13 سبتمبر 2018

حاجة البشرية إلي الإسلام





الحمد لله رب العالمين .. من علينا بنعمة الإسلام العظيم فهدانا من ضلالة ، وعلمنا من جهالة ، وزكي به نفوسنا فقال تعالي }لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164){ آل عمران.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له... أكمل لنا الدين ، وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا فقال تعالي}الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ(3){ المائدة.

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ...أرسله ربه بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله فأتم به البناء وختم به الرسالات ...فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ, فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ, وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ"( رواه البخاري، مسلم).                                                                 
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .....
أما بعـد : فيا أيها المؤمنون                                                                       
 لقد أنعم الله تعالي علينا بأعظم نعمة هي نعمة الإسلام ، حيث جاء الإسلام والأمة في حالة يُرثى له، حيث عمَّ بينهم التفكك والتمزق والحمق والعداء، فالحروب قائمة بين القبائل لأتفه الأسباب وتستمر أياماً بل وشهوراً وبعضها ظلت سنيناً إلى أن جاء الإسلام, وبمجيئه فضَّ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم النزاع الذي ظل زمناً طويلاً بين الأوس والخزرج، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وغرس في قلوب أصحابه حب الخير والسلام، ودعا الناس إلى التوحد والتجمع والتزاور والتشاور، ونهى عن الخصام والعزلة عن المجتمع.
لقد جاء الإسلام ليصلح لنا حياتنا ونسعد في الدارين، فالإسلام هو الدين الوحيد الذي يحقق السعادة للفرد والمجتمع لأنه الدين الشامل الذي يتلائم مع الفطرة البشرية ، ولأن الله تعالي هو الذي خلق الكون ويعلم ما يصلحه وما يفسده ، حيث قال تعالي }أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14){ الملك.
لذلك كان حديثنا عن حاجة البشرية إلي الإسلام ، وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ...
1ـ حال البشرية قبل الإسلام .
2ـ مظاهر كمال الإسلام .
حاجة البشرية إلي الإسلام.
4ـ أثر الإسلام في حياة الفرد والمجتمع .
5ـ الخاتمة .
العنصر الأول : حال البشرية قبل الإسلام
لقد كان العالم عامة والعرب خاصة، قبل الإسلام في جاهلية جهلاء، وفي ضلالة عمياء، يعبدون الأصنام، والأشجار، والأحجار، والملائكة، والأنبياء، والصالحين دياناتهم متفرقة، وعقائدهم باطلة، ويأكلون الميتات، ويأكلون الربا، ويستحلون الفروج بالزنا والسفاح، غالبُهم كذلك، ويعيشون على السلب والنهب والغارات والثارات،
كما كان للزِّنا صور بشعة في المجتمعات العربية قبل الإسلام، وتصف ذلك أم المؤمنين عائشة كما جاء في صحيح البخاري، فتبين أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: ثلاثة منها تدور على الزنا والدعارة، وواحد فقط هو الزواج الشرعي الذي نمارسه الآن؛ فلما بعث النبي صلي الله عليه وسلم بالحق، هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم [البخاري].
كما انتشرت عادة من أشد العادات قسوة في التاريخ، وهي عادة وأد البنات، ومعناها: دفن البنت حيةً، وكان هذا الوأد يُفعَل لأسباب كثيرة أهمها: خشية الفقر، وخوف العار، والعيوب الخلقية، أو اختلاف اللون كمن وُلِدَت سوداء، وادعاؤهم كذبًا وزورًا أن الملائكة بنات الله؛ فقالوا: أَلحِقوا البنات به تعالى، فهو أحق بهن [الألوسي: روح المعاني].
 وكذلك كان من صفاتهم المذمومة العصبية، والتي كانت تقود إلى الحروب المستمرة بين القبائل؛ وهكذا كانت الإغارة على الغير عادة عند بعض القبائل، وكانت الحروب تشتعل لأتفه الأسباب، ويتساقط الضحايا بالمئات والآلاف، ومن أشهر حروبهم حرب داحس والغبراء [داحس والغبراء: اسمان لفرسين دخل صاحباهما سباقًا؛ فلطم أحدهما فرس الآخر، ليمنعه من الفوز، فقامت حرب بين القبيلتين قُتِلَ فيها الألوف.]، كذلك يوم بعاث [هو يَوْمُ اقْتَتَلَتْ فِيهِ الأوس وَالْخَزْرَجُ في الجاهلية، وَكَانَ الظّفَرُ فِيهِ يَوْمَئِذٍ الأوس وفيها أيام مشهورة هلك فيها كثير من صناديدهم وأشرافهم، وبُعاث اسم أرض بها عرفت].
قال رسول الله في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن عياض ابن حمار والذي يوضح حال الأرض قبل بعثته: «إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» .
فقد وصل حال الناس إلى درجة من الانحطاط جلبت عليهم مقت الله سبحانه وتعالى، والمقت هو شدة الكراهية. واستخدام الرسول لكلمة (بقايا) يوحى بالأثرية، أي كأنهم آثار من عهود سحيقة لا قيمة لها في واقع الناس، ومن جانب آخر فإنَّ هذه البقايا لم تشكل مجتمعات كاملة، بل كانت أفرادًا معدودين.
فبعث الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الظلمات يدعو الناس لإخراجهم من الظلمات إلى النور} كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2){ إبراهيم.
فدعا إلى الله، وصبر وصابر، وأنزل الله عليه الكتاب والحكمة، ولمَّا تكامل هذا الدين أنزل الله جل وعلا)، ثم توفي صلى الله عليه وسلم فقد ترك أُمته على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وقال صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسُنتي
العنصر الثاني: مظاهر كمال الإسلام : ـ
لما كان حال البشرية بهذه الحالة الأليمة كان ولابد من نظام يصلح حال البشرية فكان الإسلام هذه الرسالة العظيمة الخالدة الخاتمة الكاملة حيث قال تعالي }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ(3){ المائدة.
فالإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله.
والإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى للعالمين وأخبر سبحانه أنه لا يقبل من أحدٍ سواه، فقال جلَّ وعلا: } إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإْسْلاَمُ (19){ [آل عمران]، وقال سبحانه:} وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإْسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآْخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(85){[آل عمران]. 
  وقد عرفه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام وفيه أركان الإسلام حيث سأله فقَالَ: يَا مُحَمّدُ! أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ؟. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:(الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّ مُحَمّداً رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَتُقِيمَ الصّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجّ الْبَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) قَالَ: صَدَقْتَ[ متفق عليه].  
  ولا شكَّ أن دين الإسلام هو الدين الحق المنزل من عند الله تعالى، وهو منهج الحياة المتكامل القائم على ما جاء في كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وما ثبت من سنة نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، وقد ترك النبي صلي الله عليه وسلم أمته علي البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فعن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما: ((تركتُ فيكم أيُّها الناس، ما إنِ اعتصمتم به، فلن تضلُّوا أبدًا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه)..
وهذه بعض مظاهر كمال الإسلام ...
الإسلام دين كامل يغطي جميع جوانب الحياة، ويفي بجميع الحاجات:
1- هو الدين الحق الذي ينظم علاقة الإنسان مع ربه بعبادته وتوحيده، وتعظيمه، وطاعته، وشكره، والتوجه إليه في جميع أموره.
2- وهو الدين الذي يملأ القلب بالإيمان بالله، والحب له، والتوكل عليه، والخوف منه، والرجاء له، والاستعانة به، والافتقار إليه، والذل له.
3- وهو الدين الذي يفتح للعقل أبواب معرفة الله بأسمائه وصفاته، ومعرفة النفس البشرية، ومعرفة الدنيا والآخرة، ومعرفة أحكام الشريعة، والعمل بموجب ذلك.
4- والإسلام ينظم علاقة الإنسان مع رسل الله، ويدعو الإنسان للاقتداء بهم ، وينظم علاقة الإنسان بأفضل رسل الله وسيدهم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، فيأمر الناس بمحبته، وطاعته، وتوقيره، واتباع سنته، وتصديق ما جاء به، والاقتداء به، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
5- وينظم الإسلام علاقة الإنسان مع غيره من مسلم وكافر، وحاكم ومحكوم، وعالم وجاهل، وغني وفقير، وصديق وعدو، وقريب وبعيد، ويعطي على ذلك الأجر الجزيل.
6- وينظم الإسلام معاملات الإنسان المالية بكسب الحلال، وتجنب الحرام، وعدم الغش والخداع ، ويدعو إلى السماحة في البيع والشراء، والإنفاق في وجوه البر والإحسان، وتحري الصدق، وتجنب الكذب والربا، ويبين كيفية توزيع
الصدقات، وقسمة المواريث ونحوها.
7- وينظم الإسلام حياة الرجل والمرأة في حال السراء والضراء، والغنى والفقر، والصحة والمرض، والحضر والسفر، والأمن والخوف.
وينظم حياة الإنسان الزوجية بالعدل والإحسان، وحسن تربية الأولاد، وصيانة الأسرة من الفساد، وحسن معاشرة الزوج والزوجة، ويعطي على ذلك الثواب العظيم.
8- وينظم الإسلام سائر العلاقات على جسور متينة من أحسن الأخلاق كالحب في الله، والبغض في الله، ويدعو إلى مكارم الأخلاق، وجميل الصفات، كالكرم والجود، والعفو والصفح، والحلم والحياء، والصدق والبر، والعدل والإحسان، والرحمة والشفقة، واللطف واللين ونحو ذلك، ويعطي على ذلك الأجر العظيم.
9- وينظم الإسلام طريقة الحياة بالأمر بكل خير، والنهي عن كل شر وفساد وظلم وطغيان، كالشرك بالله، والقتل بغير حق، والزنا، والكذب والكبر، والنفاق والخداع، والمكر والكيد، والعداوة والحسد، والغيبة والنميمة، والغصب والسرقة، والسحر والخمر، وأكل أموال الناس بالباطل ونحو ذلك من الفواحش والمحرمات والكبائر التي تفسد الفرد والمجتمع، ويعاقب على ذلك بما يرفع الظلم.
10- وينظم الإسلام بعد ذلك كله حياة الإنسان في الآخرة، ويجعلها مبنية على حياته في الدنيا.
فمن جاء بالإيمان والأعمال الصالحة سعد في الدنيا، ودخل الجنة في الآخرة.
ويجازي الله العباد الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها.
1- قال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} [المائدة].
2- وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء: 13- 14].
العنصر الثالث : حاجة البشرية إلي الإسلام:ـ
إنّ التدين فطرة في الإنسان ، مثل بقية الغرائز الفطرية التي تتكون منها النفس البشرية كالحاجة إلى الطعام والشراب وحب البقاء . قال تعالى } فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(30){ [ الروم] .
فهذه الآية صريحة في أن فطرة الإنسان هي التدين وطاعة الله ، واللجوء إليه ، فالمؤمن دائم الطاعة والخضوع واللجوء إلى الله ، وأما غير المؤمن فلا يلجأ إلى الله إلا عند الملمات والأزمات والأوقات الحرجة .
هل نستطيع أن نحدد أهم ما يريده الفرد لنفسه، وما ينشده في حياته؟
وما الذي تتطلع إليه نفسه، ويسعى جاهداً لتحقيقه من الأهداف الكبيرة والغايات البعيدة؟
وهل يستطيع أي بشر أن يحقق له ما يريد ؟ لا .                                     
 نعم نستطيع، أن نحدد ذلك إذا نظرنا إلى أنفسنا ونظرنا إلى البشر من حولنا، واستقرأنا أحوال البشر في تاريخهم القريب والبعيد..
نستطيع أن نحدد ذلك إذا عرفنا أن مقصودنا من الفرد هو الإنسان السوي لا الشاذ، الإنسان السليم لا المختل المشوه المشوش.
احتياجات الإنسان كثيرة ومتعددة منها ..
1ـ الحاجة إلي الشعور بإنسانيته وكرامته :ـ
إن الفرد يريد أن يشعر بإنسانيته، ويحيا بخصائصها.                                  
 يريد أن يحس بكرامته وذاتيته، وأن له وزناً وقيمة في هذا الوجود، يريد أن يشعر أن لوجوده غاية. ولحياته رسالة، وأنه شيء مذكور بين،أشياء هذا الكون العديدة.                                                                                               
وأنه مخلوق متميز عن القرود والدواب والحشرات، وأنه لم يخلق في هذه الأرض عبثاً، ولا أُعطي العقل وعُلم البيان اعتباطاً.                                        
الفرد ينشد الكرامة، وينشد معها القوة .. 
وهو مع هذا- ينشد شيئا آخر. يلهث الناس جميعاً في البحث عنه: 
إنه ينشد السعادة، ينشدها في هذه الحياة لا في الحياة الأخرى فحسب .. 
لا يريد أن يقضي أيامه المقدرة له في هذه الدنيا شقياً تعيساً .                   
يريد أن يعيش حياته ناعماً بسكينة النفس، وطمأنينة القلب.                    
يريد أن يتمتع بالأمن الداخلي يغمر جوانحه، وبالرضا الذاتي يملأ عليه أقطار روحه، وبالأمل المشرق يضيء له آفاق حياته، وبالحب الكبير يغمر بالنور والضياء كل حناياه، وكل جوانب دنياه. 
 ولا يستطيع أي منهج أن يحقق هذه المطالب للإنسان إلا هذا الدين الذي شرعه الله للبشرية جمعاء .                                                                                      
الإسلام وتحقيق الكرامة والعزة :ــ 
أما الإنسان في نظر الإسلام فهو مخلوق كريم على الله، خلقه ربه في أحسن تقويم، وصوره فأحسن صورته، خلقه بيديه ، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وميزه بالعلم والإرادة، وجعله خليفته في الأرض، ومحور النشاط في الكون، وسخر له ما في السموات وما في الأرض جميعاً، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، فكل ما في الكون له ولخدمته.              أما هو فجعله تعالى لنفسه.
يقول الله تعالى في بعض الآثار الإلهية: "ابن آدم، خلقتك لنفسي، وخلقت كل شيء لك، فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك له،ابن آدم، خلقتك لنفسي فلا تلعب، وتكفلت برزقك فلا تتعب. ابن آدم، اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتني فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء".
حقاً إن الإنسان شيء ضئيل بالنسبة لسعة الكون من حيث حجمه وحياة جسمه، ولكنه من حيث روحه وكيانه المعنوي شيء كبير، وهل الإنسان في الحقيقة إلا ذلك الروح وذلك الكيان المعنوي؟
ولله در القائل:
وداؤك منك وما تشعـر      دواؤك فيك وما تبصر             
 وفيك انطوى العالم الأكبر!  وتزعم أنك جرم صغير

وحقاً أن الإنسان من حيث عمره القصير على الأرض ذرة في صحراء الأزمنة الجيولوجية البعيدة الضاربة في أغوار القدم إن صح ما قالوا ولكن المؤمنين: يوقنون أن الموت ليس نهاية الإنسان، إنه محطة انتقال إلى الأبد الذي لا نهاية له، إلى دار الخلود .. إلى حيث يقال للمؤمنين: }سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73){ (الزمر).
وإذا كانت هذه كرامة الإنسان هذا نظر الدين عامة، فله في الإسلام خاصة مكان أي مكان. تحدث القرآن عن الإنسان في عشرات بل مئات من آياته، وحسبنا أن أول فوج من آيات الوحي الإلهي نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم وكانت خمس آيات لم تغفل شأن الإنسان وعلاقته بربه - علاقة الخلق والتكريم. وعلاقة الهداية والتعليم، واختارت الآيات لفظ "الرب" لما يشعر به من التربية والرعاية والترقية في مدارج الكمال، هذه الآيات الأولى هذا القرآن هي قوله تعالى:
}اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5){ (العلق)
وفي آيات كثيرة من سور شتى، بين القرآن قرب الإنسان من الله، وقرب الله من الإنسان، ذلك القرب القريب الذي حطم أسطورة الوسطاء والسماسرة المرتزقين بالأديان، الذين جعلوا من أنفسهم «حجاباً» على "أبواب" رحمة الله الواسعة، والله يعلم إنهم كاذبون. قال الله تعالي:}وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186){ (البقرة).
وقال تعالي }وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115){ (البقرة).
وقال تعالي }وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16){ (ق).
وقال تعالي }  مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7){ (المجادلة).
ويؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في أحاديثه عن ربه: "أنا عند حسن ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني: إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي. وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وان تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وان أتاني يمشي أتيته هرولة" (رواه البخاري).
هذه مكانة الإنسان عند الله.
أما مكانته هناك في الملأ الأعلى -عند العوالم الروحية العلوية- فهي مكانة اشرأبت إليها أعناق الملائكة المقربين، وتطاولت إليها نفوسهم فما أوتوها. فإن الذي اختار الله له هذه المكانة خلافة الله في الأرض هو الإنسان قال تعالي :
} وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33){ البقرة..
 وقد أراد الله أن يكرم هذا النوع ويحتفي به، ويظهر مكانه في تلك العوالم الروحية، فأمر الملائكة أن تؤدي التحية لهذا الكائن الجديد، وتستقبله بانحناءة إجلال وإكبار، قال تعالي }إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) {( ص).
لقد تمرد إبليس على أمر ربه بالتحية لهذا الإنسان، ودفعه الحسد والغرور أن أبى واستكبر وكان من الكافرين، واتخذ من الإنسان موقف التحدي والعداء، فماذا كانت عاقبة هذا العدو المبين؟ كانت كما ذكر القرآن قال:
}قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ (78){ (ص).
وتلك هي مكانة الإنسان في العوالم الروحية.
أما مركز الإنسان في هذا الكون المادي العريض فهو مركز السيد المتصرف الذي سخر كل ما في هذا العالم لنفعه ولإصلاح أمره، وكأن كل شيء في هذا الكون قد "نُسِج" من أجله و"فُصِّل" على "قَدِّه" تفصيلاً، قال تعالي }اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32)وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34){(إبراهيم).
وقال تعالي } وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70){ (الإسراء).
وقال تعالي }اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13){ (الجاثية).
وقال تعالي
}أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20){ (لقمان).
وتلك هي مكانة الإنسان في هذا الكون وصلته بما فيه.
وما الذي بوأ الإنسان هذه المكانة السامقة وفي الكون أجرام أضخم منه وأكبر؟
إنه سر القبس الذي هو فيه من نور الله، والنفخة التي فيه من روح الله.
تلك النفخة التي جعلته مستعداً للخلافة في الأرض، مستعداً لحمل الأمانة الكبرى. أمانة التكليف والمسئولية، تلك التي صورها القرآن تصويراً أدبياً رائعاً حين قال تعالي:
} إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72){ (الأحزاب).
هذا الاستعداد في الإنسان هو الذي جعل مصيره بيده بعد أن يسر الله له سبل الهداية وأزاح عنه كل الأعذار:قال تعالي  
}بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14){ (القيامة)
وقال تعالي }وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ(29){ (الكهف).
وقال تعالي }قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10){ (الشمس).
وقال تعالي }إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ(7){ (الإسراء).
لقد سما الإسلام بالإنسان فاعترف به كله، روحه وجسده، عقله وقلبه، إرادته ووجدانه، غرائزه الهابطة وأشواقه الصاعدة ..
لم يضع في عنقه غلاً، ولا في رجله قيداً، ولم يحرم عليه طيباً، ولم يغلق في وجهه باب خير، من لم يدعه للمتاجرين بالدين يتلاعبون به، بل خاطبه خطاباً مباشراً، قال تعالي}يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8){ (الانفطار).
 }يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6){ (الانشقاق).
2ـ الحاجة إلي الأمن :ـ
إن الناس يخافون من أشياء كثيرة، وأمور شتى، ولكن المؤمن سد أبواب الخوف كلها. فلم يعد يخاف إلا الله وحده، يخافه أن يكون فرط في حقه، أو اعتدى على خلقه، أما الناس فلا يخافهم، لأنهم لا يملكون له ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً.
دعا أبو الأنبياء إبراهيم إلى توحيد الله، وتحطيم الأصنام، فخوفه قومه من آلهتهم التي دعا إلى نبذها، فقال إبراهيم متعجبا: قال تعالي
}وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81){ (الأنعام) .
وقد عقب الله على ذلك حاكماً بين الفريقين فقال تعالي :} الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)) (الأنعام).
وفسر النبي صلى الله عليه وسلم الظلم في هذه الآية بالشرك:}إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13){ (لقمان).
فبين لنا أن الإيمان والتوحيد هما أعظم أسباب الأمن والطمأنينة، وبالتالي يكون الجحود بالله أو الشك فيه، أو الشرك به، أعظم أسباب الخوف والاضطراب والرعب. وصدق الله إذ قال تعالي
}سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ۖ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۚ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151){ (آل عمران).
1ـ تشريع عقوبات رادعة لكل من تسول له نفسه الاعتداء على أمن المسلمين ...
قال الله تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)}[المائدة]
2ـ نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عن كل الأعمال الأعمال السلبية التي تنشر الخوف بين الناس كإشهار لسلاح في الشوارع والتجسس وإفزاع المسلمين وإيذاء الجار وعدم رد الأمانات إلى أهلها وغيرها.
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ."
3ـ أمر النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بكل الأعمال الإيجابية التي تحقق الأمن للمسلمين , فاحترم حرية الإنسان في اختيار لدينه...
قال الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)}[البقرة]
وأمر الناس أن يحافظوا على أرواحهم وأرواح إخوانهم ...
قال الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)}[المائدة]
وحث النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ المسلمين أن يحافظوا على أعراض بعضهم البعض وأن يهتموا بالنسل والذرية وأن لا يتعدى أحدهم على مال أخيه إلا بطيب نفس منه ...
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)}[النساء]
ولقد نجح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في توفير الأمن الخارجي من خلال إعداد جيش قوي على درجة عالية من التدريب للذود عن الإسلام وأهله ...
قال الله تعالى: { وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُم ْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)}[التوبة]
المؤمن آمن على رزقه
المؤمن آمن على رزقه أن يفوت فان الأرزاق في ضمان الله الذي لا يخلف وعده، ولا يضيع عبده ، وقد خلق الأرض مهاداً وفراشاً وبساطاً ، وبارك فيها وقدر فيها أقواتها، وجعل فيها معايش، ووعد عباده فيها بكفالة الأرزاق وعداً كرره وأكده وأقسم عليه. وعد كريم لا يبخل. قدير لا يعجز. حكيم لا يعبث:
قال تعالي }وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98){ (الكهف)،
وقال تعالي  وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6){ (الروم)،
وقال تعالي }إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ(58){ (الذاريات)،
وقال تعالي  وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ(22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23){ (الذاريات)،
وقال تعالي}وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6){ (هود)،
وقال تعالي }وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60){(العنكبوت).
بهذه الضمانات يعيش المؤمن حياته آمناً على رزقه. مطمئناً إلى أن الله لن يهلكه جوعاً، وهو الذي يطعم الطير في الوكنات ،والسباع في الفلوات والأسماك في البحار، والديدان في الصخور.
ولقد كان المؤمن يذهب إلى ميدان الجهاد حاملاً رأسه على كفه متمنياً الموت في سبيل عقيدته، ومن خلفه ذرية ضعاف، وأفراخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر، ولكنه كان يوقن أنه يتركهم في رعاية رب كريم، هو أبر بهم وأحنى عليهم منه.
وتقول الزوجة عن زوجها وهو ذاهب في سبيل الله: إنني عرفته أكَّالاً وما عرفته رزاقاً، ولئن ذهب الأكَّال لقد بقي الرزاق!
وهو آمن على أجله، فإن الله قدر له ميقاتاً مسمى، أياماً معدودة وأنفاساً محدودة. لا تملك قوه أن تنقص من هذا الميقات أو تزيد فيه  قال تعالي } وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34){(الأعراف)،
وقال تعالي } وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11){ (المنافقون)،
وقال تعالي}إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ۖ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4){ (نوح)،
وقال تعالي}وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11){ (فاطر).
أيقن المؤمن أن الله قد فرغ من الآجال والأعمار، وكتب على كل نفس متى تموت وأين تموت.

فليس يموت في أرض سواها        ومن كانت منيته بأرض

وبهذا ألقى عن كاهله هم التفكير في الموت والخوف على الحياة.
هذا الأمن على الرزق والأجل منح المؤمن السكينة والطمأنينة، كما منحه القوة في مواجهة الحياة وما فيها من طغيان وجبروت.
هدد الحجاج سعيد بن جبير بالقتل فقال له: لو علمت أن الموت والحياة في يدك ما عبدت إلها غيرك!
إذن الإسلام هو الذي يحقق للإنسان ما يحتاجه من احتياجات .
3ـ الحاجة إلي السعادة والحياة الطيبة :ـ
إن الإيمان بالله تعالي  يجعل الإنسان صاحب مبدأ يسعى لتحقيقه فتكون حياته تحمل معنى ساميا نبيلا يدفعه إلى العمل والجهاد في سبيله، وبذلك يبتعد عن حياة الأنانية الضيقة، وتكون حياته لصالح مجتمعه وأمته التي يعيش فيها، فالإنسان عندما يعيش لنفسه تصبح أيامه معدودة وغاياته محدودة أما عندما يعيش للفكرة التي يحملها فإن الحياة تبدو طويلة جميلة تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتها لوجه الأرض، وبذلك يتضاعف شعوره بأيامه وساعاته ولحظاته.
ـ إن الإيمان ليس فقط سببا لجلب السعادة بل هو كذلك سبب لدفع موانعها، ذلك أن المؤمن يعلم أنه مبتلى في حياته وأن هذه الابتلاءات تعد من أسباب الممارسة الإيمانية، فتتكون لديه المعاني المكونة للقوى النفسية المتمثلة في الصبر والعزم والثقة بالله والتوكل عليه والاستغاثة به والخوف منه، وهذه المعاني تعد من أقوى الوسائل لتحقيق الغايات الحياتية النبيلة وتحمل الابتلاءات المعاشية كما قال الله تعالى: } إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ (104){ [النساء].
ـ  فالسعادة شيء ينبع من داخل الإنسان .. ولا يستورد من خارجه . وإذا كانت السعادة شجرة منبتها النفس البشرية ، والقلب الإنساني، فإن الإيمان بالله وبالدار الآخرة هو ماؤها ، وغذاؤها ،وهواؤها “
ويقول مصطفى لطفي المنفلوطي رحمه الله : "حسبك من السعادة في الدنيا : ضمير نقي،ونفس هادئة، وقلب شريف " .
يروى أن زوجا غاضب زوجته ، فقال لها متوعدا : لأشقينك . قالت الزوجة في هدوء : لا تستطيع أن تشقيني ، كما لا تملك أن تسعدني . فقال الزوج : وكيف لا أستطيع ؟ فقالت الزوجة : لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني ، أو زينة من الحلي والحلل لحرمتني منها ، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون !.. فقال الزوج في دهشة وما هو ؟ قالت الزوجة في يقين : إني أجد سعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي ، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي !..
ولهذا يذكر ابن القيم رحمه الله أنه سمع شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة, وقال لي مرة (يعني شيخ الإسلام): ما يصنع أعدائي بي؟ إن جنتي وبستاني في صدري إني رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة. وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلتُ ملء هذه القلعة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمة، وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى والمأسور من أسره هواه.
ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله عذاب.
 يقول ابن القيم: ( وعلم الله ما رأيتُ أحداً أطيب عيشاً منه مع ما كان فيه من ضيق العيش فهو من أطيب الناس عيشاً وأشرحهم صدراً وأقواهم قلباً وأسرهم نفساً تلوح نضرة النعيم على وجهه)
العنصر الرابع : أثر الإسلام في حياة الفرد والمجتمع
لقد تعددت آثار الإسلام الحنيف الشريف على البرية  جمعاء وهي تتمثل فيما يلي:
1ـ أنه أخرج الناس من ظلمات الكفر والشرك والضلالة إلى أنوار التوحيد والإيمان والهداية ...
قال الله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)}[الطلاق]
2ـ أن العرب نالوا باتباعه السؤدد والمكانة من بعد الذل والخزي والمهانة ...
قال الله تعالى:{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)}[فاطر]
وقال أيضا مبينا أن مصدر العزة هو الله وأن البشر لا يملكونها وأنها لرسوله وللمؤمنين ...
قال الله تعالى متحدثا عن المنافقين:{ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ
وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)}[المنافقون]
قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله )
حقا أقول: لقد نقل النبي صلى الله عليه وسلم قومه من العرب من رعاية الغنم إلى رعاية الأمم.
3ـ أنه ارتقى بالبشرية من حياة تشبه حياة الأنعام بل هم أضل إلى حياة حقيقية تليق بهم بشرًا وآدميين , وذلك لأنه وازن بين حاجات الجسد وحاجات الروح فلم يهتم بجانب على حساب الآخر ...
قال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)}[الأنفال]
بل يصح لنا أن نقول بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حولهم من موتى إلى أحياء ...
قال الله تعالى:{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)}[الأنعام]
وقال أيضا:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)}[الشورى]
4ـ إصلاح الانحراف الديني عند الناس ...
إن النبي صلى الله عليه وسلم ـ جاء داعيا الناس ليعبدوا الله وحده , ويتركوا عبادة الآلهة المزعومة من أصنام وأحجار وغيرها ...
لقد جاء ليرسخ في عالم الناس التوحيد بأنواعه ويقضي على الشرك بأنواعه وأشكاله المتنوعة ...
قال الله تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)}[الكهف]
وقال أيضا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)}[الأنبياء]
وقال أيضا: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)}[النحل]
ولقد لخص جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي الأثر الديني لمحمد صلى الله عليه وسلم على الناس وهاكم ما يوضح ذلك ...
أخرج البخاري في صحيحه من حديث أم سلمة أن النجاشي لما جاءه وفد قريش ليُرجِعوا جعفر ومن معه من المؤمنين إلى مكة للتنكيل بهم قال النجاشي لجعفر ومن معه:
{مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي وَلَا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ قَالَتْ:فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ:
أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ قَالَ فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنْ الْخَبَائِثِ فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَشَقُّوا عَلَيْنَا وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالَتْ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ كهيعص قَالَتْ فَبَكَى وَاللَّهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تَلَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ إِنَّ هَذَا وَاللَّهِ وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ انْطَلِقَا فَوَاللَّهِ لَا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْكُمْ أَبَدًا وَلَا أُكَادُ}
5ـ إصلا الحياة السياسية و تتمثل في الآتي:
أ ـ أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ استعاض بالقوانين الجائرة التي كانت تفصل بين الناس أحكاما إلهية معصومة لم يعرف التاريخ ولن يعرف أحكاما مشابهة لها استطاعت تحقيق العدالة والإنصاف والاستقرار والرقي والتحضر والعمارة كما حققتها الأحكام الإسلامية القرآنية التي أوحاها الله لنبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ
قال الله تعالى:{ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)}[المائدة]
وقال أيضا:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)}[يوسف]
بل لقد جعل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ التحاكم إلى البشر تحاكما إلى الطاغوت ولونا من ألوان الشرك بالله تعالى ...
قال الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)}[النساء]
وقال أيضا:{وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}[الكهف]
وكل هذا لأن العدالة لا تتحقق مطلقا أبدا إلا بالأحكام التي شرعها الله تعالى , إذ إنه الأعلم بما هو الأصلح لعباده ...
قال الله تعالى:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)}[الملك]
ب ـ القضاء علي الإستبداد والديكتاتورية وأرسي مبدأ الشوري ..
قال الله تعالى:{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِي نَ (159)}[آل عمران]
وقال أيضا:{ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)}[الشورى]
وكثيرا ما كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : "أشيروا علي أيها الناس"
ولعل فرعون يمثل أبرز صور الديكتاتورية والاستبداد فقال الله مشيرا إلى سوء صنيعته: قال تعالي{قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)}[غافر]
ج ـ جعل النبي صلى الله عليه وسلم سياسة أمور الناس تكليف وليست تشريف ،وأمرالأئمة والساسة أن يفعلوا الأصلح بالأمة وألا يقصروا أو يفرطوا فيما ولاهم الله تبارك وتعالى
أخرج مسلم في صحيحه عَنْأَبِي ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ:{يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَ.}
أخرج البخاري في صحيحه عن معقل بن يسار قال:سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:{مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ.}
أخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ.}
6ـ الإرتقاء بالعقل والفكر :ـ
فقد ورد مصطلح العقل في القران بصيغتي الاسم والفعل ما يقارب بمن 50 مرة , ووردت لفظة أولي الألباب ما يقارب من بضع وعشرين مرة , وهذا إن دل فإنما يدل على اهتمام الإسلام العظيم بالعقل , وسوف أقوم بتعداد بعض مظاهر اهتمام الإسلام بالعقل وهي كالتالي:
1ـ حفز الله تعالى الإنسان في القرآن ليفعل عقله ويستخدمه في الاستدلال والتمييز بين ما حق وما هو باطل...
قال الله تعالى: { أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)}[الأعراف]
2ـ نهى الله عن التقليد الأعمى لأنه يعطل العقل , بل لقد أرشدنا الله أن من أهم أسباب تقليدهم الأعمى لغيرهم وعدم إعمالهم لعقولهم ...
قال الله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)}[الملك]
وقال أيضا: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)}[الزخرف]
وإنك إذا ذهبت تنظر إلى عالمنا المعاصر وجدت الكثيرين قد قلدوا شيوخهم أو أحزابهم أو جماعاتهم في المعروف والمتلوف , مؤتسيا بمن سبقوا , ومقتديا بهم , دون أن يعمل عقله أو يجد في البحث عن الحق.
3ـ حث الله تبارك وتعالى الإنسان ألا يتبع إلا ما قام عليه الدليل وساندته الحجج وأيدته البراهين ونهى الله أن يكون الإنسان كحاطب ليل يتلقف كل ما يصله ويصدق كل ما يسمعه , ويؤمن بكل ما يقال له , ويحدث بكل ما وصل إليه ...
قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}[الإسراء]
وقال أيضا:{وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ
(75)}[القصص]
أخرج مسلم في صحيحه عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ."
4ـ حبب النبي صلى الله عليه وسلم الناس في طلب العلم والتزود منه , وذلك لأن العقل إنما يرقى بالعلم لا بغيره ...
قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)}[الزمر]
وقال أيضا: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)}[العنكبوت]
وقال أيضا: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)}[المجادلة]
7ـ الإرتقاء بالأخلاق والسلوك:ــ
لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى العرب وكانوا يتصفون بصفات وأخلاق بعضها حميدة فجاء الإسلام وأقرها والأخرى رذيلة فجاء الإسلام وأنكرها , ولقد تميز النبي صلى الله عليه وسلم بين قومه بأخلاقه فَعُرف بلقب الصادق الأمين ...
ويوم أراد الله مدح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مدحه بأخلاقه ...
قال الله تعالى: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5)}[القلم]
أخرج الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « بعثت لأتمم صالح الأخلاق »
أخرج مسلم في صحيحه عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ:دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْكُوفَةِ فَذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا. »
ولقد جد النبي صلى الله عليه وسلم في القضاء على كل ما هو رديء من أخلاق الجاهلية وسلوكياتها ...
أخرج مسلم في صحيحه عن أبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنّ َ الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالْاسْتِسْقَا ءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ وَقَالَ النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا
تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ."
وأخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ"
8ـ الإرتقاء بالحياة الاجتماعية :ـ
ولقد ارتقي الإسلام بالحياة الاجتماعية بعد الفرقة والشتات أصبحت الأمة ، أمة واحدة تحت راية واحدة وهي راية الإسلام.
 فالعرب خاصة والناس عامة من خلال تجربة التاريخ لا يوحدهم إلا الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)}[آل عمران]
وقال أيضا: { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}[الأنفال]
وعاش الناس بعد مجيء النبي صلى الله عليه وسلم في استقرار أسري لا مثيل له , وذلك لأنه بين لكل إنسان ما له من حقوق وما عليه من واجبات , فبين حقوق كل من الآباء والأبناء بعضهم على بعض ...
قال الله تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَينِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}[الإسراء]
أخرج مسلم في صحيحه عن النعمان بن بشير قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ"
وبين حقوق كل من الزوجة على زوجها والزوج على زوجته ...
أخرج مسلم في صحيحه عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَّرَ وَوَعَظَ فَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ قِصَّةً فَقَالَ:
" أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ"
وبين حقوق القريب على قريبه , كما وبين حقوق المسكين وابن السبيل على الموسرين من المسلمين ...
قال الله تعالى: { فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)}[الروم]
وبين حقوق الجيران بعضهم على بعض ...
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي شُرَيْح أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ."
وبين حق المسلم على أخيه المسلم ...
أخرج البخاري في صحيحه أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
" حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ."
 وحتى يكون حال المجتمع المسلم على أحسن الحال لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم عملا من الأعمال التي تنشر المحبة إلا وأمر بها , ولم يترك عملا من الأعمال التي تنشر الكراهية إلا وحرمها ...
أخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ."
أخرج أبو داوود في سننه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ."
9ـ الإصلاح الإقتصادي :ـ
إن النظام الاقتصادي المعاصر يعيش بين طرفي نقيض , فالرأسمالي يقدس مصلحة الفرد مهملا مصلحة الجماعة , والاشتراكي يقدس مصلحة الجماعة مهملا مصلحة الفرد , أما الإسلام فهو دين الوسطية بين هذا وذاك ...
قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ... (145)}[البقرة]
ولذلك نراه يوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة , فالبيع حلال والربا حرام , والإضرار بالتجار حرام من قبل الحكومات , ومضارة التجار للعامة بالاحتكار وغيره حرام أيضا , والأمانة في البيع والراء مطلوبة شرعا , والغش والخيانة والخداع والغرر محرمة ...
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا."
ولقد ارتقى النبي صلى الله عليه وسلم بالنظام الاقتصادي وأحدث فيه تقدما ما أحدثه إنسان قبله ولن يحدثه بعده إلا رجلا متمسكا بتوجيهاته وتعليماته , ويظهر ذلك من خلال النقاط التالية:
1ـ أوجب النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين أن يعملوا , لأن الدين والدنيا لا يقومان إلا بالعمل ...
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)}[الملك]
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ."
2ـ حارب الإسلام البطالة ويقصد بها: القعود عن العمل مع القدرة عليه لعدم توفره...
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ."
3ـ فرض النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة على المسلمين وهي كما هو معلوم ركن من أركان الإسلام الخمسة ...
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ."
4ـ أوجب النبي صلى الله عليه وسلم نفقة القريب المعدم على قريبه ...
قال الله تعالى: { فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)}[الروم]
وجعل النفقة والصدقة من أفضل الأعمال التي تبوأ صاحبها المنازل العلى عند الله ...
قال الله تعالى: { وَسَيُجَنَّبُهَ ا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)}[الليل]
وقال أيضا: { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)}[البقرة]
5ـ دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوازن الاقتصادي في المجتمع وحارب الطبقية وهي: أن يكون في المجتمع أغنياء غنى فاحش وفقراء تحت خط الصفر دون أن يكون هناك طبقة وسطى...
قال الله تعالى: { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)}[الحشر]
ولعل من أبرز حكم مشروعية الميراث إحداث التوازن الاقتصادي والقضاء على الطبقية الاقتصادية.
6ـ حث النبي صلى الله عليه وسلم على التكافل الاجتماعي والتعاون الاجتماعي لمواجهة الأزمات الاقتصادية ...
أخرج أحمد في مسنده عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرِئَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ (حي أو حارة) أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى."
أخرج البخاري في صحيحهعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْأَشْعَرِيِّي نَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ."
الخاتمة ....
أيها المؤمنون "إن الإسلام مفخرة عظيمة لأهله لأنه يأمر بكل خلق فاضل وينهى عن كل خلق سافل يأمر بكل تقدم إلى ما فيه الخير، ويحث على القوة والسعي في الأرض, وليس متناقض مع التقدم والتطور والسهولة كما يزعم الأعداء.
فالإسلام دين اليسر والسهولة والمصالح والانطلاق النافع لا صعوبة فيه ولا تهور ولا خمول ولا فوضى, ولا غنى للبشرية عنه, فهل بعد هذا من دليل أو برهان على أن هذا الدين دين الحق واليسر والسهولة والتقدم؟!
ومن شك في ذلك فلينظر لتاريخ ماضينا وأمجادنا في الإسلام؛ فتحوا القلوب بالإيمان والعلم وفتحوا البلاد بالحق والعدل.
فنسأل الله تعالى الكريم المنان الواسع الفضل أن يمن علينا جميعاً بحب شريعة الإسلام, ونسأله جل وعلا أن يبصرنا في ديننا ويرزقنا التمسك به والوفاة عليه إنه جواد كريم.
=============
رابط word

رابط pdf

ليست هناك تعليقات: