الحمد
لله رب العالمين .من علينا ببعثة النبي صلي الله عليه وسلم فقال تعالي (لَقَدْ
مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ
أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164))
. آل عمران
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير .جاء بالدين الحق يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويحل لنا الطيبات ويحرم علينا الخبائث ويضع عنا الآصار والأغلال فقال تعالي (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)) الأعراف .
وأشهـد
أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ... البدر جبينه إذا سُرَّ استنار, واليمُّ يمينه إذا سئل أعطى
عطاء من لا يخشى الإقتار، الحَنِيفيَّة دينه الدين القَيِّم المختار، رفع الله
ببعثته عن أمته الأغلال والآصار، وكشف بدعوته أذى البصائر وقذى الأبصار، وفرق
بشرعته بين المتقين والفجار، حتى امتاز أهل اليمين عن أهل اليسار، فتح الله به
القلوب فانشرحت بالعلم والوقار، والآذان فزال عنها ثقل الأوقار. القائل "
إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (صححه الألباني في الصحيحة) .
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم
تسليما كثيرا ...
أما بعد : فيا أيها المؤمنون .....
إن
الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
له حلاوة تتذوقها القلوب المؤمنة،وتهفو إليها الأرواح الطاهرة، وهو فى ذاته
قربة كبرى يتقرب بها إلى الله كل مريد رضوانه وثوبته جل وعلا.
ورحاب
النبى صلى الله عليه وسلم واسعة ، فهو بستان العارفين ، ومتنزه المحبين ، يحنون
إلى سيرته وشمائله وأخلاقه ، فيقطفون منها على قدر جهادهم فى حب الله وحب رسول
الله ـ صلى الله عليه وسلم .
إن مثلي
ومثلك يا رسول الله كمثل أعرابي ضل الطريق في الصحراء،فلما طلع عليه القمر اهتدى
بنوره، فقال: ماذا أقول لك أيها القمر؟ أأقول رفعك الله؟ لقد رفعك الله. أأقول لك
نوَّرك الله؟ لقد نورك الله. أأقول جملك الله؟ لقد جملك الله.
وانا
ماذا اقول لك يا سيدي يا رسول الله؟
أأقول
رفعك الله؟ لقد رفعك (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك)
أأقول
نورك الله؟ لقد نورك ( قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ )
أأقول
جملك الله؟ لقد جملك ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا
وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا
مُّنِيرًا ) الأحزاب.
ولو
يعلم الذين آذوا النبي صلي الله عليه وسلم بالكلماتِ أو الأفعال كيف كانت رحمته
بهم، وكيف كانت شفقته عليهم لذابت قلوبُهم محبةً له ورغبةً في اتباعه صلي الله
عليه وسلم.
وفي
ذكرى ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم لا بد للمسلم الحق من وقفةٍ صادقةٍ يرنو فيها
ببصره ويتطلع بقلبه وفؤاده إلى منبعِ الأسوة الحسنة وموطن القدوة الطيبة، سيد
الخلق وحبيب الحق محمد صلى الله عليه وسلم ويتعرف علي حقوقه صلي الله عليه وسلم كي يؤديها حق الأداء.
فإن
حقوق النبي صلي الله عليه وسلم على أمته كثيرة وهي حقوق يجب على كل فرد من أفراد
الأمة الإسلامية معرفتها والعمل بها وتطبيقها قولاً وعملاً ، إذ كيف يدعي مسلم حب
النبي صلي الله عليه وسلم ثم لا يقوم بما هو مطلوب منه تجاه من يحب ، ثم ينبغي أن
يطبق المسلم قول نبيه صلي الله عليه وسلم
في كل ما يقول ويأمر به من غير هوادة ولا تكاسل ،والخير كل الخير فيما يأمر به
عليه الصلاة والسلام أو يحث أمته عليه ، والشر كل الشر في مخالفة أمره ونهيه وقد
حذر المولي عز وجل من مخالفة أمر نبيه صلي الله عليه وسلم فقال تعالي (فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ(63)) . النور .
وسأذكر بعض الحقوق بشي من التفصيل بإذن الله تعالى ،ومن هذه الحقوق :ـ
1ـ
الإيمان به صلى الله عليه وسلم :
فالإيمان
به صلي الله عليه وسلم من أركان الإيمان التي يجب على المسلم الإيمان بها، ومن هذه
الأركان الإيمان بالرسل ، وهو صلي الله عليه وسلم رسول من أولئك الرسل عليهم أفضل
الصلاة وأزكى التسليم ، قال الله تعالى : [فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8)] (
التغابن) .
وقال
تعالى : [فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)] (الأعراف)
،
وقد
أخبر صلي الله عليه وسلم بوجوب الإيمان به فقال صلي الله عليه وسلم : ( أمرت أن
أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) [ البخاري
ومسلم ] .
ومن
الإيمان به صلي الله عليه وسلم التصديق الجازم الذي لاشك فيه بأن رسالته ونبوته هي
حق من عند الله تعالى ، والعمل بمقتضى ذلك ، والتصديق بأن كل ماجاء به من الدين
وما أخبر به عن الله تعالى حق صحيح ، ولابد من تصديق ذلك بالقلب واللسان ، فلا
يكفي الإيمان به باللسان ، والقلب منكر لذلك ، قال تعالى : [يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ
عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ۚ وَمَنْ يَكْفُرْ
بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ
ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)] ( النساء
) .
فالإيمان
به صلي الله عليه وسلم وبرسالته وبكل ماأخبر به من الأمور التي وقعت والتي لم تقع
مما أطلعه الله عليه الإيمان بذلك كله واجب حتى يكمل إيمان المرء ولقد بشر النبي صلي
الله عليه وسلم من آمن به ولم يره بشّره بطوبى وهي شجرة في الجنة فقال صلي الله
عليه وسلم: ( طوبى لمن آمن بي ورآني مرة ، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرار
(مرات)) . [ السلسلة الصحيحة] .
كل من أنكر السنة النبوية ،أو عطل العمل بها ،أو
شك في نبوته أو رسالته فهو كافر ، لأن الأدلة ثابتة مستفيضة مجمع عليها بين أهل
العلم .
2ـ
محبته صلى الله عليه وسلم :
وهذا حق
من حقوقه صلي الله عليه وسلم على أمته ، وواجب عليهم أيضاً ، فينتفي الإيمان بعدم
محبة النبي صلي الله عليه وسلم ، فقد أوجب الله محبة نبيه في كتابه العزيز ، فقال تعالى : (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ
اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا
أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ
فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) ) [التوبة] .
عن أنس
رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( لايؤمن أحدكم حتى أكون
أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ) (البخاري،ومسلم )
ولما
سمع سيدنا عمرابن الخطاب رضي الله عنه هذا الحديث قال للرسول صلي الله عليه وسلم
لأنت أحب إلي من كل شئ إلاّ من نفسي ، فقال : لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب
إليك من نفسك ، فقال له عمر : فإنك الآن والله أحب إلي من نفسي ، فقال صلي الله
عليه وسلم : ( الآن ياعمر ) أي الآن صدقت وحققت الإيمان الكامل بمحبتك لنبيك .
وقال صلي
الله عليه وسلم : ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب
إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لايحبه
إلاّ لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في
النار ) [ البخاري ]
ومن محبيه صلى الله عليه وسلم إيثار مايحب صلى
الله عليه وسلم على مايحب العبد ، ومحبة ماجاء به والدعوة إليه ومحبة أهل بيته
وصحابته رضوان الله عليهم ومن محبته كثرة ذكره عليه الصلاة والسلام ،والشوق إلى
لقاءه ، قال صلي الله عليه وسلم: ( يا أبا أمامة إن من المؤمنين من يلين لي قلبه)
( رواه أحمد ) .
ومعنى
ذلك أن من المؤمنين من يسكن قلبه ويميل للنبي صلى الله عليه وسلم بالمودة والمحبة
، وما ذاك إلا بإخلاص الاتباع له صلى الله عليه وسلم دون سواه من البشر0 فحب النبي
صلى الله عليه وسلم موصل لحب الله تعالى .
وقد
سُئِل علي رضي الله عنه كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟، قال:
" كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا، وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء
البارد على الظمأ ". وهذا ثوبان رضي الله عنه
كان شديد الحب لرسول الله صلي الله عليه وسلم ، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد
تغيَّر لونه يعرف الحزن في وجهه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم :ما غيَّر
لونك؟
فقال: يا رسول الله، ما بي مرض ولا وجع، غير
أنّي إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة فأخاف أني لا أراك،
لأنك تُرفَع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل
الجنة لا أراك أبدًا، فنزلت هذه الآية ....
قال
الله تعالى: { وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ
أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا(69) } (النساء).
قال
البغوي في تفسيره: "نزلت في ثوبان مولى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم .
3-
طاعته صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره :
طاعته
صلى الله عليه وسلم واجبة بكتاب الله عز وجل ، قال تعالى : [يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا
أَعْمَالَكُمْ (33) ] ( محمد) .
وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ
(20)] (الأنفال) ، قال بن كثير في تفسير هذه الآية : ( يأمر تعالى عباده المؤمنين
بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويزجرهم عن مخالفته والتشبه بالكافرين به
والمعاندين له ، وأن لا يتركوا طاعته صلى الله عليه وسلم ، بل امتثلوا أمره ،
واتركوا زواجره بعدما علمتم مادعاكم إليه من الحق )
ويقول
بن سعدي رحمه الله :( لما أخبرالله تعالى أنه مع المؤمنين أمرهم أن يقوموا بمقتضى
الإيمان الذي يدركون معيته ، وذلك بامتثال أوامر الله عز وجل وأوامر رسوله صلى
الله عليه وسلم وتنفيذ أوامره ووصاياه ونصائحه ، ولا يكتفي بمجرد الدعوى الخالية
التي لا حقيقة لها ، فإنها حالة لا يرضاها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ،
فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقته
الأعمال)0
قال صلي
الله عليه وسلم :( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل يارسول الله ومن يأبى قال
: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) [ البخاري ] .
وقال صلي الله عليه وسلم :( ألا
إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته ويقول عليكم بهذا
القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه))[ أحمد
وأبو داود والحاكم بسند صحيح ].
وقال صلي
الله عليه وسلم : ( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما
أمرت به أو نهيت عنه فيقول لاندري ، ماوجدنا في كتاب الله اتبعناه ) رواه ابن ماجه
وأبو داود بسند صحيح.
فالواجب
على المؤمن طاعة النبي صلي الله عليه وسلم فيما أحل وما حرم فما أحله فهو حلال وما
حرمه فهو حرام يجب الابتعاد عنه كما قال عليه الصلاة والسلام (ألا إن ما حرّم رسول
الله مثل ما حرَّم الله) [ رواه الحاكم والترمذي وابن ماجه بسند صحيح].
ومما يدل
على عظم شأن طاعته صلي الله عليه وسلم أن الله جلت قدرته قد قرن طاعته سبحانه
بطاعة نبيه صلي الله عليه وسلم فقال تعالى :[ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ
أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَنْ تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)]
( النساء) .
وقال صلي
الله عليه وسلم :( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله )
[ في
الصحيحين ] .
ولابد
من الحذر كل الحذر من مخالفة أمره صلي الله عليه وسلم وعدم معصيته وأن ذلك مما
يحبط الأعمال ويوجب النيران فقد قال تعالى : [وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا(23)] ( الجن) .
فمن
طاعته صلي الله عليه وسلم التمسك بسنته وما أمر به واجتناب ما نهى عنه والابتعاد
عنه والاهتداء بهديه والالتزام بنظافة الثوب والبدن وتحري الصدق في الأقوال
والأفعال وطلب الحلال في المأكل والمشرب والملبس والنكاح واجتناب الحرام في ذلك .
وغير
ذلك من الأمور التي ينبغي على المسلم متابعتها والعمل بها مما أمر بها النبي صلي
الله عليه وسلم واجتناب ما نهى عنه من أعمال وأفعال قال تعالى[وَمَا آتَاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ
إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)]( الحشر) .
وقال صلي
الله عليه وسلم :( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ،وما نهيتكم عنه فانتهوا
)) [ مسلم ] .
فالواجب
على المؤمن اتباع النبي صلي الله عليه وسلم في العقيدة والعبادة والسلوك فهذا هو
طريق النجاة يوم القيامة بإذن الله تبارك وتعالى ومن خالف ذلك فسيلقي به إلى النار
والعياذ بالله .
وقد قال
عمر بن عبدالعزيز : سن رسول الله صلي الله
عليه وسلم وولاة الأمور من بعده سُنناً الأخذ بها اعتصام بكتاب الله وقوة على دين
الله ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها ولا النظر في أمر خالفها من اهتدى بها فهو
المهتدي ومن استنصر بها فهو المنصور ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله
ماتولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً ] .
قال
تعالي (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ
غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ
وَسَاءَتْ مَصِيرًا(115)) النساء .
وليحذر من يخالف أمر النبي صلي الله عليه وسلم ففي مخالفته خروج من الدين
وارتداد عنه عياذا بالله من ذلك قال
تعالى[وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)] (الأعراف)] .
فهو أمر
من الله جل وعلا باتباع نبيه صلي الله عليه وسلم لمن أراد الهداية من الله تعالى
ومن خالف أمره فليس له إلا الغواية والندامة .
ومن
اتباعه صلي الله عليه وسلم عدم الابتداع في دين الله عز وجل بل يعمل على إزالة كل
بدعة في الدين ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا .
4ـ
الغيرة علي الدين والحرمات :ـ
من حق النبي صلي الله عليه وسلم الغيرة علي الدين
والحرمات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم
قد أثبت صفة الغيرة لربه فقال: (المؤمن يغار والله أشد غيراً)،والمؤمن يجب أن يغار
على حرمات الله تعالى، ويغار على دين الله عز وجل، يغار لأجل الله وشريعته.
وهذه
الغيرة المحمودة هي غيرة من نفس المؤمن لأجل الدين، ولأجل الشريعة، وليس لأجل
نفسه، أو حظ دنيوي من الحظوظ.
والغيرةُ هي التألمُ والغضبُ على حقٍّ يُهانُ ويُقهرُ، أو باطلٌ يحمى
وينصرُ، وينتجُ عن هذا التألم والغضب، مساندة الحقِّ ومقاومةَ الباطل ودحره .
إنَّ
من الغيرةِ على دينِ اللهِ الوقوفُ مع الحقِّ، ومناصرة أهل الحقِّ والخير، ومناورة
الباطل، ومقاومةُ المبطلين والمفسدين، مهما كانوا ولو كانوا أولى قربى .
إنَّ
الغيرةَ على دينِ الله يجب أن تكون هاجسُ كل واحدٍ منا ، وهماً في عروق كل مسلم .
وقد كان
النبي صلي الله عليه وسلم شديد الغيرة، فعن عائشة رضي الله عنها:[ما انتقم رسول
الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها] غيرة لله،
وغيرة على دينه.وقد كان أصحابه الكرام
كانوا شديدي الغيرة نماذج من الغيرة الصحابة
علي الإسلام ..
1ـ
سعد ابن عبادة رضي الله عنه:ـ
قال سعد بن عبادة : لو
رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح فقال النبي صلى الله عليه وسلم
أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني .
2ـ صقرين يقتلان فرعون هذه الإمة :ــ
غلامين صغيرين كان لهما
في معركة بدر موقف لا ينتهي منه العجب وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء
رضي الله عنهما ونترك الحديث عن هذا الموقف العجيب للصحابي الجليل عبد الرحمن بن
عوف رضي الله عنه كما في صحيح البخاري قال
: بينما أنا في الصف يوم بدر إذ نضرت عن يميني وعن شمالي فإذا بغلامين من الأنصار
حديثة أسنانهما فتمنيت لو أن غيرهما كان بجواري ليحميني فغمزني احدهما فقال يا عم
أتعرف أبا جهل قلت نعم وما حاجتك إليه قال سمعت انه يسب رسول الله والذي نفسي بيده
لأن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا ثم غمزني الأخر فقال لي مثل
مقالة صاحبه ثم لم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت هذا صاحبكما
فانقضا عليه كالصقرين فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فاخبراه فقال أيكما قتله قال كل منهما أنا
قتلته قال هل مسحتم سيفيكما قالا لا فنظر في السيفين فقال صلى الله عليه وسلم : كلاكما قتله ( البخاري،
ومسلم).
سبحان الله فرعون هذه الأمة وطاغية زمانه
يكون مصرعه على يدي غلامين شابين من شباب الصحابة الكرام !! لماذا؟ حتى تكون
الصورة واضحة جلية يتبين من خلالها إلى أي حد وصل مستوى أولئك الشباب الأفذاذ.
3ـ
طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه:ـ
تُشل يده يوم أحد وهو يحمي الرسول من أذى الكفار.
أبلى
طلحة يوم أحد بلاء حسنا ، ووقى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بنفسه ، واتقى النبل عنه بيده حتى شلت إصبعه ، وضرب
الضربة في رأسه ، وحمل رسول الله صلى الله
عليه وسلم على ظهره حتى استقل على الصخرة .
وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : }اليوم أوجب طلحة {
عن قيس
بن أبي حازم قال : رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد .[ رواه
البخاري ]
4ـ
أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه :ـ
تكسر أسنانه وهو ينتزع حلقتا المغفر من خد النبي
قال أبو
بكررضي الله عنه : لما صرف الناس يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أول من جاء النبي صلى الله عليه وسلم قال : فجعلت أنظر إلى رجل
بين يديه يقاتل عنه ويحميه فجعلت أقول : كن طلحة فداك أبي وأمي مرتين .
قال : ثم
نظرت إلى رجل خلفي كأنه طائر فلم أنشب أن أدركني فإذا أبو عبيدة بن الجراح فدفعنا
إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإذا طلحة
بين يديه صريع فقال صلى الله عليه وسلم :}دونكم أخوكم فقد أوجب {قال : وقد رمي في جبهته
ووجنته فأهويت إلى السهم الذي في جبهته لأنزعه .
فقال لي أبو عبيدة : نشدتك بالله يا أبا بكر إلا
تركتني .
قال :
فتركته فأخذ أبو عبيدة السهم بفيه فجعل ينضنضه [ أي يحركه ]ويكره أن يؤذي
النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم استله بفيه
، ثم أهويت إلى السهم الذي في وجنته لأنزعه .
فقال
أبو عبيدة : نشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني فأخذ السهم بفيه وجعل ينضنضه ويكره
أن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ثم
استله .
وكان طلحة أشد نهكة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم أشد منه ، وكان قد أصاب
طلحة بضعة وثلاثون بين طعنة وضربة ورمية .
[ رواه ابن حبان في صحيحه ]
5ـ
أبو بكر رضي الله عنه :ـ
روى عروة بن الزبير قال: سأَلت عبد اللّه بن
عمرو بن العاص قلت: أَخبرني بأَشد شيءٍ رأَيتَه صنعه المشركون برسول الله صَلَّى
الله عليه وسلم، قال: أَقبل عقبة بن أَبي مُعَيْط، ورسولُ الله صَلَّى الله عليه
وسلم يصلي عند الكعبة، فلوى ثوبه في عُنُقِه فخنقه خنقًا شديدًا، فأَقبل أَبو بكر،
فأَخذ مَنْكِبَه فدفعه عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ثم قال أَبو بكر: يا
قوم، أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يقولَ رَبِّي اللّهُ وَقَدْ جَاءَكمْ
بالبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُم.
وروت
أسماء بنت أبي بكر أنهم قالوا لها: ما أشدَّ ما رأيت المشركين بلغوا من رسول الله
صَلَّى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان المشركون قعودًا في المسجد الحرام، فتذاكرُوا
رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وما يقول في آلهتهم، فبينما هم كذلك، إذ دخل
رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المسجد، فقاموا إليه، وكانوا إذا سألوه عن شيء
صدّقهم، فقالوا: ألستَ تقول في آلهتنا كذا وكذا؟ قال: "بَلَى"،
قال: فتشبَّثُوا به بأجمعهم، فأتى الصريخ إلى أبي بكر، فقيل له: أدرك صاحبَك،
فخرج أبو بكر حتى دخل المسجد، فوجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم والنَّاسُ
مجتمعون عليه، فقال: ويلكم، أتقتلون رجلًا أنْ يقولَ ربِّيَ الله، وَقَدْ جاءكم
بالبيِّنات من ربكم؟
قال:
فلهوا عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأقبلوا على أَبي بكر يضربونه، قالت:
فرجع إلينا، فجعل لا يمس شيئًا من غدائره إلا جاء معه وهو يقول: تباركت يا ذا
الجلال والإكرام.
6ـ
غيرة من أجل امرأة :ـ
قَدِمَ رجلًا للمعتصم ناقِلًا له حادثةً شاهدها قائلًا: "يا أمير
المؤمنين، كنتُ بعمورية فرأيتُ امرأة عربية في السوق مهيبة جليلة تُسحل إلى السجن
فصاحت في لهفةٍ: وامعتصماه!"، فأرسل المعتصم رسالةً إلى أمير عمورية قائلًا
له: "من أمير المؤمنين إلى كلب الروم.. اخرج المرأة من السجن؛ وإلا أتيتك
بجيشٍ بدايته عندك ونهايته عندي"..
فلم
يستجب الأمير الرومي وانطلق المعتصم بجيشه ليستعد لمحاصرة عمورية فمضى إليها، فلما
استعصت عليه قال: "اجعلو النار في المجانيق وارموا الحصون رميًا
متتابعًا"، ففعلوا فاستسلمت ودخل المعتصم عمورية فبحث عن المرأة فلما حضرت
قال لها: "هل أجابكِ المعتصم؟ قالت: نعم".
فلما
استقدم الرجل قالت له: "هذا هو المعتصم قد جاء وأخزاك، قال: قولي فيه قولك.
قالت: أعزَّ الله مُلك أمير المؤمنين بحسبي من المجد أنك ثأرت لي. بحسبي من الفخر
أنك انتصرت فهل يأذن لي أمير المؤمنين في أن أعفو عنه وأدع مالي له؟ فأعجب المعتصم
بمقالها وقال لها: لأنتِ جديرة حقًا بأن حاربت الروم ثأر لكِ، ولتعلم الروم أننا
نعفو حينما نقدِر".
هذا من
أجل امرأة واحدة فما بالنا بأمة كاملة مستباحة الأعراض ، فأين نخوة المعتصم ؟؟
5ـ
توقيره عليه الصلاة والسلام وتعظيم شأنه:
توقيره
من آكد حقوقه صلي الله عليه وسلم على أمته قال تعالى :[إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ
شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(9) ] ( الفتح )
.
فيجب
توقيره عليه الصلاة والسلام وإجلاله وتعظيمه كما ينبغي له ذلك على ألا يُرفع إلى
مقام العبودية فإن ذلك محرم لا يجوز ولا ينبغي إلا لله عز وجل.
ومن
توقيره عليه الصلاة والسلام تعظيم شأنه احتراماً وإكباراً لكل ما يتعلق به من اسمه
وحديثه وسنته وشريعته وآل بيته وصحابته رضوان الله عليهم وكل ما اتصل به عليه
الصلاة والسلام من قريب أو بعيد .
فيُرفع
من قدره صلي الله عليه وسلم حتى لا يساويه ولا يدانيه أحد من الناس .
فمن
توقيره عليه الصلاة والسلام عدم التقدم بين يديه مصداقاً لقوله تعالى: [يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ
وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)] ( الحجرات )
أي لا
تقولوا قبل قوله وإذا قال فاستمعوا له وأنصتوا، فلا يحل لأحد أن يسبقه بالقول ولا
برأي ولا بقضاء بل يتعين عليهم أن يكونوا تابعين له عليه الصلاة والسلام .
وقال جل
شأنه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ
صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ
لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)] ( الحجرات)
.
فهذا
نهي من الله عز وجل بعدم رفع الصوت عند مخاطبة النبي صلي الله عليه وسلم ولا يجهر
المخاطب له بالقول بل يخفض الصوت ويخاطبه بالأدب ولين الجانب ويخاطبه بالتعظيم
والتكريم والإجلال والإعظام .
فلا
يكون الرسول كأحدهم بل يميزونه في خطابهم كما تميز عن غيره في وجوب حقه على الأمة
ووجوب الإيمان به والحب الذي لا يتم الإيمان إلا به .
فإن في
عدم القيام بذلك محذوراً خشية أن يحبط عمل العبد وهو لا يشعر كما أن الأدب معه من أسباب حصول الثواب وقبول الأعمال .
وقال
العلماء : يكره رفع الصوت عند قبره صلي الله عليه وسلم كما يكره في حياته لأنه
محترم حياً وميتاً .
وقد روي
عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد رسول الله
صلي الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما فجاء فقال : أتدريان أين أنتما ؟
ثم قال
: من أين أنتما ؟ قالا : من أهل الطائف ، فقال : لو كنتما من أهل المدينة
لأوجعتكما ضرباً .
وإنما
كان النهي عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه صلي الله
عليه وسلم فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري .
ثم
امتدح الله عز وجل من غض صوته عند رسول الله صلي الله عليه وسلم وندب إلى ذلك في
قوله تعالى : [نَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُمْ
مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)] ( الحجرات)
فأولئك
اختبر الله قلوبهم وامتحنها وابتلاها للتقوى فظهرت نتيجة ذلك بأن قلوبهم أذعنت
لأمر الله وأخلصت وكانت أهلاً ومحلاً للتقوى فكانت العاقبة لهم بالبشرى من الله
العلي القدير بأن بشرهم بالمغفرة لذنوبهم ، وحصول الأجر العظيم الذي لا يعلمه إلا
رب الأرباب ومسبب الأسباب ، الذي بيده مفاتيح كل شئ وخزائن السموات والأرض ، فكان ذلك
جزاءهم جزاءً وفاقاً .
فمن
لازم أمر الله عز وجل واتبع رضاه وسارع إلى ذلك وقدمه على هواه ومحص قلبه للتقوى
فصار قلبه صادقاً ، ومن لم يكن كذلك علم أنه لا يصلح للتقوى .
ومن
تعظيمه وتوقيره صلي الله عليه وسلم عدم ندائه باسمه مجرداً فلا يقال :( يا محمد )
، بل يقال:( يانبي الله ) ( يا رسول الله ) ، قال تعالى : [لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ
الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ۚ(63)] ( النور) .
فهذا
نهيٌ منه سبحانه بعدم نداء نبيه صلي الله عليه وسلم باسمه مجرداً لأن ذلك من سوء
الأدب معه صلي الله عليه وسلم وهناك مظاهر لتعظيمه صلي الله عليه وسلم من حيث
حديثه ، وآثاره .
فمن
تعظيمه صلي الله عليه وسلم تعظيم حديثه فيحترم كلامه عليه الصلاة والسلام فقد روي
عن جعفر بن محمد الصادق وكان كثير الدعابة والتبسم أنه إذا ذكر عنده النبي صلي
الله عليه وسلم اصفر وجهه وما ربي يحدث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا على
طهارة .
وكان بن
مسعود رضي الله عنه إذا حدث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم علاه كرب وتحدر العرق
من جبينه رضي الله عنه وأرضاه .
ومن
تعظيم آثاره صلي الله عليه وسلم أنه كانت لأبي محذورة قصة في مقدم رأسه إذا جلس
وأرسلها وصلت إلى الأرض فقيل له : ألا تحلقها ؟
قال : لم أكن بالذي يحلقها وقد
مسها رسول الله صلي الله عليه وسلم بيده .
ولقد
كان هذا شيئاً يسيراً مما ذكرت في توقيره عليه الصلاة والسلام وتعظيم شأنه وإلا
فهو أجل من ذلك وأعظم فصلوات ربي وسلامه عليه ما تلألأت النجوم وتلاحمت الغيوم
وعليه الصلاة والسلام ما سمعت أذن بخبر وما اتصلت عين بنظر
6ـ
الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم :
ومن حقه
على أمته أن يصلوا عليه كلما ذكر عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى : [إِنَّ
اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) ]
( الأحزاب ) .
قال
بن كثير في تفسير هذه الآية : [ أي أن الله تعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه
عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلي
عليه ثم أمر أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع عليه الثناء عليه من
أهل العالَمْينِ : العلوي والسفلي جميعاً ] انتهى .
فالصلاة
والسلام عليه واجبة على كل مؤمن ومؤمنة لما في ذلك من الأجر العظيم من الله جل
وعلا ، ولما في ذلك أيضاً من طاعة لله تعالى عندما أمر المؤمنين بالصلاة والسلام
عليه .
ولا
يقتصر الإنسان على الصلاة أو التسليم بل يجمع بينهما ، فلا يقول : صلى الله عليه
فقط , ولا عليه السلام فقط , هكذا قاله النووي رحمه الله , وقال : إذا صلي على
النبي صلي الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم أي ليقل عليه الصلاة والسلام مصداقاً لقوله
تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
(56) ] ( الأحزاب ).
وعن عبدالله
بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول ( من
صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ) [ رواه مسلم ]
وعن بن
مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ( أولى الناس بي يوم
القيامة أكثرهم علي صلاة ) [ الترمذي وهو
حسن صحيح ] .
وعن
فضالة بنى عبيد رضي الله عنه قال : ( سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم رجلاً يدعو
في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : عجل
هذا ، ثم دعاه فقال له أو لغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد الله عز وجل
والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي ثم ليدع بما شاء ) [ رواه أحمد وأبو داود
والترمذي والنسائي وبن خزيمة وبن حبان وهو صحيح ] .
وعن أبي
هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( رغم أنف امرئ ذكرت
عنده فلم يصلي علي ) [ الترمذي وهو صحيح ]
.
وروى
الإمام أحمد عن علي بن الحسين عن أبيه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال (البخيل
من ذكرت عنده ثم لم يصل علي ) [ رواه الترمذي] .
عن أبي
هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال (ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا
الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم تِرةً حسرة وندامة يوم القيامة ، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ) [
الترمذي وهو صحيح ] .
فاللهم
صلي وسلم وزد وبارك على نبينا محمد ما غرد طير وصاح ، وصلي على محمد ما أظلم ليل وأشرق صباح .
تحميل pdf
تحميل word
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق