وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير ..أرشدنا إلي الطريق الصحيح فأمرنا بالاقتداء بالأنبياء ،فقال تعالي }أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ(90){ [الأنعام].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ).. كان خلقه القرآن الكريم ، بل كان قرآنا يمشي علي الأرض ، لما سئلت أمنا عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي (ﷺ) : قالت :}كان خلقه القرآن{ ]صحيح مسلم[.
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما ...
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون ..
لقد اعتلى النبي (ﷺ) أعلى مراتب الأخلاق والعلم؛ لأنه تربية رب العالمين ليكون السراج المنير والمثل الأعلى والقدوة العظمى للإنسانية جمعاء، أدبه ربه فأحسن تأديبه، فكان قرآنًا نابضًا حيًا متحركًا علي يمشي بين الناس.
لذلك أمرنا الله تعالي بالإقتداء به في جميع حياته فقال تعالي {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا(21)} ]الأحزاب[
ومن أبرز الأشياء التي نحتاجها اليوم من جوانب القدوة في حياته وهو في بيته (ﷺ) نظراً لاختلاف الأهواء وتشتت الأفكار مما أدي إلي انتشار ظاهرة الطلاق التي أودت بالمجتمع ..
لذلك كان موضوعنا }النبي (ﷺ) قدوة في بيته{ وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية...
1ـ حاجة الناس إلي القدوة.
2ـ شمولية القدوة في حياة النبي (ﷺ).
3ـ القانون النبوي للتعامل مع البيت .
4ـ الخاتمة .
العنصر الأول :حاجة الناس إلي القدوة:
تشتدُّ الحاجة إلى القدوة الحسنة كلَّما بَعُد الناس عن الالتزام بقِيَم الإسلام وأخلاقه وأحكامه ،وذلك للأسباب التالية ..
1ـ القدوة من أهميتها تنتج أفراد يتسمون بالسلوكيات والصفات الجيّدة مثل المثابرة على العمل والنجاح بعيداً عن الصفات السلبية وغير الجيدة.
2ـ تؤدي إلي بناء مجتمع متماسك وقوي يستطيع مواجهة التهديدات الخارجية.
إن المثال الحي المرتقي في درجات الكمال السلوكي، يُثير في الأنفس الاستحسان والإعجاب.
فحاجة الناس إلى الفعل أكثر من القول؛ لأن مستويات فهم الكلام عند الناس تتفاوت، ولكن الجميع يتساوى أمام الرؤية بالعين المجردة لمثال حي، ولهذا لما اتَّخَذَ النَّبِيُّ (ﷺ) خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ اتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ النَّبِيُّ (ﷺ) }إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَنَبَذَهُ وَقَالَ: إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا" فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ{. ]رواه البخاري ومسلم[
إِنَّ المثال الحي الذي يتحلَّى بجُملة من الفضائل السلوكيَّة، يُعطي غيرَه قناعة بأن بلوغَها من الأمور التي هي في متناول القدرات الإنسانية، وشاهد الحال أقوى من شاهد المقال، وحال رجل في ألف رجل أبلع من قول ألف رجل لرجل.
3ـ القُدوة الحسنة هي المحرِّك والدافع للإنسان للارتقاء بالذات، فمَن جعَل له قدوة عظيمة في صفاته، فلا بدَّ أن يتأسى به في كلِّ صفاته، فالقدوة المؤثرة مثال حي للارتقاء في درجات الكمال، فهو دائمًا يطلب الكمال ويطلب المعالي، فهو بذلك مثارٌ للإعجاب والتقليد من الناس؛ لأن التأثُّر بالأفعال والسلوك أبلغُ وأكثر من التأثر بالكلام والأقوال.
إن أخطر ما نعانيه هو أزمة القدوات، وقل لي: من قدوتك أقل لك من أنت!!
إن غياب القدوة الصالحة من المجتمع عامل رئيسي في انتشار المنكرات واستفحالها وإفشاء الجهل بين الناس، ومن هنا تكمن أهمية القدوة الصالحة، فكلما ازدادت القدوات انتشر العلم واختفت المنكرات، لذلك فنحن نحتاج إلى قدوات يدعون الناس بأفعالهم لا بأقوالهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ(3)} ]الصَّف[.
العنصر الثاني : شمولية القدوة في حياة النبي (ﷺ):
كان النبي (ﷺ)أحسن الناس خُلقاً وأكرمهم وأتقاهم ، عن أنس رضي الله عنه قال }كان النبي (ﷺ) أحسن الناس خلقًا { ]رواه الشيخان وأبو داود والترمذي[.
وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت }ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله (ﷺ){ ]رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن[.
قال الله تعالى مادحاً وواصفاً خُلق نبيه الكريم (ﷺ) }وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4){ [القلم]
وعن عطاء رضي الله عنه قال: قلت لعبد الله بن عمرو أخبرني عن صفة رسول الله (ﷺ) في التوراة، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وحرزًا للأميين،
أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا { ]رواه البخاري[
إن العقل الإنساني يحار وهو يدرس جوانب شخصية أعظم الخلق محمد (ﷺ) ، والأمور التي تحيّر الدارس لشخصيته كثيرة، لكن من أبرز الأمور المحيرة لنا ولغيرنا من غير المسلمين هو: ذلك الشمول والتنوع والتوازن في شخصية النبي محمد (ﷺ)، حيث إن جوانب شخصية الرسول (ﷺ) متعددة تعددًا يجعله منفردًا، ليس عن البشر فحسب بل حتى عن الرسل، فشخصية الرسول تمثلت فيها كل جوانب الحياة، وما كل رسول كان له مثل هذا، فالرسول عليه الصلاة والسلام
كان أبًا، وما كل رسول كان أبًا، وكان زوجًا، وما كل رسول تزوج، وكان رئيس دولة ومؤسسها، وما كل رسول أقام دولة، وكان القائد الأعلى لجيش الإسلام والمحارب الفذ، وما كل رسول حارب، وبُعِث للإنسانية عامة فشرع لها بأمر الله ما يلزمها في كل جوانب حياتها العقدية والعبادية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية، ولم يبعث رسول قط إلى الإنسانية عامة غيره، وكان المستشار والقاضي والمربي والمعلم والمهذب والعابد والزاهد والصابر والرحيم... إلى آخر صفاته عليه الصلاة والسلام التي استوعبت كل جوانب الحياة.
العنصر الثالث : القانون النبوي للتعامل مع البيت:
هيا بنا نستأذن رسول الله (ﷺ) ونذهب إلي بيته ونري كيف كان يتعامل مع أهله حتي يكون نبراسا يضيئ لنا الطريق لكي تسقيم البيوت وتسعد وتبني علي الإيمان والتقوي ، فما أشد حاجة الناس إلي الاقتداء برسول الله (ﷺ) خاصة في هذا التعامل مع البيت ..
لقد اقتضتْ حكمة الباري تبارك وتعالى، ولا رادَّ لحُكمه أن يجعل قصة الحياة والأحياء على ظهر هذا الكوكب من ذكر وأنثى، وجعل سبحانه لكلٍّ منهما ميلًا فطريًّا للآخر، فإليه يسكن، وبه يأنس؛ قال تعالى }وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21){[الروم].
ولضمان حصول المودَّة والرحمة، وتحقق وجود السكينة؛ جعل الله لهذه العلاقة قانونًا يحكمها بين الزوجين، واغفال هذا القانون وهذه القواعد النبوية في الحياة الأسرية ، يؤدي إلي كثيرٍ من المشكلات ، من سوء العِشرة، وعدم التفاهم بين الزوجين، وفي الغالب تنتهي الحياة بالطلاق؛ ممَّا يتسبَّب في: ضياع الحقوق، وتشرُّد الأسرة، وتفكُّك رباط العلاقات الاجتماعيَّة.
لهذا أردت أن أقف علي قانون البيت المسلم كما وضعه النبي (ﷺ) حتي نأخذ بأسباب الحياة السعيدة المستقرة القائمة علي التعاون علي البر والتقوي من هذا القانون ،منها .....
1ـ إصلاح العلاقة مع الله عز وجل :
إذا أصلحت علاقتك مع الله، أصلح الله لك كل شيء، حتى إن بعض العارفين يقول: إني أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي، إذا كانت علاقته بالله قوية يلهم الله الزوجة أن تنصاع له، وتعتني به، وتحبه وتكون في خدمته. قال تعالي }فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)] {الأنفال[.
أنت حينما تطبق منهج الله عز وجل تكون كبيراً في نظر زوجتك، وذا هيبة كبيرة، وعندئذ تنصاع لك، وتتودد إليك، وتتقرب منك، ومما ورد في الأثر القدسي
" ابن آدم، اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، ابن آدم، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد" .
واعلم أخي المسلم إذا بُنِي الزواج على طاعة الله تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين، أما إذا بُنِي على معصية الله يتولى الشيطان التفريق بينهما، إذا أطاع المؤمن ربه ألهمه الحكمة، فعاش مع زوجته حياة سعيدة، وإذا عصى الرجل ربه ألهم الحمق، فكم من إنسان يحفر قبره بيده، ويهدم سعادته بيده، إنه حينما ينقطع عن الله عز وجل فيحرم من الحكمة.
2ـ وقاية الأهل من النار وغضب الله تعالي:
يجب علي الزوج تعليم الزوجة ما ينفعها في أمور دينها ودنياها .
قال تعالى } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(6){ [التحريم].
ويكون ذلك بالنصح والتأديب، وروي أن عمر رضي الله عنه قال حين نزلت: يا رسول الله، نَقِي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟ فقال عليه الصلاة والسلام }تَنْهَوهن عما نهاكم الله عنه، وتأمروهن بما أمركم الله به، فيكون ذلك وقاية بينهن وبين النار{.
وعليه أن يحثها علي الطاعة فقال تعالي }وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ (132){ }طه[ .
دخل رجُل على زوجته بعد صلاة العشاء ووجد الأولاد قد ناموا.
فسألها: هل صلى الأولاد أم لا؟
قالت: لم يكن عندي طعام، وعلَّلتُهُم حتى ناموا ولم يُصلُّوا.
فقال: أيقظيهم لكي يُصلوا.
قالت: يا أبا جاد الحق، إذا أيقظُتُهم سيبكون من الجوع ولا يوجد طعام.
قال: يا امرأة، إنَّ الله أمرني بأن آمرهم بالصلاة، ورزقُهُم ليس علي.
أيقظيهم فرزقُهم على الله.
الله يقول: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصطبرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ}.
استسلمت الأم وأيقظتهم، ولما فرغوا من الصلاة إذا بالباب يُقرَع، وإذا بأحد الأغنياء يحمِل مائدة عليها ما لذ من أصناف الطعام.
قال: خذ هذا لأهل بيتك.
قال: ما شأنك؟
قال: جاءني أحد أشراف البلد وقدَّمت له هذا الطعام، وقبل أن يأكل تخاصمنا وحلف ألا يأكل شيئاً وخرج.
فحملتُ الطعام وقُلت سأُعطيه لمن تقف عنده قدماي، ووالله ما وقفت إلَّا عند بابك، ووالله لا أدري ما الذي أتى بي أليكُم.
عندها رفَع الأب كفيه لربِّ العالمين وقال: }رَبِّ ٱجۡعَلۡنِي مُقِيمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّيَّتِيۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلۡ دُعَآءِ (40){ ] إبراهيم[.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ) }رَحِم الله رجلًا قام من الليل فصلَّى، وأيقظ امرأته فصلَّت.....{
وكان نساؤه يحتملن منه شدة الحال وخشونة العيش ، وكان يسره ذلك منهن ،فلما فكرن يوماً أن يطلبن منه التوسعة والزينة والمطعم ، شق ذلك عليه وهجرهن شهراً لا يكلمهن ، ثم نزل قوله تعالى } يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْن الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) { الأحزاب .
فلما نزلت هاتان الآيتان خيّر نساءه وبدأ بعائشة وقال لها " ما أحب أن تختاري حتى تستأمري أبويك " ثم تلا عليها الآيات وفيها التخيير بين أن تبقى عنده على شظف العيش وخشونة الحياة ، وبين أن يفارقها ويمتعها متاعا جميلا ، فكان جوابها على الفور : أفيك أستأمر أبوي ؟
بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة ! وكذلك فعل بكل واحدة من نسائه على انفراد فكان جوابها كجواب عائشة ، وهي لا تعلم بما أجابت به غيرها .
3ـ حسن الظن بالآخرين :
يجب على الإنسان بشكل عامٍّ أن يحسن الظن بالآخرين، وهذا من واجبات الدين، وأن يبتعد عن سوء الظن؛ لما يُؤَدِّي إلى فساد وظلم للآخرين، وينشر الضغينة بينهم، لهذا حرص الإسلام على غرس هذا الخلق في المجتمع.
وإذا كان هذا فيما بين الناس، فمن باب أولى ألا يُسيء الإنسان بشريكة حياته، والتي يسكن هو وهي تحت سقف واحد، من أجل أن تستمر الحياة الزوجية على أكمل وجه، وإن الحياة الزوجية إن قامت على الشك والريبة فيما بين الزوجين، فإن هذا لا يؤدي إلى حياة مستقرة وهنيئة، وهذا تطبيقًا لقوله تعالى}لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا (12{ [النور].
وقال تعالى}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا (12){ [الحجرات].
فهذا نداء من الله للمؤمنين الذين صدَّقوا الله ورسوله، باجتناب الظن.
في نفس الوقت الذي يجب على الزوج أن يحسن الظن فيه بزوجته، ينبغي عليه أن يتحفظ ويحتاط ويبتعد عن مسبِّبات الفساد، وما يؤدِّي بها إلى المخالفات الشرعية.
4ـ الغيرة علي الأهل :ـ
الغيرة علي الأهل أن يحافظ عليها من التعرض للفتنة، أو أن تنكشف أمام الرجال الأجانب ،أو تظهر متبرجة سافرة ، فعن نبهان مولى أم سلمة أنها كانت عند رسول الله (ﷺ) وميمونة قال: فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه، وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب، فقال رسول الله (ﷺ): }احتجبا منه، فقلت: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله (ﷺ): أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه{. ]قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح[.
ولأهمية الغيرة في الإسلام ... فرض الله على المسلمات ستر مفاتنهن وعدم إبداء زينتهن:
قال تعالي }وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾، إلى قوله: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ (30){ [النور].
وقال تعالي }وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى (33){[الأحزاب].
بل نجده يحرم دخول الأجانب على النساء، كما حرم الخلوة بهن، قال رسول الله (ﷺ): }إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» فقال رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ الله أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قال: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ{ ]رواه البخاري[.
وقال رسول الله (ﷺ):}لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَلَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» فَقَامَ رَجُلٌ فقال يَا رَسُولَ الله إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا قال: «انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ{ ]البخاري ومسلم[.
فهذا مجاهد في سبيل الله أمره النبي (ﷺ) أن يعدل عن الغزو في سبيل الله كي يرافق امرأته التي خرجت في سفر فاضل هو سفر الحج، ومع رفقة هم أزكى الناس وأتقاهم، ثم إنها قد خرجت ومضت، ومع كل هذا قال رسول الله (ﷺ): }انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ{.
ونجد الغيرة علي الأهل كانت سمة السلف الصالح ، حيث قال سعد بن عبادة رضي الله عنه " لو رأيت رجلا ً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح ، فقال رسول الله (ﷺ): }أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه، والله أغير مني {.]رواه البخاري ومسلم[.
ولما دخل الثوار على سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه نشرت زوجه نائلة شعرها، كأنها تستنصر بمروءة هؤلاء الثائرين، فصرخ فيها عثمان وهو يقول: خذي خمارك فلعمري لدخولهم علىَّ أهون من حرمة شعرك.
فالرجل يغار على زوجه غيرة يصونها بها ويحفظها من كل ما يخدش شرفها ويمتهن كرامتها.
وهذه امرأة تقدمت إلى مجلس القاضي موسى بن إسحاق بمدينة الريّ سنة 286هـ فادّعى وكيلها بأن لموكِّلته على زوجها خمسمائة دينار (مهرها)، فأنكر الزوج فقال القاضي لوكيل الزوجة: شهودك.
قال: أحضرتهم. فطلب بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة، ليشير إليها في شهادته، فقام الشاهد وقال للمرأة: قومي.
فقال الزوج: ماذا تفعلون؟
قال الوكيل: ينظرون إلى امرأتك وهي سافرة الوجه، لتصحّ عندهم معرفتها (وذلك للحاجة).
قال الزوج: إني أُشهد القاضي أنّ لها عليّ هذا المهر الذي تدّعيه ولا تُسفر عن وجهها.
فقالت المرأة: فإني أُشهِد القاضي أني وهبت له هذا المهر وأبرأتُ ذمته في الدنيا والآخرة.
فقال القاضي وقد أُعجِب بغيرتهما: يُكتب هذا في مكارم الأخلاق.
وصدق القائل :
أصون عرضي بمالي لا أبدده لا بارك الله بعد العرض في المال
أحتال للمال إن أودى فأكسبه ولست للعرض إن أودى بمحتال.
يقول ابن القَيِّم :
"إذا ترحلت الغَيْرة من القلْب، ترحلت منه المحبَّة، بل ترحل منه الدِّين كله"
المبادئ لا تتجزأ ....الانسان الذي عنده كرامة ونخوة هو من يقدر يصون بيته وأهله
وكما ما قال الشاعر :
إِنَّ الرِّجَالَ النَّاظِرِينَ إِلَى النِّسَا مِثْلُ الكِلاَبِ تَطُوفُ بِاللَّحْمَانِ
إِنْ لَمْ تَصُنْ تِلْكَ اللُّحُومَ أُسُودُهَا أُكِلَتْ بِلاَ عِوَضٍ وَلاَ أَثْمَانِ
ومما قيل أيضاً: إن من لا غيرة له لادين له وإذا أردت أن تعرف حقيقة الرجل فانظر إلى غيرته.
5ـ البساطة وعدم التكلف :
البساطة وسط بين التكلف واللامبالاة ، فالتكلف إرهاق مادي ومعنوي ، واللامبالاة لؤم وسوء أدب ، والبساطة ببساطة تعني الوضوح والسهولة والواقعية وهي ضد التشبّع والتنطع والمبالغة ، وأكبر وأصرح وأنبل من التواضع الكاذب والزهد المزيف .
ولأننا في زمن سيطرت فيه المظاهر وأصبح التكلف سمة من سماته وغدا التنافس على الظهور بأحسن المظاهر شرطا عرفيا للمشاركة فيه ،ولو كلف ذلك ما كلف، ومجاراة الآخرين في الظهور أصبح شيئا مألوفا وقانونا اجتماعيا اُبتليت به المجتمعات وإن لله وإنا إليه راجعون مما سبب لها مزيدا من العناء والشقاء والكد والهموم والديون .
نجد البيوت تغرق في الكماليات والرفاهيات لآذانها وربما يكون الدخل محدود فيعش الإنسان في هم دائم ، وخلافات عائلية بسبب الديون، ولذلك استعاذ النبي (ﷺ) من الدين فقال عليه الصلاة والسلام: }اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال{ وضلع الدين هو: ثقله، وهو أن لا يجد الدائن من حيث يؤدي، وفي رواية:(من غلبة الدين وقهر الرجال).
وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله (ﷺ) كان يدعو في الصلاة ويقول :}اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم{.
ومن المعلوم لدينا والمقرر عندنا أنّ فن الحياة السعيدة نتعلمه من هدي نبينا محمد (ﷺ) في جميع جوانبها ومن ذلك قواعد البساطة المنافية للتكلف والبعيدة عن اللامبالاة ، فكان (ﷺ) لا يتكلف في لباس ولا طعام ، يلبس ما يتيسر ,وأكثر لبسه المعتاد من لباس الناس وكان يلبس جيد الثياب إذا اقتضى الأمر لمقابلة وفود ، أو لمناسبة عيد ، وكان يأكل ما يجده ، فإن وجد اللحم والحلوى أكل ، وإن لم يجد إلا الخبز والزيت أو الخل أكل ، وإن لم يجد ما يأكله بات طاوياً ، وربما شد على بطنه الحجر من شدة الجوع ، وكان ينام على فراض من جلد حشوه ليف ، ويجلس على الحصير وينام عليها كثيراً
وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها : }ما شبع آل محمد يومين من خبز بر ، ولقد كنا نمكث الشهر والشهرين لا يوقد في بيتنا نار ، وكان طعامنا التمر والماء{ .
ولقد توفي رسول الله (ﷺ) وما في بيتنا شيء يأكله ذو كبد ، إلا كسرة خبز من شعير على رف لي .
وقال أنس : رهن النبي (ﷺ) درعاً له على شعير يأخذه لطعام أهله .
وكان صلى الله عليه وسلم لا يعيب طعاما قط ، إن اشتهاه أكله وإلا تركه .
6ـ المعاشرة بالمعروف :
كان(ﷺ) حلو المعاشرة لزوجاته ، كثير المسامرة لهن ، متحملا لأخلاقهن ، كان (ﷺ) خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته من طيب كلامه وحُسن معاشرة زوجته بالإكرام والاحترام ، حيث قال (ﷺ):}خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي { ]رواه الترمذي[ .
وكان (ﷺ) يعدل بين نسائه ويتحمل ما قد يقع من بعضهن من غيرة كما كانت عائشة رضي الله عنها غيورة.
فعن أم سلمة رضي الله عنها أنها أتت بطعامٍ في صحفةٍ لها إلى رسول الله (ﷺ) وأصحابه، فجاءت عائشة... ومعها فِهرٌ ففلقت به الصحفة، فجمع النبي (ﷺ) بين فلقتي الصحفة وهو يقول: }كلوا، غارت أُمكم مرتين{ ثم أخذ رسول الله (ﷺ) صحفة عائشة فبعث بها إلى أُم سلمة وأعطى صحفة أُم سلمة عائشة. رواه النسائي وصححه الألباني .
وحسن العِشرة لفظ جامع ترجع إليه جميع الحقوق ،قال تعالي }وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (19){ ]النساء[
قال بعض المفسرين :قالوا: ليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها، بل أن تحتمل الأذى منها.
فالزوجة أمانة عند الزوج ، فيجب عليه إحسان معاملتها قولاً : بكلام حسن وعفّة لسان ، وفعلاً : بمعاملة كريمة ، لقوله تعالى:}وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً(19)]{النساء[
وعليه أن يغضَّ الطرف عن بعض أخطائها، ما لم يكن فيه إخلال بشرع الله، وهذا لا يكون إلا من خلال الموازنة بين حسناتها وسيئاتها، فإن رأى منها ما يكره؛ فإنه يرى منها ما يعجبه ويحبه.
وإلى هذا يشير النبي (ﷺ) }لا يفرك مؤمن مؤمنة ، أن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر { ]أخرجه مسلم[ .
وروى أبو هريرة رضي الله عنه في الحديث المتفق عليه عن النبي (ﷺ) أنه قال : " استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيرا ".
وألا يؤذيها بضربها في وجهها أو تقبيحها:
فقد قال النبي (ﷺ) (.. ولا تضرب الوجه، ولا تقبح.. ) ، وقال (ﷺ):(لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم).
وألا يهجر الزوج زوجته إلا في البيت، إلا أن تكون هناك مصلحة شرعية في الهجر خارج البيت، كما هجر النبي (ﷺ) أزواجه شهرًا في غير بيوتهن.
وأيضا علي الزوجة أن لا تغادر بيت الزوجية ولا تطلب الطلاق لمجرد هوي في نفسها ،
فعَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:}أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ { [الترمذي]
روت كتب الأدب والسيرة أن قاضياً شهيراً اسمه شريح لقيه صديقه الفضيل، فقال له: يا شريح، كيف حالك في بيتك ؟
قال: والله منذ عشرين عاماً لم أجد ما يعكِّر صفائي، قال: وكيف ذلك يا شريح ؟
قال خطبتُ امرأة من أسرة صالحة، فلما كان يوم الزفاف وجدتُ صلاحاً وكمالاً، يقصد صلاحاً في دينها، وكمالاً في خُلقها، فصليتُ ركعتين شكر على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي، وتشكر شكري، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب دنوتُ منها، فقالت لي: على
رِسلك يا أبا أمية، ثم قامت فخطبت، وقالت: أما بعد، فيا أبا أمية، إنني امرأة غريبة، لا أعرف ما تحب، ولا ما تكره، فقل لي ما تحبه حتى آتيه، وما تكره حتى أجتنبه، ويا أبا أمية، لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم ـ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فاتّقِ الله بي، وامتثل قوله تعالى: } فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ{ ]البقرة[
ثم قعدتُ ! قال: فألجأتني إلى أن أخطب، فوقفت وقلت: أما بعد، فقد قلتِ كلاماً إن تصدقي فيه، وتثبتي عليه يكن لكِ ذخراً وأجراً، وإن تَدَعيه يكن حجة عليك، أحِبُّ كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما وجدتِ من حسنة فانشريها، وما وجدتِ من سيئة فاستريها.
ولا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها، وهي لا تستغني عنه، وما وجدت من حسنة فانشريها، وما وجدت من سيئة فاستريها، قالت: كيف نزور أهلي وأهلك ؟
قال: نزورهم غباً، مع انقطاع بين الحين والحين لئلا يملُّوا، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال رسول الله (ﷺ): ( زر غباً تزدد حباً ) [الطبراني].
قالت: فمَن مِنَ الجيران تحب أن أسمح لهن بدخول بيتك ؟ ومن تكره ؟
قال: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم غير ذلك، يقول شريح: ومضى علي عام عدت فيه إلى البيت، فإذا أم زوجتي عندنا، رحبت بها أجمل ترحيب، وكانت قد علمت من ابنتها أنها في أهنأ حال، قالت: يا أبا أمية، كيف وجدت زوجتك ؟
قلت: والله هي خير زوجة، قالت: يا أبا أمية، ما أوتي الرجال شراً من المرأة المدللة فوق الحدود، فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت أن تهذب، ومضى علي عشرون عاماً لم أجد ما يعكر صفائي إلا ليلة واحدة كنت أنا الظالم.
7ـ الأسرة حقوق وواجبات :
قال تعالي }وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228 ){ ]البقرة[
كما أنك تحب أن تحترم أهلك هي تحب أن تحترم أهلها، كما تحب أن تراها بمظهر أنيق هي تحب أن تراك بمظهر أنيق، كما تحب أن تكون صادقة معك هي تحب أن تكون صادق معها، كما تحب أن تقدر شعورك ، هي أيضا تحب أن تقدر شعورها.
والمعروف في الفطرة ما ركز في أهل الفطرة، وما جبل عليه الإنسان، وكما تحب العناية بالنظافة الشخصية والاهتمام بحسن المظهر، فكذلك الزوجة، ورحم الله ابن عباس - رضي الله عنهما فقد قال: }إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستنظف كل حقي الذي لي عليها فتستوجب حقها الذي لها على، لأن الله تعالى قال: " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف{
وعليه أن يعف زوجته عن الحرام ، فيلبي الزوج رغبة الزوجة الفطرية؛ من أجل أن يغض طرفها عن الحرام، ويحصِّنها من الوقوع في الزنا، ويصونها ويحفظها من كل ما يخدش شرفها، ويثلم عرضها، ويمتهن كرامتها؛ ولذا أرشد النبي (ﷺ) عثمان بن مظعون إلى ما لأهله عليه من الحق، لما انقطع عنهم إلى العبادة، فقال عليه السلام (وإن لأهلك عليك حقًّا)
أما هذه الدرجة التي للزوج فهي درجة واحدة، درجة القيادة، لأن الزواج والبيت مؤسسة لا بد لها من قائد واحد، وصاحب قرار، لكن الزوج ينبغي أن يستشير زوجته أحياناً، والدليل أن الله عز وجل يقول: }وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ۖ (6){ ]الطلاق[
بل إن النبي عليه الصلاة والسلام في الحديبية استشار أم سلمة، وأشارت عليه، ونفذ استشارتها، وحلت المشكلة، ينبغي أن تستشيرها، وتستشيرك، وتتبادلا الآراء، ولكن هذه المؤسسة تحتاج إلى صاحب قرار، يقول الله عز وجل يقول: } وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159){ ]آل عمران[.
فهذه الدرجة درجة القرار، لأن الذي يراه الزوج قد لا تراه الزوجة، والذي يعرفه الزوج من الظروف المحيطة بالبيت قد لا تعلمها الزوجة، أما أن يظن الزوج أن له كل شيء، وليس لها شيء، فهذا جهل فاضح في قانون العلاقة الزوجية.
8ـ وضوح مفهوم القوامة :ـ
قال تعالي }الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ (34) { ]النساء[.
قوَامون جمع قوَام، قوَام صيغة مبالغة اسم الفاعل، شديد القيام، يفهمها بعض الناس أن قوامة الرجل سيطرة، وعنجهية، واستعلاء، واستبداد، وتعسف، لا أبداً، بل قوامة الرجل جهد كبير في داخل البيت وخارجه، متابعة للأمور، تصحيح للمسار، تصويب للأخطاء، هذه قوامة الرجل، فالله سبحانه وتعالى أناط مسؤولية الأسرة بالرجل، لأنه بحسب تكوينه الفكري والجسمي والاجتماعي والنفسي، لعله أقدر
على قيادة هذا المركب من الزوجة، فلذلك حينما يقول الله عز وجل:}الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ{.
بمعنى أنهم يتحملون مسؤولية سلامة، ونمو هذه الأسرة.
فالزوج يتحمل جميع أعباء البيت من نفقة وكسوة وسكني وعلاج وخلافه .. ولكي يحفز النبي (ﷺ) الزوج بالقيام بهذه الأعباء قال (ﷺ) "إن من أعظم الأمور أجرًا النفقة على الأهل" رواه مسلم .
لذلك كان سيدنا عمر ابن الخطاب يقول: لست خيراً من أحدكم، ولكنني أثقلكم حملاً، وينبغي أن يقول الزوج: لست خيراً من واحد من أسرتي، ولكنني أثقلهم حملاً، هذا معنى قوامة الزوج: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.
فهي تكليف، وليست تشريفًا، هي إشراف، وخدمة، وحرص، ودأب، وجهد، وسعي، وليست استعلاء وغطرسة، وتحكماً، وتعسفاً، واستبداداً.
9ـ الاهتمام بالمشاعر الإنسانية :
قال تعالي } وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21){[الروم]."
فإذا تأملنا هذه الآية الكريمة نجد أن الله تعالي قال: لتسكنوا إليها.. ولم يقل : لتسكنوا "عندها" .. أو : لتسكنوا "معها" ..
فسكن الشيء إلى الشيء بمعنى اطمأن وارتاح وأحسّ فعلاً بالأمان الداخلي أي أن السكن هنا سكنٌ قلبيّ وروحيّ وليس سكنٌ مكانيٌّ..
فجاءت إلى: بمعنى السكن الروحي ..وعند: للسكن المكاني ..
ولم يقل لتسكنوا معها لأن الحياة الزوجية ليست مجرد قضاء شهوة بل هي تزاوج عقلين وروحين
يقول الفخر الرازي :"يقال "سكن إليه" للسكون القلبي ..و"سكن عنده" للسكون الجسماني
لأن كلمة "عند "جاءت لظرف مكان ..وذلك للأجسام.. وكلمة "إلى" للغاية وهي القلوب..
فالزوجة قيل لها: سكن، بهذا الاعتبار، قال تعالي }وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا (189){ ]الأعراف[.
فيسكن الرجل إلى المرأة بقلبه وبدنه جميعاً كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله ، فكان من كريم أخلاقه (ﷺ) في تعامله مع أهله وزوجه أنه كان يُحسن إليهم ويرأف بهم ويتلطّف إليهم ويتودّد إليهم ، فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم ، وكان من شأنه (ﷺ) أن يرقّق اسم عائشة رضي الله عنها كأن يقول لها: (يا عائش )، ويقول لها: (يا حميراء) ويُكرمها بأن يناديها باسم أبيها بأن يقول لها: (يا ابنة الصديق) وما ذلك إلا تودداً وتقرباً وتلطفاً إليها واحتراماً وتقديراً لأهلها.
وكان يُسَرِّبُ إلى عائشة بناتِ الأنصار يلعبن معها، وكان إذا هويت شيئاً لا محذورَ فيه تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإِناء أخذه، فوضع فمه في موضع فمها وشرب، وكان إذا تعرقت عَرقاً ،وهو العَظْمُ الذي عليه لحم أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتكئ في حَجْرِها، ويقرأ القرآن ورأسه في حَجرِها، وربما كانت حائضاً، وكان يأمرها وهي حائض فَتَتَّزِرُ ثم يُباشرها، وكان يقبلها وهو صائم، وكان من لطفه وحسن خُلُقه مع أهله أنه يمكِّنها من اللعب.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت }خرجت مع رسول الله (ﷺ) في بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس : اقدموا فتقدموا، ثم قال لي : تعالي حتى أسابقك فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي : تعالي أسابقك فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول هذا بتلك{ ]رواه أحمد[.
ولم يستنكف النبي (ﷺ) بأن يصرح بحبه لزوجته عائشة رضي الله عنها، فعن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم: بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب.. فعدَّ رجالاً. ]متفق عليه[.
ومن حسن أخلاقه (ﷺ) أنه كان يسترها بردائه حتى تنظر إلى لعب الأحباش لتسليتها، بل كان عليه الصلاة السلام يقف دون كلل أو ملل حتى تمل رضي الله عنها وتنصرف.
ومن ذلك ما روته عائشة رضي الله عنه: }لقد رأيت رسول الله (ﷺ) يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد وإنه ليسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقف من أجلي حتى أكون أنا أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو{ ]رواه الشيخان[.
وقد كانت أم المؤمنين رضي الله عنها من شدة حبها لرسول الله (ﷺ) وورعها لله تعالى إذا كان هناك أي خصومة من الخصومات التي تحصل بين الأزواج لا تهجر إلا اسمه فقط. ويُبيِّن ذلك ما روته الصديقة رضي الله عنها عندما قال لها الرسول (ﷺ): "}إني لأعلم إذا كنتِ عني راضية، وإذا كنتِ علي غضبى»".
قالت: "ومن أين تعرف ذلك؟"، قال: «أما إذا كنتِ عني راضية، فإنكِ تقولين لا وربّ محمد. وإذا كنتِ غضبى، قلت: لا وربّ إبراهيم»". قالت عائشة: "قلت: أجل والله! يا رسول ما أهجر إلا اسمك{[رواه الشيخان].
وقد روي أنه (ﷺ) وضع ركبته لتضع عليها زوجه صفية رضي الله عنها رجلها حتى تركب على بعيرها) رواه البخاري.
ومن دلائل شدة احترامه وحبه لزوجته خديجة رضي الله عنها، (إن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها (صديقاتها)، وذلك بعد مماتها وقد أقرت عائشة رضي الله عنها بأنها كانت تغير من هذا المسلك منه ) رواه البخاري.
رسول الله (ﷺ) رغم كل المهام الرسالية والدعوية الكبيرة التي يحملها، كان لا يغفل الإشباع العاطفي للأهل ..ومن أجل تعزيز هذا الجانب وضع النبي (ﷺ) بعض النصائح منها ..
أـ الثناء والمديح من الزوج لزوجته في ترتيب البيت أو اختيار أصناف الطعام أو إتقان الطبخ، وكذلك لبسها وعطرها وأسلوب تربيتها لأولادها أو أسلوب تعاملها مع الآخرين، كل هذا مما يدخل السرور والسعادة إلى نفسها، وقد ذكر الرسول (ﷺ) في الحديث "إن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم" فكيف بمن هي أحب الناس إليه زوجته فليحتسب الزوج كل هذا عند الله سبحانه وتعالى .
دخل علي بن أبي طالب على زوجته فاطمة الزهراء رضي الله عنه وعنها بنت خير البشر محمد بن عبد الله (ﷺ) فرآها تستاك بسواك من أراك فقال لها في بيتين جميلين عجيبين :
حظيت يا عود الأراكِ بثغرها أما خفت يا عود الأراك أراكَ
لو كنت من أهـل القتال قتلتك ما فـاز منـي يا سِواكُ سِواكَ
ب ـ الكلمة الطيبة والابتسامة المشرقة لها اثر عظيم في إسعاد الزوجة كما قال الرسول (ﷺ) "الكلمة الطيبة صدقة".
وقال (ﷺ) "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو إن تلق أخاك بوجه طليق" .
وقال (ﷺ) "تبسمك في وجه أخيك صدقة" فكيف بالزوجة فإن الأجر أعظم وكم
لهذه الابتسامة من الزوج من اثر على نفسية الزوجة وكم من الكلمات الطيبة التي تسعد الزوجة وتزيل ألامها وتشحذ همتها لمواصلة الجهد في إسعاد هذه الأسرة.
ج ـ إذا أردت أن تعاتب أو تعاقب فلا تنفعل أمام الآخرين والأبناء على وجه الخصوص ولا توجه لها ألفاظ قد تجرح مشاعرها، أو تقارنها بغيرها من النساء، وأعلم أن مشاعر المرأة مثل الزجاج شفافة، حساسة، سهلة الخدش والكسر، لذلك قال (ﷺ) (رفقا بالقوارير).
دـ تقديم الهدية المناسبة للزوجة تعبيرا عن حبه لها وتقديره لها مما يقوي أواصر المحبة بين الزوجين وقد قال رسولنا الكريم (ﷺ) "تهادوا تحابوا".
د ـ الجلوس والمسامرة مع الزوجة : أن يجلس مع زوجته يحدثها ويستمع إلى حديثها، فهذا النبي (ﷺ) كان يجلس مستمعًا إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما كانت تقص عليه حديث النسوة اللاتي جلسن وتعاقدن على ألا يكتمن من خبر أزواجهن شيئًا ،وهو حديث أم زرع المعروف وهو حديث طويل، ومع ذلك لم يمل رسول الله (ﷺ) من عائشة وهي تحدِّثه؛ وكان عليه الصلاة والسلام يقول: يَا عَائِشَةُ، كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ ، إِلاّ أَنَّ أَبَا زَرْعٍ طَلَّقَ، وَأَنَا لا أُطَلِّقُ . رواه الطبراني بهذا اللفظ ، وأصله في الصحيحين .
10ـ حفظ الأسرار :
قال تعالي }هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ (187){ (البقرة)
أي هن ستر لكم وأنتم ستر لهن، لأن كلا الزوجين يستر صاحبه ويمنعه من الفجور ويغنيه عن الحرام، والعرب تكني عن الأهل بالستر واللباس والثوب والإزار.
فالعلاقة الزوجية لها قدسية وعقد الزواج الوحيد الذي ذكره الله تعالي بأنه ميثاق غليظ.
قال تعال }وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21) { ]النساء[ .
فكلٌّ من الزوجين أمين على أسرار الآخر، مهما كانت الأسرار صغيرة أوكبيرة لا يطلع عليها أحد مهما كانت درجة القرابة ، فيجب عليه حفظها وعدم إفشاءها، ومن أعظم هذه الأسرار وأشدها ، أسرار الجماع وما يجري بين الزوجين في الفراش.
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الزوج أو الزوجة الذي ينشر الأسرار الزوجية بأنه شيطان؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): }هل منكم رجل أتى أهله، فأغلق عليه بابه، وألقى عليه ستره، واستتر بستر الله؟ قالوا: نعم. قال: ثم يجلس بعد ذلك، فيقول: فعلت كذا، فعلت كذا. فسكتوا، ثم أقبل على النساء؛ فقال: منكن من تحدِّث؟ فسكتن، فجثت فتاة كعاب، على إحدى ركبتيها، وتطاولت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليراها ويسمع كلامها، فقالت: يا رسول الله، إنهم ليحدثون، وإنهن ليحدثن، فقال: هل تدرون ما مثل ذلك؟ إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطانًا في السكة، فقضى حاجته والناس ينظرون إليه{ ]رواه أبوداود وصححه الألباني[
بل بيَّن أن مفشي سرِّ زوجه من أشرِّ الناس منزلة يوم القيامة؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): }إنَّ مِن أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة، وتفضي إليه ثم ينشر سرَّها{ ]رواه مسلم[.
ولقد وصف النبي عليه الصلاة والسلام المرأة الصالحة بأنها ستّيرة، والمرأة الفاجرة فضّاحة، وقال في بعض الأحاديث: إني أكره المرأة تخرج من بيتها تشتكي على زوجها.
فحفظ الأسرار وعدم الخوض فيها علامة علي الإيمان والورع وخاصة عند حدوث المشاكل والخلافات ، فهذا أحد السلف الصالح أراد تطليق زوجته، فقيل ما يسوءك منها؟
قال: العاقل لا يهتك ستر زوجته، فلما طلقها قيل لم طلقتها؟ قال: مالي وللكلام عن امرأة صارت أجنبية عني .
11ـ التعاون سمة البيت المسلم :
كان (ﷺ) يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم ، وكانت عائشة تغتسل معه (ﷺ) من إناءٍ واحد، فيقول لها: (دعي لي) ، وتقول له: دع لي. رواه مسلم
عَنِ الأَسْوَدِ ، قَالَ: " سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ (ﷺ) يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ "] البخاري[
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان (ﷺ) يخيط ثوبه ،ويخصف نعله ،ويحلب شاته ،ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم فإذا حضرت الصلاة خرج إلي الصلاة) ]رواه أحمد[.
فمساعدة الزوج لزوجته في أعمال البيت اقتداء بالرسول الكريم (ﷺ) ولو بالقليل يضفي على جو البيت بهجة ويسعد الزوجة ويشعرها بتقدير زوجها لها فيسعدان معا بهذه المشاركة.
12ـ الحكمة في حل المشكلات :
نجد أن كلا الزوجين من بيئة مختلفة ويحملان طباع مختلفة لأن كل طرف تربي علي طريقة مختلفة عن الآخر فلابد أن يختلفا ،فمستحيل أن يتطابق زوجان مع
بعضها انطباق الكف على الكف لا تصدقوا , لا تصدقوا أن زوجاً وزوجته متفقين أو متفقان بدون أي اختلاف ، إذا انتفى كل فارق انتفت الإثنينيه ما دمت أنا وأنت اثنين إذا نحن مختلفان, فإذا تزوجت فأعلم أن زوجتك ستكون مختلفة معك وأنت راض بهذا الاختلاف .
فالاختلاف سنة ربانية لا مخلص منها، فالناس يختلفون في ألوانهم، وأشكالهم وقبائلهم وميولهم وعقولهم، وفي كل شيء، وقد قال الله تعالى }وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22){ [الروم].
فغالبا ما يحدث الخلاف في الحياة الأسرية ولكن علي الزوج أن يكون حكيما في القضاء علي أي خلاف يحدث ،وعليه أن يبدأ بنفسه بحل أي مشكلة بتجرد وإخلاص دون أن يعلم بها أحد من الأطراف الخارجية ، وإذا ما استدعي الأمر إلي الأطراف الخارجية فليطلب أناس مخلصون متجردون من أهله أو من أهل الزوجة كما فعل ذلك رسول الله (ﷺ) في حلِّ الخلافات الزوجية .
حدث خلاف ذات مرة بين النبي (ﷺ) والسيدة عائشة رضى الله عنها فقال لها :( مَنْ ترضين حكما بيني وبينك ؟ أترضَيْن بعمر ؟!
فقالت: لا إني أهاب شدَّته وغلظته، فقال : أترضَيْن بأبي عبيدة ؟!
قالت: لا، إنه يحبك وسيحكم لك، فقال : أترضين بأبيك أبى بكر ؟
فقالت: نعم .. فبعث إليه النبي (ﷺ) ، فلما دخل عليهما قال النبي (ﷺ) للسيدة عائشة : تتكلمين أنت أوَّلاً أم أتكلم أنا ؟
فقالت: تكلَّمْ يا رسول الله ولا تَقُلْ إلا حقاً.
فقام سيدنا أبو بكر رضي الله عنه إلى ابتنه ليضربها، فاحتَمَتْ بظهر النبي (ﷺ) الذى قال لأبى بكر: " دعوناك محَّكماً ولم نَدْعُكَ مؤَدِّبا ، فاخرج فما لهذا دعوناك " .
فلما خرج أبو بكر تنحَّت السيدة عائشة جانبا، فأراد النبي (ﷺ) أن يلاطفها فقال لها :" ادْن منى " ، فلم تقترب، فقال لها :" لقد كنتِ من قبلُ شديدة اللزوق بظهري "
(يقصد أنها كانت منذ لحظات تحتمى بظهره خوفا من أبيها).
فضحكت رضى الله عنها وضحك المصطفى (ﷺ) ، ودخل عليهما الصديق رضي الله عنه وهما يضحكان فقال لهما : أَشْركاني في سِلْمكما كما أشرْكتماني في حربكما . (أخرجه الإمام أحمد في مسنده) .
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ : }جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي البَيْتِ ، فَقَالَ : أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ ؟ قَالَتْ : كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي ، فَخَرَجَ ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) لِإِنْسَانٍ : انْظُرْ أَيْنَ هُوَ ؟ فَجَاءَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! هُوَ فِي المَسْجِدِ رَاقِدٌ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) يَمْسَحُهُ عَنْهُ ، وَيَقُولُ : قُمْ أَبَا تُرَابٍ ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ { ]رواه البخاري ،ومسلم[
الخاتمة:
أقول: إن هذه العلاقة بين الرجل والمرأة يجب أن تقوم على أساس التفاهم والتعاطف ، إن الفهم هو أساس هذه العلاقة الزوجية، وبدون الفهم لا يمكن أن تسير تلك العلاقة على ما يرمي إليه الشرع من ذلك الزواج؛ ولأن مشاعرهم تختلف عن بعضهم البعض، وكذلك اتجاهاتهم، ولكنهم فيما يتذكرون الله الذي خلق لهم من أنفسهم أزواجًا، وأودع في نفوسهم هذه العواطف والمشاعر، وجعل في تلك الصلة سكنًا للنفس، والعصب، وراحة وهدوءًا للجسم والقلب، واستقرارًا للحياة والمعاش، وأنسًا للأرواح، ومن أجل الطمأنينة للرجل والمرأة.
ولنتفكَّر في تعبير القرآن في قول الله: } لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا (21){ [الروم].
وقوله: }وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً(21){ [الروم]؛ فهذا التعبير الرقيق يصور هذه العلاقة، وكأنما يلتقط صورة من أعماق القلب والحس.
وما أجمل تلك الآيات: }إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21){ [الروم]، وكأن الله خص أهل الفهم الصحيح السليم في ذلك، حكمة الخالق في خلق كل من الجنسين ليوافق كل زوج زوجه الآخر، من أجل تلبية الحاجات الفطرية؛ من نفسية، وعقلية، وجسدية، وبهذا يكون السكن، والاكتفاء، والمودة، والرحمة، من أجل إنشاء حياة جديدة، تتجسد واقعًا في أجيال جديدة، ووالله لن ينشأ هذا المجتمع المسلم الذي أراده الإسلام لعمارة هذه الأرض إلا من خلال تطبيق هذا واقعًا في حياة المسلمين.
فاللهم احفظ بيوت المسلمين واجعلها آمنة مطمئنة سخاءًا رخاءًا وسائر بيوت المسلمين . اللهم آمين
رابط doc
https://www.raed.net/file?id=348202
رابط pdf
https://www.raed.net/file?id=348205