14 أغسطس 2023

المعايشة الإيمانية لاسم الله الرحمن الرحيم

 


الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء، فقال تعالى } وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِنَا يُؤۡمِنُونَ (156){ ] الأعراف [
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير .. كتب على نفسه الرحمة ، فقال تعالى } كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ أَنَّهُۥ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوٓءَۢا بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (54){ ] الأنعام [
وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله (ﷺ) سيد الرحماء وإمام الأتقياء جاء من عند ربه عز وجل بالرحمة للناس جميعاً فقال (ﷺ)}يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ {  ]المستدرك علي الصحيحين[
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين.
أما بعد : فيا أيها المؤمنون..
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة وما تتضمنه من معاني جليلة وأسرار بديعة لهي من أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد وتقوية يقينه بالله تبارك وتعالى، وهي سبب من أسباب دخول الجنة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول (ﷺ) }إنَّ للهِ تعالى تسعةً و تسعين اسمًا مائةً إلا واحدًا ، من أحصاها دخل الجنَّةَ{ ] صحيح البخاري[
فمن أسماء الله الحسنى الرحمن الرحيم ، حيث شملت رحمة الله تعالى الجميع ، فالمعايشة مع الرحمن الرحيم تربي في النفس المحبة الدائمة لله تعالى ، والشفقة على الخلق لذلك كان موضوعنا } المعايشة الإيمانية لاسم الله الرحمن الرحيم{  وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ معني اسمي الرحمن الرحيم
2ـ الفرق بين الرحمن والرحيم.
3ـ الرحمن الرحيم في القرآن والسنة.
4ـ المعايشة الإيمانية للرحمن الرحيم ..
5ـ من مظاهر رحمة الله تعالى .
6ـ موجبات الرحمة .
7ـ صور مضيئة من رحمة الإسلام.
8ـ أثر الرحمة في المجتمع.
الخاتمة .
العنصر الأول : معنى اسمي الرحمن الرحيم:
معنى الرحمن : مشتق من الرحمة، والرحمن أشد مبالغة من الرحيم.
الرحيم في اللغة :
الرحيم في اللغة من صيغ المبالغة ، فعيل بمعنى فاعل ، رحيم بمعنى راحم ، وزن فعيل يأتي على معنى فاعل ، فالله عز وجل رحيم أي راحم بعباده المؤمنين ، إذاً هذا الاسم دلّ على صفة الرحمة الخاصة التي ينالها المؤمنون .
وهذان الاسمان الكريمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة وهي الرقة والتعطف، وإن كان اسم الرحمن أشد مبالغة من اسم الرحيم لأن بناء فعلان أشد مبالغة من فعيل، وبناء فعلان: للسعة والشمول.
واتفق أهل العلم على أن اسم الرحمن عربي لفظه وفي الحديث القدسي: {أنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي}، فقد دل هذا الحديث على الاشتقاق، وكانت العرب تعرف هذا الاسم، قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم(20)}[الزخرف].
أما إنْكار كفار قريش يوم الحُدَيبية؛ لمَّا قال رسول الله (ﷺ) لعليّ رضي الله عنه: "اكتبْ "بسم الله الرحمن الرحيم"، فقال سهيلٌ: أما" الرحمن" فوالله ما أدري ما هي؟ ولكن اكتبْ: باسْمكَ اللهم كما كنتَ تكتبُ .
وفي قوله تعالى: }وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً (60){ ]الفرقان[.
فالظاهر أنه إنكار جُحودٍ؛ وعنادٍ وتعنّت، وهم في قرارة أنفسهم يعترفون بالرحمن ، يعرفونه كما يعرفون أبنائهم ، ولكنه الكبر والعناد.
العنصر الثاني : الفرق بين الرحمن والرحيم :
الفرق بينهما: أن الرحمن ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة، والرحيم هو ذو الرحمة الخاصة للمؤمنين يوم القيامة؛ كما قال تعالى: }وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43){[الأحزاب].
قال ابن القيم رحمه الله: "إن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه وتعالى، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، الرحمن للوصف، والرحيم للفعل؛ بمعنى أن الرحمن دال على أن الرحمة صفته، والرحيم دال على أنه يرحم خلقه برحمته". أ.هـ
ورحمة الله تعالى الرحمن لا حدَّ لها، تشمل كل الخلائق من دون استثناء ، المؤمن والكافر ، والملحد والموحد ، والمستقيم والمنحرف ، والطائع والعاصي، والبر والفاجر.
فرحمته وسعت كل شيء ، وهو أرحم الراحمين ولا أحد يستطيع أن يُحصيها؛ فهي وسعت كل شيء؛ كما قال تعالى: } وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ (156)[الأعراف].
أما الرحيم يشمل الذين آمنوا بالله ورسوله واستقاموا على أمره ، وحققوا الهدف الذي من أجله خُلِقوا، فالله عز وجل رحمن في الدنيا لكل الخلق ، لكن في الدار الآخرة رحيم بالمؤمنين خاصة وتمتد إلى ذريتهم من بعدهم تكريماً لهم ، قال تعالى في نبــأ الخضـر والجـدار :} وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ (82){ [الكهف] .
واجتماع اسمي الله جلّ جلاله الرحمن الرحيم في معنى واحد وهو تعلقهما بالمشيئة ، فاسم الله الرحمن اقتضى أن يسوق لعباده بعض العذاب ،والدليل: قال تعالى}فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147){[الأنعام] .
اسم الله الرحمن يقتضي التأديب في الدنيا ، واسم الله الرحيم يقتضي التكريم في الآخرة ، يفترق الاسمان ( الرحمن والرحيم ) من جهة تعلقهما بالحكمة ، الحكمة تقتضي أن يُساق العذاب لمن شرد عن الله في الدنيا ، والحكمة تقتضي أن تكون رحمة الله لمن استجاب له في الآخرة .
والرحيم إنما ذُكِر بعد الرحمن لأن الرحمن مقصور على الله عز وجل ،لا يمكن أن تصف إنسان بأنه رحمن ، ولكن ممكن أن تصف إنسان بأنه رحيم ..
فاسم الرحمن من الأسماء التي لا يجوز للمخلوق أن يتسمى بها، قال تعالى: {قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى(110)}[الإسراء] فعادل به الاسم  الذي لا يشركه فيه غيره وهو الله جل جلاله، وأما الرحيم فإنه تعالى وصف به نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى: {حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ(128)}[التوبة] .
لذلك قال ابن عباس : هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر .
اسم الرحيم من أقرب الأسماء للمؤمن.
العنصر الثالث: الرحمن الرحيم في القرآن الكريم والسنة النبوية :
ورد ذكر اسم الله "الرحمن" في القرآن سبعاً وخمسين مرة ، وأما اسمه "الرحيم" فقد ذكر مائةً وأربعَ عشرة مرة.
اسم الله الرحمن منفرداً:
ورد اسم الرحمن منفرداً في أكثر من مرة منها ...
1ـ قال تعالى : }لِّتَتۡلُوَاْ عَلَيۡهِمُ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَهُمۡ يَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَٰنِۚ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ (30){ ] الرعد[
2ـ قال تعالى: }إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً(93){ ]مريم[.
3ـ قال تعالى: }الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً (26){ ]الفرقان[
4ـ قال تعالى : }يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَانِ(45){ [مريم] .
وقال تعالى: }أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا(58)} [مريم].
5ـ قال تعالى:}جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61)} [مريم].وسورة مريم وطه من أكثر السور التي ذكر فيها اسم الله الرحمن.
6ـ قال تعالى }يَوۡمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ صَفّٗاۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَقَالَ صَوَابٗا (38){ ] النبأ[
وآيات كثيرة في القرآن ذُكِر فيها اسم الله الرحمن جلَّ وعلا.
7ـ واقترن اسم الله الرحمن باستوائه على العرش كما في قوله تعالى }الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى(5){ ]طه[، وقوله تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا(59)}[الفرقان]. لحكمة وهي :
الرحمن على العرش استوى ، لأن العرش محيط بالمخلوقات، وقد وسعها، والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ (156)}[الأعراف].
وقال تعالى: {ٱلَّذِينَ يَحۡمِلُونَ ٱلۡعَرۡشَ وَمَنۡ حَوۡلَهُۥ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْۖ رَبَّنَا وَسِعۡتَ كُلَّ شَيۡءٖ رَّحۡمَةٗ وَعِلۡمٗا فَٱغۡفِرۡ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ (7) } [غافر].
فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات فلذلك وسعت رحمته كل شيء، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): {لما قضى اللهُ الخلقَ ، كتب في كتابِه ، فهو عندَهُ فوقَ العرشِ  إِنَّ رحمتي غلبتْ غضَبِي}]البخاري ومسلم [
اسم الله الرحمن مقترناً باسم الرحيم :
ذُكِر اسم الرحمن مقترناً بالرحيم كما في البسملة }بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ {في فواتيح السور، والفاتحة، والنمل، وقوله تعالى في الفاتحة }ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ (3){ ] الفاتحة[
وقوله تعالى:}وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ(163){ ]البقرة[
وقوله تعالى : }تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ (2){ [فصلت] .
وقال تعالى :}هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ (22){ ] الحشر[
اسم الله الرحيم منفرداً:
ذكر اسم الله الرحيم مفردا كما في قوله تعالى }سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58){ [يس]
وقال تعالى:{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا(43)}[الأحزاب]
وقوله تعالى: {رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا(66)}[الإسراء].
اسم الله الرحيم مقترناً باسمه الرؤوف:
قال تعالى:{إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (117)}[التوبة]. وقوله تعالى:} إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143){ ]البقرة[
وقال تعالى :}وَتَحۡمِلُ أَثۡقَالَكُمۡ إِلَىٰ بَلَدٖ لَّمۡ تَكُونُواْ بَٰلِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلۡأَنفُسِۚ إِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ (7){ ] النحل[
وقال تعالى: }أَوۡ يَأۡخُذَهُمۡ عَلَىٰ تَخَوُّفٖ فَإِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٌ (47){ ] النحل[
اسم الله الرحيم مقترناً باسمه التواب :
قال تعالى:}فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (37){] البقرة[ .
قال تعالى: }إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54){  ]البقرة[
وقال تعالى }رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(128){[البقرة] .
وقال تعالى:} إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَتُوبُ عَلَيۡهِمۡ وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (160){ ] البقرة[ .
وقال تعالى: }أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَأۡخُذُ ٱلصَّدَقَٰتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (104)] {التوبة[
وقال تعالى:} ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (118)]  {التوبة[
وقال تعالى:}وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيمٞ (12){ ] الحجرات[ وآيات أخرى.
اسم الله الرحيم مقترناً باسمه الغفور:
ورد ذكر اسم الرحيم مقترنا باسمه الغفور في القرآن الكريم في أكثر من سبعين آية منها على سبيل المثال لا الحصر ...
1ـ قال تعالى : } فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ (173){ ] البقرة[
2ـ قال تعالى : } فَمَنۡ خَافَ مِن مُّوصٖ جَنَفًا أَوۡ إِثۡمٗا فَأَصۡلَحَ بَيۡنَهُمۡ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (182){ ] البقرة[
3ـ وقال تعالى } فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (192){ ] البقرة[
4ـ وقال تعالى :} ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (199){ ] البقرة[
5ـ وقوله تعالى:}يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(129){ ]آل عمران[
6ـ وقوله سبحانه: }فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(39){  ]المائدة[
7ـ قال تعالى} نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49){ [الحجر] .
8ـ قال تعالى على لسان امرأة العزيز بعد توبتها : }وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيم(53){[يوسف]
9ـ قال تعالى }وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54){ [الأنعام]
10ـ قال تعالى }يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (28){ ] الحديد[
11ـ وقال تعالى : }وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41){[هود].
12ـ وقال تعالى }قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16){ [القصص] .
13ـ وقال تعالى}نُزُلٗا مِّنۡ غَفُورٖ رَّحِيمٖ (32){ ] فصلت[
والملاحظ أن الآيات التي اقترن فيها الرحيم بالغفور ، وردت بتقديم الغفور على الرحيم ،وذلك لأن المغفرة أثر من آثار رحمته تعالى ، وأيضا لأن المغفرة  مقدمة للرحمة ، [ فالمغفرة :سلامة ، والرحمة: غنيمة ، والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة.] كما أن المغفرة تبدأ من الدنيا بستر الذنب ، لكن الرحمة لا تكون إلا في الآخرة والدنيا مقدمة في الترتيب الزمني على الآخرة .
وورد في موضع واحد تقديم الرحيم على الغفور في سورة سبأ في قوله تعالى }يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۚ وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلۡغَفُورُ (2){ ] سبأ[
لأن الكلام فيها شامل لكل مخلوقات الله تعالى: "يعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا" لأنها تتكلم على جميع الكائنات، والكائنات في حاجة إلى رحمة الله ، والرحمة تشملهم جميعاً، وتأخرت المغفرة  لأنها خاصة بالمكلفين من الخلق .!
اسم الله الرحيم مقترناً باسمه الودود:
قال تعالى: }وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ(90){ ]هود[
اسم الله الرحيم مقترناً باسمه العزيز:
قال تعالى }وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(191){ وردت في سورة الشعراء ثماني مرات .
وقال تعالى : }وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ (217){ ] الشعراء[
قال تعالى }يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42){ [الدخان] .
فالله سبحانه وتعالى يخبرنا بأنه العزيز أي القوي الذي لا يُغلب، والرحيم الذي رحمته وسعت كل شيء وهي تصل لعباده، وأن رحمته ليست عن ضعف وإنما عن قوة.
اسم الله الرحيم مقترناً باسمه البر:
قال سبحانه وتعالى عن أهل الجنة :}إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28){ [الطور] .
وهذا الاقتران بهذا العدد الهائل الأسماء ،لم يأتي في نهاية كل آية من أجل قافية الآية ، حاشا لله تعالى ، فكل كلمة في القرآن الكريم وُضعت لحكمة عظيمة ، فاقتران اسم الله الله الرحيم بهذه الأسماء يدل على أن رحمة الله لا تنقطع أبداً عن خلقه في الدنيا والآخرة.
فالله خلقهم ليرحمهم ويسعدهم، قال الله عز : }وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ (119){  [هود] .
اسمي الله الرحمن الرحيم في السنة :
عن أَبي بكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، أَنَّه قَالَ لِرَسولِ اللَّه (ﷺ): عَلِّمني دُعَاءً أَدعُو بِهِ في صَلاتي، قَالَ (ﷺ): }قُلْ اللَّهمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كثِيرًا، وَلا يَغْفِر الذُّنوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِر لي مغْفِرَةً مِن عِنْدِكَ، وَارحَمْني، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفور الرَّحِيم{ ]متَّفَقٌ عليهِ[.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: }كنا نعد لرسول الله (ﷺ) في المجلس الواحد مئة مرة رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم { [أبو داود] .
دخل رسول الله (ﷺ) المسجد إذا رجل قد قضى صلاته وهو يتشهد فقال : }اللهم إني أسألك يا الله بأنك الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد ، أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم ، فقال عليه الصلاة والسلام قد غُفرَ له ثلاثاً {[النسائي] . أي يا رحمن يا رحيم برحمتك نستغيث.
وعن واثلة بن الأسقع " صلى بنا رسول الله (ﷺ) على رجل من المسلمين ، فسمعته يقول : }اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك ، وحبل جوارك ، فقه من فتنة القبر ومن عذاب النار ، وأنت أهل الوفاء والحمد ، اللهم فاغفر له وارحمه ، إنك أنت الغفور الرحيم { [أبو داود] .
العنصر الرابع : المعايشة الإيمانية لاسمي الله الرحمن الرحيم:
1ـ الإيمان بأن الكمال المطلق لله وحده:
مِنْ صفات الله الثَّابتة بالكتاب والسُّنة: "الرحمة"، وهي صفة ُكمالٍ لائقة بذاته، كسائر صفاته العلى، فلا يجوز لنا أنْ ننفيها أو نعطّلها، لأنَّ ذلك من الإلحاد في أسمائه الحسنى وصفاته العليا.
2ـ عبودية القلب لله تعالى والتعلق به عز وجل :
فهي تزرع في العبد عبودية الرجاء والتعلق برحمة الله تعالى ، وعدم اليأس من رحمته تعالى، فإن الله عز وجل قد وسعت رحمته كل شيء ، وهو الذي يغفر الذنوب جميعا ، كما أن الرجاء والنظر إلى رحمة الله الواسعة وآثارها يُثمر الأمل في النفوس وحسن الظن بالله تعالى، وانتظار الفرج بعد الشدة. قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر]
وقال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(6)} [الشرح]
وقال تعالى:{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ(62)}[النمل].
3ـ تُورث العبد محبة الله عز وجل :
قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(31)}[آل عمران].
تُورِث العبد المحبة العظيمة لله تعالى ، وذلك حينما يُفكر وينظر في آثار رحمة الله عز وجل في الآفاق وفي النفس والتي لاتُعد ولا تُحصى ، قال تعالى }وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن يُرۡسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٖ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِيَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (46){ ] الروم[
وقال تعالى :}فَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ ءَاثَٰرِ رَحۡمَتِ ٱللَّهِ كَيۡفَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ (50){ ] الروم[
فمن آثار رحمته تعالى أطْلع الشمس والقمر؛ وجعل الليل والنهار، وبسط الأرضَ؛ وجعلها مهاداً وفراشاً وقَرَاراً، وكفاتاً للأحْياء والأموات، وبرحمته أنشأ السحاب، وأمْطر المطر، وأطْلع الفواكه والأقوات والمرعى. قال تعالى :} وَمِن رَّحۡمَتِهِۦ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (73){ ] القصص[
ومِن رحمته تعالى سخَّر لنا الخَيل والإبل والأنعام، وذلَّلها مُنقادةً للركوب والحمل؛ والأكْل والدَّر. قال تعالى }وَٱلۡخَيۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِيرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِينَةٗۚ وَيَخۡلُقُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ (8) وَعَلَى ٱللَّهِ قَصۡدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنۡهَا جَآئِرٞۚ وَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ (9){ ] النحل[
وبرحمته وَضَع الرحمة بين عباده ليتراحموا بها؛ وكذلك بين سائر أنواع الحيوان، فهذا التَّراحم الذي بينهم بعض آثار الرحمة التي هي صفته ونعمته.
العنصر الخامس: من مظاهر رحمة الله تعالى:
إن رحمة الله تعالى تتمثل في مظاهر عديدة، يعجز العبد عن مجرد إحصائها؛ فإن نِعَمَ الله تعالى التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى هي مظهر من مظاهر رحمته سبحانه وتعالى؛ فمن هذه المظاهر للرحمات:
1- إرسال الرسول (ﷺ) هو رحمة لهذه الأمة:
قال تعالى: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ(107){ [الأنبياء]، وأي رحمة أن ينتقل الناس به من الضلالة إلى الهدى، ومن الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى التوحيد؟ وكان من أسمائه (ﷺ) نبي الرحمة.
2- ومن مظاهر رحمته أنه أنزل علينا أعظم كتاب عرفته البشرية:
 قال تعالى عن نفسه: }الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4){ ]الرحمن[
وقال تعالى:} يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(57){[يونس]،
وقال تعالى: }وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(64){ [النحل]، وقال تعالى: }وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(155){ [الأنعام].
وسمَّى الله تعالى وَحْيه إلى أنبيائه بالرَّحمة، كما في قوله تعالى مُخبراً عن سيدنا نوح عليه السلام: }قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ (28){ ]هود[
وكذلك قال عن سيدنا صالح عليه السلام: }وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً (63){ ]هود[
يُشير إلى ما خَصَّه الله به من الوحي؛ والعِلْم والحكمة ، ويختار لوحيه رجالاً يختصّهم بذلك ، كما قال سبحانه:}يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(74){ ]آل عمران[
3- من مظاهر رحمته : يُسر وسماحة التشريع الإسلامي :
لقد دعا الإسلام المسلمين إلى التحلي بخلق الإسلام في الأخذ بتعاليم الشريعة الإسلامية ، فمن عظيم رحمته وحلمه السماحة واليسر في التشريع ، فقد رفع الله تعالى عن عباده الحرج ، وخفف عنهم التكاليف ونهاهم عن الغلو والتشدد في الدين، قال تعالى:{يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (185)}[البقرة].
وقال: {مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)} [المائدة].
وقال سبحانه: {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا(28)} [النساء].
- ونهى النَّبي (ﷺ)عن التنطع والتَّشدد في الدين، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): (هلك المتنطعون). قالها ثلاثًا  ]رواه مسلم[ .
ودعا الرسول (ﷺ)على من يشق على المسلمين فقال: }اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفق به{  ]رواه مسلم[.
فقد ثبت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال (ﷺ):}إنَّ الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة، والروحة ، وشيء من الدلجة{ [رواه البخاري  واللفظ له، ومسلم] .
ومن مظاهر رحمته تعالى : التيسير في العبادات ،فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي (ﷺ) يسألون عن عبادة النبي (ﷺ) فلما أخبروا، كأنهم تقالُّوها فقالوا: وأين نحن من النبي (ﷺ) قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أُصلي الليل أبدًا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله (ﷺ) إليهم فقال: }أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَالله إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي{ [متفق عليه].
4ـ ومن مظاهر رحمته سبحانه وتعالى مغفرته لأهل التوحيد يوم القيامة:
فقد هيأ لهم الأسباب في الدنيا لطلب المغفرة، وفتح لهم باب التوبة والرجاء، وعدم اليأس والقنوط من رحمته سبحانه وتعالى؛ كما قال تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53){ [الزمر].
وقال (ﷺ) في ذلك:}ولو يَعْلمُ الكافرُ ما عندَ اللهِ مِنَ الرَّحمة، ما قَنِطَ مِنْ جنَّته أحدٌ{.
فإذا مات هذا العاصي المُسْرِفُ على نفسه ولقِيَ ربه بالتوحيد؛ فيتلقاه سبحانه وتعالى برحمته وعفوه وستره، بعد استحقاقه للعذاب في النار؛ فيخرجه منها برحمته جل في علاه.
والجنة سلعة غالية، لا تنالها أعمالنا مهما بلغ اجتهادنا في العبادة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (ﷺ): }قاربوا، وسدِّدوا، واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل{ ] متفق عليه [
5- ومن مظاهر رحمته نزول الأمطار:
 كما قال تعالى: }وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28){ [الفاتحة]، وقال تعالى: }وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ (57){ [الأعراف].
6- ومن مظاهر رحمته أنه تكفَّل بقسمتها على عباده ، وأنها خير ما يجمع العبد:
 كما قال تعالى: }أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32){[الزخرف].
فلن تستطيع قوة بشرية أن تحبس رحمة الله بالعباد؛ كما قال تعالى: }مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2){[فاطر].
وقال تعالى }قُل لَّوۡ أَنتُمۡ تَمۡلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحۡمَةِ رَبِّيٓ إِذٗا لَّأَمۡسَكۡتُمۡ خَشۡيَةَ ٱلۡإِنفَاقِۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ قَتُورٗا (100){ ] الإسراء[
7ـ ومن رحمته: "لله جلَّ ثَنَاؤُه مائة رَحْمـة " :
أنه الله خَلق مائة رحمة: كل رحمةٍ منها طباق ما بين السماء والأرض؛ فأنزلَ منها إلى الأرض رحمةً واحدة؛ نشرها بين الخَلِيقة ليَتَراحمُوا بها، فبها تعطف الوالدةُ على ولدها، والطير والوحش والبهائم، وبهذه الرحمة قوام العالم ونظامه.
عن سليك الغطفاني رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): "إِنَّ الله خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ، كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجَعَلَ مِنْهَا فِي الأَرْضِ رَحْمَةً، فَبِهَا تَعْطِفُ الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا، وَالْوَحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، أَكْمَلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ" ]مسلم[.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ)}جعل اللهُ الرحمةَ مائةَ جُزءٍ ، فأمسك عنده تسعةً وتسعين جزءًا ، وأنزل في الأرضِ جزءًا واحدًا ، فمن ذلك الجزءِ تتراحمُ الخلقُ حتى ترفعَ الفرُس حافرَها عن ولدِها خشيةَ أن تُصيبَه]البخاري ومسلم[
8ـ الله سُبْحانه وتعالى أرْحَمُ بعبادِه مِنَ الأُم بولَدِها:
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قُدِم على رسول الله (ﷺ) بسَبيٍ، فإذا امرأة من السَّبي تَبْتغي  وفي رواية البخاري: تَسْعى  إذْ وَجَدت صَبياً في السَّبي؛ أخَذته فألْصقته ببطنها وأرْضعته؛ فقال لنا رسول الله (ﷺ):" أتَرونَ هذه المَرأة؛ طارحةً ولدها في النار؟" قلنا: لا والله ! وهي تَقْدر على أنْ لا تَطْرَحه؛ فقال رسول الله (ﷺ):" اللهُ أرحمُ بعبادهِ؛ مِنْ هذه بَولدها{.
9ـ من مظاهر رحمته  أنه سمّى سبحانه الجنَّة بالرحمة:
وهي أعظمُ رحمةٍ خَلَقها الله لعباده الصالحين، قال تعالى: }وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(107){ ]آل عمران[
وقال تعالى:}يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً(31){ ]الإنسان[
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ اللَّهُ  تَبَارَكَ وَتَعَالَى  لِلْجَنَّةِ: }أَنْتِ رَحْمَتِي، أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادي{ ] صحيح البخاري [.
10- ومن مظاهر رحمته أنه جعل لرحمته أسبابًا تُستنزل بها، ومفاتيحَ؛ فمن طلبها وجدها، ومن أخذ بأسباب الحصول عليها نالها وحصل عليها في أي مكان وزمان.
العنصر السادس : موجبات رحمة الله تعالى :
الرحمة بمثابة الوقود الذي سيدفعك للعمل والحركة، فلا بد أن تأخذ بتلك الأسبــاب التي تُوجب الرحمة، وتعتمد على الله وحده ليوفقك للعمل الصالح، فكان من دعاء النبي (ﷺ) }اللهم إنا نسألُكَ مُوجِباتِ رحمتِك ، وعزائمَ مَغْفِرَتِكَ ، والسلامةَ من كلِّ إثمٍ ، و الغنيمةَ من كلِّ بِرٍّ ، والفوزَ بالجنةِ ، والنجاةَ من النارِ{ .
فمن موجبـــات الرحمة:
1 ـ طاعة الله ورسوله :
قال تعالى :}وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132){ [آل عمران] .
وقال تعالى }وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155){ [الأنعام]
وقال تعالى }يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (28){ ] الحديد [
كلما كان الإنْسانُ أقربُ إلى الله تعالى؛ كانت رحمةُ الله أوْلى به.
2ـ  الإحســـان:
الإحســـان يبدأ من الإتقان وتجويد العمل، ويصل إلى المنزلة العظمى من منازل الإيمان وهي: أن تعبد الله كأنك تراه، كما جاء في حديث جبريل عليه السلان حينما سأل النبي (ﷺ) عن الإحسان، فقال: }أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك{ ]رواه مسلم[، وهذه المنزلة العظمى تقتضي مراقبة الله جلَّ وعلا في السر والعلن، فإن كنت تريد أن تتنزل عليك الرحمة: راقب قلبـــك وحالك في الخلوات، فإن كنت مستقيم الحال في خلوتك، فاعلم أن هذا من أعظم أسبـــاب استنزال الرحمة عليك، يقول الله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} [الأعراف].
3ـ تقوى الله عز وجل وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة واتباع النبي (ﷺ):
قال سبحانه وتعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ(157)}[الأعراف]،
وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)}[النور]
4ـ مجالس العلم وتدبر القرآن والإنصات إليه:
قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)} [الأعراف].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال: }وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشِيَتْهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذَكَرَهم الله فيمن عنده{ ] رواه مسلم[،
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه، }أنه كان في عصابة يذكرون الله، فمرَّ بهم رسول الله (ﷺ) ، فجاءهم قاصدًا حتى دنا منهم، فكفوا عن الحديث؛ إعظامًا لرسول الله (ﷺ) ، فقال: ما كنتم تقولون؟ فإني رأيت الرحمة تنزل عليكم؛ فأحببت أن أشارككم فيها{
5ـ سؤال الله الرحمة :
اثن على الله عزَّ وجلَّ في كل حالك ، وتحدث بنعمته ورحمته عليــك، وتقول: يا لرحمة الله، وافرح برحمة الله تعالى: إذا تنزلت عليك، قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(58)} [يونس].
وأن يُكثر العبد من سؤال ربِّه الرحمة، فيقول: اللهم ارحمني، اللهم ارحمني. فإذا دعوت الله، فاعزم في الدعــاء ولا تتردد، قال رسول الله (ﷺ): }إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت، ارحمني إن شئت، ارزقني إن شئت، وليعزم مسألته إنه يفعل ما يشاء ولا مكره له{ ]رواه البخاري[، اللهم رحمتك نرجو، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
لقد أرشدنا الله عز وجل إلى سؤاله سبحانه وتعالى الرحمة لأنفسنا وأقاربنا وقد أثنى سبحانه وتعالى على أنبيائه بذلك وذَكَرَهُمْ للتأسي بهم، قال تعالى عن سيدنا أيوب : {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(83)} [الأنبياء].
وقال عز وجل عن سيدنا موسى عليه السلام ودعائه لنفسه وأخيه: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(151)}[الأعراف]،
وقال سبحانه: {وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ(118)}[المؤمنون].
6 ـ تقوى الله في البيع والشراء:
عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما أنَّ رسول الله (ﷺ) قال:}رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى]{ رواه البخاري[.
7ـ الإيجابية والبذل والعطاء:
قال تعالى }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218){ [البقرة] .
وقال تعالى: }الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ(21){[التوبة].
وجعل الله تعالى الإنفاق في سبيل الله تعالى من موجبات الرحمة كما قال تعالى:} وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) {[التوبة].
فالمؤمن يبذل ماله ، يبذل وقته ، يربي أولاده ، ينصح المسلمين ، يقدم خدماته ، لماذا يفعل هذا ؟ لأنه يرجو رحمة ربه تعالى .
8ـ الاستغفار والتوبة :
قال تعالى :}وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110){ [النساء]
وقال تعالى }أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى ٱللَّهِ وَيَسۡتَغۡفِرُونَهُۥۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (74){ ] المائدة[
وقال تعالى: {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(46)}[النمل]
وقال تعالى :}كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54){ [الأنعام].
9ـ الرحمة بالخلق:
المؤمن الموحد بالرحمن الرحيم ينبغي أن يمتلئ قلبه رحمة بالمؤمنين ،فأسوتنا في ذلك هو سيد الخلق أجمعين (ﷺ)، قال تعالى :}لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ(128){ [التوبة] .
كان النبي (ﷺ) رحيماً بأصحابه ،رفيقاً ،حبيباً ،قريباً ،صديقاً فعن مالك بن الحويرث  رضي الله عنه قال: }أتيت النبي (ﷺ) في نفر من قومي ، فأقمنا عنده عشرين ليلة ، وكان رحيمًا رفيقاً ، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا ، قال : ارجعوا ، فكونوا فيهم ، وعلموهم وصلوا ، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم { [البخاري] .
وجعلها الله تعالى وصية المؤمنين بعضهم لبعض فقال تعالى } ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ (17){ ] البلد[
وربط النبي (ﷺ) الإيمان بالرحمة روي ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي (ﷺ) أنه قال: }لن تؤمنوا حتى تراحموا{، قالوا: يا رسول الله، كلنا رحيم، قال: }إنه ليس برحمة أحدِكم صاحبه، ولكنها رحمة العامَّة{ ؛ ]رواه الطبراني ورجاله ثقات[.
رأينا رحمة النبي (ﷺ) بالجاهل عندما ،دخلَ أعرابِيٌّ المسجِدَ ، والنبيُّ (ﷺ) جالِسٌ ، فصلَّى ، فلما فرغَ قال : اللهمَّ ارحمني ومحمدًا ، ولَا ترحمْ معنا أحدًا ، فالتفَتَ إليهِ النبيُّ (ﷺ) فقال : لقدْ تَحَجَّرْتَ واسعًا ، فلم يلبثْ أنْ بالَ فِي المسجدِ ، فأسرعَ إليه الناسُ ، فقال النبي (ﷺ): "أهْريقوا عليْهِ سَجْلًا مِنْ ماءٍ ، أوْ دلْوًا مِنْ ماءٍ ، ثُمَّ قال : إِنَّما بُعِثْتُم مُيَسِّرينَ ولَمْ تُبْعَثوا مُعَسِّريْنَ" ) [رواه الترمذي وقال حسن صحيح].
الجميع يرحم بعضهم بعضاً، الرئيس يرحم المرؤوسين ، والأب يرحم الأبناء ، والزوج يرحم الزوجة ،والغني يرحم الفقير، والقوي يرحم الضعيف ، والجار يرحم جاره ،الكل يتراحم فيما بينهم حتي يصدق فينا قول النبي (ﷺ)عن النعمان ابن بشير رضي الله عنهما :عن النبي (ﷺ) أنه قال:}مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى {.] البخاري ومسلم[
ولم تكن الرحمة من أسباب الرحمة فقط بل من أسباب دخول الجنة قال النبي عليه الصلاة والسلام ذات يوم في خطبه : }أهل الجنة ثلاثة ، ذو سلطان مقسط ، متصدق موفق ،ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم ،وعفيف متعفف ذو عيال { [مسلم] .
ومدح الله تعالى الصحابة رضي الله عنهم بقوله: {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ(29)}[الفتح]،
وخص أبو بكر رضي الله عنه بالكمال البشري  في الرحمة بعد الرسل، حيث قال فيه (ﷺ): {أرحم أمتي بأمتي أبو بكر}.
وبين (ﷺ) أن الرحمة تنال عباده الرحماء فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ﷺ){إنما يرحم الله من عباده الرحماء} ،وفي رواية:" لا يَرْحَمُ الله مِنْ عبادِه؛ إلا الرُّحَمَاء".] صحيح البخاري[
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قَدِمَ ناسٌ من الأعْراب على رسول الله (ﷺ) ؛ فقالوا: أتُقبِّلُونَ صِبْيانكم؟، فقالوا: نعم، فقالوا: لكنَّا والله ما نُقبّل ! فقال رسول الله (ﷺ):"وما أمْلِكُ إنْ كان اللهُ نَزَعَ مِنْكم الرَّحمة؟"{. وفي رواية: "مِنْ قلْبك الرّحمة ".] صحيح بن حبان[
فمن رحم غيره كان جديرًا برحمة الله تعالى، قال (ﷺ) :}مَنْ لا يَرْحمُ الناسَ؛ لا يَرْحَمُه اللهُ{. ]متفق عليه[، وقال عليه الصلاة والسلام: }الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ{ ]رواه الترمذي في سننه، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وحسّنه ابن حجر في (الإمتاع)[.
قال الطيبي رحمه الله: "أتى بصيغة العموم ليشمل جميع أصناف الخلق؛ فيرحم البَرَّ والفاجر، والناطق والبهم، والوحوش والطير".
10ـ إصلاح ذات البين والألفة بين المؤمنين:
قال تعالى: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10){[الحجرات].
11ـ صلاة أربع ركعــات قبل العصر:
 قال رسول الله (ﷺ):}رَحِم الله امرءًا صلى قبل العصر أربعًا{ ]رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني[، وهي ليست من السُنن المؤكدة، لكن تُستنزل بها الرحمــات.
 12ـ المُكْث في المسجد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): }لا يزال أحدكم في صلاة ما دام ينتظرها، ولا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في المسجد: اللهم اغفر له اللهم ارحمه، ما لم يُحدِث{ ]رواه الترمذي [ .
13ـ عيـــادة المرضى:
عن جابر قال: قال رسول الله (ﷺ): }من عاد مريضًا لم يزل يخوض الرحمة حتى يجلس، فإذا جلس اغتمس فيها{ ]رواه مالك وأحمد وصححه الألباني[.
14ـ قيام الليل:
 قال (ﷺ):}رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ. رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ{ ]صحيح سنن أبي داود[.
15ـ الصبر على الأذى:
قال تعالى }الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157){ [البقرة].
وقال (ﷺ) لما قال له الأعرابي اعدل يا محمد: }رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِىَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ{   ]متفق عليه[.
16ـ الكلام الطيب، والسكوت عن الفضول:
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ) }رحم الله امرءاً تكلم فَغنِم، أو سكت فَسلِم{ ]صحيح الجامع[
العنصر السابع : صور مضيئة من رحمة الإسلام :
لقد شملت رحمة الإسلام القريب والبعيد والمسلم وغير المسلم فرأينا سلوك المسلمين مع المحاربين من غير المسلمين ، أساسه قوله تعالى: }لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9){ ]الممتحنة[.
فالبر والقسط مطلوبان من المسلم للناس جميعًا، ولو كانوا كفارًا بدينه، ما لم يقفوا في وجهه ويحاربوا دعاته، ويضطهدوا أهله.
فنجد رسول الله (ﷺ) يغضب عندما يجد امرأة مقتولة وهو يمر في إحدى الغزوات فقال ما كانت هذه لتقاتل ، بل ينهي عن قتل النساء والشيوخ والأطفال ومن لا مشاركة له في القتال .
صور مضيئة في حياة النبي (ﷺ):
إن المتأمل لحروب رسول الله (ﷺ) مع أعدائه سواء من المشركين، أواليهود، أو النصارى، ليجِد حُسن خُلق رسول الله (ﷺ) مع كل هؤلاء الذين أذاقوه ويلات الظلم والحيف والبطش، إلاّ أنه كان يعاملهم بعكس معاملاتهم له. 
فإذا تأمّلْنا وصية رسول الله (ﷺ) لأصحابه المجاهدين الذين خرجوا لرد العدوان نجد في جنباتها كمال الأخلاق ونُبل المقصد ....
فها هو ذا رسولُ الله (ﷺ) يوصي عبد الرحمن بن عوف  عندما أرسله في شعبان سنة (6هـ) إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل؛ قائلاً: }اغْزُوا جمِيعًا فِي سبِيلِ اللهِ، فقاتِلُوا منْ كفر بِاللهِ، لا تغُلُّوا، ولا تغْدِرُوا، ‏ولا‏ ‏تُمثِّلُوا، ‏ولا تقْتُلُوا ولِيدًا، فهذا عهْدُ اللهِ وسِيرةُ نبِيِّهِ فِيكُمْ" ]رواه الحاكم  وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه[.
وكذلك كانت وصية رسول الله (ﷺ) للجيش المتّجه إلى معركة مؤتة؛ فقد أوصاهم  قائلاً: }‏اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سبِيلِ اللّهِ، قاتِلُوا منْ كفر بِاللهِ، اغْزُوا ولا ‏تغُلُّوا ، ‏ولا ‏تغْدِرُوا ، ‏‏ولا ‏تمْثُلُوا، ‏ولا تقْتُلُوا ولِيدًا، أوِ امْرأةً، ولا كبِيرًا فانِيًا، ولا مُنْعزِلاً بِصوْمعةٍ{ ]أخرجه الإمامُ مسلم في صحيحه، وأبو داود ، والترمذي، والبيهقي[
عن ابن عمر رضي الله عنهما  أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله (ﷺ) مقتولة ، فأنكر رسول الله (ﷺ) قتل النساء والصبيان ) ]رواه البخاري ومسلم[ .
وفي رواية لهما }وجدت امرأة مقتولة في بعض تلك المغازي ، فنهى رسول الله (ﷺ) عن قتل النساء والصبيان {
وتروي كتب السير أنه (ﷺ) بكى لما رأى جنازةَ مشرك، ولما سئل عن سبب بكائه (ﷺ) قال: "نفس تفلَّتت مني إلى النار"، وتبلغ رحمته (ﷺ) بأعدائه القمةَ السامقة عندما يتعرَّض لإيذائهم، ففي هذه المَواطن التي يفقد فيها الرحماء رحمتَهم، عندما تعرَّض للسباب والضرب من أهل الطائف، ونزل ملك الجبال في صحبة جبريل عليه السلام يعرض على النبي (ﷺ) أن يطبق عليهم الأخشبين، يقول النبي (ﷺ) قولته المشهورة: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون".
صورة مضيئة في حياة الخلفاء الراشدين
رأى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه شيخًا يهوديًا يسأل الناس، فسأله عن ذلك، فعرف أن الشيخوخة والحاجة ألجأتاه إلى ذلك، فأخذه وذهب به إلى خازن بيت مال المسلمين، وأمره أن يفرض له ولأمثاله من بيت المال ما يكفيهم ويصلح شأنهم، وقال في ذلك: ما أنصفناه إذ أخذنا منه الجزية شابًا، ثم نخذله عند الهرم! 
صورة مضيئة في فتح بيت المقدس:
لماذا لا تنتقم من أعدائك؟!
بينما كان صلاح الدين رحمه سائرًا ذات يوم في بعض طرق مدينة بيت المقدس قابله شيخ من النصارى كبير السن، يعلِّق صليبًا ذهبيًّا في رقبته، وقال له: أيها القائد العظيم، لقد كُتِبَ لك النصرُ على أعدائك، فلماذا لم تنتقم منهم، وتفعل معهم مثل ما فعلوا معك؟ فقد قتلوا نساءكم وأطفالكم وشيوخكم عندما غزَوْا بيت المقدس؟ فقال له صلاح الدين: أيها الشيخ، يمنعني من ذلك ديني الذي يأمرني بالرحمة بالضعفاء، ويُحَرِّم عليَّ قتل الأطفال والشيوخ والنساء. فقال له الشيخ: وهل دينكم يمنعكم من الانتقام من قوم أذاقوكم سوء العذاب؟ فأجابه صلاح الدين: نعم، إن ديننا يأمرنا بالرحمة والعفو والإحسان، وأن نقابل السيئة بالحسنة، وأن نكون أوفياء بعهودنا، وأن نصفح عند المقدرة عمَّن أذنب. فقال الشيخ: نِعْمَ الدين دينكم، وإني أحمد الله على أن هداني في أيامي الأخيرة إلى الدين الحقِّ. ثم سأل: وماذا يفعل مَن يُريد الدخول في دينكم؟ فأجابه صلاح الدين: يُؤمن بأن الله واحد لا شريك له، وأن محمدًا (ﷺ) عبده ورسوله، ويفعل ما أمر الله به، ويبتعد عما نهى الله عنه. وأسلم الرجل وحَسُن إسلامه، وأسلم معه كثير من أبناء قومه.
حتى قال المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون :" فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب، ولا دينًا سمحًا مثل دينهم".
العنصر الثامن :أثر الرحمة في المجتمع:
لقد استطاع النبي (ﷺ) بفضل ربه عز وجل أن يُؤسس لأعظم دولة عرفها التاريخ ، حيث أخرج للوجود أمة ومكن لعبادة الله تعالي في الأرض ، ووضع أسس العدالة الاجتماعية ، وحول جيل كامل من رعاة البقر إلي قادة للأمم ، استطاع بفضل الله تعالي أن يخرج للعالم كله المواهب والعبقريات العظيمة  من أمثال عمر ابن الخطاب وخالد ابن الوليد وعمرو ابن العاص وعكرمة ابن أبي جهل ....وحولهم من جيل لا يعرف إلا الفوضى إلى جيل يعرف النظام والعدل والرحمة.
 لذلك وصفه ربه عز وجل بقوله تعالى }فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ (159){[آل عمران] .
الخاتمة:
أيها المسلمون...
ما أشد حاجة البشريّةَ اليوم إلى هذهِ المعاني الإسلاميّةِ السّامية، وما أشدَّ افتقارَ الناسِ إلى التخلُّق بالرّحمة التي تُضمِّد جراحَ المنكوبين، وتحثّ على القيامِ بحقوقِ الوالدَين والأقربين، والتي تواسِي المستضعَفين، وتحنو على اليتامَى والعاجِزين ، وتحافِظ على حقوقِ الآخرين، وتحجز صاحبَها عن دِماء المعصومين من المسلمين وغير المسلمين، وتصون أموالَهم مِن الدّمار والهلاك، وتحثّ على فِعل الخيراتِ ومجانبَة المحرّمات.

اللهم رحمتك نرجو، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

 رابط doc

https://www.raed.net/file?id=321883

رابط pdf 

https://www.raed.net/file?id=321885 


 


ليست هناك تعليقات: