عناية الإسلام باليتيم
الحمد لله الكريمِ المَنَّانِ، الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، أحب من أطاعه وأعد له نعيم الجِنَانِ، وأَبْغَضَ مَنْ عصاه وَتَوَعَّدَهُ بِلَظَى النِّيرَانِ. أمر بالإحسان إلي اليتيم بعد عبادته وتوحيده سبحانه وتعالي فقال تعالي{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [النساء: 36].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كلي شيئ قدير .. أرسل نبيه رحمة للعالمين فهداهم من ضلالة وعلمهم من جهالة وأخرجهم من ظلمات الجهل إلي نور العلم والإيمان فقال تعالي (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء .
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم شملت رحمته البر والفاجر والقريب والبعيد والعدو والصديق فكان رحمة مهداه من الله عز وجل فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ ” . المستدرك علي الصحيحين .
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ..
أما بعد: فيا أيها المؤمنون …
إن الله تعالي خلق الإنسان وأودع فيه قلبا ينبض لأنه بدون القلب أشبه بالآلة الصماء والحجر الصلد فإن حقيقة الإنسان ليست في هذا الغلاف الطيني من لحم ودم وعظم ، وإنما هي تلك الطيفة الربانية والجوهرة الروحية التي بها يحس ويشعر وينفعل ويتأثر ويتألم ويرحم هي القلب الحي . ومن أخص أوصاف المؤمن أنه يتميز بقلب حي مرهف لين رحيم يتجاوب به مع الأحداث والأشخاص فيرق للضعيف ويألم للحزين ويحنو علي المسكين ويمد يده إلي الملهوف وبهذا القلب الحي المرهف الرحيم ينفر من الإيذاء وينبو عن الجريمة ويصبح مصدر خير وسعادة وبر وسلام لما حوله ومن حوله. واعتبر اليتامى في قلب المجتمع المسلم يمثلون نقطة مُضيئة بالحسنات، والأجور العاليات، من ربِّ الأرض والسموات، وذلك لمن نَظَرَ إلى الأمر بعين قلبه، وألقى سمعه إلى أمر الله – تعالى – وبيان رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وإحساسُهُ الإيمانيُّ حاضرٌ لا يغيب.
لذلك كان حديثنا عن (عناية الإسلام باليتيم ) من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ معاني اليتم في الإسلام ؟
2ـ اليتم في حياة النبي صلي الله عليه وسلم.
3ـ عناية الإسلام باليتيم .
4ـ قصص في فضل الإحسان إلي اليتيم
5ـ أيتام غيروا في التاريخ .
6ـ كيف تؤمِّن مستقبل ولدك بعد الممات؟
العنصر الأول : معاني اليتم في الإسلام ؟ :ـ
اليتم: الفقد، بمعنى أنَّ اليتيم يفقد حاجيَّات يجدها غيره، يفقد ثوبًا يريد أن يسترَ به بدنَه، أو يفقد معنًى يُكسبه الشعور بالثِّقة وعدم الاضطراب، أو ربَّما يفقد مالاً يريد أن يحقق به مصلحة أو يدرك به مآرب أخرى.
اليتيم من البشر: مَن فَقَدَ أباه وهو دون الحُلُم، ومن فَقَدَ أبويه فهو لطيم، واليتيم من الطير أو الوحش مَن فقد أُمَّه .
* يتم الأخلاق :
وهناك أيتام يُقاسون اليتم على معنى آخر، في قلب مُجمعاتنا الكبيرة والصَّغيرة على السواء، لهم آباء ولهم أمَّهات؛ لكنهم – مع الأسف – يتجرَّعون مرارات اليتم، ويَشعرون به، ذلكم الذين يعالج آباؤهم وأمهاتهم أمورَهم من زوايا مادية أو شكلية أو مظهرية، و يهتمون فقط بملء بطونهم من جوع، أو بسترة أجسامهم من عراء، ثم لا يأبهون – بعد ذلك – بتطلعات الرُّوح وملء شآبيب القلوب رِيًّا وحنانًا، وحشو الجنان آدابًا وأخلاقًا، وببقية أمور التربية والتعليم والإصلاح، فتنشأ أجيالٌ فاقدة لحسن الخلق، بعيدةً عن ساحات المساجد، تربيها الأيام والليالي، ولا تربيها صيحات المنابر، ولا تلاوات المحاريب؛ لأنَّ الوالدين لم يكونا أَدِلاَّءَ خيرٍٍ على طريق المسجد، فصار الوالدُ والوالدة عائقًا وسببًا في عدم إكرام الأولاد، وحسن تربيتهم في الإسلام، مع أنَّهم نشؤوا على قوة البدن، لكنَّهم في ميدان التربية الخلقيَّة والرُّوحية أيتام،
وفي ذلك قول أمير الشعراء:
لَيْسَ الْيَتِيمُ مَنِ انْتَهَى أَبَوَاهُ مِنْ هَمِّ الْحَيَاةِ وَخَلَّفَاهُ ذَلِيلاً
إِنَّ الْيَتِيمَ هُوَ الَّذِي تَلْقَى لَهُ أُمًّا تَخَلَّتْ أَوْ أَبًا مَشْغُولاَ
حينما يترك الوالدُ ولدَه للشوارع والشاشات وعروضها الفاسدة، تُجَمِّلُ في المخيلة الساذجة منازعَ الحمق والفساد، وحثالة الأفكار، ورَدِيء الفلسفات، ثم يَمتطي هذا الوالد صهوة الفخر الكذوب، ويقول: أنا ربيت أولادي أفضلَ تربية وأكملها، ونحن بدورنا نؤكد ونوقن أن أولادَه يعانون اليُتْمَ من أعمق معانيه.
أو حينما يكون هذا الوالد ذاته سببًا في فساد أولاده، يشكل لهم القُدوة السيئة في أبهى حللها، كأنْ يكون كذابًا، فيتعلمون منه الكذب، أو مختالاً بطرًا يتشربون منه الكبر والخيلاء والاستطالة على عباد الله، أو يأكل الحرام، ولا يبالي من أيِّ طريق قد جمع أرزاقه، فينشأ أولاده وقد مردوا منذ أزمان على أشباه هذه المعاني يومًا بعد يوم، فيترسب في قرائحهم أنَّ هذا هو الحق، وأنَّ غيره هو عين الباطل، وحال الوالد والولد كما قال الشاعر الحكيم:
وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الْفِتْيَانِ مِنَّا عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ
أولادنا مُحتاجون إلى مَن يُربي عقولهم وأفكارَهم وقلوبَهم وضمائرهم بعيدًا عن التشابه في تربية الدَّواب، أو تربية الأشكال – وإلاَّ فهم أشباه الأيتام – فإنَّ الإنسان يرقى أجواز العُلا بروحه لا بجسمه وصورته. يَا خَادِمَ الْجِسْمِ كَمْ تَشْقَى لِخِدْمَتِهِ أَتَطْلُبُ الرِّبْحَ مِمَّا فِيهِ خُسْرَانُ أَقْبِلْ عَلَى الرُّوحِ وَاسْتَكْمِلْ فَضَائِلَهَا فَأَنْتَ بِالرُّوحِ لاَ بِالْجِسْمِ إِنْسَانُ
** يتم القدوة :ــ
عندما تعاني مجتمعات أو شعوب بكاملها من فَقْد القُدوات الحسنة أو ندرتهم، أو عندما يكون التَّافهون والسَّاقطون والسَّطحيُّون هم القُداوتِ والأمثلةَ – أو هكذا يُراد – بدفع حفنات من أسماء اللاَّعبين والمطربين والمستغربين إلى الأسماع والأبصار، في إصرارٍ إعلامي سمج مكرور، لا يهدأ ولا يستكين، فينجرفُ المزاج العام في مجال أخذ القُدوة إلى هوة سحيقة، بعد أنْ تصيبَ هذه السهام كثيرًا من أهدافها، ويغرق الخلق – تبعًا لذلك – في حمأة اليُتم الأخلاقي، وتعيش الشعوب في ميدان الأخلاق كالأيتام على موائد اللئام، فتتضاعف في قلوب الأمة معانيَ الإخلاد إلى الأرض والتبعية، ويزيد عدد أشباه الرجال ولا رجال، ويكون الاهتمام الأكبر بالكمالي من المطعوم والملبوس، وبقية المستهلكات في دوار لا ينتهي حتَّى آخر أرماق الحياة، ضاربين ستائر النسيان على معالي الأمور؛ لأنَّهم لم يعرفوها ولم يألفوها، تاركينَ قيادة الحياة بِيَدِ ظالم أو غاشم يعيثُ في الأرض بآيات الفساد، ومن صور المشهد التَّابع ليتم الشُّعوب أن أرض الواقع تذخر بتمجيد المدنس، أو المتاجرة بالمقدس، على حسب المآرب والرَّغائب، عندئذٍ يكون بطنُ الأرض خيرًا من ظاهرها، بالنِّسبة لمن حَرَمُوا أنفسَهم وغيرهم من خلق الله أنْ يتذوقوا طعم حياة الآدميِّين.
العنصر الثاني :اليتم في حياة النبي صلي الله عليه وسلم :ـ
إن اليتم ليس عيباً في الإنسان، وليس يتمُه مسبباً لتأخره، وليس يتمه قاضيا على نهضته وتقدمه، فكم من يتيم عاش بخير، ونال ما نال من الخير بفضل الله، فهذا سيد الأولين والآخرين، خير من وطئت قدمه الثرى، فيُتْمُ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم تكريمٌ إلهي، وقد تشرَّف معنى اليتم ذاته يقول الله له مذكراً نعمه عليه: قال تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 6-8].
رَغْمَ أنه انتقل – صلَّى الله عليه وسلَّم في أطوار الرعاية الأولى بين حنان الأم الذي لم يدُم سوى ست سنوات من عمره المبارك، وبين رعاية الجد عبدالمطلب، والتي لم تدم بعد فَقْدِ الوالدة سوى عامين، ثم كانت الكفالة من عَمِّه أبي طالب، حتَّى شبَّ عن الطوق، ودخل في سن الشباب – صلَّى الله عليه وسلَّم – وليست هذه مصادفة وقعت في قلب الأحداث، بل إنَّها من القدر السعيد المُعَدِّ لرسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال الله – تعالى -: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]
فلا يحدث في ملك الله إلا ما أراد، وشاءت إرادة العَلِي القدير أنْ ينشأ سيد الناس يتيمًا؛ ليجيره رب الناس من شدَّة اليتم وزيغ الآراء؛ طلبًا للهداية إلى طريقةٍ لإصلاح الذين يرتعون في عمايات الجاهليَّة، ولقد قام النبي صلي الله عليه وسلم بترية العالم بأسره فغير الله علي يديه حال أمة لم تكن تعرف إلا عبادة الأوثان وشرب الخمر ولعب الميسر وظلم الأقوياء … إلي أمة لا تعرف إلا الرحمة والعدل والمساواة والإنسانية ..
العنصر الثالث:عناية الإسلام باليتيم :ـ
لقد كان المجتمع الجاهلي قبل الإسلام يتعامل مع اليتيم بالقسوة والعنت والظلم فكان الرَّجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمة، فيُلقي عليها ثوبه، فإذا فعل ذلك بها، لم يقدر أحد أن يتَزَوَّجها أبدًا، فإن كانت جميلة وهويها، تَزَوَّجَها وأكل مالَها، وإن كانت دميمة، منعها الرجال أبدًا حتَّى تموت، فإذا ماتت ورثها،فجاء الإسلام وحرم ذلك ونهي عنه فقال تعالي{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127].
وعلى ضفاف المعنى الكريم لرعاية وكفالة اليتيمات في سابق الأزمان، نَجد أنَّ القرآن الكريم يرسم صورة رائعة لمجموعة من أهل الخير الذين يتسابقون فيما بينهم على كفالة يتيمتهم وبنت حبرهم مريم بنت عمران، والدة سيدنا عيسى – على الجميع السلام قال الله تعالى {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44]،
فقد كان كل واحد منهم يطمع في أن يفوز برعايتها، ولم يجدوا بدًّا من الاقتراع فيما بينهم وإلقاء أقلامهم في نهر الأردن أيهم يفوز بهذا الشرف العظيم، ألا وهو كفالة اليتيمة، حتَّى فاز بذلك نبي الله زكريا – عليه السلام.
وتأمل أمر الله تعالي بالإحسان إلي اليتيم في كل العصور ،انظر إلى حال بني إسرائيل حينما وصَّاهم الله – عزَّ وجل – وأمرهم بقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83] . وفي الحديث عن عناية الإسلام باليتيم علمنا الله جلَّ وعلا بقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [النساء: 36]،
فتأمل واربط بين الحالين؛ لتعلم أنَّ إكرام اليتامى في الإسلام وقبله في بني اسرائيل مقرونٌ بعبادة الله – تعالى – واحترام دينه. وقد أوصي الإسلام بحفظ حق اليتيم حتى يبلغ سن الرشد وهذه الحقوق تتمثل في الآتي:ـ
1ـ حفظ مال اليتيم :ـ
وفي معرض الحديث عن إكرام اليتيم في الإسلام أمر بحفظ مال اليتيم ،قال تعالي ( وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَـٰمَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوٰنُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ) [البقرة:220].
وأمر بحفظ أموال اليتيم حتي يبلغ أشده ، فقال:( وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) [الأنعام:152].
بل أمر بإعطائهم حقوقَهم كاملة العد والقيمة بلا إبطاء؛ قال الله تعالى{وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء: 2].
فوصف أكل أموالهم بالظلم الكبير، الذي لا يعلم حدوده إلا الله – تعالى ولهذا كان جزاء من يأكلون أموال اليتامى عاقبة الخسار والنَّدم. ولقد حذَّر الإسلام أشد الحذر من أكل أموال اليتامى بالباطل وعدَّه من الكبائر؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ)، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ) (رواه أبوداود ).
إنَّ كلمات القرآن بهذا الصدد تصور مشهدًا صعبًا عجيبًا عصيًّا على التخيُّل من شديد آلامه؛ قال الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10].
فهل لأحد طاقة على أن يأكلَ النار؟! فما بال أكلة أموال اليتامى لا يلتزمون بأوامر الله تعالى القائل{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: 6].
وروى ابن مردويه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يبعث يوم القيامة القوم من قبورهم تأجج أفواههم ناراً، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً”،
ومن أجلِّ المواقف الإيمانيَّة للصحابة الكرام الوقَّافين عند حدود الله، وطوع أمره: ما ورد عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: “لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ – عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 34]، و{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] الْآيَةَ، انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ، فَعَزَلَ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ، وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ، فَجَعَلَ يَفْضُلُ مِنْ طَعَامِهِ، فَيُحْبَسُ لَهُ؛ حَتَّى يَأْكُلَهُ أَوْ يَفْسُدَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ{… وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ...} {البقرة: 220]، فَخَلَطُوا طَعَامَهُمْ بِطَعَامِهِ وَشَرَابَهُمْ بِشَرَابِهِ”؛ (رواه أبو داوود:). 2ـ حرمة قهر اليتيم :ــ القهر: هو الغلبة مع عدم القدرة على الانتصار للحق أو الأخذ علي يد المعتدي يقول تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} (الضحى: 9).
لَقَدِ اهْتَمَّ الإِسْلاَمُ بِشَأْنِ الْيَتِيْمِ الاِهْتِمَامَ البَالِغَ مِنْ نَاحِيَةِ تَرْبَيْتِهِ وَمُعَامَلَتِهِ وَضَمَانِ مَعِيْشَتِهِ، حَتَّى يَنْشَأَ عُضْواً نَافِعاً منتجا فِي مُجْتَمَعِهِ، يَنْهَضُ بِوَاجِبَاتِهِ، وَيَقُومُ بِمَسْؤُولِيَّاتِهِ، فَمِنَ اهْتِمَامِ القُرآنِ الكَرِيْمِ بِشَأْنِ الْيَتِيْمِ أَمْرُهُ بِعَدَمِ قَهْرِهِ، وَالْحَطِّ مِنْ شَأْنِهِ وَكَرَامَتِهِ، يَقُولُ تَعَالَى: {فَأَمَا الْيَتِيْمَ فَلاَ تَقْهَرْ}، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ وتعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّيْنِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيْمَ}، فَجَعَلَ ازْدِرَاءَ الْيَتِيْمِ آيَةً مِنْ آيَاتِ التَّكْذِيْبِ بِيَوْمِ الدِّيْنِ.
3ـ حق الإكرام:ـ
الكرم: هو الإعطاء بسهولة دون عوض مادي أو معنوي والكرم إذا كان بالمال فهو الجود وإن كان بكف ضرر مع القدرة عليه فهو العفو وان كان ببذل النفس فهو الشجاعة. ومن صور الإكرام الإنفاق والإحسان وقد جعل الله الإحسان إلى اليتيم سبيلاً للنجاة من عذابه يوم القيامة، فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ [البلد:11-16]،
وجعل إهانته سبيل غير المتقين، كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ) (الفجر:17، 18).
قال الله تعالى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215] . ويقول تعالى:{وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ} (البقرة: 177 ).
ويقول تعالى:{قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} (البقرة: 215).
ويقول تعالى:{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} (البقرة: 83 ).
وأمر جل وعلا بالإنفاق عليهم، وجعل ذلك من خصال البر والتقوى، لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلَـئِكَةِ وَٱلْكِتَـٰبِ وَٱلنَّبِيّينَ وَءاتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبّهِ ذَوِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينَ [البقرة:177].
وجعل لهم تعالى سهماً في فيء المسلمين فقال: وَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ [الأنفال:41]، وقال جل وعلا: مَّا أَفَاء ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ [الحشر:7]. فالإنفاق على اليتامى من أفضل صُور العطاء؛ لأنه يسد ثلمًا، ويقضي حاجيات، ويحقق مصالح هامة في حياتهم. وَجَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الكَثِيْرُ مِنَ الأَحَادِيْثِ الَّتِي تَحُضُّ عَلَى العِنَايَةِ بِالْيَتِيْمِ وَتُبَشِّرُ الأَوْصِيَاءَ إِنْ أَحْسَنُوا الوِصَايَةَ بِأَنَّهُمْ مَعَهُ – عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فِي الْجَنَّةِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيْم فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِأَصبُعِهِ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا).
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (كَافِلُ الْيَتِيْمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتِيْنِ فِي الْجَنَّةِ)، وَأَشَارَ الرَّاوِي بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَقَالَ أَيْضاً عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ (مَنْ قَبَضَ يَتِيْماً مِنْ بَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ البَتَّةَ إِلاَّ أَنْ يَعْمَلَ ذَنباً لاَ يُغْفَرُ لَهُ)، وَفِي رِوَايَةٍ: (حَتَّى يَسْتَغْنِي عَنْهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ).
وَقَالَ صلي الله عليه وسلم 🙁مَنْ كَفَلَ يَتِيْماً لَهُ ذَا قَرَابَةٍ أَوْ لاَ قَرَابَةَ لَهُ فَأَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ وَضَمَّ أَصبُعَيْهِ ، ومَنْ سَعَى عَلَى ثَلاَثِ بَنَاتٍ فهُوَ فِي الْجَنَّة، وكَانَ لَهُ كَأَجْرِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيْلِ اللَهُ صَائِماً قَائِماً).
ووصف النبي الكريم – صلَّى الله عليه وسلَّم المنفقين على الأرامل، وهن يُربِّين أيتامهن بأنَّ لهم أجورَ المجاهدين والقائمين والصَّائمين؛ وذلك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال (السَّاعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يصوم النهار، ويقوم الليل)؛ (رواه البخاري: ومسلم ).
وَقَالَ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ: (مَنْ عَالَ ثَلاَثةً مِنَ الأَيْتَامِ كَانَ كَمَنْ قَامَ لَيْلَهُ وَصَامَ نَهَارَهُ وَغَدَا وَرَاحَ شَاهِراً سَيْفَهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، وَكُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ أَخَوَانِ،َمَا أَنَّ هَاتَيْنِ أُخْتَانِ)، وَأَلْصَقَ أَصبُعَيْهِ السَّبَّابَةَ وَالوُسْطَى، وَوَرَدَ عَنْهُ أَيْضاً صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِيْنَ بَيْتٌ فِيْهِ يَتِيْمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِيْنَ بَيْتٌ فِيْهِ يَتِيْمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ)،
وَجَاءَ أَيْضاً: (أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَفْتَحُ بَابَ الْجَنَّةِ إِلاَّ أَنِّي أَرَى امْرَأَةً تُبَادِرُنِي، فَأَقُولُ: مَالَكِ وَمَنْ أَنتَ؟ تَقُولُ: أَنَا امْرَأَةٌ قَعَدْتُ عَلَى أَيْتَامٍ لِي)، فهذا من منزلة صبر الأم على أيتامها؛ حيث يفيء عليها الأجر العظيم من ربِّ العالمين، وهي مع ذلك تقدم حنانها ورعايَتَها لأولادها ويطمئن قلبها عليهم، إنَّها غنيمة مرْضية للقلب، وأجر من واهب النِّعم، وذلك فضل الله الكريم يؤتيه من يشاء من عباده.
ومدح النبي نساء قريش لرعايتهن اليتامى: ” خير نساء ركبن الإبل نساء قريش،أحناه على يتيم في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده“.
وَقَالَ أَيْضاً صلى الله عليه وسلم: (الَّلهُمَّ إِنَّي أُحِرُّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيْمِ وَالْمَرأَةِ)، وَمَعْنَى أُحَرِّجُ: أَيْ أُلْحِقُ الْحَرَجَ وَالإِثْمَ بِمَنْ ضَيَّعَ حَقَّهُمَا..
4ـ حق الإطعام:ــ
يقول تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيرًا} (الإنسان: 8) .
ويقول تعالى{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ. يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ} (البلد: 15 16).
5ـ حق الإيواء والحنو عليه وتعليمه :ـ
يقول تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} الضحى.
عَنْ أَبِى أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلاَّ لِلَّهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِى الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى). أخرجه أحمد.
وروى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح رأس اليتيم ثلاثاً ويدعو له بالخير والبر.
وأخرج ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم باستشهاد جعفر بن أبي طالب طلب أن يؤتى بأبنائه إليه، فأتي بهم كأنهم أفراخ، فاحتضنهم وشمهم وذرفت عيناه عليهم ثم أمر بالحلاق فجئ به فحلق لهم رؤوسهم. إن كفالة اليتيم لا تقتصر على النواحي الغذائية فقط، بل يتسع معناها ليشمل احتضانه وتعليمه والاهتمام بصحته وإعداده نفسياً وتربوياً لمواجهة المستقبل، والأخذ بيده نحو الفضيلة، وتقوية روحه وعقله، وزرع الأمل في نفسه، ومعاملته بصدق وإخلاص، والحرص على مستقبله وسلوكه، كما يكون حرص الأب على مستقبل أبنائه وسلوكهم.
وجعل النبي صلي الله عليه وسلم المسح علي رأس اليتيم عطفا وحنوا عليه سبباً لجلاء ومعالجة قسوة القلب , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَسْوَةَ قَلْبِهِ ، فَقَالَ لَهُ : إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ). (أخرجه أحمد) الألباني في “السلسلة الصحيحة”.
6ـ حق حفظ الميراث حتى بلوغ سن الرشد:ــ
يقول تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} الكهف: 82.
7ـ حق القسط:ـ
القسط .بكسر القاف وسكون السين هو العدل والقسط لضم القاف هو الجور يقول تعالى{وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ}النساء: 127.
العنصر الرابع : قصص في فضل الإحسان إلي اليتيم :ـ
ولقد جاء في فضل الإحسان إلى الأرملة واليتيم ما ذكره الإمام شمس الدين الذهبي في كتابه الكبائر ….
1ـ المرأة العلوية :ـ
عن بعض العلويين وكان نازلا ببلخ من بلاد العجم وله زوجة علوية وله منها بنات وكانوا في سعة ونعمة فمات الزوج وأصاب المرأة وبناتها بعده الفقر والقلة فخرجت ببناتها إلى بلدة أخرى خوف شماتة الأعداء واتفق خروجها في شدة البرد فلما دخلت ذلك البلد أدخلت بناتها في بعض المساجد المهجورة ومضت تحتال لهم في القوت فمرت بجمعين جمع على رجل مسلم وهو شيخ البلد وجمع على رجل مجوسي وهو ضامن البلد فبدأت بالمسلم وشرحت حالها له وقالت أنا امرأة علوية ومعي بنات أيتام أدخلتهم بعض المساجد المهجورة وأريد الليلة قوتهم فقال لها أقيمي عندي البينة إنك علوية شريفة فقالت أنا امرأة غريبة ما في البلد من يعرفني فأعرض عنها فمضت من عنده منكسرة القلب فجاءت إلى ذلك الرجل المجوسي فشرحت له حالها وأخبرته أن معها بنات أيتام وهي امرأة شريفة غريبة وقصت عليه ما جرى لها مع الشيخ المسلم فقام وأرسل بعض نسائه وأتوا بها وبناتها إلى داره فأطعمهن أطيب الطعام وألبسهن أفخر اللباس وباتوا عنده في نعمة وكرامة قال فلما انتصف الليل رأى ذلك الشيخ المسلم في منامه كأن القيامة قد قامت وقد عقد اللواء على رأس النبي وإذا القصر من الزمرد الأخضر شرفاته من اللؤلؤ والياقوت وفيه قباب اللؤلؤ والمرجان فقال يا رسول الله لمن هذا القصر قال لرجل مسلم موحد فقال يا رسول الله أنا رجل مسلم موحد فقال رسول الله أقم عندي البينة أنك مسلم موحد قال فبقي متحيرا فقال له لما قصدتك المرأة العلوية قلت أقيمي عندي البينة إنك علوية فكذا أنت أقم عندي البينة إنك مسلم فانتبه الرجل حزينا على رده المرأة خائبة ثم جعل يطوف بالبلد ويسأل عنها حتى دل عليها أنها عند المجوسي فأرسل إليه فأتاه فقال له أريد منك المرأة الشريفة العلوية وبناتها فقال ما إلى هذا من سبيل وقد لحقني من بركاتهم ما لحقني قال خذ مني ألف دينار وسلمهن إلي فقال لا أفعل فقال لا بد منهن فقال الذي تريده أنت أنا أحق به والقصر الذي رأيته في منامك خلق لي أتدل علي بالإسلام فوالله ما نمت البارحة أنا وأهل داري حتى أسلمنا كلنا على يد العلوية ورأيت مثل الذي رأيت في منامك وقال لي رسول الله العلوية وبناتها عندك قلت نعم يا رسول الله قال القصر لك ولأهل دارك وأنت وأهل دارك من أهل الجنة خلقك الله مؤمنا في الأزل قال فانصرف المسلم وبه من الحزن والكآبة ما لا يعلمه إلا الله فانظر رحمك الله إلى بركة الإحسان إلى الأرملة والأيتام ما أعقب صاحبه من الكرامة في الدنيا.
2ـ اليتيم والنخلة :ـ
وقد رواها الإمام أحمد وعبدُ بن حُميد والطبراني وابن حبان وأبو نُعيم في ” معرفة الصحابة ” والحاكم كلهم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله إن لفلان نخلة وأنا أقيم حائطي بها ، فأمُرْه أن يعطيني حتى أُقيم حائطي بها ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أعطها إياه بنخلة في الجنة ، فأبى ، فاتاه أبو الدحداح فقال : بِعْنِي نخلتك بحائطي ، ففعل ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني قد ابتعت النخلة بحائطي . قال : فاجعلها له ، فقد أعطيتكها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كم مِن عِذق راح لأبي الدحداح في الجنة – قالها مرارا – قال : فأتى امرأته فقال : يا أم الدحداح أخرجي من الحائط فإني قد بعته بنخلة في الجنة ، فقالت : ربح البيع ، أو كلمة تشبهها . وفي رواية : كَمْ مِنْ عِذْقِ رَدَاحٍ لأَبِي الدَّحْدَاحِ . قال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني ، ورجالهما رجال الصحيح . وصححه الشيخ الألباني . وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم .
و في صحيح مسلم من حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَة رضي الله عنه قَال : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِ الدَّحْدَاحِ – وفيه – : فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُعَلَّقٍ أَوْ مُدَلًّى فِي الْجَنَّةِ لأبي الدَّحْدَاحِ .
العنصر الخامس : أيتام غيروا مجري التاريخ :ـ
1ـ الامام سفيان الثوري :ـ
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري توفي والده وهو دون التاسعة من عمره واعتنت به والدته خير اعتناء ، فوجهته لدراسة الحديث في المسجد ويروى أن والدته ،كانت تغزل بمغزلها ذات يوم وباعت ما غزلته بعشرة دراهم ،ثم دعت إليها ابنها سفيان وقالت 🙁 يا سفيان هذه عشرة دراهم اذهب أطلب بها الحديث في المسجد ثم انظر يا بني إن وجدت أثرا لما تعلمته ،على عقلك وقلبك وعملك فتعال أعطك عشرة دراهم أخرى حتى تطلب بها العلم وان لم تجد أثرا لذلك فاترك العلم يا بني فانه يأبى أن يكون إلا لمخلص ) كان- رحمه الله تعالى- شديد الزهد لا يقبل شيئا من أحد معتمدا على كسب يده ،فكان إذا احتاج إلى المال ينقض جذوع بيته ويبيعه ،فإذا حصل علي المال أعاد بناء السقف ،كل ذلك مخافة أن يسأل أحدا ،يروى أن رجلا دخل عليه فحدثه بحديث لم يسمعه ،وهو على فراش المرض فأخرج لوحا من تحت سريره وأخذ يكتب الحديث فقيل له ( وأنت على هذه الحالة ؟؟ ) قال ( لئن ألقى الله عز وجل وأنا أعلم هذا الحديث خير من أن ألقاه وأنا لا أعلمه )، وظل يدعو ويبتهل حتى مات ( عالم رباني ,,,,, ) كان يقول دائما 🙁 إن أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل ,,,, هي أن نصنعه ).
2ـ الإمام ابن الجوزي :ـ
توفي والد عبد الرحمن بن الجوزي وعمره ثلاث سنوات، فكفلته أمه وعمته، فأحسنتا رعايته وتربته والاعتناء به؛ ولما ترعرع ووجدت عمته فيه من النباهة والذكاء، أرسلته إلى مسجد أبي الفضل ابن ناصر (محمد بن ناصر الحافظ) وهو خاله، فلزم الشيخ ابن ناصر الحافظ وقرأ عليه وسمع عليه الحديث، وقد قيل: إن أول سماعه سنة 516هـ، أي كان لابن الجوزي من العمر نحو 5 سنوات تقريبا. كانت للتنشئة الحسنة لابن الجوزي على يد أمه وعمته وشيخه ابن ناصر الحافظ أثر كبير في تكوين حياته العلمية الأولى وزرع حب العلم في قلبه، كما كان الغنى والثراء وكثرة التجارة والأموال التي تركها والده أثر كبير في تفرغ ابن الجوزي للعلم وعدم الانشغال بغيره، لذا شرع عبد الرحمن بن الجوزي في طلب العلم وهو صغير، وهذا ما جعله فريدا في عصره وبين أقرانه. ومع ما كان يتمتع به ابن الجوزي من الغنى والثراء اللذين يغريان أي شاب أن يتمتع ويتلذذ بهما ما يشاء وخاصة مع انتشار الغناء في بغداد وتعدد وسائل اللهو إلا الصبي ما كان ينظر إلى كل هذا، بل نراه –رحمه الله- يجاهد نفسه لترويضها على القليل من متاع الدنيا، بل نشأ –رحمه الله- يتيما على العفاف والصلاح. وكان ابن الجوزي في صغره وطفولته لا يحب مخالطة الناس خوفا من ضياع الوقت في الهفوات، فيقول ابن كثير: “وَكَانَ وهو صبي دَيِّنًا مَجْمُوعًا عَلَى نَفْسِهِ لَا يُخَالِطُ أَحَدًا ولا يأكل ما فِيهِ شُبْهَةٌ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا للجمعة، وكان لا يلعب مع الصبيان”. ترك ابن الجوزي -رحمه الله- جملة من المصنفات والمؤلفات العلمية التي ما نال الزمان بمثلها، حتى قال ابن كثير: ” وَلَهُ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ فِي ذَلِكَ مَا يَضِيقُ هذا المكان عَنْ تِعْدَادِهَا، وَحَصْرِ أَفْرَادِهَ”.
وقال ابن الجوزي: “أول ما صنفت وألفت ولي من العمر 13 سنة”. والنماذج كثيرة وكثيرة ولكن يضيق المقام بذكرها .
العنصر السادس : كيف تؤمِّن مستقبل ولدك بعد الممات؟
والجواب: يقول الله تعالي (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ) [النساء:9] . يقول سيد التابعين سعيد ابن المسيب لولده: (إني سأكثر من الطاعات براً بك) براً بولده وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ [الكهف:80] . وفي الآية الأخرى: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً [الكهف:82].
لقد دخل مسلمة بن عبد الملك ابن عم عمر بن عبد العزيز عليه وهو على فراش الموت، فقال له: [يا أمير المؤمنين! ألا توصي لأولادك بشيء؟ فهم كثير وقد أفقرتهم ولم تترك لهم شيئاً]
فقال عمر بن عبد العزيز : [أتريد مني أن أوصي لهم بما ليس لي، وهل أملك شيئاً لأوصي لهم به؟ أم تريد أن أوصي لهم بحقٍ لغيرهم، فوالله لا أفعل، فإنهم أحد رجلين: إما أن يكونوا صالحين والله يتولى الصالحين، وإما أن يكونوا غير صالحين فوالله لا أترك لهم ما يستعينون به على معصية الله عز وجل، أدخلوا أولادي عليَّ! فدخلوا عليه وهو على فراش الموت، فودعهم عمر بهذه الكلمات التي تذيب الحجارة، وتفتت الصخور، نظر عمر إلى أولاده وقال: يا بني! إن أباكم قد خير بين أمرين: بين أن تستغنوا ويدخل النار، وبين أن تفتقروا ويدخل الجنة، وقد اختار أبوكم الجنة، انصرفوا فأنتم وديعة عند الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين].
وليس هناك مانع من الأخذ بالأسباب المادية ففى صحيح مسلم من حديث سعد بن أبى وقاص أن النبى صلي الله عليه وسلم لما دخل عليه، ليزوره فى مرض الموت قال له سعد: يا رسول الله أريد أن أتصدق بثلثى مال قال: “لا” قال: أتصدق بنصف مالى؟ قال:” لا” قال : أتصدق بالثلث قال: “والثلث كثير” ثم قال صلي الله عليه وسلم : إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة- أى فقراء- يسألون الناس”). فلا حرج فهذا من التوكل على الله.
وفي الختام ..
أسأل الله العظيم أن يحفظنا ويحفظ أولادنا ويربيهم لنا وأن يعصمهم من الشيطان وشركه إنه ولي ذلك ومولاه.
انتهت بفضل الله ورحمته