16 سبتمبر 2018

الإسلام والعلم





الحمد لله رب العالمين، الذي شرف أهل العلم ورفع منزلتهم على سائر الخلق،فقال تعالي }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ (11){ [المجادلة].  
               
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .... قرن أهل العلم بذاته العلية وملائكته الكرام في الشهادة بوحدانيته والإقرار بعدالته فقال تعالي }شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ (18){ [آل عمران]. 

وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله صلي الله عليه وسلم .. حث علي طلب العلم ..
فعَنْ أَبي الدَّرْداءِ، رضي الله عنه ، قَال: سمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صلي الله عليه وسلم، يقولُ: منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضًا بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ. رواهُ أَبُو داود والترمذيُّ. 

فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين . 

أما بعد :ـ فيا أيها المؤمنون.. 

  إن الاسلام الحنيف دعا إلي العلم والمعرفة وإعمال العقل ،وقد بدا ذلك واضحا مع أول آيات القرآن نزولا في سورة العلق فقال تعالي }اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5){ العلق .
لذلك لزاما علينا أن نتكلم عن (الإسلام والعلم)  ويتناول هذه العناصر الرئيسية التالية ...

1ـ حاجة الناس إلي العلم والمعرفة .

2ـ منزلة العلم والعلماء في الإسلام. 
                                                                                               
3ـ أخلاق طالب العلم .  

4 ـ أخلاق المعلم .                                                                                       

5ـ دور العلم في نهضة الأمم . 

6 ـ الخاتمة .                         

 العنصر الأول : حاجة الناس إلي العلم والمعرفة :ـ

قال الإمام أحمد :
الناس مُحْتَاجُون إلى العِلْم أكثر مِن حاجتهم إلى الطعام والشراب ؛ لأن الطعام والشراب يُحْتَاج إليه في اليوم مرة أو مرتين ، والعِلْم يُحْتَاج إليه بِعَدَد الأنفاس .

وقال ابن القيم : 
حَاجة الناس إلى الشَّريعة ضَرورية فَوق حَاجتهم إلى كل شيء ، ولا نِسبة لحاجتهم إلى عِلْم الطِّبّ إليها ، إلا تَرى أنّ أكثر العَالَم يَعيشون بِغير طَبيب ، ولا يكون الطبيب إلاَّ في بعض الْمُدُن الجامعة ...
وقد فَطَر الله بني آدم على تَناول ما يَنفعهم ، واجْتناب ما يَضُرّهم ، وجَعَل لكل قَوم عَادة وعُرْفًا في اسْتِخْراج ما يَهْجُم عليهم مِن الأدواء ، حتى إنّ كَثيرا مِن أصُول الطِّب إنما أُخِذَت عن عوائد الناس وعُرْفهم وتجاربهم ، وأما الشريعة فَمَبْنَاها على تَعْرِيف مَوَاقع رِضَا الله وسَخَطه في حَرَكات العِباد الاختيارية ، فَمَبْنَاها على الوَحْي الْمَحْض .
والْحَاجَة إلى الشريعة أشدّ مِن الحاجة إلى الـتَّنَفُّس فَضْلا عَن الطعام والشَّراب لأن غاية ما يُقَدَّر في عدم الـتَّنَفُّس والطعام والشَّرَاب مَوْت البَدن وتَعَطُّل الرُّوح عنه ، وأما ما يُقَدَّر عند عَدَم الشَريعة فَفَسَاد الرُّوح والقَلب جُمْلة ، وهَلاك الأبدان .
وشتان بَين هذا وهلاك البَدن بالموت ، فليس الناس قط إلى شيء أحْوج منهم إلى مَعرفة مَا جَاء به الرَّسول صلى الله عليه وسلم ، والقيام به ، والدعوة إليه ، والصبر عليه ، وجِهاد مَن خَرَج عنه حتى يرجع إليه ، وليس للعالم صَلاح بِدون ذلك البتة ، ولا سَبيل إلى الوصول إلى السعادة والفوز الأكبر إلاَّ بِالعُبور على هذا الْجِسر . اهـ .

والعِلْم الذي يحتاجه الناس هو العِلْم الْمُوصِل إلى الله وإلى رِضوانه وإلى دار كرامته ..
ولَمَّا كان العِلْم الشَّرْعِيّ بهذه المثابة كان ولا بُدّ أن تكون العُلوم الأخرى خادِمة لهذا العِلْم ، وسالِكة طَرِيقَه ، ومُوصِلة إلى ما يُوصِل إليه ..
فلا تكون علوما آلية جامدة ، بل تكون علوما تربط المسلم بِربِّـه ،وتُوصِله إليه ،وتَزيد في إيمانه.

الغنصر الثاني : منزلة العلم والعلماء في الإسلام:ـ  

إن العلم أشرف ما رغب فيه الراغب وأفضل ما طلب وجد فيه الطالب وأنفع ما كسبه واقتناه الكاسب لأن شرفه يثمر علي صاحبه وفضله ينمي علي طالبه .  

 فمن هذا الفضل  ما يلي :ـ 
 1 ـ أول ما نزل من القرآن :ـ                                      

 لأهمية العلم في حياة الناس كانت بداية الوحي الإلهي  توصي بالقراءة ،لأننا أمة اقرأ ،فقال تعالي }اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5){ العلق.

 2ـ قسم الله تعالي :ـ 

 لمكانة العلم ومنزلته عند الناس أقسم الله عز وجل بأدوات العلم والتعلم فقال تعالي }ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1){ القلم .
وقال تعالي }وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3){ الطور. 

  3 ـ  العلماء شهداء علي وحدانية الله عز وجل :ــ 

يقول الله عز وجل في أعظم شهادة في القرآن: }شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُو العِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (18){ [آل عمران].              
                                                                    
  ذكر الإمام ابن القيم أن في هذه الآية عدة  أوجه تدل على شرف العلم وفضل العلماء منها:ـ  

 1 – أن الله  عز وجل استشهدهم من بين سائر الخلق.  

 2 – وضمَّ شهادتهم إلى شهادته تعالى.

3 – وضم شهادتهم إلى شهادة ملائكته.                                                                        

4 – وكونه تعالى استشهدهم فمعناه أنه عدَّلهم؛ لأنه لا يمكن أن يستشهد بقولهم إلا وأنهم عدول. وفي هذا جاء الأثر: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله".                                                                

 5 – أنهم جعلهم هم والأنبياء في وصف واحد، فلم يفرد الأنبياء عن العلماء، فأشهد نفسه، ثم أشهد ملائكته ثم أشهد أولي العلم، الذين على رأسهم الأنبياء، ومن ضمنهم العلماء.                                                  

 6 – أنه أشهدهم على أعظم مشهود به، وهذه أجلُّ وأعظم شهادة في القرآن؛ لأن المشهود به هو: شهادة: إن لا إله إلا الله. التي لا يعدلها شيء.  

 4ـ المكانة العالية الرفيعة   

 يقول الله سبحانه وتعالي }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(11){ [المجادلة]. رفع الله درجاتهم في الدنيا والآخرة، في الدنيا رفع ذكرهم عند الخلق، ورفع مكانتهم ومنزلتهم.

وأما في الآخرة فلهم الدرجات العلى، وأي شرف وأي منزلة أعظم من ذلك.  

 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ جَاءَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ يَطْلُبُ الْعِلْمَ لِيُحْيِيَ بِهِ الْإِسْلَامَ ، فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّينَ دَرَجَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ " .  سنن الدارمي .  

ويؤكد هذه المكانة العالية  تقديم العلماء على غيرهم بصرف النظر عن مناصبهم ما رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهو أن نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ  وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ- فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى. قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالينَا. قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى! قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تعالى، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ. قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ". (رواه مسلم)     

5 ـ الطريق إلي معرفة الله عز وجل ومعرفة آيات الله تعالي :ـ                                                               

يقول سبحانه:}وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ(6){ [سبأ]. 
ويقول جل وعز:}وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ(43){ [العنكبوت]. 
                                            
 ولهذا قال بعض السلف: “إذا استعصى عليَّ فَهم مَثَلٍ في القرآن حزنت لذلك؛ لأن الله عز وجل  يقول:}وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ(43){[العنكبوت].

ونجد العلماء هم الناس أشد الناس خشية من الله تعالي ، يقول الله عز وجل }إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ(28){ [فاطر].

و﴿إِنَّمَا﴾ أداة حصر. الذين يخشون الله حق خشيته هم أهل العلم؛ والسبب في ذلك أنهم أعلم الخلق بالله عز وجل وكلما ازداد الإنسان معرفةً بربه وخالقه ومعبوده ازدادت خشيته.                                                    
ولهذا هم أعلم الناس بما يجب لله، وما يجوز عليه، وما يمتنع عليه، ولهذا صاروا أكثر الناس خشية، بل الله عز وجل  جعل الخشية محصورة فيهم.   
 ويقول سبحانه: }بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ(49){ [العنكبوت].
هذا القرآن آيات بينات، لكن عند مَن؟ عند أهل العلم. ولهذا عرفوا كلام الله، فقدروه حق قدره، بخلاف غيرهم، فقد يَقرأ القرآن كاملاً، وقد يسمع القرآن كاملاً، ولا يؤثر هذا فيه؛ لأنه ليس من أولو العلم.  

 ويقول سبحانه:}وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ(122){ [التوبة].
الله  عز وجل  ذكر أنه ما كان لأهل الإيمان أن ينفروا جميعًا إلى الجهاد، بل لتبقَ طائفة تتفقه في هذا الدين؛ لتتعلَّم وتعلم الناس الخير . 

   ورحم الله الشاعر :ـ

      لولا العلم ما سعدت  نفوس         ولا عرف الحلال من الحرام  
                    
                  فبالعلم النجاة من المخازي          وبالجهل المذلة والرغام                       

هو الهادي الدليل إلي المعالي         ومصباح يضئ به الظلام

ورحم الله أمير الشعراء أحمد  شوقي :ـ

تَـرْكُ النُّفُـوسِ بِلا عِلْمٍ وَلا أَدَبٍ *** تَرْكُ الْمَرِيضِ بِلا طِـبٍّ وَلا آسِ

  6ـ الخيرية عند الله تعالي :ـ 

قال تعالي }قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (9){ [الزمر].
وهذا أيضًا يدل على غاية فضلهم وشرفهم، كما أنه لم يساو بين أصحاب الجنة وأصحاب النار،
فكذلك لم يساو بين مَن يعلم ومن لا يعلم. 
ويقول جل وعز:}أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الأَلْبَابِ (19){ [الرعد] ولهذا وصف سائر الخلق بالعمى إلا من أوتي العلم. 

ولهذا لاحظوا يرعاكم الله  كم مرَّ عبر التاريخ من الملوك والأمراء والعظماء والتجار والمخترعون انتهوا بمماتهم، فانتهى ذكرهم، فقد يأتي ذكرهم عابرًا في صفحات التاريخ، ولكن هؤلاء أهل العلم، ذِكرهم يتجدد مع الزمان، لا يُذكَرون إلا ويُترحَّم عليهم، أجسادهم مفقودة، لكن آثارهم باقية بين أيدينا. 
                     
 قبل مئات السنين جاء الإمام أحمد، والإمام الشافعي، والإمام مالك، والإمام أبو حنيفة، وسفيان الثوري، والإمام البخاري، والإمام مسلم، أعلام ما زال ذكرهم عاليًا بين الخلق، منهم من مات في مقتبل عمره مثل الإمام النووي  رحمه الله  فقد مات في العِقد الرابع من عمره، ومع ذلك ما زال ذِكره يطبق مشارق الأرض ومغاربها.  

هذه مؤلفاته بين أيدينا تقرأ صباحَ مساءَ، وكلما ذُكر ترحم عليه، فأي شرف وأي منزلة هذه، هذا ذكرهم في الدنيا، وقد أعد الله عز وجل  لهم من الأجر في الآخرة أضعافَ أضعافَ ذلك.   
                                                
ويقول سبحانه:}أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا (122){ [الأنعام].

فأهل العلم هم حياة القلوب، وما معهم من العلم هو النور الذي يهتدون به في ظلمات البر والبحر. 

  ولما هلك صاحب الشجة، الذي سأل أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم حين أصابته شجة في رأسه وكانوا في البرد هل له رخصة في التيمم ؟ ، فقالوا: لا نجد لك رخصة عن الغسل. فاغتسل فمات، فذُكِر ذلك للنبي  صلى الله عليه وسلم  فقال: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللهُ، ألَّا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ  السُّؤَالُ»   

فعن عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد  ) أخرجه ابن ماجه .
ويقول عليه الصلاة والسلام  «فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ». 

الله أكبر، فضل العالم على العابد  وليس على سائر الناس العابد الذي لزم المسجد في الصلاة والصيام والقيام والاستغفار والتوبة، كفضل النبي  صلى الله عليه وآله وسلم على أدنى واحد من أمته.  

وهل هناك أدنى تقارب بين الفضلين؟ كذلك العالم مع سائر الخلق.  
 وما ثبت في الصحيحين، من حديث النبي  صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». منطوق الحديث أن من أراد الله به خيرًا وَفَّقه لهذا العلم. 

 ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في هذا الدين ومن لم يتعلم فلم يرد الله  عز وجل به خيرًا.                         

 وهذا ما ذهب إليه كثيرٌ من أهل العلم.
وكما في الصحيحين: عن أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلاَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلاَ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ) .                

وهذه الطائفة هم أهل العلم، هم الذين تلقوا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم  أقواله وأفعاله، فحفظوها للناس، فانتفع الخلق جميعًا من هذا العلم بفضل حفظ هؤلاء، ونقل هؤلاء ونشر هؤلاء. 

ويقول سبحانه:}وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا(83){ [النساء].
 وقد قال المفسرون: إن أولي الأمر هنا هم العلماء، كما أن أولي الأمر في قوله سبحانه وتعالي  }أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ(59){ [النساء].
على قول ابن عباس وغيره أنهم العلماء، وذكر شيخ الإسلام أن هذه الآية تشمل أولي الأمر أولي السلطان، وأيضًا أولي الأمر تشمل العلماء.        

 ومما أثر عن سيدنا علي رضي الله عنه :ـ 

ما الفخــــر إلا لأهل العلم إنهم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء 
           
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه *** والجاهـلون لأهل العـلم أعداء   

  فـفـز بعلم تعش حيـا ً به أبــدا *** الناس موتى وأهل العلم أحياء "

وقال أيضا لكميل بن زياد"يا كميل العلم خير من المال العلم يحرسك و أنت تحرس المال و العلم حاكم و المال محكوم عليه و المال تنقصه النفقة و المال يزكوا بالإنفاق، مات خزان الأموال ،وبقي خزان العلم ،أعيانهم مفقودة ، وأشخاصهم في القلوب موجودة   .                                                                                                                         
  وقال أبو الأسود الدؤلي : ليس شيء أعز من العلم  ، الملوك حكام علي الناس والعلماء حكام علي الملوك .  

 وهذا الشافعي  رحمه الله  يقول: “إن لم يكن الفقهاء أولياء لله في الآخرة فما لله ولي”. 
ويقول سفيان الثوري: “اطلبوا العلم؛ فإنه شرف في الدنيا، وشرف في الآخرة”. 

يقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو من علماء الصحابة الأفذاذ: "والذي نفسي بيده، ليودَّنَّ رجالٌ قُتلوا في سبيل الله شهداء، أن يبعثهم الله علماء؛ لما يرون من كرامتهم" أي من كرامة العلماء. 

وقال الحسن البصري رضي الله عنه : يوزن مداد العلماء بدم الشهداء فيرجح مداد العلماء بدم الشهداء . 

  7 ـ العلم طريق إلي الجنة : ـ  

 ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم  كما عند أبي داود وابن ماجه والترمذي بسند صحيح أنه قال: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ». 
                                           
 8 ـ طلب العلم فريضة وجهاد :ــ 

أخبرالرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" [أخرجه ابن ماجه في سننه وصحّحه الألباني]، 

ما أخرج ابن عبد البر من حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه الذي يقول فيه ( تعلموا العلم فإن تعليمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة؛ لأنه معالم الحلال والحرام . ومنار سبيل أهل الجنة وهو الأنس في الوحشة،والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة يقتص آثارهم، ويحتذى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في ظلهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والتفكر فيه يعدل الصيام، ومداومته تعدل القيام، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام، هو إمام العمل، والعمل تابعه،يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء).  

وفي الحديث: «مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَنَا هَذَا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا، أَوْ لِيُعَلِّمَهُ، كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ». رواه أحمد بسند صحيح.  
 وفي الحديث الآخر: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ» (أخرجه الطبراني).  

9ـ العلم ميراث النبوة :ـ 

عن أبي هريرة أنه مر بسوق المدينة ، فوقف عليها ، فقال : " يا أهل السوق ، ما أعجزكم " قالوا : وما ذاك يا أبا هريرة ؟ قال : " ذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ، وأنتم هاهنا لا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه " قالوا : وأين هو ؟ قال : " في المسجد " فخرجوا سراعا إلى المسجد ، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا ، فقال لهم : " ما لكم ؟ " قالوا : يا أبا هريرة فقد أتينا المسجد ، فدخلنا ، فلم نر فيه شيئا يقسم . فقال لهم أبو هريرة : " أما رأيتم في المسجد أحدا ؟ " قالوا : بلى ، رأينا قوما يصلون ، وقوما يقرءون القرآن ، وقوما يتذاكرون الحلال والحرام ، فقال لهم أبو هريرة : " ويحكم ، فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم " . " .  
ففي الحديث : «وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».  

أيها الأخوة، لو وجد عندنا أثر من آثار النبي  صلى الله عليه وسلم  لو ثبت عندنا أن هذه صحفة النبي  صلى الله عليه وسلم  التي كان يأكل فيها، أو هذا الحصير الذي كان يجلس عليه، لَتقاتل الناس على هذا الأثر، فكيف لو كان هذا الأثر ملتصقًا بجسمه كشعَره لربما بذل فيه الغالي والنفيس، فما ظنكم بشيء موجود عندنا من أعظم آثار النبي  صلى الله عليه وسلم ألا وهو شرعه، ووحيه عليه الصلاة والسلام بين أيدينا أعظم وأرفع من آثاره المادية، مبذول كلٌّ يستطيع الأخذ به، وهذا هو ميراث النبوة، ليس ميراث النبوة المال والعقار، بل ميراث النبوة هذا العلم وهذا الوحي، وهو مشاع، ليس خاصًّا لفئة بعينها.                                                       
 ميراثه عليه الصلاة والسلام ليس خاصًّا لذريته، أو لبني هاشم، أو لبني عبد المطلب، بل لكل من أراد أن ينال هذا الميراث، ألا وهو العلم.                                                     
يقول ابن القيم: “وقوله: «العلماءُ ورثةُ الأنبياءِ»…
دليل على أنهم أقرب الناس إلى الأنبياء؛ في الفضل والمكانة والمنزلة؛ لأن أقرب الناس إلى المورث ورثته، ولهذا كانوا أحقَّ بالميراث من غيرهم، كذلك العلماء أحق الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم وأقرب الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم هم أهل العلم”( مفتاح السعادة لابن القيم). 
                                          
وفي صحيح مسلم: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثَةٍ». وذكر: «أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ» ) أخرجه مسلم.                              
 فإن العالم آثاره باقية حتى بعد وفاته، فالناس تنقطع أعمالهم، حتى الذين خلفوا ولدا صالحًا، أو خلفوا صدقة جارية، ففي وقت من الأوقات سينقطع غالبًا؛ وذلك إذا جاء الجيل الثالث أو الرابع أو الخامس، فغالبًا سينقطع هذا الباب، إلا العالم، فإن أثره باقٍ ما بقيت السماوات والأرض.  

ولهذا لاحظوا أن الأئمة والعلماء في القرن الأول  قبل ألف وأربعمائة سنة ما زالت أثارهم وأقوالهم باقية، يُذكَرون ويُترحَّم عليهم، وقد اهتدى واستقام على أقوالهم مئات، بل آلاف، بل ملايين من البشر، وأجورهم ليست كأجور أولئك. فأي منزلة، وأي مكانة أعظم من هذه المنزلة؟   

10ـ استغفار الله والملائكة وأهل السماوات وأهل الأرض لأهل العلم :ـ  

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِى جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. 

لو قيل لأحدنا: إن من في هذا المسجد يدعون لك، لما وسعته ثيابه من الفرح والسرور، وربما بقي الأيام والليالي وهو يتذكر هذه المنزلة العظيمة، أن أهل المسجد يستغفرون له، أو يدعون الله عز وجل له. 

 كيف  يا أخي  هذا العالم يصلي عليه الله عز وجل  من فوق سبع سماوات، يثني عليه، وتصلي عليه الملائكة، تدعو له، ويصلي عليه سائر الخلق، حتى البهائم، حتى النملة في جحرها، حتى الحوت في قعر البحر، يدعو ويصلي على هذا العالم.
 أي منزلة أعظم من هذه المنزلة؟ أي شرف أعظم من هذا الشرف؟

11ـ نضارة الوجه :ــ 

روي الترمذي بسند صحيح، أن النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  قال: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا». «نَضَّرُ اللهُ» دعاءٌ من النبي  صلى الله عليه وآله وسلم لهذا العالم، لطالب العلم الذي تلقى عن النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  كلامه ووحيه، فوعاه فَقِهه وبَلَّغه إلى الآخرين .

12 ـ صمام الأمان للأمة بعد الله عزوجل :ـ

إن نجاة الناس منوطة بوجود العلماء، فذهاب العلماء هلاك الناس، فهم صمام الأمان بعد الله – عز وجل  ولهذا جاء في الحديث المتفق عليه: «إِنَّ اللهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقَ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» (أخرجه أحمد ،والبخاري ، ومسلم).

وفي حديث ابن عباس قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم «هَلْ تَدْرُونَ مَا ذَهَابُ الْعِلْمِ؟» قَالَ: «هُوَ ذَهَابُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الأَرْضِ» (أخرجه أحمد).                                  
وفي حديث أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خُذُوا الْعِلْمَ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ». قالوا: كيف يذهب العلم يا نبي الله، وفينا كتاب الله؟ قال: فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: «ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ» لاحظ المثل «أَوَلَمْ تَكُنِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمْ شَيْئًا؟ إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ». رواه الدارمي بسند صحيح.
ويقول الحسن: "موت العالم ثلمة في الإسلام، لا يسدها شيء، ما طرد الليلُ النهارَ".  

وبهلاك العلماء يهلك الناس، كما سمعنا قول سعيد بن جبير، قيل: ما علامة هلاك الناس؟ قال: "هلاك علمائهم ".                            
ويقول عكرمة رضي الله عنه : "الدنيا كلها ظلمة إلا مجالس العلماء". 

لا شك أن القرآن وحده لا يكفي، لا بد من أهل العلم؛ ليبينوا للأمة العام والخاص، والناسخ والمنسوخ، والمنطوق والمفهوم. وإلا إذا أخذ الإنسان النصوص بنفسه بعيدًا عن أهل العلم ضل وأضل، وما ضل أكثر الفرق وأكثر الطوائف إلا لأنهم اعتمدوا على عقولهم، وعلى أنفسهم، وأخذوا شطرًا وجزءًا من هذه النصوص. 

فالخوارج أخذوا بنصوص الوعيد، وتركوا نصوص الوعد، والمرجئة أخذوا نصوص الوعد، وتركوا نصوص الوعيد، والمعتزلة النفاة أخذوا النصوص التي فيها إثبات فعل العبد، والجهمية والمعطلة أخذوا النصوص التي فيها تنزيه الرب.
أما أهل العلم، الذين أنار الله عز وجل بصائرهم وأبصارهم، فأخذوا كلام الله  عز وجل متكاملاً، وعرفوا الخاص والعام، والمقيد والمطلق، والناسخ والمنسوخ، وجمعوا بين كلام الله  عز وجل ولهذا سلموا، وسلم من اقتفى أثرهم.                                                                                                                                   

ولذلك قال القائل:    
     
الأَرْضُ تَحْيَا إِذَا مَا عَاشَ عَالِمُهَا     وَإِنْ يَمُتْ عَالِمٌ مِنْهَا يَمُتْ طَرَفُ
كَالأَرْضِ تَحْيَا إِذَا مَا الْغَيْثُ حَلَّ بِهَا      وَإِنْ أَبَى حَلَّ فِي أَكْنَافِهَا التَّلَفُ

13 ـ النيل منهم نيل من رسول الله صلي الله عليه وسلم :ـ 

حذرالإسلام من إيذاء العلماء  فيقول عكرمة رحمه الله "إياكم أن تؤذوا أحدًا من العلماء، فإن مَن آذى عالمًا فقد آذى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  لأنهم حملة كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم  الذائدون عن حياضه، المنافحون عن كلامه، رحمهم الله.                                                                                                                
العنصر الثاني : أخلاق  طالب العلم :ــ

للعلم آداب وأخلاق لا بد لطالب العلم  أن يتحلى بها: فهي حليته ووسيلته إلى الفلاح والنجاح  .

فالعلم إن لم تكتنفه فضائل        تعليه كان مطية الإخفاق
ومن جملة هذه الأخلاق :ـ                      

   إخلاص النية لله عز وجل :ــ  

فالعلم طاعة وعبادة ، والإخلاص لله تعالى واجب في جميع العبادات وسائر الطاعات ، والإخلاص شرط في قبول الأعمال كلها ومن جملتها العلم، أمر الله بالإخلاص في الدين في قوله تعالى : فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ (3)} [الزمر] .
وفي قوله سبحانه :{ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ(11)} [الزمر] ، وذلك بإصلاح القصد وإصلاح النية في طلب العلم.         
قال تعالى }وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5){البينة .                                                            
والإخلاص في العلم أن يبتغي به  وجه الله تعالى، فإذا كان هم طالب العلم تحصيل شهادة أو تبوء منصب لكسب منافع مادية فحسب: فإنه لا يكن مخلصا في طلب العلم .           

عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمْ: (من تعلم علما مما يبتغي بِهِ وجه اللَّه، لاَ يتعلمه إِلاَّ ليصيب بِهِ عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يَوْم القيامة) يعني ريحها.  

 فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء ولا تخيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار). 

فإن هناك من ينوي بتعلمه شغل الوقت، يقول عندي وقت فراغ أشغله بهذا التعلم، وليس له قصد في المنفعة، ولا شك أن هذا قصد قاصر، قصد ناقص إذا كان لمجرد شغل الوقت ، لأن هؤلاء إذا وجد أحدهم ما يشغل به وقته غير العلم انشغل به، فكأنه وجد فراغا فأخذ المصحف أو أخذ الكتاب حتى يشغل هذا الفراغ، ولو وجد كتابا ليس علميا لشغل به وقته، ولو وجد من يحدثه لشغل وقته بهذا الكلام الدنيوي أو اللهو. 

ومن الناس من يكون قصده بتعلمه أمرا دنيويا ، فيقول أتعلم حيث أنه يبذل في هذا التعلم مكافأة، أو أجرة، أو مال أو نحو ذلك، فيكون من الذين تعلموا العلم لأجل الدنيا، ولا شك أن هذا يفسد النية، ولا يحصل له الفضل الذي ورد في فضل تعلم العلم. 

ومن الناس من يكون قصده بالتعلم مجرد شهادة أو مؤهل يحصل به على ترقية أو وظيفة أو نحو ذلك، وهذا أيضا مقصد دنيء لا يليق بالمؤمن أن يقصد هذا المقصد ؛ وذلك لأنه لا يبارك له في علمه إذا كان يدرس لمجرد أن يحصل على كفاءة أو توجيه، أو ما أشبه ذلك، فيكون قصده قصدا دنيئا، وغير ذلك من المقاصد الدنيوية.
وإذا قلت : فما المقصد الصحيح؟ وكيف إذا تعلمت العلم يكون قصدي قصدا حسنا ؟
الجواب:
أولا: تنوي إزالة النقص، وذلك لأن الجهل نقص، فالله تعالى أخبر بأنه أخرجنا إلى الدنيا من بطون أمهاتنا جهلاء، قال تعالى : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة (78)} [النحل] .
فإذا عرفت أن الإنسان ناقص في حالة جهله، ونويت أن تزيل هذا النقص لتحصل لك صفة كمال فإن هذا مقصد حسن، فتقول إني رأيت الجهلاء لا يعرفون وقدرهم ناقص عند الناس فأنا أريد أن أسد هذا الفراغ وأن أكمل ذلك النقص.  

 2ـ تقوى الله عز وجل :ــ 

فالعلماء هم أعرف الناس بالله وأتقاهم  له وبالتقوى يزداد العالم علما ، وبالعلم يزداد التقي تقوى قال تعالى }وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )282{( البقرة .
وقال تعالي }إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28){ فاطر        
          
والتقوى هي جماع كل خير ، ووصية الله للأولين والآخرين قال تعالى في سورة النساء {وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)}النساء 

 وقال عز وجل في سورة الأنفال {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}الحديد.                                                                             
أي يجعل لكم ما تٌفرقون به بين الحق والباطل، وبين الصحيح والسقيم ، وبين الغث والسمين وذلك إنما يكون بنور العلم وميزانه ، ونبراسه ومقياسه فالعلم ثمرة من ثمرات التقوى والتقوى سبيل إلى نيل العلم ، والعلم يرقى بصاحبه إلى أعلى درجات المعرفة بالله والخشية من الله  ولهذا يؤثر عن الشافعي  رحمه الله  أنه قال‏:‏

شكوت إلى وكيع سـوء حفظـي *** فأرشـدني إلى ترك المعـاصي

وأخبرني   بأن العلـم نـور *** ونـور الله لا يهدى لعاصـي .

3ـ استحضار القلب عند الطلب:ـ 

إذ لا بد من ذلك لطالب العلم لأنه إن طلبه دون استحضار قلب وحضور ذهن فلن يحصّل شيئا ، وعلى المعلم أن يستعين بالوسائل المفيدة التي تعين على الانتباه والالتفات إلى العلم والإقبال عليه، كالأسئلة والمحاورات مع الطلبة وتنبيه الغافل منهم والثناء الحسن على النابهين المجتهدين ورصد الجوائز والحوافز لهم وتذكيرهم دوما بفضائل العلم وثمراته العاجلة والآجلة . 

  4ـ علو الهمة :ـ 

 فلا بد لطالب العلم أن تسمو همته في طلبه فيبذل ما في وسعه لتحصيله ولا يركن إلى الكسل والتواني ولا يسوّف ،  ويجعل قدوته العلماء العاملين الذين جدوا وتسابقوا في هذا الميدان . 

 من النماذج المهمة في علو الهمة  ما يلي:ــ

  أـ ابن أبى حاتم  الرازى:

 يقول ابن أبى حاتم  الرازى مكثت في مصر سبع سنوات ، لم أذق فيها مرقة ، نهاري أمر على الشيوخ وبالليل أنسخ وأقابل النسخ ، وفي يوم ذهبنا لموعد شيخ فوجـدناه عليلاً فمررنا بالسوق فوجدت سمكة فأعجبتني فاشتريتها وانطلقنا إلى البيت فجاء موعد شيخ فتركناها وانشغلنا عنها ثلاثة أيــام حتى كادت أن تنتن  فأكلناها وهى نيئة . 
                                       
 ب ـ  الإمام  أبو يوسف القاضي:

كان أبو يوسف القاضي شديد الملازمة لشيخه أبى حنيفة ، لازم مجلسه أكثر من  17 سنة ، ما فاته صلاة الغداة معه ،ولا فارقه في فطر ولا أضحى إلا من مرض،(روى محمد  بن قدامة ، قال :سمعت شجاع بن مخلد، قال:سمعت أبا يوسف يقول :مات ابن لي، فلم أحضر جهازه ولا دفنه وتركته على جيراني وأقربائي ،مخافة أن يفوتني من أبي حنيفة شيء لا تذهب حسرته عنى ) . 

  ج ـ  الإمام الفقيه المؤرخ  المحدث المفسر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري :

والذي نشأ الشيخ وترعرع وطلب العلم منذ نعومة أظفاره ، وسرعان ما تفتح عقله ، وبدت عليه علامات النجابة وأمارات النبوغ حتى قال عن نفسه : " حفظت القرآن ولي سبع سنين ، وصليت بالناس وأنا ابن ثماني سنين ، وكتبت الحديث وأنا في التاسعة ".                                  
ومما يدل على علو همته  وقوة تحصيله ما أخبر به عن نفسه قال : " جاءني يوماً رجل فسألني عن شيء في علم العروض ، ولم أكن نشطت له قبل ذلك ، فقلت له : إذا كان غداً فتعال إلىَّ " ، وطلب سِفْرَ العروض للخليل بن أحمد ، فجاءوا له به فاستوعبه وأحاط بقواعده وكلياته في ليلة واحدة ، يقول : " فأمسيت غير عروضي ، وأصبحت عروضياً ". 

5. الحرص على الوقت :ــ 

فالوقت نعمة إلهية تستوجب منا الشكر ، ولقد خلق الله الليل والنهار لتستقيم الحياة  ،
قال تعالى } اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32)وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) }إبراهيم.

وفي هذه الآيات الكريمة يمتن تعالى على عباده بجملة من نعمه التي لا تحصى ، ومن هذه النعم نعمة الليل والنهار الذي يدور الوقت حولهما ويقوم عليهما وكثير من الناس يغفلون عن هذه النعمة مع جلائها ، قال تعالى } وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )12){ النحل..

من هنا تتجلى لنا تلك النعمة الإلهية التي غفل عن شكرها الغافلون ، وتنافس في تبديدها وإهدارها البطالون المبطلون ، وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم حين قال ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ )  .
فعلى المؤمن العاقل أن يجدّ في شكر المنعم على نعمة الوقت وأن يوظفه في كل مفيد نافع.

حرص الجاحظ والفتح بن خاقان وإسماعيل القاضى على العلم !

وروى الخطيب البغدادى في كتابه ( تقييد العلم )  عن أبى العباس المبرد ، قال : ما رأيت أحرص على العلم من 

ثلاثة : ـ
الجاحظ عمرو بن بحر إمام أهل الأدب ، ( 163 -255 ).

 والفتح بن خاقان الأديب الشاعر أحد الأذكياء ، من أبناء الملوك ، اتخذه الخليفة المتوكل العباسي وزيرا له وأخاً ، واجتمعت له خزانة كتب حافلة من أعظم الخزائن ، (ت247 هـ).

وإسماعيل بن إسحاق القاضي – الإمام الفقيه المالكى البغدادى ( 200 – 282 هـ ).

فأما الجاحظ فإنه كان إذا وقع  بيده كتاب قرأه من أوله إلى آخره أى كتاب كان ، حتى إنه كان يكترى دكاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر في الكتب.

وأما الفتح بن خاقان فإنه كان يحمل الكتاب في كمه ، فإذا قام من بين يدى المتوكل للبول أو للصلاة ، أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي ، حتى يبلغ الموضع الذي يريده ، ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه ، إلى أن يأخذ مجلسه ، فإذا أراد المتوكل القيام لحاجة أخرج الكتاب من كمه وقرأه في مجلس المتوكل إلى حين عوده .

وأما إسماعيل بن إسحاق القاضى فإنى ما دخلت عليه قط إلا رأيته وفي يده كتاب ينظر فيه أو يقلب الكتب لطلب كتاب ينظر فيه أو ينفض الكتب .

وقال عبيد بن يعيش : أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدى بالليل ، كانت أختى تلقمنى وأنا أكتب الحديث  .
وهذا الإمام جمال الدين القاسمي رحمه الله  وقد عاش قرابة خمسين سنة وألف ما يزيد عن خمسين مؤلفاً وكانت حياته زاخرة بالعلم والدعوة والكفاح ، ومع ذلك كان يقول : يا ليت الوقت يباع فأشتريه.

" وبحرص سلفنا الصالح على أوقاتهم علا قدرهم وسما شأنهم ، وخلد ذكرهم ، أما في زماننا هذا فإن من أبرز أسباب تخلف المسلمين تفننهم وتفانيهم في تدمير وإهدار أوقاتهم في المقاهي والملاهي والطرقات وأمام التلفاز والتسجيلات الصوتية والمرئية وفي غير ذلك من المجالات التي لا فائدة منها ولا ثمرة من ورائها "  . 

 6ـ الصبر والتحمل :ــ 

 فطريق العلم ليس مفروشا بالورود والرياحين بل إنه يحتاج إلى صبر ويقين وعزيمة لا تلين ، فالطريق طويل والنفس داعية إلى الملل والسآمة والدعة والراحة فإذا طاوع طالب العلم نفسه قادته إلى الحسرة والندامة .

وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ****** فإن أطمعت تاقت وإلا تسلتِ

والنفس كالطفل إن تهمله شب على ***** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

" ومن أعظم ميادين الصبر :

الصبر في طلب العلم : 

فلا سبيل إلى طلب العلم إلا بالصبر ، فالصبر يضئ لطالب العلم طريقه ، وهو زاد لا يستغني عنه ، وخلق كريم لا بد وأن يتحلى به ، صبره على مشقة الترحال إلى الشيوخ وطول المكث عندهم  والتأدب معهم ، وصبره على المذاكرة والتحصيل ، وفي قصة موسى  والخضر دار هذا الحوار بين نبي الله موسى وبين الخضر عليهما السلام قال تعالى في سورة الكهف }قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)}الكهف " 

7ـ المثابرة   : 

فطالب العلم لا يعرف الملل ولا الكلل  ولا يتوقف عن الطلب ؛ ولا ينقطع عن التعلم ولا عن العلم في وقت من الأوقات، بل يستمر عليه إلى الممات ..  فالعلم بحر لا ساحل له ونهر لا ينقطع   ، ..                                                                                                                                            
يقول بعض السلف : اطلب العلم من المهد إلى اللحد، أي منذ الطفولة إلى الموت، وكان كثير من السلف يطلبون العلم ويكتبونه، فيدخل أحدهم إلى الأسواق ومعه المحبرة  الدواة التي فيها الحبر وسنه كبيرة  فيُقال : لا تزال تحمل المحبرة ؟ فيقول : مع المحبرة إلى المقبرة، أي لا نزال نواصل العلم.

ونسمع عن كثير من طلبة العلم أنهم يواصلون طلب العلم ليلا ونهارا ولا يملون ولا يتكاسلون، ويذكر أن أحد مشايخ مشايخنا كان طوال ليله وهو يقرأ للتحفظ أو يكتب العلم، فيجيئه بعض المحسنين بعشاء بعد صلاة العشاء ويوضع إلى جنبه ولا يتفرغ لأكله إلا بعد الأذان الأول في آخر الليل، ويجعله سحوره، يجعل عشاءه سحورا انشغالا بطلب العلم، انشغالا بالقراءة والكتابة وما أشبه ذلك.

ونسمع عن الأولين أن أحدهم يسافر مسيرة شهر وشهرين في طلب حديث أو أحاديث ويغيب عن أهله سنة أو سنتين أو سنوات كل ذلك لطلب العلم ولا يملون، ولا يقولون أضعنا أهلنا، أو هجرنا بلادنا .. لأن الدافع قوي وهو تحصيل العلم النافع، فهكذا يكون طالب العلم.البيروني يتعلم مسألة في الفرائض وهو في مرض موته !.

جاء في معجم الأدباء لياقوت الحموي في ترجمة الإمام الفلكي الرياضي الفذ ، والمؤرخ اللغوي الأديب الأريب ، والعالم بالشريعة ومقارنة الأديان : الجامع لأشتات العلوم أبى الريحان البيروني ( محمد بن أحمد الخوارزمي 362 - 440 هـ) :

حدث الفقيه أبو الحسن على بن عيسى الولوالجي قال : دخلت على أبى الريحان وهو يجود بنفسه ، قد حشرج نفسه ، وضاق به صدره قد بلغ من العمر 78 سنة  فقال لي في تلك الحال : كيف قلت لي يوماً : حساب الجدات الفاسدة  وهى التي تكون من قبل الأم  ؟.

فقلت له إشفاقاً عليه : أفي هذه الحالة ؟ قال لي : يا هذا ‍‍ أودّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة ، ألا يكون خيراً من أن أخليها وأنا جاهل بها ، فأعدت ذلك عليه ، وحفظ ، وخرجت من عنده وأنا في الطريق فسمعت الصراخ ‍! ) انتهى.

8 ـ مذاكرة العلم  :ـ 

وقد قيل :
إحياء العلم مذاكرته   ***   فأدم للعلم مذاكرته

ولقد كان سلفنا الصالح  يتواصون بمذاكرة العلم ، يقول أحدهم: مذاكرة ليلة أحب إلي من إحيائها. يعني : جلوسي في هذه الليلة أتذكر العلم وأتذكر ما حفظته أحب إلي من أن أقومها قراءة وتهجدا وصلاة وركوعا وسجودا  .

9ـ كتابة ما استفاده :ـ  

فكلما استفاد فائدة أثبتها معه في دفتر أو ورقة وكررها إلى أن يحفظها . يقول العلماء : " إن ما حفظ فر وما كتب قر " ، أي أن ما كتبته ستجده فيما بعد .. ويشبهون العلم بالصيد، فيقول بعضهم:

العلم صيد والكتابة قيده      فاحفظ لصيدك قيده أن يفلت

10ـ أن لا يمنعه خجله من السؤال :ــ 

ولذلك قال بعض السلف : " لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر " ، يحمله تكبره على أن يعجب بنفسه ويبقى على جهله، وكذلك أيضا يحمله خجله عن أن لا يطلب أو يستفيد ممن معه علم فيبقى على جهله.

روى الإمام مسلم في صحيحه عن عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة؛ قالت:
جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعم. إذا رأت الماء" فقالت أم سلمة: يا رسول الله! وتحتلم المرأة؟ فقال "تربت يداك. فبم يشبهها ولدها".

وهذا ابن عباس رضي الله عنهما :مع حرصه على  ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته ، ودعائه له  صلى الله عليه وسلم كان مجتهدا في طلب العلم من فقهاء الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ...

فعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لما قبض رسول الله  صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير قال فقال واعجبا لك أترى الناس يفتقرون إليك قال فترك ذلك وأقبلت أسأل فإن كان ليبلغني الحديث عن رجل فآتي بابه وهو قائل  فأتوسد ردائي على بابه تسفي الريح علي من التراب فيخرج فيراني فيقول يا ابن عم رسول الله ما جاء بك هلا أرسلت إلي فآتيك ؟ فأقول لا أنا أحق أن آتيك فأسأله عن الحديث فعاش الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي ليسألوني فقال هذا الفتى كان أعقل مني " .
                                              
11 ـ التواضع والانكسار :ــ 

لا سيما في مجالس العلماء، وذلك أن العالم هو الذي يتواضع لمن يعلمه، وقد ورد في الأثر : " لا يتعلم العلمَ مستحي ولا مستكبر "  .

فالذي يتكبر ولا يتواضع لمن هو أصغر منه لا يوفق للعلم كما إذا رأى عالما أصغر منه سنا يقول كيف أتعلم من هذا الطفل ؟ أو من هذا الصغير الذي أنا أكبر منه ؟

نقول : إن الله تعالى شرفه وفضله بالعلم فعليك أن تصغر نفسك وتتواضع وتأخذ العلم ممن هو معه ، ولو كنت أشرف وأغنى وأكبر وأرقى فإن العلم يؤخذ من منابعه ومن أهله.

11ـ العمل بالعلم :ــ 

فالعلم إن لم يترجم إلى عمل فما الفائدة منه ، فعلى طالب العلم كما يجد في الطلب أن يجد في العمل فإنه أولى الناس بقطف ثمرات علمه ، ولقد مدح الله عز وجل في كتابه الكريم العاملين بما علموا : قال تعالى (فبشر) أجر العاملين وحذرنا الله عز وجل من أن نقول ما لا نفعل قال تعالى} وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) } الزمر .

كما ذم الله أولئك الذين لا ينتفعون بما يحملونه من علم وشبههم عز وجل بالحمار الذي يحمل أسفارا لا يعرف قيمتها فضلا عن جهله بما تحويه من درر قال تعالى في سورة الجمعة { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5){الجمعة.

وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول  (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلانا ما شأنك؟ أليس كنت تأمرننا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه). 

12 الدعوة إلى الله تعالى والاجتهاد في نشر العلم  :ـ 

 أن يوظف هذا العلم في الدعوة إلى الله تعالى على هدى وبصيرة قال تعالى } قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108){ يوسف. 

فالداعية لا بد وأن يستغل كل مناسبة ويدعو إلى تعالى في شتى الميادين في المسجد وفي المدرسة وفي المعهد وفي السوق وفي الأعياد والمناسبات.
 ولقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على نشر العلم ورغبنا فيه فعَن أنس بْن مالك  رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صَلى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (نضر اللّه عَبْدا سمع مقَالَتي فوعاها، ثُمَّ بلغها عَنْي. فرب حامل فقه غَيْر فقيه. ورب حامل فقه إِلَى من هُوَ أفقه منه).

نقول إن الإنسان إذا تأدب بهذه الآداب الشرعية فإن الله تعالى يوفقه ويفتح عليه ويرزقه العلم النافع والعمل الصالح، ونذكر الخصال الستة التي أشرنا إليها حيث نظمها بعضهم :

أخي لن تنال العلم إلا بستة          سأنبيك عن تفصيلها ببيان

ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة          وصحبة أستاذ وطول زمان

العنصر الرابع : أخلاق المعلم :ـ

المعلم له دوره المهم والبارز في العملية التعليمية , فالطالب ينظر إلى معلمه نظرة اقتداء واهتداء , ويتخذ منه القدوة والنموذج الأعلى , يقلده في أقواله وأفعاله .

أوصى عتبة بن أبي سفيان عبد الصمد مؤدَب ولده فقال: ليكن إصلاحُك بَني إصلاحَك نفسك، فإن عُيوبَهم معقودة بعَيْبك، فالحسنُ عندهم ما استحسنتَ، والقبيحُ ما استقبحت؛ وعلِّمهم سِيَرَ الحكماءِ، وأخلاقَ الأدباء، وتهدَدْهم بي وأدَبْهم دوني؛ وكن لهم كالطبيب الذي لا يَعْجَل بالدواء حتى يَعْرِف الداء؛ ولا تَتَكِلَنَ على عذر مني، فإني قد اتكلتُ على كِفاية منك. (ابن قتيبة : عيون الأخبار )

لذا ينبغي على المعلم أن يضع نفسه دائما موضع القدوة , وأن لا يتخذ من هذه الرسالة العالية الفاضلة مجرد وظيفة ووسيلة للتكسب والارتزاق. فالتربية بالقدوة من أنجح الوسائل المؤثِّرة في إعداد المتعلِّم خُلقيًا وتكوينه نفسيًا واجتماعيًا، ذلك لأنَّ الْمُعلِّم هو المثل الأعلى في نظر المتعلِّم، والأسوة الصالحة في عينه، يُقلِّده سلوكيًا ويُحاكيه خُلقيًا من حيث يشعر أو لا يشعر، بل تنطبع في نفسه وإحساسه صورته القولية والفعلية والحسية والمعنوية من حيث لا يدري أو يدري.

قال تعالى: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ(3){[الصف].

وعن أسامة بن زيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يُجاء بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه». رواه البخاري ومسلم

قال الشاعر:
يا أيهَا الرجلُ المعلِّمُ غيرَه *** هلاَّ لنفسِك كانَ ذا التعليمُ

تَصِف الدواءَ لِذي السقامِ وذي الضنَا *** ومِن الضَّنَا وجَواهُ أنتَ سقيمُ

وأراكَ تلقحُ بالرشادِ عقُولَنا *** نُصْحاً ، وأنت مِن الرشادِ عديمُ

أبدأ بنفسِك فانْهَهَا عَن غَيَّها *** فإذا انتهتْ عنه فأنتَ حكيمُ

فَهُناك يُقْبَلُ إن وعظتَ ، ويُقتدَى *** بالقول منكَ ، وينفعُ التعليمُ

لا تَنْهَ عن خُلقٍ وتأتيَ مثلَه *** عارٌ علَيكَ إذا فعلتَ عظيمُ

وقال بعض السلف: "العلم يهتف بالعمل، فإنْ أجابَه وإلاَّ ارْتَحل"، فبركة العلم وثَمرته العمل به، ولن يكون الانتفاع منه بغير ذلك.

وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول أخشي من ربي يوم القيامة أن يدعوني علي رؤس الخلائق فيقول لي عويمر (ابوالدرداء) فاقول لبيك رب فيقول ما علمت فيما عملت.

والمعلم الجيد هو الذي يتصف بالأخلاق الإيجابية ومنها :

1ـ الإخلاص والتقوى :

 وذلك بتصحيح النية , تلك النية التي تحتاج إلى مجاهدةٍ في تحصيلها واستصحابها، وإلى مدافعة أضدادها ومفسداتها، قال سبحانه: } فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110){ [الكهف].

وقد افتتح الإمام البخاري وبعض الأئمة مؤلَّفاتهم بحديث «إنما الأعمال بالنيات...».

ولقد حذر الإسلام من تعلم العلم للدنيا فقط , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ . قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ . فَقَدْ قِيلَ . ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ .
وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ . قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ . وَقَرَأْتَ الْقَرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ . فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ في النَّارِ .
وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ . فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ في النَّار.( أخرجه أحمد ومسلم والنَّسائي ).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ ، لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا ، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. يَعْنِى رِيحَهَا. أخرجه "أحمد وابن ماجة وابن حِبَّان (صحيح الترغيب والترهيب ) .

قال الإمام النووي: ويجب على الْمُعلِّم أن يقصد بتعليمه وجه الله لِما سبق، وألاَّ يجعله وسيلة إلى غرضٍ دنيوي، فيستحضر الْمُعلِّم في ذهنه كون التعليم آكد العبادات، ليكون ذلك حاثًا له على تصحيح النية، ومُحرِّضًا له على صيانته من مُكدِّراته ومن مكروهاته، مخافة فوات هذا الفضل العظيم والخير الجسيم.(المجموع شرح المهذب)
فالمعلم الذي يجعل هدفه الأول الكسب المادي ولا يبالي إذا كان من حلال أم من حرام هو معلم لا يدرك كنه الرسالة والمسؤولية التي سوف يسأل عنها أمام الله يوم القيامة .

2ـ الإشفاق على المخطئ وعدم تعنيفه :-

كان صلوات الله وسلامه عليه يقدر ظروف الناس، ويراعي أحوالهم، ويعذرهم بجهلهم، ويتلطف في تصحيح أخطائهم، ويترفق في تعليمهم الصواب، ولا شك أن ذلك يملأ قلب المنصوح حباًّ للرسالة وصاحبها، وحرصا على حفظ الواقعة والتوجيه وتبليغهما، كما يجعل قلوب الحاضرين المعجبة بهذا التصرف والتوجيه الرقيق مهيأة لحفظ الواقعة بكافة ملابساتها.

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللهُ ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ : وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ.ى أَفْخَاذِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ، فَوَاللهِ ، مَا كَهَرَنِي وَلاَ ضَرَبَنِي وَلاَ شَتَمَنِي ، قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. (أخرجه أحمد والبُخَارِي )،
 وانظر أثر هذا الرفق في نفس معاوية بن الحكم السلمي  وتأثره بحسن تعليمه صلى الله عليه وسلم.

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه ، قَالَ :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلاَ مُتَعَنِّتًا ، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا. أخرجه أحمد ومسلم.

قال تعالى : وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" [آل عمران: 159].

قال ابن جماعة: وكذلك ينبغي أن يرحب بالطلبة إذا لقيهم، وعند إقبالهم عليه، ويُكرمهم إذا جلسوا إليه، ويؤنسهم بسؤاله عن أحوالهم وأحوال من يتعلَّق بهم بعد ردِّ سلامهم، وليعاملهم بطلاقة الوجه وظهور البشر وحُسن المودة وإعلام المحبة وإضمار الشفقة؛ لأنَّ ذلك أشرح لصدره وأطلق لوجهه وأبسط لسؤاله، ويزيد في ذلك لمن يُرجى فلاحه، ويظهر صلاحه.

3ـ تشجيع المحسن والثناء عليه  :

تشجيع المحسن والثناء عليه ليزداد نشاطاً وإقبالاً على العلم والعمل، مثلما فعل مع أبي موسى الأشعري  حين أثنى على قراءته وحسن صوته بالقرآن الكريم، فعن أبي موسى  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل دواد».

4ـ أن يزرع في الطلاب الأمل والنظرة إلي المستقبل :ـ

 لا تيئس الطالب ولا تقنطه من رحمة الله عز وجل لأن اليأس من لوازم الكفر والقنوط من توابع الضلال كما قال تعالي علي لسان نبيه يعقوب }وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)}يوسف.
 وقال علي لسان نبيه إبراهيم عليه السلام }قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ (56)}الحجر.

هذا الإمام أبو حنيفة كان ينظر لمن في حلقته على أنهم علماء المستقبل .أحد تلامذته وهو "القاضي أبو يوسف" يحكى عن طفولته وعن نظرة أبي حنيفة المستقبلية فيقول " توفى أبى إبراهيم وخلفني يتيما في حجر أمي ،  فأسلمتني إلي قصار( ذهبت به إلي خياط  ليتعلم مهنة وحرفة ) ولكني كنت أحب العلم فكنت أهرب من عند القصار وأذهب إلى مجلس الإمام أبى حنيفة وكانت أمي تأتيني وتأمرني أن أذهب من درس العلم إلى القصار     (خائفة على مستقبله ) لكنها نظرة غير مستقبلية  .   
     
فلما كثر هذا علي أمي قالت لأبي حنيفة يوما : إن فساد هذا الغلام سيأتي علي يديك , لقد تركه أبوه يتيما وأسلمته إلي القصار يعلمه مهنة حتى يكسب منها دانقا أو دانقين (سدس درهم ).

فقال لها أبو حنيفة مري يا رعناء إن ابنك بين يدي يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق ( نوع من الحلويات لا يصنع إلا للأمراء والخلفاء ) فقالت والله ما أرى إلا أنك شيخ قد كبر سنك . ويشاء الله أن تتحقق نظرة أبو حنيفة ويتولي القضاء لثلاثة من الخلفاء . 

في أثناء توليه القضاء لهارون الرشيد جمعهم المجلس يوما فأتى الخادم بطبق من الحلوى فقال هارون الرشيد يا أبا يوسف كل من هذه الحلوى فإنها لا تصنع لنا كل يوم . فقال ما هذه يا أمير المؤمنين فقال فالوذجة بدهن الفستق فابتسم أبو يوسف  فقال ما الذي يضحكك فقص  له حكاية أبي حنيفة .

5ـ إشعار الطالب بحاجة الأمة إليه :ـ

  في أواخر القرن الثاني الهجري في مشرق العالم في نيسابور  جلس محمد بن إسماعيل البخاري وعمره 17سنة  بين يدي أستاذه إسحاق بن راهويه حاول الأستاذ أن يحدث تلامذته عن احتياجات الأمة فقال "والله لو أن واحدا منكم يجمع صحيح السنة في كتاب لانتفع به الناس أيما انتفاع .

 يقول البخاري فوقعت في نفس هذه المهمة وأقسمت أن أكون هذا الرجل فقعدت في بيتي ونمت ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو جالس على منبره الشريف ويأتيه بعض الذباب فأذهب وأهش الذباب عنه فأقمت من نومي وحكيت الرؤيا لأستاذي فأولها أنى أذب كذب الحديث عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ،فبدأت أجمع حديث النبي صلي الله عليه وسلم في كتاب (والبخاري ما كتب حديثا إلا اغتسل وصلى ركعتين. وكانت له تجارة ينفق من ريعها أنفق ما يقرب بالحساب الآن 2مليون ريال( 3مليون جنيه) في هذه المهمة من ماله)

6ـ التواضع والرجوع إلى الحق :

قال تعالى :} وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(21){ الشعراء.
ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا وما تواضع أحدٌ لله إلاَّ رفعه». رواه مسلم

ومن التواضع أن يقول لا أدري فيما لا يعلمه وأن يرجع إلى الصواب إذا أخطأ ,وهذا من الأمانة العلمية أن يقول لما لا يعلم لاأعلم فليس في العلم خجل ولا كبرياء وأن يتقبل أي حقيقة أو فائدة علمية تأتيه ولو علي يد من هو أقل منه علما أو أو أصغر منه سنا أو أدني منه منزلة.
 وحسبه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم سئل علي الملأ أمام الناس عن الساعة فقال بصريح العبارة ما المسئول عنها بأعلم من السائل وذلك في حديث سيدنا جبريل المشهور .

ولم يمتنع سيدنا موسي عليه السلام وهو نبي وسول يوحي إليه من هذا الرجل الصالح سيدنا الخضر عليه السلام قال تعالي }قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69){ الكهف.

لذلك ينبغي على المعلم أن يتحلى بجميل الصبر مع تلاميذه وأن يتسع صدره لأسئلتهم فلا يضيق بهم ذرعا وأن يتحملهم ويحلم بهم ويترفق ويسهّل لهم التحصيل ، اقتداء بنبينا ومعلمنا وحبيبنا محمد صلي الله عليه وسلم الذي مدحه ربه بقوله {َفبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) }آل عمران.

وهذا سيدنا عمر رضي الله عنه ترده امرأة وهو يخطب علي المنبر في شان صداق النساء فلا يستنكف أن يُخطئ نفسه علي مرأي ومسمع من الناس قائلا كل الناس أفقه منك يا عمر .

 وروى بسنده عن عبد الرحمن بن مهدي قال: كنا عند مالك بن أنس، فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله، جئتكم من مسيرة ستة أشهر، حمَّلني أهل بلدي مسألة أسألك عنها. قال: فسل. قال: فسأله الرجل عن المسألة. فقال: لا أُحسنها.
قال: فبُهِت الرجل كأنه قد جاء إلى من يعلم كلَّ شيء. قال: أيُّ شيء أقول لأهل بلدي إذا رجعت إليهم؟
قال: تقول لهم: قال مالك: لا أُحسِن.

قال الشافعي رحمه الله " ما ناظرني أحد فباليت أظهرت الحجة على لسانه، أو على لساني'.

عن حاتم الأصم أنه قيل له: أنت رجل أعجمي لا تفصح، وما ناظرك أحد إلا قطعته، فبأي شيء تغلب خصمك؟ فقال: ' بثلاث: أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ لساني عنه أن أقول له ما يسوؤه' فقال أحمد: 'ما أعقله من رجل'..

7ـ أن يعتني ويهتم بتخصصه وبمادته العلمية :

الاهتمام بالتخصص والعناية به والسعي لبلوغ الذروة فيه هو ما ينبغي أن يكون من شأن الْمُعلِّم، لأنه سيكون مرجعًا لطلابه يسألونه ويستفتونه به، ويلتزمون بما يمليه عليهم ويوجِّههم إليه، وينقلون هذا عنه إلى غيرهم من زملائهم أو طلابهم حينما يتصدُّون للتعليم فيما بعد، فلا بدَّ من العناية به ,وقد سُئل سفيان بن عيينة: من أحوج الناس إلى طلب العلم؟ قال: أعلمهم؛ لأنَّ الخطأ منه أقبح.

قال تعالى: } فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(43){ [النحل].

وقال صلى الله عليه وسلم : «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدُّهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان بن عفان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكلِّ أمَّة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح». رواه الترمذي.

فكل هذه الصفات الطيبة وغيرها تجعل المعلم يقوم بدوره المنوط به , وتجعله يحقق الأهداف التي يسعى إليها , وبدونها يصبح المعلم جسداً بلا روح وشمساً بلا ضوء .

فالشعور بالمسئولية أمام الله تعالي ، رَوى ابنُ حِبَّانَ والترمذيُّ في جامِعِه عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ ".

وكلما اتسعت دائرة علم الإنسان كلما عظمت مسئوليته ، مسئول عن صيانته وحفظه حتي يبقي ، ومسئول عن تعميقه وتحقيقه حتي يرقي ، ومسئول عن العمل به حتي يثمر ، ومسئول عن تعليمه لمن يطلبه حتي يزكوا ، ومسئول عن بثه ونشره حتي يعم نفعه، ومسئول عن إعداد من يرثه ويحمله حتي يدوم اتصال حلقاته ،وقبل ذلك كله مسئول عن إخلاصه في علمه حتي يقبله منه .

العنصر الخامس : دور العلم في نهضة الأمم:ـ

 العلم أساس نهضتنا ،ففي ظل تعاليم الإسلام السمحة وحضارته الوارفة وترغيبه في طلب العلم وتكريمه للعلماء  نبغ المسلمون في العلوم كلها والتمسوا المعرفة من الشرق والغرب فترجموا كتب العلوم الفارسية واليونانية وغيرها وشجع الخلفاء على هذه الحركة العلمية ، حتى كان الخليفة المتوكل يعطي حنين بن إسحاق أشهر المترجمين وزن ما يترجمه ذهباً.

 ولم يقتصر المسلمون على الترجمة، بل تابعوا البحث والدراسة، والتعديل والتطوير ، حتى ابتكروا وطوروا وسبقوا غيرهم .  

 ففي ظل إدراك المسلمين لحقيقة العلم وقيمته ، برز أبو بكر الرازي أول من عمل عملية إزالة الماء من العين.                                          
وظهر ابن سينا الذي كان كتابه الطبي (القانون) يدرس في جامعتي (كمبردج، وأكسفورد) وغيرهما من مشاهير الأطباء كثيرون .                                                                                   
 وبرع جابر بن حيان  في علم الجبر،  واكتشف كثيرا من أسرار الكيمياء. 

وسبر العرب علم الفلك ، فكانوا أول بناة للمراصد الفلكية في العالم، وأول صانعي المناظير [التليسكوبات] فضلا عن تقدمهم في  فنون الهندسة المختلفة.  

 ومحاولة الطيران في السماء التي كان أول من فكر فيها عباس بن فرناس.  

 إن العلم الذي تنهض به أمتنا هو كل علم نافع ، سواء كان من علوم الشريعة أو من علوم الطبيعة أقصد كل العلوم التي يحتاجها الناس في حياتهم كالطب والهندسة والزراعة والكيمياء وعلم الأحياء وعلم الفيزياء وعلم الإحصاء وسائر العلوم التي تعد من المقومات الأساسية للنهضة الحضارية ، العلوم التي توجَّه الإنسان وتأخذ بيده وتيسر له القيام بمهمته في الوجود.

ولله القائل :ـ

إذَا مَـا الْجَهْـلُ خَيَّـمَ فِي بِـلادٍ *** رَأَيْتَ أُسُودَهَا مُسِخَـتْ قُـرُودَا

ولله در القائل أيضا :ـ

الْعِلْـمُ يَرْفَـعُ بَيْتًـا لا عِمَـادَ لَهُ *** وَالْجَهْلُ يَهْدِمُ بَيْتَ العِزِّ وَالشَّرَفِ

ولله در أحمد شوقي أمير الشعراء :ـ

إنِّي نَظَرْتُ إِلَـى الشُّعُوبِ فَلْمْ أَجِدْ *** كَالْجَهْلِ دَاءً لِلشُّـعُـوبِ مُبِيـدًا.

وفي الختام.. نسأل الله عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا ، وأن يجعلنا من }الذين
يستمعون القول فيتبعون أحسنه  أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب (18) { الزمر

========================
تحميل doc

تحميل pdf

ليست هناك تعليقات: