15 سبتمبر 2017

التعليم أمل الأمــــة


الحمد لله رب العالمين، الذي شرف أهل العلم ورفع منزلتهم على سائر الخلق،فقال تعالي (:(يرفع اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11].
 وأشهد أن لا إله إلا الله .. وحده لا شريك له ..قرن أهل العلم بنفسه وملائكته في الشهادة بوحدانيته والإقرار بعدالته فقال تعالي (:( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ)[آل عمران:18].
وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله صلي الله عليه وسلم .. حث علي طلب العلم فقال صلي الله عليه وسلم («مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ»

 فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين .
 أما بعــــــــد :ـ فيا أيها المؤمنون..
إن قضية التعليم من أهم وأخطر القضايا في حياتنا ؛ وذلك لأمرين :

أولهما : أن صلاح الحياة وإصلاح الأحياء يرتبط ارتباطاً وثيقاً بإصلاح التعليم لذا فقد قيل :
اثنان إذا صلحا صلح أمر الناس وإذا فسدا فسد أمر الناس : الأمراء والعلماء .

وعن هلال بن خباب قال قلت لسعيد بن جبير: يا أبا عبد الله ما علامة هلاك الناس؟ قال: إذا هلك فقهاؤهم هلكوا “. الخطيب البغدادي : الفقيه والمتفقة .
وقديما قال الشاعر :
البَيْتُ لا يُبْتَنَى إلا لهُ عَمَدٌ * * * ولا عِمادَ إذا لَمْ تُرْسَ أَوْتادُ


وإنْ تَجَمَّعَ أَوْتادٌ وأَعْمِدَةٌ * * * وساكِنٌ بَلَغُوا الأَمْرَ الذي كادُوا
لا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لا سَراة لَهُمْ * * * و لا سراة إذا جالهم سادوا
تُهْدَى الْأُمُورُ بِأَهْلِ الرَّأْيِ مَا صَلُحَتْ* * * فإنْ تَوَلَّتْ فبِالأَشْرارِ تَنْقادُ
ودخل محمد بن زياد مؤدِّب الواثق على الواثق ، فأظهر إكرامه ، وأكثر إعظامَه ، فقيل له : مَنْ هذا أيا أمير المؤمنين ؟ قال هذا أولُ من فَتق لساني بِذِكْرِ اللَهِ ، وأدْناني من رحمة اللّه .
وقيلَ للإسكندر : ما بالُ تعظيمك لمؤدِّبك أكثر من تعظيمك لأبيك ؟ قال : لأنَ أبي سبَبُ حياتي الفانية ومؤدِّبي سببُ حياتي الباقية .
وثانيهما : أن قضية إصلاح التعليم من القضايا الشائكة والمتشابكة لأنها لا تهم ولا تخص فرداً بعينه ولا طائفة بشخصها فقضايا الاقتصاد تخص أهل الاقتصاد وقضايا أهل الطب تخص أهل الطب وقضايا أرباب الحرف تخصهم وهم أولى الناس بحل مشاكلها وهكذا ؛ أما قضية التعليم فهي قضية تخص المجتمع كله بل والأمة بأسرها , لذا يجب أن يشترك الجميع في حلها ولذلك كان حديثنا عن (التعليم أمل الأمــــــــة)
وذلك من خلال هذه العناصرالرئيسية التالية …

1ـ دور الأسرة في النهوض بالتعليم.
2ـ دور المعلم في النهوض بالتعليم . 
3ـ دور الدولة في النهوض بالتعليم .
العنصر الأول : دور الأسرة في إصلاح التعليم :ـ 

دور الأسرة في إصلاح التعليم دور مهم وخطير , فالطفل حينما يولد يولد على الفطرة ولا يدرك من أمر الحياة شيئا , فيتعاهده الوالدان بالرعاية والتربية ويبذلان له الحقوق التي شرعها الدين الحنيف ومنها :ـ
حسن اختيار الأرض والبذرة الصالحة له , فيحسن الرجل اختيار الزوجة الصالحة , وتحسن المرأة اختيار الزوج الصالح , وأن يحسنا اسمه , فيختاران له الاسم الحسن الذي لا يخجل من ذكره للناس ويحسنا أدبه وتربيته ورعايته , قال تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) سورة التحريم.
عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالأَمِيرُ الَّذِى عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. أَخْرَجَهُ أحمد والبُخَارِي ومسلم.
وعَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:كَفَى بِالْمَرْءَ إِثْمًا ، أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ.أخرجه “أحمد وأبو داود صحيح الترغيب والترهيب .
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين أشكو إليك عقوق ولدي، فقال: ائتنى به، فجاء الولد إلى عمر ، فقال عمر: لم تعق أباك؟ فقال الولد: يا أمير المؤمنين ما هو حقي على والدي؟ فقال عمر: حقك عليه أن يحسن اختيار أمك، وأن يحسن اختيار اسمك وأن يعلمك القرآن. فقال الولد: والله ما فعل أبي شيء من ذلك، فالتفت عمر إلى الوالد وقال: انطلق لقد عققت ولدك قبل أن يعقك. 
وللأبويين دور كبير ومهم في النهوض بالتعليم وذلك عن طريق : 
1- حث الأولاد وتشجيعهم على طلب العلم :
فمن حسن التأديب والتربية أن يغرس الوالدان في أولادهم حب التعلم والحرص على طلب العلم , وأن يبنا لهم كيف جعل الله تعالى أول آيات القرآن الكريم ” : “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ”. سورة العلق: 1-5.
وأن القرآن الكريم قد اشتمل على ما يقارب (750) سبعمائة وخمسين آية تحث وتدعو إلى إعمال الفكر في هذا الكون وما فيه من مخلوقات مسخرة للإنسان . 
وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ ، كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ).أخرجه ابن ماجة صحيح الترغيب والترهيب.
بل وجعله سبيلاً إلى دخول الجنة فقال : ” مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ، سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا ، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ.أخرجه أحمد والدرامي وابن ماجة.
وأن الله تعالى رفع من شأن العلماء ومن قدرهم , قال سبحانه : ” إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌغَفُورٌ (28) فاطر .
وقال : ” يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) سورة المجادلة.
قال أبو الأسود الدؤلي :
العلم نور وتشريف لصاحبه * * * فاطلب هديت فنون العلم والأدبا
العلم كنز وذخر لا فناء له * * * نعم القرين إذا ما صاحب صحبا
لذا فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تشجيع الأطفال الصغار وتربيتهم على حب طلب العلم ، وإفساح المجال أمامهم لمخالطة من يكبرونهم سنّاً في مجالس العلم , روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما -‏ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَخْبِرُونِى بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُسْلِم ، تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ، وَلاَ تَحُتُّ وَرَقَهَا فَوَقَعَ في نفسي أَنَّهَا النَّخْلَةُ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، فَلَمَّا لَمْ يَتَكَلَّمَا قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم هي النَّخْلَةُ فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَبِى قُلْتُ يَا أَبَتَاهْ وَقَعَ في نفسي أَنَّهَا النَّخْلَةُ. قَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. قَالَ مَا مَنَعَنِى إِلاَّ أَنِّى لَمْ أَرَكَ وَلاَ أَبَا بَكْرٍ تَكَلَّمْتُمَا ، فَكَرِهْتُ.أخرجه البخاري مسلم .
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِى مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا ، وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ. قَالَ فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ ، وَدَعَانِى مَعَهُمْ قَالَ وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِى يَوْمَئِذٍ إِلاَّ لِيُرِيَهُمْ مِنِّى فَقَالَ مَا تَقُولُونَ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ) حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ ، إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ نَدْرِى. أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا. فَقَالَ لي يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَكَذَاكَ تَقُولُ قُلْتُ لاَ. قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْتُ هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) فَتْحُ مَكَّةَ ، فَذَاكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) قَال عُمَرُ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ. (أخرجه أحمد والبُخَارِي والتِّرْمِذِيّ).
تشجيع السلف لأولادهم في طلب العلم :ـ
فقد ضرب السلف الصالح أروع الأمثلة على تشجيع أولادهم وحثهم على طلب العلم وإنفاق الغالي والنفيس في ذلك ,
هشام ابن عمار :ـ
قال هشام بن عمار رحمه الله: باع أبي بيتاً بعشرين ديناراً وجهزني للحج فلما وصلت المدينة أتيت مجلس الإمام مالك رحمه الله وهو جالس في مجلسه في هيئة الملوك والناس يسألونه وهو يجيبهم فلما حان دوري قلت له: حدثني فقال لا، بل اقرأ أنت فقلت لا بل حدثني ، فلما راددته وجادلته غضب وقال: يا غلام تعال أذهب بهذا فاضربه خمسة عشر، قال: فذهب بي فضربني ثم ردني إلى مالك فقلت :قد ظلمتني فإن أبي باع منزله وأرسلني إليك أتشرف بالسماع منك وطلب العلم على يديك ، فضربتني خمسة عشر دُرّة بغير جرم ، لا أجعلك في حل، فقال مالك، فما كفارة هذا الظلم؟فقلت كفارته أن تُحدثني بخمسة عشر حديثاً ،فقال هشام:فحدثني مالك بخمسة عشر حديثاً فلما انتهى منها قلت له: زد في الضرب وزد في الحديث، فضحك مالك وقال لي: اذهب وانصرف. (معرفة القراء الكبار للذهبي).
ربيعة الراي :ـ
قال عبد الوهاب بن عطاء الخفاف: حدثني مشايخ أهل المدينة أن فروخاً أبا ربيعة الرأي خرج في البعوث إلى خراسان أيام بني أمية غازياً وربيعة حمل في بطن أمه، وخلف عند زوجته أم ربيعة ثلاثين ألف دينار، فقدم المدينة بعد سبع وعشرين سنة وهو راكب فرساً وفي يده رمح، فنزل ودفع الباب برمحه فخرج ربيعة، وقال: يا عدو الله، أتهجم على منزلي فقال فروخ: يا عدو الله، أنت دخلت على حرمي، فتؤاثبا وتلبب كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران، فبلغ مالك بن أنس والمشيخة فأتوا يعينون ربيعة، فجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان، وعل فروخ يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان وأنت مع امرأتي؛ وكثر الضجيج، فلما أبصروا بمالك سكتوا، فقال مالك: أيها الشيخ لك سعة في غير هذه الدار، فقال الشيخ: هي داري وأنا فروخ، فسمعت امرأته كلامه فخرجت وقالت: هذا زوجي، وهذا ابني الذي خلفه وأنا حامل به، فاعتنقا جميعاً وبكيا. فدخل فروخ المنزل وقال: هذا ابني فقالت: نعم، قال: أخرجي المال الذي لي عندك وهذه معي أربعة آلاف دينار، قالت: قد دفنته وأنا أخرجه بعد أيام، ثم خرج ربيعة إلى المسجد وجلس في حلقته، فأتاه مالك والحسن بن زيد وابن أبي علي اللهبي والمساحقي وأشراف أهل المدينة وأحدق الناس به، فقالت امرأته لزوجها فروخ: اخرج فصل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج فنظر إلى حلقة وافرة فأتاها فوقف عليها فأفرجوا له قليلاً فنكس ربيعة رأسه يوهمه أنه يره، وعليه دنية طويلة، فشك أبوه فيه، فقال: من هذا الرجل فقالوا: هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فقال: فقد رفع الله ابني !، ورجع إلى منزله، وقال لوالدته: لقد رأيت ولدك على حالة ما رأيت أحداً من أهل العلم والفقه عليها، فقالت أمه: فأيما أحب إليك ثلاثون ألف دينار أو هذا الذي هو فيه فقال: لا والله بل هذا، فقالت: فإني أنفقت المال كله عليه، قال: فو الله ما ضيعته.(ابن خلكان : وفيات الأعيان) .
2- تأديبهم بأدب وأخلاق أهل العلم :
على الوالدين تربية الأولاد على التأدب والتخلق بأخلاق أهل العلم .
تربيتهم علي حسن الإستماع :ـ
روى مسلم في صحيحه أن سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قال : لَقَدْ كُنْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غُلاَماً فَكُنْتُ أَحْفَظُ عَنْهُ فَمَا يَمْنَعُنِى مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ أَنَّ هَا هُنَا رِجَالاً هُمْ أَسَنُّ منى . أخرجه مسلم .
قال الحسن البصري في وصيّته لابنه رحمهما الله : يا بني ! إذا جالست العلماء فكن على السمع أحرص منك على أن تقول ، و تعلّم حسن الاستماع كما تتعلّم حسن الكلام.
تربيهم علي البعد عن الفاحش والسيئ من الكلام :ـ
ذكر أن تاج الدين السبكي فيما نقله عنه ولده قال : كنت جالسا بدهليز دارنا فأقبل كلب فقلت له : اخسأ كلب بن كلب فزجرني والدي فقلت له : أليس هو كلب ابن كلب قال :شرط الجواز عدم قصد التحقير فقلت هذه فائدة .(المناوي: فيض القدير) .
قال الإمام السخاوي : روينا عن المزني قال : سَمِعَني الشافعي يوماً وأنا أقول : فلان كذَّاب ، فقال لي : يا إبراهيم أكس ألفاظك أحسنها ، لا تقل كذاب ، ولكن قل حديثه ليس بشيء.
روت كتب الأدب أن صبيا تكلم بين يدى الخليفة المأمون فأحسن الجواب , فقال له المأمون :ابن من أنت يا غلام؟قال :أنا ابن الأدب با أمير المؤمنيين , فقال المأمون: نعم النسب, ثم أنشد:
كن ابن من شئت واكتسب * * * أدبا يغنيك محموده عن النسب
تربيتهم على الصدق والأمانة والتواضع :ـ
قال الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه بنيت أمري على الصدق وذلك أني خرجت من مكة إلى بغداد أطلب العلم فأعطتني أمي أربعين دينارا وعاهدتني على الصدق فلما وصلنا أرض همدان خرج علينا عرب فأخذوا القافلة فمر واحد منهم وقال ما معك قلت أربعون دينارا فظن أني أهزأ به فتركني فرآني رجل آخر فقال ما معك فأخبرته فأخذني إلى كبيرهم فسألني فأخبرته فقال ما حملك على الصدق قلت عاهدتني أمي على الصدق فأخاف أن أخون عهدها فصاح ومزق ثيابه وقال أنت تخاف أن تخون عهد أمك وأنا لا خاف أن أخون عهد الله ثم أمر برد ما أخذوه من القافلة وقال أنا تائب لله على يديك فقال من معه أنت كبيرهم في قطع الطريق وأنت اليوم كبيرنا في التوبة فتابوا جميعا ببركة الصدق .
تربيتهم على النشاط وعلو الهمة :ـ
دعا يحيى بن خالد البرمكى ابنه يوماً ، ودعا بمؤدبه وبمن كان ضم إليه من كتابه وأحبابه فقال : ما حال ابني هذا ؟ قالوا : قد بلغ من الأدب كذا وكذا ، نظر في كذا وكذا !قال : ليس عن هذا سألت ، قالوا : قد اتخذنا له من الضياع كذا وغلته كذا ، قال : ولا هذا سألت إنما سألت عن بُعد همته ، وهل اتخذتم له في أعناق الرجال مننا وحببتموه إلى الناس ؟ قالوا : لا ، قال : فبئس العشراء أنتم والأصحاب هو والله إلى هذا أحوج منه إلى ما قلتم.
مكث ابن جرير الطبري أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة وقد صار مجموع ما صنفه نحو 358 ألف ورقة ، وقد ولد بن جرير سنة 224هـ وتوفى سنة 310هـ فعاش 81 سنة فإذا طرحنا منها سنة قبل البلوغ وقدرناها بأربع عشرة سنة يكون قد بقى ابن جرير سنتين وسبعين سنة يكتب كل يوم 14 ورقة فإذا حسبنا الاثنين والسبعين سنة وجعلت كل يوم منها 14 ورقة تضيفا كان مجموع ما صنعه نحو 358 ألف ورقة .
3- اكتشاف قدراتهم ومواهبهم والعمل على تنميتها :
من الأخطاء التي يقع فيها بعض الأباء في تربيتهم للأبناء: الجهل بما لدى هؤلاء الأبناء من ميول ومواهب وقدرات , فاكتشاف موهبة الطفل منذ البداية يساعد على تنمية تلك الموهبة وتوجيهها التوجبه الأمثل والصحيح , فلقد أكدت دراسة أكاديمية ضرورة الاكتشاف‏ ‏المبكر لموهبة الطفل والعمل على تنميتها بالطرق العلمية الصحيحة حيث أن التدخل‏ ‏المبكر لتنمية هذه المواهب يكون اكثر فاعلية من التدخل المتأخر.‏ 
وقالت بعض الدراسات التربوية “إذا تم اكتشاف موهبة الطفل مبكرا فسيصبح بالإمكان‏ ‏التعامل معها بغرض تطويرها وتحسينها”.‏ ‏
وأضافت الدراسة، أن هناك ‏ ‏اختلافا بين بعض المفاهيم مثل مفهوم الذكاء والإبداع والموهبة غير أن الأخيرة ‏ ‏تعنى قدرة الطفل المبكرة على أداء فعل معين قبل وصوله إلى درجة عقلية معينة.‏ 
فهاهو النبي صلى الله عليه وسلم يكتشف شجاعة أسامة بن زيد رضي الله عنه وهو شاب صغير وحرصه على الجهاد فيوليه قيادة الجيش , كما اكتشف حب زيد بن ثابت للعلم فيطلب منه تعلم اللغات .
فتشجيع الطفل على القراءة والمعرفة والبحث يخلق لديه حب المعرفة والحرص على معرفة كل جديد ونافع , قال ابن القيم رحمه الله في 🙁 روضة المحبين) وهو يتكلم عن عِشْق العلم-: وحدثني أخو شيخنا (يعني أحمد ابن تيمية) عبدُالرحمن ابن تيمية، عن أبيه (عبد الحليم) قال: كان الجَدُّ (أبو البركات) إذا دخل الخلاء يقول لي: اقرأْ في هذا الكتاب وارْفَعْ صوتكم حتى اسمعُ.
وموهبة الطفل وقدراته لا تنمو إلا في جو من الحب والحرية , وتموت تلك المواهب والقدرات إذا عاشت في جو من العسف والقهر والتسلط .
ولقد أوضح ذلك ابن خلدون في مقدمته الرائعة ” من كان مرباه بالعسف والقهر سطا به الظلم وحمل على الكذب والخبث خوفا من أبساط الأيدي عليه بالقهر وعلمه المكر والخديعة وفسدت فيه معاني الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله وصار عيالا على غيره في ذلك ،بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل “
العنصر الثاني : دور المعلم في النهوض بالتعليم :
للمدرسة دور كبير في إصلاح حال التعليم لا يقل بحال من الأحوال عن دور البيت ودور الدولة ,فالطفل يذهب إلى المدرسة كالصفحة البيضاء وكالأرض البكر لا يملك شيئاً من الخبرات التعليمية سوى ما اكتسبه من أسرته , وهناك يبدأ دور الأب الثاني للتلميذ وهو المعلم والذي يتخذ منه التلميذ المثل والقدوة.
فالمعلم له دوره المهم والبارز في العملية التعليمية , فالطالب ينظر إلى معلمه نظرة اقتداء واهتداء , ويتخذ منه القدوة والنموذج الأعلى , يقلده في أقواله وأفعاله .
أوصى عتبة بن أبي سفيان عبد الصمد مؤدَب ولده فقال: ليكن إصلاحُك بَني إصلاحَك نفسك، فإن عُيوبَهم معقودة بعَيْبك، فالحسنُ عندهم ما استحسنتَ، والقبيحُ ما استقبحت؛ وعلِّمهم سِيَرَ الحكماءِ، وأخلاقَ الأدباء، وتهدَدْهم بي وأدَبْهم دوني؛ وكن لهم كالطبيب الذي لا يَعْجَل بالدواء حتى يَعْرِف الداء؛ ولا تَتَكِلَنَ على عذر مني، فإني قد اتكلتُ على كِفاية منك. (ابن قتيبة : عيون الأخبار )
لذا ينبغي على المعلم أن يضع نفسه دائما موضع القدوة , وأن لا يتخذ من هذه الرسالة العالية الفاضلة مجرد وظيفة ووسيلة للتكسب والارتزاق. فالتربية بالقدوة من أنجح الوسائل المؤثِّرة في إعداد المتعلِّم خُلقيًا وتكوينه نفسيًا واجتماعيًا، ذلك لأنَّ الْمُعلِّم هو المثل الأعلى في نظر المتعلِّم، والأسوة الصالحة في عينه، يُقلِّده سلوكيًا ويُحاكيه خُلقيًا من حيث يشعر أو لا يشعر، بل تنطبع في نفسه وإحساسه صورته القولية والفعلية والحسية والمعنوية من حيث لا يدري أو يدري.
قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ”[الصف: 2، 3].
وعن أسامة بن زيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يُجاء بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه». رواه البخاري ومسلم 
قال الشاعر:
يا أيهَا الرجلُ المعلِّمُ غيرَه *** هلاَّ لنفسِك كانَ ذا التعليمُ
تَصِف الدواءَ لِذي السقامِ وذي الضنَا *** ومِن الضَّنَا وجَواهُ أنتَ سقيمُ
وأراكَ تلقحُ بالرشادِ عقُولَنا *** نُصْحاً ، وأنت مِن الرشادِ عديمُ
أبدأ بنفسِك فانْهَهَا عَن غَيَّها *** فإذا انتهتْ عنه فأنتَ حكيمُ
فَهُناك يُقْبَلُ إن وعظتَ ، ويُقتدَى *** بالقول منكَ ، وينفعُ التعليمُ
لا تَنْهَ عن خُلقٍ وتأتيَ مثلَه *** عارٌ علَيكَ إذا فعلتَ عظيمُ
وقال بعض السلف: “العلم يهتف بالعمل، فإنْ أجابَه وإلاَّ ارْتَحل”، فبركة العلم وثَمرته العمل به، ولن يكون الانتفاع منه بغير ذلك.
وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول أخشي من ربي يوم القيامة أن يدعوني علي رؤس الخلائق فيقول لي عويمر (ابوالدرداء) فاقول لبيك رب فيقول ما علمت فيما عملت 
والمعلم الجيد هو الذي يتصف بالصفات الإيجابية ومنها :
أولاً : الإخلاص والتقوى :
وذلك بتصحيح النية , تلك النية التي تحتاج إلى مجاهدةٍ في تحصيلها واستصحابها، وإلى مدافعة أضدادها ومفسداتها، قال سبحانه: ” فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا” [الكهف: 110].
وقد افتتح الإمام البخاري وبعض الأئمة مؤلَّفاتهم بحديث «إنما الأعمال بالنيات…».
ولقد حذر الإسلام من تعلم العلم للدنيا فقط , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ” إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ . قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ . فَقَدْ قِيلَ . ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ . قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ . وَقَرَأْتَ الْقَرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ . فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ في النَّارِ . وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ . فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ في النَّار.( أخرجه أحمد ومسلم والنَّسائي ).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ ، لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا ، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. يَعْنِى رِيحَهَا. أخرجه “أحمد وابن ماجة وابن حِبَّان (صحيح الترغيب والترهيب ) .
قال الإمام النووي: ويجب على الْمُعلِّم أن يقصد بتعليمه وجه الله لِما سبق، وألاَّ يجعله وسيلة إلى غرضٍ دنيوي، فيستحضر الْمُعلِّم في ذهنه كون التعليم آكد العبادات، ليكون ذلك حاثًا له على تصحيح النية، ومُحرِّضًا له على صيانته من مُكدِّراته ومن مكروهاته، مخافة فوات هذا الفضل العظيم والخير الجسيم.(المجموع شرح المهذب) 
فالمعلم الذي يجعل هدفه الأول الكسب المادي ولا يبالي إذا كان من حلال أم من حرام هو معلم لا يدرك كنه الرسالة والمسؤولية التي سوف يسأل عنها أمام الله يوم القيامة .
ثانياً : الإشفاق على المخطئ وعدم تعنيفه :-
كان صلوات الله وسلامه عليه يقدر ظروف الناس، ويراعي أحوالهم، ويعذرهم بجهلهم، ويتلطف في تصحيح أخطائهم، ويترفق في تعليمهم الصواب، ولا شك أن ذلك يملأ قلب المنصوح حباًّ للرسالة وصاحبها، وحرصا على حفظ الواقعة والتوجيه وتبليغهما، كما يجعل قلوب الحاضرين المعجبة بهذا التصرف والتوجيه الرقيق مهيأة لحفظ الواقعة بكافة ملابساتها.
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللهُ ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ : وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ.ى أَفْخَاذِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ، فَوَاللهِ ، مَا كَهَرَنِي وَلاَ ضَرَبَنِي وَلاَ شَتَمَنِي ، قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. (أخرجه أحمد والبُخَارِي )،
وانظر أثر هذا الرفق في نفس معاوية بن الحكم السلمي وتأثره بحسن تعليمه صلى الله عليه وسلم.
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه ، قَالَ :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلاَ مُتَعَنِّتًا ، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا. أخرجه أحمد ومسلم
قال تعالى : وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ” [آل عمران: 159].
قال ابن جماعة: وكذلك ينبغي أن يرحب بالطلبة إذا لقيهم، وعند إقبالهم عليه، ويُكرمهم إذا جلسوا إليه، ويؤنسهم بسؤاله عن أحوالهم وأحوال من يتعلَّق بهم بعد ردِّ سلامهم، وليعاملهم بطلاقة الوجه وظهور البشر وحُسن المودة وإعلام المحبة وإضمار الشفقة؛ لأنَّ ذلك أشرح لصدره وأطلق لوجهه وأبسط لسؤاله، ويزيد في ذلك لمن يُرجى فلاحه، ويظهر صلاحه. 
ثالثاً : تشجيع المحسن والثناء عليه : 
تشجيع المحسن والثناء عليه ليزداد نشاطاً وإقبالاً على العلم والعمل، مثلما فعل مع أبي موسى الأشعري حين أثنى على قراءته وحسن صوته بالقرآن الكريم، فعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل دواد».
رابعا : ازرع في الطالب الأمل والنظرة إلي المستقبل :ـ
لا تيئس الطالب ولا تقنطه من رحمة الله عز وجل لأن اليأس من لوازم الكفر والقنوط من توابع الضلال كما قال تعالي علي لسان نبيه يعقوب (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {87}يوسف.
وقال علي لسان نبيه إبراهيم عليه السلام (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {56}الحجر. 
لا نظل نقول للطالب ( أنت مش فاهم ..مش نافع .. ) فهذا يورث في الطالب البلادة والاستسلام لما يقوله المعلم ولكن ازرع فيه النظرة للمستقبل وأنه سيكون له شأن عظيم في المستقبل .
هذا الإمام أبو حنيفة كان ينظر لمن في حلقته على أنهم علماء المستقبل .أحد تلامذته وهو “القاضي أبو يوسف” يحكى عن طفولته وعن نظرة أبي حنيفة المستقبلية فيقول ” توفى أبى إبراهيم وخلفني يتيما في حجر أمي ، فأسلمتني إلي قصار( ذهبت به إلي خياط ليتعلم مهنة وحرفة ) ولكني كنت أحب العلم فكنت أهرب من عند القصار وأذهب إلى مجلس الإمام أبى حنيفة وكانت أمي تأتيني وتأمرني أن أذهب من درس العلم إلى القصار ( خائفة على مستقبله ) لكنها نظرة غير مستقبلية . 
فلما كثر هذا علي أمي قالت لأبي حنيفة يوما : إن فساد هذا الغلام سيأتي علي يديك , لقد تركه أبوه يتيما وأسلمته إلي القصار يعلمه مهنة حتى يكسب منها دانقا أو دانقين (سدس درهم ). فقال لها أبو حنيفة مري يا رعناء إن ابنك بين يدي يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق ( نوع من الحلويات لا يصنع إلا للأمراء والخلفاء ) فقالت والله ما أرى إلا أنك شيخ قد كبر سنك . ويشاء الله أن تتحقق نظرة أبو حنيفة ويتولي القضاء لثلاثة من الخلفاء . في أثناء توليه القضاء لهارون الرشيد جمعهم المجلس يوما فأتى الخادم بطبق من الحلوى فقال هارون الرشيد يا أبا يوسف كل من هذه الحلوى فإنها لا تصنع لنا كل يوم . فقال ما هذه يا أمير المؤمنين فقال فالوذجة بدهن الفستق فابتسم أبو يوسف فقال ما الذي يضحكك فقص له حكاية أبي حنيفة .
خامسا :إشعار الطالب بحاجة الأمة إليه :ـ
في أواخر القرن الثاني الهجري في مشرق العالم في نيسابور جلس محمد بن إسماعيل البخاري وعمره 17سنة بين يدي أستاذه إسحاق بن راهويه حاول الأستاذ أن يحدث تلامذته عن احتياجات الأمة فقال “والله لو أن واحدا منكم يجمع صحيح السنة في كتاب لانتفع به الناس أيما انتفاع . يقول البخاري فوقعت في نفس هذه المهمة وأقسمت أن أكون هذا الرجل فقعدت في بيتي ونمت ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو جالس على منبره الشريف ويأتيه بعض الذباب فأذهب وأهش الذباب عنه فأقمت من نومي وحكيت الرؤيا لأستاذي فأولها أنى أذب كذب الحديث عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ،فبدأت أجمع حديث النبي صلي الله عليه وسلم في كتاب (والبخاري ما كتب حديثا إلا اغتسل وصلى ركعتين. وكانت له تجارة ينفق من ريعها أنفق ما يقرب بالحساب الآن 2مليون ريال( 3مليون جنيه) في هذه المهمة من ماله) 
سادسا : التواضع والرجوع إلى الحق : 
قال تعالى :” وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ“. سورة الشعراء: 21]. 
ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا وما تواضع أحدٌ لله إلاَّ رفعه». رواه مسلم 
ومن التواضع أن يقول لا أدري فيما لا يعلمه وأن يرجع إلى الصواب إذا أخطأ ,وهذا من الأمانة العلمية أن يقول لما لا يعلم لاأعلم فليس في العلم خجل ولا كبرياء وأن يتقبل أي حقيقة أو فائدة علمية تأتيه ولو علي يد من هو أقل منه علما أو أو أصغر منه سنا أو أدني منه منزلة وحسبه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم سئل علي الملأ أمام الناس عن الساعة فقال بصريح العبارة ما المسئول عنها بأعلم من السائل وذلك في حديث سيدنا جبريل المشهور . 
ولم يمتنع سيدنا موسي عليه السلام وهو نبي وسول يوحي إليه من هذا الرجل الصالح سيدنا الخضر عليه السلام قال تعالي ( قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)) الكهف.
وهذا سيدنا عمر رضي الله عنه ترده امرأة وهو يخطب علي المنبر في شان صداق النساء فلا يستنكف أن يُخطئ نفسه علي مرأي ومسمع من الناس قائلا كل الناس أفقه منك يا عمر .
وروى بسنده عن عبد الرحمن بن مهدي قال: كنا عند مالك بن أنس، فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله، جئتكم من مسيرة ستة أشهر، حمَّلني أهل بلدي مسألة أسألك عنها. قال: فسل. قال: فسأله الرجل عن المسألة. فقال: لا أُحسنها. 
قال: فبُهِت الرجل كأنه قد جاء إلى من يعلم كلَّ شيء. قال: أيُّ شيء أقول لأهل بلدي إذا رجعت إليهم؟ 
قال: تقول لهم: قال مالك: لا أُحسِن. 
قال الشافعي رحمه الله ” ما ناظرني أحد فباليت أظهرت الحجة على لسانه، أو على لساني’.
عن حاتم الأصم أنه قيل له: أنت رجل أعجمي لا تفصح، وما ناظرك أحد إلا قطعته، فبأي شيء تغلب خصمك؟ فقال: ‘ بثلاث: أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ لساني عنه أن أقول له ما يسوؤه’ فقال أحمد: ‘ما أعقله من رجل’..
سادساُ : أن يعتني ويهتم بتخصصه وبمادته العلمية :
الاهتمام بالتخصص والعناية به والسعي لبلوغ الذروة فيه هو ما ينبغي أن يكون من شأن الْمُعلِّم، لأنه سيكون مرجعًا لطلابه يسألونه ويستفتونه به، ويلتزمون بما يمليه عليهم ويوجِّههم إليه، وينقلون هذا عنه إلى غيرهم من زملائهم أو طلابهم حينما يتصدُّون للتعليم فيما بعد، فلا بدَّ من العناية به ,وقد سُئل سفيان بن عيينة: من أحوج الناس إلى طلب العلم؟ قال: أعلمهم؛ لأنَّ الخطأ منه أقبح.
قال تعالى: ” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” [النحل: 43].
وقال صلى الله عليه وسلم : «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدُّهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان بن عفان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكلِّ أمَّة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح». رواه الترمذي. 
فكل هذه الصفات الطيبة وغيرها تجعل المعلم يقوم بدوره المنوط به , وتجعله يحقق الأهداف التي يسعى إليها , وبدونها يصبح المعلم جسداً بلا روح وشمساً بلا ضوء .
فالشعور بالمسئولية أمام الله تعالي ، رَوى ابنُ حِبَّانَ والترمذيُّ في جامِعِه عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: “لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ “.
وكلما اتسعت دائرة علم الإنسان كلما عظمت مسئوليته ، مسئول عن صيانته وحفظه حتي يبقي ، ومسئول عن تعميقه وتحقيقه حتي يرقي ، ومسئول عن العمل به حتي يثمر ، ومسئول عن تعليمه لمن يطلبه حتي يزكوا ، ومسئول عن بثه ونشره حتي يعم نفعه، ومسئول عن إعداد من يرثه ويحمله حتي يدوم اتصال حلقاته ،وقبل ذلك كله مسئول عن إخلاصه في علمه حتي يقبله منه . 
العنصر الثالث : دور الدولة في النهوض بالتعليم :ـ
التعليم أساس التنمية والتقدم ومن ثم فإن الإصلاح الحقيقي يجب أن يبدأ بالتعليم ونشر العلم وكفالة الحرية للبحث العلمي ودعم العلماء ماديا وأدبيا بما يضمن لهم حياة كريمة توفر لهم القدرة علي مواصلة البحث العلمي وإمكانيات نشر الفكر العلمي وتطويره‏. ولكي تنهض الدولة بالتعليم عليها الآتي :ـ
1ـ إصلاح حال المعلم: 
وذلك بالارتقاء بمستواه العلمي والمادي وإعداده وتأهيله للتعامل مع التقنيات التربوية الحديثة وأن تجعل الدولة المعلم في أسمى وأعلى مكانه , قدم هارون الرشيد إلى الرقة في غرب بغداد فاستقبله أفراد من الحرس والشرطة، وعندما قدم عبد الله بن المبارك من نفس المكان خرج الناس عن بكرة أبيهم لاستقباله فنظرت جارية في قصر الخليفة إلى المنظر فقالت ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان، فقالت: هذا والله الملك، لا ملك هارون الرشيد الذي لا يجمع الناس إلى بشرط وأعوان. 
وهذا نموذج آخر … كان العالم المسلم (الكسائي) يربي ويؤدب ابني خليفة المسلمين في زمانه هارون الرشيد،وهما الأمين والمأمون وبعد انتهاء الدرس في أحد الأيام ، قام الإمام الكسائي فذهب الأمين والمأمون ليقدما نعلي المعلم له ، فاختلفا فيمن يفعل ذلك ، وأخيراً اتفقا على أن يقدم كلاً منهما واحدة ..
ورفع الخبر إلى الرشيد ، فاستدعى الكسائي وقال له :من أعز الناس ؟ قال: لا أعلم أعز من أمير المؤمنين قال : بلى ،إن أعز الناس من إذا نهض من مجلسه تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين ، حتى يرضى كل منهما أن يقدم له واحدة فظن الكسائي أن ذلك أغضب الخليفة فاعتذر الكسائي ،فقال الرشيد : لو منعتهما لعاتبتك ، فإن ذلك رفع من قدرهما.
وهذا موقف ثالث .. للإمام مالك ابن أنس رحمه الله تعالي …..جاء هارون الرشيد ونزل في بيت الإمارة فطلب الإمام مالك بن أنس , ليأتي بموطئه ليقرأه عليه وعلى الأمين والمأمون ابني هارون الرشيد فنظر إليه مالك وقال: يا أمير المؤمنين إن العلم يؤتى إليه ولا يأتي إلى أحد, فجاء هارون وقف على باب مالك واستأذن, فأخبرت الجارية مالك بأن هارون أمير المؤمنين على باب البيت, فذهب واغتسل وارتدى خير ثيابه وتطيب, كل هذا وهارون على الباب, أذن له, فلما دخل قال : ما هذا يا مالك؟ طلبناك فامتنعت علينا, جئناك حبستنا على بابك؛ قال: أفدتك أن العلم يؤتى إليه ولا يأتي, أما أني حبستك على الباب فصحيح, لأني حينما أخبرت أنك تأتي ولم أكن أعلم في أي وقت, علمت أنك لا تأتي لمالك, لا لمال ولا لجاه ولا لشيء إلا للعلم, فأردت أن أكون على أحسن هيئة وأنا أدارسك العلم
2-إصلاح حال المتعلم : 
الارتقاء بمستوى المتعلم هدف أساسي, وذلك يكون بالاستغلال الأمثل لتكنولوجيا المعلومات, كما أن المتعلم يحتاج إلى تشجيع وتحفيز دائمين ؛ حتى يشعر بأنه شريك أساسي في العملية التعليمية ولا يكتفي بدور المتفرج . 
حينما ولي الخلافة عمر بن عبد العزيز، وفدت الوفود من كل بلد لبيان حاجاتها وللتهنئة، فوفد عليه الحجازيون، فتقدم غلام هاشمي للكلام، وكان حديث السن، فقال عمر لينطلق من هو أسن منك.
فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا منح الله عبداً لساناً لافظاً، وقلباً حافظاً، فقد استحق الكلام وعرف فضله من سمع خطابه، ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق بمجلسك هذا منك. فقال عمر: صدقت، قل ما بدا لك،
فقال الغلام:أصلح الله أمير المؤمنين، نحن وفد تهنئة لا وفد مرزئة، وقد أتيناك لمنَّ الله الذي منَّ علينا بك، ولم يقدمنا إليك رغبة أو رهبة، أما الرغبة فقد أتيناك من بلادنا، وأما الرغبة فقد أمنا جورك بعدلك. فقال عمر: عظني يا غلام، فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، إن ناساً من الناس غرهم حلم الله عنهم وطول أملهم وكثرة ثناء الناس عليهم فزلت بهم الأقدام فهووا في النار، فلا يغرنك حلم الله عنك وطول أملك وكثرة ثناء الناس عليك، فتزل قدمك، فتلحق بالقوم، فلا جعلك الله منهم، وألحقك بصالحي هذه الأمة، ثم سكت. 
فقال عمر: كم عمر الغلام، فقيل له: ابن إحدى عشرة سنة، ثم سأل عنه فإذا هو من ولد سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهم، فأثنى عليه خيراً، ودعا له، وتمثَّل قائلاً:
تعلم فليس المرء يولد عالماً * * * وليس أخو علم كمن هو جاهلُ
فإن كبير القوم لا علم عنده * * * صغير إذ التفت عليه المحافلُ
3- إصلاح حال الكتب والمناهج الدراسية مما يخدم الأخلاق والقيم الإسلامية العريقة …
لقد صار تطوير وإصلاح الكتب والمناهج الدراسية صار أمرا محتما في ظل التغيرات السريعة والمستجدات الحديثة , إذا وظفنا الدين توظيفا حقيقيا أصبح في إمكاننا أن نوجد تعليما ينهض بالأمة ويرقى بها وتصبح الأمة في مصاف الدول المتقدمة .. 
لقد ذكر مؤرخوا الغرب غوستاف لوبون وجورج سارتون وبيري فولت وغيرهم….أن المسلمين هم من علموا الغرب المنهج التجريبي والمنهج الاستقرائي الذي قامت على أساسه نهضة أوروبا الحديثة، فنحن تخلفنا وهم تقدموا اقتبسوا منا ونموا ما اقتبسوه وأصبح شيئا هائلا .
ففي ظل تعاليم الإسلام السمحة وحضارته الوارفة وترغيبه في طلب العلم وتكريمه للعلماء نبغ المسلمون قديما في العلوم كلها والتمسوا المعرفة من الشرق والغرب فترجموا كتب العلوم الفارسية واليونانية وغيرها وشجع الخلفاء على هذه الحركة العلمية ، حتى كان الخليفة المتوكل يعطي حنين بن إسحاق أشهر المترجمين وزن ما يترجمه ذهباً. ولم يقتصر المسلمون على الترجمة، بل تابعوا البحث والدراسة، والتعديل والتطوير ، حتى ابتكروا وطوروا وسبقوا غيرهم . ففي ظل إدراك المسلمين لحقيقة العلم وقيمته :ـ
 برز أبو بكر الرازي أول من عمل عملية إزالة الماء من العين. وظهر ابن سينا الذي كان كتابه الطبي (القانون) يدرس في جامعتي (كمبردج، وأكسفورد) وغيرهما من مشاهير الأطباء كثيرون . وبرع جابر بن حيان في علم الجبر، واكتشف كثيرا من أسرار الكيمياء. وسبر العرب علم الفلك ، فكانوا أول بناة للمراصد الفلكية في العالم، وأول صانعي المناظير [التليسكوبات] فضلا عن تقدمهم في فنون الهندسة المختلفة. ومحاولة الطيران في السماء التي كان أول من فكر فيها عباس بن فرناس. إن العلم الذي تنهض به أمتنا هو كل علم نافع ، سواء كان من علوم الشريعة أو من علوم الطبيعة أقصد كل العلوم التي يحتاجها الناس في حياتهم كالطب والهندسة والزراعة والكيمياء وعلم الأحياء وعلم الفيزياء وعلم الإحصاء وسائر العلوم التي تعد من المقومات الأساسية للنهضة الحضارية ، العلوم التي توجَّه الإنسان وتأخذ بيده وتيسر له القيام بمهمته في الوجود.
وفي الختام:
نسأل الله عز وجل أن يصلح أحوالنا إلي أحسن حال ، وأن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا ، وأن يجعلنا من ” الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ” إنه ولي ذلك والقادر عليه .
تمت بفضل الله وتوفيقه

ليست هناك تعليقات: