7 أكتوبر 2018

قدوات ومثل عليا (أبو بكر الصديق رضي الله عنه رجل الدين والدولة)

                                                 





الحمد لله الذي بعث نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - في خير القرون، واختار له من الأصحاب أكمل الناس عقولاً وأقومهم ديناً وأغزرهم علماً وأشجعهم قلوباً، قوماً جاهدوا في الله حق جهاده فأقام الله بهم الدين وأظهرهم على المشركين والكافرين فقال تعالي}وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100){ التوبة . 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت .. رضي عن أوليائه ورضوا عنه وأعد لهم في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر فقال تعالي } وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72){ التوبة .  

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ربي خير أمة أخرجت للناس فقادوا الدنيا فسعدت بوجودهم فكانوا خير الناس بعده صلي الله عليه وسلم فقال (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)أخرجه الإمام أحمد.                                                     
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبة وسلم تسليما كثيرا ..

أما بعـد .. فياأيها المؤمنون.... 

قد تمر بالمسلمين شدائد وضائقات، تنقطع بهم السبل، فيتحير الناس ويضطربون، ويميدون ويحيدون عن شرع الله، فترى الناس متفرقين شذر مذر، لا يرى أحدهم الحق ولا يتبعه، حيَّرتهم فتن الحياة الدنيا، فاضطربوا اضطراباً شديداً، وتبعثروا وتفرقوا، فمَن الذي يثبِّت في هذه الحالة؟ ومَن الذي يقوم بواجب التثبيت؟

لذا فنحن في أمس الحاجة لمعرفة الرجال الذين دافعوا عن الإسلام وبذلوا الغالي والنفيس من أجل دين الله عز وجل ،ووقفوا بجانب رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يبلغ رسالة الإسلام السامية قال تعالي } لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى ...( 111 ){[يوسف].

اقرءوا التاريخ إذ فيه العبر     ضلَّ قوم ليس يدرون الخبر
  سائلوا التاريخ عنا كيف كنا     نحن أسسنا بناءً أحمديا

لإن أمر آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها، ولا يشك عاقل يؤمن بالله ورسوله أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم خير الخلق بعد رسول الله، وأنه صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وصحابته أفضل قرن من أمة وجدت على وجه الأرض، وإن معرفة أحوالهم وأخلاقهم وسيرهم لتضيء الطريق أمام المؤمن الذي يريد أن يعيش أسوة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هنا كان لزاماً علينا معرفة أخبارهم وسيرهم، ونشرها بين المسلمين عظة وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع.                                                                                   

إن أخبار هؤلاء الأخيار دواء للقلوب، وجلاء للألباب من الدنس والعيوب، وقدوة في زمن كادت القدوات أن تغيب، فمنهم مثال يحتذى، ونبراس يقتدى، ليعرف المتأخر للمتقدم فضله، ويسعى على دربه ونهجه.                                                                     
فإلى صور من حياة رجل من أولئك الأخيار، رجل عظيم القدر رفيع المنزلة، عَبَدَ الله متأسياً برسول الله، وجاهد في الله، وأنفق كل ماله في سبيل الله، نصر الرسول يوم خذله الناس، وآمن به يوم كفر به الناس، وصدقه يوم كذبه الناس، جهل فعله الكثير من أبناء المسلمين، بخسوه حقه، وهضموه منزلته، ولم يقدروه قدره، ربما لأنه عظيم بجوار من هو أعظم، وكريم بجوار من هو أكرم، فطغت عظمة صاحبه وقدره ومنزلته على عظمته وقدره ومنزلته.                                                                                                                                 
إنه أفضل الصحابة، ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على خير منه،
إنه أول من آمن من الرجال على الصحيح،
إنه لو وزن إيمانه بإيمان الأمة لرجح إيمانه،
إنه الورع الحيي، الحازم الرحيم، التاجر الكريم،
صاحب الفطرة السليمة من أدران الضلال، لم يؤثر عنه أنه شرب خمراً قط، ولم يؤثر عنه أنه سجد لصنم قط، ولم يتعامل برباً قط، ولم يؤثر عنه كذبٌ قط، كان شبيهاً بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأنعم به من شبه، رجل لا كالرجال وسيرة لا كالسير،
إنه من لا يخفى عليكم، ولا على مثلكم من المؤمنين،
إنه العملاق الفذ سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ولعن الله من أبغضه وعاداه. فحسبي وحسبكم في هذه اليوم المبارك أن نقف مع بعض صور من حياة هذا العلم وقفة تذكر وتدبر وعظة وعبرة،في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى سيرهؤلاء العظماء .
ويكون الحديث من خلال هذه العناصرالرئيسية التالية :ـ

1 ـ فضائل سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه . 
                                                                            
2 ـ أهم أخلاق سيدنا أبو بكر رضي الله عنه. 

3ـ واجب الأمة تجاه سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه .

----------------------------------------------

العنصر الأول : فضائل سيدنا أبو بكر:ـ 

1ـ يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته " ( البخاري) .
 ثبت عن عمررضي الله عنه  قال :" أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم  " ( حسنه الألباني).

3ـ معرفة فضائله من أسباب محبته ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" المرء مع من أحب " ( مسلم) .

4ـ في الفضائل للإمام أحمد بسند صحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل، فأخذ بيدي، فأراني باب الجنة التي تدخل منه أمتي، فقال أبو بكر : وددت يا رسول الله! أني معك حتى أنظر إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي).

5ـ وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال :" النبي في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة ... " الحديث .  
وفي مسلم :" من أصبح منكم اليوم صائما ؟" قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. قال "فمن تبع منكم اليوم جنازة." قال أبو بكر رضي الله عنه: انا. قال فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟" قال أبو بكر رضي الله عنه. أنا. قال "فمن عاد منكم اليوم مريضا." قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمعن في أمريء، إلا دخل الجنة " .  

6 ـ من السابقين في كل شيئ:ـ    

يقول عمر[والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر] يقصد ليلة الغار، إذ هو:} ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ( 40){[التوبة].

وفي الترمذي بسند حسن أن عمر رضي الله عنه قال: (ندب النبي صلى الله عليه وسلم للصدقة ذات يوم، فوافق ذلك مال عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً من الدهر، قال: فجئت بنصف مالي، فقال صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم مثله) .

وكانوا أهل صدق، لا يعرفون التباهي بغير الحق، ولا يعرفون الالتواء، كانوا أصفياء أتقياء أنقياء رضي الله عنهم (ويأتي أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه بكل ماله لم يُبْقِ قليلاً ولا كثيراً، فيقول صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فيقول عمر : فقلت في نفسي: لا أسابقك في شيء بعد اليوم أبداً).
أيقن عمر واقتنع عمر بأن المرتبة الأولى وأن المركز الأول أصبح محجوزاً لأبي بكر رضي الله عنه وأرضاه ولا شك، فلينافس فيما بعد ذلك المركز.

العنصر الثاني : أهم أخلاق سيدنا أبو بكر رضي الله عنه:ـ

لم نسترسل في شرح أخلاق سيدنا أبو بكر وإنما أذكر أهم وأبرز خلقين ينبغي أن يتوفرا في أي مسلم أو قائد أو داعي إلي الله تعالي  وهما:  الرقة ، وصدق العزيمة .

أولا : رقته :ـ 

أما رقته رضي الله عنه فقد كان هذا الخلق غالبا عليه من أيام الجاهلية واستمر معه في الإسلام فقد كان كثير البكاء خشية الله تعالي  ، كان أبو بكر رجلاً بكاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن, ولقد أفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم, فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك، فابتنى مسجدًا في فناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه.
                                                   
ومن أبرز رقته ورحمته .. رحمته بالمستضعفين :ـ

رأى أبو بكر نفوساً مؤمنة أمضها العذاب، وأعيتها المعاناة، وآلمها التعذيب، جروا في الرمضاء، ضربوا بالسياط، البسوا أدرع الحديد، طفروا في الشمس، كووا بالنار.

أبو بكر يرى هذه المناظر من الابتلاءات فآلمه ما يرى، جمع أمواله وصفى تجاراته مباشرة، وكان من أكثر قريش تجارة ، ثم انطلق يشتري الأرقاء، ويعتقهم لوجه الله لا يريد منهم جزاءً ولا شكوراً، كل ذلك حماية لدينهم أن يفتنوا فيه، فينفق من أمواله أربعين ألف دينار في سبيل الله، ليحقق الشعور بالجسد الواحد والبناء الواحد والأمة الواحدة.

يسمع أبو بكر ويرى بلالاً يئن تحت وطأة التعذيب، وهو يقول: أحد أحد قد هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه فصاروا يطوفون به شعاب مكة ، وهو يقول: أحد أحد، صخور عظيمة في حماء الظهيرة في رمضاء مكة ، يسمعه أبو بكر وهو يقول ذلك، فيقول: لينجينك الله الواحد الأحد، ويذهب أبو بكر إلى أمية، ويقول: أتبيع بلالاً ؟ قال: أبيعه لا خير فيه، فباعه من أبي بكر بعبد أسود لـأبي بكر ، وقيل: بخمس أواق من ذهب، ليعتقه أبو بكر لوجه الله تعالى، ونعم المال الصالح للعبد الصالح.
                      
يقول أمية : يا أبا بكر ! لو أبيت إلا أوقية واحدة لبعتك بلالاً لا خير فيه، فيقول أبو بكر :[والله لو أبيت إلا مائة أوقية ذهباً لأعطيتكها].

إعلاناً من أبي بكر للبشرية كلها، أن له موازين ومعايير ومقاييس غير مقاييس أمية وحزبه من الكفرة، أعتق أبو بكر بلالاً وعامراً وأم عمير وزنيرة وابنتها وغيرهم كثير، اعتق الله رقبته من النار وبيض الله وجهه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. ويأتي أبوه وهو شيخ كبير ما زال حينها على دين قومه، فيقول: يا بني! أما وقد أبيت إلا أن تضيع مالك فهلا أنفقته على رجال أشداء جلداء ينفعونك ويمنعونك في وقت الشدائد، فيقول: يا أبتي إنما أريد ما أريد، ماذا يريد أبو بكر ؟
 أيريد السمعة؟!
أيريد الرياء؟!
أيريد الشهرة؟!
والله لو يريدها لوضعها في الأشراف والكبار بمقاييسهم، لكنه يريد وجه الله والدار الآخرة، وشتان بين طالب الدنيا وطالب الآخرة.
فيأتي المهزومون ليحقروا من عمل أبي بكر فيقولون: إنما أعتق أبو بكر بلالاً ليدٍ كانت لـبلال عنده، أي: لمعروف كان لـبلال عنده. 

فيرد الله تعالي عليهم  فيقول} وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى(20)  وَلَسَوْفَ يَرْضَى(21){ [الليل]                    
أي متاع يساوي: وَلَسَوْفَ يَرْضَى ؟!أي زخرف يساوي: وَلَسَوْفَ يَرْضَى ؟!أي دنيا تساوي: وَلَسَوْفَ يَرْضَى ؟!                            
لا الدنيا ولا متاعها ولا زخرفها ولذائذها وزينتها، بل هي بحذافيرها لا تساوي: وَلَسَوْفَ يَرْضَى ؟!من الذي وعده بالرضى؟                                                                                                                                

إنه أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، وديان يوم الدين، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، ولسوف يرضى في يوم يقل فيه من يرضى، ولسوف يرضى في يوم يكثر فيه الفزع:} يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً (30){[آل عمران].

ثانيا : صدق العزيمة :ـ

وأما صدق العزيمة في حياة سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه كان واضحا وضوح الشمس في رابعة النهارمنذ بدايته وحتي وفاته رضي الله عنه ، تميز بالجدية والإيجابية لم يتردد ولم يتلعثم في قبوله للحق ولا دفاعه عنه .

1 ـ ثابت لا يتزعزع :ــ

في رحلة الإسراء والمعراج برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويطير الخبر في مكة ، ويكذب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويضطرب بعض المسلمين لهذا الخبر، ثم يذهبون لـأبي بكر يريدون أن يزعزعوا عقيدته، يريدون أن يهزوا إيمانه، فيخبرونه الخبر وهم على ثقة أنه لن يصدق رسوله صلى الله عليه وسلم بعدها وسيرتد عن دينه. فما موقف هذا الرجل؟          

وقف أمامهم كالطود الشامخ ليقول في كلماته الخالدة التي حددت منهج الإيمان في حياته: [إن كان قال فقد صدق، والله إنه ليأتي بالخبر من السماء في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، أفلا أصدقه الآن] فعاد هؤلاء خائبين خاسرين، واستحق أبو بكر أن يلقب بـالصديق .  

لقد علمنا أبو بكر كيفية التعامل مع ما يأتي عن الله وعن رسوله، فلا مجال للرأي بعد ثبوت النقل ولا جدال، بل آمنا وصدقنا وعملنا، سمعنا وأطعنا فوالله ما خرج من بين شفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الحق.                                                                     
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ) ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كان له كبوة إلا أخي أبا بكر لم يتلعثم) .                                       
وكان يقول رضي الله عنه : والله ما نمت فحلمت ولا سهوت فغفلت وأنني علي الطريق ما زغت .

2ـ همه الرسول والرسالة :ـ    

عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ألح أبو بكر على الرسول صلى الله عليه وسلم في الظهور وعدم الاختفاء، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر ! إنا قليل، فلم يزل أبو بكر يلح على إظهار النور حتى وافقه صلى الله عليه وسلم على ذلك، وظهر رسول الله والمسلمون، وتفرقوا في نواحي المسجد، وقام أبو بكر خطيباً في الناس فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثار عليه المشركون، وثاروا على المسلمين معه، فضربوا أبا بكر ضرباً شديداً، حتى إن عقبة دنا منه فجعل يضرب وجهه بنعلين مسقوفتين، ثم يجثو على بطن أبي بكر حتى ما يعرف وجهه من أنفه رضي الله عنه وأرضاه.
وجاء بنو تيم قوم أبي بكر ، وأجلوا عنه المشركين، وقالوا: لئن مات لنقتلن عقبة ثأراً لـأبي بكر ، أما أبو بكر فمغمى عليه لا يتكلم بكلمة، رجع إليه قومه ليكلموه فما تكلم إلا آخر النهار، ترى بما تكلم! قال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
فقالوا بنوا تيم له لازلت تذكره وكانوا علي الشرك فتركوه.                                                                             
أما أمه فقامت تلح عليه أن يطعم شيئاً وهو يقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ 
فتقول: والله يا بني ما لي من علم بصحابك، قال: اذهبي إلى أم جميل فاطمة بنت الخطاب فسليها، خرجت إليها، فقالت: إن ابني يسأل عن محمد، قالت أم جميل : أتحبين أن اذهب معك إلى ابنك تريد سرية الأمر لئلا تفتن هي به كما فتن هو وغيره- قالت: نعم. فمضت إلى أبي بكر فوجدته صريعاً، فقالت: والله إن قوماً نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم.                             

رحمهم الله ورضي عنهم؛ لقد كانوا يأوون إلى ركن شديد، فيقول أبو بكر: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت أم جميل : هذه أمك تسمع ولم تكن آمنت بعد، وهذا وعي عظيم من فاطمة رضي الله عنها على سرية الدعوة فلا تتكلم أمام مشركة، حتى ولو كانت أم أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه- قال: لا عليك يا فاطمة !
قالت: إنه سالم صالح بحمد الله، قال: أين هو؟ قالت: في دار ابن أبي الأرقم ، قال: فإن لله علي ألا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.                                    

أحب رسول الله حباً يفوق حب النفس والمال والأهل والولد، وهكذا يجب أن يكون المؤمنون، انتظروا حتى هدأت الرجل وسكن الناس، ثم خرجت أمه وأم جميل يتكأ عليهما، حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه صلى الله عليه وسلم قبله، وأكب عليه المسلمون، ورق له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة لما يرى منه، فقال أبو بكر : بأبي أنت وأمي ليس بي من بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي يا رسول الله، ثم قال: يا رسول الله!
هذه أمي برت بولدها وأنت مبارك، فادع الله لها وادعها إلى الله أن يستنقذها من النار، فدعاها ودعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهدت أن لا إله إلا الله.                                                                          

همه رضي الله عنه أن يستنقذ الناس من النار، والأقربون أولى بالمعروف، والأم أقرب إنسان إليه، فما كان منه إلا أن دعاها فأسلمت، وكان من أعظم البر بأمه أن يدعوها إلى الله جل وعلا. 

والله لموقف أبي بكر هذا مع رسول الله في سبيل الحق ساعة، أفضل من عبادة أحدنا عمره كله، يقول بكر بن عبد الله المزني بإسناد صحيح: إن أبا بكر لم يفضل الناس بكثرة صلاة ولا صيام، وإنما فضلهم بشيء وقر في قلبه، إنه الإيمان وكفى به هادياً ودليلاً إلى القلوب، وحادياً إلى جنات النعيم.                                                                                                 

أبوبكر أول داعي إلي الله تعالي :ـ 

بمجرد أن نطق الصديق بشهادة أن لا إله إلا الله، عَلِمَ أن من أول مقتضيات لا إله إلا الله الدعوة إليها، فالدعوة ليست وظيفة محمد صلى الله عليه وسلم فقط، بل هي وظيفة الأمة في مجموعها.                                                       
علم ذلك أبو بكر فخرج من عند نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، خرج وهمه نصرة هذا الدين ونشره في العالمين، خرج وعمره في الإسلام لا يتجاوز بضعة أيام، وبعد أيام يعود فبم عاد أبو بكر ؟   

عاد وهو يقود الكتيبة الأولى من كتائب هذه الأمة، خرج صادقاً مبلغاً فعاد وقد أدخل في دين الله ستة من العشرة المبشرين بالجنة فيما بعد. 
                                                          
يعود وقد أسلم على يديه عثمان وطلحة الزبير وسعد وعبد الرحمن وأبو عبيدة رضي الله عنهم أجمعين. كلهم في ميزان حسناته . أرأيتم عطاءً للإسلام كهذا العطاء!
قد لا يكون الصديق حفظ بضع سور من القرآن في ذلك الوقت، ولم يكن حفظ بضع آيات، وبعضنا يحفظ القرآن، ويحفظ من السنة الكثير، تري ما السبب؟
إنه نقص الإيمان، أو نقص الصدق لضعف الإيمان في القلوب. {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}.

يتحمل الآلام في خدمة الرسول والرسالة :ـ                                                                                                  
حينما أذن الله لنبيه بالهجرة، وصحبته معه حتى أن فرحته هذه أبكته، كما تقول عائشة رضي الله
عنها في حديث البخاري: (ما علمت الرجل يبكي من شدة الفرح إلا يومئذ حينما رأيت أبي يبكي
من شدة الفرح) ، ترى هل كان فرحه لمرافقة النبي  لنزهة صيفية؟
لا والله الذي لا إله إلا هو إنه ليعلم أن السيوف تنتظره، وأن القلوب الحاقدة تتلهف للقبض عليه، وأن الجوائز العظيمة تعلن للقبض عليه وعلى صاحبه . 

وقد خرج الشيخ الوقور أبو بكر الصديق رضي الله عنه بكل ما يملك بعد أن أعلن حالات الطوارئ في بيته، واستنفر جميع أفراد أسرته لخدمة الرسالة، وجهز جميع إمكاناته لخدمة المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم يمضي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، تاركاً الأهل والعشيرة والأولاد والخلان والأصحاب يريد وجه الله والدار الآخرة.
و كان يمشي أبوبكر رضي الله عنه أمام النبي صلي الله عليه وسلم  تارة ثم يرجع خلفه ثم يذهب يمينا ثم شمالا، فيسائله رسول الله عن ذلك فيقول: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إذا تذكرت الرصد تقدمت، وإذا تذكرت الطلب تأخرت، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: {يا أبا بكر ! لو كان شيء لأحببت أن يكون بك دوني؟ قال: نعم والذي بعثك بالحق، إن قتلت أنا فإنما أنا رجل واحد، وإن قتلت أنت هلكت الأمة كلها} وضوح في الرؤية وفهم وذكاء وتلك سمات المؤمن.فدعا له النبي  بخير.

3ـ امتلاك الإرادة : ـ

أ ـ موقفه بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم :ـ

بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وترك أمة هي خير الأمم ما تمسكت بنهجه وطريقته، وشاع الخبر في المدينة كأفجع ما يكون الخبر، وأظلمت سماء المدينة ، وضجت بالبكاء، وأغلقت القلوب بحزنها، وذرفت العيون بدمعها، وليس لعين لم يفض ماؤها عذر، ضاقت على المسلمين أنفسهم، وتبدلت الأرض فما هي بالأرض التي يعرفون، يقول أنس:(ما رأيت يوماً كان أحسن من يوم دخل فيه علينا المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة ، لقد أضاء منها كل شيء، وما رأيت يوماً أظلم من يوم مات فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم).

والفاروق  عمر أذهله الخبر عن صوابه، فصار يتوعد وينذر ويشهر السيف ويقول:(ما مات لكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى وليرجعن، وليقطعن أيدي وأرجل رجال زعموا أنه مات).

ويأتي أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، فيدخل المسجد، فلم يكلم أحداً حتى دخل على عائشة ، ميمماً وجهه نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مسجىً ببرد، فيكشف عن وجهه الشريف، ثم يكب عليه يقبله ويبكي ويقول (بأبي أنت وأمي ما أطيبك حياً وما أطيبك ميتا).
                                                                                                                                           
ثم خرج وعمر يكلم الناس، فقال: (اجلس يا عمر ! فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس على أبي بكر ، فقال أما بعد: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت: }وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ (144){[آل عمران])

يقول ابن عباس :(والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر ، فتلقاها منه الناس فلا أسمع بشراً إلا يتلوها).
أما عمر فيقول كما في صحيح البخاري : (والله ما أن سمعت أبا بكر يتلوها حتى هويت إلى الأرض ما تقلني قدماي، وعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات) ذلك موقف أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه مع نبيه وحبيبه، وذلك موقف الصحابة جميعهم، والله لولا الإيمان الذي رجح بإيمان الأمة ما كان لـأبي بكر أن يقفه، معذورون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.                

إن الخطب جسيم والمصيبة عظيمة، قد كان صلى الله عليه وسلم كل شيء لهم في حياتهم، كان حاكمهم وحبيبهم وأباهم وأخاهم وقائدهم ومربيهم ومنقذهم وهاديهم، فقدوا ذلك كله في ساعة من نهار.                                                                              
وتذهب اللحظات، وما يطلع فجر اليوم الثاني إلا والمسلمون قد جعلوا الصديق خليفة لهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليكون نموذجاً فريداً من خريجي مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، فيا له من نموذج! ويالها من لحظتين متضادتين! لحظة وداع مؤثرة تمزق الأكباد والقلوب، ولحظة أخرى هي لحظة تولي الصديق أمر الأمة، التي أثلج الله بها صدور المؤمنين يوم ولى عليها خيرها، فله الحمد والمنة أولاً وأخراً وظاهراً وباطناً، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر.                   

ب ـ إنفاذ الصديق لجيش أسامة:ـ                                                                                                                                         
بدأ أبو بكر خلافته بتطبيق ذلك المنهج الذي أخذه من النبي صلى الله عليه وسلم، وبدأ ببعث جيش أسامة ، وكان صلى الله عليه وسلم قد عقد اللواء لـأسامة وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة، أمر الجيش بالتوجه إلى الشام في وقتٍ ارتدت فيه بعض قبائل العرب، وعظم الخطب، ونجم النفاق، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم وكثرة عدوهم، فأشار الناس على الصديق ألا يبعث جيش أسامة ، وأن يؤجل ذلك، ومن جملة من أشار بذلك عمر ، فوثب أبو بكر وثبة الأسد، وأبى أشد الإباء، وقال: (والذي نفسي بيده لا أحل عقدة عقدها رسول الله، والذي لا إله إلا هو لو ظننت أن الطير تخطفني، وأن السباع من حول المدينة ، أو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين ما رددت جيشاً وجهه رسول الله، وما حللت لواءً عقده رسول الله، والله لو لم يبق في القرى غيري لأنفذته) لسان حاله أفأطيع رسول الله حياً وأعصيه ميتاً؟!
فيا للحزم ويا للاتباع! 

استعرض الجيش، وأمرهم بالخروج رغم الأعداء، ورغم إحاطة الأعداء بموطن الدعوة والرسالة، ومع ذلك يخرج طاعة لله وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، ويبلغ من تكريمه لأسامة رضي الله عنه أن خرج في توديعه ماشياً وأسامة راكباً، يقول أسامة :(لتركبن أو لأنزلن -فيعلن أن من تواضع لله رفعه- فيقول أبو بكر : والله لا نزلت ولا أركب، وما عليَّ أن أغبر قدمي هاتين ساعة في سبيل الله)
لقد كان أبو بكر مسدداً رشيداً، فإخراجه لجيش أسامة حقق للأمة مصالح عظيمة، فما مر الجيش على حي من أحياء العرب إلا أرعبهم، وأثبت أن الضعف لم يتسرب إلى الأمة بعد وفاة نبيها. 
                                        
تقول قبائل العرب التي ارتدت ما أخرج أبو بكر الجيش إلا لقوة ومنعة عنده، اتجه أسامة بجيشه إلى البلقاء ، ورجع من هناك بعد سبعين يوماً بعد أن قضى على كل من وقف بوجهه من أعداء الإسلام، رجع مظفراً منصوراً، قد انتقم للمسلمين ولأبيه وأرضى ربه ونبيه والمسلمين، وكل ذلك والله ثمرة للاتباع، أطاع أبو بكر ربه بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله الرعب في قلوب أعداء الله، فكان النصر الأول على الروم يشهد بعظمة الصديق ، وسداد رأيه وصلابة موقفه وحزمه، وكل ذلك ثمرة للاتباع.                                    
 بمثل هذه المواقف ثبت الصديق أركان الدولة، وعزز هيبة المسلمين.
                                                                                            
ج ـ موقف الصديق من المرتدين  

وترتد بعض قبائل العرب، بعد أن ظنوا أن شوكة الإسلام انكسرت بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن أبا بكر علم الناس أن الإسلام لا يموت ولا ينتهي، حتى وإن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثقل الأمر على الصديق إذ ارتدت قبائل العرب، ففي وقت من الأوقات لم تقم الجمعة إلا في مكة والمدينة ، تقول عائشة : (نزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها لكنه طار بحظها)، فأعلن الحرب على المرتدين، فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه مجتهداً: (أرفق بهم وتألفهم، كيف تقاتل الناس وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فمن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقه وحسابه على الله} إنهم يشهدون أن لا إله إلا الله يا أبا بكر !  فغضب أبو بكر رضي الله عنه غضبة لله، وقال قولته الشهيرة: (ثكلتك أمك يـابن الخطاب ! أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام، رجوت نصرتك فجئتني بخذلانك، إنه قد تم الدين، وانقطع الوحي، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً كان يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه).
لقد عامل الصديق مانع الزكاة كالمرتد تماماً، وهذا من فقه أبي بكر رضي الله عنه، فإنكار شريعة من شرائع الإسلام كفر وخروج من الإسلام يستحق صاحبه أن يقاتل، انشرح صدر عمر والمؤمنون لهذا الموقف، فمضى ذلكم الجيل الرباني يلاحق المرتدين في أوكارهم، يدك عروشهم ويفل جيوشهم حتى يعودوا للإسلام أو يلقوا مصارعهم كافرين، وكان له ذلك.

وفاة الصديق رضي الله عنه:

وحلت سكرات الموت بـأبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وقد عهد بالخلافة إلى عمر رضي الله عنه وأرضاه، قائلاً واضعاً دستوراً معيناً: (إن عدل فذاك ظني فيه وعلمي به، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب والخير أردت ولا أعلم الغيب:}وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ(227){  [الشعراء].
جاءته السكرة رضي الله عنه بعد أن قدم للرسالة والرسول والأمة ما قدم، حتى قال فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب يد إلا وقد كافأناه عليها، إلا أبا بكر فإن له عند الله يداً يكافئه بها يوم القيامة) رواه الترمذي.                                                                                                                                                                                   
ثم يقول أبو بكر وهو في السكرات لابنته عائشة كما في كتاب الخلفاء للذهبي : (أما إنا قد ولينا أمر المسلمين فلم نأكل درهماً ولا ديناراً، ولكنا أكلنا خشن طعامهم في بطوننا، ولبسنا خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا شيء من فيء المسلمين، فانظروا ما زاد من مالي، فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي) .
فما تركة من كانت ميزانية الأمة تحت يديه؟ 

خلف عبداً حبشياً، وبعيراً كان يسقي عليه، وعباءة لا تساوي خمسة دراهم، بعثت بها عائشة إلى عمر ، فلما جاءته بكى عمر حتى سالت دموعه، ونشج وهو يقول: (رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده، فيقول الصحابة: يا عمر! ردها على عياله فهم أحوج لها، قال عمر : والذي بعث محمداً بالحق نبياً لم يكن ليخرجها عند الموت، وأردها على أهله بعد الموت، ولكن أهله أهلي وعياله عيالي) أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه.

العنصر الثالث : واجب الأمة تجاة أبو بكر الصديق رضي الله عنه :ـ

1ـ محبته ومعرفة فضله رضي الله عنه :ـ

روى الإمام أحمد عن مسروق من أجل تابعي الكوفة:" حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة "  .

وقال أيضاً :" ومن السنة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلهم أجمعين، والكف عن الذي شجر بينهم، فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو واحداً منهم، فهو مبتدع رافضي، حبهم سنة والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة، وخير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم، خلفاء راشدون مهديون " ( طبقات الحنابلة ) .

2ـ تعليم النشء حب سيدنا أبوبكر :ـ

كان السلف يعلمون أولادهم حب أبي بكر وعمر كما يعلمونهم السورة من القرآن ( ذكره ابن الجوزي ).
                                  
3ـ الإقتداء به رضي الله عنه :ـ

دعا النبي صلي الله عليه وسلم الأمة للاقتداء به ، كما يرويه حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " .  

وعن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظَنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) موعظةً وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودّع، فأوصِنا، قال: أوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح) .

4ـ الدفاع عنه وعن عرضه رضي الله عنه :ـ

وجوب الذب عن عرض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا ظهر مبتدع زنديق وتعرض على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  لأن الطعن في أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم هو الطعن في رسول الله.
فاللهم ارضي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلي يوم الدين واحشرنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم آمين .
-----------------------------------------------------
تحميل pdf

ليست هناك تعليقات: