24 أغسطس 2023

المعايشة الإيمانية لاسم الله الصمد وعبادة قضاء الحوائج

 



الحمد لله رب العالمين الواحد الأحد الفرد الصمد ، سبحانه وتعالى تنزه عن الشريك والولد ، أمرنا بالتوحيد الخالص فقال تعالى }قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ (1) ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ (2) لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ (3) وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ (4){ ] الإخلاص[
وأشهد أن إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير... له الأسماء الحسنى وأمرنا أن ندعوه بها فقال تعالى{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180)}]الأعراف[
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) دعا إلى معرفة الله تعالى بأسمائه الحسنى فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال:}إن لله تسعة وتسعين اسماً مائةً إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة{ ]رواه البخاري[.
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ......
أما بعد : فيا أيها المؤمنون
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لهي من أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ،وتقوية يقينه بالله تبارك وتعالى، قال تعالى{قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى(110)}]الإسراء[ وقال سبحانه: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى(8)}]طـه[، وقال تعالى :{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى (24)}]الحشر[،
ومن أعظم أسماءه الحسنى وكلها عظيمة، اسم الله الصمد فالعبد حينما يدعو ويناجي ربه باسمه وهو ملم بمعانيه ومستحضرها يكون قلبه أقرب للخضوع وأدنى للخشوع وحسن الظن بإجابة الدعاء والرجاء، لذلك كان موضوعنا }المعايشة الإيمانية لاسم الله الصمد وعبادة قضاء الحوائج{ وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ...
1ـ معنى الصمد.
2ـ اسم الله الصمد في القرآن والسنة.
3ـ المعايشة الإيمانية لاسم الله الصمد.
4ـ اسم الله الصمد مرتبط بقضاء الحوائج.
5ـ قضاء الحوائج  من أفضل الأعمال والقربات .
6ـ الآداب المتعلقة بقضاء الحوائج .
7ـ الخاتمة.
العنصر الأول : معنى الصمد :
الصمد في اللغة:  صفة مشبهة لمن اتصف بالصمدية، الفعل صمد يصمد، صمداً ،ولا خلاف بين أهل اللغة أن "الصمد" السيد الذي ليس فوقه أحد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم...والصمد يأتي على عدة معانٍ منها..
الصمد: قال ابن القيم في كتابه "الصواعق المُرْسَلة": "فإن الصمد من ‏تَصْمُدُ (تتوجه) نحوه القلوب بالرغبة والرهبة، وذلك لكثرة خصال الخير فيه، ‏وكثرة الأوصاف الحميدة له، ولهذا ‏قال جمهور السلف، منهم عبد الله ‏بن عباس رضي الله عنه الصمد : هو السيد الذي قد كَمُلَ في سُؤْدُدِه، والشريف الذي قد كَمُلَ في شرفه، والعظيم الذي قد كَمُلَ في عظمته، والحليم الذي قد كَمُلَ في حلمه، والعليم الذي قد كَمُلَ في علمه، والحكيم الذي قد كَمُلَ في حكمته، وهو الذي قد كَمُلَ في أنواع الشرف وَالسُّؤْدُد، وهو الله سبحانه، هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس له كُفْءٌ، وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار..(أ.هـ)
وهو السيد المطاع الذي لا يُقضى دونه أمر، وهو الذي يُطعِم ولا يُطعَم ، وهو الذي يرجع إليه الأمر كله ، له الصمدية المطلقة.
الصمد: الذي يَصْمُدُ الْخَلَائِقُ إليه في حوائجهم ومسائلهم فيكفيهم، إذ ليس لهم رب سواه ولا مقصود غيره يقصدونه ويلجؤون إليه، وهو الذي تقصده الخلائق في عبادتهم ودعائهم،، لا يخيب من رجاه ، والمقصود في الرغائب ، والمُستعان به في المصائب، والمستغني عن كل أحد ، والمحتاج إليه كل أحد ، وهو الدائم الباقي بعد فناء خلقه .
العنصر الثاني: اسم الله الصمد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة:
ورد اسم الله "الصمد" في القرآن الكريم مرة واحدة في سورة (الإخلاص)، قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ(2)}]الإخلاص[
وورد كذلك في أحاديث نبوية كثيرة منها ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال: قال اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابنُ آدَمَ ولَمْ يَكُنْ له ذلكَ، وشَتَمَنِي ولَمْ يَكُنْ له ذلكَ، أمَّا تَكْذِيبُهُ إيَّايَ أنْ يقول: إنِّي لَنْ أُعِيدَه كما بَدَأْتُه، وأَمَّا شَتْمُه إيَّايَ أنْ يَقُولَ: اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا، وأنا الصَّمَدُ الذي لَمْ ألِدْ ولَمْ أُولَدْ، ولَمْ يَكُنْ لي كُفُؤًا أحَدٌ (لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ له كُفُؤًا أحَدٌ{ ]رواه البخاري[.
وعن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال: سَمِعَ النَّبيُّ (ﷺ) رجُلًا يقول: اللَّهُمَّ! إنِّي أسألُكَ بأنِّي أشهدُ أنَّكَ أنتَ اللَّه، لا إلَه إلاَّ أنتَ، الأحَدُ الصَّمَدُ، الَّذي لم يلِدْ ولَم يولَدْ، ولم يَكُنْ لَه كُفُوًا أحَدٌ، فقال: لقد سألَ اللَّهَ باسمِهِ الَّذي إذا سُئلَ به أعطى، وإذا دُعِيَ بِه أجاب{ ]رواه أبو داود[.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :  قال النبي (ﷺ): }أَيَعْجِزُ أحدُكُم أَن يقرأ ثُلث القرآن في ليلة ؟ فشقَّ ذلك عليهم، وقالوا: أَيُّنا يُطيق ذلك يا رسولَ الله ؟ فقال: الله أحد، الله الصمد ثلثُ القرآن { [ رواه البخاري]
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال:}أَيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَقْرَأَ في لَيْلَةٍ ثُلُثَ القُرْآنِ؟ قالوا: وكيفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ القُرْآنِ؟ قالَ: قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآن{ ]رواه مسلم[.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال خرج إِلينا رسولُ الله (ﷺ) فقال: }أقرأُ عليكم ثلث القرآن ؟ فقرأ: قُلْ هُوَ الله أَحَد، الله الصمَدُ... حتى ختمها{ [رواه مسلم]
وعن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله (ﷺ) يوتر يعني يقرأ في صلاة الوتر بـ : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، و: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، و: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ { [رواه أبو داود]
وقال ابن القيم في قصيدته "النونية":
وهوَ الإلهُ السَّيِّدُ الصَّمدُ      الذي صَمَدَتْ إليهِ الخلقُ بالإذْعَانِ
الكَامِلُ الأوْصَافِ منْ كُلِّ   الوجُوه كَمالُهُ ما فيهِ مِنْ نُقْصَانِ
العنصر الثالث : المعايشة الإيمانية لاسم الله الصمد:
1ـ الفزع إلى الله تعالى في كل الحوائج والملمات:
إن المؤمن عندما يدرك اتصافه تعالى بصمديَّته وليس في الوجود صمدٌ سوى الله تعالى، فإنه يُصمد إليه في الحوائج كلها ويكون مفزعه وغايته فلا يقصد غيره ولا يلجأ في حوائجه إلا إليه ، فلا يتوجه بحوائجه إلى غير الله، سواء كان ملكًا مقربًا، أو نبيًّا مرسلاً، أو عبدًا صالحًا، فكل هؤلاء محتاجون لله؛ لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضرًّا ولا نفعًا، إلا ما وهبهم الله جل جلاله , وعليه كذلك أن يُنزِل حاجاته الماديّة بباب الصمد سبحانه، ويقطع رجاءه بالناس وبما في أيديهم من متع الدنيا, وقد قال (ﷺ) "مَنْ نَزَلَ بِهِ حَاجَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ، كَانَ قَمِنًا حريًّا مِنْ أَنْ لَا تَسْهُلَ حَاجَتُهُ، وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ، آتَاهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ، أَوْ بِمَوْتٍ آجِلٍ"
لذلك كان النبي (ﷺ) إذا حزبه أمر فزع إلى الله الأحد الصمد، فعن ابن عباس رضي الله عنهما  أنَّ رسولَ اللهِ (ﷺ) كان إذا حزبَهُ أمرٌ قال : "لا إلهَ إلا اللهُ الحليمُ العظيمُ لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العرشِ الكريمِ لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العرشِ العظيمِ لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ السمواتِ وربُّ الأرضِ وربُّ العرشِ الكريمِ ثم يدعو"] أخرجه البخاري  ومسلم[
لذلك شرع لنا النبي (ﷺ) صلاة الحاجة ،أخرج الترمذى عند عبد الله بن أبى أوفى رضى الله عنهما قال: قال رسول الله (ﷺ): }من كانت له إلى الله حاجة، أو إلى أحد من بنى آدم، فليتوضأ وليُحسن الوضوء، وليصلّ ركعتين، ثم ليُثن على الله، وليُصلِّ على النبى (ﷺ) ، ثم ليقل: «لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك مُوجِبات رحمتك، وعزائمَ مغفرتك، والغنيمة من كل برّ، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنباً إلا غفرته، ولا همَّاً إلا فرَّجته، ولا حاجة هي لك رضاً إلا قضيتها يا أرحم الراحمين»، ثم تدعو حاجتك إلى الله{.
أورد ابن أبي الدنيا في كتاب مجابي الدعوة، وذكرها الحافظ بن حجر في كتابه الإصابة في ترجمة الصحابي أبي معلق الأنصاري، عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب رسول الله (ﷺ) من الأنصار يكنى أبا معلق، وكان تاجرًا يتجر بمال له ولغيره يضرب به الآفاق، وكان ناسكًا ورعًا فخرج مرة فلقيه لص مقنع بسلاح فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك، قال: ما تريد إلى دمي؟ شأنك بالمال، قال: أما المال فلي، ولست أريد إلا دمك، قال: أما إذا أبيت، فذرني أصلي أربع ركعات قال: صلَّ ما بدا لك، فتوضأ، ثم صلى أربع ركعات، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: "يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعَّال لما يريد، أسألك بعزك الذي لا يرام، وملكك الذي يُضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني"، قال دعا: بها ثلاث مرات، فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة واضعها بين أذني فرسه، فلما بصر به اللص أقبل نحوه، فطعنه، فقتله ثم أقبل إليه، فقال: قم قال من أنت؟ بأبي أنت وأمي؛ فقد أغاثني الله بك اليوم، قال: أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت بدعائك الأول، فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي: دعاء مكروب فسألت الله أن يوليني قتله.
قال أنس: فاعلم أنه من توضأ، وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء، استجيب له مكروبًا كان، أو غير مكروب
2ـ الصدق في الاعتماد على الله الصمد:
فليحرص كل مسلم على أن يكون صادقًا في اعتماده على الله الصمد، واثقًا به، حَسَن التوكل عليه، فيعتمد على الله في كل شيء؛ لأنه خالق الأسباب ومسبباتها، ثم له بعد ذلك أن يأخذ بالأسباب المشروعة والمباحة، كوسيلة من الوسائل للتقريب والتسهيل، لا لأنها تنفع بذاتها أو بمفردها.
3ـ استشعار الفقر بين يديه سبحانه وتعالى :
الصَّمَدُ سبحانه هو الغني بذاته والكل مفتقر إليه، وما من حي ولا ميت إلا وهم مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويشكونه فاقتهم؛ لأنه الكامل في أوصافه، وأنه الغني بذاته، الذي لا يحتاج لأحد، وكل الكائنات فقيرة إليه بذاتها، تقصده جميع المخلوقات بالذل والحاجة والافتقار، فيلبّي سؤلهم، ويفزع إليه البشر كلهم، فيعينهم في قضاء الحاجات، وتفريج الكربات؛ لأنه سبحانه لا إله إلا هو، ولا يقدر على ذلك إلا هو، سبحانه اللطيف بعباده الرحيم بهم، قال سبحانه: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15){ [فاطر].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ:}يَنْزِلُ رَبُّنَا -تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ, يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ, مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ, مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ{
فلو قام الخلق كلّهم في هذا الوقت في عرض حاجاتهم لقضاها سبحانه؛ عَنِ النَّبِيِّ (ﷺ) فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تبارك وتعالى أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ" .
4ـ الدعاء باسم الله الصمد :
إن اسم الله الصمد يدل على صفات الكمال والجلال والعظمة، ومن ثمَّ فالدعاء باسم الله الصمد يتضمن الدعاء بالأسماء الحسنى كلها، وهذا يستلزم استجماع قوى القلب العلمية والعملية، والتوسل بها بصدق وثقة ويقين، إلى الصَّمَد المَقْصُود لذاته سبحانه وتعالى.
وانظر معي إلى هذا الحديث العذب الجميل، عن مِحْجَن بْن الْأَدْرَعِ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ، وَهُوَ يَقُولُ: "اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ يَا اللهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. قَالَ: فَقَالَ: "قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ، قد غُفِر له".
وينبغي على الداعي أن يكون قصده كله وتوجهه كله بجميع الحوائج إلى الله الصمد، والإقبال عليه دون ما سواه، مع الأخذ بالأسباب المأمور بها شرعًا، واليقين بأن الأسباب مهما توفرت وسهلت مملوكة لله وحده، فهو ربها ومدبّرها سبحانه ومليكها وخالقها.
واعلم أيها المسلم وأنت تدعوا منكسراً ومعظماً لربك وتردد بقلبك وتتمتم بشفتيك يا صمد يا صمد ، أنك تصمد إلى عظيم وتلجأ لذي قوة وتعتصم بالقادر، فلا يُعجزه مُعجز ، ولا تُعضله أمنية.. فاجمع هذه المعاني الجليلة، واستحضرها بقلبٍ صادق خاشع معترف بعجزه ومقر بقدرة الصمد الرحيم..
فكل هذه المعاني تجعل العبد يستمد القوة والعزة والغنى من مصدرها وخالقها (ولله العزة) (إن ربك هو القوي العزيز) ( الله خالق كل شيء) (وربك الغني ذو الرحمة) فعندما يشعر العبد بالضعف والوهن والفقر والظلم وتكالب الهموم وتراكم الديون وتفاقم المرض وانقطاع الحيل وضيق السبل ، يكون أحوج لهذه المعاني ليناجي ربه ويتوسل إليه ، فسرعان ما يرى النور بعد الظُلمة والسعة بعد الضيق والفرج بعد الكربة..
هذا الطريق قد سلكه الأنبياء ووعته قلوبهم واعتصموا بالصمد..
فهذا أبو الأنبياء عليه السلام ابراهيم قُذِف في النار وذكر ربه فتغيرت طبيعتها من حرارة وحرق إلى برد وسلام..
وموسى عليه السلام عندما أدركه فرعون }قَالَ أَصۡحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّآۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ (62){ ] الشعراء[
الصمد شق البحر وفلقه وجعل أرضها يبساً لا خوف من غرق ولا خشية من أن يدركه العدو فنجى وهلك عدوه..
 والنبي (ﷺ) عند هجرته من مكة إلى المدينة، كان يدعو الله: "اللهم اكفنيهم بما شئت، وكيف شئت، إنك على ما تشاء قدير". وهكذا، كل من فرغ قلبه لله، ولجأ إلى الله، وسأل الصمد المتعال، أجاب دعاءه وأعطاه سؤله.
العنصر الرابع: اسم الله الصمد وقضاء الحوائج:
إن اسم الله الصمد مرتبط بقضاء الحوائج، فهو سبحانه وتعالى المقصود لقضاء حوائج العباد كلها، فعلى المؤمن أن يكون له حظ من اسم الله الصمد في قضاء الحوائج ، فمن جعله الله تعالى مقصد عباده في مهمات دينهم ودنياهم وأجرى على لسانه ويده حوائج خلقه، فقد أنعم عليه بحظ من معنى هذا الوصف ، وعليه أن يتخلق بأخلاق السيادة والسادة من الأنبياء والصالحين حتى يكون مصموداً، وبابه مقصوداً. .. منهم على سبيل المثال ...
فكان قضاء الحوائج وفعل الخير من ألزم الأشياء اللازمة لرسول الله (ﷺ) ، يوم أن نزل عليه الوحي الالهي ودخل علي زوجه السيدة خديجة ويقول}زملوني .. زملوني .. فوصفته (ﷺ) بعمله مع المجتمع وحبه الخير للناس وأن ذلك يكون سبب في حفظ الله تعالي له ، فقالت  "كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق]البخاري[ .
ـ وهذا نبي الله يوسف عليه السلام .... مع ما فعله إخوته به جهزهم بجهازهم ولم يبخسهم شيئًا منه.
ـ وهذا نبي الله موسي عليه السلام .. لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين مستضعفتين، فرفع الحجر عن البئر وسقى لهما حتى رويت أغنامهما.
ـ مؤمن آل فرعون:
 عندما علم بتآمر فرعون وقومه علي كليم الله موسي عليه السلام ، فخرج يسعي لكي يقوم بواجبه تجاه المظلوم مرة بنصح أهل الشر وتحذيرهم من الظلم فقال تعالي{وَقَالَ رَجُلٞ مُّؤۡمِنٞ مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَكۡتُمُ إِيمَٰنَهُۥٓ أَتَقۡتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدۡ جَآءَكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ مِن رَّبِّكُمۡۖ وَإِن يَكُ كَٰذِبٗا فَعَلَيۡهِ كَذِبُهُۥۖ وَإِن يَكُ صَادِقٗا يُصِبۡكُم بَعۡضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ كَذَّابٞ (28) } ]غافر[
ومرة بالإسراع إلي المظلوم نفسه مشفقا عليه من ظلم الظالمين .. فقال تعالي {وَجَآءَ رَجُلٞ مِّنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ ٱلۡمَلَأَ يَأۡتَمِرُونَ بِكَ لِيَقۡتُلُوكَ فَٱخۡرُجۡ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّٰصِحِينَ (20) }]القصص[
وهكذا ينبغي علي كل مسلم أن يسعي لنصرة المظلوم لما لهذا الأمر من أجر وثواب عظيم عند الله تعالي 
روى الإمام أحمد وأبو داود عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأْنصاري أنهما قال: قال رسول الله (ﷺ): {ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته}.
ولقد اقتدى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم بالنبي (ﷺ) في الحرص على السعي لقضاء حوائج الناس ، فيخدمون الناس ويقومون بقضاء حوائج الجميع...
ـ أبو بكر الصديق رضي الله عنه :
كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم ، فلما استخُلف قالت جارية منهم : الآن لا يحلبها ، فقال أبو بكر : بلى وإني لأْرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله .
ـ الفاروق عمر رضي الله عنه:
كَتبَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ  رَضِيَ  اللُه عَنهُ إلِى أبِي مُوسَى الأشَعرِي رضي الله عنهما: أنه لم يزل للناس وجوه يرفعون حوائج الناس ، فأكرم وجوه الناس ، فبحسب المسلم الضعيف من العدل أن ينصف في العدل والقسمة .
وعمر بن الخطاب كان يتعاهد الأرامل يسقي لهن الماء ليلًا، ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة، فدخل عليها طلحة نهارًا، فإذا عجوز عمياء مقعدة، فسألها: ما يصنع هذا الرجل عندك؟ قالت: هذا منذ كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى. 
ـ عثمان بن عفان رضي الله عنه:
 روى الترمذي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: إنَّ رسول الله (ﷺ) قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول الله (ﷺ): }مَن يشتري بئر رومة، فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟، فاشتريتها من صلب مالي{ ]حديث حسن صحيح رواه الترمذي[
وذكر أيضاً ابن عباس رضي الله عنهما: أن الناس قحطوا في زمن أبي بكر وحصل قحط شديد، وفي هذا الوقت جاءت قافلة لـ عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، فجاء التجار يريدون شراءها في هذا القحط الشديد، فسألهم عثمان: كم تربحونني؟ قالوا: في العشرة اثنا عشر، يعني: مقابل كل عشرة دراهم سنعطيك اثني عشر درهماً، قال: قد زادني غيركم، يعني: أنا أتاجر مع آخر وقد زادني على هذا الربح، فقالوا: في العشرة خمسة عشر، وهذا ربح عظيم جداً، ففي مقابل كل عشرة سيكون مكسب خمسة عشر، قال: قد زادني، قالوا: من الذي زادك؟ ونحن تجار المدينة، ولا يوجد أحد آخر غيرنا، فقال: الله عز وجل، زادني بكل درهم عشرة، فهل لديكم مزيد على ذلك؟ ثم قال: اللهم إني وهبتها لفقراء المدينة بلا ثمن وحساب، وتبرع بكل القافلة لفقراء المدينة، لم يستغل حاجة المسلمين ويربح ربحاً كبيرا ، ولكنه فهم أن للمسلمين حق عنده في قضاء حوائجهم ، فرضي الله عنهم وأرضاهم.
ـ عبدالله بن عباس:
 عبد الله بن عباس رضي الله عنه يقدم حاجة أخيه المسلم علي اعتكافه في المسجد النبوي ، روي أنه كان معتكفا في مسجد رسول الله (ﷺ), فأتاه رجل فسلم عليه ثم جلس , فقال له ابن عباس : يا فلان أراك مكتئبا حزينا ؟! قال : نعم يا ابن عم رسول الله لفلان علي حق ولاء , وحرمة صاحب هذا القبر ما أقدر عليه , قال ابن عباس : أفلا أكلمه فيك , فقال : إن أحببت قال : فانتعل ابن عباس ثم خرج من المسجد فقال له الرجل : أنسيت ما كنت فيه ؟؟!! قال : لا ولكني سمعت صاحب هذا القبر (ﷺ) والعهد به قريب فدمعت عيناه وهو يقول : }من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين , ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله تعالى جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق أبعد مما بين الخافقين { ]رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي واللفظ له والحاكم مختصرا وقال صحيح الإسناد[ . لم يترك ابن عباس رضي الله عنه اعتكافه في أي مسجد , بل ترك الاعتكاف في مسجد رسول الله (ﷺ) مع ما له من أجر مضاعف وعظيم , من أجل قضاء حاجة أخيه المسلم .
ومن أقواله رضي اللهُ عنهما: " ثَلَاثَةٌ لَا أُكَافِئُهُمْ: رَجُلٌ بَدَأَنِي بِالسَّلَامِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ لِي فِي المَجلِسِ، وَرَجُلٌ اغبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي المَشيِ إِلَيَّ إِرَادَةَ التَّسلِيمِ عَلَيَّ، فَأَمَّا الرَّابِعُ فَلَا يُكَافِئُهُ عَنَّي إِلَّا اللهُ، قِيلَ: وَمَن هُوَ؟ قَالَ: رَجُلٌ نَزَلَ بِهِ أَمرٌ فَبَاتَ لَيلَتَهُ يُفَكِّرُ بِمَن يُنزِلُهُ ثُمَّ رَآنِي أَهلًا لِحَاجَتِهِ فَأَنزَلَهَا بِي.
 ـ حكيم بن حزام: قَالَ حَكِيمُ بنُ حِزَامٍ رضي اللهُ عنه: "مَا أَصْبَحتُ وَلَيسَ عَلَى بَابِي صَاحِبُ حَاجَةٍ إِلَّا عَلِمْتُ أَنَّهَا مِنَ المَصَائِبِ، فكانوا يعتبرون صاحب الحاجة هو المنعم المتفضل على صاحب الجاه والمال حين أنزل حاجتهُ به".
ـ علي زين العابدين :
كان علي بن الحسين زين العابدين رحمه الله يحمل الخبز إلى بيوت المساكين في الظلام فلما مات فقدوا ذلك ، كان ناس من أهل المدينة يعيشون ولا يدرون من أين معاشهم فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك الذي كان يأتيهم بالليل.
ولما غسلوه رحمه الله وجدوا بظهره أثراً مما كان ينقله بالليل إلى بيوت الأرامل . [سير أعلام النبلاء]
العنصر الخامس : قضاء الحوائج  من أفضل الأعمال والقربات :
إن الله عز وجل إذا أحبّ عبدًا جعل حوائج الناس إليه، ومكّنه من بعض أسبابِ نفعِ العباد, فقد قال النبي (ﷺ): "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ" ، فلا تضجر إذا أقبل الناس عليك، أو تنزعج إذا طُرق بابك كثيرًا، أو تتبرم إذا قصدك الناس، لذلك كان قضاء الحوائج من أفضل القربات إلى الله تعالى يُعتبر قضاء الحوائج في الإسلام من أهم الأعمال شأنها شأن باقي الأمور التي يقوم بها المسلم، لأنه عمل يتقرب به المسلم إلى الله وهو جزء من العبادة ، وقد أكثر الله سبحانه وتعالي، من الدعوة إلى الخير، وقضاء الحوائج ، وقد أحسن الله تعالى إلى الإنسان أيما إحسان ، وأمره أن يقابل هذا الإحسان بالإحسان إلى الآخرين ، وتقديم الخير لهم، سواء بالمال، أو بالمشورة الصادقة، أو بالمواساة ، فقال تعالى{وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ (77)} ] القصص[
وهذه بعض الأدلة القرآنية والنبوية التي تدعوا إلي قضاء حوائج الناس.
1- قضاء الحوائج عنوان الإيمان الصحيح والعقيدة السليمة :
فقال تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ(177)} [البقرة].
والفطرة السليمة تهتدي إلى الخير وتشعر به، لأن الإنسان مفطور على البر والخير.
 2ـ زاد إلى الجنة:
الزاد الحقيقي الذي ينفع الإنسان في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم ، وقال تعالي{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(20)}[المزمل].
3ـ القليل من فعل الخير مقبول عند الله تعالي :
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ (ﷺ): }لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ) وفي رواية طليق{. [ مسلم، الترمذي، الدارمي ].
وجاء أعرابي إلي النبي (ﷺ) وقال: }يا رسول الله! عظني ولا تطل, فتلا عليه هذه الآية (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8){  [الزلزلة] فقال هذا الأعرابي: قد كفيت, فلما قال: قد كفيت, قال عليه الصلاة والسلام : "فقه الرجل".
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي (ﷺ): }أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه، فجعل يغرف له به حتى أرواه، فشكر الله له فأدخله الجنة{.
4ـ أجر المجاهد في سبيل الله :
الساعي لقضاء حوائج الأرملة والمسكين كالمجاهد ،فعن أبي هريرة عن النبي (ﷺ) قال:} الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر{ ]رواه مسلم[
5ـ عون الله تعالى وتوفيقه :
الساعي لقضاء الحوائج موعود بالإعانة مؤيد بالتوفيق ،فعن ابنِ عُمَرَ رضي اللهُ عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ (ﷺ) قال: }مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ{[ البخاري ومسلم].
قال أبو العتاهية:
اقض الحوائج ما استطعـت         وكن لهمِ أخيك فارج
فلخـــــــير أيام الفــــــتى           يوم قضى فيه الحوائج
6ـ قضاء الحوائج من أسباب جلب الخير ودفع السوء :
قال ابن القيِّم رحمه الله: "وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها، ومللها، ونحلها، على أن التقرب إلى رب العالمين، والبر والإحسان إلى خلقه ، من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، وأضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر، فما استجلبت نعم الله واستدفعت نقمه، بمثل طاعته والإحسان إلى خلقه"[الجواب الكافي]. اهـ
وروى الطبراني في معجمه الكبير مِن حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ (ﷺ) قَالَ: }صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ  تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ{ [المعجم الكبير وقال المنذري في كتابه "الترغيب والترهيب إسناده حسن. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة] .
إذا جاءك من يريد منك منفعة ، فتأكد أنك أنت المنتفع ، وأن الله ساقه إليك ليفتح لك به باب خير ؛فلا تظن أن الوقت الذي يمضي في نفعه هو له ، بل هو لك .
7ـ اصطفاء الله تعالي للذين يقضون الحوائج :
روي الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله (ﷺ) { إِنَّ  لِلَّه ِ أقَوَامًا اختصَّهُم بِالنعِمِ  لِمَنَافِع العِبَادِ، وَيقِرُّهَا فِيهِم مَا بذَلَوُهَا، فَإذِاَ مَنعَوُهَا نزَعَهَا عَنهُم  وَحَوَّلهَا إلِى غَيرِهِم }]حسن صحيح أخرجه الطبراني، وابن عساكر[
8ـ شرف المكانة وعلو المنزلة لمن يقضون الحوائج:
إن الله تعالى يرفع مكانة هؤلاء من يقومون بقضاء الحوائج ، فينالون محبة الله تعالي ،روى ابن أبي الدنيا والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله (ﷺ):}أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس{ ]حديث حسن[
ويجعلهم الله تعالي مفاتيح الخير: روى ابن ماجه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ:}إِنَّ هَذَا الْخَيْرَ خَزَائِنُ، وَلِتِلْكَ الْخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ, فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ مِغْلَاقًا لِلشَّرِّ, وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لَلشَّرِّ مِغْلَاقًا لِلْخَيْرِ{
]حديث حسن[ أي: إن الله تعالى أجرى على أيديهم فتح أبواب الخير؛ كالعلم والصلاح على الناس، حتى كأنه ملَّكهم مفاتيح الخير ووضعها في أيديهم
9ـ قضاء الحوائج أمان يوم القيامة:
روى ابن أبي الدنيا والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله (ﷺ):}من مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له ؛ ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ {؛ ] أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط [
وروى مسلم عن أبي اليسر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (ﷺ):}من أنظَر معسرًا أو وضع عنه، أظلَّه الله في ظله{ ]رواه مسلم[ 
9ـ السعي في قضاء حوائج الناس من الشفاعة الحسنة التي أمرنا الله تعالى بها:
 قال تعالى: }مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85){  ]النساء[ .
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى ، عَنْ أَبِيهِ ، قال: كَانَ رَسُولُ الله (ﷺ) إذَا جَاءَهُ السَّائِلُ، أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ . قال : "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا ، ويقْضِي الله عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ (ﷺ) مَا شَاءَ{.]أخرجه أحمد ، والبخاري ،ومسلم ، وأبو داود [
العنصر السادس :الآداب المتعلقة بقضاء الحوائج:
1-  الإخلاص والإسرار بالعمل وعدم انتظار العوض من الناس:
قال تعالى{إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً(9)}[الإنسان]
ومن الإخلاص الإسرار بالمعروف، قال تعالى {إِن تُبۡدُواْ ٱلصَّدَقَٰتِ فَنِعِمَّا هِيَۖ وَإِن تُخۡفُوهَا وَتُؤۡتُوهَا ٱلۡفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّـَٔاتِكُمۡۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ (271)}[البقرة] .
قال رسول الله (ﷺ) }إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء{[الحاكم]،
وقال في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))[البخاري ومسلم]
ولا يأخذ هدية مقابل العمل ، فهذا يعتبر من الربا، فعن أبي أمامة عن النبي (ﷺ) أنه قال }من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا{ [رواه أبو داود]
وليحذر صاحب المعروف من المن، فإنه يُفسد العمل، ويوغر الصدر ويُحبط الأجر، قال تعالى:{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُبۡطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلۡمَنِّ وَٱلۡأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ (264){ ] البقرة [ .
وروى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ (ﷺ) قَالَ:}ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ". ذَكَرَ مِنْهُمْ: "الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ{ ]صحيح مسلم[ 
قال الشاعر:
أَفسَدتَ بِالمَنِّ مَا أَسدَيتَ مِن حُسنٍ          لَيسَ الكَرِيمُ إِذَا أَسدَى بِمَنَّانِ
2- أن يبذله لمن يستحقه ويحتاج إليه من إنسان أو حيوان.
 فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال (ﷺ)}لا يغرس مسلم غرساً ولا يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان ولا طائر ولا شيء إلا كان له أجر{ [رواه الطبراني في الأوسط ، وقال الهيثمي: إسناده حسن. مجمع الزوائد]
3- أن يعلم أن معروفه نوع من المعاملة مع الله قبل أن يكون معاملة مع الخلق، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله(ﷺ): }إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرِضتُ فلم تعدني(تَزُرْني) قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرِض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟
يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟
قال: أما علمت أنه استطعمتك عبدي فلان، فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟
يا ابن آدم استسقيتك، فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟
 قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي{ ]مسلم[
أي أنك بفعلك الخير تتاجر مع الله تعالى ، لأن العمل قبل أن يستفيد به الفقير وقع أجرك عند الله تعالى .
4- أنه يقع عند الله بمكان مهما صغر شأنه عند الله:
 عن أبي هريرة عن النبي (ﷺ) قال: }لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس{ [البخاري ومسلم] 
وعن عائشة أنها قالت جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهن تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله (ﷺ) فقال}إن الله قد أوجب لها بها الجنة أوأعتقها بها من النار{ [مسلم]
5- أن يبادر إلى حاجة أخيه ولو لم يطلبها منه :
جاء مديون إلى سفيان بن عيينة يسأله العون على قضاء حاجته، فأعانه ثم بكى، فقالت له زوجته: ما يبكيك ؟ قال: أبكي أن احتاج أخي فلم أشعر بحاجته حتى سألني.
 6- المسارعة بالخير والمسابقة إليه :
قال تعالى: {فاستبقوا الخيرات(148)}[البقرة] .
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مرفوعاً أو موقوفاً : }التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة {[أبو داود]
7ـ الحذر من التقاعس عن قضاء الحوائج:
نجد أن الله سبحانه وتعالى يُحذر من عدم قضاء الحوائج ، وجعله بعد التكذيب بيوم الدين فقال تعالى }مَا سَلَكَكُمۡ فِي سَقَرَ (42) قَالُواْ لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّينَ (43) وَلَمۡ نَكُ نُطۡعِمُ ٱلۡمِسۡكِينَ (44){ ] المدثر[
وقال تعالى }أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ (1) فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ (3) فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ (4) ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ (5) ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ (6) وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ (7){ ] الماعون[
وقال تعالي {وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ (34) فَلَيۡسَ لَهُ ٱلۡيَوۡمَ هَٰهُنَا حَمِيمٞ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنۡ غِسۡلِينٖ (36) لَّا يَأۡكُلُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡخَٰطِـُٔونَ (37)}[الحاقة]
وروى الترمذي عن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه أنه قال لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: إني سمعت رسول الله (ﷺ) يقول:}ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخَلَّة والمسكنة، إلا أغلق الله أبواب السماء دون خَلَّته وحاجته ومسكنته { ] صحيح الترمذي[ فجعل معاوية رجلًا على حوائج الناس{.
قوله:(يغلق بابه دون ذوي الحاجة)؛ أي: يحتجب ويمتنع من الخروج عند احتياجهم إليه . قوله: (الخَلة)؛ أي: الفقر.
قوله: (إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته)؛ أي: أبعَده ومنعه عما يبتغيه من الأمور الدينية أو الدنيوية، فلا يجد سبيلًا إلى حاجة من حاجاته الضرورية؛ ]تحفة الأحوذي؛ للمباركفوري[.
و عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ﷺ) قال }ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم  فذكر منهم (ورجل منع فضل ماء فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك{ [رواه البخاري]
الخاتمة :
إذا استشعر العبد معنى أن خالقه هو الصمد؛ استراح في هذه الحياة من متاعبها ومشاغلها، فكل شيء بيده سبحانه, ذلك أن الصمد هو من يسيّر أموره، وأمور الخلق كلهم, فليطمئن ولينشرح صدره, وليأوي إلى ربه القدير الخبير الغني صاحب الأمر والخلق والحكم سبحانه وتعالى.
إنَّ استشعار العبد لصمدية الله سبحانه وتعالى تجعله يستشعر القوة والعزة، والغنى عن كل ما سوى الله عز وجل، فيوقن أنّ الله سبحانه كافٍ عبده من كل شيء، فالآن وقد استقر معنى الصمد في جنانك وفهمه عقلك..
ارفع الدعوات وحرك القلب بنداء الصمد وتيقن بأن الصمد لن يخذلك ولن يتركك..
اللهم يا ملجأ من لا ملجأ له .. يا سند من لا سند له .. يا صمد من لا صمد له ، أرنا
النور بعد الظلمة ، والسعة بعد الضيق ، والفرج بعد الكرب ، ووفقنا بتوفيقك وارحمنا برحمتك ووالدينا ، واجعلنا من المسارعين المسابقين إلى مغفرتك وجنتك ،ورضوانك .
اللهم آمين
~~~~~~~~~~~
 رابط doc

رابط pdf

ليست هناك تعليقات: