك أربعين سنة وأمهلتني) وقد أتيتك طائعا فاقبلني فلم يستتم الكلام حتى ارتفعت سحابة بيضاء فأمطرت كأفواه القرب فقال موسى إلهي وسيدي بماذا سقيتنا وما خرج من بين أظهرنا أحد فقال يا موسى سقيتكم بالذي به منعتكم فقال موسى إلهي أرني هذا العبد الطائع فقال يا موسى إني لم أفضحه وهو يعصيني أفأفضحه وهو يطيعني.
9ـ إحلالُ الأمنِ والأمان في المجتمع:
فللاستغفارِ والتوبة أهميةٌ كبيرةٌ في أمنِ الأوطان، والتقليل من الجريمة، فعندما ينحرف شخصٌ، فيقوم بارتكاب الجرائم، ويَسعى في زعزعة الأمن، فإنَّ الاستغفار يكون عاملاً مُهمَّاً في رُجوعهِ للصواب ،وانتمائه لأمته، وإقلاعه عن جرائمهِ، ولو أُغلِقَ أمامه باب المغفرة والتوبة، فإنه سيستمرُّ في جرائمهِ، وشاهدُ ذلك ما رواه مسلم في قصَّة الذي قتلَ تسعةً وتسعينَ نفْسَاً، قال (ﷺ): }كانَ فيمَنْ كانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسَاً، فَسَأَلَ عن أعلَمِ أهلِ الأرْضِ، فَدُلَّ على رَاهِبٍ، فأَتَاهُ فقالَ: إنهُ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسَاً، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فقالَ: لا، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بهِ مِائَةً... { الحديث.
10ـ سببٌ في هلاك الشيطان:
قال ابن القيم رحمه الله: إنَّ إبليس قال: "أهلكت بني آدم بالذنوب، وأهلكوني بالاستغفار وبـ"لا إله إلا الله"، فلمَّا رأيتُ ذلك بثَثْت فيهم الأهواء، فهم يُذنِبون ولا
يتوبون؛ لأنَّهم يحسَبُون أنهم يُحسِنون صنعًا"؛ "مفتاح دار السعادة"
وعن أبي سعيد الخدري رضِي الله عنه قال: سمعت رسول الله (ﷺ) يقول: }إنَّ إبليس قال لربِّه: بعِزَّتك وجَلالك لا أبرح أغوي بني آدم ما دامَت الأرواح فيهم، فقال الله: فبعزَّتي وجَلالي لا أبرَحُ أغفر لهم ما استغفَرُوني{.] أخرَجَه أحمد وحسَّنه شعيب الأرناؤوط[
وعن ن جعفر بن برقان، قال: قلت لرجل من أهل البصرة: كيف لا يشتهي أحدنا أنه لا يزال متبركًا إلى ربه يستغفر من ذنب، ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود، قال: قد ذكر للحسن، فقال: «ود الشيطان لو ظفر منكم بهذه فلا تملوا من الاستغفار»
11ـ الاستغفار سبب للنصر على الأعداء:
قال الله تعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)} [آل عمران148].
العنصر السادس: أوقات الاستغفار وصيغ الاستغفار:
هناك أوقات ومواضع أخرى يستحبُّ الاستغفار فيها، ومن ذلك:
1- وقت السَّحر؛ قال تعالى: }وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ(17){[آل عمران]، وقال: }وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(18){ [الذاريات].
2- عند الخسوف والكسوف؛ فقد قال (ﷺ):}إذا رأيتم شيئًا من ذلك يعني (الخسوف أو الكسوف) فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره{[متفق عليه].
3- وعند التقلُّب على الفراش ليلًا؛ فعن عبادة بن الصامت، عن النبي (ﷺ) قال: }من تعارَّ من الليل وفي آخرة قال: اللهم اغفر لي، أو دعا؛ استجيب له، فإن توضَّأ؛ قُبِلت صلاتُه{[رواه البخاري].
4- وعند القيام من الليل للتهجُّد؛ فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان النبي (ﷺ) إذا قام من الليل يتهجَّد قال:}...وفيه: فاغفر لي ما قدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْـرَرْتُ وما أعلنْتُ، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت{[متفق عليه].
سيد الاستغفار :
عن شداد بن أوس عن النبي (ﷺ) قال:}سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك، ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت{[أخرجه البخاري]
إذا قال حين يمسي فمات، دخل الجنة - أو: كان من أهل الجنة وإذا قال حين يصبح فمات من يومه مثله.
ومن الصيغ الواردة في السنة النبوية عنِ ابنِ عمرَ، قالَ: إن كنَّا لنعدُّ لرسولِ اللَّهِ (ﷺ) في المَجلِسِ الواحدِ مائةَ مرَّةٍ: }ربِّ اغفر لي، وتُب عليَّ، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ{ ] رواه أبو داود[
وما ورد عن رسول الله (ﷺ) كان يقول دائماً : }رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسـرافي في أمري كله، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وهزلي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْـرَرْتُ وما أعلنْتُ، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير{[ رواه البخاري].
الخاتمة :
إن التوبة والاستغفار يمحو الذنوب والأوزار، فلا تقطع أملك في الله مهما كانت ذنوبك ومهما انقطعت بك الأسباب فالله تعالى ينادينا في قوله تعالى } قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54){ ] الزمر[
فأكثروا من الاستغفار فإن الاستغفار يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب ، وطوبى لعبد وُجِد في صحيفته استغفار كثير ، وهو علاجنا من الذنوب والمعاصي وفيه تفرج لهمومنا وحل لجميع مشاكلنا .
اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظُلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت؛ فاغفر لنا مغفرةً من عندك، وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم آمين
==============
رابط pdf
https://www.raed.net/file?id=258125
رابط doc
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق