14 سبتمبر 2017

الخاتمة بين الإجتهاد والتوفيق


الحمد لله رب العالمين ..جعل الجنة للمتقين وجعل النار للعصاة والمذنبين فقال تعالي } وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133){آل عمران.
نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير…جعل الدار الآخرة للمتقين فقال تعالي }تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83){ القصص 
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان بين أن الأعمال بالخواتيم فقال صلي الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالخواتيم ) رواه البخاري .
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعـــــــــــــــد :ـ فيا أيها المؤمنون
فإن آخر ساعة في حياة الإنسان هي الملخص لما كانت عليه حياته كلها، فمن كان مقيماً على طاعة الله عز وجل بدا ذلك عليه في آخر حياته ذكراً وتسبيحاً وتهليلاً وعبادة وشهادة، وبالجملة فهي ميراث السوابق.
فالموت وختام الحياة الدنيا حتم لازم: قال الله تعالى }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185){ (آل عمران)
وقال تعالي }إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30){ الزمر.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم }أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ, وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ, وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَعِزِّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ{ (رواه الطبراني والحاكم، وقال الألباني: صحيح لغيره
ولقد أوصى الحق تبارك وتعالى عباده أن يختموا حياتهم بخاتمةٍ حسنة: قال الله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102){) (آل عمران).
وقال تعالي: }وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)){ (الحجر
لذلك كان الصالحون مشغولون بحسن الخاتمة، وإن أعطوا ما أعطوا مِن حسنات الدنيا، قال الله تعالى عن نبيه يوسف عليه السلام }رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ(101){ (يوسف
لذلك كان حديثنا عن الخاتمة بين الإجتهاد والتوفيق وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية …
1ـ خطر الخواتيم .
2ـ أسباب حسن الخاتمة .
3ـ علامات حسن الخاتمة.
4ـ صور من حسن الخاتمة.
5ـ أسباب سوء الخاتمة، مع ذكر بعض الصور.
6 ـ خوف السلف من الخاتمة . 

العنصر الأول : خطر الخواتيم:
ـ
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنْهُمْ فَقَالَ: [مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا] فَتَبِعَهُ رَجُلٌ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَقَالَ بِذُبَابَةِ سَيْفِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا] رواه البخاري ومسلم .
قوله: [ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا]؛ أي لا تصلح الأعمال الصالحة، حتى يختم للعبد بعمل صالح، فيدخل جنة الله .
كم سمعنا عمن آمن، ثم كفر، وكم رأينا من استقام، ثم انحرف؛ لذلك كان كثيرًا ما يردد عليه الصلاة والسلام من دعائه: [يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ]رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد.
ولقد ارتد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بعض من آمن، فخرجوا من النور إلى الظلمات؛ منهم عبيد الله بن جحش، ودخل في النصرانية، وارتد بعد وفاته عليه الصلاة والسلام خلقٌ، فقاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
العنصر الثاني: أسباب حسن الخاتمة :ـ
اعلم أن المواظبة على طاعة الله، والعمل الصالح مِن أعظم أسباب حُسن الخاتمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
وقال صلى الله عليه وسلم (مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بَعَثَهُ اللهُ عَلَيْهِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني). 
وقالوا: “مَن عاش على شيءٍ مات عليه”.
العنصر الثالث: علامات حسن الخاتمة:ـ 
فمِن علامات الفوز الحقيقي أن يموت العبد على عمل صالح: قال النبي صلى الله عليه وسلم (وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا) (رواه البخاري). فمن علامات حسن الخاتمة ….
1ـ نطق كلمة التوحيد عند الاحتضار:
عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)
– قصة مؤثرة حول ذلك: (موت أبي زرعة الرازي): عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ الْبَادِيَّ، قَالَ: حَضَرْتُ مَعَ أَبِي حَاتِمٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الرَّازِيِّ عِنْدَ أَبِي زُرَعَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الرَّازِيِّ، وَهُوَ فِي النَّزْعِ، فَقُلْتُ لِأَبِي حَاتِمٍ: تَعَالَ حَتَّى نُلَقِّنَهُ الشَّهَادَةَ، فَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: إِنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنْ أَبِي زُرْعَةَ أَنْ أُلَقِّنَهُ الشَّهَادَةَ، وَلَكِنْ تَعَالَ حَتَّى نَتَذَاكَرَ الْحَدِيثَ، فَلَعَلَّهُ إِذَا سَمِعَهُ يَقُولُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ: فَبَدَأْتُ، فَقُلْتُ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، فَأُرْتِجَ عَلَيَّ الْحَدِيثُ حَتَّى كَأَنِّي مَا سَمِعْتُهُ وَلَا قَرَأْتُهُ. فَبَدَأَ أَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّهُ مَا قَرَأَهُ وَلَا سَمِعَهُ. فَبَدَأَ أَبُو زُرْعَةَ، وَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي عَرِيبٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ مِنَ الدُّنْيَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَخَرَجَتْ رُوحُهُ مَعَ الْهَاءِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقُولَ دَخَلَ الْجَنَّةَ” (أخرجه ابن البناء في فضل التهليل وثوابه الجزيل(
2ـ الموت بعرق الجبين:
قال النبي صلى الله عليه وسلم (الْمُؤْمِنُ يَمُوتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)
لما احتضر أبو بكر بن حبيب، وكان يدرس، ويعظ، وكان نعم المؤدب، قال له أصحابه لما احتضر أوصنا، فقال: أوصيكم بثلاث: بتقوى الله عز وجل ومراقبته في الخلوة، واحذروا مصرعي هذا، فقد عشت إحدى وستين سنة، وما كأني رأيت الدنيا، ثم قال لبعض إخوانه انظر هل ترى جبيني يعرق؟ فقال: نعم،فقال: الحمد لله هذه علامة المؤمن يريد بذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الْمُؤْمِنُ يَمُوتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ] رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد .
ثم بسط يده عند الموت، وقال:
هَا قدْ مَدَدْتُ يَدِي إلَيْكَ فَرُدَّهَا بِالْفَضْلِ لا بِشَمَاتةٍ الأَعْدَاءِ
قال بعض أهل العلم: قيل: هو لما يعالِج مِن شدة الموت، فقد تبقى عليه بقية مِن ذنوب، فيشدد عليه وقت الموت ليخلص منها. وقيل: هو مِن الحياء، فإنه إذا جاءته البشرى مِن الملائكة مع ما كان قد أقترف مِن الذنوب، حصل له بذلك خجل وحياء مِن الله تعالى، فعرق لذلك جبينه. وقيل: يحتمل أن عرق الجبين علامة جعلتْ لموت المؤمن، وإن لم يعقل معناه (التذكرة للقرطبي)
3ـ الاستشهاد في سبيل الله:
قال الله تعالى }وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170){ آل عمران.
وعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ) (متفق عليه)
4ـ الموت بالأمراض والحوادث القاتلة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم (الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ) (متفق عليه).
وقال صلى الله عليه وسلم (وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فهوَ شهيدٌ) (رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم (مَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ؟) قَالُوا: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)
5ـ الموت دفاعًا عن دينه أو نفسه أو عرضه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) (رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وصححه الألباني).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه :جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: (فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ) قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: (قَاتِلْهُ) قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: (فَأَنْتَ شَهِيدٌ)، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: (هُوَ فِي النَّارِ) (رواه مسلم).
ومن العلامات التي يظهر بها للعبد حسن خاتمته فهي ما يُبشّر به عند موته من رضا الله تعالى واستحقاقه كرامته تفلاً منه تعالى. كما قال جل وعلا: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون)
وهذه البشارة تكون للمؤمنين عند احتضارهم وفي قبورهم وعند بعثتهم يوم القيامة.
وفي الصحيحين قال صلي الله عليه وسلم: (المؤمن إذا بُشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله، وكره الله لقاءه)
ومن علامات حسن الخاتمة الموت على عمل صالح لما رواه أحمد في مسنده قال صلي الله عليه وسلم:(من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله وختم له بها دخل الجنة، ومن صام يوما ابتغاء وجه الله خُتم له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ختم له بها، دخل الجنة).
ولكي يدرك العبد المؤمن حسن الخاتمة فينبغي له أن يلزم طاعة الله وتقواه والحذر من ارتكاب المحرمات فقد يموت عليها، والمبادرة إلى التوبة من الذنوب. 
العنصر الرابع : صور من حسن الخاتمة :ـ 
هلموا أيها المؤمنون.. ننظر كيف كانت ساعة الاحتضار على سلفنا الصالح الذين عاشوا على طاعة الله وماتوا على ذكر الله، يأملون في فضل الله ويرجون رحمة الله، مع ما كانوا عليه من الخير والصلاح. لما رأت فاطمة رضي الله عنها ما برسول الله صلي الله عليه وسلم من الكرب الشديد الذي يتغشاه عند الموت قالت: واكرب أبتاه، فقال لها صلي الله عليه وسلم: (ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم)
وهذا عبد الله بن جحش عندما خرج لمعركة أحد دعا الله عز وجل قائلاً: (يا رب إذا لقيت العدو فلقني رجلاً شديداً بأسه، شديداً حرده فأقاتله فيك، ويقاتلني، ثم يأخذني ويجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غداً، قلت يا عبد الله من جدع أنفك وأذنك، فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول صدقت. وبعد المعركة رآه بعض الصحابة مجدوع الأنف والأذن كما دعا. وطعن جبار بن سًلمي الكلبي عامر بن فهيرة رضي الله عنه يوم بئر معونة، فنفذت الطعنة فيه، فصاح عامر قائلا: فزت ورب الكعبة. 
وكان بلال بن رباح رضي الله عنه يردد حين حضرته الوفاة وشعر بسكرات الموت قائلا:(غداً نلقى الأحبة: محمداً وصحبه) ، فتبكي امرأته قائلة: وابلالاه واحزناه فيقول رضي الله عنه: وافرحاه. وعندما خطب رسول الله صلي الله عليه وسلم في أصحابه حاثاً لهم على الاستشهاد في سبيل الله في معركة بدر قال صلي الله عليه وسلم: (قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض). فسمع عمير بن الحُمام هذا الفضل العظيم وقال: والله يا رسول الله إني أرجو أن أكون من أهلها. فقال صلي الله عليه وسلم (فإنك من أهلها)
فأخرج عمير ثمرات من جعبته ليأكلها ويتقوى بها، فما كادت تصل إلى فمه حتى رماها وقال: إنها لحياة طويلة إن أنا حييت حتى آكل تمراتي، فقاتل المشركين حتى قتل.
وعندما حضرت الوفاة معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: مرحباً بالموت زائر مغيب، وحبيب جاء على فاقة، اللهم إني كنت أخافك، فأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء عند حِلَقَ الذكر.
وقال المزني دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقلت كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقاً، ولكأس المنية شارباً، ولسوء عملي ملاقيا. وعلى الله تعالى وارداً، فلا أدري: روحي تصير إلى الجنة فأهنيها أو إلى النار فأعزيها. ثم بكى.
ولما احتضر عامر بن عبد الله بكى وقال: لمثل هذا المصرع فليعمل العاملون.
وكثير من السلف الصالح مات وهو على طاعة داوم عليها فترة حياته.
فهذا أبو الحسن النساج لما حضره الموت غشي عليه عند صلاة المغرب، ثم أفاق ودعا بماء فتوضأ للصلاة ثم صلى ثم تمدد وغمض عينيه وتشهد ومات. وهذا ابن أبي مريم الغساني، لم يفطر مع أنه كان في النزع الأخير وظل صائماً فقال له من حوله: لو جرعت جرعة ماء، فقال بيده: لا، فلما دخل المغرب قال: أذّن، قالوا: نعم، فقطروا في فمه قطرة ماء، ثم مات. 
ولما احتضر عمر بن عبد العزيز قال لمن حوله: أخرجوا عني فلا يبق أحد. فخرجوا فقعدوا على الباب فسمعوه يقول: مرحباً بهذه الوجوه، ليست بوجوه إنس ولا جان، ثم قال: ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعافية للمتقين)، ثم قُبض رحمه الله.
ولما احتضر عبد الرحمن بن الأسود بكى فقيل له: ما يبكيك.
فقال: أسفاً على الصلاة والصوم، ولم يزل يتلو القرآن حتى مات.
وهذا أبو حكيم الخبري كان جالساً ينسخ الكتب كعادته، فوقع القلم من يده وقال: إن كان هذا موتاً، فوالله إنه موت طيب، فمات.
وعن الفضل بن دكين قال: مات مجاهد بن جبر وهو ساجد.
فحسن الخاتمة هي أن يوفّق العبد قبل موته للتوبة عن الذنوب والمعاصي والإقبال على الطاعات وأعمال الخير.
ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة.
ومما يدل على هذا ما روى أحمد في مسنده، قال صلي الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله) ، قالوا: كيف يستعمله، قال صلي الله عليه وسلم: (يوفقه لعمل صالح قبل موته)
العنصر الخامس : أسباب سوء الخاتمة ، مع ذكر بعض الصور:ـ 
سوء الخاتمة أن يموت العبد على حالة سيئة، من كفر، أو جحود، أو شك، أو مضيع لما أوجبه الله عليه ،وهذه الداهية العظمى، والرزية الكبرى، فإن ذلك يوجب لصاحبه الخلود في العذاب، وأدنى من ذلك أن يموت، وهو متلبس بمعصية من معاصي الله، أو مُصِرٌّ عليها بقلبه، والمرء يبعث على ما مات عليه.
فسوء الخاتمة له أسباب بسببها يختم للإنسان بشر عمله والعياذ بالله تعالي من هذه الأسباب ….
1ـ الإصرار علي المعصية :ـ
فطول الإِلْف بالمعاصي يقتضي تذكُّرها عند الموت، وعودها في القلب وتمثُّلها فيه، وميل النفس إليها، وإن قُبض روحه في تلك الحالة يختم له بالسوء” 
فإن الإنسان إذا ألف شيئاً مدة حياته وأحبه وتعلق به، فالغالب أنه يموت عليه.
وهذا حال كل مَن أصرَّ على انتهاك المحرَّمات، والعيش في أَسْر الشهوات، فهذا لا بد أن يتذكَّر معاصيَه ومخازيَه عند الموت، وتحضر في قلبه ساعة الرحيل، فتميل نفسُه إليها في تلك اللحظة الحرجة التي تُقبَض فيها روحه، فيختم له بالسوء، عياذًا بالله.
قال ابن كثير رحمه الله: (إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت)
يقول ابن القيم رحمه الله: وسوء الخاتمة لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه.
إنما تكون لمن له فساد في العقيدة، أو إصرار على الكبيرة ، أو إقدام على العظائم ، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل عليه الموت قبل التوبة، فيأخذه قبل إصلاح الطوية ويصطدم قبل الإنابة والعياذ بالله.
فالإنسان عندما يألف المعصية ولم يَتُب منها، فإن الشيطان يستولي على تفكيرِه، حتى في اللحظات الأخيرة من حياته، فإذا أراد أقرباؤه أن يُلقِّنوه الشهادة، ليكون آخر كلامه “لا إله إلا الله”، طغت هذه المعصية على تفكيره، فتكلَّم بما يُفِيد اشتغاله بها، وخانه قلبه ولسانه عند الاحتضار، وخُتِم له بالسوء، عياذًا بالله، وقد قيل لأحدِهم عند الاحتضار قل: “لا إله إلا الله”، فجعل يهذي بالغناء، ويقول: تاتنا… تنتنا، ثم قضى.
وقيل لأحدهم عند الاحتضار قل: “لا إله إلا الله”، فقال: “آه… آه لا أستطيع أن أقولها”.
وقيل لأحدهم عند الاحتضار قل: “لا إله إلا الله”، فقال: “ما ينفعني ما تقول، ولم أدَعْ معصية إلا ارتكبتها؟ ثم مات ولم يَقُلها”.
وقيل لآخر: قل”لا إله إلا الله”، فقال: “ما يغني عني، وما أعرف أني صلَّيتُ لله صلاة! ومات ولم يَقُلها”؛ (الداء والدواء لابن القيم)
ومن القصص الحديثة …. أن ثلاثةً من الأصدقاء يجمع بينهم الطَّيش والعَبَث والجنون، كانوا يستدرجون الفتيات الساذجات بالكلام المعسول، ثم ينقلبون إلى ذئاب لا ترحم توسُّلاتِهن، يقول الراوي: ذهبنا كالمعتاد للمزرعة، وكان كل شيءٍ جاهزًا، الفريسة لكل واحدٍ منا، والشراب الملعون، شيء واحد نسيناه وهو الطعام، وبعد قليل ذهب أحدنا لشراء العشاء بسيارته، وكانت الساعة السادسة تقريبًا عندما انطلق، ومرَّت الساعات دون أن يعود، وفي العاشرة شعرتُ بالقلق، فانطلقتُ بسيارتي أبحث عنه، في الطريق شاهدتُ بعض ألسنة النار تندلع على جانب الطريق، وعندما وصلت فوجئت بأنها سيارة صديقي، والنار تلتهمُها وهي مقلوبة على أحد جانبيها، أسرعت كالمجنون أحاول إخراجه من السيارة المشتعلة، وذهلت عندما وجدت نصف جسده قد تفحَّم تمامًا، لكنه كان ما يزال على قيد الحياة، فنقلته إلى الأرض، وبعد دقيقة فتح عينيه وأخذ يهذي: النار… النار، فقررتُ أن أحمله بسيارتي وأسرع به إلى المستشفى، ولكنه قال بصوت باكٍ: لا فائدة لن أصل، فخنقتني الدموع وأنا أرى صديقي يموت أمامي، وفوجئت به يصرخ: ماذا أقول له؟! نظرتُ إليه بدهشة وسألته: مَن هو؟ قال بصوت كأنه قادم من بئرٍ عميق: “الله”، أحسستُ بالرعب يجتاح جسدي، وفجأة أطلق صديقي صرخة مدوِّية، ولفظ آخر أنفاسه، ومضت الأيام، لكن صورة صديقي الراحل وهو يصرخ والنار تلتهمه، ماذا أقول له؟ ماذا أقول له؟ ووجدتُ نفسي أتساءل: وأنا، ماذا أقول له؟ فاضت عيني واعترتني رعشة غريبة، وفي نفس الوقت سمعت المؤذِّن ينادي لصلاة الفجر، الله أكبر.. الله أكبر، فأحسستُ أنه نداء خاص بي، يدعوني إلى طريق النور والهداية، فاغتسلت وتوضأت وطهَّرت جسدي من الرذيلة التي غرقت فيها لسنوات، وأديتُ الصلاة، ومن يومِها لم تَفُتْني فريضة”.
2 ـ مخالفة الباطن للظاهر :ـ
أن يُخالف ظاهر المرء باطنه، فيظهر للناس بمظهر الصلاح والاستقامة ولزوم العبادة، بينما يُناقض باطنه هذه الوضاءة الإيمانيّة، فتكون هذه الازدواجيّة سبباً في خاتمة السوء، يشهد لذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة، فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار) متفق عليه.
وذكرالإمام القرطبي في كتابه (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة) في باب (ما جاء في سوء الخاتمة وما جاء أن الأعمال بالخواتيم).
فقال: روى أنه كان بمصر رجل ملتزم مسجداً للأذان والصلاة، وعليه بهاء العبادة وأنوار الطاعة، فرقي يوماً المنارة على عادته للأذان، وكان تحت المنارة دار لنصراني ذمي، فاطلع فيها فرأى ابنة صاحب الدار فافتتن بها وترك الأذان، ونزل إليها ودخل الدار فقالت له: ما شأنك ما تريد؟ فقال: أنت أريد. قالت: لماذا؟ قال لها: قد سلبت لبي وأخذت بمجامع قلبي، قالت: لا أجيبك إلى ريبة. قال لها: أتزوجك، قالت له: أنت مسلم وأنا نصرانية وأبي لا يزوجني منك. قال لها: أتنصر، قالت: إن فعلت أفعل. فتنصر ليتزوجها وأقام معها في الدار، فلما كان في أثناء ذلك اليوم رقي إلى سطح كان في الدار فسقط منه فمات. فلا هو بدينه ولا هو بها، فنعوذ بالله ثم نعوذ بالله من سوء العاقبة وسوء الخاتمة. انتهى.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة. رواه مسلم.
3 ـ تغلب أمراض القلوب علي القلب :ـ
جاء في صحيح مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عُوداً عُوداً، فأي قلب أُشْربها، نُكِتَ فيه نُكتةٌ سوداء، وأي قلب أنكرها، نُكِتَ فيه نُكتةٌ بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادّاً كالكوز مُجَخِّياً، لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه)، والصفا هو الْحجر الأملس، ومعنى أسود مربادّاً: شديد السواد، والكوز: هو الإبريق، ومعنى مُجَخِّياً: أي مائلاً، والمقصود تشبيه القلب الذي لا يعي خيراً بالكوز المنحرف الذي لا يثبت الماء فيه، مهما صُبّ فيه لم يدخله شيء. 
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صُقِلَ قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله تعالى) رواه الترمذي.
وأسوأ أمراض القلوب التي تُفسده: الرياء، والكبر والعُجب والغرور، والغشّ والخداع، والمكر والكيد، والنفاق وخبث الطويّة، والطمع والأَثَرة والشحّ، واليأس والقنوط، وسوء الظنّ بالله تعالى والتسخّط من أقداره، واتباع الهوى، فأيٌّ من هذه الأمراض وغيرها تكون سبباً في هلاك صاحبها وخسرانه فضلاً عن سوء خاتمته؛ والقلوب لا تدرك السعادة وحسن العاقبة إلا بسلامتها مصداقاً لقول الباري جلّ وعلا: { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) } الشعراء.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: “إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت، مع خذلان الشيطان له، فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان، فيقع في سوء الخاتمة، قال تعالى: { وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) }الفرقان
4 ـ تسويف التوبة وطول الأمل:ـ
تسويف التوبة وتأجيل الأوبة اغتراراً بطول الأمل، وما هلك من هلك إلا بالتسويف والمماطلة فحالهم كما يقول العلماء: “تسويد القلب نقداً وجلاؤه بالطاعة نسيئةً حتى يختطفه الموت فيأتي الله بقلب غير سليم”، ومثل من يؤخّر التوبة كمثل رجلٍ نبتت في بيته نبتةٌ ضارّة، وهو يؤجّل اقتلاعها المرّة تلو الأخرى، ومع كثرة المماطلة والتأجيل أصبحت تلك النبتة الصغيرة شجرةً قويّة لا يمكنن اجتثاثها بسهولة، وهكذا المسوّف يستمريء المعاصي ويماطل في التوبة منها حتى يُشرب قلبه حبّها ولا يقوى على تركها، ولذلك جاء الأمر الإلهيّ بالاستعداد للموت:{ وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) } الزمر 
يقول ابن المبارك: “احذر السكرة والحسرة، أن يفجأك الموت وأنت على الغرِّة، فلا يصف واصف قدر ما تلقى، ولا قدر ما ترى”.
فالتسويف سببه الأول والأخير طول الأمل ، فطول الأمل هو سبب شقاء كثير من الناس، حيث يخدعهم الشيطان، فيُصوِّر لهم أن أمامهم عمرًا طويلاً، وسنين متعاقبة يَبْنُون فيها آمالاً شامخة، فيجمعون همَّتهم لمواجهةِ هذه السنين، ولبناء هذه الآمال، وينسى الآخرة ولا يتذكَّر الموت، وإذا ذَكَره يومًا تبرَّم منه؛ لأنه – في ظنه – ينغِّص عليه لذَّاته، ويكدِّر عليه صفو عيشه.
ولقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من طول الأمل؛ فقد أخرج البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: “أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال:(كُنْ في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل)، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: “وإذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وخُذْ من صحتِك لمرضك، ومن حياتك لموتك”، زاد أحمد والترمذي: “وعُدَّ نفسك من أهل القبور”.
ولقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عن هذا الصنف: } ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (39){ الحجر
قال القرطبي رحمه الله “طول الأمل داءٌ عُضَال، ومرض فتَّاك، ومتى تمكَّن من القلب فَسَد وصَعُب علاجه، ولم ينجح فيه دواء، وهو الداء الذي أعيا الأطباء، ويَئِس من شفائه الحكماء والعلماء”؛ اهـ.
فعلى الإنسان أن يتذكر دائمًا وأبدًا أن الموت قد يأتيه في أي لحظة، فليستعدَّ له من الآن.
فقد أخرج البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: “خطَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا، وقال: (هذا الإنسان)، وخطَّ إلى جنبه خطًّا، وقال: (هذا أجَله)، وخط خطًّا آخر بعيدًا منه، فقال:(وهذا الأمل)، فبينما هو كذلك، إذ جاءه الأقرب”.
فيا مَن بدُنْياهُ اشتغلْ *** وغرَّه طُولُ الأَمَلْ

وقد مضى في غفلةٍ *** حتى دنا من الأَجَلْ

الموتُ يأتي بَغْتةً *** والقبرُ صندوقُ العَمَلْ
وكان عليُّ بن أبي طالب يقول كما عند البخاري معلقًا: “إن أخوف ما أخاف عليكم: اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصدُّ عن الحق، وأما طول الأمل فيُنسِي الآخرة”.
ويُروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قام على درج مسجد دمشق، فقال: “يا أهل دمشق، ألا تسمعونَ من أخٍ لكم ناصح؟ إن مَن كان قبلكم كانوا يجمعون كثيرًا، ويَبْنُون مشيدًا، ويؤمِّلون بعيدًا، فأصبح جمعهم بورًا، وبنيانهم قبورًا، وآمالهم غرورًا، هذه عادٌ قد ملأت البلاد أهلاً ومالاً، وخيلاً ورجالاً، فمَن يشتري مني اليوم تركتَهم بدِرْهَمين، وأنشد:
يا ذا المؤمِّل آمالاً وإن بَعُدَتْ *** منه ويزعمُ أن يَحظَى بأقصاها

أنَّى تفوزُ بما تَرجُوه وَيْكَ وما*** أصبحتَ في ثقةٍ من نَيْل أدناها
وقال الحسن رحمه الله “ما أطال عبدٌ الأمل إلا أساء العمل”.
وجاء في الأثر: “أربعة من الشقاء: جمود العين، وقسوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا”.
5ـ مصاحبة الأشرار :ـ 
أخرج الترمذي وأبو داود وحسَّنه الألباني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (الرجلُ على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يُخَالِل) ؛ صحيح الجامع
وفي “الصحيحين” أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أنت مع مَن أحببتَ)، فالصاحب ساحب، إما أن يأخذ بيديك إلى مرضاة الله، وإما أن يأخذ بيديك إلى معصية الله عز وجل.
فكم من أناسٍ عاشوا على طاعة الله، فلما اختلطوا بالعُصَاة والأشرار، فإذا بهم ينتكسون على أعقابهم، وينغمسون في الذنوب والمعاصي، ويموتون على ذلك، بل ومنهم مَن يموت على الكفر بعد الإيمان، ومنهم من يُحَال بينه وبين الإيمان، بسبب مصاحبة الأشرار.وهذه بعض النماذج….
1ـ فها هو عُقبَة بن أبي مُعَيط الذي مات على الكفر بسبب صحبة السوء، فقد رُوي كما في تفسير البغوي: “أن عقبة كان صديقًا لأُبَيِّ بن خَلَف، فصنع عُقْبة وَلِيمة فدعا إليها قريشًا، ودعا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فلما قُدِّمَ الطعامُ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أنا بآكل طعامك حتى تشهد أني رسول الله) ففعل، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من طعامِه، فلما بلغ أُبَيَّ بن خلف ذلك، قال لصديقه عُقْبة: أصبَأْتَ؟ قال: لا، ولكن دخل عليَّ رجل عظيم، فأبى أن يأكل طعامي حتى أشهد له بالرسالة، فقال له أُبَي بن خلف: وجهي من وجهك حرام، إن رأيت محمدًا حتى تبزق في وجهه، وتطأ على عنقه، وتقول: كيت، وكيت، ففعل عدوُّ الله ما أمره به خليله، فأنزل الله: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا(29) ﴾ الفرقان
2ـ وأخرج الإمام مسلم من حديث سعيد بن المسيِّب عن أبيه قال: “لما حضرتْ أبا طالب الوفاةُ، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل، وعبدالله بن أبي أميَّة بن المُغِيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا عمِّ، قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهدُ لك بها عند الله)، فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغبُ عن ملة عبدالمطلب؟ فلم يزل رسول الله – صلى الله عليه وسلم يعرِضُها عليه ويُعِيدُ له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلَّمهم: هو على ملة عبدالمطلب، وأَبَى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما والله لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك)، فأنزل الله تعالي}مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ(113) {التوبة
وقال الله تعالى لرسول الله – صلى الله عليه وسلم } إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ(56){ القصص
3ـ وها هم أربعةٌ من الشباب “ممَّن كانوا على الإثم والعدوان، يجتمعون على الفجور والزنا، لا يسمعون ببلد يكثر فيها الخَنَا والفجور إلا سافروا إليها، وفي بلد من البلدان والتي مكثوا فيها أكثر من أسبوع وهم بين زنا وخمور وأفعال لا ترضي الرحمن، وفي ذات ليلة وفي ساعة متأخِّرة من الليل، وبينما هم في غمرة اللهو والمُجُون، إذا بأحدِ الأربعة يَسقُط مغشيًّا عليه، فيُهرَع إليه أصحابه الثلاثة، فيجدونه في أنفاسه الأخيرة، فيقول له أحدهم: يا أخي، قل: لا إله إلا الله، فيرد الشاب ويقول: إليك عني، زدني كأس خمر، وتعالي يا فلانة، ثم فاضت روحه إلى الله عز وجل وهو في تلك الحالة السيئة؛ ليجعل الله قصَّته عبرة لمَن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد، فعادوا إلى بلادهم وهو معهم، ولكنه محمولٌ في تابوت، ولما وصلوا المطار فتحوا التابوت ليتأكَّدوا من جثته، فلما نظروا إلى وجهه فإذا عليه كدرة وسواد، فاللهم ارزقنا حسن الخاتمة”؛ اهـ 
قال الذهبي رحمه الله في كتابه “الكبائر”: “ما من ميتٍ يموت إلا مثِّل له جلساؤه الذين كان يجالسهم”.
6ـ تعلق القلب بغير الله تعالي :ـ
فإذا تعلَّق القلب بالله عز وجل فإنه يسعد في الدنيا والآخرة، ومهما تعلَّق بغير الله عز وجل فإنه يشقى في الدنيا والآخرة؛ ففي القلب فقر واضطرار إلى الله عز وجل لا يسعد إلا بمعرفته، ولا يطمئن إلا بطاعته وعبادته وذكره، قال تعالى} الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ(28){ ﴾ [الرعد].
فإذا تعلَّق القلبُ بغير الله محبةً، أو توكلاً، أو خوفًا، أو رجاءً، فلا بد أن يشقى العبد، فهو تَعِيس غير سعيد، والأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في “صحيح البخاري”:(تَعِس عبدُ الدينار، وعبدُ الدِّرهم، وعبد الخَمِيصة، وعبد القَطِيفة)
ومن القصص الواقعي عن بعض الموتى” 
“أن رجلاً تعلَّق قلبُه بحب المال تعلقًا شديدًا، وقد بلغ من الكبر عِتيًا، ليس له أحدٌ يَرِثه، لا زوج ولا ولد، ولا قريب ولا حبيب، فلما حانت ساعته الأخيرة، ما كان منه إلا أن جمع ذهبه أمامه، وجعل بجواره زيتًا، وهو يخاطب الذهب، ويقول: يا حبيبي، يا مَن أفنيت فيك عمري، أموت وأتركك لغيري، لا والله، أنا أعلم أن موتي قريب، وأن مرضي خطير، ولكني سأدفنك معي، ثم جعل يأخذ دينار الذهب، ويغمسه في الزيت ويهوي به إلى فمه ليبلعَه، فإذا بلعه أصابته كحَّة شديدة، تكاد أن تذهب بروحه، ثم يأخذ نفسًا ويرفع دينارًا ثانيًا، ثم يغمسه في الزيت ويهوي به إلى فمه… وهكذا، حتى مات من جرَّاء ذلك”؛ اهـ.
فاجعل حبَّك الأول والأكبر والأعظم لله ولرسوله، ولا تجعل حبَّ الآباء، أو الأبناء، أو الإخوان، أو الأزواج، أو العشيرة، أو المال، يطغَى على حبك لله ولرسوله، قال تعالى} قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24){ ﴾ التوبة
وصدق القائل حيث قال:
أنتَ القتيلُ بكلِّ مَن أحببتَه فاخترْ لنفسِك في الهوى مَن تَصْطفِي
فكل مَن أحب شيئًا غير الله عُذِّبَ به ثلاث مرات في هذه الدار، فهو يُعذب به قبل حصوله حتى يحصُل عليه، فإذا حَصَل عليه عذِّب به حال حصولِه بالخوف من سلبه وفواتِه، فإذا سُلِبه اشتدَّ عليه عذابُهُ، فهذه ثلاثةُ أنواع من العذاب في هذه الدار, وأما في البرزخ، فعذابٌ يقارنه ألمُ الفراقِ الذي لا يرجو عَوْدَه، وألمُ فوات ما فاته من النعيم العظيم باشتغاله بضده، وألمُ الحجاب عن الله، وألمُ الحسرة والتي تقطعُ الأكباد، فالهمُّ والغمُّ والحسرة والحزنُ تعمل في نفوسهم نظيرَ ما تعمل الهوامُّ والديدانُ في أبدانهم، بل عملُها في النفوس دائم مستمر، حتى يردَّها الله إلى أجسادها، فحينئذٍ ينتقلُ العذاب إلى نوع هو أدهى وأمرُّ”؛ (الداء والدواء لابن القيم – رحمه الله(
فلا يجوز للعبد أن يعلِّق قلبه بغير الله – عز وجل – لأن ذلك قد يغلب على قلبه، ويشغل خاطره عن ذكر الله في الدنيا وعلى فراش الموت.
7ـ فساد المعتقد والتَّعبُّد بالبدع :ـ
وهو أن يعتقد الإنسانُ في ذات الله تعالى أو صفاتِه أو أفعاله خلافَ الحق، إما تقليدًا، أو برأيه الفاسد، فإذا انكشف الغطاء عند الموت، بان له بطلان ما اعتقده، فظن أن جميع ما اعتقده لا أصل له.
وكم خُتِم لكثير من البشر بهذا، عندما ابتدعوا في دين الله – عز وجل – وزاغوا وانحرفوا عن صراط الله المستقيم، وظهرت حقيقتهم في أول لقاء لهم مع ربِّ العالمين سبحانه فإن أهل البدع هم أكثر الناس شكًّا واضطرابًا عند الموت، وذلك لسوء معتقدهم، وفساد قلوبهم، ومرضها بالشبهات والشكوك؛ فهم الذين قال الله عز وجل عنهم} وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ(47){ ﴾[الزمر].
وقال تعالى} قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104){ الكهف
العنصر السادس : خوف السلف من الخاتمة :ـ 
فالخاتمة أقلقت مضاجع العارفين ،ومن هنا كان الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح يخافون علي أنفسهم النفاق ويشتد قلقهم وجزعهم منه ،فالمؤمن يخاف علي نفسه النفاق الأصغر ،ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة فيخرجه إلي النفاق الأكبر وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يكثر أن يقول في دعائه (يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك فقيل له يانبي الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا ؟فقال :نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يقلبها كيف يشاء “أخرجه الإمام والترمذي من حديث أنس .
وها هو يزيد الرقاشي حضرته الوفاة وحوله أهله يبكون فنظر إلي والده وقال أيها الوالد الشفيق الرحيم ماالذي يبكيك فقال أبكي فقدك وما أري من جهدك ،ثم نظر إلي أمه وقال أيتها الأم الشفيقة الرحيمة ماالذي يبكيك فقالت أبكي فقدك وما أري من جهدك . ثم نظر إلي أولاده الصغار فقال يا معشر اليتامى مالذي يبكيكم فقالوا نبكي فقدك وما نري من أثر اليتم من بعدك فصرخ وقال كلكم يبكي لدنياي أما فيكم من يبكي لآخرتي ،أما فيكم من يبكي لملا قاة التراب وحدي ،أما فيكم من يبكي لملاقاة منكر ونكير إياي فشهق شهقة ولحق بالرفيق الأعلى .
وكان يزيد الرقاشي يقول لنفسه: ويحك يا يزيد من ذا الذي يصلي عنك بعد الموت، من ذا الذي يصوم عنك بعد الموت.
ثم يقول: أيها الناس، ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم.
وبكى سفيان الثوري ليلة، فقيل له: أبكاؤك هذا على الذنوب فأخذ تبنة من الأرض وقال: الذنوب أهون من هذه، إنما أبكي خوف سوء الخاتمة، لأنه الأمر الذي يبكي عليه، ويصرف الاهتمام إليه؛ ولذلك قيل:’لا تكف دمعك حتى ترى في المعاد ربعك’. وقيل:’ لا تكحل عينك بنوم، حتى ترى حالك بعد اليوم’.
وبكى أبو هريرة عند موته،وقال:’ والله ما أبكى حزنًا على الدنيا، ولا جزعًا من فراقكم، ولكن أنتظر إحدى البشريين من ربي، بجنة أم بنار’.
وقال الشعبي: لما طعن عمر، جاء ابن عباس فقال: يا أمير المؤمنين،أسلمت حين كفر الناس،وجاهدت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين خذله الناس، وقتلت شهيدًا، ولم يختلف عليك اثنان، وتوفى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو عنك راض، فقال له: أعد مقالتك، فأعاد عليه، فقال:’ المغرور من غررتموه، والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس، أو غربت، لافتديت به من هول المطلع.
ولما حضرت إبراهيم النخعي الوفاة، بكى، فقيل له في ذلك، فقال: إني أنتظر رسولاً يأتيني من ربي، لا أدري هل يبشرني بالجنة، أو بالنار.
ولما حضرت محمد بن سيرين الوفاة، بكى فقيل له: ما يبكيك، فقال: أبكي لتفريطي في الأيام الخالية، وقلة عملي للجنة العالية، وما ينجيني من النار الحامية.
ولما حضرت الفضيل بن عياض الوفاة، غُشِيَ عليه، ثم أفاق، وقال: يا بُعْدَ سفري، وقلة زادي.
ولما حضرت الوفاة عامر بن عبد قيس بكي، فيل له: ما يبكيك، قال أبكي لقوله تعالى: }إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27){ المائدة
أخي المسلم .. يا من الموت موعده، والقبر بيته والثرى فراشه، والدود أنيسه. وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر كيف يكون حاله. فعلينا بالاجتهاد في الطاعة والعمل الصالح حتي يوفقنا الله تعالي للخاتمة الحسنة ، نسأل الله تعالي حسن الخاتمة ، اللهم اجعل أعمارنا آخرها ، وخير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم نلقاه … آمين يارب العالمين 
تمت بفضل الله تعالي وتوفيقه

ليست هناك تعليقات: