26 يونيو 2023

العيد رمز الوحدة والقوة

 



الحمد لله الذي خلق فسوي ،وقدر فهدي ، وأضحك ،وأبكي ، وأمات وأحيا }وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلِيّٞ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِيرَۢا (111){ ] الإسراء[
الله أكبر، الله أكبر ، الله أكبر، لا إله إلا الله إلا الله ، الله أكبر ولله الحمد ..
الله أكبر تكبيرة عابد ، الله أكبر صيحة كل مجاهد ، الله أكبر بها فتحنا خيبر ،
الله أكبر بها انتصرنا علي جحافل كسري وقيصر .
الله أكبر ما وفق الله المسلمين لحج بيته الحرام ، الله أكبر ما تركوا ديارهم وأموالهم وأولادهم وخرجوا لأداء فريضة الحج طمعا في الرحمة والرضوان . الله أكبر ما تجردوا من ثيابهم وارتدوا ملابس الإحرام ، الله أكبر ما ارتقعت أصواتهم بالتلبية والتهليل والتكبير لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ، الله أكبر ما طافوا بالبيت الحرام وسعوا مهللين ومكبرين بين الصفا والمروة ، الله أكبر ما خرجوا من مكة إلي عرفات ، الله أكبر ما تجلي عليهم ربهم في هذا المكان بالرحمات ،
الله أكبر ما أزيلت الفوارق بين الطبقات وتمت المساواة بين الأغنياء والفقراء ،ووقفوا صفا واحدا أمام الواحد الديان . 
الله أكبر ما تجلي رب الكائنات علي كل واحد منهم فطهرة من ذنوبه وكفر عنهم سيئاته ومنحه بفضله الأجر العظيم والثواب الأكبر .
الله أكبر ما ذبح كل مسلم أضحيته في هذا اليوم العظيم وعلي مقاومة النفس والشيطان صبر وانتصر ، سبحانك يا من جمعت القلوب علي الحق بحكمتك ووسعت كل شيء بعلمك وقدرتك ورحمتك ، سبحانك تخلق ما تشاء وتختار سبحانك أنت الواحد القهار ، سبحانك آناء الليل وأطراف النهار .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. صدق وعده ، ونصر عبده , وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده ..
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ،و صفيه من خلقه وحبيبه ، بلغ الرسالة ،وأدي الأمانة ، ونصح للأمة وكشف الله به الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده حتي أتاه الله اليقين .
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين.
أما بعـــد … فيا أيها المؤمنون…
إن العيد من شعائر الإسلام العظيمة الظاهرة، والعيد يتضمن معاني سامية جليلة، ومقاصد عظيمة فضيلة، وحِكماً بديعة، من المعاني والمقاصد العظيمة في العيد إن العيد رمز الوحدة والقوة وهذا هو موضوعنا ويتناول هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ العيد رمز الوحدة والقوة.
2ـ العيد ومبدأ المساواة الإنسانية.
3ـ وحدة الأمة فريضة شرعية وضرورة بشرية.
4ـ آثار الوحدة والترابط على الأمة.
5ـ خطورة الفرقة.
6ـ الخاتمة.
العنصر الأول: العيد رمز الوحدة والقوة:
 فنحن نعيش الآن الساعات الأولى من يوم عيد الأضحى المبارك، يوم العيد الأكبر، الذي يلتقي فيه المسلمون على صعيد الحب والإخاء يتبادلون أحاديث الود والصفاء، فتقوى صلاتهم وتتوثق أخوتهم فيحمدون الله عز وجل على نعمة الشريعة الإسلامية التي جمعتهم برباطها، وألفت بين قلوبهم، وشدت بعضهم إلى بعض، بعرى العقيدة والإيمان، فأصبح مثلهم في المودة والتراحم كمثل الجسد الواحد والبنيان المرصوص، فالتواصل بين المسلمين، والتزاور، وتقارب القلوب، وارتفاع الوحشة، وانطفاء نار الأحقاد والضغائن والحسد، فالتراحم والتعاون والتعاطف صفة المؤمنين فيما بينهم، كما روى البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله : }مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى{
فالعيد رمز للوحدة بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وعنوان قوة الأمة وعزتها ، حيث يجتمع المسلمون على طاعة واحدة وهدف واحدة وهذا ما أسسه القرآن الكريم وسنة النبي (ﷺ) فقال الله تعالى }يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ (13){ ] الحجرات[
وقال النبي (ﷺ) في يوم النحر } يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى. ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: فليبلغ الشاهد الغائب{.
العنصر الثاني :العيد ومبدأ المساواة الإنسانية:
فقد يختلف الناس في أجناسهم وعناصرهم وفي أنسابهم و ثرواتهم ولكن هذا الاختلاف لا يجعل لواحد منهم قيمة إنسانية اكبر من قيمة الآخر الذي هو اقل منه بل إن قيمة الإنسانية واحدة للجميع.
ولم يكتف الإسلام بتقرير مبدأ المساواة نظريا بل أكده عمليا وذلك بالعبادات 
والشعائر التي فرضها الإسلام من صلاة وزكاة وصيام وحج, ففي المساجد حيث تقام صلاة الجمعة ،والجماعة تأخذ المساواة صورتها العملية فمن ذهب إلى المسجد أولا اخذ مكانه في مقدمة الصفوف وإن كان أقل الناس مالاً وأضعفهم جاهاً, ومن تأخر حضوره تأخر مكانه مهما يكن مركزه ولو نظرت إلى الصف واحد من صفوف المصلين لرأيت الغني بجانب الفقير والحاكم بجانب المحكوم فلا فرق بين واحد وآخر فكلهم سواسية أمام الله في قيامهم وقعودهم وركوعهم وسجودهم, وكذلك الأمر في الحج.
ومن المساواة العملية التي قررها الإسلام قولا وطبقها فعلا المساواة أمام قانون الشرع وأحكام الإسلام, فالحلال حلال للجميع والحرام حرام على الجميع والفرائض ملزمة للجميع والعقوبات مفروضة على الجميع, فمثلا: حاولت إحدى القبائل عند دخولها الإسلام أن تعفى من الصلاة حينا من الزمن فأبى عليها ذلك رسول الله (ﷺ) وقال: }لا خير في دين لا صلاة فيه {
وقد قضي الإسلام على كل ألوان التمييز العنصري ففي خطبة الوداع يقرر النبي (ﷺ) هذا المبدأ فيقول " إن ربا الجاهلية موضوع وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب ، وإن دماء الجاهلية موضوع، وإن أول دم أبدأ أضع دم عامر ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب".
فالناس متساوون في التكاليف حقوقاً وواجباتٍ، لا فرق بين عربيٍ ولا عجمي إلا بالتقوى، لا تفاضل في نسب، ولا تمايز في لون، فالنزاعات العنصرية والنعرات الوطنية لا يعتد بها الإسلام فالكل سواسية أمام الله ففي الإسلام لا فرق بين أبيض ولا أسود ولا أحمر و لا يوجد نسب ولا مال ولا جاه الكل سواء أمام الله.
فما أحل الله بشريعته فهو حلال للناس كافة، وما حرَّم فهو حرام على الجميع كافة إلى يوم القيامة. السرقة مثلاً حرام، سواء أكان السارق ينتمي إلى المسلمين، أمْ لاَ ينتمي، وسواء أكان المسروق ينتمي إلى المسلمين، أم لا ينتمي، والجزاء لازم للسارق، أياً كان نسبه أو مركزه .
وقد حاول بعض الصحابة أن يُشَفِّعوا أسامةَ بن زيد، حِبِّ رسـول الله صلى الله عليه وسلم وابن حَبِّه في امرأة من قريش، من بني مخزوم، سرقت فاستحقت أن يُقام عليها حدُّ السرقة، فكلَّمه أسامة فيها، فغضب عليه الصلاة والسلام غضبته التاريخية المعروفة، وقال قولته التي خلَّدها التاريخ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا" [البخاري ومسلم]
المهم أن نعلم أن الإسلام نادى بالمساواة نظرياً وطبقها عملياً وأقام علينا مجتمع حطم كل الفوارق التي تقيم الحواجز بين الناس من عنصرية ولونية وطبقية كما نرى ذلك واضحاً في صفحات الحضارة الإسلامية.
العنصر الثالث :وحدة الأمة فريضة شرعية وضرورة بشرية :
وقد أقر الله عز وجل وحدة الأمة في القرآن الكريم فقال تعالي {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)}[المؤمنون].
فيجب أن نحافظ على وحدة الأمة ، فوحدة الأمة فريضة شرعية وضرورة بشرية فلا ريب أن توحيد الصفوف واجتماع الكلمة هما الدعامة الوطيدة لبقاء الأمة ، ودوام دولتها ٬ ونجاح رسالتها ولئن كانت كلمة التوحيد هي باب الدخول في الإسلام، فإن توحيد الكلمة سر البقاء فيه  والإبقاء عليه والضمان الأول للقاء الله بوجه مشرق وصفحة نقية ..!!
وفى الحديث الشريف قال رسول الله (ﷺ):{ثلاث لا يُغل عليهن قلب امرئ مُؤمن: إخلاصُ العمل لله : والمناصحة لأئمة المسلمين . ولزوم جماعتهم ٬ فإن دعاءهم يحيط من ورائهم}.
فلا يوجد دين دعا إلى الأخوة التي تتجسد في الاتحاد والتضامن، والتساند والتآلف، والتعاون والتكاتف، وحذر من التفرق والاختلاف والتعادي، مثل الإسلام في قرآنه وسنته.
فيجمع بين الناس في وحدة العقيدة ، ووحدة الشعائر والشرائع ، ووحدة المصدر والتلقي .
وحدة العقيدة : فعقيدة المسلمين في الله تعالى وفي جميع أركان الإيمان واحدة، لا اختلاف بينهم في أصول الدين ومبادئه الأساسية، فالمسلمون كلهم يؤمنون بوحدانية الله تعالى، ويؤمنون بالملائكة، وبالكتب، وبالرسل، وباليوم الآخر، وبالقضاء والقدر خيره وشره، قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ(285)} [البقرة].
وحدة الشعائر والشرائع: فجميع ما يطبقه المسلمين في عباداتهم من شعائر جملة واحدة لا تختلف، وكذلك ما يحتكمون إليه من الشرائع في شتى جوانب الحياة، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ.. (13)} [الشورى].
قال السعدي رحمه الله :{ومن أنواع الاجتماع على الدين وعدم التفرق فيه، ما أمر به الشارع من الاجتماعات العامة، كاجتماع الحج والأعياد، والجمع والصلوات الخمس والجهاد، وغير ذلك من العبادات التي لا تتم ولا تكمل إلا بالاجتماع لها وعدم التفرق}[ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنانٍ].
فقد شرع الله للمسلمين من الدين شعائر يعظمون بها الله تعالى ويتقربون بها إليه
سبحانه، وأعظم تلك الشرائع هي أركان الإسلام وهي بعد الشهادتين: الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ﷺ): }بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان{  ]متفق عليه[.
وهذه الأركان لا تستثني أحدا من المسلمين، وقد روعي في تشريعها تحقيق قوة الأمة الإسلامية وتماسكها وتعاون أفرادها فيما بينهم، ولذلك فإن أتم صور تطبيقاتها ما أدى إلى تحقيق هذه المقاصد العظيمة والغايات الجليلة.
والزكاة فريضة اجتماعية تغرس في نفوس الأغنياء روح الإحسان، وتطهرهم من البخل والشح، وهي من أنجع وسائل محاربة الفقر في المجتمع الإسلامي .
وتبدوا مقاصد قوة الأمة الإسلامية وتماسكها وتعاون أفرادها واضحة وجلية في شعيرة الصلاة حين تؤدى جماعة في المساجد وبالأخص في الجمع والجماعات والأعياد، وهي واضحة وجلية أيضا في مناسك الحج حين يلهج الحجاج بالتوحيد، وحين يدفعون إلى منى، ثم إلى عرفات، وهكذا في كل تنقلاتهم بين المشاعر المقدسة، لا تمييز بين أبيض وأسود، ولا بين عربي وأعجمي.
وحدة المصادر والتلقي: فأما عن وحدة المصادر والتلقي ، فللدين الإسلامي مصادر ومراجع محددة يتلقى منها المسلمون جميعا العقائد والعبادات والأخلاق والشرائع، قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)} [النساء].
ولقد دعي النبي (ﷺ) إلى الوحدة وحذر من الفرقة.
روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: خطبنا عمر بالجابية (اسم موضع) فقال: يا أيها الناس، إني قمت فيكم مقام رسول الله (ﷺ) فينا، فقال: أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم..
}عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد{.
وقال (ﷺ) }ومن أراد بحبوحة الجنة، فليلزم الجماعة {
وروي عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ﷺ):{يد الله مع الجماعة}.
وروي عن ابن عمر أن رسول الله (ﷺ) قال: {إن الله لا يجمع أمتي ـ أو قال: أمة محمد (ﷺ)على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار}.
وفي الصحيحين: }أن من فارق الجماعة شبرا فمات، فميتة جاهلية {
وقال (ﷺ) }المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم{.
العنصر الرابع : آثار الوحدة والترابط على الأمة :
ولقد حرص الإسلام على ضرورة الاتحاد والترابط، والملموس لدى الجميع أن وراء الاتحاد منافع كثيرة واثارا في حياة الأمة لا تخفى على أولي الألباب.
1- الاتحاد يقوي الضعفاء ويزيد الأقوياء قوة على قوتهم:
فاللبنة ضعيفة بمفردها مهما تكن متانتها ولكنها في الجدار قوية لا يسهل تحطيمها لأنها باتحادها مع اللبنات الأخرى في تماسك ونظام أصبحت قوية لها أثرها وهذا ما أشار إليه الحديث الشريف }المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك رسول الله (ﷺ) بين أصابعه{ ]متفق عليه[.
ولقد جاء في القرآن الكريم ما يؤكد هذا الامر قال تعالى في سورة الصف {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)}[الصف].
والقصة المشهورة التي علمها الأب لأبنائه تؤكد هذا المعنى، إذ لم يستطع أي واحد منهم، أن يكسر مجموعة العصي المتضامنة على حين أمكن بيسر كسر كل منها على حدة، وقال في ذلك:
كونوا جميعا يا بني إذا اعترى خطب ولا تتفرقوا آحادا!
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت أفرادا!
2ـ الاتحاد عصمة من الهلكة:
فالفرد وحده يمكن أن يضيع، ويمكن أن يسقط، ويفترسه شياطين الإنس والجن، ولكنه في الجماعة محمي بها كالشاة في وسط القطيع، لا يجترئ الذئب أن يهجم عليها، فهي محمية بالقطيع كله، إنما يلتهمها الذئب حين تشرد عن جماعتها وتنفرد بنفسها، فيجد فيها ضالته، ويعمل فيها أنيابه، ويأكلها فريسة سهلة.
وفي هذا جاء الحديث: }إن الشيطان ذئب الإنسان، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية{
ومما له دلالته القوية في الحفاظ على وحدة الأمة ما سجله القرآن الكريم في قصة موسى عليه السلام حينما ذهب لمناجاة ربه، استجابة لوعد الله تعالى، الذي واعده ثلاثين ليلة، ثم أتممها بعشر، فتم ميقات ربه أربعين ليلة، وخلف في قومه أخاه وشريكه في الرسالة هارون عليهما السلام.
وفي غيبة موسى فتن قومه بعبادة العجل الذي صنعه لهم السامري، فلما رجع موسى إلى قومه، فوجئ بهذا الانحراف الكبير الذي يتصل بجوهر العقيدة التي بعث بها هو، وبعث بها كل الرسل من قبله ومن بعده.
وهنا غضب موسى، وألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، وقال: {يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ ۖ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93)}[طه].
فكان جواب هارون كما ذكر القرآن:{ قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)}[طه].
وفي هذا الجواب نرى أن نبي الله هارون اعتذر لأخيه بهذه الجملة: }إني خشيت أن تقول: فرقت بين بني إسرائيل، ولم ترقب قولي{.
ومعنى هذا أنه سكت على ارتكاب الشرك الأكبر، وعبادة العجل، الذي فتنهم به السامري، حفاظا على وحدة الجماعة، وخشية من تفرقها، وهي لا شك  خشية موقوتة بمدة غياب موسى، حتى إذا عاد تفاهم الأخوان الرسولان في كيفية مواجهة الأزمة.
العنصر الخامس: خطورة الفرقة :
الفرقة تؤدي إلي إلحاق الهزيمة والفشل بالأمة ، ولقد حذر الله تعالي الأمة من التفرق والتشاحن، لأن التفرق والتشاحن يؤديان إلى تفرق الأمة وإلحاق الهزيمة بها، وهذا ما يريده أعداء الإسلام ،ولقد حكي لنا القرآن الكريم هذا الموقف من اليهود أعداء الأمة وهم يريدون زرع الفتنة والشقاق بين المسلمين فيقول الله تعالى في سورة آل عمران: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)}[آل عمران].
في الآيات الكريمة دعوة قوية إلى توحيد الكلمة، واجتماع الصف المسلم على الإسلام، وقد حذرت دسائس غير المسلمين، ومن طاعتهم فيما يوسوسون به، فليس وراءها إلا الارتداد على الأعقاب، والكفر بعد الإيمان.
وعبرت عن الاتحاد بالإيمان، وعن التفرق بالكفر، فإن معنى (يردوكم بعد إيمانكم كافرين) أي بعد وحدتكم وأخوتكم متفرقين متعادين .
إن أفراد الأمة إذا لم يجمعهم الحق فرقهم الباطل، وإذا لم توحدهم عبادة الرحمن مزقتهم عبادة الشيطان.
قيل لأحد العلماء رحمة الله عليه أدرك المصلين في المسجد يوشك أن يتقاتلوا قال: علامَ؟ قيل: بعضهم يريد أن يصلي التراويح ثماني ركعات، والبعض الآخر يريد أن يصليها عشرين ركعة، قال: ثم ماذا؟ قالوا: هم في انتظار فتواك، فقال الشيخ إجابة عن السؤال: الفتوى أن يغلق المسجد فلا تصلى فيه تراويح لأنها لا تعدو أن تكون نافلة ووحدة المسلمين فريضة مؤكدة ولا قامت نافلة تهدم الفريضة.
ويقول الله تعالي {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)}[الأنفال].
وأخبر النبي (ﷺ) عن تكالب الأمم على أمة الإسلام فقال (ﷺ) في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره من حديث ثوبان: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قيل: يا رسول الله! فمن قلة يومئذ؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم؛ لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت».
والرد العملي علي ذلك أن يتوحد المسلمون في مواجهة أهل الكفر والإلحاد وكبح جماعهم وقد نبه الله تعالي في قوله تعالي {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)}  [التوبة] .
 فَلْنَسْتَجِبْ لنداءِ اللهِ ورسولِه لتوحيدِ الصفِّ ، وجمعِ الكلمةِ، والعودةِ إلى بَعْثِ الأخوةِ الإسلاميةِ التي لا آصرة أقوى منها ، ولا رابطةَ أشرفُ منها وأقدس، ولا علاقةَ أمتنُ منها وأدومُ ، وأنفعُ للبشرية منها وأجدى .
الخاتمة:
إن أمتنا اليوم في حاجة ماسة للوحدة أكثر من أي وقت مضى ، ،ولأن الاجتماع والاتفاق سبيل إلى القوة والنصر ، والتفرق والاختلاف طريق إلى الضعف والهزيمة ، وما ارتفعت أمة من الأمم وعلت رايتها إلا بالوحدة والتلاحم بين أفرادها ، وتوحيد جهودها ، والتاريخ أعظم شاهد على ذلك .
فالعيد الحقيقي يوم يعطف الغني على الفقير، ، يوم يتصالح الناس ويتسامحون، يوم يتحابّ المسلمون فيما بينهم، يوم يحافظ الناس على ما يرضي ربهم لا ما يغضبه، يوم يشعر الناس بهموم الناس، يوم يتم احترام قيمة الإنسانية فلا يُعتدى على مال الإنسان وحريته وعقله ودينه ونفسه.
"والله لو كبَّرَت قلوبُ المسلمين كما كبَّرت ألسنتهم، لغيَّروا وجه التاريخ، ولو
اجتمعوا دائمًا كما يجتمعون لصلاة العيد، لهزَموا جحافل الأعداء، ولو تصافحَت قلوبهم كما تتصافح أيديهم، لقضوا على عوامل الفُرقة، ولو تبسَّمت أرواحهم كما تبسَّمت شفاههم، لكانوا مع أهل السماء، ولو لبسوا أكمل الأخلاق كما يلبسون أفخر الثياب، لكانوا أجمل أمة على الأرض"، فهذه دعوة لكل المتخاصمين في صباح العيد إلى أن تتصافح قلوبهم كما تتصافح أيديهم؛ روى ابن السُّنِّي والطبرانيُّ عن أنس رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال:}أيَعجز أحدُكم أن يكون كأبي ضَمضَمٍ؟، قالوا: مَن أبو ضمضم يا رسول الله؟ قال: كان إذا أصبح قال: اللهمَّ إني قد وهبتُ نفسي وعِرضي لك، فلا يشتم من شتَمَه، ولا يَظلِم مَن ظلَمه، ولا يَضرب مَن ضربَه{.
 نحن في هذا اليوم جدير بنا أن نمدَّ أيدينا بالمصافحة، وألسنتَنا بالكلام الطيب، وقلوبنا بغَسلِها مِن الأضغان والأحقاد والشَّحناء والبغضاء؛ فيجب اليوم أن تتواصَلَ أرحامُنا، وتتقارَب قلوبُنا؛ هذا هو جوهر العيد في الإسلام.
نسأل الله تعالى أن يوحد صف المسلمين وأن يجمع شمل المسلمين ، وأن يؤلف بينهم ، وأن يصلح ذات بينهم إنه ولي ذلك ومولاه ، وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

========================

رابط doc

https://top4top.io/downloadf-27321utqn1-docx.html

رابط pdf

https://top4top.io/downloadf-2732xmtsh2-pdf.html

ليست هناك تعليقات: