8 مارس 2023

الشهداء وصناعة الموت

 


الحمد لله رب العالمين … خلق الموت والحياة ليبتلينا فقال تعالي }الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2){ الملك .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. خلق الخلق، فأحصاهم عددا وجعل مرجعهم ومآلهم إليه حيث توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون فقال تعالي}وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281){ البقرة .
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم …. هو القائل :عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :} إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله ) قالوا : كيف يستعمله ؟ قال يوفقه لعمل صالح قبل موته {(رواه الإمام أحمد ،والترمذي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة )  
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين.
أما بعد : فيا أيها المؤمنون .     
لَقَد كَتَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الموت عَلَينَا فمَهمَا فَرَرنَا وَتَوَقَّينَا الحذر منه لا بد أَن نَصِيرَ إِلَيهِ ، قال تعالي } قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(8) {الجمعة.
وقال تعالي } حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62){الأنعام.
قال تعالي} إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ(4){ يونس .
وقال تعالي } وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى(42){ النجم.
فالموت حقيقة لا مفر منها، وباب لابد من ولوجه لكل من هو على هذه الأرض، سواءً كان ذكراً أو أنثى، أو غني أو فقير أو شقي أو سعيد، وهو حقيقة ما بعدها أشد منها، حيث ينقسم الناس إلى قسمين: شقي وسعيد.
وطالما أن الموت هو اليقين كما سماه الله عز وجل في القرآن الكريم فقال تعالي } وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99){ الحجر ،لذلك اهتم السلف الصالح بفهم حقيقة الموت وحرصوا علي الموتة الشريفة الكريمة لذلك تعلموا صناعة الموت فوهب الله تعالي لهم الحياة الكريمة ..
لذلك كان حديثنا }الشهداء وصناعة الموت{ وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ فهم حقيقة الموت .
 2ـ تعامل السلف مع الموت.
3ـ صناعة الموت.
4ـ الكرامة التي أعدها الله تعالي للشهداء في سبيله.
5ـ نماذج لصناع الموت.
6ـ الخاتمة.
----------------
العنصر الأول : فهم حقيقة الموت :
أ.  فهم الموت جزء من العقيدة
أيها المؤمنون ... يموت الكثير من الناس، ، ولا يكون لموتهم أي صدى، وقد يموت بعض الأشخاص ويكون لموتهم صدىً كبير.
لذلك يجب أن تكون حقيقة الموت واضحة جدا في أذهاننا ، ففهم حقيقة الموت جزء من عقيدتك، جزء من دينك، جزء من إيمانك.
الإنسان في أدق تعاريفه بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، هو وقت، هو زمن، رأس ماله هو الزمن، أثمن شيء يملكه هو الزمن، الزمن وعاء عمله.
روى أن الحسن البصري رحمه الله يقول: ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة.
الوقت أثمن من المال، والدليل على ذلك أن الإنسان إذا أصيب لا قدر بمرض يقتضي العلاج أن يبيع بيته لا يتردد أبداً في بيع بيته لدفع نفقات علاج، أو عملية جراحية، يتوهم أنها تطيل عمره بضع سنوات .
أن نفهم حقيقة الموت جزء من ديننا أن نعد للموت هو عقلنا، هو التوفيق الذي ما بعده توفيق أن تعد لساعة لابد منها، قال تعالى: }وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)94){ [الأنعام]
قال تعالي}فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93){ [الحجر]
فالموت يقين لا ريب ولاشك فيه : قال تعالي } وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19){[ق]
فالليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر  والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر.
كل ابن أنثى و إن طالت سلامته          يوماً على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبـــور جنــــــــازة       فاعلم بأنك بعدهــا محمــــــــول
من هذا الذي يستطيع أن يجادل في الموت وسكرته ؟
وأي مخاصمة في القبر وضمته ؟
ومن يقدر على تأخير موته وتأجيل ساعته ؟
قال تعالي }وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ(34){ [الأعراف]
فمن أسماء الله القهار، أو من أسماء الله القاهر، والله عز وجل قهر عباده بالموت، لو أن مليون طبيب قمم في الطب قدموا كل خبراتهم وكتب الله على الإنسان الموت هؤلاء لا ينفعونه شيئاً، لو أنك تملك أموال الدنيا وجاء ملك الموت لا تنتفع بها شيئاً، لو أنك أقوى إنسان في العالم وجاء ملك الموت لا ينتفع الإنسان به إطلاقاً.
قال الشاعر أبو العتاهية:
لا تأمن الموت في طرف ولا نفس       وإن تمنعت بالحجاب و الحـرس
فما تزال سهام الموت نافـذةً         في  جنب مدرع منها و مـترس
أراك لست بوقاف ولا حـذر          كالحاطب الخابط الأعواد في الغلس
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها      إن السفينة لا تجري على اليبس
ب . الموت نهاية كل حيّ و النفس تذوق الموت و لا تموت :
أيها المؤمنون .... أكبر وهم، وأكبر خطأ، وأكبر تصور مهلك أن نتوهم أن الموت فناء، وهو عدم تام، ليس بعده حساب، ولا حياة، ولا حشر، ولا نشر، ولا جنة، ولا نار، لذلك من الخطأ الفاحش أن تقول : الفقيد، الميت له حياة صارخة ولكن بنظام آخر، نظام الدنيا انتهى، أما هناك نظام آخر فالنفس تذوق الموت و لا تموت .
قال تعالي } وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77){ [الزخرف]
إلى أبد الآبدين، إما في جنة يدوم نعيمها، أو في نار لا ينفذ عذابها، لو أن الموت نهاية كل حي وهو العدم المطلق والفناء المحض لانتفت حكمة الله من خلقه، ولاستوى الناس جميعاً بعد الموت، فالمؤمن كالكافر، والقاتل كالمقتول، والظالم كالمظلوم، والطائع كالعاصي، والزاني كالمصلي، والفاجر كالتقي، هذا مذهب الملاحدة .
فالموت انفصال النفس عن الجسد فقط، والانتقال من دار إلى دار، من دار التكليف إلى دار الجزاء، ومن دار الضيق إلى دار السعة.
قال تعالي ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ (116){ [المؤمنون]
قال تعالي } زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7){ [التغابن]
وقال تعالي } وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ(79){ [يس]
فالموت نهاية السباق في الدنيا يقول الله عز وجل:}نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ(60){[ الواقعة]
 الموت من قدر الله، الموت ينهي قوة القوي وضعف الضعيف، ينهي صحة الصحيح ومرض المريض، ينهي وسامة الوسيم ودمامة الدميم، ينهي غنى الغني وفقر الفقير، الموت يسوي بين الخلق جميعاً فيما يبدو لكن المشكلة ما بعد الموت.
 تصور طريقاً أعدّ ليكون مكاناً لسباق سيارات، السيارات من مختلف الأنواع والأشكال والأحجام والنماذج، ينتهي هذا الطريق بحفرة ليس لها من قرار، فالكبيرة تسقط، والصغيرة تسقط، والمسرعة تسقط، والمبطئة تسقط، والحديثة تسقط، والقديمة تسقط، ما هذا السباق ؟
ومما يدل على أن الروح لا تنعدم بالموت، قول تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عن ربهم يرزقون} [آل عمران: 169].
الموت خلع ثوب كنت ترتديه ، فك ارتباط الجسم بالثوب أو فك ارتباط النفس بالجسد هذا هو الموت.
لقد خاطب النبي عليه الصلاة والسلام كفار قريش وصناديد قريش القتلة في معركة بدر سماهم بأسمائهم، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: ((سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ اللَّيْلِ بِبِئْرِ بَدْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُنَادِي: يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَيَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ، وَيَا عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ، وَيَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ؟ فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ تُنَادِي قَوْمًا قَدْ جَيَّفُوا ؟ فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُجِيبُوا) [ مسلم]
وجود الإنسان صارخ بعد الموت، موجود بوعيه وأعماله التي فعلها وحالته مع الله التي كان بها أو التي لم يكن عليها، هذا كله موجود.
فمن لم يعمل للآخرة فإن خللاً كبيراً في عقله لأن الإنسان إذا عمل للدنيا فهو أكبر مقامر، وأكبر مغامر.
ج. الموت مصيبة من أعظم المصائب :
عند الموت تنقطع التوبة والإمهال، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح ،عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ)) [ رواه الترمذي]
لذلك سماه الله تعالى في كتابه مصيبة، فقال تعالى }فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ (106){ [المائدة]
حكي أن ثلاثةً من الأصدقاء يجمع بينهم الطَّيش والعَبَث والجنون، كانوا يستدرجون الفتيات الساذجات بالكلام المعسول، ثم ينقلبون إلى ذئاب لا ترحم توسُّلاتِهن، يقول الراوي: ذهبنا كالمعتاد للمزرعة، وكان كل شيءٍ جاهزًا، الفريسة لكل واحدٍ منا، والشراب الملعون، شيء واحد نسيناه وهو الطعام، وبعد قليل ذهب أحدنا لشراء العشاء بسيارته، وكانت الساعة السادسة تقريبًا عندما انطلق، ومرَّت الساعات دون أن يعود، وفي العاشرة شعرتُ بالقلق، فانطلقتُ بسيارتي أبحث عنه، في الطريق شاهدتُ بعض ألسنة النار تندلع على جانب الطريق، وعندما وصلت فوجئت بأنها سيارة صديقي، والنار تلتهمُها وهي مقلوبة على أحد جانبيها، أسرعت كالمجنون أحاول إخراجه من السيارة المشتعلة، وذهلت عندما وجدت نصف جسده قد تفحَّم تمامًا، لكنه كان ما يزال على قيد الحياة، فنقلته إلى الأرض، وبعد دقيقة فتح عينيه وأخذ يهذي: النار… النار، فقررتُ أن أحمله بسيارتي وأسرع به إلى المستشفى، ولكنه قال بصوت باكٍ: لا فائدة لن أصل، فخنقتني الدموع وأنا أرى صديقي يموت أمامي، وفوجئت به يصرخ: ماذا أقول له؟!
نظرتُ إليه بدهشة وسألته: مَن هو؟
قال بصوت كأنه قادم من بئرٍ عميق: “الله”، أحسستُ بالرعب يجتاح جسدي، وفجأة أطلق صديقي صرخة مدوِّية، ولفظ آخر أنفاسه، ومضت الأيام، لكن صورة صديقي الراحل وهو يصرخ والنار تلتهمه، ماذا أقول له؟
 ماذا أقول له؟ ووجدتُ نفسي أتساءل: وأنا، ماذا أقول له؟
فاضت عيني واعترتني رعشة غريبة، وفي نفس الوقت سمعت المؤذِّن ينادي لصلاة الفجر، الله أكبر.. الله أكبر، فأحسستُ أنه نداء خاص بي، يدعوني إلى طريق النور والهداية، فاغتسلت وتوضأت وطهَّرت جسدي من الرذيلة التي غرقت فيها لسنوات، وأديتُ الصلاة، ومن يومِها لم تَفُتْني فريضة”.
العنصر الثاني : تعامل السلف مع الموت :ـ
لقد كان السلف يستعدون لمثل هذا اليوم و يتصورون حالهم...و يمثلون لمآلهم...و يستعدون لمنزلهم...
 فكان الربيع بن خثيم يتجهز لتلك الليلة، ويروى أنه حفر في بيته حفرة فكان إذا وجد في قلبه قسوة دخل فيها، وكان يمثل نفسه أنه قد مات وندم وسأل الرجعة فيقول: [رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ]. {المؤمنون}.
ثم يجيب نفسه فيقول : قد رجعت يا ربيع !! فيرى فيه ذلك أياماً ، أي يرى فيه العبادة والاجتهاد والخوف الوجل.
وكان يزيد الرقاشي يقول لنفسه : «ويحك يا يزيد ! من ذا يصلي عنك بعد الموت ؟ من ذا يصوم عنك بعد الموت؟
 من ذا يترضى عنك بعد الموت؟ ثم يقول : أيها الناس ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم .. من الموت موعده .. والقبر بيته .. والثرى فراشه .. والدود أنيسه .. وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر .. كيف يكون حاله ؟! ثم بكي رحمه الله قال تعالى:( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )
 لقد كان الصالحون مشغولون بما بعد الموت ، وإن أعطوا ما أعطوا مِن حسنات الدنيا، قال الله تعالى عن نبيه يوسف عليه السلام }رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ(101){ (يوسف)
وعندما حضرت الوفاة معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: مرحباً بالموت زائر مغيب، وحبيب جاء على فاقة، اللهم إني كنت أخافك، فأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء عند حِلَقَ الذكر.
ولما احتضر عمر بن عبد العزيز قال لمن حوله: أخرجوا عني فلا يبق أحد. فخرجوا فقعدوا على الباب فسمعوه يقول: مرحباً بهذه الوجوه، ليست بوجوه إنس ولا جان، ثم قال: ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعافية للمتقين)، ثم قُبض رحمه الله.
وكثير من السلف الصالح مات وهو على طاعة داوم عليها فترة حياته.
العنصر الثالث : صناعة الموت :
الناس في هذا الأمر أصناف متعددة ، صنف يموت من أجل الدنيا ومنهم من يموت بالسكتة القلبية ،ومنهم من يموت في حوادث الطرق ، ومنهم يموت في مشاجرة من أجل أمر لا قيمة له ، فالكل سيموت ..
لقد مات سيدنا إبراهيم عليه السلام ومات النمروذ ، ومات سيدنا موسي عليه السلام ، ومات فرعون ، وكذلك   توفي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ومات صناديد قريش ، فالمؤمن يموت والكافر يموت ،والصالح يموت والطالح يموت ، فكل الخلق يموت فاختر كيف تموت فهذا كان شعار الصالحين من سلف الأمة  ...
 لذلك هناك صنف من الناس هانت عليهم دُنياهم ولم تغرَّهم مُتَعُ الحياة وزخرفها، ولم يقعدْ بهم الخوف على   الذريَّة والعيال، سلكوا طريقًا جبن عنه الكثيرُ، اختاروا طريقًا قلَّ سالكوه، وركبوا بحرًا تقاصَرتِ الهمم عن   رُكوبِه، علموا أنَّ العمر محدودٌ والطريق طويل؛ فاختاروا أرفعَ المقامات وتسنَّموا ذُرَى الإسلام، علموا أنَّ أغلى ما يملكه الإنسان روحه التي بين جنبَيْه، فقدَّموها قُربانًا إلى ربهم، يهون المال والمتاع دُون الدم، ولكنَّهم أراقوا   دِماءهم في سبيل الله،
سمعوا قول الله تعالى: }إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ   وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ   وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111){ [التوبة]،
فعقدوا البيعَ مع الله، السِّلعة أرواحهم ودماؤهم، والثمن الموعود عند الله هو الجنة، ومَن أوفى بعهده من الله؟!
فيا لله ما أعظمَه من بيعٍ، وما أعظمه من ربح!
لله درهم، ما أشجعهم! غادَرُوا أوطانهم، وهجَرُوا نساءهم، وفارَقُوا أولادهم وخلانهم يطلُبون ما عند الله، تركوا    لذيذَ الفِراش ورغد العيش وخاطَرُوا بأنفُسِهم في سبيل الله يطلُبون الموت مظانه، لله درُّهم ما أقوى قلوبهم، لله   درُّهم ما أقوى إيمانهم حين يعرضون رقابهم للحُتوف ويريقون دماءَهم تقرُّبًا إلى الله ربِّهم؛ طمعًا فيما عند الله!       
فهؤلاء حرصوا علي صناعة الموت ، وعرفوا كيف يموتوا الموتة الشريفة،
لذلك وهب الله تعالي لهم الحياة العزيزة في الدنيا وكذلك النعيم الخالد في الآخرة.
وكذلك علموا أن الموت لابدَّ منه، وأنه لا يكون إلا مرةً واحدةً، فجعلوها في سبيل الله فربحوا في الدنيا وسعدوا في  الآخرة.
 فهؤلاء علي أشكال عديدة ......
1ـ الموت في سبيل الدفاع عن الدين :
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجُه إلا إيمانٌ بي وتصديقٌ برسلي أنْ أرجِعَه بما نالَ من أجرٍ أو غنيمةٍ أو أدخله الجنة، ولولا أنْ أشقَّ على أمَّتي ما قعدتُ خلفَ سريَّة، ولوددت أنِّي أُقتَل في سبيل الله ثم أُحيَا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل) البخاري. 
وعندما خطب رسول الله صلي الله عليه وسلم في أصحابه حاثاً لهم على الاستشهاد في سبيل الله في معركة بدر قال صلي الله عليه وسلم: (قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض). فسمع عمير بن الحُمام هذا الفضل العظيم وقال: والله يا رسول الله إني أرجو أن أكون من أهلها. فقال صلي الله عليه وسلم (فإنك من أهلها) ،
فأخرج عمير ثمرات من جعبته ليأكلها ويتقوى بها، فما كادت تصل إلى فمه حتى رماها وقال: إنها لحياة طويلة إن أنا حييت حتى آكل تمراتي، فقاتل المشركين حتى قتل.
لذلك كان الصحابة يحرصون على الموت في سبيل الله ويسألون الله ذلك في دعائهم وصلاتهم .
فهذا سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه وهو على فراش الموت يقول ( والله لقد شهدت مائة زحف أو زهائها وما في جسدي إلا ضربة سيف أو طعنة رمح وها أنا ذا أموت على فراشي كما تموت العير فلا نامت أعين الجبناء) 
وطعن جبار بن سًلمي الكلبي عامر بن فهيرة رضي الله عنه يوم بئر معونة، فنفذت الطعنة فيه، فصاح عامر   قائلا: فزت ورب الكعبة.
2ـ الموت في الدفاع عن  المال :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلا تُعْطِهِ مَالَكَ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ" (رواه مسلم)  
3ــ الموت دفاعا عن الأرض والحقوق والمظالم :
عن سويد بن مقرن رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم :"مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"(رواه النسائي).
 مَظْلَمة: بفتح الميم واللام: ما أُخذ من الشخص ظلماً، كأرض أو بهيمة، أو ثياب، وما أشبه ذلك.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُظْلَمُ بِمَظْلَمَةٍ فَيُقَاتِلَ فَيُقْتَلَ إِلاّ قُتِلَ شَهِيدًا" (رواه أحمد).  
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ له أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; "كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ   إِمَامٍ جَائِرٍ" (رواه أحمد) .
عَنِ ابْنِ عَبَاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ " 
الشخص الذي يقوم إلى إمام جائر؛ فيأمره بالعدل وإتباع الحق، وينهاه عن الظلم والانحراف وهو يعلم جوره وبطشه، فيغضب عليه الإمام ويقتله يكون من سادات الشهداء. لأنه ضحى بنفسه وحياته، في سبيل كلمة حق يقولها، ونصيحة يبذلها.  
 4 ـ الموت دفاعا عن الأهل أو الدم :
عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيد" (رواه الترمذي،). 
5ــ الموت في الغربة طلبا للحياة الكريمة:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(مَوْتُ غُرْبَةٍ شَهَادَةٌ) (رواه ابن ماجه)
 6ـ الموت صبرا علي المرض :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :َ(مَنْ مَاتَ مَرِيضًا مَاتَ شَهِيداً، وَوُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ، وَغُدِيَ وَرِيحَ عَلَيْهِ بِرِزْقِهِ مِنْ الْجَنَّةِ) (رواه ابن ماجه).  
وليس المراد بالحديث مطلق المرض. بل هو محمول على مرض الطاعون. وذلك ما يوضحه الحديثان التاليان: عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يَخْتَصِمُ الشُّهَدَاءُ وَالْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ إِلَى رَبِّنَا فِي الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْ الطَّاعُونِ فَيَقُولُ الشُّهَدَاءُ إِخْوَانُنَا قُتِلُوا كَمَا قُتِلْنَا وَيَقُولُ الْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ إِخْوَانُنَا مَاتُوا عَلَى فُرُشِهِمْ كَمَا مُتْنَا فَيَقُولُ رَبُّنَا انْظُرُوا إِلَى جِرَاحِهِمْ فَإِنْ أَشْبَهَ جِرَاحُهُمْ جِرَاحَ الْمَقْتُولِينَ فَإِنَّهُمْ مِنْهُمْ وَمَعَهُمْ فَإِذَا جِرَاحُهُمْ قَدْ أَشْبَهَتْ جِرَاحَهُمْ) (رواه النسائي)
عن عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ]يَأْتِي الشُّهَدَاءُ وَالْمُتَوَفَّوْنَ بِالطَّاعُونِ فَيَقُولُ أَصْحَابُ الطَّاعُونِ نَحْنُ شُهَدَاءُ فَيُقَالُ انْظُرُوا فَإِنْ كَانَتْ جِرَاحُهُمْ كَجِرَاحِ الشُّهَدَاءِ تَسِيلُ دَمًا رِيحَ الْمِسْكِ فَهُمْ شُهَدَاءُ فَيَجِدُونَهُمْ كَذَلِك) (رواه أحمد). 
وقد أخبر النبي صلي الله عليه وسلم جملة من الشهداء قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قَالَ إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ قَالُوا: فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ" (رواه مسلم). 
وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ" (رواه أبو داود).
 7ــ الموت في طلب العلم :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ) .(رواه الترمذي)
8ـ الموت في عمل صالح  :
من مات على عمل صالح قبض عليه .. قال صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة).رواه أحمد
العنصر الرابع : الكرامة التي أعدها الله تعالي للشهداء في سبيله :
 وهؤلاء سماهم الإسلام بالشهداء فأعد للشهداء الذين يدافعون عن دينهم مكانة عظيمة وأعطاهم كرامات عظيمة منها .....
1ـ الأجر العظيم :
قال تعالى: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(سورة النساء: الآية 74).  
2 ـ الفوز العظيم :
وقد أظهر القرآن الكريم مكانتهم العظيمة وهي الفوز العظيم  في الدنيا والآخرة فقالي تعالى "إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة : 111] 
وهذا نموذج عظيم ممن فهم حقيقة الفوز العظيم ألا وهو حرام ابن ملحان .   
فقد روى البخاري بسنده عن ثمامة بن عبد الله بن أنس أنه سمع أنس بن مالك يقول: لما طعن حرام بن ملحان وكان خاله يوم بئر معونة قال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه ثم قال: "فزت ورب الكعبة".  
وأنَّ الشهادة سببٌ في نيل الفردوس الأعلى، جاء الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه  أنَّ أم الرُّبيِّع بن البراء وهي أم حارثة بن سراقة- أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة -وكان قُتِل يوم بدر أصابه سهم غَرْب، حارثة  رضي الله عنه  شاب فتى صغير خرج مع الجيش يوم بدر وكان نظَّارًا يعني يشاهد المعركة من بعيد، ما دخل في القتال وإنما شهدها من بعيد-، ثم نزل للشرب من البئر فأصابه سهم غرب يعني سهم طائش لا يُدرى مَنْ راميه؛ قد يكون من المسلمين أو من الكفار والله أعلم ، القصد: أصابه سهم غربٍ فقُتِل، هذا كلام أم حارثة تخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة  وكان قُتِل يوم بدر أصابه سهم غرب-؛ فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، فقال: “يا أم حارثة إنها جنانٌ في الجنة، وإنَّ ابنك أصاب الفردوس الأعلى” هذا الحديث أخرجه البخاري. 
3ـ الكرامة عند الله تعالي :ــ
روى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:َ "مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ الشَّهِيدُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ "(رواه البخاري).
وفي رواية: "مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا وَلا أَنَّ لَهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلا الشَّهِيدُ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ فِي الدُّنْيَا لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ "(رواه مسلم). 
وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ يَقُولُ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ لِي: يَا جَابِرُ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتُشْهِدَ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالا وَدَيْنًا. قَالَ: أَفَلا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ: قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا فَقَالَ يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ قَالَ يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يُرْجَعُونَ قَالَ وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ }وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا{ (رواه الترمذي).
وقال تعالي (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ [البقرة : 154]  
وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا وقف العباد للحساب. جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دماً، فازدحموا على باب الجنة فقيل: من هؤلاء ؟ قيل: الشهداء كانوا أحياء مرزوقين" ) رواه الطبراني بإسناد حسن).
4ـ الشفاعة في أهل بيته :
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِه(سنن أبوداود) 
 5ـ أرواح الشهداء في حواصل طير خضر :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّا أَحْيَاءٌ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ لِئَلا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلايَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى آخِرِ الآيَةِ".(رواه أبو داود).
وقد يتساءل المرء: كيف تكون روح المؤمن في حوصلة الطير؛ فذلك حبس لها، وتضييق عليها؟
والجواب: بأن الطير مركبة لها، كما يركب أحدنا سيارة تحمله من مكان إلى آخر. قال أحد العلماء في الجواب عن ذلك، إن الله جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر. فإنهم لما بذلوا أنفسهم لله، أعاضهم عنها في البرزخ أبداناً خيراً منها، تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون نعيمها بواسطة تلك الأبدان، أكمل من نعيم الأرواح المجردة عنها. ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير أو كطير، ونسمة الشهيد في جوف طير. 
6ـ الأمن من فتنة القبر وعدم انقطاع عمله :
عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ رَجُلا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلا الشَّهِيدَ قَالَ كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً" (رواه النسائي).
أفاد الحديث: أن الشهيد لا يسأله الملكان في قبره. لأن القصد بسؤالهما، فتنة الميت وامتحانه، والشهيد قد امتحن بأهوال الحرب وفزعاتها، وتعرضه للموت وهو ثابت حتى استشهد. فكان ذلك امتحاناً كافياً في الدلالة على قوة إيمانه، وذلك للشهيد المخلص. 
وإذا قُتِل الشهيدُ لم ينقطعْ عمله الصالح، بل يزيدُ ويتضاعف؛ فعند الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كلُّ ميتٍ يُختَم على عمله إلا الذي مات مُرابِطًا في سبيل الله؛ فإنَّه يُنمَى له عملُه إلى يوم القيامة، ويأمنُ من فتنة القبر).
 7- الشهداء لا يُصعقون من النفخ في الصور:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية ؟ قال تعالي}ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله(68){ (الزمر): "من الذين لم يشأ الله أن يصعقهم ؟ قال: هم شهداء الله" (الحاكم النيسابوري).
أفاد الحديث: أن الشهداء هم المستثنون من الصعق في الآية. قال بذلك جماعة من العلماء. عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: النَّبِيُّ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:َ "رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا قَالا أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاء" (رواه البخاري).     
8ـ مغفرة ذنوبه عند أول قطرة من دمه :
قال صلي الله عليه وسلم :ـ "لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ" (رواه الترمذي). 
وقَالَ الرسول اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا" (رواه أحمد). 
9ــ الشهيد يزوَّج بثنتين وسبعين من الحور العين:
وقد مرَّ معنا أنَّ المؤمن له في الجنة زوجتان، أما الشهيد فله ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، غير زوجته التي في الدنيا إنما له من الحور العين ثنتين وسبعين. 
10- الشهيد رائحة دمه مسكٌ يوم القيامة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم
( لا يكلم أحد في سبيل الله ، والله أعلم بمن يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما ، اللون لون دم والريح ريح مسك ).(رواه البخاري )
 11 ـ الشهيد لا يجد ألم القتل :
 وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم (ما يجدُ الشهيد من مسِّ القتل إلا كما يجدُ أحدكم من مسِّ القرصة) أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.    
ولقد لخص النبي صلي الله عليه وسلم الفضائل التي يحوزُها الشهيدُ؛ فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم :ـ
(للشهيد عند الله ستُّ خِصال: يغفر له في أوَّل دفعة، ويرى مقعده من الجنَّة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزَع الأكبر، ويُوضَع على رأسه تاجُ الوقار، الياقوتة منها خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويُزوَّج اثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين، ويشفَعُ في سبعين من أقاربه) أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.  
12 ـ غباره يكون مانعا من دخان جهنم :
إنَّ الغبار الذي يصيبُ المجاهد في سبيل الله فيتسلَّل إلى جوفه يكون مانعًا من دُخان جهنم التي وقودُها الناس والحجارة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجتمعُ غبارٌ في سبيل الله ودخانُ جهنم في جوفِ عبدٍ أبدًا). أخرجه النسائي
العنصر الخامس : نماذج لصناع الموت :
لقد كان حرص السلف الصالح علي الاستشهاد في سبيل الله  شديدا وواضحا رغم ظروفهم الصعبة كما قال الله تعالي ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) التوبة .
وهذه بعض النماذج الرائعة المشرقة من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم :
1ـ سعد بن الربيع:
لما قدم النبي  المدينة مع أصحابه وآخى بين المهاجرين والأنصار، آخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع الأنصاري، فعرض سعد بن الربيع على عبد الرحمن أن يناصفه ماله، وقال له: "انظر أيّ زوجتيَّ شئتَ، أنزل لك عنها". فقال عبد الرحمن: "بارك الله لك في أهلك ومالك". ويحضر معركة أُحد ويقاتل قتالاً عظيمًا، ويقدِّم حياته لله .     
بعد انتهاء معركة أُحد قال رسول الله : "مَنْ رَجُلٍ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ -وَسَعْدُ أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ- أَفِي الأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الأَمْوَاتِ؟" فقال رجل من الأنصار: "أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل". فنظر فوجده جريحًا في القتلى به رمقٌ، فقلتُ له: "إن رسول الله أمرني أن أنظر له: أفي الأحياء أنتَ أم في الأموات؟" قال: "فأنا في الأموات، أبلغ رسول الله عني السلام وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله خير ما جُزِي نبيًّا عن أمته، وأبلغ عني قومك السلام، وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم إنه لا عذر لكم عند الله إن خُلِصَ إلى نبيكم  وفيكم عين تطرف"، ثم لم أبرح حتى مات. فسعد بن الربيع  إلى اللحظة الأخيرة وهو إيجابي يحفِّز المسلمين على الجهاد، ويقول لهم: "لا عذر لكم إن خُلص إلى رسول الله، وفيكم عين تطرف". 
2ـ خيثمة أبو سعد:
في غزوة بدر استهم خيثمة مع ابنه سعد وقد استشهد سعد يوم بدر، وفي غزوة أُحد يقول خيثمة: "وقد رأيت ابني أمس على أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها، ويقول لي: الْحَق بنا". وقد أصبحت مشتاقًا إلى مرافقته في الجنة، فادعُ الله لي يا رسول الله أن أرافقه في الجنة، وقد كبرت سني ورقَّ عظمي. فدعا رسول الله  له، فنال الشهادة في سبيل الله. لقد صدق الله في طلب الشهادة، فكتبها الله له.
 3ـ عبد الله بن جحش:
جهاد طويل لهذا الصحابي الجليل، جهاد في مكة، وجهاد في الحبشة، وجهاد في المدينة المنورة. وقد دار حوار رائع بينه وبين سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، قال عبد الله بن جحش لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما يوم أُحد: "ألا تأتي ندعو الله؟" فخلا في ناحيةٍ، فدعا سعد فقال: "يا رب، إذا لقينا القوم غدًا، فلَقِّني رجلاً شديدًا بأسُهُ، شديدًا حَرْدُهُ فأقاتله فيك ويقاتلني، ثم ارزقني عليه الظفر حتى أقتله وآخذُ سلبَهُ".   
فقام عبد الله بن جحش، ثم قال: "اللهم ارزقني غدًا رجلاً شديدًا حردُه، شديدًا بأسُه، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا قلت: يا عبد الله، فيمَ جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك. فتقول: صدقت".
 قال سعد بن أبي وقاص: "يا بُنيَّ، كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرًا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار وإن أذنه وأنفه لمعلقان في خيط".  
موقف رائع لعبد الله بن جحش ، الذي آثر الشهادة في سبيل الله على كل شيء، فيتمنى لقاء الله وقد شُوِّهت معالمه، وذلك في ذات الله، وطمعًا في دخول الجنة، وحدث ما تمناه .
4ـ سحرة فرعون :
فسحرة فرعون مثلاً عندما رأوا الحق واضحًا، أعلنوا دخولهم في دائرة الإيمان، وتلقوا التعذيب من فرعون بل والقتل بصدور رحبة، وقالوا لفرعون: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ العُلاَ} [طه]. كانوا في أول النهار سحرة يطلبون الفتات من فرعون ، فصاروا في آخره شهداء بررة.  
 الخاتمة ...
 أيُّها المؤمنون....
 قضية الموت قضية مصيرية، الإنسان العاقل يعيش المستقبل، والأقل عقلاً يعيش الحاضر، والإنسان المحدود يعيش الماضي، يتغنى بالماضي، أما الإنسان العاقل فيعيش المستقبل، ما هو أخطر حدث بالمستقبل ؟
إنه الموت، ما من حدث أشدّ واقعية من الموت، لأن الإنسان لابد من أن يموت، ملكاً أو غفيراً أو فقيراً، قوياً أو ضعيفاً، صحيحاً أو مريضاً، أي إنسان نبياً أو ولياً لابد من الموت، الحدث الواقعي الوحيد الذي لاشك فيه، وسمي يقيناً لأن وقوعه يقيني ثم يقيناً لأنك عند الموت تعرف اليقين، تعرف الحقيقة حق اليقين. فهناك فرق بين حال وحال، وفريق وفريق ، فريق في الجنة وفريق في السعير.. قال تعالي }وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) { [البقرة{[
العاقل من يستعد للموت قبل وقوعه :يستعد للموت بالتوبة النصوح ، يستعد للموت بالعمل الصالح ، بإصلاح ذات البين، قال تعالى: }وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ (1){ [الأنفال]
وإن التفكر بالموت جزء من الدين لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إن أكيسكم أكثركم للموت ذكراً، وأحزمكم أشدكم استعداداً له، ألا وإن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزود لسكنى القبور، والتأهب ليوم النشور)) [ابن مردويه والبيهقي عن أبي جعفر المدايني]
نسأل الله تعالي أن يرزقنا الشهادة في سبيله ويرزقنا الصدق في القول وحسن الخاتمة ، اللهم اجعل أعمارنا آخرها ، وخير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم نلقاه  ، إنه ولي ذلك والقادر عليه …

آمين يارب العالمين

==================

رابط pdf

https://top4top.io/downloadf-2622frdnq2-pdf.html


رابط doc

https://top4top.io/downloadf-26225je2i1-docx.html

ليست هناك تعليقات: