الحمد لله رب العالمين ... مقدر الأقدار ومسبب
الأسباب ، ومقسم الحظوظ والملكات رفع الناس بعضهم علي بعض درجات ... فقال تعالي{ أَهُمْ
يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ
بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) } [الزخرف].
فنحمده سبحانه وتعالي علي نعمة الإسلام
العظيم وكفي بها نعمة ونشكره تعالي أن هدانا للقرآن الكريم ولولاه ما اهتدينا ولا
تصدقنا ولا صلينا ونتوب إليه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
.. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير.... جعل سلامة القلب سبب
النجاة يوم القيامة فقال تعالي : }وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ
يُبْعَثُونَ(87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى
اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89){
[الشعراء].
وأشهد أن محمد رسول الله صلي الله عليه
وسلم... بين أن صلاح الجسد بصلاح القلب ، وفساد الجسد بفساد القلب.... فعن النعمان
بن بشير رضي الله عنه قال صلي الله عليه وسلم }ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح
الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ...{ [متفق].
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه
وسلم تسليما كثيرا ........
أما بعد.. فيا أيها المؤمنون ....
الإسلام دين النظافة والطهارة
، جاء ليبني أمة طاهرة ، طاهرة في عقيدتها وعبادتها وفهمها وسلوكها ، وجاءت الطهارة
في نصوص الكتاب والسنة بمعناها الواسع الشامل ليتطهر المسلم ظاهرا وباطنا ، فمما جاء
في أوائل السور المكية قوله سبحانه }يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ
(3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4){ المدثر .
لقد سعى الإسلام إلى طهارة
البدن وطهارة القلب ، وطهارة القلب أولى من طهارة البدن ، قال تعالي } يَوْمَ لَا يَنْفَعُ
مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89){ [الشعراء]،
والقلب هو محل نظر الله
تعالي إليه ،لقوله صلي الله عليه وسلم ( إن الله لا ينظر إلي صوركم ولا إلي
أموالكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم ) (رواه مسلم) .
ولقد حذر المولي تبارك وتعالي من أمراض القلوب لما لها من أضرار علي الفرد
والمجتمع فأمر بالاستعاذة منها فقال تعالي {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1) مِن
شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ
فِي العُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)} [الفلق].
ولقد انتشرت امراض القلوب بين الناس من غل وحسد وغش وبغضاء ولن يجتمع شمل هذه
الامة إلا إذا طهرت قلوبها وتماسكت فيما بينها ، ولن يؤمن أحدنا حتى يحب لأخيه المسلم
ما يحبه لنفسه .
فمن الأمراض الخطيرة التي
تفتك بالأمة أفرادا ومجتمعات ، مرض الحسد الذي كان سبب في كثير من الجرائم مثل
القتل والدمار ، فالحسد صفة ذميمة لا تتخلق بها إلا النفوس المريضة التي لا تحب إلا
العيش منفردة والاستئثار على غيرها بما تهواه.
و الحسد بوابة الآثام، وبضاعة اللئام، يبدأ بالقريب قبل البعيد،
والصديق قبل العدو، فهو أكثر ما يكون بين الأقارب، وبين الجيران، وبين الزملاء.
فالقريب الحاسد لا يحب أن يكون قريبه أحسن منه فيما يتباهى به الناس، ولو كان
أخاه لأبيه وأمه، والجار الحاسد لا يحب أن يكون جاره أفضل منه في مال أو جاه أو قوة
أو جمال أو علم. والزملاء في الدراسة أو الوظائف أو الأعمال لا يرضى الواحد منهم أن
يتقدم عليه في معلومات أو ترقيات أو مكافآت أو زيادة خير.
والحسد يدخل بين الأقران والأمثال في أكثر الأحيان فالعامل يحسد العامل والتاجر
يحسد التاجر والفلاح يحسد الفلاح ،ولذلك
لا تستغربوا من حصول المشكلات والمكايدات، والبغضاء والتقاطع، والهجران وفساد العلاقات
وتعثر المشروعات، والتقاتل والأضرار بين الأصناف السابقة، فما ذلك إلا نتيجة من نتائج
مرض الحسد.
لذلك كان حديثنا عن (الطهارة من أمراض القلوب..الحسد) ، وذلك من خلال هذه
العناصر الرئيسية التالية :ـ
1ـ الأسبابٌ
والدوافع في إصلاح القلب.
2ـ حقيقة
الحســــــــد .
3ـ مراتب
الحســــــــــــد.
4ـ أسباب الحســــد .
5ـ
أضرار الحسد علي الفرد والمجتمع .
6ـ قصص في خطورة الحسد .
7ـ علاج الحسد.
-------------------------
العنصر الأول : الأسبابٌ
والدوافع في إصلاح القلب:ــ
هناك أصولٌ نفيسة
وأسبابٌ دافعة في إصلاح القلوب منها :ـ
1ـ القلب موضع نظر الله تعالى:
عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم (إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم
ولكن ينظر إلى قلوبكم واعمالكم) رواه مسلم.
فالله تعالى يوم القيامة
لا ينظر إلى كم رصيدك أو ما هو منصبك ورتبتك، ولا ينظر إلى كم لديك من الأولاد والقصور
والعقار، ولكن الله ينظر إلى هذا القلب وما فيه من خيرٍ أو شر.
لذا ينبغي علينا أن
نهتم بهذا العضو ونزيّنه بزينة الإيمان والتوبة والإنابة،،،
الله تعالى أنزل لباسين:
لباسًا ظاهرًا يواري العورة ويسترها، ولباسًا باطنًا من التقوى يجمّل العبد ويستره،
فإذا انكشف هذا الغطاء انكشفت عورته الباطنة كما تنكشف عورته الظاهرة بنزع ما يسترها
من لباس..
2ـ صلاح الجوارح بصلاح القلب:
عن النعمان بن بشير
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال }ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح
الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ...{ [متفق].
فإذا كان القلب صالحًا
فتبعًا لذلك تصلح الجوارح فلا ترى العين إلا حلال ولا تسمع الأذن إلا الحلال ولا يقول
اللسان إلا ما يرضي الله تعالى، وإذا كان القلب فاسدًا فتبعًا لذلك تفسد الجوارح فترى
العين تنظر إلى الحرام والقنوات المحرمة والأذن يسمع الغناء والحرام وكذلك اللسان تجده
يفري في أعراض الناس صباح مساء .
يقول صلى الله عليه وسلم (لا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم
قلبه حتى يستقيم لسانه).
3 ـ القلب كثيرُ التقلّب:
يقول صلى الله عليه وسلم (لقلب ابن آدم أشد انقلابًا من القدر إذا استجمعت
غليًا)
ويقول صلى الله عليه
وسلم (إن هذا القلب كريشةٍ بفلاةٍ من الأرض يُقيمها الريح ظهرًا لبطن) .
وفي هذا دليلٌ على
أن القلب كأنه ريشه لخفته وسرعة تأثره بالفتن وهو كالثوب الأبيض يؤثر فيه أدنى أثر
هو كذلك مثل المرآة الصافية يؤثر فيها أدنى شيء.
4 ـ القلبُ عُرضةٌ للفتن:
يقول صلى الله عليه
وسلم (تُعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير
عودًا عودًا فأيّ قلبٍ أُشربها نكتت فيه نكتةُ سوداء وأيّ قلبٍ انكرها نكتت فيه نكتةٌ
بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلبٌ أسود مربادًّا كالكوز مجخيًّا، لا يعرف معروفًا
ولا يُنكر منكرًا إلا ما اُشرب من هواه، وقلبٌ أبيض فلا تضره فتنةٌ ما دامت السماوات
والأرض)؛ رواه مسلم.
فالقلب الأول يُصاب
بمرضين خطيرين هما:
1- لا يعرف معروفًا
ولا يُنكر منكرًا وربما اشتبه عليه المعروف بالمنكر والمنكر بالمعروف وأصبحت السنة
بدعة والبدعة سنة والحق باطلًا والباطل حقًّا وهذا هو قلب المنافق وهو أشر قلوب الخلق.
2- تحكيمه هواه وانقياده
للهوى..
أما القلب الثاني
فهو قلبٌ عرف الحق وقبله وأحبه وآثره على غيره، قلبٌ قد أشرق فيه نور الإيمان ينكر
فتن الشهوات والشبهات ولا يقبلها البتة.
5ـ الأعمالُ تتفاضلُ بتفاضلِ ما في القلوب:
فقد تكون صورة العملين
واحدة كالصلاة مثلًا وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض والسبب أن الأول مقبلٌ
بقلبه على ربه والقلب الثاني سارحٌ في هذه الدنيا بعيدًا غافلًا عن الله تعالى
يقول صلى الله عليه وسلم (ما من مسلمٍ يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقوم فيصلي
ركعتين مقبلٌ عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة)؛ رواه مسلم.
إذًا العبرة بأعمال
القلوب لا بأعمال الجوارح؛ يقول الله تعالى: }الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ
أَحْسَنُ عَمَلًا (2){ [الملك] .
وهنا قال الله: أحسن
عملًا ولم يقل أكثر عملًا، ولهذا كان الصالحون من هذه الأمة لا يهتمون بكثرة العمل.
وعلى هذا الأصل فإن
"عبودية القلب اعظم من عبودية الجوارح".
6ـ القلبُ هدفٌ للشيطان:
لمّا علم الشيطان عدو الله أن مدار النجاة على القلب أجلب عليه بالوساوس
والشهوات والشبهات وزيّن له الباطل ونصب له المصايد والحبائل حتى يُفسد هذا القلب ويجعله
بعيدًا عن ربه ومولاه غارقًا في بحر الفتن.
7ـ أمراض القلب خفيّة وإهمالها يؤدي إلى الهلاك:
مثل الرياء والعجب
والكبر والشهرة وغيرها، وهذه أمراض خفية قد لا يعرفها صاحب هذا القلب وهذا قد يؤدي
به إلى الهلاك والعياذ بالله تعالى، وهؤلاء اهتموا بالأعمال الظاهرة، وأهملوا أعمال
القلوب ولم يراقبوا الله في خلواتهم؛
فعن سهل بن سعد الساعدي
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس
وهو من اهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة)
.
وخاتمة السوء تكون
بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطّلع عليها الناس؛ يقول الحسن البصري رحمه الله (النفاق اختلاف السر والعلانية والقول والعمل).
ويقول بلال بن سعد
(لا تكن وليًّا لله عز وجل في العلانية وعدوًّا
له في السر).
العنصر الثاني : حقيقة الحسـد :ـ
الحسد:
هو تمنِّي زوال النِّعمة عن الغير، وهو في جوهرِه اعتِراضٌ على عطاء المنعم سبحانه
وتعالى.
و يقول ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد اصل الحسد : هو بغض نعمة الله على
المحسود وتمني زوالها .
وأمر الحسد ثابت شرعا
قال الله تعالى { وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ
إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)} (القلم).
قال ابن عباس وغيره في تفسيرها : أي يعينوك
بأبصارهم ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : " العين حق ، ولو كان شيء سابق
القدر سبقت العين ، وإذا استغسلتم فاغسلوا " رواه مسلم ،
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أسترقي من العين " (البخاري ومسلم).
وأخرج مسلم وأحمد والترمذي وصححه عن ابن عباس
رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " العين حق ولو كان شيء
سابق القدر لسبقته العين ، وإذا استغسلتم فاغسلوا " صححه الألباني في السلسلة
الصحيحة.
العنصر الثالث : مراتب الحسد :ـ
ذكر
العلماء أن مراتب الحسد أربعة وهي :ـ
الأولى
:
تمني زوال النعمة عن المنعم عليه ولو لم تنتقل للحاسد.
الثانية :
تمني زوال النعمة عن المنعم عليه وحصوله عليها
.
الثالثة
:
تمني حصوله على مثل النعمة التي عند المنعم عليه حتى لا يحصل التفاوت
بينهما ، فإذا لم يستطع حصوله عليها تمنى زوالها عن المنعم عليه.
الرابعة
:
حسد الغبطة ويسمى حسداً مجازاً وهو تمني حصوله على مثل النعمة التي عند
المنعم عليه من غير أن تزول عنه فهذا الحسد محمود كماجاء في الحديث الصحيح في قوله
صلى الله عليه وسلم (لا حسد إلا في إ ثنتين رجل أتاه الله القران فهو يقوم به آناء
الليل وأناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار))
فأنت تتمنى أن تكون مثله ،مع بقاء تلك النعمة
عنده وهذا الحسد معناه الغبطة ،وقد يجوز ان يسمى ذلك منافسة
ومنه قوله تبارك وتعالى
{ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)}المطففين
والحسد خلق ذميم ، وصفة وضيعة ، حقيرة لا تكون إلا في النفس العاجزة ،
المهانة التي تعجز عن فعل الخير ، وتتمني زواله من غيره حتي يكون العاجز والعامل
سواء كما قال تعالي }وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ (89){ النساء.
فالحسود عدو النعمة متمن زوالها عن المحسود كما زالت عنه ، فمن كان يحب
الله واليوم الآخر فلينتهي عن هذه الصفة إن كانت فيه وليحذر عقاب الله في الدنيا
والآخرة ومن لم يكن من أهلها فليحمد ربه حمداً كثيرا علي ذلك فإن الآفة الوضيعة
تقتل صاحبها وتهينه وتجعله من السافلين.
وأصل الحسد والعداوة التزاحم على غرض واحد ومنشأ ذلك كله حب الدنيا .
فإن الدنيا هي التي
تضيق على المتزاحمين وأما الآخرة فلا ضيق فيها .
وأنه بحسب فضل الإنسان وظهور النعمة عليه يكون حسد الناس له ، فإن كثر فضله
كثر حساده وإن قل فضله قلوا ، لأن ظهور الفضل يثير الحسد، وحدوث النعمة يضاعف
الكمد.
العنصر
الرابع : أسباب الحسـد :ـ
إن
الحسد مرض ينشأ من ضعف الإيمان بالقضاء والقدر وقلة الفهم لمعاني الأسماء والصفات.
فالحاسد
لو كان عنده إيمان قوي بقضاء الله وقدره ما حسد الناس على ما قضاه الله وقدره، ولو
كان عنده علم وفهم لاسمي الله: العليم والحكيم ما حسد؛ لأن الله حكيم في قضائه وقدره
وعليم بخلقه، فمن علم ذلك انكف عن حسده.
إن الحاسد صاحب نفس خبيثة تكره رؤية النعمة بادية على الآخرين؛ ولهذا يتمنى
الحاسد زوال النعمة عن المُنْعَم عليه .
ذكر العلماء دواعي الحسد، فذكروا
منها :ـ
1ـ بُغض المحسود:
فإذا كانت له فضيلة تُذكر أو منقبة
تُشكر ثارت نفس من أبغضه ، ولا يفارقه فإذا أصاب عدوه بلاء فرح وإذا أصابته نعماء
ساءه ذلك
جاء
في تفسير القرطبي في قوله تعالى: }أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ
آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا
(54){ النساء .
قال في قوله (أَمْ يَحْسُدُونَ......) قال هم
اليهود والناس يعني النبي صلى الله عليه وسلم
وعن إبن عباس ومجاهد
وغيرهما قالوا (حسدوا محمد صلى الله عليه وسلم على النبوة وحسدوا أصحابه على
الإيمان به ولا زالت آثار حسدهم تظهر يوما بعد يوم).
2ـ الكبر والعجب :
كأن يظهر من المحسود فضل يعجز عنه الحاسد
فيكره تقدمه فيه، فيثير ذلك حسدًا، فالحسد هنا يختص بمن علا مع عجز الحاسد عن
إدراكه .
وكان حسد الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم قريبا من ذلك ،،قال تعالي }وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ
هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31){ الزخرف.
وقالوا عن المؤمنين: }أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ
بِالشَّاكِرِينَ (53){ الأنعام
3ـ حب الرئاسة والجاه :
ومثاله أن الرجل الذي
يريد أن يكون عديم النظير في مجال من المجالات أو فن من الفنون إذا سمع بنظير له
في مكان ما ساءه ذلك وأحب هلكه أو زوال نعمته التي يشاركه بها وذلك لحب الرئاسة
والجاه والإنفراد به.
لقد التقى أبو جهلٍ،
وأبو سُفيان بن حرب، والأخنسُ بن شريق، وقدِ انصرفوا من حوْلِ بيْتِ رسول الله -
صلَّى الله عليه وسلَّم وقد جاءوا لا يَعرف كلُّ واحد منهم من خبر الآخَر شيئًا،
يستمعون إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
يتلو القُرآن الكريم، وكان ذلك لقاءَهم الثالثَ، وتعاهدوا أن لا يعودوا
لِمثلها فيُرَوْا على غيْرِ ما يعهدهم الناس، وفي صباح اليوم الثالث، دلَف الأخنسُ
بن شريق إلى بيْتِ أبي جهل، يستطْلِعُ الأثَرَ الذي تركَه سَماعُ القرآن الكريم من
فَمِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في نفس أبي جهل، ويسألُ الأخنس: فيم
سَمع من محمد؟
ويردُّ أبو جهل: ما
سمعت! (أي مثل ما سَمعتَ يا أخنس): "تنازعنا نَحن وبنو عبدمناف الشَّرفَ:
أطعموا فأطعمْنا، وحَملوا فحملْنا، وأعطَوْا فأعطَيْنا، حتَّى كنَّا كفرَسَيْ رهان
قالوا: منَّا نبيٌّ يأتيه الوحي من السماء، فمتى نُدْرِك مثلَ هذه؟ واللهِ، لا
نُؤمِنُ به أبدًا، ولا نُصدِّقُه".
وانكشف للأخنس ما
انطَوَتْ عليْهِ نفسُ أبي جهل، لقد كان الحسد، فهو وراءَ كلِّ تلك الخصومة،
واللَّدَد، والمقاومة الشديدة للإسلام ونبيِّه.
لقد صار أبو جهلٍ مدرسةً في الكفر؛ بسبَبِ هذه الآفةِ القاتلة، الحسدِ،
وَعَلَمًا عليها.
4ـ
السخط على قضاء الله تعالى:
فيحسد
الآخرين على ما منحهم الله تعالى إياه، وإن كانت نعم الله عنده أكثر، ومِنَحه عليه
أظهر .
5ـ
خبث النفس وبخلها:
وهذا يحب
الإدبار لغيره ويبخل بنعمة الله على عباده ، فإذا وُصف له حسن حال عبد من عباد الله
شق ذلك عليه ، وإذا وصف له أمرسوء وتنغيص عيش الناس فرح بذلك والعياذ بالله
قال بعض العلماء:
البخيل من يبخل بمال نفسه والشحيح الذي يبخل بمال غيره.
سبحان الله كأنهم
يأخذون ذلك من ملكه وخزائنه.
العنصر الخامس : أضرارالحسد علي الفرد والمجتمع :ـ
أضرار تعود علي
الحاسد :ـ
الحاسد
قد يشعر وقد لا يشعر أنه أول المتضررين بلفح نار حسده، فالحسد نار متأججة تحرق أول
ما تحرق مذكيها ومشعلها. وقد قالوا: لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله.
وقال معاوية رضي الله عنه: "ليس من خصال الشر أعدل من الحسد، يقتل
الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود".
فيصل الى الحاسد خمس عقوبات
قبل أن يصل الى المحسود شئ :ــ
أولها : غم لا ينقطع.
ثانيها: مصيبة لا يؤجر عليه.
ثالثها : مذمـة لايحمد بها.
رابعها
: سخط الرب
خامسها : عدم التوفيق يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
.
والحاسد عدو نعمة الله ، قال بعض الحكماء :بارز الحاسد ربه من خمسة أوجه
.....
أولا
: أنه ابغض كل نعمة ظهرت على غيره
ثانيا: أنه ساخط لقسمة ربه، كأنه يقول ربي لما قسمت هذه القسمة.
ثالثا: أنه ضَادَّ الله بفعله أي أن فضل الله يؤتيه من يشاء وهو يبخل بفضل
الله تبارك وتعالى
رابعا : أنه خذل أولياء الله أو يريد خذلانهم وزوال النعمة عنهم وهذا من
الخذلان.
خامسا:أنه أعان عدوه إبليس.
وقيل:الحاسد لا ينال في
المجالس إلا ندامةً ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاءً ولا ينال في الخلوة
إلا جزعاً وغما ولا ينال في الاخرة إلا حزنا واحتراقاً ولا ينال من الله إلا بعدا
ومقتًا .
روي عنه صلى الله عليه
وسلم أنه قال:( ثلاثة لا يستجيب الله دعائهم ، آكل الحرام، ومخبر الغيبة ومن كان
في قلبه غلٌ أو حسدٌ للمسلمين).
والحسد ينافي الإيمان:ـ
لأن الإيمان يأمر
صاحبه بالتسليم لأفعال الله، فلو حسد العالم أو العابد أو الصالح فإن ذلك يدل على
ضعف إيمانه؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لا يجتمع في جوف عبد مؤمن
غبار في سبيل الله وفيح جهنم ولا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد).
ويقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (الحسدُ يأكلُ الحسناتِ، كما تأكل النَّارُ
الحطب)[رواه البخاري].
وقال
عبد الله ابن مسعود: (لا تعادوا نعم الله قيل له ومن يعادي نعم الله , قال: الذين يحسدون
الناس على ماآتاهم الله من فضله يقول الله تعالى في بعض الكتب :( الحسود عدو نعمتي
متسخط لقضائي غير راضٍ بقسمتي.....)
وهذا النوع من الحسد
أعمها وأخبثها؛ إذ ليس لصاحبه راحة، ولا لرضاه غاية .
كما أن الحاسد لا ينقطع همه .
قال بعض الأدباء:" ما رأيت
ظالمـًا أشبه بمظلوم من الحسود، نَفَسٌ دائم، وهَمٌّ لازم، وقلبٌ هائم "
والحاسد مسيء للأدب مع الله سبحانه وتعالى .
قال الشاعر:
يا حاسـدًا لـي على نعمـتي أتدري على مَنْ أسأت الأدبْ ؟
أسـأت علـى الله في
حُكمـه لأنك لم تـرضَ لي ما
وهبْ
فأخـزاك ربـي بأن زادنـي
وسَـدَّ عليك وجـوه الطلبي
أضراره علي المحسود :ـ
الأذي والتعدي على المسلم ، ولقد نهى الله ورسوله عنه قال تعالى }وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا
مُبِينًا (58){ الأحزاب
.
أضراره علي المجتمع :ـ
1ـ الحسد يمزق المجتمع
ويفرقه، ويزرع فيه الشحناء والضغينة:ـ
قال النبي صلى الله عليه و سلم قال: (دب إليكم
داء الأمم: الحسد والبغضاء هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين،
والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم
بما يثبت ذاكم لكم؟ أفشوا السلام بينكم)
وانظر إلي ما فعله إخوة
يوسف بيوسف ، حين أظهروا ما في قلوبهم من الحقد والحسد ، قال تعالى مخبرا عنهم: }إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ
وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي
ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ
أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ{ يوسف
فكان ثمرة ذلك تفكك الأسرة وتغرب يوسف عدد سنين وذلك كله بسبب الحسد والحقد
.
2ـ إشاعة الجريمة :ـ
الحسد معصية عظيمة ، وأوَّل ذنبٍ عُصِيَ به اللهُ في السماء، وأوَّل
ذنبٍ عُصِيَ اللهُ به في الأرض.
وأمَّا ما كان في
السماء، فهو عِصيان إبليسَ أمرَ ربِّه أن يَسجُد لآدَم، لقد كان دافعَه الحسدُ
لإكْرام الله له؛ قال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي
فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)} [الحجر]،
وسجد الملائكةُ لأمر ربهم، وأبى إبليس.
ولمَّا سُئِلَ عن سبب
ذلك أجاب:{خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ(12)} [الأعراف]،
وكفر إبليس وطُرِدَ من
السماء، وخسِر خسرانًا مبينًا بسبب تلك الآفة القاتلة.
وأمَّا ما كان في الأرض، فقَتْلُ قابيل لأخيه هابيل، لقد قدَّم كلٌّ منهُما
قُربانًا إلى الله، فقُبِلَ قربانُ هابيل، ولم يُقْبل قربان قابيل، وقتل قابيلُ
أخاه هابيل، وعجز عن مواراة جثَّته، إلى أن أرسل الله له غُرابيْنِ فاقْتَتَلا،
وحفر القاتلُ حفرةً، ودفَن الآخَرَ القتيلَ، فحذا قابيلُ حذوَه، ووارى أخاه
التُّراب.
لقد
كان الحسد هو الدافعَ وراءَ أوَّل جريمةٍ على الأرض، على ما ساقه الله من فضل
وإكرام لعبده، الذي قرَّب إليه قربانًا فتقبَّله منه، إشارةً إلى رضاه عنه، فحسده
أخوهُ على ذلك الفضل.
لقد
قُتل عثمان رضي الله عنه حسدا ،، قال أبو قتادة ما قتلوا عثمان الاحسدا أي حسدوه
على الخلافة فأحبوا أن يزيلوها عنه.
3ـ الحسد يمنع صاحبه من قبول الحق والإذعان له :ـ
كان
الأنبياءُ في بني إسرائيل كثيرين، منهم وإليهم، وشاء اللهُ أن يحوِّل النبوَّة إلى
العرب، فبعثَ مُحمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم
إلى النَّاس كافَّة، بالإسلام عقيدةً وشريعةً، لا يتلوه رسالة.
وكان أمرُ هذه البعثةِ وخبَرُها معلومًا لأهل اليهوديَّة والنصرانيَّة في
ذلك الوقت، منذُ أن أُنْزِلَ كتاباهُما من السماء، ولكنَّهم لم ينصاعوا إلى هذا
الحقِّ الذي أُنْزِل من السماء، ولم يُؤْمِنوا بنبوَّة مُحمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا بالإسلام؛ لأنَّهم حسدوا المسلمين على هذا
الإِكْرام الإلهيِّ العظيم.
قال تعالى يُقَرِّر
حقيقةَ عِلْمِهم بنبوَّة مُحمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونَفْي ادِّعائهم
بأنَّهم لا يعلمون شيئًا من ذلك، بقولٍ قاطع لا يقدر أحدٌ على دحضه الَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ
فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146]،
وقال: {وَدَّ كَثِيرٌ
مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً
حَسَداًّ مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ}
[البقرة: 109].
لقد
كان اليهود يعلمون أن محمداً عليه الصلاة والسلام نبي الله حقاً، لكن حينما جاء من
غيرهم -أي: من العرب- كفروا به بغياً وحسداً.
العنصر الخامس : قصص في خطورة الحسد . .
1ـ ومما يروى عن الحسد
والحاسدين قال ابن عبد الله :(كان رجل يخشى بعض الملوك فيقوم بحذاء الملك ويقول:
أحسن الى المحسن باحسانه فإن المسئ سيكفيه إساءته.
كان يردد هذا دائما حين
يعمل على حذاء الملك ،فحسده رجل على ذلك المقام والكلام فسعى به الى الملك وقال :
ان هذا الذي يقوم بحذائك ويقول ما يقول زعم ان الملك تخرج من فمه رائحة كريهة
،فقال له الملك :وكيف يصح ذلك عندي ، كيف اثبت عليه ذلك عندي؟
قال: فادعوه اليكَ ، فإنه إذا دنا منكَ وضع يده
على أنفه لئلا يشم رائحة البخط الرائحة الكريهة، فقال الملك :انصرف حتي أنظر.فخرج
الرجل من عند الملك ودعا ذلك الرجل الذي يقوم بحذاء الملك ، فدعاه الى منزله
فأطعمه طعاما فيه ثوم فخرج الرجل من عنده وقام بحذاء الملك فقال كعادته أحسن الى
المحسن باحسانه فإن المسئ سيكفيه إساءته فقال له الملك ادنوا مني ، فدنا منه ووضع
يده على فيه مخافة أن يشم الملك منه رائحة الثوم ، فقال الملك في نفسه ما أرى
فلانا الا صدق ، قال وكان الملك لا يكتب بخطه الا بجائزة أو صلة ، فكتب الرجل
كتابا بخطه الى عامل من عماله كتب فيه،إذا اتاك حامل الرسالة هذه فاذبحه واسلكه
واحشوا جلده تبنا وابعث به اليَّ ، فأخذ الرجل الكتاب وخرج وهو لا يدري ما الذي
كتب في الكتاب فلقيه الرجل الذي سعى به واطعمه الثوم ، فقال ماهذا الكتاب ، قال
خطَّا الملك لي صلةً ،فقال الحاسد هبه لي فقال له :هو لك ، فأخذه ومضى به الى
العامل ،وقال العامل له : أتدري ماذا في الكتاب ؟
قال :هبة لي. قال في
الكتاب اني اذبحك وأسلخك ،فقال ان الكتاب ليس لي ، بل هو لفلان أعطاه اياه وانا
اخذته منه ، فالله الله في امري حتى تراجع الملك.
قال العامل : ليس لكتاب
الملك مراجعة ، فذبحه وسلخه وملأ جلده تبناً وبعث به الى الملك،
ثم عاد الرجل كعادته
الى الملك وقال مثل قوله : أحسن الى المحسن باحسانه فإن المسئ سيكفيه إساءته ،
فعجب الملك وقال :مافعل الكتاب ؟
قال : لقيني فلان
فاستوهبه مني فوهبته ، قال له الملك : إنه ذكر لي انك تزعم أني صاحب رائحة كريهة
قال: ما قلت ذلك!
قال له الملك: اذا
لماذا وضعت يدك على فيك حين دنوت مني .
قال : لانه اطعمني
طعاما فيه ثوم فكرهت ان تشمه ،
قال : صدقت .ارجع الى
مكانك ، فقد كفا المسئ إساءته (ولا يحيق المكر السئ الا بأهله) فاطر.
2ـ ما رواه النسائي
وابن ماجة أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال لم أر كاليوم ولا جلد
مخبأة ، فما لبث أن لبط به فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له : أدرك
سهلا صريعا فقال : من تتهمون؟
قالوا عامر بن ربيعة ‘ فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: ( علام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة )
ثم دعا بماء فأمر عامرا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخله
إزاره وأمره أن يصب عليه وفي لفظ يكفأ الإناء من خلفه .
3- كان هناك رجل وكان
له جار لديه مالا كثيرا فحسده على ما وهبه الله من ذلك المال ، ففكر كيف يزول هذا
المال ؟؟ فذهب إلى رجل حاسد صاحب عين فطلب منه رؤية مال جاره ليتسبب في زواله ،
فقال له انظر إلى مال جاري هذا يملاْ هذه الأودية ، ولحسن الحظ كان بصره ضعيف ،
فقال الرجل العائن لذلك الرجل أولك من قوة النظر ما ترى به هذه الأنعام في هذه
الأودية ؟؟
فأصيب بالعمى.
قال الشاعر:
لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله .
العنصر السادس :علاج الحسد
:ـ
ذكر الإمام ابن ابن
القيم - رحمه الله تعالى في علاج الحسد
أمور منها :ـ
1ـ التعوذ بالله من شره، والتحصن به واللجوء إليه :ـ ولمَّا كان الحسد
سلوكًا، له آثارُه الضارَّة على المؤمن، فقد أمَرَ الحقُّ عبادَه أن يعوذوا به من شرِّ
هذه الآفة القاتلة؛ قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا
خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي
العُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 1 - 5].
2ـ تقوى الله تعالى، وحفظه عند أمره ونهيه فمن أتقى الله تعالى تولَّى الله عز وجل حفظه،
ولم يكِلْه إلى غيره .
3ـ
الصبر على عدوه، وألا يقاتله ولا يشكوه، ولا يحدّث نفسه بأذاه أصلًا فما
نُصِرَ على حاسده وعدُوِّه بمثل الصبر عليه قال الشاعر:
اصبر على حسد الحسود فإن صبرك قاتله
فالنار
تأكل بعضها إن لم تجد ما
تأكله
4ـ التوكل على الله :ـ فمن توكل على الله فهو حسبُه، والتوكُّل من
أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يُطيق من أذى الخلق وظلمهم وعُدوانهم
.
والرضا
بقضاء الله وقدره خيره وشره وحلوه ومُرّه، على النفس أو على غيرها.
قال الله تعالى: ﴿ مَا
أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ
قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن11].
وهو
من أقوى الأسباب في ذلك، فإن الله تعالى حسبُهُ، أي كافيه، ومن كان الله عز وجل
كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوّه.
5ـ
فراغُ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما
خطر له . فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأُ قلبهُ بالفكر فيه . وهذا من أنفع
الأدوية، وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره .
6ـ تجريد التوبة إلى الله تعالى من الذنوب التي
سَلَّطَتْ عليه أعداءه .فإن الله تعالى يقول: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ
فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (الشوري30) .
7ـ الصدقة والإحسانُ ما
أمكنه، فإن لذلك تأثيرًا عجيبـًا في دفع البلاء، ودفع العين، وشر الحاسد، ولو لم
يكن في هذا إلا بتجارب الأمم قديمـًا وحديثـًا لكُفي به .
فما
حَرَسَ العبدُ نعمة الله عليه بمثل شُكرها، ولا عرَّضها للزَّوال بمثل العمل فيها
بمعاصي الله تعالى، وهو كُفرانُ النعمة، وهو بابٌ إلى كفران المُنْعِمِ .
8ـ وهو من أصعب الأسباب على النفس، وأشقها عليها،
ولا يُوفَّق له إلا من عظُم حظُّهُ من الله تعالى، وهو إطفاءُ نار الحاسد والباغي والمؤذي
بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذى وشرًا وبغيـًا وحسدًا ازددْت إليه إحسانـًا، وله
نصيحة، وعليه شفقةً .
يقول الله تعالي (وَلا
تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا
الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا
يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ
عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصلت34 - 36) .
9ـ وهو الجامع لذلك كله، وعليه مدارُ هذه الأسباب،
وهو تجريدُ التوحيد، والتَّرَحُّلُ بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم،
والعلمُ بأن هذه الآلات بمنزلة حركات الرياح، وهي بيد مُحركها، وفاطرها وبارئها،
ولا تضرُّ ولا تنفعُ إلا بإذنه، فهو الذي يُحسنُ عبدُهُ بها، وهو الذي يصرفها عنه
وحدهُ لا أحد سواه، قال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ
لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) (يونس 107).
انتهي كلام ابن القيم.
10ـ إخفاء بعض النعم التي
تخاف عليها من الحسد قال الله تعالى عن سيدنا يعقوب عليه السلام: ﴿ يَا بَنِيَّ
لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ
وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ
عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾
[يوسف67].
وروى الطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان عن معاذ بن جبل بلفظ قال
رسول الله صلي الله عليه وسلم: (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان لها، فإن كل
ذي نعمة محسود). (صححه الألباني في السلسلة وصحيح الجامع )
وأخيرا إذا ابتليت
بنظرة حاسد فعليك بالعلاج بالرقية الشرعية وإياك واللجوء إلى الكهنة والعرافين
والدجالين( كالإعتقاد في الخرز الأزرق ، أو تعليق التمائم الشركية ، أو تعليق
الأحذية في السيارة أو البيت بزعم دفع الحسد ، وغير ذلك من الأمور، واجعل ناصيتك
بيد الله ورجائك في الشفاء من ربك دون سواه وعليك بما ورد في شرعه والأخذ بالأسباب
بمراجعة الرقى الشرعية المأخوذه من كتاب الله عز وجل ، وسنة نبيه صلى الله عليه
وسلم المختصرة في بعض الكتب المتخصصة في هذا المجال.
بعض الرقى الشرعية :ـ
وأخرج الإمام أحمد والترمذي وصححه ، عن أسماء بنت عميس أنها قالت : يا رسول
الله ، إن بني جعفر تصيبهم العين ، أفنسترقي لهم ؟ ، قال : نعم ، فلو كان شيء سابق
القدر لسبقته العين . وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
- تقرأ الفاتحة وتنفث في يديك وتمسح بها ما استطعت من جسدك .
- تقرأ المعوذات ( الإخلاص ، الفلق ، الناس ) وتنفث في يديك وتمسح بها ما
استطعت من جسدك .
- تقرأ آية الكرسي
وبخاصة في الصباح وعند النوم لتتحصن بها من الشيطان.
- وهناك آيات كثيرة يجب الإطلاع عليها من خلال الكتب المتخصصة في الرقى من
كتاب الله تعالى.
أما سنة نبينا النبي
صلى الله عليه وسلم فمنها قوله : (لا رقية إلا من عين أو حمة ) وقد كان جبريل يرقي
النبي صلى الله عليه وسلم فيقول :( باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس
أو عين حاسد ، الله يشفيك ، باسم الله أرقيك).
- رقية جبريل للنبي صلى
الله عليه وسلم ( بسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله
يشفيك ، باسم الله أرقيك والله يشفيك ) مسلم.- تعويذ الرسول صلى
الله عليه وسلم للحسن والحسين بقوله ( أعيذ كما بكلمات الله التامة من كل شيطان
وهامة ومن كل عين لامة)البخاري.
- وورد أمره
لعثمان بن أبي العاص رضي الله عنه عندما شكى له وجعا يجده في جسده منذ أسلم فقال
لهصلى الله عليه وسلم : ( ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل: ( بسم الله ثلاث مرات
) : ( أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) أخرجه مسلم .
- للمريض أن يقرأ على نفسه الفاتحة وقل هو الله أحد والمعوذتين وينفث في
يده ويمسح بها وجهه وما استطاع من جسده.
الوقاية من الحسد قبل وقوعه:ـ
- التحصن بالأذكار (
الفاتحة – آية الكرسي – المعوذات وبعض الأذكار الواردة خلال اليوم من سنة المصطفى
صلى الله عليه وسلم.
- ورد
عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال :( من رأى شيئا فأعجبه فقال ما شاء الله لا
قوة إلا بالله لم يضره ).
- ستر محاسن من يخشى
عليه العين .
- وللوقاية من حسد الجن
وعورات بني آدم فقد روي عن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
( ستر مابين أعين الجن وعورات بني آدم أن يقول
الرجل المسلم إذا أراد أن يطرح ثيابه :( باسم الله الذي لا إله إلا هو ) رواه ابن
السني .
- و قال صلى الله عليه
وسلم : (ستر مابين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول باسم
الله ) رواه أحمد .
الخاتمة
:ـ
أيها المسلمون :ـ علينا
أن يقوي إيمانه بالله تعالى وقضائه وقدره، ويرضى بما قسم الله له، ويكثر من
الطاعات والقربات. ويلجأ إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع بين يديه؛ ليزيل عنه هذا
الداء.
وعلينا أيضاً: أن يفكر في نتائج الحسد وعواقبه الوخيمة؛ فالإنسان العاقل لا
يقدم على ما يجلب له التعب والضرر.
وعلىنا أن ينظر بعين
التأمل إلى ما أعطاه الله تعالى من النعم؛ فإنه لو نظر جيداً سيجد أن لديه نعماً
كثيرة قد لا توجد عند غيره. فقد يحسد فقير غنياً ولا يدري ذلك الفقير أنه أحسن منه
صحة وأتم عافية وهدوء بال.
وقد يحسد إنسان ليست له
وظيفة مرموقة أو مسؤولية عالية من نالها في المجتمع، ولا يعرف ذلك الحاسد أنه في
أمن واطمئنان وسرور وانشراح صدر أفضل من ذلك المسؤول أو الموظف الكبير.
فيا عباد الله.... من أراد سلامة الدين، وصحة
البدن، والنجاح في الحياة فلا يسلك مسلك الحسد، وليرحم نفسه؛ فإن الحاسد مصاب لا
يجد أحداً يرحمه. وليكن حال الإنسان كما قال الشاعر:ــ
وإني امرؤ لا أحسد الناس نعمة إذا نالها قبلي من الناس نائل
أأحسد
فضل الله أنْ ناله امرؤ سواي وعندي
للإله فضائل
نسأل الله تعالى أن
يقينا شر الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار، ونعوذ بك من زوال نعمتك
وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخط .
رابط تحميل word
رابط تحميل pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق