وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير ..حرم السخرية والاستهزاء بالمسلم فقال تعالى } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(11){[الحجرات]
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) بين أن المسلم الكامل هو من سلم الناس من لسانه ويده فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي (ﷺ): }المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده{ ]رواه البخاري ومسلم[
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما ..
أما بعـد : فيا أيها المؤمنون
فإن الله تعالى خلق البشر جميعا من أصل واحد؛ وجعل معيار التفاضل بينهم التقوى والعمل الصالح، فلا يحق لأحد أن يفخر على غيره أو يتعالى عليه أو ينتقص منه أو يهينه أو يسبب له أذى فضلا عن أن يلحقه به أيا كان نوع ه جسدي أو لفظي أو معنوي و نفسي، قال تعالى } يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ (13){ ] الحجرات[
كما أنه تعالى خلق هذا الكون وما فيه لخدمة الإنسان وسخره له فلا ينبغي لأحد أن يعتدي على ما فيه من ماء أو شجر أو حجر أو حيوان ، و مع هذا فإننا ابتلينا بأناس اضمحل دينهم ، وضعفت أخلاقهم ، ونقصت تربيتهم فأصيبوا بمرض العجب، والفخر، والزهو، والتعالي، والاعتداء على محيطهم وما يحويه من إنسان وغيره ، فعمَّ آذاهم الجميع ، وضاقت الأرض على سعتها بقبح فعالهم وسوء خلقهم ، وانتشرت ظاهرة خطيرة بين الناس تعرف بالتنمر ، وقد امتد أثرها واستطار شرها حتى عانى منها قطاع عريض من بني الإنسان وغيره مما ينذر بكارثة تهدد جميع المخلوقات؛ لذلك كان موضوعنا عن }التنمر وأثره المدمر للفرد والمجتمع{ وذلك من حلال هذه العناصر الرئيسية التالية..
1ـ حقيقة التنمر .
2ـ نظرة الإسلام إلى التنمر.
3ـ أساس ظاهرة التنمر .
4ـ أسباب ظاهرة التنمر .
5ـ الآثار المترتبة على ظاهرة التنمر.
6ـ علاج ظاهرة التنمر.
7ـ الخاتمة.
العنصر الأول : حقيقة التنمر:
جاء في "معجم اللغة العربية المعاصرة ": تنمر الشَّخص: غضِب وساء خلقُه
وصار كالنَّمِر الغاضب، وتنمر لمنافسِه: تنكر له وأوعده.
وعليه فالتنمر الصادر من أي شخص يراد به : سوء الخلق والشراسة ،والتنكر والتغير، والتكشير ، وعبس الوجه، والوعيد وتمديد الصوت ، وشدة الحقد والغضب.
ومن خلال التعريف اللغوي نصل إلى إن هذه الكلمة تعنى : ممارسة ما فيه إساءة وأذى للآخر من ضرب وطعن أو سب وشتم أو تهديد ، ووعيد، واستفزاز ، وابتزاز أو سخرية واستهزاء أو تهكم وازدراء أو تكبر واحتقار أو غمز ولمز أو حتى اغتياب وتتبع لعورته أو تشويه له، وتغيير لحقائق الأشياء أو غيرها من أساليب التعدي والإيذاء التي لا يسلم منها إنسان أو غيره من المخلوقات.
العنصر الثاني : نظرة الإسلام إلى التنمر :
إن السلوك البشري العدواني مستقبح في الفطر السليمة، وما وظيفة الأديان إلا التأكيد على قبحه، والتوعد على فعله، والترغيب في البعد عنه.
وإذا كان العدوان مستقبحا كله، فإنه أشد ما يكون قبيحا وقت أن يكون على الضعيف في جسمه، أو الفقير في ماله، أو الصغير في سنه، أو المهيض في بنيانه، أو المبتلى في عقله، ولبشاعة العدوان حينئذ، ولخروج المعتدي حينئذ من إنسانيته إلى سلوك الحيوانات الضارية، أسماه الناس باسم خاص به، فأطلقوا عليه " التنمر"
التنمر صورة مصغرة من الاحتلال ، والاستبداد ، والبلطجة الاجتماعية ، فالمشترك في كل هذه الظواهر العدوانية، هو اعتداء القوي على الضعيف.
فالإسلام رفض التنمر بكل أشكاله وصوره فنهي عن السخرية والاستهزاء ونهى عن اللمز والهمز والتنابز بالألقاب فقال تعالى } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(11){[الحجرات]
وتوعد بالويل والهلاك لمن ينال من المسلم سواء بالهمز واللمز فقال تعالى }وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ (1) { ] الهمزة[
وقد حذّر النبيّ (ﷺ) من إلحاق الضرر بالآخرين؛ حتى أنّه حذّر من يتعرّض لجاره بالأذى بعدم دخوله الجنّة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله (ﷺ) قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه» . وفي رواية: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» .
وبينت السنة النبوية المشرفة أن من صفات المسلم الأساسية أن يسلم الآخرون من أذاه، بل جعلت السنة هذه الصفة لأهميتها تعريفا للمسلم، بحيث لا تنفك عنه، ولا ينفك عنه، وإلا لما استحق وصف المسلم، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي (ﷺ): }المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده{ ]رواه البخاري ومسلم[
وقد حرم الإسلام الإيذاء والاعتداء ولو بكلمة أو نظرة، فقال تعالى:}وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(190){ [البقرة]
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ):}لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ{ ]أخرجه ابن ماجه[،
والضرر الذي وجه الإسلام لإزالته ليس الجسدي فقط، وإنما وجَّه كذلك لإزالة الضرر النفسيّ الذي قد يكون أقسى وأبعد أثرًا من الجسدي، قال (ﷺ):}لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا{ ]أخرجه أبو داود[
وقال أيضًا: }مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ أي: وَجَّهَ نحوه سلاحًا مازحًا أو جادًا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ{ ]أخرجه مُسلم[.
ولم يقتصر النهي على هذا فقط، بل نهى الإسلام كذلك عن خداع الناس المُؤدِّي إلى إخافتهم وترويعهم ولو على سبيل المزاح ، قال (ﷺ):}لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا، وَلَا جَادًّا{ ]أخرجه أبو داود[ .
ولا يخفى أن الاستهزاء المستمر من شخص، أو خِلْقَتِه، أو اسمه، أو مجتمعه يسبب له جرحًا نفسيًّا عميقًا قد يستمر معه طوال عمره، وقد يدفعه إلى كراهية المجتمع، أو التخلص من حياته ؛ مما يجعل حكم هذه الممارسات هو الحرمة، وحكم مواجهتها هو الوجوب.
العنصر الثالث: أساس ظاهرة التنمر:
من يتأمل التاريخ البشري من مبدأه وحتى وقتنا هذا من مصادره المختلفة لا سيما القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يلحظ أن ظاهرة التنمر قديمة بداية من لدن سيدنا آدم عليه السلام ، فقد حكى لنا القرآن ما حدث بين ابني آدم هابيل وقابيل، حيث تنمر قابيل على أخيه هابيل ، فحسده ، وتوعده، وتهدده بالقتل ، ثم قتله ، وقد صور الله تعالى لنا هذه الجريمة في كتابه الكريم فقال تعالى:}وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ (27){ ] المائدة[
وبينها النبي (ﷺ) في لنا في معرض الذم لها والتحذير منها فقال فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ):}لا تُقَتلُ َنْفس ظُلما إِلَّا َ كان على ابنِ آدم الأَولِ كِفلٌ مِن دمِها، لِأَنَّه أَولُ من سن الَقْتلَ{ ] متفق عليه[
وفي المجمل كان هناك تنمر تجاه أنبياء الله ورسله من أقوامهم؛ فقد كذبوهم ، وانتقصوا منهم ، وأساءوا لهم ، واعتدوا عليهم بالسب ، والضرب ، والتهجير ، وأحيانا بالقتل، وقد بين الله تعالى هذا حين قال في كتابه العزيز مخاطبا بني إسرائيل قال تعالى: }وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ (87){ ] البقرة[
وقبل الإسلام كان هناك تنمر من بعض العرب على بعض؛ فتنمر القوي منهم على الضعيف والسيد على العبد ، بل تنمر الأعلى منهم نسبا على الأقل نسبا حتى أُثر عن عمرو بن كُلثُومٍ الَتغلِبِي قوله:
ونشرب إن وردنا الماء صفواً ويشرب َ غيرنا كَدراً وطِيَنا
وقد بلغت ذروة هذا التنمر من مشركي مكة تجاه النبي الكريم (ﷺ) عندما أوحي إليه فقد أنكروا نبوته (ﷺ) فقره ويتمه مع وجود الأشراف أصحاب الجاه، والأولاد، والأموال كما يدعون حتى قال أحدهم كما حكى القرآن عنه} وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنَ ٱلۡقَرۡيَتَيۡنِ عَظِيمٍ (31){ ] الزخرف[
، ثم تتابعت أشكال التنمر منهم من إيذاء بالفعل أو إساءة باللسان نالت منه (ﷺ) ومن أصحابه رضي الله عنهم الكرام ، وبعد انتقاله إلى المدينة لم ينقطع التنمر تجاه النبي (ﷺ) وأصحابه بل انضم إلى قافلة المسيئين للنبي (ﷺ) طوائف اليهود في المدينة يعاونهم في ذلك قطعان المنافقين .
وقد أخذ التنمر قديما وحديثًا طوراً أوسع وشكلا أكبر تمثل في اعتداء دول على دول أخرى كما حدث قبل الإسلام من اعتداءات الرومان ، والإغريق، والفرس بعضهم على البعض من ناحية وعلى غيرهم من الدول والمجتمعات من ناحية أخرى، وبعد الإسلام لا سيما في زمن انحسار قوته ظهر التنمر في أقبح صوره ، وأفظع أشكاله من دول أوربا فيما عرف بالحروب الصليبية ؛ فقد تكالبت هذه الدول في نهاية القرن الخامس الهجري على المشرق الإسلامي وعاثت فيه فسادا قتلًا ، وتشريدا، وتنكيلاً، ثم لحقت بها قطعان المغول في مطلع القرن السابع الهجري وفاقتها همجية ووحشية ، وقد حدث هذا بالتوازي مع ما تعرض له المغرب الإسلامي في بلاد الأندلس من فظائع لم يعرف لها التاريخ مثيلاً على أيدي الإفرنج ، ثم تجدد هذا في العصر الحديث من تعرض المشرق والمغرب على حد سواء لمثل هذا من الدول الأوربية
حتى يومنا هذا ، و فلسطين وغيرها خير شاهد ودليل على ذلك .
العنصر الرابع : أسباب ظاهرة التنمر:
لا شك أنه ما من ظاهرة اجتماعية أو غيرها إلا ولها أسباب أدت إلى ظهورها وانتشارها ، وظاهرة التنمر كغيرها من الظواهر لها أسباب لولاها ما وجدت وما
كُتِب لها البقاء فلابد من الوقوف على أسبابها وعوامل انتشارها من هذه الأسباب..
1ـ ضعف الجانب الديني والأخلاقي والتربوي لدى المتنمر:
من يتأمل حال المتنمرين يجد أن أغلبهم قد جهل التعاليم الدينية النبيلة التي تحول بينهم وبين هذا السلوك المشين، والبعض الآخر لم يتلق القدر الكافي من التربية السليمة التي تصده عن إيذاء غيره وإلحاق الضرر به ، والقدر الباقي قد تجرد من الحد الأدنى من الأخلاق الحميدة التي تنهاه عن الإساءة والتعدي، فمن كان على دين أو خلق أو عنده قدرا من التربية استحيا من التعرض للغير والتنمر عليه ، ومن فقد ذلك طال أذاه كل شيء ولحق ضرره كل حي وغير حي وقد بين النبي (ﷺ) أن الإيمان يمنع صاحبه من الإساءة للآخر والتعدي عليه ويوجب عليه حفظ حقه وأن يراقب الله في َ خلقه، فعن أَبِي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ) }من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرمْ ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقلْ خيراً أو ليسكت{ ]متفق عليه[.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ) }ليس المُؤمِنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ ولا البَذيءِ{ ] أخرجه الترمذي وأحمد [
وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ) }إنَّ ممَّا أدرك النَّاسُ من كلامِ النُّبوَّةِ الأولَى : إذا لم تستحْيِ فاصنَعْ ما شئتَ{ ] البخاري[
فالحياء هو المانع عن اقتراف القبائح، والاشتغال بمنهيات الشرع، ومستهجنات العقل، فمن لا يستحي من الله ولا من الخلق كان مطلقا خليع العذار، لا وازع له، ولا مانع من أن يفعل ما يشاء.
2ـ التباين في الخلقة :
أحيانا قد يكون الاختلاف في لون البشرة ، والشكل ، والملا مح ، وبعض الصفات الجسدية من طول أو قصر أو إعاقة أو مرض أو غيرها مدعاة للتنمر.
3ـ التباين في العرق والنسب:
قد يدفع اختلاف العرق والتفاوت في النسب أفراًد أو جماعات أو حتى دولًا للتنمر على الغير والتعرض له بالأذى والتعالي عليه حمية، وأنفًة، و كبرا، وتفاخرا، فيكثِر من التعدي عليه ، ويكره المعاملة معه على اختلافها سواء كان مصاهرة أو مزاملة أو غيرهما ، والتعامل على أساس العرق والنسب كان موجودا في الجاهلية وصدر الإسلام عند بعض المسلمين لكن النبي (ﷺ) هذَّبه وقومه مثلما فعل مع أصحابه الكرام .
4ـ التباين في الغنى والقوة :
فكثيرا ما يكون غنى الشخص وتمتعه بالقوة مدعاة للتنمر على الغير ، وقد يتعدى هذا الأمر الأشخاص إلى الدول والجماعات ، فنجد الغني أو القوي لا يأبه بالفقير أو الضعيف ولا يعيره اهتماما بل على العكس من ذلك تجده يفخر عليه ، وينتقص منه ويحتقره ، ويزدريه ويضربه، ويظهر هذا جليا عندما يتواجد شخص يبدو عليه الفقر أو الضعف أو الحاجة في مكان يوصف كذبا بالرقي والتمدن أو وسط أشخاص يوصفون بذلك زورا وبهتانًا، وغالبا ما تكون الإساءة بسبب القوة والغنى تجاه العمال والخدم ، وقلما يسلم من هذا الأمر أحد ، غير أن هناك من يتخذه دأبا ومنهجا .
5ـ التباين في الدين والمذهب :
قد يكون اختلاف الدين أو المذهب أو الرأي سببا لتنمر البعض على الآخر ،ومعه نجد غالبا أن لغة الانتقاص ، والازدراء، والاتهام بالنقائص هي السائدة، ويظهر هذا جليا في ما نشاهده من صراعات بين أصحاب الدين أو المذهب الواحد نتيجة اختلافهم في مسائل معينة ، ويشتد التنمر بين أصحاب المذهب الواحد أو العقيدة الواحدة مع غيرهم ، وما حدث من المشركين واليهود تجاه النبي (ﷺ) وأصحابه الكرام لهو خير دليل وأوضح شاهد على ذلك.
6ـ ارتكاب خطأ ما أو التقصير في فعل مطلوب:
7ـ حالة نفسية يمر بها المتنمر.
8ـ غياب العقاب المناسب.
9ـ غياب القدوة الصالحة.
10ـ المزاح :
لا شك أن المزاح لأي سبب من الأسباب قد يؤدي في بعض الأحيان إلى إلحاق الأذى الجسدي والضرر النفسي بالآخرين، وقد سجلت لنا السنة المطهرة
بعض مواقف المزاح التي لم تخلو من هذا مؤكدة نهي النبي (ﷺ)عنها ، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب محمد (ﷺ) أنَّهم كانوا يسيرون مع النَّبيِّ (ﷺ) فنام رجلٌ منهم فانطلق بعضُهم إلى حبلٍ معه فأخذه ففزِع فقال رسولُ اللهِ (ﷺ) }لا يحِلُّ لمسلمٍ أن يُروِّعَ مسلمًا{ ] صحيح أبو داود[
العنصر الخامس : الآثار المترتبة على ظاهرة التنمر :
لا شك أن التنمر له آثارا سلبية خطيرة على المدى القصير والبعيد يعاني منها الجميع فرد اً كان أو مجتمعاً أو حتى دولاً؛ فهو يسبب أضراراً بدنية ، ونفسية، وسلوكية، وصحية ، وتعليمية، واجتماعية ، ودينية، وبيئية لا يسلم منها المتنمر والمتنمر عليه على حد سواء، وبيانها كما يلي:
أولا : الآثار التي تنال المتنمر عليه :
وأبرز الآثار السلبية التي يعاني منها المتنمر عليه ما يلي:
١- فشله وإخفاقه:
الفشل بجميع أنواعه مدرسي، وعملي، وغيرهما مع العجز عن تحقيق أي إنجاز، لأن في التنمر إعانة للشيطان عليه، وإضعاف لمجاهدته له ،وهذا يؤدي للتسليم ، والانهزام، والفشل في كل شيء ، وفقدان الثقة في النفس، فلا يشعر بقيمة نفسه وأهمية دوره ووجوده في الحياة ، مع إهماله لحقوقه، وتنازله عنها، وترك المطالبة بها والسعي في تحقيقها.
ولذا حذر النبي (ﷺ) من التنمر، وما يؤدي إليه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : }أُتِيَ النَّبيُّ (ﷺ) برَجُلٍ قدْ شَرِبَ، قَالَ: اضْرِبُوهُ قَالَ أبو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بيَدِهِ، والضَّارِبُ بنَعْلِهِ، والضَّارِبُ بثَوْبِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ القَوْمِ: أخْزَاكَ اللَّهُ! قَالَ: لا تَقُولوا هَكَذَا؛ لا تُعِينُوا عليه الشَّيْطَانَ{ ] البخاري[.
٢- تخليه عن محاسن الأخلاق وجميل العادات:
يؤدي به إلى العنف، والتمرد، والإدمان، وفقدان الثقة في الغير ، فلا يقبل منه نصحاً ، ولا يسمع له رأياً ، ولا يجيب له طلباً، ويؤدي إلى كراهيته لما حوله من مؤسسات، وأفراد، ومجتمعات.
فالتنمر يحمل المتنمر عليه على رد الإساءة والأذى الذي تعرض له بأي طريقة كانت ، فلا يرحم صغيراً ولا يوقر كبيراً ، ولهذا حذر النبي (ﷺ) من سب الرجل لأبي غيره وشتمه لأنه سيقابل بفعله وزيادة عليه؛ فعن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو َقال: قالُوا:} يا رسول اللهِ إنَّ مِن أكبَرِ الكَبائِرِ أنْ يَلعَنَ الرجُلُ والِدَيه قالوا يا رسولَ اللهِ وكيفَ يَلعَنُ الرجُلُ أبَوَيه ؟ قال: يَسُبُّ الرجُلُ الرجُلَ فيَسُبُّ أباه ويَسُبُّ الرجُلُ أُمَّه فيَسُبُّ أُمَّه{ ] البخاري ومسلم[
3ـ اضطراب في حياة المتنمر عليه :
اضطراب في نومه، وأكله ، وسلوكه ، وكلامه ، وصحته، وتعلمه ، وعلاقاته مع غيره لا سيما الأطفال منهم ،والعزلة، والانطوائية، وعدم التواصل مع الأخرين مع الشعور بالتمييز والتفرقة، ويؤدي إلى الاكتئاب، والإحباط، والقلق، والتوتر المصحوب بالهجرة والهروب. فعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال : استَبَّ رجُلانِ عندَ النَّبيِّ (ﷺ) ونحنُ عندَه جلوسٌ وأحدُهما يسُبُّ صاحبَه مغضَبًا قد احمَرَّ وجهُه فقال رسولُ اللهِ (ﷺ): }إنِّي لَأعلَمُ كلمةً لو قالها لذهَب عنه ما يجِدُ: أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ ) فقالوا للرَّجُلِ: ألا تسمَعُ ما يقولُ رسولُ اللهِ(ﷺ) قال: إنِّي لَسْتُ بمجنونٍ{ ] ابن حبان في صحيحه[
٤- انحرافه و فساده في أمور معاشه ومعاده:
يصل التنمر بالشخص إلى التخلص من حياته فيقدم على الانتحار وتعريض النفس للأخطار. فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ) }إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ الناسِ ؛ أَفْسَدْتَهُمْ ، أوْ كِدْتَ أنْ تُفْسِدَهُمْ{ ]أبو داود[
ثانيا : الآثار التي تنال المتنمر نفسه :
اقتضت حكمة الله تعالى وعدالته أن يكتوي المتنمر بفعلته وأن يعاني من آثارها وأن يقاسي ويلاتها وأن يحرم من الهدوء ، والاستقرار، والراحة التي حرمها غيره ، ولذا فإن معاناته تكون أشد وأنكى لأنها تلاحقه في الدنيا والآخرة، وأهم تلك الأثار ما يلي:
١- خروجه من طاعة الله تعالى ودينه:
وإذا كان المتنمر بعيداً عن طاعة الله خارجا عن دينه فلا راحة له في الدنيا والآخرة؛ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ) }سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وقِتَالُهُ كُفْرٌ{ ] البخاري ومسلم[
٢- خروجه عن طريق النبي(ﷺ) والبعد عن هديه:
وإذا بعد المرء عن طريق النبي الكريم (ﷺ) وانحرف عن هديه تخبط في الضلال ، والعنت، والشقاء ،فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ﷺ) }ليسَ منَّا من لَم يَرحَمْ صغيرَنا ، و يعرِفْ حَقَّ كَبيرِنا{ ] أخرجه أبو داود[
3ـ النقص في إيمانه :
ونقص الإيمان قد يؤدي لفقده وضياعه بالكلية ، وإذا ضاع الإيمان ضاع معه الدنيا والآخرة، فعن أَبِي هريرة رضي الله عنه قال : رسول الله (ﷺ)}أَكملُ المؤْمِنِين إِيمانًا أَحسنُهم خُلُقًا، و خيركُم َ خيركُم لنسائهم{ ]أخرجه الترمذي[
4ـ ذهاب حسناته وضياع أعماله :
وبطلان الأعمال وضياع الحسنات لا يكون إلا من الحمقى والجهلاء لأنهم يلقون بأنفسهم إلى النار؛ فعن أَبِي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول (ﷺ):}أتَدرونَ ما المُفلِسُ ؟ إنَّ المُفلسَ من أُمَّتي مَن يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ ، وزكاةٍ ، ويأتي وقد شتَم هذا ، وقذَفَ هذا ، وأكلَ مالَ هذا ، وسفكَ دمَ هذا ، وضربَ هذا ، فيُعْطَى هذا من حَسناتِه ، وهذا من حسناتِه ، فإن فَنِيَتْ حَسناتُه قبلَ أن يُقضَى ما عليهِ ، أُخِذَ من خطاياهم ، فطُرِحَتْ عليهِ ، ثمَّ طُرِحَ في النَّارِ{ ]أخرجه مسلم[
5ـ البغض من الله تعالى :
وإذا باء العبد بغضب من الله جل في علاه فماذا بقى له ليركن إليه؟
وأي طوق نجاة ينتشله مما وقع فيه ووصل إليه؟ عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): }ما من شيءٍ أثقلُ في ميزانِ المؤمنِ يومَ القيامةِ من خُلقٍ حسنٍ وإنَّ اللهَ يُبغضُ الفاحشَ البذيءَ{ ]أخرجه الترمذي[
6ـ غضب الله تعالى:
وغضب الله تعالى على العبد هو الهلاك المحقق والفناء المؤكد والعذاب الذي لا نجاة بعد ه ؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله (ﷺ):}من تعظَّم في نفسِه أو اختال في مِشيتِه ، لقيَ اللهَ تبارك وتعالى وهو عليه غَضبانُ ]{البخاري [
7ـ اللعن من الله ورسوله (ﷺ) والملائكة والناس أجمعين:
أي الحرمان والطرد من رحمته تعالى ،وهذا مصير الأشقياء الذين لم يرحموا غيرهم ولم يرفقوا بهم من إنسان أو طير أو حيوان أو جماد ؛ فعن أبي هريرة رضي الله قال: قال رسول الله (ﷺ): }مَنْ أشارَ إلى أخيهِ بحديدَةٍ ، فإِنَّ الملائِكَةَ تلْعَنُهُ ، وإِنْ كانَ أخاهُ لأبيهِ وأُمِّهِ{ ]أخرجه مسلم[
8ـ الفضيحة في الدنيا :
فمن يتنمر على غيره بقصد فضحه ، والتشهير به ،وتشويهه يفضحه الله تعالى في الدنيا بسوء قصده وقبح عمله؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : }صعد رسولُ اللهِ (ﷺ) المنبر فنادَى بصوتٍ رفيعٍ فقال يا معشرَ من أسلمَ بلسانهِ ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبهِ ، لا تُؤذُوا المسلمينَ ولا تُعيّروهُم ولا تَتّبعوا عوراتهِم ، فإنه من يتبِعْ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَهُ ، ومن يتبعِ اللهُ عورتهُ يفضحْه ولو في جوفِ رحلهِ{ ] أخرجه الترمذي[
9ـ الحرمان من مرافقة النبي (ﷺ) والقرب منه :
فمصاحبة النبي (ﷺ) شرف لا يناله إلا من حسُن عمله واستقام عمله ومنع عن الغير أذاه وشره ، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): }إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا ، وإنَّ مِن أبغضِكُم إليَّ وأبعدِكُم منِّي يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ والمتشدِّقونَ والمتفَيهِقونَ، قالوا : يا رسولَ اللَّهِ، قد علِمنا الثَّرثارينَ والمتشدِّقينَ فما المتفَيهقونَ ؟ قالَ : المتَكَبِّرونَ{ ] الترمذي[
10ـ الحرمان من دخول الجنة :
فالجنة جعلها الله تعالى لمن تواضع لغيره ورق لهم ورفق بهم وأحسن معاملتهم أما من ففقد ذلك حرم عليها وحرمت عليه، فعن حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه قال : قال رسول الله } أَلَا أُخْبِرُكُمْ بأَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لو أقْسَمَ علَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، ألَا أُخْبِرُكُمْ بأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ{ ] أخرجه البخاري[.
11ـ أنه يكون في شر منزلة عند الله يوم القيامة :
فالمتنمر لا يكون له قبول بين الناس في الدنيا ويوم القيامة يكون في أقبح درجة وأسوء مكانة وهذه أشد وأنكى ؛فعن عائشة رضي الله عنها قالت : أنَّهُ اسْتَأْذَنَ علَى النبيِّ (ﷺ) رَجُلٌ فَقالَ: ائْذَنُوا له، فَبِئْسَ ابنُ العَشِيرَةِ أوْ بئْسَ أخُو العَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ ألَانَ له الكَلَامَ، فَقُلتُ له: يا رَسولَ اللَّهِ، قُلْتَ ما قُلْتَ، ثُمَّ ألَنْتَ له في القَوْلِ؟ فَقالَ: أيْ عَائِشَةُ، إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَن تَرَكَهُ أوْ ودَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ{ ]البخاري[.
فالتنمر يدمر المجتمع كله لأن أمن الفرد من أمن وسلامة المجتمع ، لأنه يؤدي إلى تفشي الأمراض النفسية مما يؤدي إلى البطالة وكثرة العاطلين في المجتمع ، وانتشار الجريمة ، وهذا يؤدي إلى زيادة الاستهلاك وقلة الانتاج .
العنصر السادس : علاج ظاهرة التنمر:
حارب الإسلام التنمر ونهى النبي (ﷺ) عن كل ما يؤدي إليه ومقت من يفعله وتوعده إن أقدم على شيء من أشكاله ، وأتبع ذلك ببيان الوسائل التي تقلل منه أو تقضي عليه ، وعلاج التنمر جزء منه يتعلق بالمتنمر، وجزء آخر يتعلق بالمتنمر عليه، وجزء ثالث يتعلق بالمجتمع الذي يعيشان فيه.
1ـ تقوية الوازع الديني لدى المتنمر ومعرفة أن التفاضل بين الناس ليس بالأصل ولا بالحسب ولا بالنسب ولا بالجاه ولا بالمال وإنما التفاضل بالتقوى والعمل الصالح ، قال تعالى } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(11){[الحجرات]
روي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يجتني سواكًا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله (ﷺ):} مم تضحكون؟»، قالوا: يا نبي الله من دقة ساقيه، فقال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ{
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ)}رُبَّ أشعثَ أغبرَ ذي طِمرَينِ ، مُصفَحٌ عن أبوابِ النَّاسِ ، لو أقسمَ على اللهِ لأَبرَّهُ{ ] أخرجه الطبراني[
وذكر الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه " صفة الصفوة "
يقول مالك بن دينار رحمه الله : دخلت البصرة يوما فوجدت الناس قد اجتمعوا في المسجد الكبير يدعون الله من صلاة الظهر إلى صلاة العشاء لم يغادروا المسجد فقلت لهم ما بالكم؟
فقالوا : أمسكت السماء ماءها وجفت الأنهار ونحن ندعوا الله ان يسقينا فدخلت معهم يصلون الظهر ويدعون، والعصر ويدعون، والمغرب ويدعون، والعشاء ويدعون..ولا تمطر السماء قطره ، خرجوا ولم يستجب لهم.
يقول: ثم ذهب كل منهم إلى داره وقعدت في المسجد ولا دار لي .
فدخل رجل أسود اللون أفطس الأنف أي صغير الأنف، أبجر البطن أي كبير البطن..
عليه خرقتان ،ستر عورته بواحدة وجعل الأخرى على عاتقه .
فصلى ركعتين ولم يطل، ثم التفت يمينا ويسارا ليرى أحدا فلم يراني، فرفع يديه إلى القبلة وقال؛ إلهي وسيدى ومولاي حبست القطر عن بلادك لتؤدب عبادك، فأسالك يا
حليما ذا أناه، يامن لا يعرف خلقه منه إلا الجود ان تسقيهم الساعة الساعة الساعة..
يقول مالك فما أن وضع يديه إلا وقد أظلمت السماء وجاءت السحب من كل مكان فأمطرت كأفواه القِرب .
يقول فعجبت من الرجل، فخرج من المسجد فتبعته فظل يسير بين الأزقة والدروب حتى دخل داراً ، فما وجدت شيئاً أعلّم به الدار إلا من طين الأرض فأخذت منها وجعلت على الباب علامة..
فلما طلعت الشمس تتبعت الطرق حتى وصلت إلى العلامة فإذا هو بيت نخّاس يبيع العبيد.. فقلت يا هذا إني أريد أن أشترى من عندك عبدا.. فأراني الطويل والقصير والوجيه.. فقلت: لا لا اما عندك غير هؤلاء؟ فقال النخاس: ما عندي غير هؤلاء للبيع .
يقول مالك: وأنا خارج من البيت وقد أيست رأيت كوخاً من خشب بجوار الباب فقلت: هل في هذا الكوخ من أحد؟ فقال النخاس: من فيه لا يصلح!! أنت تريد أن تشترى عبداً ، ومن في هذا الكوخ لا يصلح .
فقلت: أراه!! فأخرجه لي، فلما رأيته عرفته، فإذا هو الرجل الذى كان يصلى بالمسجد البارحة ، قلت للنخاس: أشتريه، فأجابني: لعلك تقول غشّني الرجل.. هذا لا
ينفع في شيء. هذا لا يصلح في شيء.. فقلت: أشتريه.. فزهد في ثمنه وأعطاني إياه..
فلما استقر بي المقام في بيتي رفع العبد رأسه إلي وقال: يا سيدى لم اشتريتني؟
إن كنت تريد القوة فهناك من هو أقوى منى! وإن كنت تريد الوجاهة فهناك من هو أبهى منى! وإن كنت تريد الصنعة فهناك من هو أحرف مني فلم اشتريتني؟
قلت: يا هذا، بالأمس كان الناس في المسجد وظلت البصرة كلها تدعو الله من الظهر إلى بعد العشاء ولم يستجب لهم.، وما إن دخلت أنت ورفعت يديك إلى السماء ودعوت الله واشترطت على الله حتى استجاب الله لك وحقق لك ما تريد!
فقال العبد: لعله غيرى؟ وما يدريك أنت لعله رجل آخر؟ فقلت: بل هو أنت ، فقال العبد أعرفتني؟ فقلت نعم. فقال: أتيقنتني؟ فقلت نعم.
فيقول مالك: فوالله ما التفت إلي بعدها، إنما خرّ لله ساجداً فأطال السجود، فانحنيت عليه فسمعته يقول: يا صاحب السر إن السر قد ظهر فلا أطيق حياةً بعدما اشتهرا
ففاضت الروح الى بارئها .
2ـ بيان حرمة التعرض للغير والاعتداء عليه والنيل منه :
فإذا ما علم المتنمر أن التعرض للغير بالأذى فعل محرم يعاقب عليه امتنع عن ممارسته وانتهى عنه، وقد أكد النبي (ﷺ)هذا المعنى أكثر من مرة منها فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ) }لا تحاسَدُوا ، ولا تناجَشُوا ، ولا تباغَضُوا ولا تدابَرُوا ، ولا يبِعْ بعضُكمْ على بيعِ بعضٍ ، وكُونُوا عبادَ اللهِ إخوانًا ، المسلِمُ أخُو المسلِمِ ، لا يَظلِمُهُ ولا يَخذُلُهُ ، ولا يَحقِرُهُ ، التَّقْوى ههُنا – وأشارَ إلى صدْرِهِ – بِحسْبِ امْرِئٍ من الشَّرِّ أنْ يَحقِرَ أخاهُ المسلِمَ ، كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ ، دمُهُ ، ومالُهُ ، وعِرضُهُ{ ] أخرجه البخاري[
3ـ بيان أن تعيير الغير والانتقاص منه بقصد أذاه والإساءة إليه من أخلاق الجاهلية المنكرة التي قضى عليها الإسلام وحث على التخلي عنه ا في مناسبات عدة منها ، عن اْلمعرور بنِ سويدٍ َقالَ: مررَنا بِأَبِي َ ذ ر بِالربذةِ وعليهِ برد وعلى غُلامِهِ
مِثلُه، َفقُلَنا: يا أَبا َذر َلو جمعت بيَنهما َ كاَنت حلَّةً، َفَقالَ: إِنَّه َ كان بينِي وبين رجلٍ مِن إِخوانِي َ كَلام وكاَنت أُمه أَعجمِيةً، َفعيرتُه بِأُمهِ، َفشكانِي إِلى النبيُّ (ﷺ): فَلقِيتُ النَّبِي (ﷺ): فَقالَ لي :} يا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ{.] أخرجه مسلم[
4ـ معرفة أنه لا عصمة لأحد من الخلق كائنا من كان خلا أنبياء الله تعالى وبالتالي فلا داعي للنيل من المذنب أو المقصر وإنما يٌعرَّف خطأه ويحذر منه أو يعاقب عليه دون تقليل منه أو إساءة له ، وهذا ما سلكه النبي الكريم(ﷺ) مع المذنب وأمرنا به و دلنا عليه، فقد سمع النبي (ﷺ) رجلا يقول لآخر أقيم عليه حد الخمر : أَخزاك اللَّه فَقالَ (ﷺ): }لا تَكُونُوا عَوْنَا الشَّيْطَانِ علَى أخِيكُمْ{.
5ـ دور الأسرة :
فمسؤولية الأهل توعية أبنائهم عن التنمر، وأثره السلبي على كلا الطرفين المتنمِر والمتنمَر عليه.
وكف الوالدين عن ممارسة العنف والعدوانية داخل الأسرة سواء كان أطفالها يمارسون التنمر أم لا، وإبعاد الأولاد عن مشكلاتهم، والقيام بدور الأسرة تجاه أولادهم، وغرس قيم التواضع والحلم وحب الآخرين في الطفل منذ صغره، قال رسول الله (ﷺ): }وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ{
]أخرجه مسلم[،
و تربية الطفل منذ صغره على توقير الكبير والعطف على الصغير، قال رسول الله (ﷺ): }مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا{ ]سنن أبي داود[.
والأسرة دورها رقم واحد في مواجهة ظاهرة التنمر ، فلكلٍ دوره ،فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله (ﷺ):} كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولدِهِ وهي مسؤولةٌ عنهم وعبدُ الرجلِ راعٍ على بيتِ سيدِهِ وهو مسؤولٌ عنهُ ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ { ] البخاري ومسلم[
6ـ التنشئة الاجتماعية السليمة للطفل منذ الصغر.
7ـ المتابعة المستمرة لسلوك المراهقين داخل المدارس ،والمساواة بين الطلاب في أماكن التعلم، وعدم التمييز بينهم إلا لمكافئة على عمل، أو تخلُّق بخلق حسن.
8ـ وضع قوانين صارمة لكل من يمارس التنمر بكل أشكاله ضد الآخرين.
9ـ إبعاد الطفل عن مشاهدة العروض والمشاهد التلفزيونية العنيفة، بما في ذلك أفلام الكرتون وألعاب الفيديو التي تنمي العنف.
10ـ غرس قيمة الثقة في النفس عند الطفل، وتنمية مهاراته الاجتماعية.
11ـ إيجاد بيئة اجتماعية جيدة للطفل من خلال انتقاء صحبة صالحة تعينه على فعل الخير، وحسن الخلق، قال رسول الله (ﷺ): }مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ وَكِيرِ الحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ المِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً{ ]أخرجه البخاري[ .
12ـ تقويم الطفل وعدم تبرير أخطائه حتى لا يختل ميزان الخطأ والصواب لديه، مع مراعاة الرفق واللين، قال رسول الله (ﷺ): }إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ{ ]أخرجه مسلم[.
13ـ إرشاد الطلاب إلى أن القوة تكمن في ضبط النفس، والتَّحلِّي بالصبر عند مواجهة الفعل الخاطئ، وتدعيم ذلك الأمر من خلال مقررات دراسية وأساليب تربوية، قال رسول الله (ﷺ): }لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ{ ]أخرجه البخاري[.
وفي الختام نؤكد على أن هذا الحرص والتشديد على عدم التنمر على الآخرين؛ إنّما هو لحماية المجتمع
المسلم من هذه الظاهرة، وما لها من آثار سلبية تعود على الفرد والمجتمع.
رابط pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق