25 ديسمبر 2018

وقفة حساب في نهاية العام







الحمد لله رب العالمين .. الحَمْدُ للهِ مُصَرِّفِ الأَحْوَالِ وَالأَوقَاتِ ، وَمُقَدِّرِ الأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ ، خَالِقِ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ ، وَجَاعِلِ النُّورِ وَالظُّلُمَاتِ، خلق الليل والنهار وجعلهما دائبين فقال تعالي (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) الإسراء 
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. حَثَّنَا عَلَى اغتِنَامِ الأَوقَاتِ ، وَالاعتِبَارِ بِالأَيَّامِ المَاضِيَاتِ ، وَنَهَانَا عَنِ الأَسَى عَلَى مَا فَاتَ ، أقسم بالزمن  في كتابه الكريم  فقال الله تعالى (والعصر إن الإنسان لفي خسر ), وقال تعالى (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ), كما قال الله تعالى ( والفجر وليال عشر ).
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم .. حرص علي الوقت واعتبر بالزمان.. فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به ؟ " رواه ابن حبان والترمذي.
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ..
أما بعـد ... فيا أيها المؤمنون  .....
في مطلع العام الجديد تبرُز الحاجةُ الفرديّة والجماعية إلى المراجعة والمحاسبة ليقوَّم كل منا الماضي ويُصلَح الحاضر ويُخطَّط للمستقبل، وَفقَ منهج سليمٍ يقود للمنافع الخيِّرة ويوصِل للمقاصد المنشودة.
فالموفَّق من يسعى لإصلاح حاله وإدراك ما تبقَّى من حياته؛ بحيث يكون غدُه خيرًا من يومه، ويومُه أفضلَ من أمسِه، وعامُه الجديدُ أفضلَ من عامه المنصرِم، (الكيِّس هو من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمني علي الله الأماني  ).
فالعاقل من راجع حساباته، وتزوَّد من الأعمالِ الصالحة وحقَّق توبةً نصوحًا إلى ربّه مما مضى منه من الذنوب وما حصل منه من الهفوات، فربّنا جلّ وعلا يذكِّرنا بقاعدة الإصلاح وأصلِ الخير بقوله جل وعلا: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ  وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7، 8].
ونبيُّنا  فيما يحكيه عن ربِّه في الحديث القدسي الطويل، ويُوجز  فيما يرويه عن ربّه قولَ ربّه جلّ وعلا في الحديث القدسي:(يا عبادي، إنما هي أعمالُكم أحصيها لكم، ثمّ أوفِّيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمدِ الله، ومن وجَد غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه) رواه مسلم. 
في استقبال العام الجديد ، لنا وقفة حساب وذلك من خلال هذه العناصر :ـ
1ـ وقفة اعتبار مع نهاية العام.
 وقفة مع يوم الحساب وأهواله.
 3ـ وقفة مع محاسبة النفس.
  نماذج من محاسبة السلف لأنفسهم.
======================
العنصر الأول : وقفة اعتبار مع نهاية العام :ــ
ها نحن نودع عاماً كاملاً من أعوام العمر، فما أسرع ما مضى وانقضى، وما أعظم ما حوى، فكم من حبيب فيه فارقنا، وكم من اختبار وبلاء فيه واجهنا،  وكم من سيئات فيه اجترحنا، وكم من عزيز أمسى فيه ذليلاً، وكم من غني أضحى فيه فقيراً، وكم من حوادث عظام مرت بنا ولكن أين المعتبرون المبصرون، وأين الناظرون إلى قول النبي :(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) [أخرجه البخاري].  
أيها المسلمون: إن الليالي والأيام خزائن للأعمال ومراحل للأعمار، تبلي الجديد وتقرب البعيد، أيام تمر وأعوام تتكرر، وأجيال تتعاقب على درب الآخرة، فهذا مقبل وهذا مدبر، وهذا صحيح، وهذا سقيم، والكل إلى الله يسير.
فانظر أيها الحبيب في صحائف أيامك التي خلت، ماذا ادخرت فيها لآخرتك، واخل بنفسك وخاطبها: ماذا تكلم هذا اللسان، وماذا رأت العين، وماذا سمعت هذه الأذن، وأين مشت هذه القدم، وماذا بطشت هذه اليد، وأنت مطلوب منك أن تأخذ بزمام نفسك وأن تحاسبها، يقول ميمون بن مهران: "لا يكون العبد تقياً حتى يكون مع نفسه أشد من الشريك مع شريكه".
فلنحاسب أنفسنا على الفرائض، ولنحاسب أنفسنا على المنهيات، ولنحاسب أنفسنا على الغفلات، فنحن نمتطي عربة الليالي والأيام تحث بنا السير إلى الآخرة. 
سمع أبو الدرداء رجلاً يسأل عن جنازة مرّت: فسُئل من هذا؟
فقال أبو الدرداء رضي الله عنه: هذا أنت.
ولما سئل أبو حازم: كيف القدوم على الله، قال: أما المطيع فكقدوم الغائب على أهله، وأما العاصي فكقدوم العبد الآبق على سيده.
اعلموا رحمني الله وإياكم أن الليل والنهار مطيتان يباعدانك من الدنيا ويقربانك من الآخرة، فطوبى لعبد انتفع بعمره. يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار تتجدد الأعوام فنقول: إن أمامنا عاماً جديداً نراه طويلاً لكن سرعان ما ينقضي. قال عبد الله بن عمر: أخذ رسول الله  بمنكبي فقال:(كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) [ أخرجه البخاري]، فلا يركن المؤمن إلى الدنيا ولا يطمئن إليها، فهو على جناح سفر يهيئ نفسه للرحيل.
أيها الأحبة:
إن مضي الليل والنهار يباعدان من الدنيا ويقربان من الآخرة، فطوبى لعبد انتفع بعمره فاستقبل عامه الجديد بمحاسبة نفسه على ما مضى وتاب إلى الله عز وجل، وعزم على ألا يضيع ساعات عمره إلا في خير، لأنه يذكر دائماً قول نبيه  صلي الله عليه وسلم : (خيركم من طال عمره وحسن عمله) ، وهو يلهج دائما بدعاء النبي : (اللهم اجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر) [أخرجه مسلم]. 
بكى يزيد الرقاشي عند موته فقيل له لم تبكِ، قال: أبكي على قيام الليل وصيام النهار ثم أجهش بالبكاء وهو يردد: من يصلي لك يا يزيد؟ من يصوم لك؟ من يتوب عنك من الذنوب؟
العنصر الثاني: وقفة مع يوم الحساب وأهواله :ــ
الناس يعيشون في الدنيا وينسون يوما لا بد منه هذا اليوم لو عشناه بقلوبنا لحلت كل مشاكلنا وما رأينا مظلوما علي وجه الأرض ،يوم أن يفصل الله عز وجل بين الخلائق ويعطي لكل ذي حق حقه ،هذا اليوم هو يوم الحساب .
قال تعالي (يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ،اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب )[غافر:16].
يوم الحساب يوم جليل خطبه، عظيم خطره، بل هو اليوم الذي ليس قبله مثله ولا بعده مثله، والكل ظاهر ومكشوف فلا زيف ولا خداع ولا كذب ولا رتوش.
وجاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه تعالى يطوي السماوات والأرض بيده، ثم يقول: أنا المالك، أنا الجبار، أنا المتكبر، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ لمن الملك اليوم، لمن الملك اليوم، لمن الملك اليوم، ثم يجيب نفسه لله الواحد القهار).
يوم عبوس قمطرير شره……. وتشيب منه مفارق الولدان
هذا بلا ذنبُ يخاف مصيره…… كيف المصرُ على الذنوبِ دهورُ
قال اللهُ عز وجل ( فكيفَ تتقونَ إن كفرتم يوماً يجعلُ الولدانَ شيبا) .
وذلك هو يوم الحساب ويوم الجزاء.
فما الحساب؟ وما هي صفته؟ وعلى ماذا يحاسب الله تعالى العباد؟
يوم الحساب: هو محكمة العدل الإلهية التي يقضي فيها رب العزة سبحانه بين خلقه وعباده وينبغي أن تعلم أن يوم القيامة: يوم يجمع الله فيه الأولين، والآخرين للحساب:(قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ) [الواقعة:50].(ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه )[آل عمران:9]. 
يوم تتكشف فيه الحقائق والأستار، فالكل مكشوف النفس والعمل والمصير: (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية)[الحاقة:18].
يوم يشيب من هوله الوليد، وتذهل الأم الحنون عن طفلها، وتسقط فيه الحامل حملها (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) [الحج:2].
وللحديث: (ذلك يوم يقول الله لآدم: أخرج بعث النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة) فأنشأ المسلمون يبكون .
وأما صفة الحساب: فلا بد لكل محكمة من حاكم يحكم ويقضي، وشهود يشهدون، ومتهم وأرض يقام عليها الحكم.
1- أما الحاكم: فهو الله جل جلاله، جبارالأرض والسماء، تباركت أسماؤه وعظمت صفاته الذي يعلم السر وأخفى، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، الخالق لكل شيء سبحانه وتعالى ويبدأ الأمر:
أ- بنفخ إسرافيل في الصور بأمر الله سبحانه فتصعق الخلائق كلها وتموت: (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض )[سورة الزمر:68].
 ب- إحداث تغير عام في الكون فتنشق السماء وتتناثر النجوم وتتصادم الكواكب وتتفتت الأرض:( إذا الشمس كورت ،وإذا النجوم انكدرت ،وإذا الجبال سيرت )[التكوير:1-3]. كورت أي ظلمت، انكدرت: أي تناثرت، وسيرت: أي حركت وصارت كالهباء.
ج- ينفخ إسرافيل في الصور بأمر الله سبحانه فتقوم الخلائق للحشر: (ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون )[الزمر:68].
د- نزول عرش الرحمن جل جلاله: (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ،والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية )[الحاقة:16-17]، أي يوم القيامة يحمل العرش ثمانية من الملائكة، وللحديث: (أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام). 
هـ- ثم يشرق على الأرض نور الحق جل جلاله: (وأشرقت الأرض بنور ربها )[الزمر:69]. أي أضاءت يوم القيامة إذا تجلى الحق جل وعلا للخلائق لفصل القضاء.  
و- ثم مجي الحق سبحانه مجيئا يليق بجلاله وكماله وعظمته سبحانه الكبير المتعال: (كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ،وجاء ربك والملك صفا صفا )[الفجر:21-22].
وأما صفة حكمه جل جلاله سبحانه:
- العدل المطلق: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ،ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) [الزلزلة: 807].
أ- فلا ظلم: (ولا يظلم ربك أحدا )[الكهف:49].
ب- ولا أنساب:( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون )[المؤمنون:101]. أي لا تنفع الإنسان يومئذ قرابة ولا يرثي والد لولده يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم نادى مناد: ألا من كان له مظلمة فليجئ ليأخذ حقه، قال: فيفرح المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته وإن كان صغيرا).
ج- ولا رشوة لتغير صورة الحكم، فالحاكم هو الغني المتعال والكل مفتقر إليه سبحانه: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد )[فاطر:15].
د- ولا تهديد ولا ضغوط: فالحاكم هو القوي سبحانه: (إن القوة لله جميعا )[البقرة:165]،( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا )[مريم :93]. فالكل ضعيف وعبد.
2- الشهود:ــ 
وأما الشهود فهم كثير فلا مكان للإنكار والكذب والمراوغة .
أ- وأعظمهم شهادة هو الله سبحانه الله جل جلاله (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا )[المجادلة:7].
ب- الرسل عليهم الصلاة والسلام ويشهد للرسل سيدنا وحبيبنا رسول الله صلي الله عليه وسلم للحديث: (يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ 
فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من أحد. فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، ثم أشهد لكم). ج- الملائكة: (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )[ق:17].
يقول الحسن البصري رحمه الله: (يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا وقد عدل والله من جعلك حسيب نفسك).
د- الجوارح: (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء )[فصلت:21]. 
وعن أنس رضي الله عنه قال: (كنا عند النبي صلي الله عليه وسلم فضحك فقال: هل تدرون مم أضحك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم  قال: من مخاطبة العبد ربه  فيقول: يا رب ألم تجرني (تحفظني) من الظلم؟ يقول: بلى، فيقول: إني لا أجيز اليوم على نفسي شاهدا إلا مني، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، والكرام الكاتبين شهودا، قال: فيختم على فيه ويقول لأركانه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول: بعداً لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضل) .
هـ- الأرض: (يومئذ تحدث أخبارها )[الزلزلة:4]. 
قرأ رسول الله صلي الله عليه وسلم هذه الآية: (يومئذ تحدث أخبارها ) قال: (أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمةٍ بما عمل على ظهرها أن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا فهذه أخبارها).
و- التسجيل الكامل كما ذكر بعض العلماء: لقوله تعالى: (يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ،فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ،ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) [الزلزلة:7-8].
وتعرض الأعمال عرضا حيا ناطقا، فسيرى المرء عمله وهو يباشره ويا للفضيحة). اللهم إنا نسألك ستر الدارين، اللهم إنا نعوذ بك من خزي الدنيا والآخرة، يا رب العالمين.
3- المتهم:ــ 
هو الإنسان الذي خلقه الله بيده، وأسجد له الملائكة، وكرّمه على كثير ممن خلق، سخر الكون له، وأرسل له الرسل، وأنزل له الكتب، وجعل له واعظا من عند نفسه بالفطرة التي فطر الله الناس عليها على معرفته سبحانه وحذره من الشيطان وطاعته ثم يستقبل الإنسان ذلك كله بالسخرية: (يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ) [يس:30]. 
ويجعل من الشيطان ربا يعبده من دون الله: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ،وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا (أي خلفا) كثيرا أفلم تكونوا تعقلون ) [يس :60-62].
ويمر بآيات الله الدالة عليه سبحانه معرضا: (وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون )  [يوسف:105].
يمن الله عليه بالنعم فيزداد طغيانا: (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى )[الأعلى:6-7].
الإنسان الذي إذا أحاطت به الخطوب تذكر ربه وإذا كان في نعمة غفل وكفر (وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون )[النحل:53–54].
4- وأما أرض المحكمة: 
(يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ) [إبراهيم:48].
وللحديث(يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد) .
وللحديث: (أرض بيضاء لم يسفك عليها دم، ولم يعمل عليها خطيئة).
فهي أرض أخرى غير أرضنا لم تطأها قدم من قبل، ولم تعمل عليها خطيئة، ولم يسفك عليها دم، أرض طاهرة من ذنوب بني آدم وظلمهم، طهر يتناسب وطهر القضاء.
وأما على ماذا يحاسب الله تعالى العباد: 
فاعلم أن الحساب سوف يكون مشافهة: فكل عبد يعرض على ربه، ويتولى سبحانه حسابه بنفسه للحديث:(ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله يوم القيامة، ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم، ثم ينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمره).
والحساب إما أن يكون يسيرا: وذلك بأن يعرض على العبد عمله بحيث لا يطلع عليها أحد ثم يعفو عنه ويأمر به إلى الجنة للحديث: (يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه (أي يستره ولا يفضحه) فيقول: أعملت كذا وكذا؟ 
فيقول: نعم، ويقول: أعملت كذا وكذا فيقول: نعم، فيقرره ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم، ثم يعطى صحيفة حسناته). 
وأما أن يكون الحساب عسيرا وذلك لمن كثرت معاصيه فذلك الذي يناقش الحساب ويسأل عن كل صغيرة وكبيرة للحديث: (ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك، فقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله أليس قد قال الله : (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا  يسيرا)؟
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب). والمراد بالمناقشة الاستقصاء في المحاسبة والمطالبة بالجليل والحقير وترك المسامحة. 
والحساب يتناول كل شيء:ــ
1ـ العمر والمال والجسم والعلم لقول النبي صلي الله عليه وسلم : (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه).
2ــ عن النعم وشكرها: (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم )[التكاثر:8]. 
قال مجاهد: عن كل لذة من لذات الدنيا). ولقوله صلي الله عليه وسلم: (إن أول ما يسأل عنه العبد من النعيم أن يقال: له ألم نصح لك بدنك، ونروك من الماء البارد).
3- عن الحواس واستعمالها: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) [الإسراء:36].
قال ابن عباس: يسأل الله العباد فيما استعملوها وهو أعلم بذلك منهم .
4- عن الفرائض من صلاة وزكاة: لقوله صلي الله عليه وسلم:(إن أول ما افترض الله على الناس من دينهم الصلاة وآخر ما يبقى الصلاة، وأول ما يحاسب به الصلاة ويقول الله: انظروا في صلاة عبدي، قال: فإن كانت تامة كتب تامة، وإن كانت ناقصة يقول: انظروا هل لعبدي من تطوع؟
فإن وجد له تطوع تمت الفريضة من التطوع، ثم قال: انظروا: هل زكاته تامة؟ فإن كانت تامة كتبت تامة، وإن كانت ناقصة قال: انظروا هل له صدقة فإن كانت له صدقة تمت له زكاته). 
5- عن الدماء والقتل: لقول النبي صلي الله عليه وسلم: (أول ما يقضى بين بالناس يوم القيامة في الدماء) وللحديث: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت مشركا أو يقتل مؤمنا متعمدا). 
6- السؤال عن المسؤولية والأمانة: (وقفوهم إنهم مسؤولون )[الصافات:24].
لقوله صلي الله عليه وسلم:(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والأمير راع على أهل بيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده).
7- عن الكلمة:لقوله صلي الله عليه وسلم: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب) ،ولقول النبي صلي الله عليه وسلم: (وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم).
و ما من كاتب إلا ستبقى                 كتابتـه وإن فنيـت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء                 يسرك في القيامة أن تراه
8- عن الحقوق والمظالم للحديث: (يقول الله تعالى: أنا الديان، أنا الملك لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه حتى اللطمة).    
إن النجاةَ والمخرجَ في محاسبة النفس والوقوف معها وقفة جادة .....
العنصر الثالث : وقفة مع محاسبة النفس :ــ
المسلم الصالح تكون له وقفات دائمة مع نفسه ليحاسبها ويصحح مسيرته ويتدارك خطأه، لاسيما عند انقضاء مرحلة من مراحل عمره.
إن النفس سريعة التقلب، ميالة في كثير من الأحيان إلى الشر، كما قال الله تعالى عنها:  إِنَّ ٱلنَّفْسَ لامَّارَةٌ بِٱلسُّوء إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى [يوسف:53].
ومـن هنــا كـان لزاماً على كل عبدٍ يرجو لقاء ربّه أن يطيل محاسبته لنفسه، وأن يجلس معها جلسات طـِــوالاً؛ فينظر في كل صفحة من عمره مضت: ماذا أودع فيها.
قال أبو حامد الغزالي: "اعلم أن العبد كما ينبغي أن يكون له وقت في أوّل النهار يشارط فيه نفسه على سبيل التوصية بالحق، فينبغي أن يكون له في آخر النهار ساعة يطالب فيها النفس ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها، كما يفعل التجار في الدنيا مع الشركاء في آخر كلّ سنة أو شهر أو يوم، حرصاً منهم على الدنيا، وخوفاً من أن يفوتهم منها ما لو فاتهم لكانت الخيـرة لهم في فواته... فكيف لا يحاسب العاقل نفسه فيما يتعلق به خطر الشقاوة والسعادة أبد الآباد؟!
ما هذه المساهلة إلا عن الغفلة والخذلان وقلة التوفيق نعوذ بالله من ذلك"[ الإحياء].
 أولاً: معنى المحاسبة:ـ
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله ـ: "المحاسبة أن يميز العبد بين ماله وما عليه فيستصحب ما له ، ويؤدي ما عليه؛ لأنه مسافرٌ سَفَرَ من لا يعود"  [ مدارج السالكين]. 
يقول الله تبارك وتعالى (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].
قال الحسن البصري في تفسير قول الله عز وجل: وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ [القيامة:2]. "لا يُلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه: ماذا أردتُ بكلمتي؟ ماذا أردتُ بأكلتي؟ ماذا أردت بشربتي؟ والفاجر يمضي قُدُماً لا يعاتب نفسه"[ تفسير البغوي، والزهد للإمام أحمد].
ويقول الله عزّ وجلّ في وصف المؤمنين الذين يحاسبون أنفسهم عند الذلّة والتقصير ويرجعون عمّا كانوا عليه ( إنَّ الَذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) [الأعراف:201].
قال الفاروق عمر رضي الله عنه (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتزيّنوا للعرض الأكبر  يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيةٌ [الحاقة:18]).
ويصف الحسن البصري المؤمن بقوله: "المؤمن قوّام على نفسه يحاسبها لله، وإنّما خفّ الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنّما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة".
ويقول ميمون بن مهران: "إنه لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة شريكه".
ثانياً: أهمية محاسبة النفس:ــ
1- في المحاسبة نجاة للأمة :ـ
إن غياب المحاسبة نذير غرق الأمة في لجج من بحار الفساد والتيه المنتهية بنار وقودها الناس والحجارة،  وأن الفساد في الدنيا إنما يكون ظاهراً جلياً حينما لا يتوقع المجتمع أو الفرد حساباً، لا يتوقع حساباً من رب قاهر أو من ولي حاكم أو من مجتمع محكوم أو من نفس لوامة، وحينما لا يتوقع المجتمع و الفرد حساباً على تصرفاتهم فإنهم ينطلقون في حركاتهم كما يحبون ويموجون كما يشتهون وكما تهوى أنفسهم فيتقلبون على الحياة ودروبها بلا زمام ولا خطام فيتشبهون بأهل النار من حيث يشعرون أو لا يشعرون  إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً  وَكَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا كِذَّاباً [النبأ:27-28].
2ـ الاطلاع على عيوب النفس :ــ
من اطلع على عيوب نفسه، أنزل نفسه المنزلة الحقيقة لا سيما إن جنحت إلى الكبر والتغطـرس.وما من شك أنّ معرفـة العبد قدر نفسه يورثه تذلّلاً لله وعبودية عظيمة لله عز وجل، فلا يمنّ بعمله مهمـا عظم، ولا يحتقر ذنبه مهما صغر. 
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (لا يفقه الرجل كلّ الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشدَّ  مقتاً)[ الزهد للإمام أحمد].
3- التعرف علي حق الله تعالي وعظيم فضله :ـ
أن يتعرّف على حق الله تعالى عليه وعظيم فضله ومنّه؛ وذلك عندما يقارن نعمة الله عليه وتفريطه في جنب الله، فيكـون ذلك رادعاً له عـن فعل كل مشين وقبيح؛ وعنـد ذلك يعلـم أن النجـاة لا تحصل إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته، ويتيقّن أنه من حقّه ـ سبحانه ـ أن يطاع فلا يعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر. 
4- تزكية النفس وتطهيرها :ــ 
من فوائد المحاسبة أنها تزكي النفس وتطهرها وتلزمها أمْر الله تعالى، 
قال تعالى:  قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا  وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا [الشمس:9-10].
وقال مالك بن دينار: "رحم الله عبداً قال لنفسه: ألستِ صاحبة كذا؟ ألستِ صاحبة كذا؟ ثم ذمّها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله ـ عز وجل ـ فكان لها قائداً"[إغاثة اللهفان لابن القيم].
5- تربية الضمير الحي :ــ
المحاسبة تربّي عند الإنسان الضمير الحي داخل النفس، وتنمّي في الذات الشعور بالمسؤولية ووزن الأعمال والتصرّفات بميزان دقيق هـو ميزان الـشرع)[ التربية الذاتية].
6- ترك المحاسبة يؤدي إلي الهلاك :ـ
استمعوا إلى ابـن الـقـيـم رحمـه الله وهو يحذر من إهمال محاسبة النفس فيقول: "أضرّ ما على
المكلّف الإهمال وترك المحاسبة، والاسـتـرسال، وتسهيل الأمور وتمشيتُها؛ فإن هذا يؤول به إلى الهلاك، وهذا حال أهل الغرور: يغمض عينيه عن العواقب، ويمشّي الحال، ويتكل على العفو، فيهمل محاسبة نفسه والنظر في العاقبة، وإذا فعل ذلك سهل عليه مواقعة الذنوب وأنسَ بها وعسر عليه فطامها"[ إغاثة اللهفان].
والنفس كالطفل إن تهمله شب على       حب الرضـاع وإن تفطمه ينفطـم
فاحـذر هواها وحـاذر أن توليـه         إن إلهـوى ما تولى يعم أو يصـم
وراعها وهي في الأعمـال سائمة          وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
كـم حسـنت لـذة للمـرء قاتلـة         من حيث لم يدر  أن السم في الدسم
وخالف النفس والشيطان واعصهما         وإن هما محضـاك النصـح فاتهم
فيا أيها المؤمنون .. إذا كان أرباب الأعمال وأرباب الدنيا يجعلون المحاسبة والتدقيق والمراجعة من أهم مراحل العملية الإدارية، فبدون هذه المراحل تكون المنشأة عرضة لفشل محقق، فما بالكم بهذا الإنسان المسكين الضعيف الذي يقطع مراحل حياته ليلقى ربه، فإما فوز ونجاة، وإما خسارة وعذاب.
عباد الله: يا من تعيشون في هذه الديار التي علا فيها صوت الشيطان، وأجلب على أهلها بخيله ورجله، نحن في حاجة أكبر لمحاسبة النفس، فالمعاصي تغزونا حتى في دورنا وبين أهلينا، والغفلة رانت على قلوبنا، وطاعة الله بعيدة عنا .
العنصر الرابع : نماذج من محاسبة السلف لأنفسهم:ــ 
لقد ضرب سلفنا الصالح أروع الأمثلة في محاسبة النفس، مما لو حاولنا أن نستقصيه لطال بنا المقام، ولعجزنا عن ذلك، لأن أولئك القوم ارتبطت قلوبهم بالله؛ فكانوا أجساداً في الأرض وقلوباً في السماء، وما إن يحصل من أحدهم تقصير أو زلّة إلا ويسارع في معالجة خطئه، ومعاقبة نفسه على ذلك؛ حتى لا تكاد تأمره نفسه إلا بخير.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه  قال: سمعتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ يوماً وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعتُه يقول ـ وبيني وبينه جدار(عمر!! أمير المؤمنين!! بخٍ بخٍ، واللهِ بُنَيّ الخطاب لتتقينّ الله أو ليعذبنّك)[الزهد للإمام أحمد].
وجاء رجل يشكو إلى عمر وهو مشغول فقال له: أَتَتْركون الخليفة حين يكون فارغاً حتى إذا شُغِل بأمر المسلمين أتيتموه؟ وضربه بالدرّة، فانصرف الرجل حزيناً، فتذكّر عمر أنه ظلمه، فدعا به وأعطاه الدرّة، وقال له: (اضربني كما ضربتُك) فأبى الرجل وقال: تركت حقي لله ولك. 
فقال عمر: (إما أن تتركه لله فقط، وإما أن تأخذ حقّك) فقال الرجل: تركته لله. فانصرف عمر إلى منزله فصلّى ركعتين ثم جلس يقول لنفسه: (يا بن الخطاب: كنتَ وضيعاً فرفعك الله، وضالاً فهداك الله، وضعيفاً فأعزّك الله، وجعلك خليفةً فأتى رجلٌ يستعين بك على دفع الظلم فظلمتَه؟!! ما تقول لربّك غداً إذا أتيتَه؟ وظلّ يحاسب نفسَه حتى أشفق الناس عليه)[ مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لابن الجوزي].
وقال إبراهيم التيمي: "مثّلتُ نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها، ثم مثّلتُ نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: يا نفس أيّ شيء تريدين؟ 
فقالت: أريد أن أُردّ إلى الدنيا فأعمل صالحاً! قلتُ: فأنتِ في الأمنية فاعملي"[ الزهد للإمام أحمد].
وحكى صاحب للأحنف بن قيس قال: كنتُ أصحبُه فكان عامةُ صلاته بالليل، وكان يجيء إلى المصباح فيضع إصبعه فيه حتى يحسّ بالنّار ثم يقول لنفسه: (يا حنيف! ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملك على ما صنعتَ يومَ كذا؟) [الزهد للإمام أحمد، ، وذم الهوى].
ونُقِل عن توبة بن الصّمة: (أنه جلس يوماً ليحاسب نفسَه فعدّ عمره فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيّامها فإذا هي واحدٌ وعشرون ألفاً وخمسمائة يوم؛ فصرخ وقال: يا ويلتى! ألقى الملك بواحدٍ وعشرين ألف ذنب! فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب؟!!)[وتمام القصة ثم خرّ فإذا هو ميّت!! فسمعوا قائلاً يقول: يا لكِ ركضةٌ إلى الفردوس الأعلى. الإحياء والقصة مذكورة في صفة الصفوة لابن الجوزي ].
فعلينا أن ننظر إلى تقصيرنا، وأن نعزم عزماً أكيداً على ما نستقبله من أيام حياتنا أن نحسن ما أسأنا فيه، وأن نأخذ بالعزيمة الصادقة مع الله تعالى على أن يكون عامنا الجديد خيراً من العام الماضي، وأن نتمسك بشريعة ربنا، وهدي رسولنا صلى الله عليه وسلم.
===================
رابط pdf


رابط word

ليست هناك تعليقات: