28 أكتوبر 2018

حاجة الأمة إلي الشباب









الحمد لله رب العالمين ...  جعل القوة في الشباب فقال تعالي }اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً  يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ  وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54){  الروم .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له  له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي علي شيئ قدير .. مدح الشباب في القرآن الكريم فقال تعالي }إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13){ الكهف .

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم  غرس الإيمان في نفوس الشباب حتي لا ينحرفوا يمنة أو يسرة عن منهج الله عز وجل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : }سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه { متفق عليه.
فاللهم صل وسلم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن والاه إلي يوم الدين .. 

 أما بعد :ــ فيا أيها المؤمنون .... 

إن الحديث مع الشباب وعن الشباب وإلى الشباب حبيب إلى النفس قريب إلى القلب ، إن الشباب في كلِّ زمان ومكان  وفي جميع أدوار التاريخ إلى زماننا هذا عماد أُمة الإسلام وسِرُّ نَهضتها، ومَبعث حضارتها، وحاملُ لوائها ورايتها، وقائدُ مَسيرتها إلى المجد والنصر.
ولا تقوم المُجتمعات إلا بهِمم الشّباب وطاقاتهم، فالشّباب لديهم مؤهلات عالية ،وقدرات فائقة وطاقات قوية ، وذلك إذا استثمرت وَوُظفت التوظيف الأمثل  ففي صلاح الشباب صلاح للأمة ، وفي فسادهم فساد لها ، لأنهم هو القوة المتحركة في المجتمع .
لذلك كان موضوعنا (حاجة الأمة إلي الشباب) وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية .....

 حديث القرآن الكريم عن الشباب .

2ـ خصائص الشباب .

3ـ اهتمام النبي صلي الله عليه وسلم بالشباب.

4ـ حاجة الأمة إلي الشباب.

5 ـ دور الشباب في بناء الأمة.

  الخاتمة.

-----------------------------

العنصر الأول : حديث القرآن الكريم عن الشباب :ــ 

تعتبر أيام الشباب من أعز الأيام التي تبقى عالقة بذاكرة الإنسان، مهما عاش، لأنه كان فيها طليق الحرية..                   
روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما بعث الله نبيا إلا شابا، ولا أوتي العلم عالم إلا شابا، ثم تلا هذه الآية قال تعالي:} قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60){ الأنبياء.
وقد أخبر الله تعالى به ثم أتى يحيى بن زكريا الحكمة قال تعالى: }وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12){ مريم.
وقال تعالى: } إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10){  الكهف .
وقال جل من قائل: }وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60){  الكهف.        

 ولقد ضرب القرآن الكريم المثل بالشباب .. 

فكان المثال الأول هوسيدنا النبي إبراهيم عليه السلام  ، فإنه كان يتطلّع إلى الآفاق الواسعة ، ويفتش عن الحقائق الناصعة ، ويملك الشجاعة العالية ، فيتأمل ويفكر في ملكوت السموات والأرض ، حتى أدله الله تعالى على الحقيقة ، فآمن بالله وتبرأ من الأصنام ومن كل المشركيـن .                                             
 فقال الله تعالى في كتابه الكريم : }وَكَذلكَ نُري إِبرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَمَاوَاتِ وَالأرضَ وَلِيَكونَ مِنَ المُوقِنِيـنَ(78){الأنعام. 
 وبهذا يصبح سيدنا إبراهيم عليه السلام القدوة لكل الفتيان والشباب الموحدين الشجعان الرافضين للوثنية والشرك والانحراف والضلال . 
                                                    
 والمثال الثاني الذي يضربه القرآن الكريم للفتيان والشباب هو النبي يوسف عليه السلام ، وهو الذي آتاه الله العلم والحكمة عندما بلغ أشده ، وأصبح الفتـى ، القوي ، الصابر ، الصامد أمام عواصف الشهوة ، والإغراء بالجنس ، والاغراء بالمال والجاه ، وأمام ضغوط الاضطهاد ، والقمع ، والمطاردة ، والتهديد بالسجن ، والنفي ، والفتى الثائر ، المكسر لكل القيود ، وأغلال العبودية ، وأغلال الشهوات ، وكذلك أغلال المجتمع الفاسد .
قال تعالى :}وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَينَاهُ حُكماً وَعِلماً وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ (22){ يوسف .
وقال تعالي : }ووَرَاوَدَتهُ التي هُوَ فِي بَيتِهَا عَن نَفسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبوَابَ وَقَالَت هَيتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحَسنَ مَثوايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظالِمُونَ (23){ يوسف .                      
لماذا لم يستجب يوسف لهوى المرأة؟  وكان يمكن أن يستجيب وربما عذره الكثيرون، قالوا إنه شاب والشباب شعلة من الجنون، وهو عبد والعبد يفعل ما يستحي منه الأحرار، وهو عزب ليس له زوجة تعفه، وهو غريب عن وطنه، والغريب يفعل ما لا يفعل الإنسان في بلده،هناك أكثر من سبب كان يجعل يوسف يستجيب للمرأة ولكنه أبى كما ظهر ذلك. إنه نموذج للشاب الطاهر العفيف .
     
والمثال الثالث هوسيدنا موسى عليه السلام الذي عاش في أحضان البيت الفرعوني والفرعونية ، وتربى في محيط الطاغوت والجبروت والتـرف الجاه والدلال ، فإن فرعون كان قد اتَّخَذَهُ ولداً له
ولكنه عليه السلام بقي متمسكاً بجذوره الرسالية ومرتبطاً بأصله الإلهي الرباني ، يتجنب معونة الظالمين ، وينتصر للمظلومين ويدافع عنهم ، ويَمُدُّ يَدَ العَونِ والمساعدة للضعفاء والمحتاجين ، وكان يتحمل الآلام والمعاناة والمطاردة والهجرة من أجل ذلك ، ويؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة .  

قال الله عزّ وجل }وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14){ القصص .

والمثال الرابع هم أهل الكهف ، الذين فروا بدينهم من ظلم الملك الجبار وظلوا ثابتين علي عقيدتهم فآواهم الله وحفظهم وأظهر من خلالهم معجزة عظيمة تحمل إلينا الدروس والعبر والعظات ، فقال الله تعالى فيهم :}إِنَّهُم فِتيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِم وَزِدنَاهُم هُدىً (13) وَرَبَطنَا عَلَى قُلُوبِهِم إِذ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ لَن نَدعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَد قُلنَا إِذاً شَطَطاً (14){ الكهف.

إن هذه الصور والأمثلة الواقعية الجميلة والمعبِّرة عن الأبعاد المختلفة تنطلق من مفهوم صحيح للفتوة ، والشباب ، والقوة ، وهو التوحيد في العبودية ورفض العبوديات الأخرى ، والسيطرة على الشهوات والرغبات ، ونصرة المظلومين والدفاع عنهم ، ومساعدة الضعفاء والمحتاجين ، والتمرد على الواقع الفاسد ورفضه بشجاعة وتضحية.

وفي المقابل نجد القرآن الكريم يضرب أمثلة أخرى للشباب المنحرف والتائه والمغرور والضال والجاهل ، وأورد ذلك في قصة ابن سيدنا نوح عليه السلام ،حيث قال تعالى : ( وَنَادَى نُوحٌ ابنَهُ وَكَانَ فِي مَعزِلٍ يَا بُنَيَّ اركَب مَعَنَا وَلا تَكُن مَعَ الكَافِرِين (42) قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللهِ إِلا مَن رَحِمَ وَحَالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكَانَ مِنَ المُغرَقِينَ (43){  هود .

ومثال آخر يتحدث عنه القرآن الكريم، يعبرعن حالة الانحراف في الشباب حيث العقوق للوالدين والتمرد على الله تعالى والتوغل في الجهل والغي ، فقال تعالى :}وَالذِي قَالَ لِوَالِدَيهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَن أُخرَجَ وَقَد خَلَت القُرُونُ مِن قَبلِي وَهُمَا يَستَغِيثَانِ اللهَ وَيلَكَ آمِن إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَاهَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (17){الأحقاف .

العنصر الثاني: خصائص الشباب :ـ

إن مرحلة الشباب تتميز بخصائص وسمات لم تكن في غيرها من المراحل العمرية من هذه الخصائص .....

1ـ الشباب أغلي مقدرات الأمة:ـ 

الشباب أغلي ماتمتلك الأمة ، الأمة تمتلك كثير من المقدرات .. مقدرات اقتصادية ، ومقدرات عسكرية ، ومقدرات جغرافية ، ومقدرات إنسانية وأغلي ما تمتلك الأمة المقدرات الإنسانية وأغلي المقدرات الإنسانية هم الشباب .

2ـ الشباب عنوان الأمة :ـ

إذا أردت أن تعرف مستقبل أي أمة فلا تسأل عن ذهبها ورصيدها المالي، فانظر إلي شبابها واهتماماته ، فإذا رأيته شباباً متديناً فاعلم أنها أمة جليلة الشأن قوية البناء ، وإذا رأيته شباباً هابط الخلق ، منشغلاً بسفاسف الأمور ، يتساقط على الرذائل فاعلم أنها أمة ضعيفة مفككة ، سرعان ما تنهار أمام عدوها ، فيستلب خيراتها، ويحقر مقدساتها، ويهين كرامتها، ويشوه تاريخها وثقافتها.  فالشباب عنوان الأمة. 

3 ـ الشباب هم أسبق الأمم إلي قبول الدعوات الإصلاحية :ــ

الشباب  قديما وحديثا هم من واجهوا الباطل وكانوا أسرع إلي قبول الحق لأن أرق قلوبا  وأهدأ نفسا وليس لهم أطماع في الحياة كحال الكبراء والسادة كلما جاءهم رسول كذبوه قال تعالي في شأن المترفون }وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ(23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ۖ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(24){ الزخرف .

لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم استنكف شيوخ قريش وحكماؤها عن اتباعه، فكان شباب مكة أنصاره وعصبته، وأغلب من تقدم إسلامهم هم من الشباب، وأعضاء الدعوة السرية في دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه كانوا أربعين من خيرة شباب قريش

4ـ مرحلة الشباب هي فترة القوة والإنتاج :

قال تعالى }اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً  يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ  وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54){  الروم .
ولما كانت هذه المرحلة تتصف بالقوة والنشاط والحيوية، كانت هي مرحلة البناء والإنتاج ،الذي تتطلبه الأمم ، وتقوم عليه الحضارات في كل زمان ومكان.
فإن المنخرطين في سلك العمل على اختلاف أنواعه معظمهم من هذه الفئة ، فئة الشباب.
فعلي الشاب أن يحرص علي أن تكون في طاعة الله تعالي فالله تعالي يحب الشاب الذي يفني شبابه في طاعته تعالي ، قال صلي الله عليه وسلم ( إن الله يحب الشباب الذي يفني شبابه في طاعة الله" البخاري. 
ويعجب من الشاب الذي يضبط شهواته وغرائزه  ولا يصرفها في الحرام ، قال صلي الله عليه وسلم ( إن الله ليعجب من الشاب الذي ليست به صبوة"
وهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول فيما رواه الإمام أحمد في مسنده : (كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شباب ليس لنا نساء) يعني: لم نتزوج بعد، لا نزال فتية، لا نزال في بداية الشباب وفي مستهل حياة الشباب. 

5ـ مرحلة الشباب أفضل مراحل العمر:

وتعود الأفضلية لهذه المرحلة من العمر لما يتمتع به الإنسان فيها من القوة والنشاط، دون غيرها، ولما يتوافر له فيها من كمال الحواس، فهو في هذه المرحلة أقدر على الانتفاع بحواسه من أي مرحلة أخرى.
ومما يدل على كون هذه المرحلة هي أفضل مراحل العمر، أن الله سبحانه وتعالى عندما يجازي الناس يوم القيامة، يجعل أهل الجنة شباباً لا يهرمون أبداً، وذلك من كمال السعادة.

قال صلي الله عليه وسلم ( من يدخل الجنة ينعم، لا ييأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه) مسلم,
كما أن راحة الحياة وبهجتها غالباً ما تكون في مرحلة الشباب، فهي مرحلة يتطلع إليها الصغير، ويتمناها الكبير، ولذا فقد بكى عليها الشيوخ ، وتغنى بها الشعراء.

وقال قائلهم :
ألا يا ليت الشباب يعود يوما       فأخبره بما فعل المشيب

لذلك وأوصي النبي صلي الله عليه وسلم باغتنام فترة الشباب  فقال صلي الله عليه وسلم ( اغتنم خمسا قبل خمس: "شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك". أخرجه الحاكم في المستدرك                               

6ـ مرحلة الشباب أطول مراحل العمر:

فعمر الإنسان في الغالب بين الستين والسبعين سنة، وبهذا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في سنن ابن ماجة (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :" أَعْمَارُ أُمَّتِى مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ ".
فنجد أن مرحلة الشباب هي أعلى نسبة في مراحل العمر، لذا فإنه يكون فيها أكثر تجارب الحياة والعمل والإنتاج.

7ـ أخطر مراحل العمر:ـ

إذا نظرت بعين الحقيقة إلى فترة الشباب، وجدتها فترة التأثير والتأثر، والعطاء والبذل،وهي فترة وضع حجر الأساس، وكلما كان الأساس متينًا كان البناء قويا شامخ الذرى، وكلما كان الأساس ضعيفا كان البناء هشًا سرعان ما يتحطم وينهار عند أول هبة ريح أو رشة مطر.
 إذن هي فترة لها ما بعدها، ومرحلة لها أثرها الخطير في المستقبل: سلبًا أو إيجابًا، صلاحًا أو فسادًا، سموًا أو هبوطًا.

قال ابن الجوزي: وهذا هو الموسم الأعظم الذي يقع فيه جهاد النفس والهوى وغلبة الشيطان. وبصيانة هذا الموسم يحصل القرب من الله عز وجل، وبالتفريط فيه يقع الخسران العظيم، وبالصبر فيه عن الزلل يثنى على الصابرين، كما أثنى الله فيه على الصابر يوسف الصديق؛ إذ لو زل من كان يكون؟
ولخطورة هذه المرحلة من العمر خُصَّت بسؤال بين يدي الله عز وجل يوم القيامة: عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ
أَبْلَاهُ" [رواه الترمذي  وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة]

العنصر الثالث : اهتمام النبي صلي الله عليه وسلم بالشباب :ــ 
                    
كان النبي صلي الله عليه وسلم يدرك طبيعة الشباب؛ ويعرف حاجات الشباب فقام صلي الله عليه
وسلم بإشباع حاجاتهم وتنمية قدراتهم ومواهبهم واستثمار طاقاتهم ، فتعامل معهم بمراحل متطورة وهي كالآتي ...

1ـ التربية والتوجيه :ـ

التربية المتوازنة القائمة على الموازنة بين العاطفة والعقل، الروح والجسد، العلم والعمل.    

فها هو صلي الله عليه وسلم يردف خلفه الفتى ابن عباس رضي الله عنهما, وفي هذا تربية عملية له على التواضع تجد تطبيقها في حياة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما, وتواضعه, وإكباره بالعلماء كزيد بن ثابت حيث كان ينتظره على بابه في شدة الحر؛ ليطلب العلم.
فعبدالله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال:(يا غلام، إني أعلمك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعـوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف))؛ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيحٌ.
فيوجهه هنا بشكل مباشر ويلفت نظره لما سيذكره بقوله: "أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ", ثم يشرع في التوجيه بعد التحفيز.

وبمثل هذا كان موقفه صلي الله عليه وسلم مع معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ فعنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: "يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ, وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ" فَقَالَ: "أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"[ رواه أحمد وأبو داود والنسائي, وصححه الألباني.].

فسبحان الله العظيم يبدأ بتليين قلبه, ولفت نظره بقوله: "إِنِّي لأُحِبُّكَ"! وفي هذا تحفيز للعاطفة؛ فما بالك بفتى يخبره رسول الله أنه يحبه فداه أبي وأمي, ثم يشرع بعدها في التوجيه الذي تستقبله نفس شغوفة بتعرف ما يهديه إليها حبيبها.

2ـ التدريب والتأهيل للشباب :ـ

ولما كانت القوة في الشباب والمؤمن القوي خير وأحب إلي الله تعالي كما أخبر صلي الله عليه وسلم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجِز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَر الله وما شاء فعل؛ فإن "لو" تفتح عمل الشيطان)؛ رواه مسلم.

حرص النبي صلى الله عليه وسلم علي المحافظة علي قوة الشباب ، فحث الشباب إلى ممارسة الرياضة ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل شارك النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الشباب في ذلك، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:} مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ[يتسابقون في الرمي.]، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟
،قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ{[ أخرجه الإمام البخاري في صحيحه،].

3ـ مراعاة الأحوال النفسية للشباب :ـ

نجده صلى الله عليه وسلم لا يهمل مشاعر الشباب وعواطفهم:
عَنْ أَبي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَظَنَّ أَنَّا اشْتَهَيْنَا أَهْلِينَا، فَسَأَلْنَا عَنْ مَنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِينَا؟
فَأَخْبَرْنَاهُ  وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا فَقَالَ:(ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ ) [أخرجه الإمام البخاري في الأدب المفرد].
بل إنه كان عليه الصلاة والسلام يأذن للشباب؛ ليذهبوا إلى بيوتهم في أثناء غزوة الخندق لا سيما من كان حديث عهد بعرس، فيقول أبو سعيد رضي الله عنه محدثًا عن شاب كان معهم في الغزوة, فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله, فاستأذنه يومًا فقال: "خُذْ عَلَيْكَ سِلاحَكَ؛ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ"[رواه مسلم].

انظر كيف كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يراعي اشتياق الشاب لأهله, ومن ذلك أيضًا: ما ورد في
البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سافرت معه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره, فلما أن أقبلنا, قال النبي: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَعَجَّلَ إلى أَهْلِهِ فَلْيُعَجِّلْ".
وفي رواية أخرى: نلحظ أن النبي يُراعي مشاعر الشباب لا سيما في أمر شهوتهم؛ ففي الحديث عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَفَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ مِنْ غَزْوَةٍ فَتَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ أي بطيء فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، فَانْطَلَقَ بَعِيرِي كَأَجْوَدِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ الإِبِلِ؛ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي هو الراكب الذي نخس البعير وكانت بطيئة فأسرعت وهذا من معجزاته- فَقَالَ: "مَا يُعْجِلُكَ؟" قُلْتُ: كُنْتُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرُسٍ. قَالَ: "أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟" قُلْتُ: ثَيِّبًا.
قَالَ: "فَهَلا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ".
قَالَ: فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ, قَالَ: "أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلاً (أَيْ عِشَاءً) لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ"[متفق عليه.].
فيُراعي هنا حاجات الجميع: فيسأل أولاً جابرًا عن حاله وسبب استعجاله, ثم يبدي رأيه في زواجه أنه كان يفضل له أن يتزوج بكرًا بدلاً من ثيب؛ فإن البكر تخوض تجربتها الجديدة في الزواج فتعتني بزوجها وتحبه, ويراعي كذلك المرأة في بيتها فيترك لها فرصة التزين لتستقبل زوجها على أكمل حالاتها!

4ـ الحوار مع الشباب وحسن التعامل مع مشاكلهم :ـ

كان رسول الله شفوقًا كريمًا يسمع للشباب ويشعر بمشاكلهم, ويعاملهم معاملة كريمة حتى إن أحد الشباب غلبته شهوته, وتنازع في نفسه الطهارة والإيمان مع رجز الشهوة المحرمة والشيطان؛ فلم يجد له من مهرب إلا أن يأتي رسول الله يستأذنه فيما ظنه مخرجًا شرعيًّا له, فإن أذن له رسول الله في الزنا فقد أزاح عن نفسه همّ المخالفة, وانتفى عنه الشعور بالإثم.
فانظر كيف عالجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحوار العقلي العاطفي, وبالدعاء له أيضًا من غير زجر, ولا قهر, ولا سخرية منه:
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ, ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا. فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ مَهْ. فَقَالَ: "ادْنُهْ". فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: فَجَلَسَ، 
قَالَ: "أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟" قَالَ: لا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ". 
قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟" قَالَ: لا. وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ".
 قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟" قَالَ: لا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ". 
قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟" قَالَ: لا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ". 
قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟" قَالَ: لا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاتِهِمْ". 
قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ, وَقَالَ: "اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ, وَحَصِّنْ فَرْجَهُ".
 قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إلى شَيْءٍ[رواه أحمد, وصححه الألباني].

5ـ سد الذرائع أمام الشباب :ـ 

كَانَ النَّبِيُّ  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَرْبِيَتِهِ لِلشَّبَابِ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَوَاطِنِ الرِّيَبِ، وَمَوَاضِعِ الفِتَنِ، وَيَسْعَى جَهْدَهُ فِي صَرْفِهِمْ عَنْهَا؛ لِئَلاَّ تَزِلَّ بِهِمُ الأَقْدَامُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ اسْتَفْتَتْهُ جَارِيَةٌ شَابَّةٌ مِنْ خَثْعَمٍ، وَكَانَ الفَضْلُ بْنُ العَبَّاسِ رَدِيفَهُ وَكَانَ شَابًّا، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى الفَتَاةِ وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، فلَوَى النِّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُنُقَ الْفَضْلِ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً، فَلَمْ آمَنِ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

فَأَيْنَ نحن مِنْ هَذَا الحَدِيثِ العَظِيمِ وَمَا فِيهِ مِنْ حَسْمِ مَادَّةِ الفَسَادِ مَنْ يَفْتَحُونَ أَبْوَابَ الشَّهَوَاتِ لِلشَّبَابِ وَالفَتَيَاتِ، وَيُزَيِّنُونَ لَهُمُ الفَوَاحِشَ وَالمُنْكَرَاتِ، وَيُعَبِّدُونَ طُرُقَهَا بِالاخْتِلاطِ؟!
لَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَابًّا يَنْظُرُ إِلَى شَابَّةٍ فَلَوَى رَقَبَتَهُ عَنْهَا خَوْفًا عَلَيْهِمَا، وَأَرْبَابُ
الشَّهَوَاتِ يُرِيدُونَ خَلْطَ الفِتْيَانِ بِالفَتَيَاتِ فِي التَّعْلِيمِ وَالعَمَلِ، وَيَجِدُونَ مَنْ يُشْرِّعُ لَهُمْ هَذَا المُنْكَرَ العَظِيمَ.

6ـ تيسير أمور الزواج للشباب :ـ

كان صلى الله عليه وسلم يعتني بالشباب ويسعى في معاونتهم وحل مشاكلهم وتزويج فقرائهم،
ومن هؤلاء الصحابي الجليل جُليبيب رضي الله عنه  الذي كان فقيرًا دميمًا لا يهتم أحد بشأنه فسعى عليه الصلاة والسلام في تزويجه؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: "خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى جُلَيْبِيبٍ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ إلى أَبِيهَا, فَقَالَ: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ أُمَّهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ: "فَنَعَمْ إِذًا". قَالَ: فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ إلى امْرَأَتِهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا, فَقَالَتْ: لاهَا اللهُ إِذًا, مَا وَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلا جُلَيْبِيبًا وَقَدْ مَنَعْنَاهَا مِنْ فُلانٍ وَفُلانٍ؟ قَالَ: وَالْجَارِيَةُ فِي سِتْرِهَا تَسْتَمِعُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَ النَّبِيَّ بِذَلِكَ, فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَرُدُّوا عَلَى رَسُولِ اللهِ أَمْرَهُ؟ إِنْ كَانَ قَدْ رَضِيَهُ لَكُمْ, فَأَنْكِحُوهُ"[ رواه أحمد, وصححه الألباني].

ما أعظم تلك الشابة المؤمنة في ردها على أبويها, وتنبيهها لموطن الخير في هذا! وتم الزواج, ولم يلبث جليبيب أن استشهد فلم يفقده أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ففي الحديث عن أبي برزة رضي الله عنه: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ فَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: "هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟" قَالُوا: نَعَمْ, فُلانًا وَفُلانًا, وَفُلانًا. ثُمَّ قَالَ: "هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟" قَالُوا: نَعَمْ فُلانًا وَفُلانًا, وَفُلانًا. ثُمَّ قَالَ: "هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟" قَالُوا: لا. قَالَ: "لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا فَاطْلُبُوهُ". فَطُلِبَ فِي الْقَتْلَى فَوَجَدُوهُ إلى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ؛ فَأَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَقَفَ عَلَيْهِ, فَقَالَ: "قَتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ". قَالَ: فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدَيْهِ لَيْسَ لَهُ إِلا سَاعِدَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَحُفِرَ لَهُ وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ"[ رواه مسلم.].

7ـ توفير فرص العمل للقادرين عليه والقضاء على مشكلة البطالـة :ـ

عن أنس رضي الله عنه  أنَّ رجلاً من الأنصار أتى النبي  صلَّى الله عليه وسلَّم  يسأله فقال صلَّى الله عليه وسلَّم أَمَا في بيتك شيء؟
قال الرَّجل: بلى، حِلْسٌ[كساء يلبس، ويفرش على الأرض، ويجلس عليه] نلبس بعضَه، ونبسط بعضه، وقَعْبٌ[الإناء] نشربُ فيه من الماء، قال صلَّى الله عليه وسلَّم (ائتني بهما) ، فأتاه بهما،
فأخذهما رسول الله  صلَّى الله عليه وسلَّم  بيده، وقال:مَن يشتري هذين؟
فقال رجل: أنا آخذهما بدِرهم، قال صلَّى الله عليه وسلَّم مَن يَزيد على درهم؟ مرَّتين أو ثلاثًا،
قال رجل: أنا آخذهما بدِرهمين، فأعطاهما إيَّاه وأخذ الدِّرهمين، وأعطاهما الأنصاريَّ، وقال: اشترِ بأحدهما طعامًا، فانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخرِ قَدُومًا فأتِني به.                                                                      
فأتاه به، فشدَّ فيه رسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم  عودًا بيده، ثم قال له:اذهبْ فاحتطب وبِعْ، ولا أرينَّك خمسةَ عشرَ يومًا ، فذهَبَ الرجل يحتطبُ ويبيع، فجاء وقد أصاب عَشرةَ دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :(هذا خيرٌ لك مِن أن تجيءَ المسألةُ نُكتةً في وجهك يومَ القيامة؛ إنَّ المسألة لا تصلح إلاَّ لثلاثة: لذي فَقر مُدقِع، أو لذي غُرْم مُفظِع، أو لذي دمٍ مُوجِع) (رواه أبو داود ، وابن ماجه ، والنسائي ،وأحمد) 
 فكانت معالجته معالجة عمليَّة؛ استخدم فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم كل الطاقات والإمكانات المتوفِّرة لدى الشخص الفقير، وإن تضاءلت؛ حيث علَّمه رسول الله صلي الله عليه وسلم كيف يجلب الرزق الحلال من خلال عمل شريف.

8ـ احترم رأي الشباب

كان من مبادئ الإسلام اعتماده على الشورى امتثالا لقول الله تعالى:} وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ (159){ آل عمران.
فأخذ الرسول الكريم بهذا الاتجاه وأعطى للشباب حظه من الرأي، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، ونزل عند رأيهم أحيانا، لعلمه أن رأيهم يكون منبثقا من الإيمان القوي، والرغبة في تحقيق الطموح المتدفق، وطوي المراحل للوصول إلى إحقاق الحق ونشر ردائه، من ذلك ما وقع في غزوة أحد، فقد علم الرسول الكريم بوصول جيش المشركين إلى جبل أحد زاحفا على المدينة، لأخذ الثأر عن ما وقع لهم في غزوة بدر، التي فتح الله بها باب انتشار الإسلام، والتعرف على شوكته التي لا تكسر، فأخذ المشركون عدتهم التي بلغت ثلاثة آلاف مقاتل ومعها مائتي فارس بقيادة خالد بن الوليد  قبل إسلامه في وقت لم يكن للمسلمين عتاد من هذا النوع، فأدرك الرسول مخاطر هذه المعركة وعواقبها، فرأى أن يبقى في المدينة تاركا للمشركين الهجوم عليها لتضمحل قوة الفرسان بين الأزقة، ويستطيع أهل المدينة المشاركة في الحرب، ولو من فوق السطوح بالرمي بالحجارة وغيرها.
غير أن الشباب المتحمسين من الأنصار أصروا على الخروج لقتال المشركين خارج المدينة، فنزل الرسول صلى الله عليه وسلم عند رأيهم، ودخل بيته ليلبس درعه فعاب من وافق رأي الرسول على الشباب وعلى إصرارهم، فرجع الرسول ليجد المتحمسين قد غيروا رأيهم، لكنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما كان لرسول الله وقد لبي درعه لينزعها".

وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد سلك هذا النهج رغم ما فيه من المخاطر، فإنه أراد أن يعلم الصحابة الكرام أن رأي الشباب محترم مادام قد صدر عن حسن نية، ورغبة في الانتصار لله ولرسالة نبيه.

9 ـ تعويد الشباب على تحمل المسؤولية منذ الصغر:ـ

يقول أنس بن مالك رضي الله عنه خدمت النبي صلى صلَّى الله عليه وسلَّم  عشر سنين فما ضربي ولا سبني ولا انتهرني ولا عبس في وجهي وكان أول ما أوصاني بابني اكتم سري تك مؤمنا " .

يقول سيدنا أنس فكانت أمي وأزواج رسول الله  صلَّى الله عليه وسلَّم  يسألني عن سر رسول الله فلا أخبرهم به وما أنا بمخبر بسر رسول الله أحدا أبدا "                                                                                    
يعلمه تحمل المسئولية وأخطر المسئوليات " مسئولية الأسرار"

10ـ تمكين الشباب ومنحهم الثقة :ـ

الشباب عندهم مؤهلات وطاقات وإمكانات وقدرات عالية , فالشباب أمل الأمة ، الشباب أساس النهضة لهذه الأمة ،الشباب هم مصدر الانطلاقة للأمة، وصناعة الآمال، وعِزُ الأوطان ، لذلك أعطي النبي صلى الله عليه وسلم الشباب الثقة ومنحهم المسئولية خلافاً لما يعيشه كثيرٌ من الناس اليوم .
فمن الذين مكنهم النبي صلي الله عليه وسلم ومنحهم الثقة في القيادة ...

 أسامة بن زيد :ـ

لقد أعطي النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد قيادة جيش متجه إلي الرومان ،والجيش فيه رجال من كبار الصحابة أمثال أبي بكر وعمر رضي الله عنهم، وقد كان عمر أسامة آنذاك ثماني عشرة سنة، ولم يرسل النبي صلي الله عليه الجيش لمهمة استطلاعية ، لا يخرج في مهمة استطلاعية، أو مهمة تدربية، أو مهمة بسيطة أمر النصر فيها محسوم..

إن هذا الجيش يذهب ليقابل أعتي جيوش الأرض في ذلك الزمان.. إنه جيش الإمبراطورية الرومانية العظمى .. الجيش صاحب التاريخ الطويل، والانتصارات المجيدة.. ولابد أن نلحظ هنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما ولى أسامة بن زيد رضي الله عنهما لم يكن بأي حال من الأحوال يلقي بجيش المسلمين إلى التهلكة، إنما كان يعلم تمام العلم أن هذا الشاب يستطيع بكفاءة أن يقوم بهذه المهمة الخطيرة، وأصر على ولايته حتى بعد أن أبدى بعض الصحابة اعتراضهم واستغرابهم لولاية هذا الشاب الصغير على هذا الجيش الخطير..
وهذا الإصرار ليزرع المعنى في قلوبنا بوضوح.. وهو أن إمكانيات الشباب هائلة..
هذا الشاب أسامة بن زيد رضي الله عنهما الذي لم يبلغ ثمانية عشر عاماً ولكنه قد استكمل في سنوات عمره المعدودة فنون الفروسية، والقتال، والقيادة ،والإدارة ،والفقه ،والعلم، بحيث أصبح قادراً على أداء هذه المهمة الخطيرة..

مع العلم ... أن هذا الشاب العظيم لم يكن يتمتع بما يحلم به كثير من شباب اليوم من وضع اجتماعي معين ،فهو ابن رجل بسيط ، هو زيد بن حارثة رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبوه ممن يباع ويشترى، وأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن شاباً وسيماً جميلاً ،بل على العكس تماماً.. إنه لم يكن حسن الصورة ولا جميل الوجه..

وهذا ليثبت للشباب في كل زمان أن المقومات الحقيقية للشاب الناجح تكمن أساساً في دين الشاب
وفي عقله ، وعلمه وكفاءته وتدريبه، ولا تكمن أبداً في عرق أو عنصر أو نسب أو مال أو جمال
صورة..
ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حقه كلمة هي فخر لكل الشباب المسلم،
فقد روى البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ"

2ـ معاذ بن جبل عالم الأنصار ومفتيها وقاضيها:ـ

معاذ بن جبل رضي الله عنه أسلم وهو ابن ثمانية عشر عاماً، يرسله النبي صلي الله عليه وسلم إلى بلاد بعيدة وفي مهمة عظيمة ومسئولية جسيمة يرسل معاذاً إلى اليمن إلى قومٍ ليسوا على مذهبه وملته وديانته قاضيا ومعلما ومفتيا ويقول له:
عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: (إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذ جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب). (رواه البخاري ومسلم وأهل السنن).
وعن معاذ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن قال:كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله.
قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد وإني لا آلو.
قال:فضرب رسول الله صدري ثم قال:الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله.

3ـ عتاب بن أسيد:ـ

عتاب بن أسيد ، يجعله أميراً على مكة  بعد الفتح.
عن ابن أبي مليكة يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقد رأيت أسيدًا في الجنة وأنى يدخل أسيد الجنة", فعرض له عتاب بن أسيد, فقال: "هذا الذي رأيت أدعوه لي فدعا", فاستعمله يومئذ على مكة, ثم قال لعتاب: "أتدري على من استعملتك؟ استعملتك على أهل الله فاستوص بهم خيرًا", يقولها ثلاثًا.

4ـ مصعب بن عمير:ـ

مصعب بن عمير ، يرسله داعية إلى أهل المدينة ، فيسلم على يديه أكثر أهلها ، ويدخل نور الإسلام كل بيت من بيوتها ، لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار..

العنصر الرابع: حاجة الأمة إلى الشباب:

إن حاجة الأمة إلي الشباب حاجة ملحة جداً كحاجة المريض إلي الطبيب، فعليهم تنعقد الآمال، وبهم نصعد إلى قمم الجبال ، فكان الشباب قديمًا وحديثًا في كل أُمَّةٍ عِمَادُ نهضتها، وفي كل نهضةٍ سِرُّ قُوَّتها، وفي كل فكرة حَامِلُ رَايتها: قال تعالي }إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً (13){ (الكهف)".
                               
فالشباب هم عصب الحياة وقوامها، صلاحهم صلاح لأمتهم، وفسادهم فساد لأمتهم.
وما ظهر الدين وعرف الناس شرائع النبيين إلا بفضل الشباب الصالحين الذين استجابوا لله والرسول صلى الله عليه وسلم،

والإسلام لَم ترتفع في الإنسانية رايتُه، ولَم يمتدَّ على الأرض سُلطانه، ولَم تَنتشر في العالمين دعوته  إلاَّ على يد هذه الطائفة المؤمنة التي تَربَّت في مدرسة النبي  صلَّى الله عليه وسلَّم  وتخرَّجت في جامعته الشاملة.
وهم الذين حمَلوا راية الدعوة إلى الله، ورَفَعوا لواءَ الجهاد المقدَّس، فحقَّق الله على أيديهم النصر الأكبر ودولة الإسلام الفتيَّة.

والتاريخ خير شاهد علي ذلك ،لوتصفحنا السيرة النبوية لوجدنا كل من واجهوا جبابرة مكة وكسري وقيصر هم الشباب ، السابقون السابقون هم الشباب ...
أسلم أبو بكر وعمره ثمان وثلاثون سنة، وكان النصير والعضيد، والرفيق في الهجرة والغار، وعمر رضي الله عنه لما أسلم كان عمره قريبا من الثلاثين، وبه اعتز الإسلام، وخرجوا من دار الأرقم، حتى قيل: لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر.
وأسلم عثمان وعمره أربعاً وثلاثين، وكان في الإسلام معطاءً باذلاً.
وأسلم علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وهو في التاسعة من عمره ينقص منها أو يزيد عليها، وحمل الراية في بدر وهو ابن عشرين سنة، وهم من العشرة المبشرين بالجنة
والزبير ابن العوام رضي الله عنه من العشرة المبشرين بالجنة ،أسلم وعمره ستة عشر عاما، وهو أول من سل سيفه في سبيل الله تعالى،
وطلحة ابن عبيد الله من العشرة المبشرين بالجنة ،أسلم وهو يناهز الحلم.
وأسلم سعد بن أبي وقاص وعمره تسع عشرة سنة وهو أول من رمى بسهمه في سبيل الله تعالى
وهوبطل القادسية وفاتح المدائن ،وهو من العشرة المبشرين من الجنة.
الأرقم ابن أبي الأرقم عمره ستة عشر عاما، وهو بني مخزوم يجعل بيته مقرا لرسول الله صلي الله عليه وسلم يعلم فيه المسلمين ويربيهم علي الإسلام لمدة ثلاثة عشرعاما رغم أن بني مخزوم كانت تنازع بني هاشم الشرف .
وأسلم عبد الرحمن بن عوف وهو في الثلاثين من عمره، وأسلم أبو عبيدة بن الجراح في العشرين أو في الثلاثين من عمره، وأسلم سعيد بن زيد وهو دون العشرين، فهؤلاء هم العشرة المبشرون بالجنة سبقوا إلى الإسلام وهم شباب، وتحملوا في سبيل ذلك أنواع الأذى.
ومن الذين حملوا الإسلام والقرآن إلى المدينة النبوية بعد بيعة العقبة المباركة مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو دون الثلاثين، فكان قبل الهجرة داعية المدينة ومقرئها، وكان أغنى شباب مكة وأعطرهم، وعلى يديه أسلم سعد بن معاذ سيد الأوس وله بضع وثلاثون سنة، فقام سعد في قومه خطيبا فقال: كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تسلموا. فأسلموا، فكان من أعظم الناس بركة في الإسلام.
فالدعامة الأساسية لدين الإسلام علي وجه الأرض هم الشباب أعمارهم تتراوح من سبعة عشر عاما إلي ثلاثين عاما.
 نعم الواحد منهم صغير السن ولكنه كبير في العقل والهدف وكل شيئ. 

هؤلاء هم شباب الإسلام .  
شبابنا هيا إلى المعـالي     هيا اصعدوا شوامخ الجبال   
هيا اهتفوا يا معشر الرجال     قولوا لكل الناس لا نبالي

العنصر الخامس : دور الشباب في بناء الأمة :ـ 

لقد كان للشباب المسلم الدورالأعظم في بناء الأمم والشعوب فعلي أكتافهم قامت الحضارات ، وكان لهم أثر كبير في نهضة الأمة الإسلامية على مر العصور ،واختلاف المجالات، فحُق لهم أن يكونوا نماذج حسنة وقدوة صالحة لشباب الأمة في كل العصور.
وإليكم بعض القدوات الشبابية المشرقة في ميادين متنوعة....

ميدان العلم والدعوة :ـ 

1ـ زيد ابن ثابت :ــ

 نموذج  غاية في الروعة والجمال إنه زيد ابن ثابت ابن الضحاك الأنصاري من بني النجار يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاما ، سمع أن جيش المسلمين خارج إلي بدر تحركت في قلبه مشاعر نصرة الإسلام فحمل سيفه وكان أطول منه ، وبعد ذلك خرج لينضم إلي جيش المسلمين وهو ليس بمكلف بعد لكن الرسول الرحيم بأمنه رفض زيد وقال لا زلت صغيرا يا بني. 

عاد الطفل حزينا إلي بيته يبكي  !! لماذا البكاء ؟  لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم منعه من الجهاد ، لكن الأم المربية العاقلة قالت لا تحزن تستطيع أن تخدم الإسلام بصورة أخري .كانت خدمة الإسلام هي هدفه وطموحه ، قالت له أنت تحسن الكتابة وتحفظ كثيرا من سور القرآن ، تستطيع أن تخدم الإسلام في هذا المجال ، فذهبت به إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وأوصاه أن يتعلم اللغة السريانية . 

 يقول زيد عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت قال: قال لي رسول الله : "أتحسن السريانية؟" قلت: لا. قال: "فتعلمها فإنه تأتينا كتب". قال فتعلمتها في سبعة عشر يومًا. قال الأعمش: كانت تأتيه كتب لا يشتهى أن يطلع عليها إلا من يثق به، من هنا أطلق عليه لقب ترجمان الرسول .  ترجمان الرسول صلي الله عليه وسلم كم عمره 13 سنة !! وبعد ذلك يكلف بجمع القرآن في عهد سيدنا أبو بكر. 
 بعد وفاة الرسول شغل المسلمون بحروب الردة، وفي معركة اليمامة كان عدد الشهداء من حفظة القرآن كبير، فما أن هدأت نار الفتنة حتى فزع عمر بن الخطاب إلى الخليفة أبو بكر الصديق راغبًا في أن يجمع القرآن قبل أن يدرك الموت والشهادة بقية القراء والحفاظ...واستخار الخليفة ربه، وشاور صحبه ثم دعا زيد بن ثابت وقال له:(إنك شاب عاقل لانتهمك)...وأمره أن يبدأ بجمع القرآن مستعينا بذوي الخبرة.

ونهض زيد بالمهمة وأبلى بلاء عظيما فيه، يقابل ويعارض ويتحرى حتى جمع القرآن مرتبا منسقا...وقال زيد في عظم المسئولية: (والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه، لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن)...كما قال: (فكنتُ أتبع القرآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف والعُسُب وصدور الرجال). وأنجز المهمة على أكمل وجه وجمع القرآن في أكثر من مصحف.  وجمعه مرة أخري عهد سيدنا عثمان رضي الله عنهم جميعا.

2ـ الإمام البخاري :ـ

صبي فَقَد بصره في الخامسة من عمره، فظلت أمه تدعو الله أن يرد إليه بصره، ليس ليكون كبقية
الصبيان والأطفال، وإنما ليكون عالمًا متعلمًا، فشاء الله وقدر واستجاب لدعوات أمه، فصار شيخًا للمحدثين في تاريخ الإسلام العظيم، وهو جبل الحفظ وإمام وقته أمير أهل الحديث، الذي لم يشهد تاريخ الإسلام مثله في قوة الحفظ ودقة الرواية والصبر على البحث مع قلة الإمكانات، حتى أصبح منارة في الحديث، وفاق تلامذته وشيوخه على السواء، هو الإمام البخاري، صاحب أصح كتاب بعد القرآن الكريم، والذي صنفه في ست عشرة سنة، وجعله حجة فيما بينه وبين الله تعالى، فلا يكاد يستغني أحد عنه، لقد كان -رحمه الله- يحفظ أكثر من مائة ألف حديث، دوّن منها في صحيحه سبعة آلاف فقط، وكان ذا منهج متميز في تخيُّر أحاديثه وقبولها. 

في أواخر القرن الثاني الهجري في مشرق العالم – في نيسابور – جلس محمد بن إسماعيل البخاري وعمره سبعة عشر عاما  بين يدي أستاذه إسحاق بن راهويه حاول الأستاذ أن يحدث تلامذته عن احتياجات الأمة فقال "والله لو أن واحدا منكم يجمع صحيح السنة في كتاب لانتفع به الناس أيما انتفاع .

يقول البخاري فوقعت في نفس هذه المهمة وأقسمت أن أكون هذا الرجل فقعدت في بيتي ونمت ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو جالس على منبره الشريف ويأتيه بعض الذباب فأذهب وأهش الذباب عنه فأقمت من نومي وحكيت الرؤيا لأستاذي فأولها أنى أذب كذب الحديث عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ،فبدأت أجمع حديث النبي صلي الله عليه وسلم في كتاب (والبخاري ما كتب حديثا إلا اغتسل وصلى ركعتين. وكانت له تجارة ينفق من ريعها في هذه المهمة من ماله)   . 

الشباب في ميدان الإمامة :ـ 

عمرو ابن سلمة :ــ 

عن عمرو بن سلمه رضي الله عنه  كما في صحيح البخاري كان عمره ست سنين أو سبع سنين                        
" لما كان عام الفتح سارعت القبائل بإعلان إسلامها بين يدي النبي صلي الله عليه وسلم فذهب أبوه "من قبيلة جرم " إلي النبي صلي الله عليه وسلم ليعلنوا إسلامهم فأمرهم بالصلاة والزكاة وغيرهما فرجع أبوه من عند النبي صلي الله عليه وسلم واستقبله القوم وفيهم عمرو بن سلمه فقال أبوه "جئتكم  من عند النبي صلي الله عليه وسلم وأمرنا أن نصلى صلاة كذا في وقت كذا وصلاة كذا في وقت كذا فسألناه من يؤمنا فقال أقرؤكم للقرآن فنظروا فلم يجدوا أحدا أكثر حفظا منى  لما كنت أتلقى الركبان  ( وقبيلة جرم كانت استراحة القبائل التي تقصد النبي صلي الله عليه وسلم تمرعليهم وتعود عليهم ليتزودوا ,كان يسألهم عمرو بن سلمه ماذا نزل على النبي من القرآن فيحفظ منهم ). 
فقدموني للإمامة  وعمري 6أو7سنوات وكانت على بردة قصيرة إذا سجدت تقلصت عنى فظهرت عورتي ، فنادت امرأة من خلف الصفوف داروا عنى إست إمامكم .
فاشتروا لي ثوبا عمانيا فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحى بهذا الثوب " ظل إماما للقبيلة أكثر من 50سنة. 

ميدان الجهاد :ـ

صقرين يقتلان فرعون هذه الإمة :ــ

غلامين صغيرين كان لهما في معركة بدر موقف لا ينتهي منه العجب وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء رضي الله عنهما ونترك الحديث عن هذا الموقف العجيب للصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه  كما في صحيح البخاري قال : بينما أنا في الصف يوم بدر إذ نضرت عن يميني وعن شمالي فإذا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت لو أن غيرهما كان بجواري ليحميني فغمزني احدهما فقال يا عم أتعرف أبا جهل قلت نعم وما حاجتك إليه قال سمعت انه يسب رسول الله والذي نفسي بيده لأن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا ثم غمزني الأخر فقال لي مثل مقالة صاحبه ثم لم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت هذا صاحبكما فانقضا عليه كالصقرين فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فاخبراه فقال أيكما قتله قال كل منهما أنا قتلته قال هل مسحتم سيفيكما قالا لا فنظر في السيفين فقال  صلى الله عليه وسلم : كلاكما قتله ( البخاري، ومسلم). 

سبحان الله فرعون هذه الأمة وطاغية زمانه يكون مصرعه على يدي غلامين شابين من شباب الصحابة الكرام !! لماذا؟ حتى تكون الصورة واضحة جلية يتبين من خلالها إلى أي حد وصل مستوى أولئك الشباب الأفذاذ.

الشباب في ميدان القيادة :

1ـ أصغر فاتح في الإسلام:ـ  

هو محمد بن القاسم الثقفي مؤسس أول دولة إسلامية في الهند؛ ولذلك يبقى اسمه شامخًا في سجل الفاتحين الأبطال.

أودع الله بين جنبيه نفسًا بعيدة المطامح لخدمة الإسلام، والمسلمين .

بدت عليه أمارات النجابة والشجاعة وحسن التدبير في الحرب منذ نعومة أظفاره؛ مما جعل الحجاج بن يوسف الثقفي يعينه أميرًا على ثغر السند وهو لم يتجاوز 17 عامًا، وكان محمد بن القاسم راجح الميزان في التفكير والتدبير، وفي العدل والكرم، إذا قورن بكثير من الأبطال، وهم لا يكادون يبلغون مداه في الفروسية والبطولة، ولقد شهد له بذلك الأصدقاء والأعداء، وقد سحر الهنود بعدالته وسماحته، فتعلقوا به تعلقًا شديدًا. 

وكان يتصف بالتواضع الرفيع، فكان في جيشه من يكبر أباه سنًّا وقدرًا، فلم تجنح نفسه معهم إلى الزهو والمباهاة، ولكنه لم يكن يقطع أمرًا إلا بمشورتهم، بَنَى المساجد في كل مكان يغزوه، وعمل على نشر الثقافة الإسلامية مبسطة ميسرة.

اتجه نحو بلاد السند، فبدأ بفتح مدينة بعد مدينة لمدة سنتين، ثم زحف إلى الديبل، فخندق الجيش بخيوله وأعلامه واستعد لمقاتلة الجيش السندي بقيادة الملك "الراجة داهر" حاكم الإقليم، في معركة مصيرية سنة 92هـ، وكان النصر للحق على الباطل، فقد انتصر المسلمون، وقُتل ملك السند في الميدان، وسقطت العاصمة السندية في أيدي المسلمين. واستمر محمد بن القاسم الثقفي في فتوحاته لبقية أجزاء بلاد السند ليطهرها من الوثنية المشركة، فنجح في بسط سلطانه على إقليم السند، وفتح مدينة الديبل في باكستان، وامتدت فتوحاته إلى ملتان في جنوب إقليم البنجاب، وانتهت فتوحاته سنة 96هـ عند الملقان، وهي أقصى ما وصل إليه محمد بن القاسم من ناحية الشمال، فرفرف عليها علم الإسلام وخرجت من الظلمات إلى النور، وبذلك قامت أول دولة إسلامية في بلاد السند والبنجاب (باكستان حاليًّا) 

قال حمزة الحنفي فيه:
إن المــــروءة والسماحة والنـدى *** لمحمد بن القاسـم بن محمـد  
ساس الجيوش لسبع عشرة حجّة *** يا قرب ذلك سؤددًا من مولد

2ـ أقوي ملوك أوربا : عبدالرحمن الناصر :ـ

سيرته مليئة بالمواقف الرائعة ، استلم دولة ضعيفة مترهلة مشتتة تموج بالثورات والفتن يطمع فيها أهل الأرض جميعا وليس فيها أمل فيما يبدو للناس أن تقوم من جديد فإذا به بصبر عجيب وثبات وعزيمة وجهد وإخلاص يعيد ترتيب الأوراق من جديد في بلاد الأندلس ، يعيد للعلماء هيبتهم ويعيد للجيش الإسلامي رهبته ، يوحد الصفوف ، يطهر البلاد من المشركين والمنافقين، يبني حضارة عظيمة جدا في بلاد الأندلس تتفوق في كل المجالات ، حتي أصبحت الأندلس في زمانه أقوي دولة بلا منازع علي وجه الأرض ، وجاء زعماء أوربا جميعا يطلبون وده وليفوزوا برضاه . عبدالرحمن الناصر أقوي ملوك أوربا في القرون الوسطي ، استلم الحكم وهو يبلغ من العمر 22 سنة فقط . 

هذه رسالة عظيمة  أن الشباب عندهم مؤهلات وطاقات وإمكانات وقدرات عالية , وكأن التاريخ يقول لنا لا تسهينوا بقدرات الشباب ، فالشباب أمل الأمة ، الشباب أساس النهضة لهذه الأمة ،

شباب ذللوا سبل المعالي      وما عرفوا سوى الإسلام دينا
تعهدهم فأنبتهم نباتا            كريما طاب في الدنيا غصونا
إذا شهدوا الوغى كانوا كماة      يدكون المعاقل والحصونا
وإن جن المساء فلا تراهم        من الإشفاق إلا ساجدينا
شباب لم تحطمه الليالي         ولم يسلم الى الخصم العرينا
وما عرفوا الأغاني مائعات       ولكن العلا صنعت لحونا
فما عرف الخلاعة في بنات      ولا عرف التخنث في بنينا
كذلك أخرج الإسلام قومي        شبابا مخلصا حرا أمينا
وعلمه الكرامة كيف تبنى          فيأبى أن يقيد أو يهونا

العنصر السادس : الخاتمة :ــ 

أيها الشباب ... اعلموا أنكم أمل الأمة ، فعلي الجميع أن يسخر ما أودعه الله إياه من قوة ونشاط في خدمة هذا الدين والوطن. وليكن هذا شعاره دائما ( دينك دينك لحمك دمك ) . 

 فليعمل الشباب وليجتهدوا، وليشحذوا هممهم؛ فنهضة الأمة لن تقوم إلا على أكتافهم           

وليعلم الشباب أن المسئولية عظيمة أمام الله سبحانه وتعالي، قال تعالي } فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93){ الحجر

وأخيرا :
- نسأل الله أن يحفظ شبابنا من الفتن ماظهر منها وما بطن وأن يعصمهم من الخطأ والزلل ويهديهم إلي طريق الهدي والرشاد إنه ولي ذلك ومولاه .

رابط تحميل word

-------------------
رابط تحميل pdf

ليست هناك تعليقات: