3 سبتمبر 2019

رسالة المسجد ودوره في المجتمع




الحمد لله رب العالمين .. جعل المساجد أفضل بقاع الأرض فنسبها لذاته العلية فقال تعالي (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً {18}الجن.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..جعل عمارة المساجد برهان علي إيمان العبد فقالي تعالي (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ {18}التوبة.

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ربط أصحابه وأتباعه بالمسجد لما فيه من الخير العظيم (المسجد بيت كل تقي وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة والجواز علي الصراط إلي رضوان الله إلي الجنة ) رواه الطبراني، وصححه الألباني في الترغيب والترهيب

فاللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما..

أما بعــد :ــ فيا أيها المؤمنون

تمهيد :ــ لقد حرص النبي صلي الله عليه وسلم علي تربية الأمة وربط صلتها بربها فهي صلة العبودية الخالصة التي تقوم علي إخلاص الدين له وحده لا شريك له والاعتقاد بأنه هو رب العلمين وهو وحده الإله الحق الذي يخلق ويرزق ويحي ويميت ويضر وينفع وأنه لا إله غيره تعنو له الوجوه وتخشع له القلوب وتتوجه له الأنفس وهي صلة مباشرة بين العبد وربه لا سلطان لأحد عليها ولا وساطة لأحد فيها فإذا توطدت هذه الصلة بين العبد وربه كان أول مظاهره ألا يذل إلا له ولا يستعين إلا به ولا يعمل إلا ابتغاء رضوانه ولا يتم ذلك إلا إذا ارتبط الإنسان ارتباطا وثيقا بالمسجد وتعلق قلبه به لذلك نلحظ أن أول عمل قام به النبي صلي الله عليه وسلم هو بناء المسجد وكان يقوم بالبناء بنفسه ويحمل الحجارة علي صدره الشريفة مما دفع بعض الصحابة أن يقول لأن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا العمل المضلل.

فجعل الصحابة ينشدونها ويتغنون بها وهم يعملون وكان صلي الله عليه وسلم يأبي إلا أن يكون واحدا منهم يعمل كما يعملون وينشد كما ينشدون ويأخذ حظه من ثواب الله عز وجل كما يأخذون فقد لقيه رجل من أصحابه وهو يحمل لبنة فقال أعطينيها يا رسول الله يريد يخفف عنه فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم اذهب فخذ غيرها فلست بأفقر إلي الله مني ) وذلك لما للمسجد من مكانة عظيمة ومنزلة عالية في الإسلام ، فالمساجد هي مراح ومستراح للأرواح الرفرافة الطاهرة ومأوى ومستقر للأجساد العابدة ، وموضع طمأنينة ومكان سكينة للقلوب النقية ، وموضع سعادة وأنس وجمال للنفوس المطمئنة ، إنها بيوت الله في الأرض ، المساجد ، التي لا يتعلق بها قلب مخلص إلا كان علامة على تقواه ولا يلازمها عبد صالح إلا رفع الله شأنه وطهر قلبه وغلب أعداءه .. من مواضع السجود فيها خرج العابدون ، ومن مدارسها نبغ العلماء ، ومن جوانبها خرجت ثورات الأمة على كل ظالم جبار

لذاك كان حديثنا عن رسالة المسجد ودره في المجتمع ويتضمن هذه العناصر الرئيسية الآتية :ــ

1 ـ فضل المسجد ومكانته في الإسلام .

 2 ـ رسالة المسجد في كل مجالات الحياة .

 3ـ آداب المسجد .

 4 ـ كيفية تفعيل رسالة المسجد.

 5 ـ الخاتمة .

العنصر الأول :ــ فضل المسجد ومكانته في الإسلام :ـــ

المساجد بيوت الله تعالى في أرضه جعلها خالصة له وحده , فقال سبحانه : \” وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) سورة الجن. وهي أحب الأماكن إلى الله تعالى وإلى رسوله وإلى المؤمنين الصالحين , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدهَا ، وَأَبْغَضُ الْبِلاَدِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقهَا. أخرجه مسلم ،وابن خزيمة ، وابن حبان. وقال الله تعالى : \” في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو الآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله .. \” سورة النور .

 بل إن المسجد هو بيت كل مؤمن وتقي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : \” المسجد بيت كل تقي وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة \” ( رواه الطبراني وصححه الألباني في الترغيب والترهيب ) .

ومكانة المسجد في الإسلام تظهر بوضوح وجلاء في كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يستقر به المقام عندما وصل إلى حي بني عمرو بن عوف في قباء، حتى بدأ ببناء مسجد قباء، وهو أول مسجد بُني في المدينة، وأول مسجد بني لعموم الناس كما قال ابن كثير رحمه الله .البداية والنهاية . وكذلك عندما واصل صلى الله عليه وسلم سيره إلى قلب المدينة كان أول ما قام به تخصيص أرض لبناء مسجده صلى الله عليه وسلم . وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلاً في سفر أو حرب وبقي فيه مدة اتخذ فيه مسجداً يصلي فيه بأصحابه رضي الله عنهم، كما فعل في خيبر. وها نحن ذا نرتشف تلك المعاني وغيرها من حديث النبي صلي الله عليه وسلم وفي ظلاله حول بيوت الأتقياء وجنة العابدين :–

1 ـ الارتباط بالمساجد والمشي إليها :ـ 

وأقصد بالارتباط بالمساجد : تعلق القلب بها ودوام التردد عليها وكثرة الجلوس بها وحبها وإكرامها والإكثار من بنائها وتطيبها وإحياء العبادات بها ، والاجتماع على طاعة الله فيها . وقد رغب الإسلام في الارتباط بالمساجد ترغيبا كبيرا وكأن الإسلام ينطلق من المساجد نحو العالم أجمع ، وكأن الشارع يقول للخلق : يا أيها العالمين توحدوا في مساجد الله ثم تعلموا واعبدوا ثم انطلقوا لتضيئوا الدنيا بأجمعها ..

 فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : \” من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلا كلما غدا أو راح \” رواه مسلم ، فأي مكرمة تلك المكرمة ؟ وأي فضيلة تلك الفضيلة ؟

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : \” من تطهر في بيته ثم مضى إلي بيت من بيوت الله ليقضى فريضة من فرائض الله ، كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة \” رواه مسلم ، فالخطى إلى بيوت الله ليست فقط خطى إلى مراكز تربوية نورانية ، بل هي تشفيف للروح وتنقية للذنب قبل الوصول إليها وتطييب للخطى أثناء العزم .. فتدبر .

2ـ مغفرة للذنب :ـ

 إن لأهل المساجد الساعين إليها والمتعلقين بها والمرتبطين بها لفضيلة أي فضيلة ، تلك التي تمحو السيئات وترفع الدرجات وتزين بالمكرمات ، فبين خطا تمحو الخطايا وبين ركعات تذيب الذنوب وبين رحمة من الله أعدت لهم .. فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: \” من راح إلى مسجد الجماعة فخطوة تمحو سيئة وخطوة تكتب له حسنة ، ذاهبا وراجعا \” رواه احمد .

3- رباط في سبيل الله عز وجل :ـ 

عن أبي هريرة رضي الله عنه .أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :\”ألا أدلكم علي ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات .قالوا: بلي يا رسول الله قال :\”إسباغ الوضوء علي المكاره ،وكثرة الخطا إلي المساجد ،وانتظار الصلاة بعد الصلاة ،فذلكم الرباط فذلكم الرباط\”رواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي. وأجر المرابط في سبيل الله كبير فيقول النبي صلي الله عليه وسلم (كل ميت يختم علي علمه إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمي له عمله ويؤمن من فتنة القبر) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.

4ـ نور المشائين في الظلمات :ـ

 أما الذين يكابدون آلام الدنيا ومشاقها في سبيل الله فإن ربهم سيخلف عليهم خير إخلاف وسيبدلهم بخوفهم أمنا وببذلهم عطاء وبالظلام الذي عانوه نورا وحبورا .. فعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : \” بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة \” رواه أبو داوود ، قال الألباني – رحمه الله – : \” والحديث يعنى العشاء والصبح لأنها تقام بغلس \” ( يعني بظلمة

أحب الأماكن إلى الله المساجد :ـ 

لقد دلت الأخبار الصحاح على فضل المسجد كمكان تقام فيه العبادة ويستمع فيه الذكر وتصنع فيه الخيرات ويؤمر فيه بالمعروف ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : \” أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها ، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها \” رواه مسلم .وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه: أن رجلا قال : يا رسول الله ، أي البلدان أحب إلى الله وأي البلدان أبغض إلى الله ؟ قال : \” لا أدري حتى أسأل جبريل – عليه السلام – \” ، فأتاه جبريل فأخبره : \” إن أحسن البقاع إلى الله المساجد ، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق \” رواه احمد وصححه الألباني .

6ـ فضائل أهل المساجد :ـ 

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : \” المسجد بيت كل تقي وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة \” رواه الطبراني وصححه الألباني.

 وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: \” ما توطن رجل المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله تعالى إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم \” رواه ابن حبان. 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : \” سبعة يظلهم الله بظله ، يوم لا ظل إلا ظله : الإمام العادل ، وشاب نشأ في عبادة الله – عز وجل – ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه \” متفق عليه .

 وأيضا قال صلي الله عليه وسلم (من أدمن الاختلاف إلي المساجد أصاب:- أخا مستفادا في الله عز وجل ،علما مستظرفا ،كلمة تدعوه إلي الهدي ،كلمة تصرفه عن الردي ،ترك الذنوب حياء وخشية ،نعمة ورحمة منتظرة هذا في الدنيا وفي الآخرة الجواز علي الصراط إلي رضوان الله إلي الجنة مع الاستظلال بظله يوم لا ظل إلا ظله سبحانه وتعالي) .أورده ابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد من كتاب الصلاة باب لزوم المساجد من حديث الحسن ابن علي عن جده. 

وأورد ابن ماجة رحمه الله تعالي : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (أبشروا هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة يقول انظروا إلي عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخري).

العنصر الثاني :ــ رسالة المسجد في كل مجالات الحياة :ـ

المسجد أول مشروع للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وبه بدأ بتكوين وبناء المجتمع المسلم والعلمانيون حصروا عمل المسجد في الصلاة والقرآن فقط.

ولكن الناظر إلى المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن المسجد في عهده كان شعلة وهاجة تنير الأرض من حولها. المسجد لم يكن مكاناً لأداء الصلاة فقط، ولكن كان يمثل الموجه في بناء المجتمع من كل جانب بما توحيه الرسالة المحمدية، ففتح أبوابه للصلاة، ولتوجيه المجتمع توجيهاً إسلامياً سواء من خلال المنبر أو حلقات العلم والدرس أو الأحداث التي تجري داخله، إذا كانت الفرصة مهيأة للاجتماع والتعارف، وتقوية الروابط الأخوية بين المسلمين، فالصلاة وحدها والتي يظن البعض أنها علاقة بين العبد وربه، هي في الحقيقة شحنة روحية هائلة ودرس أخلاقي واجتماعي ونفسي يدفع الإنسان إلى الطريق الأفضل في حياته وعلاقاته مع الآخرين بسلوك يتسامى ويتعالى لأنه يستمد توجيهه من التربية الإسلامية. 

وسنعرض لهذه الأدوار التربوية في المجتمع :ــ

التربية الإيمانية للمسجد:ـ 

”إن الوظيفة الأولى للمساجد هي أنها أماكن عبادة، فيها يؤدي المسلمون صلواتهم وجمعهم أو جماعاتهم، ويقرءون القرآن ويذكرون الله. وصدق الله العظيم إذ يقول \”إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله، فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين\”. (التوبة: 18) وعمارة المساجد تعني تشييدها وإقامتها وبنيانها، وبالتالي عمارتها العبادة والاجتماع فيها للجماعة، وبقراءة القرآن والذكر، والاعتكاف وهذا هو المعنى الأهم في العمارة. إن مهمة المساجد هي كما بين الله سبحانه وتعالى بقوله \”في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة\”. (النور: 36

ومن الآية نرى أن الله تعالى أذن أن ترفع بيوته بتعظيمها ورفع شأنها بالتقديس والتطهير وإقامة الشعائر الدينية فيها بعد رفع قواعدها وبنيانها. أصبحت المساجد همزة وصل بين الناس ورب الناس ، ومهادا للمعراج الروحي الذي ينقل البشر من مآربهم القريبة إلي مناجاة الله وتسبيحه وتمجيدة ! ليس هذا ارتقاء معنويا للأرض نفسها ؟ يظهر ذلك عنما نطالع ما جاء في السنة النبوية المطهرة أن رسول الله صلي الله عليه دخل ذات يوم المسجد ، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال :(يا أبا أمامة مالي أراك في المسجد في غير وقت الصلاة ؟ \” فقال : هموم لزمتني وديون يا رسول الله فقال : \” ألا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى دينك ؟ \” قال : قلت : بلى يا رسول الله قال : \” قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز والكسل ، وأعوذ بك من الجبن ، والبخل ، وأعوذ بك من غلبة الدين ، وقهر الرجال ، قال : ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني ) . رواه أبو داود من حديث أب سعيد الخدري .

هذا رجل أحرجته الأيام ، وبدل أن يذهب إلي بيت واحد من الأغنياء يستجديه ، ويرقب الفرج عنده ، ذهب إلي بيت الله يرجو جداه ، وينتظر نداه ! فلم يجيب سعيه ولم يطل همه ..! كل هذا لما فيه من اتصال العبد المؤمن بخالقه جل وعلا ولما فيه من القوة الروحية التي يفتقر إليها الإنسان، واستمرار الصلاة في المسجد إمداد للجماعة الإسلامية بالقوى التي لابد منها لإصلاح المجتمع. من هنا نري النبي صلي الله عليه وسلم يؤكد على صلاة الجماعة في المسجد فيأمر بها ويحذر من التخلف عنها ، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : \” من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر \” أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني .

 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: \” لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا لي حزما من حطب ، ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم فأحرقها عليهم \” رواه مسلم . فالمسجد هو المدرسة التربوية الكبرى التي تتربى فيها الأمة كبيرها وصغيرها وهي الحصن الذي لا يستطيع عدو أن يخترقه ..

التربية الاجتماعية للمسجد :ــ

فمن المسجد نتآخى، ومن المسجد نتعارف، وفي المسجد نتعاون. نعرف أن فلاناً تخلف؛ فنسأل عنه، إن غائباً حفظناه في أهله، وإن مريضاً عدناه، وإن كان عليه مصيبة واسيناه.

ولذلك يقول الحسن: [لا يُعدَمُ مرتادُ المسجد خمساً: آيةً يفهما، أو حديثاً يتدبره، أو أخاً يستفيده، أو ذنباً يغفر له، أو حسنةً تكتب له].

 إي والله، وإذا لم تكن المساجد هي مزرعة الصالحات، فأي مكان تكون؟ وحري بالمسجد أن يقوم بدوره في بناء هذا المجتمع لأنه مركز التوجيه والإشعاع ومقر التخطيط لبناء المجتمع ومنبر الهداية والإرشاد لجميع من دخله من المسلمين دون تفريق بينهم. إن من أول ما دعا إليه الإسلام عدم التفرقة بين المسلمين فقيرهم وغنيهم، عربيتهم وعجميتهم، ولم يفضل أحداً على أحد إلا بقدر تقوى \”إن أكرمكم عند الله أتقاكم\”. 

وما من مكان يتجلى فيه هذا القانون الاجتماعي بصورة جلية مثل المسجد إذ يقف الجميع في صف واحد في الصلاة وقد ذابت وانصهرت جميع الفوارق التي تميز بعضهم عن بعض. إن وحدة المجتمع الإسلامي وتكاتفه وقوته مستمدة من أمور منها عدم التفريق بين الأجناس والطبقات والأعمار، لذا أصبح هذا المجتمع كالجسد الواحد إذا اشتكى فيه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

إن المسجد هو المكان الطبيعي الذي يجمع المسلمين لغرض واحد وبنية خالصة خلف إمام واحد لا يتخلفون عليه، هذا الاجتماع الذي يوحي بالتآلف والوحدة، هو السبيل إلى السيطرة على طبائع النفوس ونزعاتها فبداخل المسجد يتربى المسلم على تطهر نفسه وتصحيح عقيدته في القرب من ربه، سراً وعلانية، وفي داخل المسجد يتربى المسلم على الاتصال بإخوانه المسلمين والسؤال عنهم… وتقوية الروابط الاجتماعية بينه وبينهم مما يجعله يهتم بجميع شؤونهم، وفي اجتماع المسلمين في المسجد يشعر الجميع بالقوة والانتماء للجماعة مما يجعل الفرد منهم يشعر بالطمأنينة ويحس بالراحة النفسية والكرامة والأمان. وتتعمق روح التعاون وتقوى عرى التكافل في حياة المسلمين، وتنبثق الأخلاق الكريمة وتنتشر، بل وتتزايد في ظل الإخاء والتسامح والتساوي الذي يظهر أنه لا عنصرية ولا طبقية في الإسلام بل الجميع سواسية عند الله لا تفريق بينهم إلا بالتقوى. \” إن أكرمكم عند الله أتقاكم \” (الحجرات) آية 131 .

ولقد جعل النبي المسجد بمثابة مكتب للخدمة الاجتماعية وجميع التبرعات ومعاونة المحتاجين (إلى جانب أداء الصلاة فيه). \”حدث أن وفد عليه قوم عراة مجتابي النمار – أو القباء – متقلدي السيوف فتمعر وجهه – أي تغير – لما رأى ما بهم من الفاقة، فأمر بلال فأذن وأقام ثم صلى ثم خطب في الناس حاثاً لهم على رعاية الرحم وتقدير الخير، فانهالت التبرعات من الدنانير والثياب والبر والتمر حتى تكون كومان عظيمان من الطعام والثياب، فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم و أعطى القوم حتى سروا\”. ولقد وجدت في المسجد وفي مؤخرته على وجه التحديد \”الصفة\” يأوى إليها الغرباء والمعدمون ويجدون فيها الطعام والشراب والكساء والمبيت كما كانت الصفة هذه مكاناً لإقامة الذين حبسوا أنفسهم لطلب العلم. \”والصفة مكان مظلل في شمالي المسجد يأوى إليه فقراء المسلمين\”. 

ولهذا بقيت المجتمعات المسلمة قوية متماسكة في ظل الظروف حتى بعد أن اندثرت الدولة وانهارت النظم الإدارية التي كانت تنظم للناس أمور معاشهم لأن كل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي يحمل في أعماق روحه روح الجماعة التي تفرض عليه مد يد العون لأخيه المسلم دون أن يسأله من هو أو من أين أو ما إلى ذلك، بل يسار إلى تفريج كربته لأنه يعلم أنه يدين بعقيدة التوحيد مثله سواء بسواء، ومن هنا جاءت عظمة هذا الدور الذي قام به المسجد.

 التربية الجهادية للمسجد:ــ

 فالمسجد هو القلعة الحصينة التي تربي الرجال والأبطال وتعدهم خير إعداد وفيها يقوم كيان الأمة الروحي قال تعالي (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ {108} التوبة. وقال تعالي (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ{36}‏ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ {37} لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ {38} النور.

من المسجد انطلق المجاهدون لمقاومة الغزاة والمحتلين . في المسجد يتربي المسلم علي النظام والسمع والطاعة والانضباط وتأمل هذا الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال( كان رسول يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليليني منكم أولوا الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم). ولقد كان المسجد الثكنة الأولى في الإسلام، ومقر القيادة العسكرية والحربية آنذاك. فقد اتخذ النبي من مسجده مقراً للقيادة، يعد فيه الخطط ويعقد مجالس الجهاد، ويصدر الأوامر وينصت إلى آراء المستشارين، وكان يحشد أصحابه في المسجد، ويشحنهم بطاقات مادية ومعنوية ويحرض المؤمنين على الثبات وينهاهم عن الفرار، ويحذرهم من الفرقة والنزاع، ويأمرهم بالطاعة والضبط ويشيع فيهم الألفة والنظام. وكانت الغزوات والسرايا تنطلق من المسجد وتعقد السرايات والأعلام، والبنود في المسجد للمجاهدين. ولم يكن دور المسجد مقصوراً على إعداد الجيش وتسييره وعقد الألوية والقيود على القادة. بل كان مكان استقبال الوفود التي تفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن من شئون الدولة أو إعلان الإسلام، أو طلب عقد معاهدة أو معونة.

\”وكان المسجد أشبه بقاعة الاستقبال الرسمية، مفتوحة ومهيأة لجميع الوافدين. وقد استقبل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران\”. كما ساهم المسجد في بناء الجيش الإسلامي وعقد الألوية وحث المسلمين على الصبر وملاقاة العدو والحرص على إعلاء كلمة التوحيد، كذلك كان مركزاً ومقراً لإدارة شئون الدولة أو الولاية، وكان المنبر أشبه بالعرش، يلقى منه بيان الخليفة لسياسة الدولة ويلقي فيه خطبته الأولى ويبين فيها سياسته في الحكم. \”

وفي المسجد تذاع القرارات الهامة التي تتعلق بالصالح العام ويستقبل الخليفة السفراء ويدير شئون الدولة. ففي إذاعة القرار في المسجد ما فيه من الإذعان والطاعة لاتباعها لما للمسجد من مكانة سامية وقوية في نفوس المسلمين.

التربية الصحية للمسجد: ــ

لقد اعتنى الإسلام بالمسلمين من جميع نواحي الشخصية الإسلامية الروحية والعقلية والجسدية، ولقد ظهرت عنايته هذه بتوجيهاته وأهدافه التربوية التي اتصفت بالشمولية والتكامل والتوازن. فمن الأمور التي اهتم بها الدين الإسلامي \”النظافة\” في الملبس والبدن والمكان، وفي ذلك ما فيه من الصحة الجسدية من الأمراض والأوبئة وفيه من الصحة النفسية ما يجلب للنفس الراحة والطمأنينة والهدوء.

وفي النظافة استئناس الآخرين وعدم نفورهم لأن النفس تنفر من الأقذار والأدران أشد من نفورها من أي شيء آخر مهما عظم. \”ولقد اعتبر الإسلام النظافة من الإيمان. روي قول الرسول لأمته: \”تنظفوا فإن الإسلام نظيف\”. وأثنى القرآن على أهل مسجد قباء والمسجد النبوي بحرصهم على التنظف\” لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه. فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين\”.(التوبة : آية 108).

والصلاة ليست عبادة روحية فحسب، إنها نظافة وتطهر، وتزين وتجمل، اشترط الله لها تطهر الثوب والبدن والمكان من كل خبث مستقذرأوجب التطهر بالغسل والوضوء. قال تعالى :\” يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد\” (الأعراف:آية31). والمقصود عند تهيؤكم للصلاة لا بد أن تتزينوا.

ومن السنة أن يغتسل المصلي ويتطيب ويلبس أحسن ما عنده ولا يمضي إلى المسجد في ثياب مهنته، خاصة إذا كانت مهنته تترك أثراً في الثياب. \”كما استحب للمصلي أن يتسوك عند كل صلاة: \” السواك مطهرة للفم مرضاة للرب\” ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : \”ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك حتى لقد خشيت أن يفرض علي وعلى أمتي\”.(رواه ابن ماجه).

في المسجد يتربي المسلم علي النظافة والطهارة الحسية والمعنوية ويحمله علي أخذ زينته عند الذهاب إلي المسجد .قال تعالي(يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {31} الأعراف. قال ابن عباس رضي الله عنهما كان رجال يطوفون بالبيت عراة فأمرهم الله بالزينة والزينة اللباس وهو ما يواري السوءة وما سوي ذلك من جيد البز والمتاع فأمرهم أن يأخذ زينتهم عند كل مسجد..

الصحة النفسية :ــ

وهناك جانب نفسي يعود على المسلم من التردد على المسجد وفي داخل المسجد وقيل هذا أثناء تأهب المصلي للذهاب إلى المسجد وفي الصلاة راحة نفسية عظيمة مما يختلج في النفس من الهموم.

\”ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة\”. والصلاة التي تذهب الهم والحزن ويجد فيها المصلي الراحة النفسية التي ينشدها من همومه وضيق صدره إنما هي الصلاة التي تتم بخشوع وتضرع إلى الله بعد اكتمال شروطها وواجباتها حتى يصل العبد إلى درجة الاتصال، بخالقه، قال تعالى: \”ألا بذكر الله تطمئن القلوب\”. (الرعد : آية 28).

 وذكر الله له أثر كبير في تربية النفس وتعديل السلوك، فالذي – يذكر الله ويتصور عظمته وجلاله يخشع قلبه ويحسب لملاقاته كل حساب فلا يصدر عنه من الأفعال إلا كل خير، ومن ذلك لا يتسرب إلى نفسه القلق والاكتئاب وما شابه ذلك من الأمراض النفسية.

التربية التثقيفية للمسجد:ــ

كان المسجد أعظم معاهد الثقافة لدراسة القرآن والحديث والفقه واللغة وغيرها من العلوم، وأصبح كثير من المساجد مراكز هامة للحركة العلمية، وانصرف بعض فقراء المسلمين لطلب العلم في المسجد النبوي الشريف حيث بنى الرسول الصفة \” وهي مكان مظلل في شمالي المسجد يأوي إليه فقراء المسلمين الذين حبسوا أنفسهم لطلب العلم\”.

 ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجلس في المسجد النبوي بالمدينة لتعليم المسلمين أمور دينهم وتبصيرهم عاقبة أمرهم حتى كان مجلسه تنافساً بين الصحابة رضوان الله عليهم، كلهم يبغي السبق إلى حضور هذا المجلس العلمي والظفر بالإنصات إلى الدروس النبوية.

\”فكان المسجد أول مدرسة جماعية منظمة عرفها العرب لتعليم الكبار والصغار ولتربية الرجال والنساء. ومن هنا نرى أن المسجد لم يكن للصلاة فقط بل كان إلى جانب أداء الصلاة مكاناً للتعليم و مدارسة القرآن الكريم وتفهم معانيه على يدي رسول الله عليه السلام وأصحابه الذين تعهدوا هذا العمل النبيل من بعده وحرصوا على استمرار رسالة المسجد العلمية ابتغاء وجه الله واتباعاً لسنة الرسول المعلم والمربي صلى الله عليه وسلم.

العنصر الثالث :ــ آداب المسجد :ـ

1ـ الدعاء عند الخروج إلى الصلاة:ــ

جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (رقدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ فتسوك وتوضأ، وهو يقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [آل عمران:190] ، فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة، ثم قام فصلى ركعتين، فأطال فيهن القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات، ستة ركعات، كل ذلك يستاك ويتوضأ، ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث، فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة، وهو يقول: اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، واجعل في سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، واجعل من خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، واجعل من فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهم أعطني نوراً) رواه مسلم . فهذا يدل على مشروعية هذا الدعاء، وقد كان عليه الصلاة والسلام كما نقله ابن عباس ، قاله عند الخروج إلى صلاة الفجر بعد قيام الليل، فينبغي فعله. 

وأيضاً من الأدعية: الدعاء للخروج من البيت؛ سواء للمسجد أو لغير المسجد، وهو: (اللهم إني أعوذ بك أن أَضِل أو أُضَل.. ). و\” أعوذ بالله العظيم ،وبوجهه الكريم ،وسلطانه القديم ،من الشيطان الرجيم \” أبو داود وانظر صحيح الجامع . وعند دخول المسجد عليه بالدعاء\” بسم الله ،والصلاة والسلام على رسول الله ،\” اللهم افتح لي أبواب رحمتك\” رواه مسلم وعند الخروج من المسجد (بسمِ الله وَالصّلاةُ وَالسّلامُ عَلى رَسولِ الله، اللّهُـمَّ إِنّـي أَسْأَلُكَ مِـنْ فَضْـلِك، اللّهُـمَّ اعصِمْنـي مِنَ الشَّيْـطانِ الرَّجـيم. رواه مسلم وابن ماجه .

2 ـ تقديم الرجل اليمنى عند الدخول:ــ

لما جاء عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى)، أخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم .

3 ـ تجنب الرائحة الكريهة :ــ

لقد نهي النبي صلي الله عليه وسلم عن أكل الثوم والبصل وما له رائحة كريهة، فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ((مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ و قَالَ مَرَّةً مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ)) [أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وأحمد].

4 ـ أن يمشي إليها بسكينة ووقار:ــ

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) رواه البخاري ومسلم وفي رواية: (إذا ثوب للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، ولكن أُتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا، فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة؛ فهو في صلاة)، وفي رواية: (ولكن يمشي وعليه السكنية والوقار) .

 فعلى المصلي أن يخرج بسكينة ووقار ويجتنب العبث، ولا يتكلم بالكلام القبيح، والكلام الباطل أو الكلام الذي لا فائدة فيه، فلا مكان في المسجد للغيبة والنميمة والكذب، وإذا كانت هذه الأشياء محرمة خارج المسجد؛ فهي في المسجد أشد تحريماً، وكل كلام لا فائدة فيه ينبغي أن ينزه المسجد عنه، وهذه السكينة والوقار مأمور بها عموماً، وكذلك منهي عن الإسراع عموماً، لا فرق بين أن يخاف فوات تكبيرة الإحرام، أو يخاف فوات الركعة، أو يخاف فوات الصلاة بالكلية.

5 ـ صلاة ركعتين قبل الجلوس :ــ

إذا دخل المسلم المسجد لا يجلس مباشرة دون أن يفعل شيئاً وإنما أمر بشيء يعظم به بيت الله تعالى، ويكرم موضع العبادة ألا وهو تحية المسجد؛ لأن الداخل يبتدئ بهما كما يبتدئ الداخل على القوم بالتحية، ولذلك سميت تحية المسجد: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) . 

وليس للمسلم أن يدخل المسجد ثم يخرج منه قبل أن يصلي فيه وأن يكون هادئا خفيض الصوت علي وضوء روي البخاري رحمه الله بسنده عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل نفر ثلاثة فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد قال فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها وأما الآخر فجلس خلفهم وأما الثالث فأدبر ذاهبا فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم عن النفر الثلاثة أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه .

6ـ يحرم رفع الصوت،ويحرم السؤال في المسجد ويكره إعطاء السائل فيه شيئا، وكراهة نشد الضالة ،وكراهة البيع والشراء :ــ 

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم من سمع رجلا ينشد ضالته في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا \”رواه مسلم. وعنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال :إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا له لا أربح الله تجارتك \”رواه مسلم.

وعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : بَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعٌ فِي الْمَسْجِدِ ،إِذَا رَجُلٌ يَحْصِبُنِي ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : اذْهَبْ إِلَى هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ ، فَائْتِنِي بِهِمَا ، فَذَهَبْتُ فَأَتَيْتُهُ بِهِمَا ، فَقَالَ لَهُمَا عُمَرُ : مِمَّنْ أَنْتُمَا أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا ؟ قَالا : مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ ، قَالَ \” لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ ، لأَوْجَعْتُكُمَا ضَرْبًا ، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ \” رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ

7ـ الحرص علي نظافة المسجد:

تربية النشء علي نظافة المسجد ومساعدة خادم المسجد في نظافته وربط الشباب بإدارة المسجد وذلك لما له من أجر عند الله عز وجل. ففي نظافة المسجد وكنسه والتقاط الخرق والعيدان والقذى منه .روى الإمام البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد فمات فسأل النبي صلي الله عليه وسلم عنه فقالوا مات قال (أفلاكنتم آذنتموني به دلوني علي قبره أو قال قبرها فأتي قبره فصلي عليه).

8 ــ عدم الإسراف في تزيين المساجد :ــ

والمسجد في الإسلام لا بد فيه من البساطة مع النظافة لأن زخرفة المساجد والإسراف في بنائها من علامات ‏الساعة، فقد روى الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: \” لا ‏تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد\”.‏ وقال البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة، باب بنيان المساجد: ( قال أنس: ‏يتباهون، ثم لا يعمرونها إلا قليلاً، فالتباهي بها: العناية بزخرفتها. 

قال ابن عباس: ‏لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى).‏ وقد جاء وعيد شديد على هذه الزخرفة، وهو فيما رواه الحكيم الترمذي عن أبي ‏الدرداء رضي الله عنه قال: \” إذا زوقتكم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار ‏عليكم\” قال الألباني في صحيح الجامع: إسناده حسن.‏

العنصر الخامس :ــ كيفية تفعيل رسالة المسجد :ــ

1 ـ عقد الدروس الشرعية والدورات العلمية: ـ

ومما يدل على أن المسجد كان مهد مثل هذه الدروس العلمية ، قصة أبي هريرة رضي الله عنه حين مر بسوق المدينة، فوقف عليها، فقال: \”يا أهل السوق! ما أعجزكم! قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: ذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم وأنتم ها هنا! ألا تذهبون فتأخذوا نصيبكم منه! قالوا: وأين هو؟

 قال: في المسجد. فخرجوا سراعاً، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم: ما لكم؟

 فقالوا: يا أبا هريرة! قد أتينا المسجد فدخلنا فيه فلم نرَ فيه شيئاً يُقْسَم، فقال لهم أبو هريرة: وما رأيتم في المسجد أحداً؟ 

قالوا: بلى! رأينا قوماً يصلون، وقوماً يقرؤون القرآن، وقوماً يتذاكرون الحلال والحرام. فقال لهم أبو هريرة: ويحكم! فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم\” رواه الطبراني في الأوسط، وحسنه الألباني

. 2ـ تربية النشء في المساجد:ــ

فإذا ارتبط الشاب منذ صغر سنه بالمسجد شب على ذلك وكبر عليه وصار المسجد بالنسبة له مأوي يأوي إليه وملاذا يطمئن فيه قلبه .

 وينشأ ناشئ الفتيان منا علي ماكن عوده أبوه .

3ـ تفعيل مكتبة المسجد .

 4 ـ العناية بمصليات النساء: ويشمله كل ما يشمل مصلى الرجال، مع مراعاة الفوارق الشرعية.

 5ـ العناية بإذاعة المسجد .

 6ـ نشرة دورية باسم المسجد .

الخاتمة :ــ

أيها المؤمنون :ــ

 أحب أن أؤكد أن المسجد جزء هام بل من أهم مكونات المجتمع المسلم ، ولا يستطيع هذا المجتمع أن يؤدي وظيفته في الحياة والأحياء إلا بالمساجد . وإذا أصبح المسجد علي نحو ما تصورنا أو علي نحو أمثل منه وأحسن فإن المتوقع بل الأكيد أن تكون حال المجتمع المسلم كله علي النحو الأحسن وعلي الصورة الأمثل . وإذا كانت الأمة الإسلامية تشكو الآن من انحراف الشباب فيها عن جادة الإسلام فإن عودة هؤلاء الشباب إلي الجادة وتربيتهم علي الإخلاق الإسلامية السوية لإنما يبدأ من المسجد. 

وإذا كان للأمة الإسلامية مشكلات تعترضها من أي نوع كانت هذه المشكلات فإن أسلوب التغلب علي هذه المشكلات إنما يبدأ من المسجد. ويكفي أن أذكر بأن أول عمل وأهم عمل قام به النبي صلي الله عليه وسلم في المدينة بعد أن انتقل إليها وأسس فيها أول دولة لإسلامية عرفتها البشرية هو أن بني المسجد ومنه كان الإنطلاق . 

فيجب أن نعلم جيدا أن الأمة لن تسعد ولن تفوز إلا إذا عادت إلي المسجد وأعادت إليه رسالته من جديد وأدى دوره في حياة الناس مرة أخري ( أطفالا،وشبابا، وشيوخا ،ونساء..) كما كان من قبل . فاللهم إنا نسألك أن تعيدنا إلي المسجد وتردنا إليه ردا جميلا…

اللهم آمين..


=================
رابط doc
رابط pdf

ليست هناك تعليقات: