3 نوفمبر 2018

نبي الرحمة صلي الله عليه وسلم







الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم .. الذي وسعت رحمته كل شيئ فقال تعالي }وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157){ الأعراف 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كلي شيئ قدير أرسل نبيه رحمة للعالمين فهداهم من ضلالة وعلمهم من جهالة وأخرجهم من ظلمات الجهل إلي نور العلم والإيمان فقال تعالي (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء .  

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم شملت رحمته البر والفاجر والقريب والبعيد والعدو والصديق فكان رحمة مهداه من الله عز وجل فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ " .  المستدرك علي الصحيحين .                                                         

فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين .. 

أما بعد : فيا أيها المؤمنون

إن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  له حلاوة تتذوقها القلوب المؤمنة،وتهفو إليها الأرواح الطاهرة، وهو فى ذاته قربة كبرى يتقرب بها إلى الله كل مريد رضوانه ومثوبته جل وعلا.  
ورحاب النبى صلى الله عليه وسلم واسعة ، فهو بستان العارفين ، ومتنزه المحبين ، يحنون إلى سيرته وشمائله وأخلاقه ، فيقطفون منها على قدر جهادهم فى حب الله وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .                       
إن مثلي ومثلك يا رسول الله كمثل أعرابي ضل الطريق في الصحراء،فلما طلع عليه القمر اهتدى بنوره، فقال: ماذا أقول لك أيها القمر؟
أأقول رفعك الله؟ لقد رفعك الله.
أأقول لك نوَّرك الله؟ لقد نورك الله.
أأقول جملك الله؟ لقد جملك الله.                                  
وانا ماذا اقول لك يا سيدي يا رسول الله؟
أأقول رفعك الله؟ لقد رفعك (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك)
أأقول نورك الله؟ لقد نورك ( قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ )
أأقول جملك الله؟ لقد جملك ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ) صدق الله العظيم              

ولو يعلم الذين آذوا النبي صلي الله عليه وسلم بالكلماتِ أو الأفعال كيف كانت رحمته بهم، وكيف كانت شفقته عليهم لذابت قلوبُهم محبةً له ورغبةً في اتباعه صلي الله عليه وسلم.                                                                                                     
إنها الرحمة التي تفيض حتى تكاد تقتل صاحبَها أسًى لما يرى من انصراف الخلق عن طريق الجنة إلى طريق النار، حتى يصف القرآن حال النبي صلي الله عليه وسلم في قوله تعالى:} فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) { (الكهف)
وفي رحمته صلي الله عليه وسلم بالمؤمنين يقول تعالى:} فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159){ (آل عمران).
وقال تعالى: }لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128){(التوبة).
 وهذا الموضوع يتناول هذه العناصر الرئيسية التالية :ـ

1ـ مظاهر رحمة النبي صلي الله عليه وسلم .

2ـ أثر رحمة النبي صلي الله عليه وسلم . 

3ـ حاجتنا إلي التخلق بخلق الرحمة . 

4ـ  الأسباب المعينة على التخلق بخلق الرحمة.
------------------------ ------------------------- 

العنصر الأول : مظاهر رحمة النبي صلي الله عليه وسلم :ـ

لقد تجلت لنا مظاهر رحمة النبي صلي الله عليه وسلم حتي شملت القاصي والداني ،والقريب والبعيد ،والصديق والعدو، والبر والفاجر .. 
وتلكم بعض مظاهر رحمة النبي صلي الله عليه وسلم.. 

1 ـ رحمة النبي صلي الله عليه وسلم بالعامة :ـ 

روي ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: (لن تؤمنوا حتى تراحموا)، قالوا: يا رسول الله، كلنا رحيم، قال: (إنه ليس برحمة أحدِكم صاحبه، ولكنها رحمة العامَّة) ؛ رواه الطبراني ورجاله ثقات. 

الكل يرحم بعضهم بعضا، الرئيس يرحم المرؤسين ، والأب يرحم الإبن ، والزوج يرحم الزوجة ، والغني يرحم الفقير،  والقوي يرحم الضعيف ، والجار يرحم جاره ، الكل يتراحم فيما بينهم حتي يصدق فينا قول النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان ابن بشير رضي الله عنهما :عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ).

2ـ رحمة النبي صلي الله عليه وسلم بالضعفاء :ــ 

لقد أقر الإسلام  حقوقا للضعفاء والفقراء والمساكين ، واهتمَّ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) بالضعفاءِ الذين لا مالَ لهم ولا عشيرةَ، فكان يقبلُ من محسنِهم ويتجاوزُ عن مسيئِهم، ويسعى في حوائِجهم، ويرفعُ عنهم الضرَّ والأذى ولو بكلمةٍ تُغضِبُهم، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ قَالُوا لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَخِي )) [ رواه مسلم] 

وكانَ النبيُّ صلي الله عليه وسلم يُعلِّمُ أصحابَهُ أنَّ المالَ والوجاهةَ الاجتماعيةَ والمناصبَ المرموقةَ لا تُضفي على الإنسانِ فضلًا لا يستحقُّه، وأنْ الفقرَ وقلةَ المالِ والجاهِ لا يسلبُ الإنسانَ شرفًا يستحقُّه.

روي البخاري من حديث سهل بن سعد قال : مرَّ رجل علينا ونحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لرجل عندنا : ماذا تقول في هذا الرجل ؟!
قال : يا رسول الله هذا من أشراف أهل المدينة .. هذا من أحسنهم حسباً ونسباً .. هذا من أكثرهم مالا .. هذا حري .. إن خطب يخطب .. وإن تكلم يُسمع .. وإن شفع يُشفع .. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ..
ثم مرَّ رجل آخر فقال للرجل نفسه : ( فماذا تقول لهذا الرجل ؟ قال يا رسول الله : هذا من فقراء الأنصار  هذا لا حسب ولا نسب .. هذا حري .. إن خطب ما يُخطب ، وإن تكلم ما يُسمع .. وإن شفع ما يُشفع .. فقال الصادق المصدوق : ( هذا  يعني الفقير اللي لا حسب ولا نسب هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا.. هذا الذي في نظرك الذي إذا تكلم ما يسمع ، وإذا شفع ما يشفع ، وإذا خطب ما يخطب ( هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا ).(رواه البخاري )

وقالَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم): (ألا أخبرُكم بأهلِ الجنةِ؟ كلُّ ضعيفٍ متضعِّفٍ، لو أقسمَ على اللهِ لأبرَّهُ. ألا أخبرُكم بأهلِ النارِ؟ كلُّ عُتُلٍ جواظٍ   مستكبرٍ). قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح  
(العتل): الغليظ الجافي. (الجواظ): الفاجر 

ومن اهتمامِ النبيِّ صلي الله عليه وسلم  بشأنِ الضعفاءِ أنَّ امرأةً سوداءَ كانتْ تقُمُّ المسجدَ، ففقدها رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) ، فسألَ عنها، فقالوا: ماتتْ. فقالَ (صلى الله عليه وسلم): (أفلا كنتم آذنتموني)، فكأنهم صغَّروا أمرَها.                                 
فقال النبيُّ (صلى الله عليه وسلم): (دلوني على قبرِها» فدلّوه فصلَّى عليها) رواه البخاري ومسلم.

إنَّ المجتمعَ الذي يشعرُ فيه الفقيرُ والمسكينُ والضعيفُ بأهميتِهِ واهتمامِ المسؤولينَ والقادةِ والقوانينِ به لهو مجتمعٌ التكافلِ والرحمةِ والإنسانيةِ الذي ينعمْ به الجميعُ ويسعدوا بظلالِهِ.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من وَلي أمرَ الناسِ، ثم أغلقَ بابهُ دون المسكينِ والمظلومِ وذوي الحاجةِ، أغلقَ اللهُ تباركَ وتعالى أبوابَ رحمتهِ دونَ حاجتهِ وفقرهِ أفقرَ ما يكونُ إليها»  رواه أحمد

وفي الجملةِ كانَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يهيبُ بالأمةِ كلِّها أنْ تقفَ لنصرةِ المظلومِ أيًّا كان مستواه ومكانتهِ؛ حيثُ ربطَ بين هذه القضيةِ وقضيةِ كرامةِ الأمةِ نفسِها، فقال: ( كيفَ يقدسُ اللهُ أمةً لا يؤخذُ لضعيفِها من شديدِها حقَّه وهو غير متعتعٍ) رواه ابن ماجه. 

ولقد كان الصالحون رضوان الله عنهم لهم حال مع الضعفاء والفقراء والمساكين ، ولقد أثرعن علي زين العابدين رحمه الله أنه كان إذا جن عليه الليل حمل الطعام على ظهره إلى بيوت الأرامل والأيتام وكان إماماً من أئمة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين ومع ذلك تواضع لله عز وجل؛ لعلمه أن الله يحب منه تلك الخطوة، ولعلمه أن جبر تلك القلوب يجبر الله به كسر العبد في الدنيا والآخرة فخرج رحمه الله في الظلام بعيداً عن الرياء والسمعة والثناء، يشتري بذلك رحمة الله سبحانه، فلما توفي رحمه الله فقدت تلك البيوت من كان يقرع عليهم في جوف الليل، وفي بعض الروايات: كان ما يقرب من ثلاثين بيتاً من ضعفة المسلمين، كان يمشي إليها بخطواته، فمات رحمه الله وما ماتت تلك الخطا، وسيراها بعينيه في يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
المشي إلى الضعفاء، والمشي إلى البؤساء له لذة يعرفها من يعرفها .. 
المشي إلى المحرومين البائسين له رحمة يجدها من وجدها، فهؤلاء الأئمة الأخيار الصفوة الأبرار، عرفوا مقدار المعاملة مع الله، فاختاروا لنهارهم العلم والعمل، واختاروا لليلهم جبر القلوب المكسورة، وإدخال السرور عليها، فلما أرادوا أن يغسلوه رحمه الله خلعوا ثيابه فوجدوا ظهره متشحطاً من كثرة ما حمل عليه من الطعام، فرحمه الله برحمته الواسعة!

3 ـ رحمة النبي صلي الله عليه وسلم بالعصاة والمذنبين :ــ 

وأحوج الناس إلى الرحمة هم العصاة والمذنبون، ولكنهم يحتاجون إلى رحمة التوجيه والهداية لطاعة الله، فإن الإسلام رحمة، والهداية والالتزام رحمة، وهناك أممٌ تنتظر منك أن تدلهم عليها، وأن تهديهم بإذن الله إليها، وأن تأخذ بمجامع قلوبهم إلى الله، فتحببهم في طاعة الله ومرضاته، قال صلى الله عليه وسلم: (أنا رحمة مهداة). 
فمن رحمة النبي صلي الله عليه وسم مع بعض أخطاء الغير....
يحكي خوات بن جبيرعن نفسه فيقول ‏:‏ نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران‏.‏ قال‏:‏ فخرجت من خبائي فإذا أنا بنسوة يتحدثن فأعجبنني، فرجعت فاستخرجت حلة فلبستها، وجئت فجلست معهن، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبة، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هبته واختلطت، وقلت‏:‏ يا رسول الله، جمل لي شرد فأنا أبتغي له قيداً‏.‏ ومضى فاتبعته فألقى إلي رداءه، ودخل الأراك فقضى حاجته وتوضأ، فأقبل والماء يسيل على صدره من لحيته‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏أبا عبد الله، ما فعل ذلك الجمل‏"‏‏؟‏
وارتحلنا، فجعل لا يلحقني في المسير إلا قال‏:‏ ‏"‏السلام عليك أبا عبد الله، ما فعل شراد ذلك الجمل‏"‏‏؟‏ فلما طال ذلك علي أتيت المسجد، فقمت أصلي، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض حجره‏.‏ فجاء فصلى ركعتين، فطولت رجاء أن يذهب ويدعني‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏أبا عبد الله، طول ما شئت أن تطول، فلست بمنصرف حتى تنصرف‏"‏‏.‏ فقلت في نفسي‏:‏ والله لأعتذرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبرئن صدره‏.‏ فلما انصرفت قال‏:‏ ‏"‏السلام عليك أبا عبد الله، ما فعل شراد ذلك الجمل‏"‏‏؟‏
 قلت‏:‏ والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏يرحمك الله‏"‏، ثلاثاً، ثم لم يعد لشيء مما كان‏ .
الرحمة أفضل ما تكون بالدلالة على الخير، فكم من أناس هدوا إلى سواء السبيل، ودلوا إلى المَعلَم والدليل فأصابوا رحمة الله العظيم الجليل.

4ـ رحمة النبي صلي الله عليه وسلم بالحيوان:                                                   

لقد أخبر النبي صلي الله عليه وسلم أن الجنة فتحت أبوابها لإمرأة بغي من بغايا بني إسرائيل لمجرد أنها سقت كلبا عطشان فأخرج مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها أي استقت له بخفها  فغفر لها " فقد غفر الله لهذه البغي ذنوبها بسبب ما فعلته من سقي هذا الكلب. 

وأخبر النبي صلي الله عليه وسلم أن النار فتحت أبوابها لامرأة حبست هرة لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم على "عذبت امرأة في هرة لم تطعمها ولم تسقها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض" (
أخرجه البخاري ومسلم)

وقد حرم الإسلام تعذيب الحيوان ولعن المخالفين على مخالفتهم، فقد روى مسلم بسنده إلى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على حمار قد وسم في وجهه فقال: "لعن الله الذي وسمه"
وفي رواية له: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه.
وقد حرمت الشريعة الإسلامية تصبير البهائم أي أن تحبس لترمى حتى تموت  كما حرمت المثلة  وهي قطع أطراف الحيوان .

فقد روي عن ابن عمر أنه قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل". (أخرجه الإمام أحمد)                                       
وأخرج البخاري ومسلم عن المنهال بسنده إلى عبد الله بن عمر أنه قال: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم من مثّل بالحيوان".
لقد رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم  الحيوان الأعجم من أن يُجوَّع أو يُحمَّل فوق طاقته.. فقال في رحمة بالغة حين مَرَّ على بعير قد لحقه الهزال: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ ‏فَارْكَبُوها  صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً" [ أبو داود وابن خزيمة وقال الشيخ الألباني: صحيح].
بل هو يرحم الحيوان حتى في حالة ذبحه، فإن كان لابد أن يُذبَح فلتكن عملية الذبح هذه رحيمة، فيقول: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"[أخرجه  مسلم وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وأحمد، والدارمي ، وابن حبان ]. 

بل إنه صلى الله عليه وسلم  يتجاوز البهائم إلى الطيور الصغيرة التي لا ينتفع بها الإنسان كنفعه بالبهائم، وانظر إلى رحمته بعصفور!! 

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا‏ عَجَّ‏ ‏إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ"[أخرجه النسائي ، وأحمد ، وابن حبان ، والطبراني في المعجم الكبير ، والبيهقي ]. 
                                     
إنّ دعوة الإسلام للرفق والرحمة بالحيوان هي من باب أولى دعوة لاحترام الإنسان والرحمة به، فإذا كان الإسلام رحيمًا بالكائن الذي لا ينطق ولا يعقل ولا يمتلك أحاسيس الإنسان ومشاعره ولا كرامته وموقعه، فما بالك بأكرم الخلق وأفضل الكائنات.
وكل ذلك يؤكد عظمة هذا الدين وأنه دين يعني بكل الجوانب الإنسانية لأن في ذلك سعادة الإنسان وأمنه.

5 ـ رحمة النبي صلي الله عليه وسلم بغير المسلم :ــ 

لقد شملت رحمة الإسلام القريب والبعيد والمسلم وغير المسلم فرأينا سلوك المسلمين مع المحاربين من غير المسلمين ، أساسه قوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)) (الممتحنة). 
فالبر والقسط مطلوبان من المسلم للناس جميعًا، ولو كانوا كفارًا بدينه، ما لم يقفوا في وجهه ويحاربوا دعاته، ويضطهدوا أهله.

فنجد رسول الله صلي الله عليه يغضب عندما يجد امرأة مقتولة وهو يمر في لإحدي الغزوات فقال ما كانت هذه لتقاتل ، بل ينهي عن قتل النساء والشيوخ والإطفال ومن لا مشاركة له في القتال .

إن المتأمل لحروب رسول الله  مع أعدائه سواء من المشركين، أو اليهود، أو النصارى، ليجِد حُسن خُلق رسول الله  مع كل هؤلاء الذين أذاقوه ويلات الظلم والحيف والبطش، إلاّ أنه كان يعاملهم بعكس معاملاتهم له.                                               
فإذا تأمّلْنا وصية رسول الله  لأصحابه المجاهدين الذين خرجوا لرد العدوان نجد في جنباتها كمال الأخلاق ونُبل المقصد ....
فها هو ذا رسولُ الله  يوصي عبد الرحمن بن عوف  عندما أرسله في شعبان سنة (6ه) إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل؛ قائلاً: "اغْزُوا جمِيعًا فِي سبِيلِ اللهِ، فقاتِلُوا منْ كفر بِاللهِ، لا تغُلُّوا، ولا تغْدِرُوا، ‏ولا‏ ‏تُمثِّلُوا، ‏ولا تقْتُلُوا ولِيدًا، فهذا عهْدُ اللهِ وسِيرةُ نبِيِّهِ فِيكُمْ"( رواه الحاكم  وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: صحيح. والطبراني: المعجم الأوسط )

وكذلك كانت وصية رسول الله  للجيش المتّجه إلى معركة مؤتة؛ فقد أوصاهم  قائلاً: "‏اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سبِيلِ اللّهِ، قاتِلُوا منْ كفر بِاللهِ، اغْزُوا ولا ‏تغُلُّوا، ‏ولا ‏تغْدِرُوا، ‏‏ولا ‏تمْثُلُوا، ‏ولا تقْتُلُوا ولِيدًا، أوِ امْرأةً، ولا كبِيرًا فانِيًا، ولا مُنْعزِلاً بِصوْمعةٍ". (أخرجه الإمامُ مسلم في صحيحه، وأبو داود ، والترمذي، والبيهقي ).

عن ابن عمر رضي الله عنهما ( أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتولة . فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان ) رواه البخاري ومسلم . 

وفي رواية لهما ( وجدت امرأة مقتولة في بعض تلك المغازي . فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان ).

وكان النبي صلي الله عليه وسلم حريصا علي دعوتهم ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه : كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقعد عند رأسه ، فقال له : أسلم . فنظر إلى أبيه وهو عنده ، فقال له : أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ، فأسلم ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من النار ) رواه البخاري . 
فكان يحمل عن العجوز وإن كانت كافرةً به ولم تكن تعرفه حتى إذا أوصلها لبيتها حذَّرتْه من اتباع من يدَّعي النبوة، فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أنه محمدُ بن عبد الله!!

وكان إذا ذبح شاةً وأمر بتوزيع جزءٍ منها على الجيران لا ينسى أن يوصي: "هل أهديتم إلى جارنا اليهودي؟"                             
وتروي كتب السير أنه صلي الله عليه وسلم بكى لما رأى جنازةَ مشرك، ولما سئل عن سبب بكائه صلي الله عليه وسلم قال: "نفس تفلَّتت مني إلى النار"، وتبلغ رحمته صلي الله عليه وسلم بأعدائه القمةَ السامقة عندما يتعرَّض لإيذائهم، ففي هذه المَواطن التي يفقد فيها الرحماء رحمتَهم، عندما تعرَّض للسباب والضرب من أهل الطائف، ونزل ملك الجبال في صحبة جبريل صلي الله عليه وسلم يعرض على النبيصلي الله عليه وسلم أن يطبق عليهم الأخشبين، يقول النبي صلي الله عليه وسلم قولته المشهورة:"اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون".
وفي هذا القول جمع النبي صلي الله عليه وسلم مقاماتِ الإحسان كلها، فقد عفا عنهم، والتمس لهم العذرَ بجهلهم، ثم دعا لهم ولم يكن هذا موقفًا فريدًا للنبي صلي الله عليه وسلم بل كان هذا خلُقه مع من خالفه وحاربه، كما في قوله  صلي الله عليه وسلم "اللهم اهدِ دوسًا، اللهم اهدِ ثقيفًا، اللهم اهدِ أمَّ أبي هريرة".                     
ثم تجلَّت رحمته صلي الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وقد فعل أهلُها به وبأصحابِه ما فعلوا ،قال عمر: لما كان يوم الفتح ورسول الله بمكة أرسل إلى صفوان بن أمية، وإلى أبي سفيان بن حرب، وإلى الحارث بن هشام، قال، عمر: فقلت لقد أمكن الله منهم، لأعرفنهم بما صنعوا، حتى قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريبَ عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، قال عمر:فافتضحت حياءً من رسول الله صلي الله عليه وسلم من كراهية أن يكون بدَرَ مني،وقد قال لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ما قال!!

العنصر الثاني : أثر رحمة النبي صلي الله عليه وسلم :ـ 

لقد استطاع النبي صلي الله عليه وسلم بفضل ربه عز وجل أن يؤسس لأعظم دولة عرفها التاريخ ، حيث أخرج للوجود أمة ومكن لعبادة الله تعالي في الأرض ، ووضع أسس العدالة الإجتماعية ، وحول جيل كامل من رعاة البقر إلي قادة للأمم ، استطاع بفضل الله تعالي أن يخرج للعالم كله المواهب والعبقريات العظيمة  من أمثال عمر ابن الخطاب وخالد ابن الوليد وعمرو ابن العاص وعكرمة ابن أبي جهل .... وحولهم من جيل لا يعرف إلا الفوضي إلا جيل يعرف النظام والعدل .

العنصر الثالث : حاجتنا إلي التخلق بخلق الرحمة :ــ 

عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء.( أخرجه ابو داود) 

وقال الطيبي:أتى بصيغةالعموم ليشمل جميع أصناف الخلق ، فيرحم البر والفاجر، والناطق ، والبهم ، والوحوش والطير. وعن عمرو بن حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خاب عبد وخسرلم يجعل الله تعالى فى قلبه رحمة للبشر " (أخرجه أبونعيم فى معرفةالصحابة ).

وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال:قال رسول الله "لا يدخل الجنة منكم إلارحيم"قالوا يارسول الله, كلنا رحيم , قال ليس رحمة أحدكم نفسه وأهل بيته حتى يرحم الناس .

أيّها المسلمون: 

ألا ما أحوجَ البشريّةَ إلى هذهِ المعاني الإسلاميّةِ السّامية، وما أشدَّ افتقارَ الناسِ إلى التخلُّق بالرّحمة التي تُضمِّد جراحَ المنكوبين، وتحثّ على القيامِ بحقوقِ الوالدَين والأقربين، والتي تواسِي المستضعَفين، وتحنو على اليتامَى والعاجِزين، وتحافِظ على حقوقِ الآخرين، وتحجز صاحبَها عن دِماء المعصومين من المسلمين وغير المسلمين، وتصون أموالَهم مِن الدّمار والهلاك، وتحثّ على فِعل الخيراتِ ومجانبَة المحرّمات.

العنصر الرابع :الأسباب المعينة على التخلق بخلق الرحمة :ــ 

1 ـ  قراءة كتاب الله عز وجل:ـ                                                                      

فمن أعظم الأسباب التي تعين على الرحمة وتيسر للإنسان طريقها: قراءة كتاب الله جل جلاله، قال العلماء: إن الرحمة لا تدخل إلى قلبٍ قاسٍ، والقلوب لا تلين إلا بكلام الله، ولا تنكسر إلا بوعد الله ووعيده وتخويفه وتهديده، فمن أكثر تلاوة القرآن، وأكثر من تدبر القرآن كسر الله قلبه ودخلت فيه الرحمة.

2 ـ تذكر مشاهد الآخرة :ــ

كذلك من الأسباب التي تعين على رحمة الضعفاء: تذكر الآخرة، فإن العبد إذا تذكر مشاهد الآخرة، وصور نفسه كأنه قائمٌ بين يدي الله تجادل عنه حسنته، ويقف بين يدي الله عز وجل وقد نشر له ديوانه، وبدت له أقواله وأفعاله، إذا تصور مثل هذه المواقف قادته إلى الله وحببت إلى قلبه الخير وجعلت أشجانه وأحزانه كلها في طاعة الله ومرضاته.

3 ـ معرفة سيرة السلف الصالح:ــ  

ومن أعظم الأسباب التي تعين على الرحمة: قراءة سيرة السلف الصالح، الأئمة المهديين من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، والوقوف على ما كانوا عليه من الأخلاق الجميلة والآداب الكريمة، كل ذلك يحرك القلوب إلى الرحمة، ويجعل فيها شوقاً إلى الإحسان إلى الناس، وتفريج كرباتهم، وقل أن تجلس في مجلس فيذكر فيه كريمٌ بكرمه، أو يذكر المحسن فيه بإحسانه إلا خشع قلبك.

فهذه أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها يأتيها عطاؤها من أمير المؤمنين معاوية رضي الله عن الجميع وهي صائمة  ثلاثون ألف درهم وهي في أشد الحاجة، فتوزعها على الفقراء إلى فلان وآل فلان، ولم تبق منها شيئاً حتى غابت عليها الشمس، فالتمست طعاماً تفطر عليه فلم تجد. فسير الرجال وسير الصالحين وسير الأخيار تحرك القلوب إلى الخير، والله تعالى يقول في كتابه: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ(120)} [هود] 
فالله يثبت قلوب الصالحين على الصلاح والبر ما سمعوا بأمرٍ صالح وما سمعوا بسيرة عبدٍ صالح، نسأل الله العظيم أن يجعل لنا ولكم في ذلك أوفر العظة والعبرة.

4ـ معاشرة الرحماء:ــ    

كذلك أيضاً مما يحرك القلوب إلى الرحمة والإحسان إلى الناس: معاشرة الرحماء، فانظر في إخوانك وخلانك، فمن وجدت فيه الرحمة ورقة القلب وسرعة الاستجابة لله، فاجعله أقرب الناس منك، فإن الأخلاق تعدي، فإذا عاشر العبد الصالحين أحس أنه في شوق للرحمة، وأحس أنه في شوق للإحسان إلى الناس، ودعاه ذلك إلى التشبه بالأخيار، فكم من قرينٍ اقترن بقرينه، كان من أقسى الناس قلباً، فأصبح ليناً لان قلبه بصحبة الصالحين.

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أشد الناس قلباً وأعظمهم صلابة، فلما كسر الله قلبه بالإسلام، كان من أرحم الناس بالمسلمين رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه عاشر رسول الأمة وإمام الرحماء فتأثر به، حتى قال العلماء رحمهم الله: كان أرحم الناس بالناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

5- الاختلاط بالضعفاء، والمساكين، وذوي الحاجة؛

فإنَّه ممَّا يرقِّق القلب، ويدعو إلى الرَّحْمَة والشفقة بهؤلاء وغيرهم.

الخاتمة :ــ

إنسان معتكف في مسجد النبي, رأى رجلا كئيبًا، قال له: مالي أراك كئيباً؟
قال: ديون لزمتني ما أطيق سدادها، قال: لمن؟
قال: لفلان، فهذا ابن عباس قال: أتحب أن أكلمه لك؟ قال: إذا شئت، فخرج ابن عباس من معتكفه، -والاعتكاف في رمضان من أجل العبادات، قال له واحد: يا بن عباس أنسيت أنك معتكف؟ قال: لا والله ما نسيت أني معتكف، ولكن سمعت صاحب هذا القبر، والعهد به قريب، وبكى(لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر، واعتكافه في مسجدي هذا).
صيام من رسول الله، واعتكاف من رسول الله, يفضله أن تمشي مع أخ في حاجته.

نحن إذا تراحمنا يرحمنا الله، وينصرنا، لكن في حياة المسلمين ظلم يهتز له عرش الرحمن، وقهر، وسحق، وتضييق من إنسان مسلم لإنسان مسلم، لا رحمة، لا أحد يرحم أحداً، كل واحد متمكن من شيء يفرض إرادته الظالمة على من حوله، فلذلك طريق النصر أن نتراحم، إذا تراحمنا يرحمنا الله، وإذا قسا بعضنا على بعض سقطنا من عين الله.

--------------------
تحميل pdf
تحميل word

ليست هناك تعليقات: