19 نوفمبر 2018

عالمية الرسالة المحمدية وأثرها علي العالم







الحمد لله رب العالمين .. من علينا بنعمة الإسلام العظيم فأكمله لنا وأتمه علينا ورضيه لنا ، فقال تعالي}الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ(3){  المائدة .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له... له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير .. شرع لنا الدين سموا بالإنسان إلي معارج الكمال وكريم الخصال وحميد الفعال .. فقال تعالي }قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ(15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16){  المائدة.
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله ()...أرسله ربه بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله فهدي الله به الناس فأخرجهم من الظلمات إلي النور فجاء بالدين الخاتم ليتمم مكارم الأخلاق ،فكان رسولا للناس كافة ، فقال عليه الصلاة والسلام:} كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة { رواه البخاري.
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .....

أما بعد: فيا أيها المؤمنون ..
بَعَث الله تعالى سيّدنا محمد () برسالته السَّماوية إلى البشرية كافةً لإنقاذهم من الظلم والجَهل والظَّلام الذي كانوا يعيشون فيه، فقد كان منهم من لا يعبد أحداً، ومنهم من يُشرِك مع الله تعالى في العبادة الكثير من الأجسام الغريبة والأشياء المادية المحسوسة مثل: الشمس، والأصنام، والأوثان، فكانت قريش تَتَخذ مع الله تعالى الحجارة والأصنام التي تصنعها بنفسها، وعندما تجوع كانت تأكل أصنامها التي صنعتها من التمر. سبحان الخالق الذي أراد بهذه الأمة الخير فبعث إليهم رسالة الإسلام، وكان سينا محمد () هو الشخص المختار الذي اصطفاه الله تعالى وشرّفه عن بقية الخلق بأن يُبلِّغ رسالته، لذلك فإن رسالة الإسلام خصها الله تعالي بخصائص وميزات منها أنها رسالة عالمية إلي الناس كافة كما قال تعالي }قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ... (158){ الأعراف .
ولذلك كان حديثنا عن عالمية الرسالة المحمدية وذلك من خلال هذه العناصرالرئيسية التالية ..

1ـ عالمية الشخصية المحمدية ().

2ـ عالمية الرسالة في القرآن والسنة .

3ـ مقومات عالمية الرسالة المحمدية.

4ـ أثر الرسالة المحمدية علي العالم.

5ـ الخاتمة .
-------------------
العنصر الأول : عالمية الشخصية المحمدية ():

إن العقل الإنساني يحار وهو يدرس جوانب شخصية أعظم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، والأمور التي تحيّر الدارس لشخصيته كثيرة، لكن من أبرز الأمور المحيرة لنا ولغيرنا من غير المسلمين هو: ذلك الشمول والتنوع والتوازن في شخصية النبي محمد ()، حيث إن جوانب شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام  متعددة تعددًا يجعله منفردًا، ليس عن البشر فحسب بل حتى عن الرسل، فشخصية الرسول تمثلت فيها كل جوانب الحياة، وما كل رسول كان له مثل هذا، فالرسول عليه الصلاة والسلام  كان أبًا، وما كل رسول كان أبًا، وكان زوجًا، وما كل رسول تزوج، وكان رئيس دولة ومؤسسها، وما كل رسول أقام دولة، وكان القائد الأعلى لجيش الإسلام والمحارب الفذ، وما كل رسول حارب، وبعث للإنسانية عامة فشرع لها بأمر الله ما يلزمها في كل جوانب حياتها العقدية والعبادية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية، ولم يبعث رسول قط إلى الإنسانية عامة غيره، وكان المستشار والقاضي والمربي والمعلم والمهذب والعابد والزاهد والصابر والرحيم... إلى آخر صفاته عليه الصلاة والسلام التي استوعبت كل جوانب الحياة.

العنصر الثاني : عالمية الرسالة في القرآن والسنة :ـ

أرسَل الله تعالى نبيه محمدًا () بالإسلام ليكون خاتمة الرسالات إلى الناس جميعًا، في سائر الأعصار والأمصار وإلى أن تقوم الساعة؛
فالإسلام دين عالمي ولن يقبل من أحد دين غير دين الإسلام الحنيف فقال تعالي}وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(85) {آل عمران.
ولعالمية ريالة الإسلام دلالات واضحة من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من هذه الدلالات ...

1ـ القرآن الكريم :ـ

لقد جاءت أول آيات القرآن الكريم تؤكد تلك العالمية , وأن الله تعالى رب لكل الناس وليس رباً للعرب أو المسلمين فقط ,قال تعالى}الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2){ )الفاتحة)           
لأنه من عند الله تعالي قال تعالى }تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43){ الحاقة .
وقال تعالى }إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80){ الواقعة .
وقال تعالى }الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2){ السجدة .
ولأن الذي أنزل القرآن هو رب العالمين فقد أنزله هداية ونورا لكل العالمين ,
قال تعالى } تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1){ الفرقان.
وقال تعالى }إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87){ القلم .
قال الزجاج: معنى العالمين كل ما خلق الله كما قال : وهو رب كل شيء، وهو جامع كل عالَم ،قال ولا واحد لعالم من لفظه لأن عالماً جمع أشياء مختلفة فإن جعل عالم لواحد منها صار جمعاً لأشياء متفقة.
قال ابن عباس في قوله تعالى (الحمد لله رب العالمين) رب الجن والإنس .
وقال قتادة رب الخلق كلهم.
وقال عز وجل: } كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1){ [إبراهيم].
قال تعالي لتخرج الناس ولم يخص فئة بعينها وإنما جميع الناس
وقال عز شأنه: } وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ(19){ [الأنعام].
قال المفسرون: أي لأُنذركم به يا أهل مكة، وسائرَ مَن بَلَغه القرآنُ ووصل إليه مِن الأسود والأحمر، أو مِن الثَّقَلينِ،أو لأُنذركم به أيها الموجودون ومَن سيوجد إلى يوم القيامة.
قال ابن جرير: مَن بلغه القرآن فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم.
بل تعدي ذلك إلى عالم الجن، يقول تعالى:}قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (1){ الجـن.
ويقول تعالى:(وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29){ الأحقاف.

2ـ الرسول () :ـ

لقد أرسل الله تعالي نبيه للناس كافة ،قال تعالى} وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28) { [سبأ].
وقال سبحانه: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107){[الأنبياء].
ولذا فقد أكد () على أخوة الأنبياء جميعا , ووحدة منهجهم في هداية الخلق , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ (): أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى ، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ.(أخرجه أحمد والبُخاري).
كما أكد () على أنه جاء بالرسالة الخاتمة الهادية لجميع الناس , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ (): فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ . قِيلَ مَا هُنَّ أَىْ رَسُولَ اللهِ قَالَ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِىَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِىَ النَّبِيُّونَ مَثَلِى وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى قَصْرًا فَأَكْمَلَ بِنَاءَهُ وَأَحْسَنَ بُنْيَانَهُ إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ فَنَظَرَ النَّاسُ إِلَى الْقَصْرِ فَقَالُوا مَا أَحْسَنَ بُنْيَانَ هَذَا الْقَصْرِ لَوْ تَمَّتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ أَلاَ فَكُنْتُ أَنَا اللَّبِنَةَ أَلاَ فَكُنْتُ أَنَا اللَّبِنَةَ. أخرجه أحمد ومسلم.
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله (): }أُعطيتُ خَمسًا لم يُعطَهن أحدٌ من الأنبياء قبلي: نُصِرْتُ بالرعب مسيرةَ شهر، وجُعلَتْ ليَ الأرض مسجدًا وطَهورًا، وأيُّما رجلٍ من أمتي أدركَتْه الصلاةُ فليُصَلِّ، وأُحلَّتْ لي الغنائم ولم تَحِلَّ لأحد قَبلي، وكان النبيُّ يُبعَث إلى قومه خاصة وبُعثتُ إلى الناس كافةً، وأُعطيتُ الشفاعةَ{
وفي رواية لمسلم:}كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثتُ إلى كلِّ أحمرَ وأسودَ{ [رواه البخاري].
وإذا كانت رسالة الإسلام عالمية، فشريعتها، وما تضمنته مِن أنظمة جاء بها الرسول () في القرآن والسنة، قد أراد لها الله تعالى أن تكونَ لعموم الناس.
وهذا بيِّنٌ واضح في قول الله سبحانه:} إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ (105){ [النساء].

3ـ القبلة :ـ

لقد جعل الله تعالي الكعبة المشرفة قبلة لجميع الخلق ,وبركة وهداية لكل الناس ,
قال تعالى }إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) { آل عمران .

رسائل النبي () إلي ملوك العالم :ـ

مما يدلل على عالمية هذا الدين رسائل النبي سنة 6هـ إلى الملوك والرؤساء الذين كانوا يحكمون البلاد في عهده صلوات ربي وسلامه عليه، مثل رسالته إلى الملك المقوقس.. وتابع رسول الله حملته العالمية، فطفق ينتقي أفصح الخطباء والشعراء والدبلوماسيين من أصحابه، ويبعثهم رسلًا وسفراءً إلى الممالك والإمارات والدول والقبائل في آسيا وأفريقيا وأوروبا يدعو العالَم المظلم إلى الله.

5ـ بشارة النبي () بانشار الإسلام :ـ

من عالمية هذا الدين وانتشاره حتى يعم الأرض كلها بشارته صلى الله عليه وسلم وتبشيره بانتشار الإسلام وفتحه للبلاد والعباد , عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ () ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ ، فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، فَقُلْنَا : أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا ، أَلاَ تَدْعُو لَنَا ، فَقَالَ : قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهَا ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللهِ ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ. أخرجه أحمد والبُخَارِي.
وعَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ () ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ () قَالَ: إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ ، فَرَأَيْت مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا ، فَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا , وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ : الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ. (أخرجه أحمد  ومسلم).
وعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ () يَقُولُ: لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَلاَ يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ ، إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ ، بِعِزِّ عَزِيزٍ ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلاَمَ ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ.
وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يَقُولُ : قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي ، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ ، وَالشَّرَفُ ، وَالْعِزُّ ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا ، الذُّلُّ ، وَالصَّغَارُ ، وَالْجِزْيَةُ. (أخرجه أحمد)

العنصر الثالث : مقومات عالمية الرسالة المحمدية :ـ

وحيث إن سيدنا محمدًا () قد ختم الله به الأنبياء والمرسلين، كما قال سبحانه وتعالي: } وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (40){ [الأحزاب].
فقد جعل الله رسالته خاتمة لرسالات الأنبياء السابقين، ومتممة لما شيَّدوه من صرح الهداية والرشاد، وأراد لها أن تكون ذات صِبغة عالمية إنسانية؛ لأنها تناسب الإنسان كلَّ الإنسان في كل عصر ومِصرٍ، وجعل شريعته عالمية وملائمة للبشر أجمعين، وكانت بحقٍّ صالحةً ومصلحة لكل زمان ومكان، ولا غروَ فهي تملِك المقومات والخصائص التي تجعلها جديرةً بهذه الخاصية.. من هذه المقومات ..

أولا : تكريم الإنسان :ـ

قال تعالي } وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70){الإسراء
فقد استخلفهم الله في الأرض، وسخّر لهم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه.
وكذلك على أساس المساواة بين الناس فـي أصل الكرامة الإنسانية، وفي أصل التكليف والمسؤولية، وأنهم جميعًا شركاء في العبودية لله تعالى، وفي البنوّة لآدم، فالإسلام كدين عالمي أذاب الفوارق؛ فلا فضلَ لعربيٍّ على أعجمي، ولا لأبيضَ على أسود، ولا على أحمرَ إلا بالتقوى، هذه العالمية لم يَسبقه إليها أيٌّ من الأديان، أو حتى النظريات، أو الدعوات؛ قال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع:}أيها الناس، إنَّ ربكم واحدٌ، وإن أباكم واحد، كلُّكم لآدمَ، وآدمُ من تراب، أكرمُكم عند الله أتقاكم، ليس لعربيٍّ فضلٌ على عجمي إلا بالتقوى، ألاَ هل بلغت؟
اللهم اشهد، فلْيُبلِّغِ الشاهدُ منكم الغائب{
وقال تعالي }يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13){ [الحجرات].
من خلال هذه المبادئ العالمية استطاع النبي () أن يبني مجتمع يظهر فيه بلال الحبشي مع صهيب الرومي، وسلمان الفارسي مع أبي سفيان القرشي رفم اختلاف الجنسيات والعصبيات والألوان تحت لواء واحد، وأمام قانون واحد هو قانون الإسلام.
وظهر ذلك جلياً عندما شفع وجهاء من القوم، في إعفاء امرأة شريفة وجب عليها حد السرقة، حتى لا توقع عليها العقوبة، فأبى النبي () ذلك، ونبه إلى عدم جواز الشفاعة في حدود الله؛ لأن ذلك يخل بمبدأ المساواة بين الناس، ويؤدي إلى إيثار ذوي الوجاهة بإعفائهم من العقاب، مع إقامة الحدود على ضعفاء الناس، وبين الرسول ()  أن ذلك الأمر إذا ساد في مجتمع أدى به إلى الزوال، فقال: (إِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)
فاقتلع  النبي () جذور الجاهلية في التعصب، وسدَّ كل منافذها فقال: (ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية)، وحرَّم حمية الجاهلية فقال: (دعوها فإنها منتنة)
فالتَّقوى عند الله هي أساس المفاضلة، وليس اللونَ ولا الجنسَ ولا العِرق ولا الطَّبقة الاجتماعيَّة.

ثانيا: التوازن والإعتدال :ـ

تتسم بالوسطية، وتجمع بين الثبات والمرونة، فالإسلام دين الوسط في كل الأمور عقيدة وشريعة وأخلاقًا، وهو وسط بين غلو الديانات الأخرى وتفريطها، وهو وسط يجمع بين مطالب الروح والجسد والفرد والمجتمع، فلا يُغَلِّب جانبًا على آخر إلا بما يتناسب مع صلاح الروح وسلامة الجسد وفلاح الفرد وإصلاح المجتمع.
وكما يأمر بالعبادة والعمل للدار الآخرة يوجِّه إلى السعي في طلب الرزق والمعاش في الدنيا، ويعتبر ذلك عبادة  } وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآْخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأْرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(77){[القصص].
إن أمة الإسلام أمة وسط، شهد لها بذلك خالقها سبحانه وتعالى ورتب على ذلك مكانتها ومنزلتها ودورها في هذا الكون، وبين الأمم:} وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (143){ [البقرة].
فقوله سبحانه (وسطًا) أي عدلاً، ووسط الشيء أو أوسطه بمعنى أفضله وأعدله وخياره.
يقول الإمام ابن جرير رحمه الله تعالى: (إنما وصفهم الله  تعالى ذكره بأنهم وسط لتوسطهم في الدين).
فالإسلام دين واقعي يتعامل مع الفطرة البشرية فهو يلبي مطالب النفس البشرية، وذلك بتشريع ما يصلح لها وما يُصلحها، فهو دين الله الذي خلق الإنسان ويعلم ما يتناسب مع هذه النفس البشرية: 
}أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ(14) {[الملك].
فالإسلام هو الدين الذي جبل الله الناسَ عليه وهيأهم لقبوله والعمل به. فلا يتعارض مع طبيعة الإنسان ولا يتضاد مع رغباته؛ بل يتفق معها ويوجهها ويرشدها إلى الأصح والأسلم، فلو تجرد الإنسان من الهوى والعناد، لاعترف بدين الإسلام وأنه الدين الحق..قال تعالي }فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (30){ [الروم].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاّ يُولَدُ عَلَىَ الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوّدَانِهِ وَيُنَصّرَانِهِ وَيُمَجّسَانِهِ. كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ.
هَلْ تُحِسّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟.
 ثُمّ يَقُولُ أَبُوهُرَيْرَةَ: وَاقْرَأوا إِنْ شِئْتُمْ: } فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ {[متفق عليه].
فهو لم يحرم عليهم طيبات الحياة الدنيا  بل أباحها خالصة لهم قال تعالي } قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32){ الأعراف .
ولقد ضرب النبيُّ () أروعَ الأمثلة العملية والتوجيهية في التوازنِ الروحي والمادِّي، حتى يَصِل إلى درجة الغضب الشديد ممن يُخالِف الفطرةَ البشرية، وسُنَّةَ الأنبياء والمرسلين، فقد بَلَغَهُ مرةً أن ناسًا حلفوا  مبالغةً في التعبُّد لله  بالامتناع عن النوم وعن الزواج وعن الأكل والشرب؛ فكان موقفه منهم حاسمًا؛ تحقيقًا لمنهج التوازن الذي بُعث به؛ فعنْ أنسِ بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاث رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي () يسألون عن عبادة النبي () فلما أُخبِروا؛ كأنهم تقالُّوها - أي: عدُّوها قليلة! - فقالوا: أين نحن مِن النبي () ؟ قد غَفر اللهُ له ما تقدَّم مِن ذنبه وما تأخَّر!
قال أحدهم: أمَّا أنا فإني أصلِّي اللَّيل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدَّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوَّج أبدًا.
فجاء رسول الله () فقال:(أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلِّي وأرقُد، وأتزوَّج النساء؛ فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليس منِّي!)؛ رواه البخاري ومسلم.
كما رغَّب في العمل والكدِّ، وجعل ذلك مِن أطْيَب ما يأكُل منه الإنسانُ؛ فقال ():(ما أَكَلَ أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا مِن أنْ يأكُل مِن عمَل يَدِهِ، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليه السلام - كان يأكُل مِن عمَل يَدِهِ))؛ رواه البخاري.

ثالثا : إقرار الحقوق العامة :ـ

وقد جاء الإسلام نظاماً عالمياعادلاً، لا يجورعلى الفرد لحساب المجتمع ولا يظلم المجتمع من أجل الفرد من هذه الحقوق العامة ...

1ـ قرر حرمة الدم:ـ

حفظ للفرد حق الحياة ، وأعلن القرآن أن قتل النفس فيه قتل للبشرية جميعاً
فقال تعالي{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ(32) } المائدة
وأوجبت الشرعة القصاص في القتل العمد.

2ـ قرر حرمة العرض:ـ

صان للفرد حق الكرامة ،فلا يجوز أن يهان في حضرته أو يؤذى في غيبته {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ(12)} الحجرات.

3ـ قرر حرمة المال:ـ

صان للفرد حق التملك فلا يحل لأحد أن ينهب ماله ويأخذه منه بغير حق، قال النبي () في حجة الوداع: ( أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ) رواه مسلم.

4ـ قرر حرمة البيت:ـ

صان بذلك للفرد حق الاستقلال الشخصي ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)} النور.

5ـ قرر للفرد حرية الاعتقاد:ـ

فلا يجوز أن يكره على ترك دينه واعتناق دين آخر. قال تعالي }لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم(256)ٌ} البقرة.

6ـ قرر للفرد حرية النقد:ـ

فمن حق كل فرد أن يعارض ما يراه من عوج وهو ما سماه الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
 قال تعالي{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(104) } آل عمران.

7ـ قرر للفرد حرية الرأي والتفكير:ـ

لقد أمر الإسلام الناس أن يتفكروا وأجاز لهم أن يخطئوا فهم بشر ولا لوم عليهم في ذلك، والإسلام لا يحرم المجتهدون الأجر و لو أخطئوا في إصابة الحقيقة ففي الحديث الشريف ( المجتهد إذا أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران ) متفق عليه.
وهذه الحقوق والحريات التي منحها الإسلام للفرد قيدها وحددها لتكون في حدود ومصلحة المجتمع وان لا يكون فيها مضره للغير، فإذا تعارض حق الفرد مع حقوق المجتمع فإن حق المجتمع أولى بالتقديم.
ولقد راعي المسلمون الأوائل هذه الحقوق وأعطوها اهتماما كبيرا ، بل اعتبروها دين يدينون به لله تعالي، فهذا موقف يبين مدي احترام حقوق الآخرين .. 

يُحكى أن عليًّا بن أبي طالب رضي الله عنه افتقد درعًا كانت عزيزةً عنده فوجدها عند يهودي فقاضاه إلى قاضيه شريح، وعليٌّ يومئذٍ هو الخليفة أمير المؤمنين، فسأل شريح أمير المؤمنين عن قضيته فقال: الدرع درعي، ولم أَبِع ولم أهب، فسأل شريح اليهودي: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟
 فرد هذا متلاعبًا: الدرع درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب يريد أن يمسك
العصا من منتصفها فيلتفت شريح إلى أمير المؤمنين: هل من بينة؟!
وكان موقف شريح موقفًا رائعًا كموقف أمير المؤمنين.. لقد حكم بالدرع لليهودي
لعدم وجود البينة عند المدعي أمير المؤمنين، وأخذ الرجل الدرع ومضى وهو لا
يكاد يصدق نفسه، ثم عاد بعد خطوات ليقول: يا الله.. أمير المؤمنين يقاضيني إلى قاضيه فيقضي عليه؟!
إن هذه أخلاق أنبياء.. أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
الدرع درعك يا أمير المؤمنين، خرجتَ من بعيرك الأورق فاتبعتها فأخذتها.
فيقول علي رضي الله عنه: أمَّا إذا أسلمت فهي لك !
                                       
رابعا : رسالة اليسر والسماحة :ـ

لقد دعا الإسلام المسلمين إلى التحلي بخلق السَّمَاحَة، فإنَّ السَّمَاحَة من خلق الإسلام نفسه، فمن السَّمَاحَة عفو الله ومغفرته للمذنبين من عباده، وحلمه تبارك وتعالى على عباده، وتيسير الشريعة عليهم، وتخفيف التكاليف عنهم، ونهيهم عن الغلو في الدين، ونهيهم عن التشديد في الدين على عباد الله... 
قال تعالى:}يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ(185){ [البقرة].
وقال تعالي }مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6){[المائدة].
وقال سبحانه وتعالي }يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا(28) [النساء]. 
ونهى النَّبي () عن التنطع والتَّشدد في الدين، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله (): (هلك المتنطعون). قالها ثلاثًا  رواه مسلم . 
ودعا الرسول () على من يشق على المسلمين فقال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفق به)  رواه مسلم .
ولقد كانت رسالة النبي () رحمة للبشرية  رفع الله بها عن الناس الأغلال والأصار ، فقال تبارك وتعالى: }الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(157){ [الأعراف].
فالدين الإسلامي يُسْرٌ في عقائده وأحكامه وفي أوامره ونواهيه ، فعقائده أصح العقائد وأصدقها وأنفعها ، وأخلاقه أحمد الأخلاق وأجملها وأطيبها ، وأعماله وأحكامه أحسن الأحكام وأعدلها وأقومها . 
ومن تأمَّل حُسن هذا الدين ونقاءه وصفاءه وبهاءه ويسره وسهولته ازداد تمسكاً به وتعظيماً له وقياماً بعقائده وأحكامه ؛ 
فقد ثبت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال (): (إنَّ الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة، والروحة، وشيء من الدلجة)  رواه البخاري  واللفظ له، ومسلم . 
دخلَ أعرابِيٌّ المسجِدَ ، والنبيُّ () جالِسٌ ، فصلَّى ، فلما فرغَ قال : اللهمَّ ارحمني ومحمدًا ، ولَا ترحمْ معنا أحدًا ، فالتفَتَ إليهِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال : لقدْ تَحَجَّرْتَ واسعًا ، فلم يلبثْ أنْ بالَ فِي المسجدِ ، فأسرعَ إليه الناسُ ، فقال النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : أهْريقوا عليْهِ سَجْلًا مِنْ ماءٍ ، أوْ دلْوًا مِنْ ماءٍ ، ثُمَّ قال : إِنَّما بُعِثْتُم مُيَسِّرينَ ولَمْ تُبْعَثوا مُعَسِّريْنَ ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
 وصدق سيدي رسول الله () حين قال :عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لم يبعثني معنفاً ولا متعنفاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً) صحيح الجامع .

خامسا : رسالة التعايش مع الجميع :ـ

إن الإسلام لا يعرف الإقصاء ولا العزلة وإنما يقبل الآخر ويتعايش مع الجميع ويتعامل بالبر والقسط مع غير المسلمين فقال تعالي}لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(8) ﴾ [الممتحنة].
بل حرّم الإسلام التعرض بالأذى بالقول والفعل لكل معاهد أو مستأمن دخل ديار الإسلام؛ ووعد وأغلظ في العقوبة لمن تعرض لهم بالأذى؛ فقد روى البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ () قَالَ: ) مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا (
وأوجب على المسلمين سلوك العدل في التعامل مع غيرهم؛ ولم يجعل عدم دخولهم في الإسلام سببًا في ظلمهم أو خيانتهم، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(8){ (المائدة) .
 وأكثر من ذلك أن الإسلام ضمن لغير المسلمين في ظل دولته، كفالة المعيشة الملائمة لهم ولمن يعولونه، لأنهم رعية للدولة المسلمة وهي مسئولة عن كل رعاياها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته" . (متفق عليه) ،
 وهذا ما مضت به سُنَّة الراشدين ومَن بعدهم. ففي عقد الذمة الذي كتبه خالد بن الوليد لأهل الحيرة بالعراق، وكانوا من النصارى: "وجعلت لهم، أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنيًّا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته وعِيل من بيت مال المسلمين هو وعياله".
 وكان هذا في عهد أبي بكر الصِّدِّيق، وبحضرة عدد كبير من الصحابة، وقد كتب خالد به إلى الصِّدِّيق ولم ينكر عليه أحد، ومثل هذا يُعَد إجماعًا.
ورأى عمر بن الخطاب شيخًا يهوديًا يسأل الناس، فسأله عن ذلك، فعرف أن الشيخوخة والحاجة ألجأتاه إلى ذلك، فأخذه وذهب به إلى خازن بيت مال المسلمين، وأمره أن يفرض له ولأمثاله من بيت المال ما يكفيهم ويصلح شأنهم، وقال في ذلك: ما أنصفناه إذ أخذنا منه الجزية شابًا، ثم نخذله عند الهرم!
ومن عظمة هذه الدين أنه صان لغير المسلمين معابدهم ورعى حرمة شعائرهم، بل جعل القرآن من أسباب الإذن في القتال حماية حرية العبادة، وذلك في قوله تعالى: }أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40){. (الحج)

سادسا : رسالة دعوة ورحمة

لقد كانت رسالة الإسلام رحمة ودعوة في كل الأوقات حتي في أصعب الظروق
وهذا ما بينه الصحابي الجليل ربعي بن عامر رضي الله عنه وهو بين يدي رستم قائد
جيوش كسرى عندما سأله ما الذي جاء بكم إلينا فقال رضي الله عنه  (إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام)
ولو نظرنا إلي تاريخ الإسلام نجد عظمة هذا الدين واضحة جلية .....
فقال تعالي }وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190){ [البقرة].
وروى مسلم في صحيحه عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ () إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا )
وكان من وصايا أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأمرائه على الحرب قوله: (وستمرون على قوم في صوامع لهم احتبسوا أنفسهم فيها، فدعهم حتى يميتهم الله فيها على ضلالتهم، يا يزيد: لا تقتل صبيا ولا امرأة ولا صغيرا، ولا تخربن عامرا، ولا تعقرن شجرا مثمرا، ولا دابة عجماء، ولا بقرة ولا شاة إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلا ولا تغرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن)
وفي حرب الصليبيين لما انتصر المسلمون علي الصليبيين بقيادة الناصر صلاح الدين الأيوبي ،ظهرت عظمة هذا الدين ..
 بينما كان صلاح الدين سائرًا ذات يوم في بعض طرق مدينة بيت المقدس قابله شيخ من النصارى كبير السن، يعلِّق صليبًا ذهبيًّا في رقبته، وقال له: أيها القائد العظيم، لقد كُتِبَ لك النصرُ على أعدائك، فلماذا لم تنتقم منهم، وتفعل معهم مثل ما فعلوا معك؟
فقد قتلوا نساءكم وأطفالكم وشيوخكم عندما غزَوْا بيت المقدس؟
فقال له صلاح الدين: أيها الشيخ، يمنعني من ذلك ديني الذي يأمرني بالرحمة بالضعفاء، ويُحَرِّم عليَّ قتل الأطفال والشيوخ والنساء. فقال له الشيخ: وهل دينكم يمنعكم من الانتقام من قوم أذاقوكم سوء العذاب؟ فأجابه صلاح الدين: نعم، إن ديننا يأمرنا بالعفو والإحسان، وأن نقابل السيئة بالحسنة، وأن نكون أوفياء بعهودنا، وأن نصفح عند المقدرة عمَّن أذنب.
 فقال الشيخ: نِعْمَ الدين دينكم، وإني أحمد الله على أن هداني في أيامي الأخيرة إلى الدين الحقِّ.
ثم سأل: وماذا يفعل مَن يُريد الدخول في دينكم؟
فأجابه صلاح الدين: يُؤمن بأن الله واحد لا شريك له، وأن محمدًا صلي الله عليه وسلم عبده ورسوله، ويفعل ما أمر الله به، ويبتعد عما نهى الله عنه. وأسلم الرجل وحَسُن إسلامه، وأسلم معه كثير من أبناء قومه.

سابعا : الرسالة المحمدية منهج حياة متكامل لكل زمان ومكان :ـ

نزل القرآن الكريم وهو يَحوي منهاجَ حياة؛ ليسير عليه البشر، وييسِّر لهم أمور حياتهم، ويرشدهم إلى الطريق القويم، فكيف لا وهو منزَّل من عند خالقهم، العالِم بأمورهم وبما يصلح لهم!
ومما ميز الله عز وجل به هذا الكتاب السماويَّ أن جعَله صالحًا لكل زمان ومكان؛ لأنَّ الوحي سينقطع بعده، ولا أظنُّ أن البشر قادرون على مواصلة حياتهم بالشكل الأمثل دون الرجوع إليه؛ فهو الحل لكل مشاكلنا الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والروحية... إلخ. قال تعالى:} وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ(89) {النحل.
وقد قال الخليفة الأوَّل: )لو ضاع منّي عقال بعيرٍ لوجدتُه في كتاب الله(.
وكما فهمه الصحابة وتابعوهم بإحسان في خير قرون هذه الأمة ، والله لو سألني أحدكم عن شراك نعله لوجدته في كتاب الله
فالرسالة المحمدية فيها تبيانٌ وبيان تامٌّ لكلِّ ما يَحتاجه الإنسان في مسيرته في الحياة الدُّنيا؛ من عقيدةٍ صحيحة، وسلوكٍ قويم، وشريعةٍ مُحْكَمة، فلا حجَّة بعده لِمحتجٍّ، ولا عذر لمعتذر، فلا عقيدةَ أو سلوكًا أو شريعةً يَرضاها الله إلاَّ ما جاء فيه، ولا صلاح للفَرْد والمجتمع إلاَّ بهذه العقيدة والعبادة والسُّلوك، والشرع والحكم الإلهي التام الكامل المُنَزَّه عن الشبهات والهوى؛ فالله سبحانه الذي خلَق الإنسان، وهو من يبيِّن له ذلك وحده؛ ففيه بيانُ الأصول والعقائد والقواعد لكل شيء.
فالإسلام منهج حياة متكامل صالح لكل زمان ومكان فهو ينظم حياة الإنسان من أدق تفاصيلها وامتداداً إلى الشأن العام وبناء الدولة وتنظيم علاقاتها الدولية ببقية دول العالم.(بداية من نظافته الشخصية وأدب المائدة، وكيف يأكل ويتزوج ويعاشر زوجته امتدادا إلى بناء الدولة على أسس العدل والإحسان والأمانة والأخلاق والقيم والتشريعات، وتنظيم العلاقات الدولية ).
وقد أنكر الإسلام أشد الإنكار على من يأخذ من الدين ما يهوى، ويدع ما لا يوافق هواه، وينسى أن الإسلام كلٌّ لا يتجزأ، يقول الله جل وعلا:} إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) { [النساء].
وقد أمرنا سبحانه وتعالى بأن ندخل في الإسلام كله فقال تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) { البقرة.

العنصر الرابع : أثر الرسالة المحمدية علي العالم :ـ

لقد قدم المسلمون الأوائل الكثير للعالم كله فأسسوا أعظم حضاره عرفها التاريخ صاري يتغني بها الشعراء والأدباء
وهذ موقف آخر يؤكد عظمة الإسلام في احترام حقوق الآخرين ويعطي أعظم صورة للإسلام وهو في عز قوته ، نجده لم يتعالي ولم يتجبر علي الآخر ، بل يتعامل بالعدل والرحمة ...
كان قتيبة بن مسلم الباهلي رحمه الله في شرق الكرة الأرضية يفتح المدن والقرى ينشر دين الله في الأرض، ويفتح الله على يديه مدينة سمرقند، سنة 99 هـ.
افتتحها بدون أن يدعوَ أهلها للإسلام أو الجزية، ثم يمهلهم ثلاثاً كعادة المسلمين، ثم يبدأ القتال فلما علم أهل سمرقند بأن هذا الأمر مخالف للإسلام كتب كهنتها رسالة إلى سلطان المسلمين في ذلك الوقت وهو عمر بن عبد العزيز عليه رحمة الله، أرسلوا بهذه الرسالة أحد أهل سمرقند يقول هذا الرسول: أخذت أتنقّل من بلد إلى بلد أشهراً حتى وصلت إلى دمشق دار الخلافة فلما وصلت أخذت أتنقل في أحيائها وأُحدِّث نفسي بأن أسأل عن دار السلطان، فأخذت على نفسي إن نطقت باسم السلطان أن أؤخذ أخذاً فلما رأيت أعظم بناءٍ في المدينة، دخلت إليه وإذا أناس يدخلون ويخرجون ويركعون ويسجدون، وإذا بحلقات هذا البناء، فقلت لأحدهم أهذه دار الوالي؟
قال: لا، بل هذا هو المسجد؛ قال: صليت؟
 قال: قلت: وما صليت؟
 قال: وما دينك؟
 قال: على دين أهل سمرقند، فجعل يحدثني عن الإسلام حتى اعتنقته وشهدت بالشهادتين ,ثم قلت له: أنا رجل غريب أريد السلطان دلّني عليه يرحمك الله؟
قال أتعني أمير المؤمنين؟
 قلت: نعم، قال: اسلك ذلك الطريق حتى تصل إلى تلك الدار وأشار إلى دار من طين، فقلت: أتهزأ بي؟
 قال: لا ولكن اسلك هذا الطريق فتلك دار أمير المؤمنين إن كنت تريده، قال: فذهبت واقتربت وإذا برجل يأخذ طيناً ويسدّ به ثُلمة في الدار وامرأة تناوله الطين، قال: فرجعت إلى الذي دلّني وقلت: أسألك عن دار أمير المؤمنين وتدلّني على طيّان! فقال: هو ذاك أمير المؤمنين، قال: فطرقت الباب وذهبت المرأة وخرج الرجل فسلّم علي ورحّب بي وغسّل يديه, وقال: ما تريد؟
قلت: هذه رسالة من كهنة سمرقند فقرأها ثم قلبها فكتب على ظهرها, من عبد الله عمر بن عبد العزيز إلى عامله في سمرقند أن انصب قاضياً ينظر فيما ذكروا ثم ختمها وناولنيها, فانطلقت أقول: فلولا أني خشيت أن يكذبني أهل سمرقند لألقيتها في الطريق ماذا تفعل هذه الورقة وهذه الكلمات في إخراج هذه الجيوش العرمرم وذلك القائد الذي دوّخ شرق الأرض برمتها (يعني قتيبة بن مسلم) .
قال: وعدت بفضل الله مسلماً كلما دخلت بلداً صليت بمسجده وأكرمني أهله، فلما وصلت إلى سمرقند وقرأ الكهنة الرسالة أظلمت عليهم الأرض وضاقت عليهم بما رحبت ذهبوا بها إلى عامل عمر على سمرقند فنصّب لهم القاضي (جُمَيْع بن حاضر الباجي) لينظر في شكواهم ,ثم اجتمعوا في يوم وسألناه دعوانا فقلنا اجتاحنا قتيبة, ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا لننظر في أمرنا .
فقال القاضي: لخليفة قتيبة وقد مات قتيبة  رحمه الله  أنت ما تقول ؟
قال: لقد كانت أرضهم خصبة وواسعة فخشي قتيبة إن أذنهم وأمهلهم أن يتحصنوا عليه.
قال القاضي: لقد خرجنا مجاهدين في سبيل الله وما خرجنا فاتحين للأرض أشراً وبطراً.
ثم قضى القاضي بإخراج المسلمين على أن يؤذنهم القائد بعد ذلك وفقاً للمبادئ الإسلامية .
ما ظنّ أهل سمرقند أنّ تلك الكلمات ستفعل فعلها ما غربت شمس ذلك اليوم ورجل من الجيشالإسلامي في أرض سمرقند.
خرج الجيش كله ودعوهم إلى الإسلام أو الجزية أو القتال، فلما رأى أهل سمرقند ما لا مثيل له في تاريخ البشرية من عدالة تنفذها الدولة على جيشها وقائدها.
 قالوا: هذه أمة حُكمُها رحمة ونعمة، فدخل أغلبهم في دين الله وفُرضت الجزية على الباقين ( من كتاب روائع حضارتنا). 
وعن حضارة الإسلام يذكر الشاعر الباكستاني  محمد إقبال

كنا جبالا فوق الجبال وربما ... سرنا على موج البحار بحارا
بمعابد الإفرنج كان أذاننا ... قبل الكتائب يفتح الأمصارا
لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها ... سجداتنا والأرض تقذف نارًا

الخاتمة ..
هذه هي عالمية الرسالة المحمدية في أبهي صورة، وأعظم نموذج يحتذي فما أحوجنا إلي فهم الإسلام فهما صحيحا!!
هل يعي المسلمون محاسن هذا الدين ويحسنون عرضها على الآخرين ؟ 
وهل يفهم الآخرون حقيقة الإسلام ويدركون أنه دين يحسن التعامل مع جميع الناس ويقر لهم بحقهم في العيش الآمن المطمئن طالما أنهم يحترمون حقوق المسلمين ويعترفون بوجوده دينا أنزله الله تعالى ، ويفهمون أنه لم يكن يوما من الأيام يدعوا إلي العنف والتشدد والتطرف بل دين يدعوا إلي السماحة والرحمة وكل معاني الإنسانية .

 --------------------------
تحميل pdf

تحميل word


ليست هناك تعليقات: