الحمد لله الحق الوكيل … مدبر الملك والملكوت المنفرد بالعزة والجبروت ،صرف أعين ذوي القلوب والألباب عن ملاحظة الوسائط والأسباب إلى مسبب الأسباب ، من توكل عليه كفاه ، ومن اعتمد عليه اجتباه ووقاه ، وجعله من أهل رضاه ،فقال تعالى :{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. يكفي من توكل عليه فقال تعالى{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلً} [النساء: 81].
وقال تعالي (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3))الطلاق . وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم … قامع الأباطيل الهادي إلى سواء السبيل ،سيد المتوكلين علي الله الواثقين في معية الله تعالي قال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: إَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حَدَّثَهُ قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ :«يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» [البخاري ومسلم].
فاللهم صل علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ….
أما بعـــــد .. فيا أيها المؤمنون ..
لقد كانت الهجرة المباركة مرحلة فارقة في تاريخ الدعوة الإسلامية ولم تتحقق الهجرة بالمعجزة السحرية وتمت بالأخذ بالأسباب وصدق التوكل علي الله تعالي .
إن الهجرة يتجلى فيها التعامل مع الأسباب ؛ لأن ذلك من الدين، إذ الأسباب ما هي إلا أدوات للقدرة العليا، ومفاتيح لخزائن رحمة الله عز وجل، إن من تأمل الهجرة، و رأى دقة التخطيط فيها، و دقة الأخذ بالأسباب من ابتدائها إلى انتهائها، يدرك أن التخطيط جزء من السنة النبوية، بل هو جزءٌ من التكليف الإلهي في كل ما طولب به المسلم، و لابد أن نعلم أن هذه العبقرية في التخطيط، ما كان بها وحدها يكون النجاح، لولا التوفيق الإلهي، و الإمداد الرباني، فالهجرة جرى فيها القدر الإلهي من خلال الأخذ بالأسباب البشرية. .. لذلك كان حديثنا عن (التوكل وحسن التعامل مع الأسباب) وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية .
1ـ حقيقة التوكل.
2ـ أهمية التوكل و منزلته من العقيدة والإيمان والسلوك
3ـ علاقة التوكل بالأسباب.
4ـ أثار التوكل.
العنصر الأول : حقيقة التوكل :ـ
قال ابن عباس: التوكل هو الثقة بالله ، وصدق التوكل أن تثق في الله وفيما عند الله فإنه أعظم وأبقى مما لديك في دنياك. وقال الإمام أحمد :جملة التوكل تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه والثقة به . وقال أيضا التوكل عمل القلب، ومعنى ذلك أنه عمل قلبي ليس بقول اللسان و لاعمل الجوارح و لا هو من باب العلوم والإدراكات. وقال ابن رجب الحنبلي: هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها . ومن أسماء الله الحسني اسم الله الوكيل :وهو القائم بأمور عباده يدبر أمورهم ويتولي شؤونهم وتسخير ما يحتاجون إليه. قال تعالى } الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون(257){ (البقرة ). والتوكل مرتبط بالثقة واليقين بالله ، وإلا فلا توكل ما لم يكن معه اليقين .
العنصر الثاني : أهمية التوكل و منزلته من العقيدة والإيمان والسلوك:ـ
1ـ التوكل من أعظم أخلاق الإسلام :ـ
التوكل على الله خلق عظيم من أخلاق الإسلام ودليل صحة الإسلام ،وهو من أعلى مقامات اليقين وأشرف أحوال المقربين وهو نظام التوحيد وجماع الأمر كما أنه نصف الدين والإنابة نصفه الثاني ومنزلته أوسع المنازل وأجمعها وهو مفتاح كل خير لأنه أعلى مقامات التوحيد وعبادة من أفضل العبادات ، وهو مقترن بمراتب الدين الثلاث (الإيمان والإسلام والإحسان) وشعائره العظام.
2ـ شرط الإيمان :ـ
إن التوكل شرط من شروط الإيمان ولازم من لوازمه ومقتضياته ؛ فكلما قوي إيمان العبد كان توكله أكبر وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل قال الله عز وجل( وعلى الله فليتوكل المؤمنون) التغابن . وقال تعالي ( وقال موسى إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين) يونس:84 وهو من سمات المؤمنين الصادقين قال تعالى( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءآيته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون) الأنفال ،وقال تعالى(وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) المائدة
3ـ سبب لنيل محبة الله تعالي ودخول الجنة :ـ
جعله الله سبباً لنيل محبته قال تعالى (إن الله يحب المتوكلين) . وجمع الله بينه وبين الهداية والحق والدعاء. وهم أول من يدخل الجنة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدخل الجنة من أمتي زمرة هم سبعون ألفاً تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر …) رواه البخاري ومسلم.
4ـ من أصول العبادة :ـ
التوكل أصل من أصول العبادة التي لا يتم توحيد العبد إلا به جاء الأمر به في كثير من الآيات مثل قوله تعالى (فاعبده وتوكل عليه ) وقوله عز وجل(وتوكل على الحي الذي لا يموت ) ، وفي حديث ( أربع لا يعطيهن الله إلا من أحب: الصمت وهو أول العبادة والتوكل على الله والتواضع والزهد في الدنيا) رواه الطبراني وهو في اتحاف السادة.وقال علي:يا أيها الناس توكلوا على الله وثقوا به فإنه يكفي مما سواه .
5ـ شدة حاجة المسلم إليه :ـ
مما يدل على أهمية التوكل حاجة المسلم إليه حاجة شديدة وخصوصاً في قضية الرزق أو كان صاحب دعوة وحامل رسالة وطالب إصلاح ، و مما يدل على أهميته أيضاً ضرورته للعبد وعدم استغنائه عنه طرفة عين من عدة جهات:ـ
1- من جهة فقر العبد وعدم ملكه شيئاً لنفسه فضلاً عن غيره من المخلوقين.
2- من جهة كون الأمر كله بيد الله تعالى.
3- من جهة أن تعلق العبد الزائد بما سوى الله مضرة عليه.
4- من جهة أن اعتماد العبد على المخلوق وتوكله عليه يوجب له الضرر من جهته عكس ما أمًله منه. إننا في الدنيا دارابتلاء واختبار ودار ممر لا دار مقر فليس فيها سعادة مطلقة وليس فيها غني مطلق وليست فيها صحة دائمة أو شباب متواصل أو طمأنينة على حال .. إذن فليس لنا إلا اللجوء إلى الله }يا أيها الإنسان انك كادح إلي ربك كدحا فملاقيه { الانشقاق 6.
لذلك قيل : إن المتوكل على الله هو الذي يعلم أن الله كافل رزقه وأمره ، فانك في الحقيقة لا تتوكل علي ضعيف أو جاهل .. فإذا توكلت على الله حق التوكل فقد عرفت أنه العليم القادر الحكيم ، فقد عرفت الله حقا . والله تعالى هو الوكيل المطلق قال تعالى }ذلكم الله ربكم لا اله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو علي كل شيء وكيل { الأنعام 102 والوكيل في الدنيا يمكن أن ينجح في مهمته التي وكلته بها أو لا ينجح يقدر أو لا يقدر … أما إذا وكلت الله رب العالمين فهو الوكيل الحق الذي يغنيك ويرضيك ويكفيك
العنصر الثالث : علاقة التوكل بالأسباب:ـ
مواقف الناس من الأسباب على أربعة أقسام:
1 – الالتفات إلى الأسباب بالكلية واعتماد القلب والجوارح عليها من غير نظر لمسببها : ــ
كنظرة الماديين والعقلانيين فوقعوا في الشرك لأنهم أثبتوا موجدأً مع الله مستقلاً بالضر والنفع ، وهذا باطل مخالف للكتاب والسنة والاجماع كما أن الأسباب قد تتخلف عن مسبباتها بإذن الله كما يشهد لذلك الحس.
2 – الإعراض عن الأسباب بالكلية: ـ
كنظر غالب الصوفية للتوكل ، فهم لا يرون تحقيق التوكل إلا في ترك الأسباب بالكلية فتركوا التكسب والعمل والاحتراز والاحتياط والتزود في السفر والطعام ويرون ذلك كله منافياً للتوكل. وهذا الموقف أي (الإعراض عن الأسباب بالكلية) حكم عليه العلماء بأنه قدح في الشرع.
3 – نفي تأثير الأسباب بالكلية:ـ
وصف العلماء هذا القول بأنه (نقص في العقل) وهو قول القدرية الجبرية ، وهم يرون أن الله لم يخلق شيئاً سبباً و لا جعل في الأسباب قوى وطبائع تؤثر. وهذا الموقف فاسد باطل مخالف للكتاب والسنة والإجماع.
4 – قيام الجوارح بالأسباب واعتماد القلب على مسبب الأسباب سبحانه وتعالى: ـ
هذا مذهب أهل السنة والجماعة وهو الحق الذي دل عليه الشرع والعقل وهو الوسط في كل مذهب فأثبت للأسباب تأثيراً في مسبباتها لكن لا بذاتها بل بما أودعه الله فيها من القوى الموجبة ، وهي تحت مشيئته وقدرته فإن شاء منع اقتضائها وإن شاء جعلها مقتضية لأحكامها، فهم ( أي أهل السنة والجماعة) يوجبون الأخذ بالأسباب ويعتقدون عدم منافاتها للتوكل؛ بل إن التوكل من أعظم الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار ونفي الفقر ووجود الراحة. و يرون ضرورة الأخذ بالأسباب مع عدم الاعتماد عليها، و يكون التوكل بالقلب على الخالق مع اتباع الأسباب في ظاهر الحال فقط . والأخذ بالأسباب ثم الاعتماد على الله عز وجل هو مذهب أهل الحق من سلف الأمة. قال تعالى (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)) (يوسف). و في جانب الرزق قال تعالى(هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)الملك.
و من الأدلة على ارتباط التوكل بالأخذ بالأسباب : ــ
من القرآن :ـ
قال تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا(71))النساء . وقال تعالي ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)) الأنفال. وقال تعالي (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)) الجمعة. وقال تعالي ، (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) مريم. وقال تعالي (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ(80)الأنبياء .
ومن السنة :
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم جعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ) رواه البخاري . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم على ناقة له ، فقال: يا رسول الله أدعها وأتوكل ؟ فقال: اعقلها وتوكل. رواه الترمذي . وعن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتعود بطاناً. رواه أحمد والتمذي.(خماصاً: جياعاً ، بطاناً: ممتلئات البطون.)
والمعنى الإجمالي للحديث: أن التوكل الصحيح هو تفويض الأمر إلى الله عز وجل ، والثقة بحسن النظر فيما أمر به ، فلو أن المسلمين يتوكلون على الله جل ثناؤه في كل شئونهم لرزقهم كالطير تماماً ولكن بعضهم يعتمد على قوته وحذره ويحلف بالباطل وكل هذا خلاف التوكل. وعن المقدام بن معدي كرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده. رواه البخاري.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما “وكان أهل اليمن يحجُّون ولا يتزوَّدون، ويقولون: نحن متوكلون، فيحجون، فيأتون أهل مكة، فيسألون الناس، فأنزل الله: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]؛ رواه البخاري.
وعن عمر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله ، فعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك حياته …. رواه البخاري ومسلم. ولقي عمر بن الخطاب ناساً من أهل اليمن فقال من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون ، فقال أنتم المتكلون ، إنما المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله. وفي ذلك الرد البليغ على من يتركون الأسباب تقاعساً بدعوى التوكل على الله ، ولو صدقوا لأحسنوا العمل.
أما التواكل فهو:ـ
ترك الكسب والطمع في المخلوقين والاعتماد عليهم بالتخلي عن الأسباب التي وضعها الله عز وجل والانقطاع عن السعي والتقاعد عن العمل وانتظار النتائج من الخلق أو القدرأو الاتكال على الله أن يخرق له العوائد. والتواكل خسة همة وعدم مروءة لأنه إبطال حكمة الله التي أحكمها في الدنيا من ترتب المسببات على الأسباب. والتوكل الذي نقصده ليس التواكل وإنما هو بذل كافة الأسباب والتوكل على الله في أعمال هذه الأسباب والتوفيق فيها ” فتوكل على الله انك علي الحق المبين(79) ” (النمل) ..
فهذه نقطة هامة جدا وهي أن تكون على الحق فإذا كنت منحرفا أو مقصرا أو معتديا أو مجانبا للحق وتقول حسبي الله ونعم الوكيل فلا معنى لكلماتك . فمن أهمل تربية ابنه فانحرف الابن هل يصح أن يقول حسبي الله ونعم الوكيل ؟ والطالب الذي لم يذاكر طول العام فرسب هل يصح أن يقول حسبي الله ونعم الوكيل ؟ وكذلك المريض الذي يهمل في علاجه ؟
اليد العليا خير من اليد السفلي :ـ
يروى عن” شقيق البلخي” وهو من أهل العبادة والزهد أنه ودَّع أستاذه (أو شيخه) إبراهيم بن أدهم لسفره في تجارة عزم عليها. وهو في الطريق الصحراوي رأى طائراً أعمى كسير الجناح، فوقف يتأمل الطائر، ويفكر كيف يجد رزقه في هذا المكان المنقطع. فلم يمض وقت طويل حتى جاء طائر آخر،فأطعم الطائر كسير الجناح كما يطعم الحمام فراخه. تعجب شقيق ..
من هذا المشهد وأثر فيه ،فقال في نفسه: إذا كان الله تعالى يرزق هذا الطائر من غير حول منه ولا قوة ولم يهمله ، فلماذا أذهب إلى التجارة و لماذا العناء و السفر وأنا في هذا السن؟! سأرجع وحتما سيرزقني الله وعاد إلى بيته ، وحين وصل زار شيخه فقال له الشيخ : لماذا عدت يا شقيق.. الم تذهب للتجارة ؟ فقص عليه القصة بأنه رأى في طريقه طائرا أعمى وكسيح، و أخذ يفكر كيف يأكل هذا الطائر ويشرب؟ وبعد قليل جاء طائر آخر يحمل حبا وأطعم الطائر الأعمى ثم سقاه. فقلت طالما ربنا عز وجل رزق الطائر الأعمى الكسيح .. سأرجع إلى بيتي وسط أولادي وارجع لأهلي وبلدي وربي سيرزقني. هنا قال له إبراهيم بن ادهم:سبحان الله يا شقيق!. ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى العاجز الذي ينتظر عون غيره ،ولا تكون أنت الطائر الآخر الذي يسعى ويكدح ويعود بثمرة ذلك على من حوله ؟! أما علمت أن النبي صل الله عليه وسلم قال: اليد العليا خير من اليد السفلى فقبَّل يده شقيق وقال: أنت أستاذنا يا أبا إسحاق! وتركه وغدا يسعى كما تسعى الطير التي تغدو خماصاً وتعود بطاناً.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة . وقال تعالى: “هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ” ( الملك – آية 15) .
وما أصدقَ قول الشَّاعر:
تَوَكَّلْ عَلَى الرَّحْمَنِ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ **** وَلا تَرْغَبَنْ فِي العَجْزِ يَوْمًا عَنِ الطَّلَبْ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِمَرْيَمٍ ****وَهُزِّي إِلَيْكِ الجِذْعَ يَسَّاقَطِ الرُّطَبْ
وَلَوْ شَاءَ أَنْ تَجْنِيهِ مِنْ غَيْرِ هَزَّةٍ **** جَنَتْهُ وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ سَبَبْ
إذا فالأخذ بالأسباب فرض وترك الأسباب معصية والإعتماد علي الأسباب شرك .العنصر الرابع : أثار التوكل :ـ
التوكل على الله سبحانه وتعالى له آثار عظيمة في حياة الفرد والمجتمع، وفي حياة الأمم، من هذه الآثار: ــ
1ـ إمداد المتوكل بالقوة:ـ
1ـ إمداد المتوكل بالقوة:ـ
التوكل على الله سبحانه وتعالى يعطي الإنسان القوة والعزة بالله وحده لا شريك له، فعن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال } مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ النَّاسِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ ، وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَغْنَى النَّاسِ فَلْيَكْتَفِ بِرِزْقِ اللَّهِ{ رواه أحمد .
لأن الإنسان إذا توكل على الله وحده لا يخاف أحداً مهما كان، لو اجتمعت الدنيا كلها بعروشها وجيوشها على أن يكيدوك -أيها الإنسان- لا يملكون، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـابن عباس وهو غلام صغير: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف). رواه الترمذي .
إذاً التوكل على الله سبحانه وتعالى يجعل الإنسان قوياً في إيمانه، قوياً في حياته، قوياً في صبره على البلاء، قوياً في مواجهته للمحن والابتلاء، قوياً حينما تدلهم الفتن وتضطرب الأمور ويحيص الناس. ويحار الحليم، يقف قوياً لأنه يتوكل على الله وحده لا شريك له، ويعتصم به، ويعتمد عليه وحده لا شريك له. والتوكل يكسب المسلم القوَّة الروحيَّة التي تضعف أمامها القوَّة المادِّيَّة، ويبدو ذلك جليًّا في موقفِه – صلَّى الله عليْه وسلَّم – وهو يَحفِر الخندق، والمشركون اجتمعوا عليْه يحاصرون المدينة، فإذا به يَعِدُ أصحابَه بفتح اليَمَن، وفتح مَمْلكتَي كسرى وقيصر. ويجعل المسلم قويا أمام مغريات ووساوس الشيطان. قال تعالى (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)) النحل .
وفي الحديث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( إذا خرج الرجل من باب بيته كان معه ملكان موكلان به فإذا قال:بسم الله قالا:هديت فإذا قال:لا حول ولا قوة إلا بالله قالا:وقيت فإذا قال:توكلت على الله قالا:كفيت قال: فيلقاه قريناه فيقولان:ماذا تريدان من رجل قد هدي ووقي وكفي). رواه الترمذي وابن ماجه .
2ـ التوكل يورث صاحبه العزَّة :ـ
2ـ التوكل يورث صاحبه العزَّة :ـ
العزة التي يشعر بها المتوكِّل على الله، ويستمِدُّها من عزَّة الله، وتُعْطِيه مكانة كبيرة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 49].
قال الخليفة سليمان ابن عبدالملك للإمام أبو حازم أحد علماء السلف في أحد مواسم الحج : ارفْع إليْنا حوائج دُنياك نقضِها لك، قال: “إني لم أطْلُبْها من الخالق فكيف أطلُبها من المخلوق؟!”، يُريد أنَّ الدنيا أهونُ عنده من أن يَسْأَلها من الله تعالى، فهو إذا سأل ربَّه يسأله ما هو أعظمُ وهو الآخرة والجنَّة، ورضوان الله تبارك وتعالى، إنَّ العزَّة لا تطلب إلاَّ من باب واحد؛ قال تعالى: ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعاً ﴾ [فاطر: 10]. ولله در الإمام الشافعي حين قال :
أمطري لؤلؤاًجبالَ سرنديـ ـبَ وَفِيضي آبارَ تكرورَ تِبْرَا
أَنَا إنْ عِشْتُ لَسْتُ أعْدَمُ قُوتاً وَإذا متّ لَسْتُ أعْدَمُ قَبْرَا
همتي همَّة الملوكِ ونفسي نَفْسُ حُرٍّ تَرَى الْمَذَلَّة كُفْرَا
وإذا ما قنعتُ بالقوتِ عمري فَلِمَاذَا أزورُ زَيْداً وَعَمْرَا
3ـ التوكل على الله يكسب الإنسان الرضا بما قسم الله له:ـ
فإذا توكل العبد على الله في أموره كلها رضي بالله سبحانه وتعالى وبما قسم له ، وقد علمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم دعاء الاستخارة، الذي يقول فيه: (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين، ثم يقول: اللهم! إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر..) ثم في آخر هذا الحديث يوصي النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان بعد ما يسمي حاجته يقول: (وإلا فاصرفه عني) يعني: إن لم يكن خيراً لي (واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به)، فيرضى الإنسان بما قسم الله سبحانه وتعالى له، ولا شك أن الإنسان إذا توكل على الله وأحسن الظن بالله سبحانه وتعالى لا يغضب من أي أمر قد قدره الله سبحانه وتعالى عليه.
ومن أروع القصص في ذلك ، يحكى عن رجل خرج في سفر مع ابنه إلى مدينة تبعد عنه قرابة اليومين، وكان معهما حمار وضعا عليه الأمتعة، وكان الرجل دائما ما يردد قول: ما حجبه الله عنا كان أعظم!! وبينما هما يسيران في طريقهما؛ كُسرت ساق الحمار في منتصف الطريق، فقال الرجل: ما حجبه الله عنا كان أعظم!! فأخذ كل منهما متاعه على ظهره، وتابعا الطريق، وبعد مدة كُسرت قدم الرجل، فما عاد يقدر على حمل شيء، وأصبح يجر رجله جرًّا، فقال: ما حجبه الله عنا كان أعظم!!
فقام الابن وحمل متاعه ومتاع أبيه على ظهره وانطلقا يكملان مسيره! ما، وفي الطريق لدغت أفعى الابن، فوقع على الأرض وهو يتألم، فقال الرجل: ما حجبه الله عنا كان أعظم!!
وهنا غضب الابن وقال لأبيه: أهناك ما هو أعظم مما أصابنا؟؟
وعندما شفي الابن أكملا سيرهما ووصلا إلى المدينة، فإذا بها قد أزيلت عن بكرة أبيها، فقد جاءها زلزال أبادها بمن فيها. فنظر الرجل لابنه وقال له: انظر يا بني، لو لم يُصبنا ما أصابنا في رحلتنا لكنا وصلنا في ذلك اليوم ولأصابنا ما هو أعظم، وكنا مع من هلك.. قال بعضهم: “متى رضِيتَ بالله وكيلاً وجدتَ إلى كلِّ خيرٍ سبيلاً”.
4ـ التوكل يورث الإنسان سكينة النَّفس وطمأنينة القلب:ـ
يشعر بها المتوكِّل على ربِّه، فيشعر بالأمن إذا خاف النَّاس، واليقين عند شكِّ النَّاس، والثبات إذا قلق النَّاس، والأمل إذا يئِس النَّاس، والرضا إذا سخط النَّاس. حال المتوكلين كما جاء في الآية الكريمة قال تعالي} وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) { ( إبراهيم) فهذا سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام توكل علي الله يوم اجتمع عليه الناس جميعا ليحرقوه. منتهي التوكل والتسليم ،ففي صحيح البُخاري عن ابن عباس رضِي الله عنْهما قال (حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيمُ عليْه السَّلام حين أُلْقِي في النَّار، وقالها محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم حين قالوا له: } الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) { آل عمران .
4ـ التوكل يورث الإنسان سكينة النَّفس وطمأنينة القلب:ـ
يشعر بها المتوكِّل على ربِّه، فيشعر بالأمن إذا خاف النَّاس، واليقين عند شكِّ النَّاس، والثبات إذا قلق النَّاس، والأمل إذا يئِس النَّاس، والرضا إذا سخط النَّاس. حال المتوكلين كما جاء في الآية الكريمة قال تعالي} وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) { ( إبراهيم) فهذا سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام توكل علي الله يوم اجتمع عليه الناس جميعا ليحرقوه. منتهي التوكل والتسليم ،ففي صحيح البُخاري عن ابن عباس رضِي الله عنْهما قال (حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيمُ عليْه السَّلام حين أُلْقِي في النَّار، وقالها محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم حين قالوا له: } الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) { آل عمران .
وهذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قمة التوكل على الله ومنتهى التسليم له سبحانه وتعالى. في يوم الأحزاب ونحن نعرف ما يوم الأحزاب حين تجمعت الجزيرة العربية بأكملها بكافة قبائلها إلا القليل وحتى اليهود الذين كانوا في عهد مع المسلمين وحاصروا المدينة من كل جانب ويصفه الله تعالى في كتابه ” إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ” الأحزاب. وكان موقف المؤمنين كما قال الله تعالي ” ولما رأي المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ” وماذا كان رد الله على ذلك الإيمان الصادق ” ” وأورثكم أرضهم وديارهم وأرضا لم تطئوها وكان الله علي كل شيء قديرا ” الأحزاب . قال تعالي ” وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) الأحزاب .
وقال تعالي ” رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) { المزمل . أخي المسلم : توكل على الله ولا تقل كيف الحل؟ والطرق كلها مسدودة !! فالطرق بيده والحلول هو من يملكها والأسباب هو واضعها توكل لو اجتمع كل الناس عليك فهو الوحيد القادر علي الدفاع عنك .
5ـ التوكل يورث الغني : ـ
ـ التوكل على الله سبحانه وتعالى ينجي الإنسان مما يخافه من الفقر. ومن يتوكل علي الله تعالي يكفيه جميع شئونه قال تعالي (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) الطلاق. فلو توكل العبد على الله حق توكله وكادته السماوات والأرض ومن فيهن لجعل الله له مخرجاً وكفاه رزقه ونصره .
5ـ التوكل يورث الغني : ـ
ـ التوكل على الله سبحانه وتعالى ينجي الإنسان مما يخافه من الفقر. ومن يتوكل علي الله تعالي يكفيه جميع شئونه قال تعالي (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) الطلاق. فلو توكل العبد على الله حق توكله وكادته السماوات والأرض ومن فيهن لجعل الله له مخرجاً وكفاه رزقه ونصره .
ولذلك يروى أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لما كان في عهد خلافته جاءه رجل من الأعراب ممن يطلب الرزق فجلس عند بابه، وصار عمر يعطيه لأنه خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، فمكث عند بابه لينال رزقه، فجاء إليه رجل وقال له: يا هذا! أنت هاجرت إلى عمر أو إلى رب عمر ؟ قال: وما ذاك؟ قال: اذهب فاقرأ القرآن، فإن الله يغنيك عن عمر فاستيقظ الرجل وذهب لقرآة القرآن وعبادة الله وطلب العلم فأغناه الله، ولكن عمر الذي كان يرعى رعيته سأل عن الرجل؛ لأنه انقطع عنه أياماً، فبحث عنه في المدينة حتى لقيه، فقال له: يا فلان! كنت عندنا فإلى أين ذهبت؟ فقال: يا أمير المؤمنين! جاءني رجل فقال لي هذا الكلام: اقرأ القرآن واعتمد على الله لا على عمر فقرأت القرآن فأغناني الله سبحانه وتعالى فقال له عمر : يا أخي! وماذا وجدت في القرآن يعني ما الذي لفت انتباهك في القرآن؟ قال: قول الله تبارك وتعالى: }وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ(22){ [الذاريات].
ذكر الحافظ ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة في ترجمة القاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي البزاز المتوفى في سنة (535 هـ):
(قال الشيخ الصالح أبو القاسم الخزاز البغدادي: سمعت القاضي أبا بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد البزاز الأنصاري يقول: كنت مجاورا بمكة حرسها الله تعالى فأصابني يوما من الأيام جوع شديد لم أجد شيئا أدفع به عني الجوع، فوجدت كيسا من إبريسم مشدودا بشُرّابة من إبريسم أيضا، فأخذته وجئت به إلى بيتي، فحللته فوجدت فيه عقدا من لؤلؤ لم أر مثله. فخرجت فإذا بشيخ ينادي عليه، ومعه خرقة فيها خمس مئة دينار وهو يقول: هذا لمن يردّ علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ، فقلت: أنا محتاج، وأنا جائع، فآخذ هذا الذهب فأنتفع به، وأردّ عليه الكيس. فقلت له: تعال إليّ فأخذته وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس، وعلامة الشرّابة، وعلامة اللؤلؤ وعدده، والخيط الذي هو مشدود به، فأخرجته ودفعته إليه، فسلّم إليّ خمس مئة دينار، فما أخذتها، وقلت: يجب علي أن أعيده إليك، ولا آخذ له جزاء، فقال لي: لا بدّ أن تأخذ وألحّ عليّ كثيرا، فلم أقبل ذلك منه، فتركني ومضى. وأما ما كان مني، فإني خرجت من مكة وركبت البحر، فانكسر المركب وغرق الناس، وهلكت أموالهم، وسلمت أنا على قطعة من المركب، فبقيت مدة في البحر لا أدري أين أذهب، فوصلت إلى جزيرة فيها قوم، فقعدت في بعض المساجد، فسمعوني أقرأ، فلم يبق في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إليّ وقال: علمني القرآن، فحصل لي من ألئك القوم الشيء الكثير من المال. ثم إني رأيت في ذلك المسجد أوراقا من مصحف، فأخذتها أقرأ فيها، فقالوا لي: تحسن تكتب؟ فقلت: نعم. فقالوا: علمنا الخط، فجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب، فكنت أعلمهم، فحصل لي أيضا من ذلك شيء كثير، فقالوا لي بعد ذلك: عندنا صبية يتيمة ولها شيء من الدنيا نريد أن تتزوج بها، فامتنعت، فقالوا: لابدّ وألزموني فأجبتهم إلى ذلك. فلما زفوها إليّ مددت عيني أنظر إليها، فوجدت ذلك العقد بعينه معلقا في عنقها، فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه، فقالوا: يا شيخ! كسرت قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد، ولم تنظر إليها، فقصصت عليهم قصة العقد، فصاحوا وصرّخوا بالتهليل والتكبير حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة، فقلت: ما بكم؟ فقالوا: ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية، وكان يقول: ما وجدت في الدنيا مسلما[ المراد أمينا وعفيفا يعرف أحكام اللقطة] إلا هذا الذي ردّ عليّ هذا العقد، وكان يدعو ويقول: اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه ابنتي، والآن قد حصلتْ، فبقيت معها مدة ورزقت منها بولدين، ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولداي، ثم مات الولدان، فحصل العقد لي، فبعته بمئة ألف دينار، وهذا المال الذي ترونه معي من بقايا ذلك المال. أخي المسلم : التوكل عند المسلم هو إذًا عملٌ وأملٌ، مع هدوء قلب، وطُمَأنينة نفس، واعتقاد جازم بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن الله لا يضيع أجْر من أحسن عملاً.
(قال الشيخ الصالح أبو القاسم الخزاز البغدادي: سمعت القاضي أبا بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد البزاز الأنصاري يقول: كنت مجاورا بمكة حرسها الله تعالى فأصابني يوما من الأيام جوع شديد لم أجد شيئا أدفع به عني الجوع، فوجدت كيسا من إبريسم مشدودا بشُرّابة من إبريسم أيضا، فأخذته وجئت به إلى بيتي، فحللته فوجدت فيه عقدا من لؤلؤ لم أر مثله. فخرجت فإذا بشيخ ينادي عليه، ومعه خرقة فيها خمس مئة دينار وهو يقول: هذا لمن يردّ علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ، فقلت: أنا محتاج، وأنا جائع، فآخذ هذا الذهب فأنتفع به، وأردّ عليه الكيس. فقلت له: تعال إليّ فأخذته وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس، وعلامة الشرّابة، وعلامة اللؤلؤ وعدده، والخيط الذي هو مشدود به، فأخرجته ودفعته إليه، فسلّم إليّ خمس مئة دينار، فما أخذتها، وقلت: يجب علي أن أعيده إليك، ولا آخذ له جزاء، فقال لي: لا بدّ أن تأخذ وألحّ عليّ كثيرا، فلم أقبل ذلك منه، فتركني ومضى. وأما ما كان مني، فإني خرجت من مكة وركبت البحر، فانكسر المركب وغرق الناس، وهلكت أموالهم، وسلمت أنا على قطعة من المركب، فبقيت مدة في البحر لا أدري أين أذهب، فوصلت إلى جزيرة فيها قوم، فقعدت في بعض المساجد، فسمعوني أقرأ، فلم يبق في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إليّ وقال: علمني القرآن، فحصل لي من ألئك القوم الشيء الكثير من المال. ثم إني رأيت في ذلك المسجد أوراقا من مصحف، فأخذتها أقرأ فيها، فقالوا لي: تحسن تكتب؟ فقلت: نعم. فقالوا: علمنا الخط، فجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب، فكنت أعلمهم، فحصل لي أيضا من ذلك شيء كثير، فقالوا لي بعد ذلك: عندنا صبية يتيمة ولها شيء من الدنيا نريد أن تتزوج بها، فامتنعت، فقالوا: لابدّ وألزموني فأجبتهم إلى ذلك. فلما زفوها إليّ مددت عيني أنظر إليها، فوجدت ذلك العقد بعينه معلقا في عنقها، فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه، فقالوا: يا شيخ! كسرت قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد، ولم تنظر إليها، فقصصت عليهم قصة العقد، فصاحوا وصرّخوا بالتهليل والتكبير حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة، فقلت: ما بكم؟ فقالوا: ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية، وكان يقول: ما وجدت في الدنيا مسلما[ المراد أمينا وعفيفا يعرف أحكام اللقطة] إلا هذا الذي ردّ عليّ هذا العقد، وكان يدعو ويقول: اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه ابنتي، والآن قد حصلتْ، فبقيت معها مدة ورزقت منها بولدين، ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولداي، ثم مات الولدان، فحصل العقد لي، فبعته بمئة ألف دينار، وهذا المال الذي ترونه معي من بقايا ذلك المال. أخي المسلم : التوكل عند المسلم هو إذًا عملٌ وأملٌ، مع هدوء قلب، وطُمَأنينة نفس، واعتقاد جازم بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن الله لا يضيع أجْر من أحسن عملاً.
فيا أيُّها المظلوم، ويا أيُّها المكروب، ويا أيُّها المجروح، ويا أيُّها المهموم، الَّذي كفَاك همَّ أمس يَكفيك همَّ اليوم وهمَّ غد، فتوكَّل عليه. فإذا كان الله معك فممَّن تخاف؟!
وإذا كان عليْك فمَن ترجو؟!
توكَّل على الله وفوِّض الأمر إليْه، وارْضَ بحكمِه والجأ إليْه، واعتمِد عليْه؛ فهو حسبُك وكافيك. فاللهم إنا نسألك صدق التوكل عليك وحسن اللجوء إليك ولا تحوجنا إلا إليك واجعل اعتمادنا عليك وحدك إنك نعم المولي ونعم النصير ..