وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له يؤيد أوليائه ويدافع عنهم فقال تعالي ( إن الله يدافع عن
الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور ) الحج .
وأشهد أن سيدنا
محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم أخذ بالأسباب واثقا في تأييد الله سبحانه
وتعالي له يتضح ذلك من قوله صلي الله عليه وسلم لصاحبة في الغار ( يا أبا بكر ما
ظنك باثنين الله ثالثهما لا تحزن إن الله معنا )
فاللهم صل علي
سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ..
من كان يظن أن يكون أولئك النفر الستة بداية
مرحلة جديدة من العز والتمكين، والبذرة الأولى لشجرة باسقة ظلت تؤتي أكلها كل حين بإذن
ربها؟
ومن كان يخطر بباله أن تشهد تلك الليلة من
ليالي الموسم ورسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر يطوفان بمنى حتى إذا سمعا
صوت رجال يتكلمون مالا إليهم فقالا وقالوا، وتحدثا وسمعوا، وبينا فأصغوا فانشرحت القلوب،
ولانت الأفئدة ونطقت الألسنة بالشهادتين، وإذا بأولئك النفر من شباب يثرب يطلقون الشرارة
الأولى من نار الإسلام العظيمة التي أحرقت الباطل فتركته هشيماً تذروه الرياح.
من
كان يظن أن تلك الليلة كانت تشهد كتابة السطور الأولى لملحمة المجد والعزة؟
يا سبحان الله …
إن نصر الله يأتي للمؤمن من حيث لا يحتسب ولا
يقدر، لقد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجتمعات القبائل وقصد الرؤساء وتوجه بالدعوة
إلى الوجهاء وسار إلى الطائف، فعل ذلك كله عشر سنوات وهو يرجو أن يجد عند أصحاب الجاه
والمنعة نصرة وتأييداً، كان يقول صلى الله عليه وسلم في كل موسم: ((من يؤويني؟ من ينصرني؟
حتى أبلغ رسالة ربي))، ومع كل هذا لم يجد من يؤويه ولا من ينصره، بل لقد كان الرجل
من أهل اليمن أو من مضر يخرج إلى مكة فيأتيه قومه فيقولون له: احذر غلام قريش لا يفتنك!
لم تأت النصرة والحماية والتمكين من تلك القبائل
العظيمة ذات المال والسلاح، وإنما جاءت من ستة نفر جاؤوا على ضعف وقلة.
"إنها التقادير يوم يأذن الله بالفرج
من عنده، ويأتي النصر من قلب المحنة، والنور من كبد الظلماء، والله تعالى هو المؤيد
والناصر، والبشر عاجزون أمام موعود الله".
ستة نفر من أهل يثرب كلهم من الخزرج دعاهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ولم يكن يتوقع منهم نصرة وإنما أراد دعوتهم
فآمنوا وأسلموا …
ثم تتابعت الأحداث على نسق عجيب، قال جابر
بن عبد الله رضي الله عنه ـ وكان أحد النفر الستة ـ: حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه
وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه،
حتى لم تبق من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام، ثم ائتمروا جميعاً
فقلنا: حتى متى نترك رسول الله يطوف ويطرد في جبال مكة ويخاف؟
فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه
الموسم، فواعدناه العقبة فاجتمعنا عندها من رجل ورجلين حتى توافينا، فقلنا: يا رسول
الله علام نبايعك؟ قال: ((على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر،
وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافون لومة لائم، وعلى
أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم وأزواجكم، ولكم
الجنة))، قال جابر: فقمنا إليه فبايعناه [مسند أحمد].
أرأيتم … يعرض الكبراء والزعماء ويستكبر الملأ
وتتألب القبائل وتتآمر الوفود وتسد الأبواب… ثم تكون بداية الخلاص بعد ذلك كله في ستة
نفر لا حول لهم ولا قوة.
فهل يدرك هذا المعنى المتعلقون بأذيال المادية
الصارخة والنافضون أيديهم من قدرة الله وعظمته؟
وهل يدرك هذا المعنى الغارقون في تشاؤمهم اليائسون
من فرج قريب لهذه الأمة المنكوبة المغلوبة على أمرها؟
إن الله ليضع نصره حيث شاء وبيد من شاء وعلينا
أن نعمل أن نحمل دعوتنا إلى العالمين ألا نحتقر أحداً ولا نستكبر على أحد، وعلينا أن
نواصل سيرنا مهما يظلم الليل وتشتد الأحزان، فمن يدري لعل الله يصنع لنا في حلكات ليلنا
الداجي خيوط فجر واعد؟
ومن يدري لعل آلامنا هذه مخاض العزة والتمكين؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق